الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتنفل أولى. ولا يصلى من الفرض حينئذ إلا صبح اليوم عند المالكية. وله قضاء فائتة يتوقف على تأديتها صحة الجمعة عند الحنفيين (وقالت) الحنبلية: له صلاة التحية وقضاء الفوائت وقت الخطبة (وقالت) الشافعية: لا يصلى إلا تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب. وهذا الذى يشهد له الدليل كما سيأتى فى بحث تحية المسجد إن شاء الله.
(السادس) جاحد الصلاة وتاركها
من أنكر فرضية الصلاة أو استخف بها ولو مع أدائها فهو كافر بالإجماع لإنكاره أو استخفافه بأمر معلوم من الدين بالضرورة (وحكمه) حكم المرتد - إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لم يخالط المسلمين مدّة يبلغه فيها فرضية الصلاة - وعليه يحمل عند الجمهور (حديث) جابر بن عبد الله أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إن بين الرجل وبين الشرك والفكر تركَ الصلاة " أخرجه مسلم (1). {65}
(وحديث) بريدة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة. فمن تركها فقد كفر " أخرجه أحمد والنسائى والحاكم (2). {66}
(ومن تركها) عمداً كسلا مع اعتقاده فرضيتها كما هو حال كثير من الناس. فقد اختلف العلماء فيه (فقال) جمهور السلف والخلف: إنه لا يكفر
(1) انظر ص 70 ج 2 نووى (إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة الإيمان).
(2)
انظر ص 232 ج 2 - الفتح الربانى (حجة من كفر تارك الصلاة) ولفظه: العهد. وص 81 ج 1 مجتبى (الحكم فى تارك الصلاة).
بل يفُسق فإن تاب وإلا قتل حدا بالسيف. وبه قالت المالكية إلا أنهم قالوا يؤخر إلى آخر الوقت الضرورى. فإن أدَّاها خلى سبيله وإلا قتل (وقالت) الشافعية: يؤخر إلى آخر وقت العذر ثم يستتاب ندباً أو وجوبا. فإن تاب وصلى خُلّىَ سبيله وإلا قتل. ولا يقتل لترك الظهر والعصر حتى تغرب الشمس. ولا لترك المغرب والعشاء حتى يطلع الفجر. ويقتل فى الصبح بطلوع الشمس بشرط مطالبته بالأداء فى الوقت إذا ضاق، ويتوعد بالقتل إن أخرها عنه (واستدلوا) على عدم كفره بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ (1)} وبحديث عبادة ابن الصامت أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " خمس صلوات كتبهُنّ الله على العباد، فمن جاء بِهن لم يُضيِّع منهنّ شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهُد أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " أخرجه مالك وأحمد والنسائى وأبى داود (2){67}
(واستدلوا) على قتله بقوله تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (3)} وبحديث ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " أُمِرْت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا نمى دماءهم وأموالهم إلا بحقها " أخرجه الشيخان (4){68}
(1) سورة النساء الآية: 46
(2)
انظر ص 234 ج 2 - الفتح الربانى. وص 80 ج 1 مجتبى (المحافظة على الصلوات الخمس) وص 46 ج 8 - المنهل العذب (من لم يوتر)
(3)
التوبة أية: 12.
(4)
انظر ص 57 ج 1 فتح البارى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة .... - الإيمان) وص 212 ج 1 نووى (الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
…
- الإيمان).
وتأوّلوا قوله صلى الله عليه وسلم: " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " ونحوه، على معنى أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهى القتل، أو أنه محمول على المستحل تركها، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو على أن فعله فعل الكفار (وقال) الحنفيون والمزنى: تارك الصلاة كسلا لا يكفر لما تلونا ولما روينا. ولا يقتل، (لحديث) ابن مسعود أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" لا يَحِل دم امرئ مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفس بالنفُس، والثيُب الزانى، والمفارقُ لدينه التارك للجماعة " أخرجه الشيخان والنسائى (1). {69}
وجه الدلالة: أنه لم يذكر فيه تارك الصلاة. بل هو فاسق يضرب ضربا شديداً حتى يسيل دمه ويحبس ويتفقد بالوعظ والزجر والضرب حتى يصلى أو يموت. فإن مات مسلماً ولم يتب لقى الله وهو عليه غضبان محروم من كامل الثواب (روى) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك صلاة لقى الله تعالى وهو عليه غضبان " أخرجه البزار والطبرانى فى الكبير بسند حسن (2). {70}
ويعذب عذاباً أليما فى واد فى جهنم أشدّها حرا وأبعدها قعرا، فيه آبار يسيل إليها الصديد والقيح. أُعِدّت لتارك الصلاة. قال تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ (3)} .
(والغى) قال ابن مسعود: نهر فى جهنم بعيد القعر خبيث الطعم، أخرجه
(1) انظر ص 162 ج 12 - فتح البارى (قول الله إن النفس بالنفس - الديات) وص 164 ج 11 نووى (ما يباح به دم المسلم - القسامة) وص 166 ج 2 مجتبى (ما يحل به دم المسلم).
(2)
انظر ص 295 ج 1 مجمع الزوائد (تارك الصلاة).
(3)
سورة مريم آية: 60.
الحاكم وصححه (1). والمراد باللقّى الاجتماع والملابسة مع الرؤية (وعن) أبى أمامة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو أنّ صخرة زنة عشرة أواق قُذِف بها من شَفير جهنم ما بلغت قعرها خمسين خريفا. ثم تنتهى إلى غىّ وأثام. قلت: وما غىّ وما أثام؟ قال: بئران فى أسفل جهنم يسيب فيهما صديد أهل النار، وهما اللتان ذكر الله فى كتابه:{أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ} وقوله فى الفرقان: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} أخرجه الطبرى (2)
(وقال) جماعة من السلف: إنّ تارك الصلاة كسلا كافر. وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض أصحاب الشافعى (وقالت) الحنبلية: من ترك الصلاة كسلا دعاه الإمام أو نائبه إلى فعلها. فإن امتنع حتى ضاق وقت التى بعدها وجب استتابته ثلاثة أيام كالجاحد لها. فإن تاب وأدّاها خلى سبيله وإلا ضرب عنقه كفرا، لما تقدّم (ولقول) عبد الله ابن شقيق العُقيلى:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرَوْن شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " أخرجه الترمذى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (3){72}
(قال) الشوكانى: والحق أنه كافر يقتل (أما كفره) فلأن الأحاديث قد صحت أنّ الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم. وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة. فتركها مقتض لجواز الإطلاق.
(1) انظر ص 374 ج 2 مستدرك.
(2)
انظر ص 75 ج 16 جامع البيان. وقال ابن كثير: حديث غريب ورفعه. منكر. و (شفير جهنم) حرفها.
(3)
انظر ص 372 ج 1 نيل الأوطار (حجة من كفر تارك الصلاة).
ولا يلزمنا شئ من المعارضات التى أوردها الأوّلون. لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التى سماها الشارع كفراً. فلا ملجئ إلى التأويلات التى وقع الناس فى مضيقها (وأما) أنه يقتل فلأن حديث: أمرت أن أقاتل الناس ونحوه، يقضى بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له. ولا أوضح من دلالتها على المطلوب. وقد شرط الله - فى القرآن - التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإبتاء الزكاة. فقال {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فلا يخلى سبيل من لم يقم الصلاة. وعن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن أنكر فقد برئ. ومن كره فقد سلم. ولكن من رضى وتابع. فقالوا ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا " أخرجه مسلم (1){73}
فجعل الصلاة هى المانعة من مقاتلة أمراء الجور (وحديث) لا يحل دم أمرى مسلم، لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة. والمراد بقوله فى حديث جابر "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر تركَ الصلاة (2) " كما قال النووى - أن الذى يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة. فإن تركها لم يبق بينه وبين الكفر حائل (واختلف) القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة. قال الجمهور يضرب عنقه بالسيف. وقيل يضرب بالخشب
(1) انظر ص 242 ج 12 نووى (وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع)(ولكن) الإثم (على من رضى) بالمنكر (وتابع) مرتكبه.
(2)
تقدم رقم 65 ص 41.
حتى يموت (واختلفوا) أيضا فى وجوب الاستتابة. فالهادوية توجها، وغيرهم لا يوجبها، لأنه يقتل حدّا. ولا تسقط التوبة الحدود كالزانى والسارق (واختلفوا) هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر؟ (قال) الجمهور: يقتل لترك صلاة واحدة. والأحاديث قاضية بذلك. والتقييد بالزيادة على واحدة لا دليل عليه. وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو غسل أو استقبال قبلة أو ستر عورة وكل ما كان ركنا أو شرطا أهـ بتصرف (1). إذا علمت ذلك عرفت أن ترك الصلاة جريمة كبرى تفضى بمرتكبها إلى وقوع فى مهاوى العطب دنيا وأخرى. وقد ورد فى زجر تارك الصلاة أحاديث كثيرة (منها) حديث ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " عُرى الإسلاِم وقواعُد الدينِ ثلاثة عليهنّ أسُس الإسلاِم. من ترك واحدةً منهنّ فهو بها كافُر حلالُ الدم: شهادةُ أن لا إله إلا الله، والصلاةُ المكتوبةُ، وصوم رمضان " أخرجه أبو يعلى والديلمى بسند حسن وقال الذهبى: حديث صحيح (2){74}
(وحديث) عبد الله بن عمرو بن العاصى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوما فقال: " من حافظ عليها كانت له نورا وبُرهانا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة. وكان يوم القيامة مع قارونَ وفرعونَ وهامانَ وأبىِّ بنِ خلَف " أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات (3){75}
(1) انظر ص 370 إلى 372 ج 1 نيل الأوطار (حجة من كفر تارك الصلاة).
(2)
انظر رقم 53 ص 390 ج 8 - الدين الخالص (التفريط فى رضمان).
(3)
انظر ص 232 ج 2 - الفتح الربانى. وقوله (وكان يوم القيامة مع قارون الخ) يدل على أن تركها كفر. لأن هؤلاء المذكورين أشد أهل النار عذابا. وعلى تخليد = تاركها فى النار كتخليد من جعل معهم فى العذاب فيكون هذا الحديث - مع صلاحيته للاحتجاج - مخصصا لأحاديث خروج الموحدين من النار. وقد يقال مجرد المعية لا يدل على الاستمرار والتأييد، لصدق المعنى اللغوى بلبثه معهم مدة. لكن مقام المبالغة يأبى ذلك (انظر ص 338 ج 1 نيل الأوطار)