المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثانى) سببها (وقتها) - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٢

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثانى) سببها (وقتها)

الجميع كصلاة الجنازة وإلا أثم الكل (والواجب) قسمان: (أ) واجب لعينه وهو مالا يتعلق وجوبه بعارض كالوتر وصلاة العيدين وسجدة التلاوة.

(ب) واجب لغيره وهو ما يتعلق وجوبه بعارض كسجدتى السهو وركعتى الطواف وقضاء نفل أفسده والمنذور (والنفل) قسمان: مؤكد كركعتى الفجر. وغير مؤكد كأربع قبل العصر.

(الثانى) سببها (وقتها)

السبب الحقيقى لافتراض الصلاة، إيجاب الله تعالى فى الأزل. لكن لما كان غيبيا عنا جعل الله تعالى لها أسبابا ظاهرية تيسيرا وهى الأوقات. قال تعالى:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (1)، أى زوالها، وقال:{أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ} (2)، وقد جاء بيان أوقات الصلاة المكتوبة فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" أمّنى جبريلُ عليه السلام عند البيتِ مرتين: فصلّى بىَ الظهرَ حين زالت الشمس وكانت قدرَ الشِّراك. وصلى بىَ العصرَ حين كان ظِلُّ كلِّ شئ مثله. وصلّى بى المغربَ حين أفطر الصائمُ. وصلى بى العشاءَ حين غاب الشفقُ. وصلى بى الفجرَ حين حرُم الطعامُ والشرابُ على الصائم. فلما كان الغدُ صلى بى الظهرَ حين كان ظلّ كل شئ مثلَه. وصلى بى العصرَ حين كان ظلُّه مِثْليه. وصلى بى المغربَ حين أفطر الصائم. وصلى بى العشاءَ إلى ثُلثِ الليل. وصلى بى الفجر فأسفرَ. ثم التفت إلىّ وقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى

(1) سورة الإسراء آية: 78.

(2)

سورة هود آية: 114.

ص: 6

وابن حبان والحاكم بسند صحيح والترمذى وقال: حديث حسن وصححه ابن عبد البر (1). {8}

وهناك بيان الأوقات على ترتيب الحديث:

(أ) وقت الظهر: دل الحديث على أن أول وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء فى رأى العين، ومتفق عليه، وأن آخره أن يصير ظل كل شئ مثله (وقد اختلف) العلماء فى هذا (فقال) مالك وطائفة: إن وقت الظهر يبقى بعد أن يصير ظل الشئ مثله قدر أربع ركعات، ويدخل وقت العصر به، لقوله فى الحديث "فلما كان الغد صلّى بىَ الظهر حين كان ظلّ الشئ مثلّه " وقد صلى العصر فى اليوم الأوّل حين صار ظل كل شئ مثله. فظاهره اشتراكهما فى قدر أربع ركعات (وقال) النعمان: آخر وقت الظهر إذا صار ظل الشئ مثليه سوى ظل الزوال. لكنه خلاف ظاهر الحديث. ولذا قال أبو يوسف ومحمد والشافعى والجمهور: إنه لا اشتراك بين الظهر والعصر فى الوقت، بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشئ مثلَه - غير ظل الزوال - دخل وقت العصر (لحديث) عبد الله بن عمرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" وقتُ الظهر إذا زالت الشمسُ وكان ظلّ الرجلِ كطوله ما لم يحضُر العصرُ " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (2). {9}

(1) انظر ص 239 ج 2 - الفتح الربانى. وص 282 ج 3 - المنهل العذب (المواقيت) وص 140 ج 1 تحفة الأحوذى. و (أمنى) أى صلى بى إماما عند الكعبة. وكان ذلك صبيحة ليلة الإسراء. و (الشرك) بكسر أوله أحد سيور النعل و (أسفر) أى أخره على وقت الإسفار وهو ظهور نور الصبح جليا.

(2)

انظر ص 242 ج 2 - الفتح الربانى. وص 112 ج 5 نووى (أوقات الصلوات) وص 90 ج 1 مجتبى (آخر وقت المغرب) وص 302 ج 3 - المنهل العذب (المواقيت)

ص: 7

(وأجابوا) عن حديث ابن عباس بأن معناه فرغ من الظهر فى اليوم الثانى حين صار ظل الشئ مثله وشرع فى العصر فى اليوم الأوّل حينذاك. فلا اشتراك بينهما. فهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث، ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا، لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شئ مثله، لم يعلم متى فرغ منها. وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات. وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت وانتظمت الأحاديث (1) وهذا تأويل حسن لو لم يعارضه ما فى حديث جابر أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم يُعلّمه مواقيتَ الصلاة، فتقدّم جبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلفَه والناسُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى الظهر حين زالت الشمس. وأتاه حين كان الظلّ مثلَ شخْصه فصنع كما صنع. فتقدّم جبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العصر (الحديث) وفيه: ثم أتاه فى اليوم الثانى حين كان ظلُّ الرجل مثل شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى الظهر. ثم أتاه جبريل حين كان ظل الرجل مثلى شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر " أخرجه النسائى (2). {10}

فهذا صريح فى أنه تقدم للظهر فى اليوم الثانى بعد صيرورة ظل الرجل مثل شخصه كما صنع فى العصر فى اليوم الأول.

(فائدة) طريق معرفة الزوال أن يُنصَب عود مستقيم على أرض مستوية ويجعل عند منتهى الظل علامة، فما دام ظل العود ينقص فالشمس لم تزل

(1) انظر ص 110 ج 5 شرح مسلم.

(2)

انظر ص 89 ج 1 مجتبى (التشديد فى آخر العصر).

ص: 8

ومتى وقف فهو وقت الاستواء. وحينئذ تجعل علامة على رأس الظل. فما بين العلامة وأصل العود هو المسمى فئ الزوال. وإذا أخذ الظل فى الزيادة، علم أن الشمس زالت، فتوضع علامة على رأس الزيادة. فإذا صار ظل العود مثله من العلامة - لا من العود - جاء وقت العصر.

هذا. ويستحب الإبراد بظهر الصيف (أى تأخير صلاته عن أوّل وقتها إلى أن تنكسر شدة الحر) بشرط أن يُصَلَّى قبل أن يصير الظل مثله. ويستحب تعجيل ظهر الشتاء عند الجمهور ومنهم الحنفيّون (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إذا اشتد الحر فأبرِدوا بالصلاة (وفى رواية بالظهر) فإن شدة الحر من فيح جهنم " أخرجه مالك وأحمد الشيخان (1). {11}

(وقال) أبو خلْدة خالد بن دينار: صلى بنا أميرنا الجمعة ثم قال لأنس: كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر؟ قال: " كان إذا اشتد البرد بكّر بالصلاة. وإذا اشتد الحر أبرد الصلاة " أخرجه البخارى (2). {12}

(1) انظر ص 252 ج 2 - الفتح الربانى. وص 12 ج 2 فتح البارى الإبراد (الإبراد بالظهر فى شدّة الحر) وص 118 ج 5 نووى. و (فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون الياء: شدّة حرها وغليانها قال القاضى عياض: اختلف فى معناه. فقيل هو على ظاهره. وقيل بل هو من باب التشبيه. وتقديره إن شدة الحر تشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره. والأوّل أظهر. قال النووى وهو الصواب، لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حملة على حقيقته. انظر ص 120 ج 5 شرح مسلم. = ويدل له حديث: شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعض بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف فأشدها ما تجدون من الحر. واشد ما تجدون من الزمهرير. أخرجه البخارى عن أبى هريرة. انظر ص 210 ج 6 فتح البارى (صفة النار - بدء الخلق).

(2)

انظر ص 265 ج 2 منه (إذا اشتد الحر يوم الجمعة).

ص: 9

والجمعة كالظهر. والأمر فى الحديث للندب عند الجمهور وقيل للإرشاد. والقرينة الصارفة له عن الوجوب: الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالهاجرة (شدة الحر) وأيضاً لما كانت الحكمة فى الإبراد دفع المشقة عن المصلى، كان ذلك من باب النفع له، فلو كان الأمر للوجوب لكان حرجاً وتضييقاً عليه، فيعود الأمر عليه بالضرر (وظاهر) الأحاديث يدل على أنه لا فرق فى الإبراد بظهر الصيف بين الجماعة والمنفرد والبلاد الحارة وغيرها. وبه قال الحنفيون وأحمد وإسحاق (وقال) أكثر المالكية: الأفضل للمنفرد التعجيل. لكن مقتضى التعليل الذى يتسبب عنه ذهاب الخشوع أنه لا فرق بين المنفرد وغيره (وخصه) الشافعى بالبلد الحار لظاهر التعليل. وقيد الجماعة بما إذا كانوا يأتون المسجد من بعيد. أما إذا كانوا مجتمعين أو يمشون فى ظل، فالأفضل التعجيل. لكن ظاهر الأحاديث عدم الفرق (وقال) الهادى والقاسم وغيرهما: تعجيل الظهر أفضل مطلقاً متمسكين بأحاديث أفضلية أول الوقت كحديث ابن مسعود قال: " سألت النبى صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل؟ قال: الصلاة فى أول وقتها " أخرجه الدار قطنى والحاكم وقال: هو صحيح على شرط الشيخين (1). {13}

وبحديث خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والبيهقى وابن المنذر، وزاد: وقال إذا زالت الشمس فصلوا (2). {14}

(وتأولوا حديث) الإبراد بأن معنى أبردوا: صلوا أول الوقت أخذا من

(1) انظر ص 91 - الدار قطنى. وص 188 ج 1 مستدرك.

(2)

انظر ص 251 ج 2 - الفتح الربانى (وقت الظهر وتعجيلها) وص 121 ج 5 نووى 3. وص 86.ج 1 مجتبى (المواقيت) و (الرمضاء) الرمل إذا اشتدت حرارته (فلم شكنا) بضم فسكون فكسر - أى لم يعذرنا ولم يزل شكوانا.

ص: 10

برد النهار وهو أوله. وهو تأويل بعيد يرده التعليل بشدة الحر (ويجاب)(أ) بأن الأحاديث الواردة فى تعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد، ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد. فتأخير الظهر عن أول وقتها مطلوب فى شدة الحر. ويطلب التعجيل فيما عدا ذلك. (ب) عن حديث خباب بأنه منسوخ بحديث المغيرة بن شعبة قال: صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهجير ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح وابن حبان فى صحيحه والطحاوى (1). {15}

وقال: فأخبر المغيرة أن أمر النبى صلى الله عليبه وسلم بالإبراد بالظهر بعد أن كان يصليها فى الحر فثبت بذلك نسخ تعجيل الظهر فى شدة الحر أهـ أو يحمل حديث خباب على أن القوم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد. لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان ظل يمشون فيه ويتناقص الحر (وقال) النووى: اختلف العلماء فى الجمع بين هذين الحديثين فقال بعضهم: الإبراد رخصة والتقديم أفضل. واعتمدوا حديث خباب،

وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف فى التأخير (وبهذا قال) بعض أصحابنا وغيرهم أهـ (2)(أقول) والظاهر أن حديث الإبراد خباب منسوخ. ولو سلمنا جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر فأحاديث الإبراد أرجح، لأنها فى الصحيحين وغيرهما بطرق متعددة. وحديث خباب فى مسلم فقط. ولا شك أن المتفق عليه مقدم. وكذا ما جاء من طرق.

(1) انظر ص 252 ج 2 - الفتح الربانى. وص 120 ج 1 - ابن ماجه (الإبراد بالظهر فى شدة الحر) وص 111 ج 1 شرح معانى الآثار.

(2)

انظر ص 117 ج 5 شرح مسلم.

ص: 11

(ب) وقت العصر: يدخل وقته بصيرورة ظل الشئ مثله بعد الزوال لحديث جبريل السابق وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد وأبى يوسف ومحمد وزفر والطحاوى. ورواية الحسن بن زياد عن النعمان. وبه يفتى عند الحنفيين.

(وروى) محمد عن النعمان أن وقت العصر إنما يدخل بصيرورة ظل الشئ مثليه مستدلا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالظهر بمعنى صلوها إذا سكنت شدة الحر. واشتداد الحر فى بلادهم يكون وقت صيروة ظل الشئ مثله ولا يفتر الحر إلا بعد المثلين (ورد) بأن هذا غير مسلم (قال) أبو ذر: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد مرتين أو ثلاثا حتى رأينا فئ التلول (الحديث) أخرجه الشيخان وأبو داود (1). {16}

فقوله: حتى رأينا فئ التلول يدل على أن نهاية الإبراد مجرد ظهور الظل لا صيرورة ظل الشئ مثله. على أن الأحاديث الكثيرة الصحيحة صريحة فى أن وقت العصر يدخل بصيرورة ظل الشئ مثله وأحاديث المثلين ليست صريحة فى أنه لا يدخل وقت العصر إلا بصيرورة ظل الشئ مثليه. وإنما استنبط منها ما ذكر. والمستنبط لا يعارض الصريح. ولذا روى رجوع النعمان

(1) انظر ص 14 ج 2 فتح البارى (الإبراد بالظهر فى السفر) وص 118 ج 5 نووى. وص 313 ج 3 - المنهل العذب (وقت صلاة الظهر) والفئ: الظل بعد الزوال سمى بذلك لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أى رجع. والفئ الرجوع والمراد أنه أخر الظهر حتى صار للتلول ظل وهى منبطحة لا يصير لها ظل فى العادة إلا قرب العصر.

ص: 12

إلى قول الجمهور (واختلف) فى آخر وقت العصر (فقال) الجمهور آخر وقته غروب الشمس (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من العصر قبل أن ترعب الشمس. فقد أدرك العصر. أخرجه الستة وقال الترمذى: حسن صحيح (1){17}

(وقال) الاصطخرى: آخره مصير ظل الشئ مثليه ويكون قضاء بعده، مستدلا بحديث جبريل أنه صلى العصر فى اليوم الأول عند مصير ظل الشئ مثله، وفى اليوم الثانى عند مصير ظل الشئ مثليه ثم قال " الوقت ما بين هذين الوقتين (وأجاب) الجمهور بحمل قوله فى حديث جبريل " الوقت ما بين هذين (2) " على الوقت غير المكروه. ولذا قالوا تأخير المغرب مطلقا مكروه. وكذا تأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل. وليس المراد فى حديث جبريل استيعاب وقت الاضطرار والجواز، وهذا التأويل لابد منه جمعا بين الأحاديث. فمن كان مضطرا امتد وقت العصر فى حقه إلى الغروب. وغير المعذور يصلى ما دامت الشمس بيضاء نقية. فإن أخر العصر إلى ما بعد الاصفرار كره.

(قال) العلاء بن عبد الرحمن: دخلنا على أنس بن مالك فقام يصلى العصر فلما فرغ ذكرنا تعجيل الصلاة فقال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: تلك الصلاة المنافقين ثلاثا. يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرنى شيطان، قام فنقر أربعا لا يذكر الله عز وجل

(1) انظر ص 38 ج 2 فتح البارى (من أدرك من الفجر ركعة) وص 106 ج 5 نووى (من أدرك ركعة من الصلاة) وص 330 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة الوسطى) وص 90 ج 1 مجتبى (من أدرك ركعتين من العصر) وص 165 ج 1 تحفة الأحوذى وص 123 ج 1 - ابن ماجه (وقت الصلاة فى العذر).

(2)

تقدم رقم 8 ص 6.

ص: 13

فيها إلا قليلا. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (1){18}

(وفى الحديث) التنفير من الإسراع فى الصلاة، وعدم إكمال الاطمئنان والخشوع والأذكار المطلوبة فيها.

(فائدة) قال النووى: للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة وهو أول وقتها. ووقت اختيار يمتد إلى أن يصير ظل الشئ مثليه. ووقت جواز بلا كراهة إلى الاصفرار. ووقت جواز مع كراهة حال الاصفرار إلى الغروب ووقت عذر وهو وقت الظهر لمن جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم لسفر أو مطر. ويكون فى هذه الأوقات أداء. فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء (2)(والمشهور) عند المالكية أن تأخير العصر إلى وقت الاصفرار وما بعده إلى الغروب لا يجوز إلا لذى عذر كحائض ونفساء فهو وقت ضرورة. و (جملة) القول عندهم أن للظهر وقتين: (أ) وقت اختيارى من الزوال إلى ما يسع أربع ركعات بعد صيرورة ظل كل شئ مثله (ب) وقت ضرورة لذى العذر وهو ما بعد ذلك إلى ما قبل الغروب بما يسع خمس ركعات. وللعصر وقتان:

(أ) وقت اختيار من صيرورة ظل

(1) انظر ص 265 ج 2 - الفتح الربانى (وعيد من أخر العصر عن وقتها) وص 123 ج 5 نووى (التكبير بالعصر) وص 334 ج 3 - المنهل العذب (التشديد فى تأخير العصر) وص 149 ج 1 تحفة الأحوذى (تعجيل العصر). (واختلفوا) فى المراد من قوله بين قرشى شيطان. فقيل هو على حقيقته فالمراد أنه يحاذيها بقرينه عند غروبها وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها الشيطان، ليكون الساجد حينئذ كأنه ساجد له (وقيل) إنه من باب المجاز والمراد بقرينه علوه وارتفاعه وغلبه أعوانه (قال الخطابى) هو تمثيل، لأن تأخيرها إنما هو بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه والصحيح الأول. انظر ص 124 ج 5 شرح مسلم.

(2)

انظر ص 110 منه (أوقات الصلوات).

ص: 14

كل شئ مثله إلى الاصفرار. (ب) وقت ضرورة لذى العذر من الاصفرار إلى الغروب (وقال) الحنفيون: يستجب تأخير العصر صيفا وشتاء فى غير يوم الغيم إلى ما قبل اصفرار الشمس. ويكره تأخيرها إلى الاصفرار وما بعده، (لقول) على بن شيبان: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية. أخرجه أبو داود. وفى سنده يزيد بن عبد الرحمن بن على بن شيبان. وهو مجهول (1){19}

(ج) وقت المغرب: يدخل وقت صلاة المغرب بغروب الشمس وهو مجمع عليه، لحديث سلمة بن الأكوع أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب. أخرجه السبعة إلا النسائى وقال الترمذى حسن صحيح (2). {20}

(واختلفوا) فى آخره: فمشهور مذهب المالكية أن وقتها المختار ينتهى بمضى ما يسعها بعد الأذان والإقامة وتحصيل شروطها. وهى الطهارة من الحد والخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة. وبه قال الأوزاعى والشافعى فى الجديد، لحديث جبريل السابق. ففيه أنه عليه السلام صلى بالنبى صلى الله عليه وسلم المغرب فى اليومين حين أفطر الصائم (ومشهور) مذهب الشافعية أنه يمتد وقتها إلى قبيل مغيب الشفق الأحمر. وبه قالت الحنبلية وأبو يوسف ومحمد. وهو قول للمالكية ورواية عن النعمان، لحديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الشفق الحمرة فإذا غاب

(1) انظر ص 320 ج 3 المنهل العذب (وقت العصر).

(2)

انظر ص 266 ج 2 - الفتح الربانى. وص 29 ج 2 فتح البارى (وقت المغرب) وص 25 ج 5 نووى وص 340 ج 3 - المنهل العذب. وص 151 ج 3 تحفة الأحوذى. وص 121 ج 1 ابن ماجه.

ص: 15

الشفق وجبت العشاء. أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة وصححه والبيهقى (1){21}

وفى حديث ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق (2)(والمشهور) عن النعمان أنه يمتد إلى مغيب الشفق الأبيض (لما فى) حديث أبى هريرة: وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس. وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق. أخرجه أحمد والنسائى والترمذى والدار قطنى والطحاوى والحاكم وقال: صحيح الإسناد وصححه ابن السكن (3). {22}

والمراد بالأفق الشفق ففى رواية الترمذى " وإن آخر وقتها حين يغيب الشفق. فلا يدل على الدعوى لأن الشفق الحمرة. ولا تنافى بين أحاديث الشفق وحديث جبريل، لأنها محمولة على وقت الجواز. وهو محمول على وقت الفضيلة. والراجح القول بانتهاء وقت المغرب بمغيب الشفق الأحمر، لقوة أدلته.

واتفقوا على استحباب تعجيل المغرب، لحديث جبريل، ولحديث أبى أيوب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجوم " أخرجه أحمد والطبرانى بسند رجاله ثقات (4){23}

(قال) النووى: إن تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه

(1) انظر ص 100 - الدار قطنى. وص 373 ج 1 بيهقى (دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق).

(2)

هذا بعض حديث تقدم صدوره رقم 9 ص 07 و (فور الشفق) بالفاء مفتوحة بقية حمرة الشمس بعد الغروب. وفى رواية مسلم (ثور الشفق) بالثاء أى انتشاره.

(3)

انظر ص 292 ج 2 - الفتح الربانى. وص 141 ج 1 تحفة الأحوذى (مواقيت الصلاة) وص 97 - الدار قطنى. وص 89 ج 1 شرح معانى الآثار.

(4)

انظر ص 266 ج 2 - الفتح الربانى. وص 310 ج 1 مجمع الزوائد (وقت المغرب).

ص: 16

(وأما) الأحاديث الواردة فى تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير وأحاديث التعجيل المذكورة فى هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة التى واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها أهـ بتصرف (1).

(د) وقت صلاة العشاء: أول وقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر أو الأبيض على الخلاف السابق. والراجح الأول (قال) ابن سيد الناس فى شرح الترمذى: وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول. وهو الذى حدّ عليه السلام خروج أكثر الوقت به. فصح يقيناً أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين. فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذى هو البياض. فتبين بذلك يقيناً أنّ الوقت داخل بالشفق الذى هو الحمرة (2) وأما الآخر وقتها الاختيارى فثلث الليل الأول عند الشافعى فى أحد قوليه. وهو مشهور مذهب المالكية، لما فى حديث جبريل (3) (وقال) الشافعى فى أحد قوليه: إن آخر وقتها الاختيار نصف الليل وهو رواية عن مالك. لقوله فى حديث عبد الله بن عمرو " ووقت العشاء إلى نصف الليل (4) "(ولقول) أنس: أخَّر النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: قد صلى الناس وناموا. أَمَا إنكم فى صلاة ما انتظرتموها. قال أنس: كأنى أنظر إلى وبيص خاتمه لَيْلَتَئِذٍ " أخرجه الشيخان (5){24}

(1) انظر ص 136 ج 5 شرح مسلم (أول وقت المغرب).

(2)

انظر ص 411 ج 1 نيل الأوطار (وقت صلاة العشاء).

(3)

تقدم رقم 8 ص 6.

(4)

هذا بعض حديث تقدم صدره رقم 9 ص 7.

(5)

انظر ص 35 ج 2 فتح البارى. وص 139 ج 5 نووى (وقت العشاء) و (الوبيص) بالباء الموحدة والصاد المهملة: البريق، والخاتم بكسر التاء وفتحها.

ص: 17

(ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشُقَّ على أمتى لآمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه (1){25}

وهو نص فى أن ترك التأخير إنما هو للمشقة (قال) النووى التأخير المذكور فى الأحاديث كلُّه تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار. وهو نصف الليل أو ثلث الليل (2)(وقد) اختلف العلماء فى أن الأفضل تقديمها أو تأخيرها. وهما قولان لمالك والشافعى. فمن فضل التأخير احتج بهذه الأحاديث، ومن فضل التقديم، احتج بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هى التقديم. وإنما أخرها فى أوقات يسيرة لعذر أو لبيان الجواز. ولو كان تأخيرها أفضل مطلقاً لواظب عليه وإن كان فيه مشقة (3).

وينبغى للإمام أن يعجل بها إذا اجتمع الناس فى أول الوقت وأن يؤخرها إذا تأخروا (لقول) جابر: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يُصلى الظهر بالهاجِرة والعصرَ والشمسُ نقّية. والمغربَ إذا وجبت الشمسُ. والعشاء أحيانا يؤخّرها وأحياناً يعِّجلُ. كان إذا رآهم اجتمعوا عجَّل. وإذا رآهم أبطئوا أخّر. والصبح كانوا أو كان النبى صلى الله عليه وسلم يصليها بغلَسٍ " أخرجه أحمد والشيخان (4){26}

(1) انظر ص 274 ج 2 الفتح الربانى. وص 121 ج 1 ابن ماجه (وقت العشاء) وص 152 ج 1 تحفة الأحوذى (تأخير العشاء).

(2)

انظر ص 137 ج 5 شرح مسلم.

(3)

ص 136، 138 منه.

(4)

ص 244 ج 2 الفتح الربانى (جامع الأوقات) وص 28 ج 2 فتح البارى (وقت المغرب) و 144 ج 5 نووى (التبكير بالصبح) و (الهاجرة) شدة الحرّ نصف النهار. و (جبت) أى غابت. و (الغلس) محرّك: ظالمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.

ص: 18

(فالحديث) يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء إذا لم يجتمع المصلون. والمبادرة بالصلاة عند اجتماعهم.

(وأما) وقت الجواز والاضطرار فهو ممتدّ إلى الفجر، لما فى حديث أبى قتادة من قوله صلى الله عليه وسلم:" أمَا إنه ليس فى النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى " أخرجه مسلم (1){27}

فإنه ظاهر فى امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى، إلا أن صلاة الصبح مخصوصة من هذا العموم، لإجماعهم على أن وقتها ينتهى بطلوع الشمس، ولقوله صلى الله عليه وسلم:" ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس (2) " وتقدم الجواب عن حديث جبريل.

(فائدتان)(الأولى) قالت المالكية: للمغرب وقتان:

(أ) وقت اختيار، من الغروب إلى ما يسع أداء المغرب بعد تحصيل شروطه من الطهارة وغيرها كما تقدم. وقيل إلى مغيب الشفق الأحمر.

(ب) وقت ضرورة - لذى العذر كالحائض والنفساء - يكون بعد الاختيارى إلى أن يبقى ما يسع أربع ركعات قبل الفجر. وللعشاء وقتان:

(أ) وقت اختيار، من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل. وقيل إلى نصفه.

(ب) وقت ضرورة - لذى العذر - من ثلث الليل أو نصفه إلى الفجر.

(الثانية) يكره النوم قبل صلاة العشاء والكلام بعدها إلا فى مصلحة، (لحديث) أبى بَرْزة الأسلَمىِّ: "أنِّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يَستحِب

(1) هذا بعض حديث طويل ذكره مسلم فى (قضاء الفائتة) ص 184 ج 5 نووى.

(2)

هذا عجز حديث تقدم صدره رقم 9 ص 7.

ص: 19

أن يُؤَخِّرَ العشاءَ التى يسمونها العتَمة. وكان يكره النومَ قبلها والحديثَ بعدها " أخرجه السبعة وقال الترمذى: حسن صحيح (1). {28}

(وقال) ابن سيد الناس فى شرح الترمذى: وقد كرهه جماعة وأغلظوا فيه: منهم عمر وابنه وابن عباس. وإليه ذهب مالك (ورخص) فيه بعضهم. منهم علىّ وأبو موسى وهو مذهب الكوفيين (وشرط) بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها. وروى عن ابن عمر مثله. وإليه ذهب الطحاوى (وقال) ابن العربى: إنّ ذلك جائز لمن علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة أو يكون معه من يوقظه (والحكمة) فى كراهة النوم قبلها، لئلا يذهب النوم بصاحبه ويستغرقه فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب، أو يترخص فى ذلك الناس فينامون عن إقامة جماعتها (2) (واحتج) من قال بالجواز بلا كراهة (بحديث) عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعْتَمَ بالعشاء حتى ناداه عمر: نام النساء والصبيان (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى (3){29}

وجه الدلالة أنهم ناموا قبل العشاء ولم ينكر عليهم (لكن) قال ابن سيد الناس: وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم فى المسجد وهم فى انتظار الصلاة من النوم المنهى عنه. وإنما هو من السِّنَة التى هى مبادئ النوم (4)(وقد) أشار الحافظ إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهى عنه

(1) ص 272 ج 2 - الفتح الربانى. وص 34 ج 2 فتح البارى. وص 91 ج 1 مجتبى وص 153 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها) وص 123 ج 1 - ابن ماجه.

(2)

ص 416 ج 1 نيل الأوطار.

(3)

ص 276 ج 2 الفتح الربانى (تأخير العشاء) وص 34 ج 2 فتح البارى (النوم قبل العشاء لمن غلب) وص 137 ج 5 نووى. وص 93 ج 1 مجتبى (آخر وقت العشاء).

(4)

ص 416 ج 1 نيل الأوطار.

ص: 20

قال: (باب النوم قبل العشاء لمن غُلِب) فى الترجمة إشارة إلى أن الكراهة مختصة بمن تعاطى ذلك مختاراً (1)(ومما) يدل على كراهة الحديث بعدها (حديث) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا سمَر بعد الصلاة يعنى العشاء الآخرة إلا لأحد رجلين مصلّ أو مسافر " أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (2){30}

(وقالت) عائشة: " السمَر لثلاثة: لعروس أو مسافر أو متهجد بالليل " أخرجه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (3){31}

وكان عمر يضرب الناس على الحديث بعد العشاء لغير مصلحة ويقول: أسمَراً أول الليل ونوما آخره؟ (وحكمه الكراهة) أنه يؤدّى إلى السهر فيخشى منه إذا نام أن يفوته قيام الليل أو صلاة الصبح فى وقتها المختار أو الجائز. ولأنّ السهر فى الليل سبب للكسل فى النهار عما يطلب من الطاعات والمصالح (ويدل) على جواز الحديث بعد العشاء لمصلحة، قول عمر ابن الخطاب رضى الله عنه:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسُمر مع أبى بكر فى الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما " أخرجه أحمد النسائى والترمذى. ورجاله رجال الصحيح. وفيه انقطاع بين علقمة وعمر. ولذا حسنه الترمذى. ولم يصححه (4){32}

وقال: وقد اختلف أهل العالم فى السمر بعد العشاء الآخرة (فكرهه)

(1) ص 34 ج 2 فتح البارى.

(2)

ص 271 ج 2 الفتح الربانى. وص 314 ج 1 مجمع الزوائد (النوم قبلها والحديث بعدها) و (مصل) أى متهجد.

(3)

ص 314 ج 1 مجمع الزوائد.

(4)

ص 272 ج 2 الفتح الربانى وص 153 ج 1 تحفة الأحوذى (الرخصة فى السمر بعد العشاء) ويسمر، كينصر من السمر وهو الحديث ليلا.

ص: 21

قوم منهم بعد صلاة العشاء. ورخص فيه بعضهم إذا كان فى معنى العلم وما لابُدَّ منه من الحوائج. وأكثر أهل الحديث على الرخصة أهـ (وهذا) الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامّة أو خاصة. وحديث أبى برزة وابن مسعود وغيرهما، يدل على الكراهة. وهى محمولة على الكلام المباح الذى ليس فيه فائدة تعود على صاحبه.

(هـ) وقت صلاة الصبح: اتفق العلماء على أنّ أوّل وقت الصبح طلوع الفجر الصادق. وآخره طلوع الشمس إلا ماروى عن ابن القاسم وبعض أصحاب الشافعى من أنّ آخر وقتها الإسفار (واختلفوا) فى وقتها المختار (فقال) مالك والشافعى وأحمد وإسحاق: يستحب المبادرة بصلاة الصبح أوّل الوقت (لقول) عائشة رضى الله عنها: " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُصلى الصبح فينصرف النساء متلفِّعاتٍ بمروطهن ما يُعْرَفْن من الغَلَس " أخرجه مسلم والثلاثة. وقال الترمذى: حسن صحيح (1){33}

ولقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} وتعجيل الصلاة

(1) ص 44 ج 5 نووى (التبكير بالصبح) وص 348 ج 3 المنهل العذب (وقت الصبح) وص 194 ج 1 مجتبى (التغليس فى الحضر) وص 142 ج 1 تحفة الأحوذى (ومتلفعات) بالعين المهملة بعد الفاء، أى متلففات بأكسيتهن (والمروط) بضم الميم جمع مرط بكسر فسكون، الأكسية المعلمة من صوف أوخز (وأما) حديث ابن عمر مرفوعا: الوقت الأول من الصلاة رضوان الله. والوقت الآخر عقو الله. فقد أخرجه الترمذى (ص 154 ج 1 تحفة الأحوذى) والبيهقى وقال: هذا حديث يعرف بيعقوب ابن لويد المدنى. منكر الحديث ضعفه يحيى بن معين وكذبه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ ونسبوه إلى الوضع (ص 435 ج 1 بيهقى. التعجيل بالصلوات).

ص: 22

من باب المسارعة إلى الخير (وفى حديث أبى مسعود) وصلى - يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح مرة بغلس. ثم صلى مرة أخر فأسْفَر. ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد إلى أن يُسْفِر " أخرجه أبو داود (1){34}

وما إلى ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى الصبح بغلس (وقال) الحنفيون والثورى وأكثر العراقيين: الإسفار بالصبح أفضل (لحديث) رافِع بن خَديج أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أسفروا بالفجر فإنه أعظُم للأجر " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وقال: حسن صحيح وابن ماجه وابن حبان والطبرانى وصححه غير واحد (2){35}

وأيضاً فإن الإسفار يؤدىّ إلى كثرة الجماعة واتصال الصفوف (وجمع) الطحاوى بين أحاديث التغليس وأحاديث الإسفار، بأنه يدخل فى الصلاة مغلساً ويطوّل القراءة حتى ينصرف منها سفراً ولعل حديث عائشة (3) مبنى على بعض أحوال. فإن الظاهر من الأدلة أنه كان يبتدئ بغلس وهو الغالب من أحواله صلى الله عليه وسلم، وينصرف منها بغلس كما فى حديث عائشة، وتارة بإسفار كما فى حديث أبى برزة قال: " وكان يَنفَتِلُ من صلاة الغداة حين يَعْرف الرجلُ جَليسَه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة. أخرجه النسائى (4)

(1) هذا عجز حديث طويل صره: نزل جبريل فأخبرنى بوقت الصلاة. انظر ص 290 ج 3 - المنهل العذب (المواقيت).

(2)

ص 279 ج 2 - الفتح الربانى (وقت صلاة الصبح) وص 49 ج 1 مجتبى (الإسفار) وص 144 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 119 ج 1 - ابن ماجه. ولفظه: أصبحوا.

(3)

تقدم رقم 33 ص 22.

(4)

هذا عجز الحديث رقم 28 ص 19 عند النسائى (كراهية النوم بعد صلاة المغرب).

ص: 23