الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه أنه لا ينتفع المصلى بصلاته إلا إذا كان محافظا عليها، لأنه إذا انتفى كونها نورا وبرهانا ونجاة مع عدم المحافظة، انتفى نفعها.
(فالواجب) على كل مكلف أن يحافظ على تأدية الصلاة فى أوقاتها، ولا يشغله عن أدائها شاغل مهما كان، لينجو من ورطة دخول النار مع الكفرة ويخلص من عذاب الله عز وجل وغضبه. نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ عباده المؤمنين من المخالفات ويوفقنا جميعا لخالص الطاعات.
(السابع) الأذان والإقامة
الأذان لغة الإعلام. وشرعا إعلام مخصوص للصلاة وقتية أو فائتة بألفاظ مخصوصة على وجه مخصوص بأن يكون على مكان مرتفع لأذان الجماعة من جهير الصوت مترسلا فيه عالما بالوقت.
وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً (1)} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه (2)} . (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ليؤذن لكم خياركم. وليؤمكم قراؤكم " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وفى سنده حسين بن عيسى الحنفى. فيه مقال (3){76}
(1) سورة المائدة آية: 58.
(2)
سورة الجمعة آية: 9.
(3)
انظر ص 309 ج 4 - المنهل العذب (من أحق بالإمامة) وص 128 ج 1 ابن ماجه (فضل الأذان).
(وعن) ابن عمر رضى الله عنهما قال: " كان النبى صلى الله عليه وسلم مؤذنان: " بلالُ وابنُ أم مكتوم الأعمى " أخرجه مسلم وأبو داود (1){77}
وشرع فى السنة الأولى من الهجرة على الراجح (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما: " كان المسلمون حين قدمِوا المدينةَ يجتمعون فيتحيّنون الصلاة وليس يُنادِى بها أحد، فتكلموا يوما فى ذلك. فقال بعضهم: اتخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم اتخِذوا قَرْناً مثل قرن اليهود. فقال عمر: أوَلا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " يا بلالُ قم فنادِ بالصلاة " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح (2){78}
ثم الكلام هنا فى عشرين عاماً:
(1)
حكم الأذان والإقامة: هما من خصائص هذه الأمة، وسنة مؤكدة على سبيل الكفاية فى حق الرجل ولو منفرداً أو مسافراً للفرائض أداء وقضاء. ومنها الجمعة لما تقدم (ولقول) أبى الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مِن ثلاثة فى قرية فلا يؤذَّن ولا تُقام فيهم الصلاةُ إلا اْستحوذَ عليهم الشيطان (الحديث) أخرجه أحمد والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد (3){79}
(1) انظر ص 82 ج 4 نووى (اتخاذ مؤذنين لمسجد الواحد).
(2)
انظر ص 13 ج 3 - الفتحر الربانى. وص 53 ج 2 - فتح البارى (بدء الأذان) وص 75 ج 4 نووى. وص 102 ج 1 مجتبى. وص 169 ج 1 - تحفة الأحوذى.
(3)
انظر ص 3 ج 3 - الفتح الربانى (الأمر بالأذان).
(وقال) مالك بن الُحوَيْرَث: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابنُ عّمٍ فى فقال لنا: " إذا سافرتما فأذِّنا وأقيما. ولْيؤمّكما أكبركما، أخرجه النسائى والترمذى وقال حسن صحيح (1){80}
فهما من شعائر الدين يأثم تاركهما عند الحنفيين وهو مشهور مذهب الشافعية. لأنّ ترك السنة المؤكدة بمنزلة ترك الواجب العملى فى الإثم (ولا يطلبان) لغير الفرائض كصلاة الجنازة والتطوع والعيدين والوتر (لقول) جابر بن سَمُرة رضى الله عنه: " صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم العيدين غيرَ مرة ولا مرتين بلا أذان إقامة " أخرجه مسلم (2){81}
(وقالت) المالكية: الأذان سنة مؤكدة على سبيل الكفاية فى كل مسجد وجماعة طلبت غيرها. وفرض كفاية فى المصر. والإقامة سنة عين لذكر بالغ منفرد أو مع نساء أو صبيان يصلِّى بهم. وسنة كفاية لجماعة الذكور البالغين. ومندوبة لصبى.
(وقالت) الحنبلية: الأذان فرض كفاية للفرائض المؤداة دون غيرها لجماعة الرجال فى الحضر ويشرع للمسافر والراعى ونحوه.
(وقال) داود. الأذان فرض لصلاة الجماعة وليس شرطا لصحتها. والسبب فى الاختلاف، جعل الأمر فى الأحاديث للوجوب أو الندب فحمله جماعة على الوجوب عملا بالأصل. ويؤيده مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على الأذان والإقامة حضرا وسفرا. وحمله آخرون على الندب لأن الغرض من الأذان الدعاء إلى الاجتماع للصلاة، ولما روى أنه صلى الله عليه وسلم ترك الأذان ليلة المزمنة. وهذا فى حق الرجال (وأما النساء) فليس لهنّ أذان ولا إقامة، لأن الأصل فى الأذان الإعلام برفع الصوت وهو غير مشروع
(1) انظر ص 104 ج 1 مجتبى (أذان المنفردين فى السفر) وص 181 ج 1 - تحفة الحوذى.
(2)
انظر ص 176 ج 6 نووى (صلاة العيدين). (م 4 - ج 2 - الدين الخالص)
للمرأة. ومن لا يشرع له الأذان لا تشرع له الإقامة (وقال) ابن عمر: ليس على النساء الأذان ولا إقامة. أخرجه البيهقى بسند صحيح (1) وقال: ورويناه عن أنس بن مالك موقوفا ومرفوعا. ورفعه ضعيف. وهو قول الحسن وابن المسيب وابن سيرين والنخعى أهـ وبه قالت الحنبلية.
(وقال) الحنفيون يكره أذان المرأة تحريما، لأن المؤذن يستحب له رفع الصوت، وأن يكون على مكان مرتفع مُشْهرا نفسه. والمرأة منهية عن ذلك. والإقامة فى حقها كالأذان، لقول عائشة: كنا نصلى بغير إقامة. أخرجه البيهقى (2)(ولا ينافيه) ما رواه عطاء عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقوم وسَطَهن. أخرجه البيهقى (3)(لاحتمال) أنها أذَّنَت وأقامت بلا رفع صوت أو أنها فعلته مرة وتركته لما تقدم. قال البيهقى: هذا إن صح مع الأول فلا يتنافيان، لجواز فعلها ذلك مرة وتركها أخرى (4).
(وقالت) المالكية: يحرم أذان المرأة، لأن صوتها عورة، ويندب لها الإقامة سرا.
(وقالت) الشافعية: يكره أذانها ويستحب لها الإقامة.
(2)
فضل الأذان: فضله عظيم وثوابه جزيل وقد ورد فى ذلك عدّة أحاديث (منها) حديث معاوية رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المؤذنونَ أطولُ الناس أعناقا يومَ القيامة " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقى (5){82}
(1) انظر ص 408 ج 1 بيهقى (ليس على النساء الأذان ولا إقامة).
(2)
انظر ص 408 ج 1 بيهقى.
(3)
انظر ص 408 ج 1 بيهقى.
(4)
انظر ص 408 ج 1 بيهقى.
(5)
انظر ص 9 ج 3 - الفتح الربانى (فضل الأذان
…
) وص 89 ج 4 نووى. وص 128 ج 1 - ابن ماجه. وص 432 ج 1 بيهقى (الترغيب فى الأذان) و (أطول الناس أعناقا) أى يعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم. فهو على حقيقته. ويحتمل أن يكون كناية عن رفعة شأنهم.
(وحديث) عبد الله بن الرحمن أن أبا سعيد الخدرى قال له: " إذا كنتَ فى غنمك أو باديتك فأذّنتَ بالصلاة فارفع صوتَك بالنداء فإنه لا يَسمع مَدَى صوتِ المؤذن جنّ ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يومَ القيامة سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك وأحمد والبخارى والنسائى (1){83}
(وحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المؤذن يُغفَر له مدَى صوتِه ويشهد له كلُّ رطب ويابس " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه وان خزيمة وابن حبان (2){84}
وعلى الجملة فقد صحت أحاديث كثيرة فى بيان فضل الأذان والمؤذنين، وأنه من أجلّ الطاعات التى يتنافس فيها المتنافسون.
(3)
أخذ الأجدة على الأذان: ينبغى للمؤذن ألاّ يأخذ أجراً على الأذان (لقول) عثمان بن أبى العاص: قلت يا رسول الله اجْعلنى إمامَ قومى قال: " أنت إمامُهم واقْتدِ بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " أخرجه النسائى وأبو داود وحسنه الترمذى (3){85}
وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم. كرهوا أن يأخذ على الأذان أجرا. واستحبوا للمؤذن أن يستحب فى أذانه (وقال) يحيى البكّاء: سمعت رجلا قال لابن عمر: إنى لأحِبُّك فى الله، فقال له ابن عمر: إنى لأبغَضك
(1) انظر ص 128 ج 1. زرقانى الموطأ (النداء للصلاة) وص 11 ج 3 - الفتح الربانى. وص 59 ج 2. فتح البارى (رفع الصوت بالنداء) وص 106 ج 1. مجتبى.
(2)
انظر ص 8 ج 3 - الفتح الربانى. وص 173 ج 4 - المنهل العذب (رفع الصوت بالأذان) وص 106 ج 1 مجتبى. وص 128 ج 1 - ابن ماجه (فضل الأذان).
(3)
انظر ص 109 ج 1 مجتبى (اتخاذ مؤذن لا يأخذ على أذانه أجرا) وص 208 ج 4 - المنهل العذب (أخذ الأجرة على التأذين) وص 184 ج 1 - تحفة الأحوذى.
فى الله. فقال سبحان الله أحِبك فى الله، وتُبْغُضنى فى الله؟ قال نعم. إنك لتسأل على أذانك أجرا. أخرجه ابن حبان (1) (وقال) ابن مسعود: أربع لا يؤخذ عليهن أجر: الأذان، وقراءة القرآن، والمقاسم (قسمة الغنائم) والقضاء. أخرجه ابن حزم (2).
(وقد اختلف العلماء) فى أخذ الأجر على الأذان. فعند الجمهور يكره أخذه (وقال) النعمان: يحرم إن كان الأجر مشروطا لما تقدم. والصحيح عند المالكية جوازه (قال) ابن العربى: الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء، وجميع الأعمال الدينية. فإن الخليفة يأخذ أجرة على هذا كله. فكذا نائبه (3) قاس ابن العربى المؤذن على العامل وهو قياس فى مقابلة النص (والأصح) عند الشافعية أنه يجوز للإمام أو نائبه أن يعطى للمؤذن أجرة من بيت المال أو من مال نفسه. ويجوز لآحاد الناس أن يعطوه من مالهم (وقالت) الحنبلية: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان إن وجُد متبرع به، وإلا رزُق من بيت المال. وللناس أن يجعلوا للمؤذن جُعلا على الأذان.
(4)
لإقامة أفضل أم الأذان؟ : الإمامة أفضل عند الحنفيين وبعض المالكية والشافعية وهو المختار عند أحمد لأنّ النبى صلى الله عليه وسلم وخلفاءه تولّوْها ولم يتولَّوا الأذان (ولحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الإمام ضامن: " والمؤذن مُؤتَمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين " أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود وصححه ابن حبان (4){86}
(1) انظر ص 44 ج 2. نيل الأوطار (النهى عن أخذ الأجرة على الأذان).
(2)
انظر ص 44 ج 2. نيل الأوطار (النهى عن أخذ الأجرة على الأذان).
(3)
انظر ص 44 ج 2. نيل الأوطار (النهى عن أخذ الأجرة على الأذان).
(4)
انظر ص 57 ج 1 بدائع المنن (الأمر بالأذان وفضله) وص 8 ج 3 - الفتح = الربانى. وص 177 ج 4 - المنهل العذب (ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت).
وجه الدلالة ما فيه من أن الإمام متكفل بأركان الصلاة وكل أعمالها. والمؤذن متكفل بالوقت فحسب وأن الدعاء بالمغفرة يؤذن بالتقصير بخلاف الدعاء بالرشاد (وقال) الشافعى وأكثر أصحابه وبعض الحنبلية: الأذان أفضل، لما روينا فى فضله، ولحديث أبى هريرة السابق. فإن الأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الرشاد. وإنما لم يؤذِّن النبى صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه، لاشتغالهم بالأهم. ولذا قال عمر: لولا الخلافة لأذنت. هنا. والراجح القول الأوّل فإن الإمام كفيل بأعمال الصلاة وهى المقصودة. والأذان ونحوه وسيلة إليها.
(5)
شروط الأذان والإقامة: يشترط كون الأذان باللفظ العربى مرتباً موالى بين كلماته عرفا والجهر به لجماعة بحيث يسمعه واحد منهم. وكون المؤذن والمقيم عاقلين مميزين مسلمين. ودخول الوقت فى غير الصبح. فلا يصح مجنون وسكران وكافر ولو مرتداً. ويحكم بإسلامه إذا أذن، لإتيانه بالشهادتين. ولا يؤذَّن لصلاة - غير الصبح - قبل دخول وقتها. فلو وقع كله أو بعضه قبل دخول الوقت فهو غير صحيح، ويعاد فى الوقت كما سيأتى بيانه، ويشترط عند غير الحنفيين كون المؤذن ذكراً، فلا يصح أذان الأنثى والخنثى، لأنه من مناصب الرجال كالقضاء والإمامة، وزادت الحنبلية كونه عدلا ولو مستورا، فلا يعتدّ بأذان ظاهر الفسق، لأنه عليه الصلاة والسلام وصف المؤذنين بالأمانة. والفاسق غير أمين.
(تنبيه) علم مما تقدم:
(أ) اتفاق الأئمة الأربعة على صحة أذان الصبى المميز، غير أن المالكية
يشترطون فى صحة أذانه أن يعتمد فى دخول الوقت على بالغ عدل (وقال) داود: لا يصح أذانه. وكرهه جماعة من الشافعية.
(ب) اتفق العلماء على جواز أذان الأعمى بلا كراهة إذا كان معه من يُعْلِمُه بدخول الوقت (لقول) عائشة: "كان ابنَ أم مكتوم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (1){87}
(فائدة) الأكمل أن يكون المؤذن حرّاً فيصح أذان العبد. فإن أذن لنفسه لم يلزمه استئذان سيده، لأن ذلك لا يضر بخدمته. وإن أذن الجماعة لزمه استئذانه، لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات فيضر بخدمة سيده.
(6)
كيفية الأذان: للأذان ثلاث كيفيات مشهورة (الأولى) تثنية التكبير وترجيع الشهادتين بأن يأتى بكل واحدة منهما مرتين بصوت منخفض أوّلا. ثم يرفع بهما صوته مثنى كبقية الأذان. ما عدا لا إله إلا الله فإنه متفق على إفرادها (روى) عبد الله بن مُحيريز عن أبى مَحذورةَ أن نبى الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذانَ: " الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله. أشهد أن محمداً رسول الله. ثم يعودُ فيقول: أشهد أن لا إله إلا اللهُ مرتين. أشهد أنّ محمداً رسولَ الله مرتين. حىَّ على الصلاة مرتين. حىَّ على الفلاح مرتين. الله أبكر. الله أبكر. لا إله إلا الله " أخرجه مسلم (2){88}
(1) انظر ص 83 ج 4 نووى (اتخاذ مؤذنين للمسجد) وص 216 ج 4 - المنهل العذب (الأذان الأعمى).
(2)
انظر ص 80 ج 4 نووى (صفة الأذان) وهو هكذا فى أكثر أصول مسلم بتثنية التكبير فى أوله. والذى فى غير مسلم تربيعه. قال القاضى عياض: ووقع فى بعض طرق الفارسى فى صحيح مسلم أربع مرات. وكذلك اختلف فى حديث عبد الله بن زيد فى التثنية والتربيع. والمشهور فيه التربيع (وحىّ) اسم فعل أمر بفتح الياء المشدّدة، أى أقبلوا وهاموا إلى الفوز والنجاة.
واختار هذه الكيفية مالك وأهل المدينة وأبو يوسف.
(الثانية) تربيع التكبير الأوّل وتثنية باقى الأذان بلا ترجيع (قال) عبد الله بن زيد: لما أَمر رسول الله صلى الله لعيه وسلم بالنّاقوس يُعملُ ليُضْربَ به للناس لِجْمع الصلاة طاف بى وأنا نائم رجل يحمِل ناقوساً فى يده، فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوسَ؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقتل له بلى. فقال تقول: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الفلاح. حىَّ على الفلاح. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة صححه. وكذا الترمذى مختصراً وقال حسن صحيح (1){89}
واختار هذه الكيفية النعمان والثورى ومحمد بن الحسن. وهى رواية عن احمد والشافعية.
(الثالثة) تربيع التكبير الأوّل وترجيع كل من الشهادتين وتثنية باقى الأذان (قال) أبو محذورة: قلتُ يا رسول الله علّمنى سنةَ الأذانِ، فمسح مُقدّم رأسى قال: تقول الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. ترفع بها صوتَك ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. تخفِض بها صوتَك. ثم ترفع
(1) انظر ص 14 ج 3 - الفتح الربانى. وص 129 ج 4 - المنهل العذب (كيف الأذان) وص 124 ج 1 - ابن ماجه (بدء الأذان) وص 168 ج 1 - تحفة الأحوذى و (طاف) أى ألم ونزل (بى) طائف حال النوم.
صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. أشهد أنّ محمداً رسول الله. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الصلاة. حىَّ على الفلاح. حىَّ على الفلاح. فإن كان صلاةَ الصبح، قلتَ: الصلاةُ خير من النوم. الصلاةُ خير من النوم. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى. وفى سنده محمد بن عبد الملك بن أبى محذورة غير معروف والحراث بن عُبيد، فيه مقال. لكن رواه النسائى والطحاوى من طرق أخرى يقوى بها (1){90}
واختار هذه الكيفية الشافعى واحمد وكثيرون.
وهذه الكيفيات ثابتة بالروايات الصحيحة كما ترى. فمن شاء ربّع التكبير ومن شاء ثنّاه. ومن شاء رَجَّع فى الشهادتين ومن شاء ترك الترجيع.
(7)
التثويب: هو لغة الترجيع فى القول مرة بعد أخرى. وشرعا أن يقول فى أذان الصبح بعد الحيعلتين. الصلاة خير من النوم مرتين، لما فى حديث أبى محذورة المذكور. ولا يشرع التثويب إلا فى الصبح (لقول) عائشة: جاء بلال إلى النبى صلى الله عليه وسلم يُؤْذنِه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال: " الصلاة خير من النوم فأقِرت فى أذان الصبح " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه صالح بن أبى الأخضر مختلف فى الاحتجاج به (2){91}
(وقال) مجاهد: " كنتُ مع عبد الله بن عمر فثوب رجل فى الظهر
(1) انظر ص 22 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان) وص 135 ج 4 - المنهل العذب (كيف الأذان) وص 394 ج 1 - بيهقى (الترجيع فى الأذان) وهو هكذا بتربيع التكبير فى أوله فى رواية أبى داود والبيهقى. وفى رواية أحمد بتثنيته (فإن كان) ما يؤذن له (صلاة الصبح).
(2)
انظر ص 330 ج 1 مجمع الزوائد (كيف الأذان).
أو العصر، فقال أخرج بنا فإن هذه بدعة " أخرجه أبو داود (وقال) الترمذى: وروى عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً وقد أُذِّن فيه ونحن نريد أن نصلّىَ فيه فثوب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولم يصل فيه. وإنما كَرِه عبد الله ابن عمر التثويبَ الذى أحدثه الناُس بعدُ (1) أهـ. أى وهو التثويب فى غير الصبح. وذلك لأنّ كل حدَث فى الدين مردود على صاحبه غير مقبول منه. لقوله عليه الصلاة والسلام: " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه الشيخان عن عائشة (2){92}
(8)
كيفية الإقامة: لها ثلاث كيفيات.
(الأولى) أنها سبعَ عشرةَ كلمة (روى) أبو مَحْذورة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه الأذانَ تِسعَ عشْرة كلمة، والإقامةَ سبعَ عشرة كلمة. ثم قال: والإقامةُ الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله. حىَّ على الصلاة حىَّ على الصلاة. حىَّ على الفلاح حى على الفلاح. قد قدمت الصلاة قامت الصلاة. الله أكبر الله أبكر. لا إله إلا الله" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وكذا النسائى والترمذى مختصراً. وقال الترمذى حسن صحيح (3){93}
(1) انظر ص 220 ج 4 - المنهل العذب (التثويب) وص 177 ج 1 تحفة الأحوذى.
(2)
انظر رقم 23 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين.
(3)
انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان والإقامة
…
) وص 142 ج 4 - المنهل العذب (كيف الأذان) وص 125 ج 1 - ابن ماجه (الترجيع فى الأذان) وص 103 ج 1 مجتبى (كم الأذان من كلمة) وص 171 ج 1 تحفة الأحوذى (الترجيع فى الأذان).
واختار هذه الكيفية الحنفيون والثورى وابن المبارك.
(الثانية) أنها عشر كلمات (قال) أنس: " أُمِر بلال أن يشَفْع الأذان وُيوِترَ الإقامة، أخرجه أحمد وابن ماجه النسائى والترمذى وقال حسن صحيح (1){94}
" ويوتر الإقامة " أى يقول كلمات الإقامة مفردة مرة مرة إلا التكبير أوّلها وآخرها. فإنه مَثْنَى كما صرح بذلك فى روايات كثيرة. وصورتها أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حىّ على الصلاة، حىّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله، وبها أخذ مالك وعليها أعمل أهل المدينة المستفيض. وهو قول للشافعى فى القديم.
(الثالثة) أنها إحدى عشْرة كلمة بتكرير قد قامت الصلاة مرتين (قال) أنس: " أُمِرَ بلال بشفع الأذان ووتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة " أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (2){95}
أى فإنه يقولها مرتين كالتكبير أوّلها وآخرها (وصورتها) أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حىّ على الصلاة، حىّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أبكر، لا إله إلا الله. كما فى حديث عبد الله بن زيد (3).
(1) انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان والإقامة) وص 128 ج 1 ابن ماجه (إفراد الإقامة) وص 103 ج 1 مجتبى (تثنية الأذان) وص 171 ج 1 تحفة الأحوذى (إفراد الإقامة).
(2)
انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى. وص 55 ج 2 فتح البارى (الأذان مثنى) وص 77 ج 4 نووى (الأمر بشفع الأذان
…
) وص 163 ج 4 - المنهل العذب (ما جاء فى الإقامة).
(3)
تقدم رقم 89 ص 55.
(وبهذه الكيفية) قال الشافعى وأحمد والزهرى والأوزاعى. وهو قول للمالكية.
(فتحصل) أن الإقامة ورد فيها:
(أ) تربيع التكبير مع تثنية جميع كلماتها ما عدا لا إله إلا الله.
(ب) إفراد جميع كلماتها إلا التكبير أوّلها وآخرها وقد قامت الصلاة فإنها مثناة.
(ج) وردت منفردة أيضاً ما عدا التكبير أوّلها وآخرها كما عليه عمل أهل المدينة.
(فهذه الوجوه) كلها ثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم. فمن فعل أى وجه منها فقد أصاب السنة.
(9)
سنن الأذان والإقامة: هى سبع عشرة:
(1، 2، 3، 4) يسنّ أن يكون المؤذن والمقيم رجلا صالحاً ثقة طاهراً من الحدثين الأصغر والأكبر (لقول) أبى هريرة: " لا ينادِ بالصلاة إلا متوضى " أخرجه الترمذى والبيهقى مرفوعا وموقوفا. وقال الترمذى وحديث أبى هريرة لم يرفعه ابن وهب وهو أصح (1){96}
(5، 6، 7) ويسنّ أن يكون المؤذن مستيقظا قائما على مرتفع ارتفاعا ظاهراً عن احتيج إليه كمئذنة وسطح مسجد أو غيره لما فى حديث ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يا بلال قم فناد بالصلاة (2) " وكان مؤذنوه عليه الصلاة والسلام يؤذنون قياما (قال ابن المنذر) الإجماع على أنّ القيام فى الأذان من السنة، لأنه أبلغ فى الإسماع (وقالت) امرأة من
(1) انظر ص 178 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهة الأذان بغير وضوء) وص 397 ج 1 بيهقى (لا يؤذن إلا طاهر).
(2)
هذا عجز الحديث رقم 78 ص 48.
بنى النجار: " كان بيتى من أطولِ بيت كان حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتى بسَحَرٍ فيجلس على البيت ينظر على الفجر، فإذا رآه تمطّىِ ثم قال: اللهم إنى أحَمدُك وأستعينك على قريش أن يُقيموا دينك. ثم يؤذن " أخرجه أبو داود والبيهقى (1){97}
وفيه: قال أ**بو برزة الأسلمى: من السنة الأذان فى المنارة والإقامة فى المسجد.
(هذا) وينبغى ألا يكون مكان الأذان مرتفعاً ارتفاعا متفاحشاً كما يفعل الآن فى المآذن، لما فيه من السرَف وفقد حكمة الأذان التى هى الإعلام. فإن صوت المؤذن عليها قلّ من يسمعه لفًحْش ارتفاعها (قال) ابن الحاج: من السنة الماضية أن يؤذن المؤذن على المنار. فإن تعذر فعلى سطح المسجد.** فإن تعذر فعلى بابه. وكان المنار عند السلف بناء يبنونه على سطحه المسجد مدوّراً وكان قريباً من البيوت خلافاً لما أحدثوه اليوم من تعليه المنار. وذلك يمنع لوجوه.
(الأول): مخالفة السلف.
(الثانى): أنه يكشف على حريم المسلمين.
(الثالث): أن صوته يبعد عن أهل الأرض. ونداؤه إنما هو لهم. وهذا إذا كان المنار تقدّم وجوده على بناء الدار. وأما إذا كانت الدور مبنية ثم جاء بعض الناس يريد أن يعمل المنار، فإنه يمنع من ذلك لأنه يكشف عليهم. اللهم إلا أن يكون بين المنار والدور سكك وبُعْد بحيث إنه إذا طلع المؤذن على المنار ورأى الناس على أسطح بيوتهم لا يميز بين الذكر والأنثى منهم. فهذا جائز على ما قاله علماؤنا أهـ (2).
(1) انظر ص 180 ج 4 - المنهل العذب (الأذان فوق المنارة) وص 425 ج 1 بيهقى.
(2)
انظر ص 102 ج 2 - المدخل (موضع الأذان).
(8)
ويسن رفع الصوت بالأذان (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: " إذا كنتَ فى غنمك أو بأديتك فأذْنتَ بالصلاة فارفع صوتك بالنداء. فإنه لا يَسْمع مَدَى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة (1) "(ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المؤذن يغفر له مَدَى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس (2) "" يغفر له مدى صوته " أى أن المؤذن يستكمل مغفرة الله تعالى إذا بذل جهده فى رفع الصوت بالأذان. وقيل إن الكلام على التمثيل والتشبيه. والمعنى أن المكان الذى ينتهى إليه صوت المؤذن لو قدّر أنه ارتكب ذنوبا لو حسمت تملأ ذلك المكان يغفرها الله له. والغرض من الأذان الإعلام بدخول وقت الصلاة، فطلب فيه رفع الصوت لتتحقق ثمرته.
(9)
ويسن أن يستقبل بالأذان والإقامة القبلة. لأنّ مؤذنى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلى القبلةِ.
(10)
ويسن عند الحنفيين وإسحاق أن يلتفت برأسه وعنقه وصدره يمينا عند حىَّ على الصلاة ويسارا عند حىَّ على الفلاح ولا يستدير، وروى عن أحمد، لقول أبى جُحَيْفةَ: وأذّن بلال فجعلتُ أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يقول يمينا وشمالا: حىَّ على الصلاة حىَّ على الفلاح. أخرجه مسلم (3){98}
من حديث طويل. ولأبى داود عن أبى جُحَيفة: رأيتُ بلال خرج إلى الأبْطح فأذَّن فلما بلغ حىَّ على الصلاة حىَّ على الفلاح. لوَى عُنقه يمينا وشمالا ولم يستدر (4). والالتفات المذكور مقيد بوقت الحيعلتين. ولا يدور
(1) تقد رقم 83 ص 51. و (مدى صوت المؤذن) أى غاية صوته.
(2)
تقدم رقم 84 ص 51.
(3)
هذا بعض حديث انظر ص 219 ج 4 نووى (سترة المصلى).
(4)
هذا عجز حديث انظر ص 182 ج 4 - المنهل العذب (المؤذن يستدير فى أذانه).
عند الحنفيين إلا أن يكون على منارة فيدور (وقال) الشافعى والثورى والأوزاعى: يستجب الالتفات بالعنق فى الأذان يمينا وشمالا بلا تحوُّل عن القبلة بصدره وقدميه ولا دوران سواء أكان المؤذن على الأرض أم على غيرها وروى عن أحمد (وقال) مالك: لا يدور ولا يلفت يمينا ولا شمالاً إلا أن يريد الإسماع. هذا وقد اختلفت الروايات فى الاستدارة ففى بعضها أنه كان يستدير وفى بعضها ولم يستدر. ولكنها لم ترو الاستدارة إلا من طريق حجاج بن أرطاة وإدريس الأودىّ ومحمد العرزمى وهم ضعفاء وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون قال فى حديثه ولم يستدر. أخرجه أو داود (قال) الحافظ: ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عَنى بها استدارة الرأس. ومن نفاها عنى بها استدارة الجسد كله (1).
(وفى كيفية) الالتفات أوجه (الأصح) أنه يلتفت عن يمينه فيقول: حى على الصلاة حى على الصلاة. ثم يلتفت عن يساره فيقول: حى على الفلاح حى على الفلاح.
(الثانى) أنه يلفت عن يمينه فيقول: حى على الصلاة ثم يعود إلى القبلة. ثم يلتفت عن يمينه فيقولها ثانية. ثم يلتفت عن يساره فيقول: حى على الفلاح. ثم يعود إلى القبلة. ثم يلتفت عن يساره فيقولها ثانية.
(الثالث) يقول حى على الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره، ثم يقول حى على الفلاح كذلك (2) (وقال) ابن سيرين: يكره الالتفات ويرده الحديث. هذا ولم يرد التفات فى الإقامة. ولذا رجح البغوى القول بعد استجابه فيها، والأصح عند الشافعية استجابه، وقيل لا يلفت إلا أن يكون المسجد كبيرا (3).
(1) انظر ص 78 ج 2 فتح البارى (هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا)؟
(2)
انظر ص 106 ج 3 شرح المهذب.
(3)
انظر ص 107 منه.
(11)
ويسن المؤذن وضع طرف أصبعيه فى أذنيه حال الأذان (لقول) أبى جُحيفة: رأيتُ بلالا يؤذن ويدور وأتتبّع فاه هاهنا هاهنا يعنى يمينا وشمالا وأُصبعاه فى أنيه. أخرجه أحمد الترمذى وقال: حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم. يستحبون أن يدخل المؤذن أصبعيه فى أذنيه فى الأذان. وقال الأوزاعى: وفى الإقامة أيضا (1){99}
(قال) الحافظ: فى ذلك فائدتان: (إحداهما) أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف. أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القَرْظ عن بلال.
(ثانيتهما) أنه علامة للمؤذن ليَعرف مَنْ يراه على بعد أو مَن كان به صمم أنه يؤذن، ثم قال: لم يرد تعين الأصبع التى يستحب وضعها، وجزم النووى بأنها المسبحة. وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة (2).
(12)
ويسنّ المبادرة بالأذان فى أول الوقت (لقول) جابر بن سَمُرة: " كان بلال يؤذن إذا زالت الشمسُ لا يَخْرُم ثم لا يقيم حتى يخرُج النبىُّ صلى الله عليه وسلم. فإذا خرج أقام حين يراه. أخرجه أحمد وابو داود والنسائى (3){100}
(13 و 14) ويسنّ التأنى فى الأذان بأن يفصل بين كل كلمتين بسكتة. والإسراع فى الإقامة. بألاّ يفصل بين كلماتها (لحديث) جبار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: " يا بلالُ إذا أذّنت فترسل فى أذانك. وإذا
(1) انظر ص 24 ج 3 - الفتح الربانى (صفة الأذان
…
) وص 176 ج 1 - تحفة الأحوذى (إدخال الأصبع الأذن عند الأذان).
(2)
انظر ص 78 ج 2 فتح البارى.
(3)
انظر ص 35 ج 3 - الفتح الربانى (الأذان فى أول الوقت) وص 219 ج 4 المنهل العذب (المؤذن ينتظر الإمام) و (لا يخرم) كينصر أى لا يترك شيئاً من ألفاظه، أو لا يؤخره عن أول الوقت.
أقمت فاحدر، (الحديث) أخرجه البيهقى وابن عدى والترمذى (1){101}
وضعفوه، لأن فى سنده:(أ) عبد المنعم صاحب السقاه ضعفه الدار قطنى. وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به.
(ب) يحبى بن مسلم مجهول. وقال الترمذى: لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول أهـ (وقد) روى من عدة طرق لا تخلو من مطعن (ويقويه) قول أبى الزبير مؤذن بيت المقدس: قال لى عمر بن الخطاب: " إذا أَذّنْتَ فترسّلْ وإذا أقمت فاحدُر " أخرجه البيهقى (2)(قال) محمد بن عبد الرحمن فى شرح الترمذى: الحديث يدل على أنّ المؤذنّ يقول كل كلمة من كلمات الأذان بِنفَس واحد. فيقول التكبيرات الأربع فى أول الأذان بأربعة أنفاس (3). وهذا ما اختاره أئمة المذاهب.
(قال) الكمال ابن الهمام: قوله ويترسل فى الأذان. هو أن يفصل بين كل كلمتين من كلماته بسكته (4)(وقال) ابن نجيم: ويترسل فيه ويحدر فيها أى يتمهل فى الأذان ويسرع فى الإقامة، وحده أن يفصل بين كل كلمتى الأذان بسكتة بخلاف الإقامة للتوارث، ولحديث الترمذى أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: إذا أذنت فترسل فى أذانك. وإذا أقمت فاحدر. فكان سنة. فيكره تركه (5)(وقال) ابن عابدين: رأيت لسيدى عبد الغنى رسالة فى هذه المسألة سماها " تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر " حاصلها أن السنة أن يسكن الراء من الله أكبر الأولى، أو يصلها بالله أكبر الثانية.
(1) انظر ص 428 ج 1 بيهقى. وص 175 ج 1 تحفة الأحوذى (الترسل فى الأذان) والترسل التمهل (فاحدر) بضم الدال وكسرها، أى أسرع.
(2)
انظر ص 428 ج 1 بيهقى.
(3)
انظر ص 175 ج 1 تحفة الأحوذى.
(4)
انظر ص 170 ج 1 فتح القدير (الأذان).
(5)
انظر ص 157 ج 1 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق.
فإن سكنها كفى. وإن وصلها نرى السكون فحرك الراء بالفتحة. فإن ضمها خلاف السنة، لأن طلب الوقف على أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح (1) (وقال) العمة الدردير فى صغيره: التكبير مجزوم أى ساكن الجمل لا معرب (قال) محشيه الصاوى: نقل البنانى عن أبى الحسن وعياض وابن يونس وابن راشد والفاكهانى أن جزم الأذان من الصفات الواجبة (2). وفى الرهونى على شرح عبد الباقى قال النخعى: الأذان والتكبير كل ذلك جزم، وقال غيره: عوام الناس يضمون الراء من الله أكبر والصواب جزمها، لأن الأذان سمع موقوفا ومن أعرب الله أكبر لزمه أن يعرب الصلاة والفلاح بالخفض (3) (وقال) ابن حجر الهيثمى الشافعى: يسن الوقف على أواخر الكلمات من الأذان لأنه روى موقوفا ولا ينافيه ما مر من ندب قرن كل تكبيرتين فى صوت لأنه يوجد مع الوقف على الراء الأولى بسكتة لطيفة جدا (قال) محشيه: " قوله يسن الوقف على أواخر الكلمات " أى مطلقاً سواء التكبير وغيره " وقوله روى موقوفا " أى ورد موقوفا على أواخر الكلمات. ومبنى العبادات على الاتباع (4)(وقال) الكردى: وعبارة الإمداد: السنة تسكين راء التكبير الثانية وكذا الأولى (5)(وقالت) الحنبلية: يسن الوقف على كل كلمة من كلمات الأذان والإقامة (قال) الشيخ منصور الحنبلى: " ولا يعربهما " أى الأذان والإقامة " بل يقف على كل جملة " منهما. قال إبراهيم النخعى: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الأذان والإقامة (6).
ولا دليل على هذه التسوية
(1) انظر ص 284 ج 1 رد المحتار (الأذان).
(2)
انظر ص 79 ج 1 - بلغة السالك، لأقرب المسالك (الأذان).
(3)
انظر ص 93 ج 2 موهبة ذى الفضل على شرح مقدمة بأفضل.
(4)
انظر ص 93 ج 2 موهبة ذى الفضل على شرح مقدمة بأفضل.
(5)
انظر ص 242 ج 1 - إعانة الطالبين على فتح المعين.
(6)
انظر ص 165 ج 1 - كشاف القناع. (م 50 - ج 2 - الدين الخالص)
(وقول) النووى: يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد. فيقول فى أول الأذان: الله أكبر الله أكبر بنفس واحد، ثم يقول الله أكبر الله أكبر بنفس آخر أهـ.
(رده) الحافظ فى الفتح بأن هذا إنما يتأتى فى أول الأذان لا فى التكبير الذى فى آخره. وعلى ما قاله النووى ينبغى للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين فى آخره بنفس (1).
(ولا يستدل) لما قاله النووى بحديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله. قال: أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال: حى على الصلاة، قال لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حى على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه، دخل الجنة " أخرجه مسلم وأبو داود (2){102}
لاحتمال أن التكبير فيه موقوف لا معرب. وذكر الجملة الثانية بعد الأولى لا يستلزم عدم الوقف عليها. ولم يثبت فى الرواية أن الراء فى الجملة الأولى مضمومة. ويؤيده أن سائر جمل الأذان موقوفة بالاتفاق، لاسيما أن الأصل الوقف على كل جملة من الكلام فلا يصح الاستدلال-بحديث عمر المذكور-على أن الجملة الأولى معربة.
(1) انظر ص 56 ج 2 - فتح البارى (الأذان مثنى).
(2)
انظر ص 85 ج 4 نووى (استحباب القول مثل قول المؤذن .. ) وص 199 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا سمع المؤذن).
(15)
ويستحب - عند الحنفيين والشافعى وأحمد - إجابة المقيم بأن يقول السامع كما يقول المقيم إلا فى الحيعلتين فيقول بدلهما لا حول ولا قوة إلا بالله. وإلا قد قامت الصلاة فيقول بدلها أقامها الله وأدامها (لحديث) أبى أمامة أن بلالا أخذ فى الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة، قال النبى صلى الله عليه وسلم:" أقامها الله وأدامها، وقال فى سائر الإقامة كنحو حديث عمر فى الأذان " أخرجه أبو داود والبيهقى (1){103}
وقال: وهذا إن صح شاهد لما استحسنه الشافعى رحمه الله من قولهم: اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من صالحى أهلها عملا.
(وقالت) المالكية: الإقامة لا تحكى. والراجح، القول الأول، للحديث المذكور. وهو " إن كان ضعيفاً " لأن فى سنده محمد بن ثابت وهو ضعيف. وشهر بن حوشب وهو مختلف فى عدالته " فضعفه " لا يضر فإن الضعيف يعمل به فى فضائل الأعمال باتفاق العلماء.
(16)
ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة. فقد كان أبو هريرة يقوله إذا سمع المؤذن يقيم. أخرجه ابن السنى {104}
وهو فى حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأى.
(17)
ويستحب ألا يفصل بين كلمات الأذان بكلام أجنبى أو فعل. فإن حصل فصل يسير بذلك لا يبطل الأذان. وإن طال بطل. كما إذا
(1) انظر ص 203 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا سمع الإقامة) وص 411 ج 1 بيهقى. وحديث عمر تقدم رقم 102.
سكت أو نام طويلا أو أغمى عليه أو جن جنونا يقطع الموالاة. ولا يتكلم سامع الأذان والإقامة ولا يشتغل بشئ سوى الإجابة.
(10)
أذان المرأة والمحدث: يكره أذان المرأة وإقامتها عند الحنفيين. وعند غيرهم لا يصح أذان المرأة كما تقدم. ويكرهان من الفاسق والجنب والقاعد لغير عذر من مرض ونحوه (قال) ابن القاسم: قال مالك لم يبلغنى أن أحدا أذن قاعدا. وأنكر ذلك إنكاراً شديداً وقال إلا من عذر به فيؤذن لنفسه إن كان مريضاً (1)(وتكره) إقامة المحدث حدثا أصغر اتفاقا (واختلفوا) فى أذانه فالصحيح عند الحنفيين أنه لا يكره أذانه. وهو مذهب أحمد وسفيان وابن المبارك، ورواية عن مالك (وكرهه) الشافعى والحسن البصرى وداود وقتادة (قال) البدر العينى. قال صاحب الهداية: وينبغى أن يؤذن ويقيم على طهر، لأن الأذان والإقامة ذكر شريف فيستحب فيه الطهارة. فإن أذن على غير وضوء جاز، وبه قال الشافعى وأحمد وعامة أهل العلم. وعن مالك أن الطهارة شرط فى الإقامة دون الأذان.
(وقال) عطاء والأوزاعى وبعض الشافعية تشترط فيهما (2) أهـ. والمعتمد عند المالكية صحة إقامة المحدث مع الكراهة. ويؤيد القول بالكراهة فيهما حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة ألا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر، ولا يؤذن إلا وهو قائم. أخرجه البيهقى والدار قطنى (3).
وفيه انقطاع. فإن عبد الجبار لم يسمع من أبيه. ولكن له شاهد من حديث ابن عباس بلفظ: يا بن عباس إن الأذان متصل بالصلاة، فلا يؤذن
(1) انظر ص 63 ج 1 - مدونة مالك (الأذان والإقامة).
(2)
انظر ص 148 ج 5 - عمدة القارى (هل يتبع المؤذن فاه .. ).
(3)
انظر ص 397 ج 1 بيهقى (لا يؤذن إلا طاهر).
أحدكم إلا وهو طاهر. أخرجه أبو الشيخ ابن حبان (1){105}
(11)
أذان المنفرد: يستحب الأذان المنفرد سفرا وحضرا، لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى سعيد فإذا كنت غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء (2). وبه قال الحنفيون وأحمد. وهو الراجح عند الشافعية. ومحله عندهم إذا لم يسمع أذان الجماعة ويريد الصلاة معهم (قالت) المالكية: يندب لمن كان فى فلاة. ويكره للحاضر.
(12)
الأذان قبل الوقت: قد اتفق العلماء على أنه لا يؤذن للصلوات قبل وقتها ما عدا الصبح. فإنهم اختلفوا فيها (فقال) النعمان ومحمد والثورى وزيد بن على: لا يجوز الأذان لها قبل وقتها كبقية الصلوات (لحديث) نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادى: ألا إن العبد قد نام. فرجع فنادى: ألا إن العبد قد نام. أخرجه أبو داود والترمذى وفى سنده حماد بن سلمة. ضعفه غير واحد. قال ابن المدينى: حديث حماد بن سلمة غير محفوظ، وأخطأ فى رفعه والصواب وفقه (3). {106}
(وقال) الجمهور: يجوز الأذان قبل الفجر مطلقا فى رمضان وغيره خلافات لابن القطان فإنه خصه برمضان (واستدلوا) بحديث ابن عمر وعائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى
(1) انظر ص 292 ج 1 نصب الراية (الطهارة فى الأذان).
(2)
تقدم رقم 83 ص 51.
(3)
انظر ص 210 ج 4 - المنهل العذب (الأذان قبل دخول الوقت) و (قد نام) أى غلب النوم على عينيه فمنعه من تبين الفجر فوقع الأذان قبله.
يؤذن ابن أم مكتوم " أخرجه أحمد والخمسة، زاد البخارى فى رواية " فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " وقال الترمذى: حسن صحيح (1){107}
(وبحديث) ابن مسعود: أنه صلى الله عليه وسلم قال. " لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادى بليل، ليرجع قائمكم وينبه نائمكم " أخرجه السبعة إلا الترمذى (2){108}
(وأجابوا) عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف كما تقدم وعلى تقدير صحته فيحمل على أن ذلك كان قبل مشروعية الأذان الأول. فإن بلالا كان المؤذن الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم اتخذ ابن أم مكتوم مؤذنا معه. فكان بلال يؤذن أولا، إرجاع القائم وإيقاظ النائم. فإذا طلع الفجر أذن ابن أم مكتوم (قال) فى الموطأ وشرحه (لم تزل صلاة الصبح ينادى لها قبل الفجر) فى أول السدس الأخير من الليل (فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها) لحرمته قبل الوقت فى غير الصبح (قال) الكرخى من الحنفية: كان أو يوسف يقول بقول أبى حنيفة لا يؤذن لها " يعنى قبل الفجر " حتى أتى المدينة فرجع إلى قول مالك وعلم أنه علمهم
(1) انظر ص 36 ح 3 - الفتح الربانى. وص 71 ج 2 فتح البارى (الأذان قبل الفجر) وص 97 ج 4 منه. وص 203 ج 7 نووى (الدخول فى الصوم بطلوع الفجر) وص 105 ج 1 مجتبى (المؤذنان للمسجد الواحد) وص 179 ج 1 تحفة الأحوذى (الأذان بالليل).
(2)
انظر ص 35 ج 3 - الفتح الربانى. وص 71 ج 2 فتح البارى. وص 203 ج 7 نووى. وص 68 ج 10 - المنهل العذب (وقت السحور) وص 105 ج 1 مجتبى (الأذان فى غير وقت الصلاة) وص 266 ج 1 - ابن ماجه (تأخير السحور) و (السحور) بضم أوله، تناول طعام السحر. وبفتحه اسم يؤكل فى السحر. و (يرجع) بفتح الياء وكسر الجيم (وينبه) بضم الياء وفتح الباء مشددة أى ليرجع المتهجد إلى النوم ليستريح ويتنبه النائم ليستعد لصلاة الصبح.
المتصل (1)(واختلف) القائلون بجواز الأذان قبل الفجر فى الوقت الذى يكون فيه (فقيل) وقت السحر ورجحه جماعة من أصحاب الشافعى. وهو ظاهر مذهب المالكية. وقيل نصف الليل الأخير، ورجحه النووى (والظاهر) أنه يكون وقت السحر، ويؤيده حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال."إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم قلت: ولم يكن بينهما إلا ينزل هذا ويصعد هذا"أخرجه النسائى والطحاوى (2){109}
وهل يكتفى بالأذان قبل الفجر للصلاة أم يعاد بعده؟ (قالت) الشافعية والحنبلية: يكتفى به للصلاة. وعند المالكية قولان أرجحهما عدم الاكتفاء.
(13)
حكاية الأذان: ويطلب ممن سمع الأذان المسنون الإجابة. وهى أن يقول كما قال المؤذن إلا الحيعلتين. فللسامع أن يقولهما مثله. وله أن يقول بدل كل واحدة منهما. لا حول ولا قوة إلا بالله، لحديث عمر السابق (3) ولقول علقمة بن وقاص:" إنى عند معاوية إذا أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن حتى إذا قال: حى على الصلاة، قال لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قال حى على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل ذلك " أخرجه البخارى وأحمد والنسائى وهذا لفظهما (4){110}
(1) انظر ص 135 ج 1 زرقانى (الندءا للصلاة).
(2)
انظر ص 105 مجتبى (هل يؤذنان جميعا؟
…
) وص 82 ج 1 شرح معانى الآثار.
(3)
تقدم رقم 102 ص 66.
(4)
انظر ص 63 ج 2 فتح البارى (ما يقول إذا سمع المنادى) وص 32 ج 3 - الفتح الربانى. وص 109 ج 1 مجتبى (القول إذا قال المؤذن حى على الصلاة حى على الفلاح).
(وعن) أبى سعيد: أن النبى صلى الله عليه وسلم: " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " أخرجه الجماعة والشافعى (1){111}
هذا وظاهر قوله فى الحديث إذا سمعتم اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا فى الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم، لا تشرع له الإجابة (2) (والظاهر) أيضاً من قوله فقولوا التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار الإجابة على القلب (واختلف) العلماء فى ذلك فذهب الجمهور إلى أنه يحكى الأذان كالمؤذن فى جميع ألفاظه إلا فى الحيعلتين فإنه يقول بدل كل واحدة منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله حملا للعام على الخاص جمعا بينهما. وهو رواية عن مالك. وهذا ليس بمتعين طريقا للجمع. بل يمكن الجمع بأن يجيب المؤذن تارة فى جميع الكلمات على وفق الراويات الثانية. وتارة يجيب على حسب الروايات الأولى. وعلى هذا جرى ابن حزم (قال) ابن المنذر: يحتمل أن يكون هذا من الاختلاف المباح. فيقول: تارة مثل قول المؤذن حتى فى الحيعلتين وتارة يبدلهما بالحوقلتين (3)(ومشهور) مذهب المالكية: أن السامع يحكى الأذان لمنتهى الشهادتين، وما زاد تكره حكايته حتى التكبير الأخير والتهليل، وقيل يخير فى حكايته
(1) انظر ص 124 ج 1 زرقانى (النداء للصلاة) وص 31 ج 3 - الفتح الربانى وص 61 ج 2 فتح البارى (ما يقول إذا سمع المنادى) وص 84 ج 4 نووى. وص 188 ج 4 - المنهل العذب. وص 109 ج 1 مجتبى. وص 183 ج 1 تحفه الأحوذى. وص 127 ج 1 - ابن ماجه (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) قال القارى: إلا فى قوله: الصلاة خير من النوم فإنه يقول: صدقت وبررت وبالحق نطقت. وبرر كعلم أو فتح أى صرت ذا بر وخير كثير. انظر ص 423 ج 1 مرقاة المفاتيح (فضل الأذان) ولم نقف على ما يدل على هذا. قال الصنعانى: وهذا استحسان من قائلة وليس فيه سنة تعتمد. انظر ص 202 ج 1 سبل السلام.
(2)
انظر ص 61 ج 2 فتح البارى.
(3)
انظر ص 61 ج 2 فتح البارى.
لظاهر قول عبد الله بن ربيعه السلمى. كان النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فسمع مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. قال النبى صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله. قال: أشهد أن محمداً رسول الله: قال النبى صلى الله عليه وسلم:
أشهد أنى محمد رسول الله. وقال: تجدونه راعى غنم أو عازبا عن أهله (الحديث) أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (1){112}
ورد بأنه لا دليل فيه على كراهة حكاية ما بعد الشهادتين، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم حكى كل الأذان كما أمر فعند النسائى عن عبد الله ابن ربيعة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فسمع صوت رجل يؤذن فقال مثل قوله (الحديث)(2) واقتصار الراوى على الإخبار بحكاية الشهادتين، لا يدل على عدم حكاية غيرهما، والراجح الذى يشهد له الدليل أنه يطلب حكاية الأذان لآخره إلا أنه يدل الحيعلة فى كل مرة بالحوقلة.
(قال) العلامة الدسوقى: والحاصل أن الأذان قيل تندب حكايته لآخره إلا أنه يبدل الحيعلة بحوقلة. ورجحه فى المجموع (3) وظاهر الأحاديث يدل على وجوب إجابة المؤذن فى جميع الحالات، وبه قال الحنفيون وابن وهب المالكى والظاهرية (وقال) مالك والشافعى وأحمد وجمهور الفقهاء: الأمر فى الأحاديث للاستحباب وهو اختيار الطحاوى. قالوا والصارف له عن الوجوب ما فى قوله أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع
(1) انظر ص 28 ج 3 - الفتح الربانى (ما يقول عند سماع الأذان) وص 335 ج 1 مجمع الزوائد (الأذان فى السفر) و (عازب) أى بعيد.
(2)
انظر ص 108 ج 1 مجتبى (أذان الراعى).
(3)
انظر ص 161 ج 1 حاشية كبير الدردير (الأذان).
الفجر. وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار. فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت من النار. فنظروا فإذا هو راعى معزى، أخرجه مسلم (1){113}
وأخرج الطحاوى نحوه عن ابن مسعود وقال: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع المنادى ينادى فقال غير ما قال. فدل ذلك على أن قوله " إذا سمعتم المنادى فقولوا مثل الذى يقول " ليس على الإيجاب. وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل كما علم الناس من الدعاء الذى أمرهم به أن يقولوه فى دبر الصلوات وما أشبه ذلك (2).
(قال) الحافظ: وتعقب بأنه ليس فى الحديث أنه لم يقل مقل ما قال. فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوى اكتفاء بالعادة، ونقل القول الزائد وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قل صدور الأمر، يعنى بإحالة المؤذن (3) وللجمهور أيضاً أن الأذان الذى هو الأصل ليس بواجب كما عليه الأكثر، فالإجابة لا تكون واجبة بالطريق الأولى.
(فوائد):
(الأولى) أيحكى الترجيع أم لا؟ ظاهر قوله فقولوا مثل ما يقول أنه يحكيه لن الترجيع مما يقوله. وهذا أظهر وأحوط.
(الثانية) روى سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه
(1) انظر ص 84 ج 4 - نووى (ترك الإغارة على من سمع فيهمن الأذان) و (على الفطرة) أى على الإسلام.
(2)
انظر ص 87 ج 1 - شرح معانى الآثار.
(3)
انظر ص 62 ج 2 - فتح البارى (ما يقول إذا سمعه المنادى).
وسلم قال: " من قال حين يسمع الأذان وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، غفر له " أخرجه أحمد ومسلم والأربعة وقال الترمذى: حسن صحيح (1){114}
وظاهر هذه الرواية يدل على أنه يقول هذا الذكر حال الأذان عقب سماعه الشهادتين. ويحتمل أنه يقول بعد تمام الأذان، إذ لو قال ذلك حال الأذان لفاته إجابة المؤذن فى بعض كلمات الأذان.
(الثالثة) هل باشر النبى صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه؟ (قال) علاء الدين الحصنى: وفى الضياء أنه عليه الصلاة والسلام أذن فى سفر بنفسه وأقام وصلى الظهر (2)(وروى) يعل ابن مرة نه صلى الله عليه
وسلم أذن فى سفر وهو على راحلته وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم " أخرجه الترمذى وقال: حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخى (3){115}
(قال) الحافظ: وجزم به النووى وقواه. ولكن وجدناه فى مسند أحمد من هذا الوجه فأمر بلالا فأذن فعلم أن فى رواية الترمذى اختصارا، وأن معنى قوله أذن أمر بلالا به، كما يقا أعطى الخليفة العالم الفلانى كذا، وإنما باشر العطاء غيره (4) " لكن قال السندى وفى السراج (قال) عقبة بن عامر،
(1) انظر ص 29 ج 3 - الفتح الربانى. وص 86 ج 4 - نووى. وص 110 ج 1 مجتبى (الدعاء عند الأذان) وص 123 ج 1 - ابن ماجه. وص 197 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول إذا سمع المؤذن) وص 184 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يقول إذا أذن المؤذن)
(2)
انظر ص 295 ج 1 - الدر المختار.
(3)
انظر ص 317 ج 1 - تحفة الأحوذى (الصلاة على الدابة فى الطين) وهذا بعض حديث يأتى تاما. فى بحث (صلاة الفرض على الدابة) إن شاء الله تعالى.
(4)
انظر ص 52 ج 2 فتح البارى (بدء الأذان).
" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فلما زالت الشمس أذن بنفسه وأقام صلى الظهر (وقال) السيوطى فى شرح البخارى، ظفرت بحديث آخر مرسل " أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن ابن أبى ملكية قال: " أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقال: حى على الفلاح (1) "{116}
وهذه رواية لا تقبل التأويل.
(14)
الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم: يسن لمن سمع الأذان أن يصلى على النبى صلى الله لعيه وسلم بعد حكاية الأذان وأن يسال له الوسيلة "لحديث " عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: " إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإن م صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا. ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة ل تنبغى إلا لعبد من باد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل الله لى الوسيلة حلت له الشفاعة " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (2){117}
ومثل السامع فيما ذكر المؤذن، لدخوله فى عموم قوله " من صلى على الصلاة " وقوله " فمن سأل الله لى الوسيلة " (قال) النووى: فيه استحباب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة المؤذن. واستحباب سؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم وأنه يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها ولا ينتظر فراغه من كل الأذان (3). والأمر فى الحديث
(1) انظر ص 124 ج 1 زرقانى.
(2)
انظر ص 30 ج 2 - الفتح الربانى. وص 85 ج 4 نووى (القول مثل قول المؤذن) وص 191 ج 4 - المنهل العذب. وص 110 ج 1 مجتبى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان).
(3)
انظر ص 87 ج 4 شرح مسلم.
للندب عند الجمهور. وحمله الطحاوى على الوجوب. وظاهر الحديث جواز إفراد الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عن السلام بلا كراهة. وبه قال الجمهور، ولا وجه لمن قال بالكراهة (روى) جابر أن النبى صلى الله لعيه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذى وعدته، حلت له شفاعتى
يوم القيامة " أخرجه أحمد والبخارى والأربعة (1){118}
هذا. وقد ورد فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان (أفضلها) ما فى حديث كعب بن عجرة: " قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمناه. فكيف الصلاة عليك؟ قال قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم حميد مجيد. اللهم بارك
(1) انظر ص 31 ج 3 - الفتح الربانى. وص 64 ج 23 فتح البارى (الدعاء عند النداء) وص 204 ج 4 - المنهل العذب. وص 110 ج 1 مجتبى (الدعاء عند الأذان) وص 185 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 127 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال إذا أذن المؤذن) و (الدعوة) بفتح الدال المراد بها الأذان. سمى بذلك لاشماله عل كلمة التوحيد والدعوة إلى الصلاة. و (التامة) أى التى لا يدخلها تغيير ولا تبديل إلى يوم القيامة (والوسيلة) ما يتوصل به إلى الشئ ويتقرب به. والمراد بها هنا أعلى منزلة فى الجنة (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر مراتب الخلق. ويحتمل أن تكون مرادفة للوسيلة أو مغايرة لها (وقوله مقاما محموداً) بالتنكير. وفى رواية: المقام المحمود بالتعريف أى الذى يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو مقام الشفاعة فى فصل القضاء المشار إليه بقوله تعالى: " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " والحكمة فى سؤال ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم مع تحقق وقوعه، إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم وبيان عظم منزلته عليه الصلاة والسلام (حلت له شفاعتى) أى من قال هذه الكلمات عقب الأذان، وجبت له شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم واستحقها يوم القيامة وهى تختلف باختلاف المقامات، والشفاعة طلب الخير للغير.
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أخرجه السبعة. ولفظ أبى داود قولوا: اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد (1){119}
(وقال) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: " قلنا هذا السلام يا رسول الله قد علمناه فكيف الصلاة عليك؟ قال قولوا: اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى (2){120}
والمطلوب فيها الإسرار من المؤذن والسامع.
(15)
الدعاء بين الأذان والإقامة: يسن الدعاء بينهما. وهو مجاب لحديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنة الترمذى (3){121}
(وعن) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " عند أذان المؤذن
(1) انظر ص 23 ج 4 - الفتح الربانى (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عقب التشهد) وص 377 ج 8 - فتح البارى (قوله إن الله وملائكته يصلون على النبى) وص 126 ج 4 - نووى. وص 190 ج 1 - مجتبى (كيف الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم
(2)
انظر ص 24 ج 4 - الفتح الربانى. وص 377 ج 8 - فتح البارى. وص 191 ج 1 - مجتبى.
(3)
انظر ص 12 ج 3 - الفتح الربانى. وص 186 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 186 ج 4 - المنهل العذب (الدعاء بين الأذان والإقامة) ولفظه: لا يرد الدعاء.
يستجاب الدعاء. فإذا كانت الإقامة لا ترد دعوته " أخرجه الخطيب وضعفه السيوطى (1){122}
ويستحب أن يقال بعد أذان المغرب فما فى حديث أم سلمة قالت: علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب " اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك فاغفر لى " أخرجه أبو داود والبيهقى والترمذى، وقال حديث غريب والحاكم وصححه (2){123}
وإجابة الدعاء عامة فى الأمور الدينية والدنيوية ما لم يكن بإثم أو قطعية رحم وللإجابة شروط (منها) ألا يستعجل الداعى الإجابة، لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطعية رحم ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعرت وقد دعوت فلم أن يستجاب لى. فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. أخرجه مسلم (3){124}
ومنها (إقبال) العبد على ربه حال دعائه. وأن يكون موقنا بالإجابة. لكن تكون على حسب مراد الله تعالى وفى الوقت الذى يريده. لا على حسب مراد الداعى، ولا فى الوقت الذى يريده، إذ قد يدعو بما تكون عاقبته وبالا عليه كما وقع لثعلبة بن حاطب (4).
(1) انظر رقم 5629 ص 365 ج 4 - فيض القدير.
(2)
انظر ص 206 ج 4 - المنهل العذب (ما يقول عند أذان المغرب) وص 199 ج 1 - مستدرك. وص 410 ج 1 - بيهقى (الدعاء بين الأذان والإقامة).
(3)
انظر ص 52 ج 17 - نووى (يتجاب للداعى ما لم يعجل - كتاب الذكر)(فيستحسر) أى ينقطع عن الدعاء.
(4)
(قال) أبو أمامة الباهلى: جاء ثعلبة بن حاطب الأنصارى إلى رسول الله =
(16)
الأحق بالإقامة: اتفق العلماء على أنه يجوز إقامة غير المؤذن
= صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أدع الله أن يرزقنى مالا قال " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدى شكره، خير من كثير لا تطيقه ": أمالك فى رسول الله أسوة حسنة؟ والذى نفسى بيده لو أردت أن تيسر الجبال معى ذهبا وفضة لسارت. ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله أدع الله أن يرزقنى مالا فوالذى بعثك بالحق لئن رزقنى الله مالا، لأعطين كل ذى حق حقه. فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: " اللهم أرزق ثعلبة مالا. ثلاثا فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود. فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها وهى تنمو كالدور. فكان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر. ويصلى فى غنمه سائر الصلوات. ثم كثرت ونمت حتى تباعد بها عن المدينة. فصار لا يشهد إلا الجمعة. ثم كثرت فنمت فتباعد أيضاً حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة. فكان إذا كان يوم الجمعة خرج يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار. فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ما فعل ثعلبه؟ قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما ما يسعها واد. فال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. فأنزل الله آية الصدقات. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بنى سليم ورجلا من بنى جهينة. وكتب لهما أسنان الصدقة كيف يأخذانها. وقال لهما: مرآ على ثعلبه بن حاطب ورجل بنى سليم فخذا صدقاتهما. فخرجا إلى ثعلبة حتى أتياه فسألاه الصدقة وأقرأاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلى. فانطلقا وسمع بهما السلمى فنظر على خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها. فلما رأياها قالوا ما هذه عليك قال خذاها فإن نفسى بذلك طيبة. فمرا على الناس فأخذا الصدقة ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أرونى كتابكما فقرأة ثم قال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية اذهبا حتى رأى رأنى فاقبلا. فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه قال: يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. يا ويح ثعلبة. ثم دعا للسلمى بخير. فأخبراه بالذى صنع ثعلبة. فأنزل الله تعالى فيه {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لتصدقن ولتكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع =
واختلفوا فى الأولوية (فقال) الشافعى وأحمد: الأولى أن يكون المؤذن هو المقيم (لقول) زياد بن الحارث الصدائى: " أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤذن فى صلاة الفجر فأذنت. فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال: إنما نعرفه من حديث الإفريقى وهو ضعيف ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد لا أكتب حديث الإفريقى ورأيت محمد بن إسماعيل " يعنى البخارى"يقوى أمره ويقول: هو مقارب الحديث. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم (1){125}
= ذلك فخرج حتى أتاه فقال: يا ويحك يا ثعلبة. لقد أنزل الله فيك كذا وكذا. فخرج ثعلبة حتى أتى النبى صلى الله لعيه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة. فقال عن الله عزوجل منعنى أن أقبل منك صدقتك. فجعل يحثو التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك وقد أمرتك فلم تطعنى. فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أتى أبا بكر فقال: أقبل صدقتى فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه ولم فأنا لا أقبلها فقبض أبو بكر ولم يقبلها. فلما ولى عمر أتاه فقال: اقبل صدقتى. فقال لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر: فأنا لا أقبلها منك. فلم يقبلها منك رسول الله صلى الله علهي وسلم ولا أبو بكر. فأنا لا اقبلها منك. فلم يقبلها. فلما ولى عثمان أتاه فلم بقبلها منه. وهلك ثعلبة فى خلافه عثمان. أخرجه البغوى وابن جرير والبطرانى. وفيه على بن يزيد الألهانى وهو متروك. انظر ص 208 ج 4 - تفسير البغوى. وص 130 ج 10 - جامع البيان. ص 31 ج 7 - مجمع الزوائد - (سورة براءة) ولإخبار الله تعالى بموت ثعلبة على النفاق وعدم الإخلاص، لم تكن توبته صادقة. فلاذ لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه منه الزكاة.
(1)
انظر ص 41 ج 3 - الفتح الربانى. وص 169 ج 4 - المنهل العذب (من أذن فهو يقيم) وص 126 ج 1 - ابن ماجه (السنة فى الأذان) وص 178 ج 1 - تحفة الأحوذى.
(وقال) الحنفيون وأكثر أهل الكوفة ومالك وأكثر أهل الحجاز وأبو ثور: لا فرق بين أن يقيم المؤذن أو غيره. فإن الأمر واسع (لحديث) عبد الله بن زيد أنه أرى الأذان قال: "فجئت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ألقه على بلال فألقيته فأذن. فأراد أن يقيم فقلت: يا رسول الله أنا رأيت أريد أن أقيم**. قال: فأقم أنت. فأقام هو وأذن بلال " أخرجه أبو داود وأحمد واللفظ له وفى سنده محمد بن عمرو الواقفى الأنصارى البصرى. وهو ضعيف ضعفه القطان وابن نمير ويحيى بن معين (وقال) ابن عبد البر إسناده أحسن من حديث الإفريقى (1){126}
(لكن) الأخذ بحديث الصدائى أولى، لأن حديث عبد الله بن زيد كان أول ما شرع الأذان فى السنة الأولى من الهجرة، وحديث الصدائى بعده بلا شك. وقوى حديث الصدائى البخارى والعقيلى وابن الجوزى وحسنه الحازمى (2). والظاهر أن إقامة عبد الله بن زيد كانت خصوصية له حيث قال للنبى لى الله عليه وسلم: أنا رأيته وأريد ان أقيم. فلا يلحق به غيره.
(17)
متى تقام الصلاة؟ : يطلب من المؤذن ألا يقيم إلا إذا أراد الإمام الصلاة (لقول) جابر بنم سمرة: " كان بلال يؤذن ثم يمهل فإذا رأى انبى صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة " أخرجه أبو داود والترمذى ومسلم. وفى رواية له: فلا يقيم حتى يخرج النبى صلى الله عليه وسلم (3){127}
(1) انظر ص 41 ج 3 - الفتح الربانى. وص 167 ج 4 - المنهل العذب (الرجل يؤذن ويقيم آخر).
(2)
انظر ص 178 ج 1 - تحفة الأحوذى.
(3)
انظر ص 219 ج 4 - المنهل العذب (المؤذن ينتظر الإمام) وص 179 ج 1 = تحفة الأحوذى (الإمام أحق بالإقامة) وص 102 ج 5 - نووى (متى يقوم الناس للصلاة).
(ولا منافاة) بين هذا وبين حديث موسى بن عقبة عن سالم أبى النصر"أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد النداء على المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلى" أخرجه البيهقى (1){128}
(لأنه) كان يفعل ذلك أحيانا.
(18)
الخروج من المسجد بعد الأذان: يكره تحريماً - عند الحنفيين والشافعى - الخروج من مسجد أذن فيه قبل الصلاة إلا لعذر (لقول) أبى الشعثاء: " كنا مع أبى هريرة فى المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن بالعصر، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم والأربعة وأحمد وزاد: ثم قال أبو هريرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كنتم فى المسجد فنودى بالصلاة، فلا يخرج أحدكم حتى يصلى. ورجاله رجال الصحيح. وقال الترمذى: حسن صحيح (2){129}
(وقالت) المالكية: يكره الخروج بعد الأذان وقبل الإقامة ويحرم بعدها (وقالت) الحنبلية: يحرم الخروج بعد الأذان.
(عبرة) قال الإمام مالك: بلغنى أن رجلا قدم حاجاً وأنه جلس إلى سعيد ابن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة.
(1) انظر ص 20 ج 2 - بيهقى (الإمام يخرج فإن رأى جماعة أقام).
(2)
انظر ص 157 ج 5 - نووى (النهى عن الخروج من المسجد إذا أن المؤذن) وص 217 ج 4 - المنهل العذب. وص 111 ج 1 - مجتبى (التشديد فى الخروج من المسجد بعد الأذان) وص 181 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 129 ج 1 - ابن ماجه. وص 43 ج 3 - الفتح الربانى.
فقال له سعيد: لا تخرج فإنه بلغنى أنه من خرج بعد الأذان - خروجا لا يرجع إليه - أصابه أمر سوء. قال فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة. فقال: ما أراه إلا قد حبسنى فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال: قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره.
(قال) ابن رشد: قول ابن المسيب (بلغنى) معناه عن النبى صلى الله عليه وسلم إذ لا يقال مثله بالرأى. وهى عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه. لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التى أذن لها وحضر وقتها (1).
هذا. والنهى عن الخروج بعد الأذان مقيد عند الحنفيين بما إذا لم يكن صلى وليس ممن تنتظم به جماعة أخرى. بأن كان إماما أو مؤذنا تتفرق الناس بغيبته فله الخروج ولو عند الشروع فى الإقامة. وكذا لا يكره الخروج بعد الأذان لمن صلى منفرداً فى كل الصلوات إلا فى الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع فى الإقامة لا قبله (قال) أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهاره، وكذا إن كان قد صلى وحده - إلا ما لا يعاد من الصلوات - فلا يحل له الخروج من المسجد بالإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوى الرجوع (2) وكذا يباح الخروج لعذر آخر كمدافعة الأخبثين أو الريح أو حصول رعاف، وما أحدث فى المساجد من البدع كرفع صوت بقراءة أو ذكر على وجه يشوش على المتعبدين، والتبليغ لغير حاجة، وفسق الإمام بارتكاب محرم، ومنه نقر الصلاة وعدم الاطمئنان فيها، لما تقدم عن مجاهد بن جبر قال: كنت مع ابن عمر رضى الله عنهما فثوب رجل " أى قال الصلاة خير من النوم " فى
(1) انظر ص 218 ج 4 - المنهل العذب (الخروج من المسجد بعد الأذان).
(2)
انظر ص 218 ج 4 - المنهل العذب (الخروج من المسجد بعد الأذان).
الظهر أو العصر فقال ابن عمر: اخرج بنا فإن هذه بدعة. أخرجه أبو داود والترمذى (1).
(19)
الأذان والإقامة للفائتة: يستحب الأذان والإقامة للفائتة، عند الحنفيين وأحمد وهو مشهور مذهب الشافية (لقول) أبى هريرة، " عرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من خبير فقال: من يحفظ علينا الصلاة؟ فقال بلال أنا. فناموا حتى طلعت الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحولوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة يا بلال نمت؟ فقال: أخذ بنفسى الذى أخذ بأنفاسكم. فأمر بلالا فأذن وأقام (الحديث) أخرجه البيهقى وقال: والأذان فى هذه القصة صحيح ثابت قد رواه غير أبى هريرة. وأخرج الحديث أبو داود مختصراً عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " تحولوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة قال: فأمر بلالا فأذن وأقام صلى (2) "{130}
(وقال) مالك والأوزاعى والشافعى فى الجديد " لا يستحب الأذان للفائتة، لحديث أبى هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال: اكلأ لنا الليل فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته. فلم يستيقظ النبى صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا - إلى أن قال - فاقتادوا رواحلهم شيئاً.
(1) تقدم ص 56 (التثويب).
(2)
انظر ص 403 ج 1 بيهقى (الأذان والإقامة للفائتة) وص 27 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) و (عرس) من التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل للراحة.
ثم توضأ النبى صلى الله عليه وسلم وأملا بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى لهم الصبح " (الحديث) أخرجه مسلم وأبو داود (1){131}
ففيه انه اقتصر على الإقامة للفائتة ولم يؤذن لها، (ولقول) أبى سعيد الخدرى:" حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوىّ من الليل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى فى وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك. ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك "، أخرجه أحمد والشافعى والنسائى بسند رجاله رجال الصحيح وصححه ابن السكن (2){132}
وقالوا الأذان إنما هو إعلام بدخول الوقت ودعاء للناس إلى الجماعة. ووقت القضاء ليس وقت إعلام بدخول الوقت، ولا دعاء للجماعة. وفى الأذان فى غير أوقات الصلاة تخليط على الناس. ،إذا اختص بأوقات الصلاة لم يكن مشروعا فى الفوائت، لأنها لا تختص بوقت كالنوافل " وما ورد " فى بعض الروايات من أنه أذن للفائتة " فهو " محمول على الإعلام
(1) انظر ص 181 ج 5 نووى (قضاء الفائتة .. ) وص 20 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) والكرى - بفتحتين - النعاس (ولا يقال) كيف نام النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حتى طلعت الشمس مع قوله فى حديث عائشة: إن عينى تنامان ولا ينام قلبى. أخرجه البخارى ص 22 ج 3 فتح البارى (قيام النبى صلى الله عليه وسلم (لأنا نقول) لا منافاة بينهما. لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين. وإنما يدرك ذلك بالعين. والعين نائمة وإن كان القلب يقظان. انظر ص 184 ج 5 شرح مسلم.
(2)
انظر ص 309 ج 2 - الفتح الربانى (تأخير الصلاة لعذر) وص 55 ج 1 بدائع المنن (قضاء الفوائت) وص 107 ج 1 - مجتبى (الأذان للفائت من الصلوات) و (هوى) كغنى أى زمن طويل.
بالصلاة، لا الألفاظ المخصوصة ف الإعلام بدخول الوقت (والظاهر) الأول لما تقدم عن أبى هريرة من الجمع بين الأذان والإقامة " وحمل الأذان " فيه على مجرد الإعلام " خلاف الظاهر ""وأما ترك " الأذان فى رواية أبى هريرة الأخيرة، وفى حديث أبى سعيد " فلا يستلزم " عدم حصوله. فيتحمل أنه حصل وتركه الراوى اختصارا. ويؤيده ما جاء فى رواية النسائى لحديث أبى سعيد: ثم أذن للمغرب فصلاها فى وقتها. وفيه قال أبو عبيدة: وقال عبد الله: " إن المشركين شغلوا النبى صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء " أخرجه النسائى (1){133}
(ودعوى) أن الأذان للوقت والدعاء للجماعة " غير مسلمة " قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (2)، وقال:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً} (3)، ولذا أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالأذان للفائتة. وأمر به المنفرد (4)" وقولهم " إن فى الأذان للفائتة تخليطا " مردود " بأنه إنما يؤذن لها على وجه لا تخليط فيه.
(وعلى الراجح) إذا تعددت الفائتة فهل يؤن لكل؟ (قال) النعمان وأبو يوسف: يؤذن للأولى ويقيم لها وللباقى. ويخير فيه بين الأذان وعدمه (وقالت) الشافعية ومحمد بن الحسن: يؤذن ويقام للأولى، ويقتصر فى الباقى على الإقامة.
(1) انظر ص 107 ج 1 مجتبى (الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد والإقامة لكل واحدة).
(2)
صورة الجمعة أية: 9.
(3)
سورة المائدة أية: 58.
(4)
تقدم ص 69 (أذان المنفرد).
(20)
بدع الأذان: هى كثيرة المذكور منها هنا تسع:
1) رفع الصوت بالصلاة السلام على النبى صلى الله عليه وسلم بعده كما جرت به عادة غالب مؤذنى الزمان. فهو بدعة مخالفة لهدى النبى صلى الله عليه وسلم حدثت سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وقيل سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وجمع بينهما علاء الدين الحصنى (قال) التسليم بعد الأذان حدث فى ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فى عشاء ليلة الاثنين، ثم يوم الجمعة. ثم بعد عشر سنين حدث فى الكل إلا المغرب (1) فينبغى ترك هذه البدعة والاقتصار على الوارد. فإن كل محدث فى الدين مردود على صاحبه لا ثواب فيه بل إذا فعله على أنه قربة كان آثما، لأن الله تعالى إنما يعبد بما شرع لا بما ابتدع (وفى الحديث)" من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه الشيخان والنسائى وأبو داود وابن ماجه عن عائشة (2) - وفى رواية لأحمد ومسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "(3){134}
(وعن) جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله. وإن أفضل الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها. وكل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم. وكذا أحمد من حديث عمرو بن ثعلب. وزاد فيه " وكل ضلالة فى النار "(4){135}
ومنه تعلم أن رفع الصوت بالصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم
(1) انظر ص 287 ج 1 - الدر المختار (الأذان).
(2)
انظر رقم 22 و 23 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى التاسعة).
(3)
انظر رقم 22 و 23 ص 37 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى التاسعة).
(4)
انظر رقم 101 ص 160 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى 22).
من المؤذن بعد الأذان بالكيفية المتعارفة فى زماننا بدعة مكروهة (ومن قال) باستحسانها من متأخرى المقلدين (فقوله) مردود عليه بهذه الأحاديث الصحيحة، لأن شرط الاستحسان ألا يكون مصادرا لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضلا عن كون المقلد لا يصح منه التحسين. ولذا حذر علماء المذاهب من ارتكاب هذه البدعة ونحوها.
(قال) ابن الحاج: يطلب من إمام المسجد أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من صفه الصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم عند الأذان وإن كانت الصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم من أكبر العبادات. فينبغى أن يسلك بها مسلكها، فلا توضع إلا فى مواضعها التى جعلت لها. ألا ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات ومع ذلك ل يجوز للمكلف أن يقرأه فى الركوع ولا فى السجود ولا فى الجلوس فى الصلاة، لأن ذلك لم يرد، والخير كله فى الاتباع. وهى بدعة قريبة الحدوث جدا (1).
(وقال) ابن حجر الهيثمى: وقد استفتى مشايخنا وغيرهم فى الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على الكيفية التى يفعلها المؤذنون فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة أهـ (2).
(وقال) الشعرانى: قال شيخنا لم يكن التسليم الذى يفعله المؤذنون فى أيامه صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين، بل كان فى أيام الروافض بمصر (3).
(وقد سئل) الأستاذ المرحوم الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية بإفادة من مديرية المنوفية فى 24 مايو سنة 1904 نمرة 765 عن ست مسائل
(1) انظر ص 109 ج 2 مدخل الشرع الشريف (النهى عما أحدثوه بالليل).
(2)
انظر ص 131 ج 1 - الفتاوى الكبرى الفقهية (الأذان).
(3)
انظر ص 80 ج 1 كشف الغمة.
(منها) ما اشتهر من الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم عقب الأذان فى الأوقات الخمس إلا المغرب.
(فأجاب) بقوله: أما الأذان فقد جاء فى الخانية أنه ليس لغير المكتوبات وأنه خمس عشرة كلمة، وآخره عندنا لا إله إلا الله. وما يذكر بعده أو قبله كله من المستحدثات المبتدعة ابتدعت للتحلين لا لشئ آخر. ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين ولا عبرة بقول من قال إن شيئاً من ذلك بدعة حسنة، لأن كل بدعة فى العبادات على هذا النحو فهى سيئة. ومن ادعى أن ذلك ليس فيه تلحين فهو كاذب (1).
(وقال) العلامة المقريزى فى كتابة الخطط: وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر سنة سبع وستين وخمسمائة فأبطل من الأذان قول حى على خير العمل. وصار يؤذن فى مصر والسام بأذان أهل مكة وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين إلى أن انتشر مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه فى مصر.
فصار يؤذن بأذان أهل الكوفة إلا أنه فى ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين، سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شئ أحدثه صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسى بعد سنة ستين وسبعمائة.
وفى شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فى عهد الملك الصالح المنصور أمير حاج، سمع بعض الفقراء الحلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ليلة جمعة، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه.
(1) هذه بعض فتوى منقولة من دفاتر دار إفتاء الديار المصرية رقم 311 جزء ثالث بتارخي 22 ربيع الأول سنة 1322 هـ. انظرها تامة ص 357 ج 4 - الدين الخالص (بدع الجمعة) وهامش ص 85 فتاوى أئمة المسلمين (طبعة ثالثة).
فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام فى كل أذن؟ قالوا نعم فبات وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أذان. فمضى إلى محتسب القاهرة نجم الدين محمد الطنبدى - وكان شيخاً جهولا سيئ السيرة متهافتاً على الدرهم لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ولا يراعى فى مؤمن إلا (1) ولا ذمة - وقال له: رسول الله صلى الله لعيه وسلم يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا فى كل أذان " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل فى ليالى الجمع فأعجب الجاهل هذا القول. وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه فى حياته وقد نهى الله تعالى عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إياكم ومحدثات الأمور "(3). {136}
فأمر بذلك فى شعبان من السنة المذكورة. وعمت هذه البدعة واستمرت فى مصر والشام. وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذى لا يحل تركه. وأذى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد فى الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا. فإنا لله وإنا إليه راجعون (4) أهـ.
(1) إلا بكسر الهمزة وشد اللام مونا أى عهداً.
(2)
سورة الشورى آية: 21.
(3)
هذا بعض الحديث رقم 13 ص 22 فتاوى أئمة المسلمين (الفتوى 3).
(4)
انظر ص 172 ج 2 - الخطط طبعة بولاق (ذكر الأذان بمصر).
(وقال) العلامة ابن حجر: لم نر فى شئ من الأحاديث ولا فى كلام أئمتنا التعرض للصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم قبل الأذان ولا إلى محمد رسول الله بعده فحينئذ كل واحد من هذين ليس سنة فى محله المذكور فمن أتى بواحد منهما فى ذلك معتقداً سنيته فى ذلك المحل، ينهى ويمنع منه، لأنه تشريع بغير دليل. ومن شرع بغير دليل يزجر ويمنع أهـ (1).
2) ومنه يتبين لك أن من البدع المذمومة قول كثير من المؤذنين عقب أذان الفجر. ورضى الله تبارك وتعالى عنك يا شيخ العرب ونحوه من الألفاظ بأعلى صوت. ومع ذلك لا تجد منكراً عليهم بل لو نهى شخص عن ذلك رموه بألسنة حداد. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
3) ومن البدع المذمومة. التلحين فى الأذان والتغنى فيه بما يؤدى إلى تغيير الحروف والحركات والسكنات والنقص والزيادة محافظة على توقيع النغمات. فهذا لا يحل فى الأذان كما لا يحل فى قراءة القرآن. ولا يحل سماعه، لأن فيه تشبهاً بفعل الفسقة حال فسقهم، وفيه خروج عن المعروف شرعا فى الأذان.
(4)
ومنها، أذان الجماعة المسمى بالأذان السلطانى، فإنه مذموم ومكروه اتفاقا، لما فيه من التلحين والتغنى وإخراج كلمات الأذان عن وضعها العربى وكيفيتها الشرعية بصورة قبيحة تقشعر منها الجلود وتنفطر لها القلوب وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك (2).
(1) انظر ص 131 ج 1 - الفتاوى الكبرى الفقهية.
(2)
أمر بإبطال هذا الأذان يوم الجمعة 3 من رجب سنة 1355 هـ. 12 من أكتوبر سنة 1934 م. وفى العاشر من رجب المذكور والتاسع عشر من أكتوبر - أمر بعدم رفع الصوت والتصفيق فى المسجد حال دخوله للصلاة احتراما للمساجد، حفظا لها مما لم تبن له = (روى) نافع أن عمر بينما هو فى المسجد عشاء إذ سمع ضحك رجل فأرسل إليه. فقال من أنت؟ فقال أنا رجل من ثقيف. فقال أمن أهل البلد أنت؟ فقال بل من أهل الطائف فتوعده فقال: لو كنت من أهل البلد لنكلت بك. إن مسجدنا هذا لا ترفع فيه الأصوات.
5) ومنها: الإتيان بالسيادة فى الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الأذان والإقامة، لأنه لم يثبت أن أحداً ممن أذن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين قال فى الأذان أو الإقامة: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، ولو كانت السيادة هنا مشروعة ما تركها أحد منهم.
وما أقر على تركها. وما ترك مع قيام المقتضى فتركه سنة وفعله بدعة.
6) ومنها: ما يقع من الجهلة من تقبيل ظفرى الإبهامين ومسح العينين بهما عند قول المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله معتقدين أن فاعله لا يرمد.
قال الشيخ إسماعيل العجلونى: مسح العينين بباطن أنملتى السبابتين بعد تقبيلهما عند سماع قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله مع قوله أشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيا. رواه الديلى عن أبى بكر أنه لما سمع قول المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله قاله. وقبل باطن الأنملتين السبابتين وسمح عينيه فقال صلى الله عليه وسلم: من فعل فعل خليلى فقد حلت له شفاعتى، قال فى المقاصد: لا يصح. وكذا ل يصح ما رواه أبو العباس بن أبى بكر الرداد اليمانى المتصوف فى كتابه " موجبات الرحمة وعزائم المغفرة " بسند فيه مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول أشهد أن محمداً رسول الله: مرحبا بحبيبى وقرة عينى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ثم يقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه
لم يعم ولم يرمد أبدا. ونقل غير ذلك ثم قال: ولم يصح فى المرفوع من كل هذا شئ أهـ (1).
7) وكذا: قولهم بعد الأذان بصوت مرتفع: اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك.
8) ومن البدع المكروهة جهر بعضهم بقراءة شئ من القرآن بعد الأذان وهو تشويش منهى عنه (قال) أبو سعيد الخدرى: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة " أخرجه أبو داود (2). {137}
(وقال) علاء الدين الحصنى: ويحرم فى المسجد رفع الصوت بذكر إلا للمتفقهة (3)(وقال) فى مختصر خليل وشروحه: يكره رفع الصوت بالقرآن أو ذكر فى المسجد خشية التشويش على المصلين أو الذاكرين. فإن شوش حرم اتفاقا (4)(وقال) ابن العماد الشافعى: تحرم القراءة على وجه يشوش على نحو مصل أهـ (5).
9) ومن البدع المكروهة؛ التسبيح والاستغفار وغيرهما مما يأتى به غالب المؤذنين قبل أذان الصبح، لمخالفته الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يفعل فى عهده ولا فى عهد خلفائه والسلف الصالح (قال) ابن الحاج: يطلب من إمام المسجد أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل وإن كان ذكر الله تعالى حسنا سرا وعلنا،
(1) انظر ص 206 ج 2 - كشف الخفاء.
(2)
انظر رقم 17 - ص 25 فتاوى أئمة المسلمين.
(3)
انظر ص 488 ج 1 - الدر المختار (رفع الصوت بالذكر).
(4)
انظر ص 74 ج 4 - الدسوقى على كبير الدردير.
(5)
انظر ص 5 - ابن العماد.
لكن فى المواضع التى تركها الشارع صلوات الله عليه وسلامه ولم يعين فيها شيئا معلوماً وقد رتب الشارع صلوات الله عليه وسلامه للصبح أذاناً قبل طلوع الفجر وأذاناً عند طلوعه (1) ثم قال ومع ذلك ترتب عليه مفاسد (ومنها) ارتكاب نهيه عليه الصلاة والسلام بقوله: " لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن "(2){138}
(فإذا نهى) صلى الله عليه وسلم عن الجهر بالقرآن وتلاوته من أكبر العبادات. وما ذاك إلا لما يدخل من التشويش على من فى المسجد ممن يتعبد إذا جهر به " فما بالك " بما يفعلونه فيه من هذه الطرق التى يعملونها فى التسبيح وما يفعلونه فيه ما يشبه الغناء فى وقت، والنوح فى وقت. وندب الأطلال (3) فى وقت، وينشدون فيه القصائد وفى المسجد من المتهجدين ما هو معلوم. فلا يبقى أحد منهم إلا وقد وصل له من التشويش ما لا خفاء فيه. فيتفرق أمرهم وتتشوش خواطرهم. ولو قدرنا أن المسجد ليس فيه أحد لمنع أيضا، لأنه بصدد أن يأتى الناس إليه. فأين هذا مما روى عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى حين كان فى المسجد آخر الليل يتهجد ثم دخل عمر بن عبد العزيز، وكان إذ ذاك خليفة. وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة. فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه: أذهب إلى هذا المصلى فقل له إما أن تنخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد. ثم أقبل على صلاته. فجاء الخادم فوجد المصلى عمر بن عبد العزيز فرجع ولم يقل له شيئا. فلما سلم سعيد بن المسيب قال لخادمه.
(1) انظر ص 108 ج 2 مدخل.
(2)
هذا عجز حديث أخرجه مالك وأحمد عن فروة بن عمرو. انظر هامش رقم 7 ص 16 فتاوى أئمة المسلمين.
(3)
جمع طلة - بفتح وشد اللام - والمراد بها العجوز والبذية.
ألم أقل لك تنهى هذا المصلى عما يفعل؟ فقال هو الخليفة عمر بن عبد العزيز.
قال أذهب إليه وقل له ما أخبرتك به. فذهب إليه فقال له: إن سعيداً يقول لك: إما أن تخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد. فخفف فى صلاته. فلما سلم منها أخذ نعليه وخرج من المسجد (1).
ولا يخفى عليك تحريفهم لأسماء الله تعالى، وهو من الإلحاد فى الدين، وتهويشهم على من كان نائماً إلى يغر ذلك. ومع هذا يعطون أجراً من مال الوقف لمن يقوم بهذه التهويشات. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(قال) أبو الفضل الألوسى فى تفسير آية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} : يطلب صيانة المساجد مما لم تبن له فى نظر الشارع كحديث الدنيا. ومن ذلك الغناء على مآذنها كما هو معتاد الناس اليوم. لاسيما بالأبيات التى غالبها هجر من القول. وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام: " الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل الهيمة الحشيش (2) " وهذا فى الحديث المباح فما ظنك بالمحرم مطلقاً أو المرفوع فوق المآذن (3)(وقال) الحافظ ابن حجر: ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ليس من الأذان لا لغة ولا شرعا (4)(وقال) فى الإقناع وشرحه: وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك فى المآذن أو غيرها، ليس بمسنون. وما أحد من العلماء قال
(1) انظر ص 111 ج 2 - مدخل الشرع الشريف (النهى عما أحدثوه بالليل).
(2)
كذا فى الكشاف وهو كذب وذكره القارى فى الموضوعات. وقال العلامة العجلونى: والمشهور على الألسنة. الكلام المباح فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب انظر ص 354 ج 1 - كشف الخفاء.
(3)
انظر ص 284 ج 3 روح المعانى.
(4)
انظر ص 92 ج 2 - فتح البارى (ما يقول إذا سمع المنادى).