المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثانى عشر) آداب الصلاة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٢

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثانى عشر) آداب الصلاة

الخشوع للصلاة كالروح للجسد (وقال) ابن رجب الحنبلى فى رسالة الخشوع فى الصلاة: (مرّ) عصام بن يوسف رحمه الله بخاتم الأصم وهو يتكلم فى مجلسه فقال: يا حاتم تحسن تصلى؟ قال نعم. قال كيف تصلى؟ قال حاتم أقوم بالأمر وأمشى بالخشيبة، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفرك وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بانية، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل، وأرجع على نفسى بالخوف، أخاف أن لا يُقْبَل منى، وأحفظه بالجهد إلى الموت. قال تكلم فأنت تحسن تصلى أهـ.

(الثانى عشر) آداب الصلاة

جمع أدب، وهو والمندوب والمستحب والسنة بمعنى واحد عند الشافعية والحنبلية (وقال) الحنفيون ومالك: الأدب والمندوب والمستحب بمعنى وهو ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ولم يواظب عليه، وللصلاة آداب كثيرة المذكور هنا تسعة.

(1)

السكنات فى الصلاة: يندب للمصلى أن يسكت فى الصلاة أربع سكتات (الأولى) بعد تكبير الإحرام وقبل القراءة. وهى مستحبة لكل مصل عند من يقول بدعاء الاستفتاح. وهذه ليست سكتة حقيقية، بل الرماد عدم الجهر بشئ من الذكر، لاشغاله بدعاء الاستفتاح كما تقدم (1)

وشرعت هذه السكتة ليتسنى للمأمومين تأدية النية والتكبير ويتفرغوا لسماع القراءة (الثانية) سكتة بين ولا الضالين وآمين، ليتسنى للمأموم موافقة الإمام فى التأمين (لقول) سمرة بن جُنْدُبٍ حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) تقدم ص 221.

ص: 264

سكتتين: سكتةً إذا كبرّ وسكتة إذا فرغ من قراءةِ غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين " أخرجه أحمد وأبو داود وهذا لفظه (1). {363}

(الثالثة) السكتة بين الفاتحة والسورة. وهى مستحية للإمام عند الشافعية والحنبلية. ليقرأ المأموم فيها الفاتحة، ويشتغل الإمام بالذكر والدعاء والقراءة سرا. ومكروهة عند الحنفيين ومالك لعدم ما يدل على مشروعيتها. واستدل الأولون بقول عروة بن الزبير: أما أنا فأغْتَمِ من الإمام اثنتين إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها وحين يختم السورة فأقرأ قبل أن يركع. وهذا يدل على اشتهار ذلك بينهم. رواه الأثرم (2)

(الرابعة) السكتة بعد قراءة وقبل الركوع. وهى سكتة لطيفة لفصل القراءة من الركوع وترادّ النَّفَس. وهى مستحبة عند الشافعى وأحمد وإسحاق (لقول) سمُرة: " حِفظتُ سكتتين فى الصلاة: سكتةً إذا كبر الإمام حتى يقرأ. وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسور عند الركوع. فأنكر ذاك عليه عمران بن حُصين، فكتبوا فى ذلك إلى المدينة إلى أبىّ فصدّق سَمُرة " أخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطنى (3){364}

(2)

يستحب للمصلى أن لا يجاوز بصرُه موضع سجوده حال القيام وغيره عند الشافعى وأحمد وهو ظاهر الرواية عند الحنفيين (قال) ابن قدامة: قال أحمد فى رواية حنبل: الخشوع فى الصلاة أن يجعل نظره موضع سجوده وروى ذلك عن مسلمة بن يسار وقتادة (4)(وقال) أبو هريرة: " كان النبى

(1) ص 175 ج 3 - الفتح الربانى. وص 191 ج 5 - المنهل العذب (السكتة عند الافتتاح).

(2)

ص 535 ج 1 - معنى.

(3)

ص 190 ج 5 - المنهل العذب. وص 144 ج 1 - ابن ماجه (فى سكتتى الإمام).

(4)

ص 644 ج 1 - مغنى (مستحبات الصلاة).

ص: 265

صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصرهَ إلى السماء فنزلت {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فطأطأ رأسه " أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (1){365}

(وقال) عد الله بن الزبير: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة ولم يُجاوز بصرهُ إشارتهَ " أخرجه أحمد والنسائى (2){366}

" ولم يجاوز بصره إشارته " أى أنه يستحب للمصلى أن لا يرفع بصره حال التشهد إلى ما يجاوز الأصبع التى يشير بها. ولذا قالت الشافعية: يستحب نظره إلى سبابة اليمنى حال التشهد (وقالت) المالكية: يستحب أن يكون نظره موجهاً للقبلة. قال ابن رشد الذى ذهب إليه مالك أن يكون بصر المصلى أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شئ ولا يُنكِّس رأسه، وهو إذا فعل ذلك خشع بصره ووقع فى موضع سجوده على ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم (وقال) بعض الحنفيين: يندب نظر المصلى إلى موضع السجود حال القيام، وإلى ظهر القدمين حال الركوع، وإلى طرف أنفه حال السجود، وإلى حِجْره حال التشهد، وغلى المنكب الأيمن والأيسر حال السلام، لأن المقصود والخشوع وهذا أدعى له. ولم نقف على دليل لهذا التفصيل إلا ما حكى عن شَريك أنه قال: ينظر فى حال قيامه إلى موضع سجوده وفى ركوعه إلى قدميه وفى سجوده إلى أنفه، وفى التشهد إلى حِجْره (قال) العلامة

(1) ص 283 ج 2 - بيهقى (لا يجاوز بصره موضع سجوده) وص 459 ج 2 - تفسير الشوكانى.

(2)

ص 15 ج 4 - الفتح الربانى. وص 187 ج 1 - مجتبى (موضع البصر عند الإشارة وتحريك السبابة).

ص: 266

ابن عابدين: المنقول فى ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصر المصلى فى صلاته إلى محل سجوده كما فى المضمرات، وعليه اقتصر فى الكنز وغيره. وهذا التفصيل من تصرفات المشايخ كالطحاوى والكرخى وغيرهما (1).

(3)

ويندب للمصلى أن يسدّ فمه عند التثاؤب ما استطاع ولو بأخذ شفته السفلى بسِنّه فإن لم يقدر غطاه بكمه أو بظهر يده اليمنى وقيل باليمنى فى القيام وباليسرى فى غيره (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " التثاؤب نم الشيطان، فإذا تثاءبَ أحدكم فليردّه ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال هاضحك الشيطان " أخرجه البخارى (2){367}

وفى رواية: إذا تثاءب أحدكم فى الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخلُ (3). وفى رواية ابن ماجه: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه.

(4)

ويستحب دفع السعال الطارئ بقدر الإمكان. أما المتصنَّع وهو الحاصل بلا عذر، فإنه مبطل للصلاة إذا اشتمل على حروف كالجشاء كما سيأتى.

(5)

ويندب للرجل إخراج كفيه من كميه حال الصلاة إلا لضرورة كبرْد. أما المرأة فلا تفعل ذلك محافظة على الستر.

(6)

ويستحب تطويل الركعة الأولى عن الثانية فى جميع الصلوات عند مالك وأحمد ومحمد بن الحسن وجمهور الشافعية سواء أكان التطويل بالقراءة أن بترتيلها مع استواء المقروءة فى الركعتين (لقول) أبى قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويُسمِعُنا الآية أحيانا. وكان يطوّل الركعة الأولى من الظهر ويُقَصِّر الثانية

(1) ص 353 ج 1 - رد المختار (آداب الصلاة).

(2)

ص 214 ج 6 - فتح البارى (صفة إبليس من كتاب بدء الخلق)

(3)

ص 465 ج 10 - فتح البارى (إذا تثاءب فليضع يده على فيه).

ص: 267

وكذلك فى الصبح. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى (1){368}

والحكمة فى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوّل الأولى ليدركها الناس (وقال) عطاء: إنى لأحب أن يطوّل الإمام ركعة الأولى من الصلاة من كل صلاة حتى يكثر الناس. أخرجه عبد الرزاق (وقيل) الحكمة أنّ النشاط فى الركعة الولى يكون أكثر فلا يمنع التطويل من الخشوع. وخُفِّف غيرها حذراً من الملل (وقال) النعمان وأبو يوسف: يستحب تطويل الأولى عن الثانية فى صلاة الصبح دون غيره، إعانة للناس على إدراك الجماعة، فإنه وقت نوم وغفلة (وقال) جماعة من الشافعية وغيرهم: يستحب التسوية بين الأوليين فى القراءة فى كل صلاة (لقول) أبى سعيد الخدرى: حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر. فحزَرْنا قيامة فى الأوليين من العصر على قدر الأُخريين من الظهر. وحزرنا قيامه فى الأخريين من العصر على النصف من ذلك. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وهذا لفظه والنسائى والطحاوى (2){369}

(وأجابوا) عن حديث أبى قتادة ونحوه بأنّ تطويل الركعة الأولى

(1) ص 207 ج 3 - الفتح الربانى. وص 165 ج 2 - فتح البارى. وص 171 ج 4 - نووى (القراءة فى الظهر والعصر) وص 153 ج 1 - مجتبى (تطويل القيام فى الركعة الأولى .. )(وسورتين) أى فى كل ركعة سورة. ففى رواية للبخارى عن أبى قتادة قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة. انظر ص 167 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى العصر).

(2)

ص 222 ج 3 - الفتح الربانى (القراءة فى الظهر) وص 172 ج 4 نووى. وص 227 ج 5 - المنهل العذب (تخفيف الأخريين) وص 122 ج 1 - شرح معانى الآثار (وحزرنا) بزاى فراء، أى قدّرنا قيامه للقراء فى الصلاة.

ص: 268

إنما هو لدعاء الاستفتاح والتعوّذ. وقد جمع البيهقفى بين حدثيى التطويل والتسوية بأنّ الإمام يطوّل فى الأولى إن كان منتظراً لحد، وإلا سوّى بين الأوليين. والراجح القول الأول (قال) النووى: تطويل القراءة فى الأولى قصداً هو الصحيح المختار لظاهر السنة (1)(وقال) ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى على الثانية من صلاة الصبح ومن كمل صلاة، وربما كان يطيلها حتى لا يُسمع وقع قدم. وكان يطيل صلاة الصبح أكثر من سائر الصلوات. وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، شهده الله تعالى ملائكته. وقيل يشهده ملائكة الليل والنهار. وأيضاً فإنها لما نقصت عدد ركعات جعل تطويلها عوضاً عما نقصته من العدد، ولأنها تكون عقيب النوم والناس مستريحون لم يأخذوا بعد فى استقبال المعاش وأسباب الدنيا، ولأنها تكون فى وقت تواطأ فيه السمع واللسان والقلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال فيه. فيفهم القرآن ويتدبره. وأيضا فإنها أساس العمل وأوّله فأعطيت فضلا من الاهتمام به أو تطويلها. وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها. والله المستعان (2).

(7)

ويستحب - عند الحنفيين وأحمد - لمصلى النافلة دون الفريضة السؤال إذا مرّ بآية فيها سؤال أو رحمة أو عذاب أو جنة أو استغفار أو موجوّ، والتعوّذ إذا مرّ بآية فيها تعوّذ أو نار أو وعيد، والتسبيح إذا مرّ بآية فيها تسبيح (لقول) أبى ليلى: " سمعتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ فى صلاةٍ ليست بفريضة فمرّ يذكر الجنة والنار فقال: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل

(1) ص 175 ج 4 - شرح مسلم.

(2)

ص 55 ج 1 - زاد المعاد (إطالة الركعة الأولى).

ص: 269

النار " أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد (1){370}

(ولقول) حذيفة: " صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة "(الحديث) وفيه ثم افتتح آل عمران فقراها يقرؤها مُتَرسِّلا إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مر بسؤال سأل. وإذا مر يتعوّذ تعوّذ (الحديث) أخرجه مسلم وكذا أحمد بلفظ: كان إذا مرّ بآية رحمة سأل. وإذا مر بآية فيها عذاب تعوّذ. وإذا مر بآية فيها تنزيه الله عز وجل سبح (2){371}

وبهذا قالت المالكية غير أنهم قالوا: يكره الدعاء أثناء القراءة فى الفريضة لغير مأموم. أما المأموم فله أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الإمام فى قراءته. وأن يسأل الجنة إذا سمع آية فيها ذكرها وأن يستعيذ من النار إذا سمع آية فيها ذكرها. ولكن لا نعلم دليلا على هذه التفرقة (وقالت) الشافعية: يستحب ما ذكر لكل مصل إماما أو غيره فى الفرض والنفل، لعموم حديث حذيفة أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يقول فى ركوعه:" سبحان ربىَ العظيم، وفى سجوده سبحان ربىَ الأعلى، وما مرّ بآية رحمة إلا وقف عندها فسال، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوّذ " أخرجه أحمد والدارمى وأبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح (3){372}

(1) ص 238 ج 3 - الفتح الربانى. وص (211 ج 1 - ابن ماجه (القراءة فى صلاة الليل)

(2)

ص 61 ج 6 - نووى (تطويل القراءة فى صلاة الليل). وص 238 ج 3 - الفتح الربانى.

(3)

ص 262 ج 3 - الفتح الربانى (الذكر فى الركوع) وص 299 ج 1 - سنن الدارمى. وص 317 ج 5 - المنهل العذب (ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده). وص 225 ج 1 - تحفى الأحوذى (التسبيح فى الركوع والسجود).

ص: 270

(وأجاب) الأوّلون بأنه محمول على النافلة، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه دعا فى الفريضة حال قراءته مع كثرة من وصف قراءته صلى الله عليه وسلم فيها.

(8)

ويندب للرجل إذا أصابه فى صلاته حادث هامّ - كإذنه لداخل وإنذار أعمى وتنبيه غافل - التسبيح، وللمرأة التصفيق بضرب بطن اليمنى على ظهر اليسرى أو عكسه أو بضرب ظهر إحداهما على الأخرى (لحديث) سهل بن سعد الساعدى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نابه شئ فى صلاته فلْيُقلْ سبحان الله، إنما التصفيقُ للنساء والتسبيح للرجال. أخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وهذا لفظه (1){373}

ولذا قال الحنفيون والشافعى وأحمد: يستحب للرجل إذا نزل به شئ فى الصلاة التسبيح ولا تضر كثرته، أنه قول من جنس الصلاة وإن لم يحصل المقصود م التسبيح غلا بالكلام أو الفعل المبطل أتى به وتبطل الصلاة لأنه عمل من غير جنسها، والمرأة تصفق بقدر الضرورة فإن أكثرت بطلت الصلاة، لأنه عمل من غير جنسها، وخص النساء بالتصفيق لأن حالهن مبنى على الستر وفى رفع أصواتهنّ فتنة، وقال الكمال فى الفتح (فرع) صرح فى النوازل بأنه نغمة المرأة عورة، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب من تعلمها من الأعمى. ولذا قال عليه الصلاة والسلام: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. فلا يحسن أن يسمعها الرجل أهـ. وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة فى الصلاة فسدت كان متجها أهـ كلام الكمال، لكن قال ابن نجيم فى البحر: وفى شرح المنية: والأشبه أن صوتها ليس بعورة وإنما يؤدى على الفتنة ولعلهنّ إنما منعن من رفع الصوت بالتسبيح فى الصلاة لهذا المعنى، ولا يلزم

(1) ص 56 ج 3 - فتح البرى (رفع الأيدى فى الصلاة - العمل فى الصلاة). وص 44 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة). وص 109 ج 4 - الفتح الربانى.

ص: 271

من حرمة رفع صوتها بحضرة الأجانب أن يكون عورة أهـ. ومنه تعلم بطلان ما قاله الشوكانى من أن الحنفيين يقولون ببطلان صلاة المرأة إذا صفقت إذا نابها شئ، وإنما تسبح كالرجل (وقالت) المالكية: يطلب التسبيح للرجل والنساء، لحديث سهل بن سعد الساعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" من نابه شئ فى صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التُفت إليه وإنما التصفيق للنساء " أخرجه مالك والشيخان وأبو داود (1){374}

(قال) الزرقانى: وإنما التصفيق للنساء، أى هو من شأنهنّ فى غير الصلاة فلا ينبغى فعله فى الصلاة لالرجل ولالامرأة، بل التسبيح للرجال والنساء جميعا، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ " ولم يخص رجالا من نساء. هكذا تأوّله مالك وأصحابه ومن وافقهم على كراهة التصفيق للنساء (وتعقبه) ابن عبد البر بحديث حماد بن زيد عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" إذا نابكم ش فى الصلاة فلْيُسبِّح الرجالُ ولْيُصفِّق النساءُ " أخرجه البخارى وأبو داود (2){375}

فقد فرّق بين حكم الرجال والنساء فهو قاطع فى محل النزاع (قال) القرطبى: القول بمشروعية والتصفيق للنساء هو الصحيح خبراً ونظرا، لأنها مأمورة بخفض صوتها فى الصلاة مطلقاً لما يخشى من الافتتان. ومنع

(1) ص 296 ج 1 - زرقانى (الالتفات والتصفيق فى الصلاة). وص 115 ج 2 - فتح البارى (من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام .. ). وص 146 ج 4 - نووى. وص 44 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة).

(2)

ص 146 ج 13 - فتح البارى (الإمام يأتى قوما فيصلح بينهم من كتاب الأحكام) وص 48 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة).

ص: 272

الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء (1).

(9)

ما يقرأ فى الصلاة: اتفق العلماء على أنه لا يتعين شئ من القرآن لصلاة سوى الفاتحة للقادر عليها على ما تقدم بيانه، فأى شئ قرأ به المصلى بعدها أجزأه، غير أنه يستحب القراءة بطوال المفصل فى الصبح عند الأئمة الأربعة، وكذا الظهر عند غير الحنبلية، وبأوساطه فى العصر عند غير المالكية وفى العشاء اتفاقا، وكذا فى الظهر عند الحنبلية، وبقصاره فى المغرب اتفاقا وكذا فى العصر عند المالكية.

وطوال المفصل عند الحنفيين من الحجرات إلى الانشقاق، وأوساطه من سورة البروج إلى القدر، وقصاره من سورة لم يكن إلى آخر القرآن.

(وقالت) المالكية: طواله من الحجرات إلى النازعات. وأوساطه من سورة عبس إلى سورة الليل. وقصاره من سورة الضحى إلى الآخر.

(وقالت) الشافعية: طواله من الحجرات إلى المرسلات. وأوساطه من سورة عمّ إلى سورة والليل. والباقى قصاره. وبه قالت الحنبلية إلا أنهم قالوا: مبدأ المفصل من ق. وهناك بيان الوارد من القراءة فى الصلوات:

(أ) القراءة فى الصبح: كان النبى صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فيها غالبا (قال) عبد الله بن السائب: " صلى لنا النبى صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون

أو ذكر عيسى، أخذت النبىَّ صلى الله عليه وسلم سَعْلة فركع " أخرجه مسلم (2){376}

(وقال) أبو برزة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح وكان يقرأ

(1) ص 297 ج 1 - زرقانى الموطأ.

(2)

ص 177 ج 4 - نووى (القراءة فى الصبح).

ص: 273

فى الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة " أخرجه البخارى (1){377}

(وقال) ابن مسعود: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الفجر يوم الجمعة الَمَ تنزويلُ السجدة. وهل أتى على الإنسان " أخرجه البخارى (2){378}

(وقال) عبد الله بن الحارث: صلى بنا أبو بكر رضى الله عنه صلاة الصبح فقرأ سورة البقرة فى الركعتين جميعا فقال له عمر كادت الشمس تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. أخرجه الطحاوى (3).

(وقال) عبد الله بن عامر بن ربيعة: " صلَّينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسفَ وسورة الحج قراءة بطيئة، فقلت: والله إذاً لقد كان يومُ حين يطلُع الفجرُ قال: أجل. أخرجه مالك (4).

(وروى) سِماكُ بن حَرْب عن رجل من أهل المدينة أنه صلى خلف النبى صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ فى صلاته الفرج بق والقرآن المجيد ويسنّ والقرآن الحكيم. أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح (5){379}

وربما قرأ صلى الله عليه وسلم فى الصبح بغير الطوال (قال) عقبه بن عامر كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فى السفر فقال لى: " يا عقبة ألَا أعلِّمك خيرَ سورتين قُرِئَتا؟ فعلّمنى قل أعوذُ بربّ الفلق وقل أعوذ برب الناس، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس "(الحديث)

(1) ص 170 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى الفجر).

(2)

ص 257 ج 2 - فتح البارى (ما يقرا فى صلاة الفجر يوم الجمعة).

(3)

تقدم رقم 37 ص 24 (وقت صلاة الصبح).

(4)

ص 155 ج 1 - زرقانى (القراءة فى الصبح)(فقلت) هو عروة بن الزبير.

(5)

ص 231 ج 3 - الفتح الربانى (ويسن) الواو لا تقتضى الترتيب، فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الركعة الأولى يسن وفى الثانية ق.

ص: 274

أخرجه أبو داود والبيهقى (1){380}

(وعن معاذ بن عبد الله الجهنى أنّ رجلا من جُهَينة سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرا فى الصبح إذا زُلْزِلت الأرض فى الركعتين كِلْتَيهما، فلا أدرى أنسِىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرا ذلك عمدا؟ أخرجه أبو داود بسند جيد رجاله رجال الصحيح (2)(وقال) عمرو بن حُريث: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا فى الفجر إذا الشمسُ كُوِّرت} وسمعتُه يقول: والليلِ إذا عَسْعَس " أخرجه أحمد (3){381}

(ب) القراءة فى الظهر والعصر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فى الظهر أحيانا ويقصرها أحيانا. وكان يقرا فى العصر نصف ما يقرأ فى الظهر إذا أطالها، وقدرها إذا قصرها (قال) أبو سعيد الخدرى:

" كانت صلاة الظهر تقُام فينطِلق أحدنُا إلى البَقيِع فيقضى حاجته ثم يأتى أهله فيتوضأ ثم يرجِع إلى المسجد فيدرِك النبى صلى الله عليه وسلم فى الركعة الأولى مما يُطيلها " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (4){382}

(وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الظهر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قد ثلاثين آية وفى الأخْرَيَين قدْرَ خمسَ عشرة آية. وفى العصر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية وفى الأُخريين قدر نصفِ ذلك " أخرجه مسلم (5){373}

(1) ص 116 ج 8 - المنهل العذب (فى المعوذتين). وص 394 ج 2 - بيهقى.

(2)

تقدم رقم 244. وص 188 (فائدة).

(3)

ص 231 ج 3 - الفتح الربانى و (كوّرت) ذهب بضوئها و (عسعس) أقبل ظلامه أو أدبر.

(4)

ص 223 ج 3 - الفتح الربانى (القراءة فى الظهر والعصر) وص 173 ج 4 - نووى. وص 153 ج 1 - مجتبى (تطويل الأولى من صلاة الظهر)

(5)

ص 172 ج 4 - نووى (القراءة فى الظهر والعصر)

ص: 275

(وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرا تنزيل السجدة. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والطحاوى (1){384}

(وعن) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر يسبِّح اسم ربِّك الأعْلى، وهل أتاك حديثُ الغاشيِة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبزار، ورجاله رجال الصحيح (2){385}

(وقال) علقمة: صليت إلى جَنب عبد الله الظهرَ فما علِمتُه قرأ شيئا حتى سمعتُه يقول {ربِّ زِدْنِى عِلماّ} فعلمتُ أنه فى طه. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (3)(وعن) جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر بالسماء ذات البُروج والسماءِ والطارق وشِبْهها أخرجه الثلاثة وقال الترمذى حسن صحيح (4){386}

(وقال) أنس صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين فى الركعتين بسبِّح اسم بِّك الأعْلى، وهل أتاك حديث الغاشية. أخرجه النسائى (5){387}

وهذه الأحاديث صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر

(1) ص 162 ج 4 - الفتح الربانى (قراءة السجدة فى الصلاة .. ) وص 230 ج 5 - المنهل العذب (قدر القراءة فى الظهر والعصر) وص 122 ج 1 - شرح معانى الآثار.

(2)

ص 116 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى الظهر والعصر).

(3)

ص 117 منه.

(4)

ص 228 ج 5 - المنهل العذب (القراءة فى صلاة الظهر والعصر) وص 153 ج 1 - مجتبى (القراءة فى الأوليين من العصر). وص 250 ج 1 - تحفة الأحوذى. و (ذات البروج) أى صاحبة الطرق والمنازل التى تسير فيها الكواكب.

(5)

ص 153 ج 1 - مجتبى (القراءة فى الظهر).

ص: 276

والعصر وبه قال جمهور السلف والخلف (وعن) ابن عباس أنه لا قراءة فيهما.

(قال) عبد الله بن عَبيدة دخلتُ على ابن عباس فى شباب من بنى هاشم فقلنا لشابْ منا سَلِ ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الظهر والعصر؟ فقال لا لا، فقيل له لعله كان يقرا فى نفسه. فقال خَمْشا هذه شّر من الأولى كان عبداً مأمورا بلّغ ما أرسل به (الحديث). أخرجه أحمد وأبو داود الطحاوى. {388}

ولعل ابن عباس كان لم يبلغه قراءةُ النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عن رأيه الأول (روى) العَيزار بنُ حُريثٍ عن ابن عباس قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب فى الظهر والعصر (وعنه) قال: سمعت ابن عباس يقول: لا تصلّ صلاةً إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب. أخرجهما الطحاوى (1){388}

ولعل ابن عباس كان لم يبلغه قراءةُ النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عن رأيه الأول (روى) العَيزار بنُ حُريثٍ عن ابن عباس قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب فى الظهر والعصر (وعنه) قال: سمعت ابن عباس يول: لا تصلّ صلاةً إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب. أخرجهما الطحاوى (2).

(ج) القراءة فى المغرب: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرا فى صلاة المغرب بالسور الطوال وطوال المفصل وقصاره (قال) مروانُ بن الحكم قال لى زيد بن ثابت: مالك تقرأُ فى المغرب بقصار المفصَّل؟ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بطُولى الطُوليين قلتُ ما طولَى الطوليين؟ قال الأعرافُ والأنعام. أخرجه أحمد والبخارى

(1) ص 219 ج 3 - الفتح الربانى. وص 230 ج 5 - المنهل العذب (قدر القراءة فى الظهر والعصر). وص 120 ج 1 - شرح معانى الآثار و (خما) مصدر خمش من باب ضرب ونصر، أى دعا عليه بخموش جلده أو وجهه و (هذه شر من الأولى) أى مسألتك الثانية شر، لأنها تتضمن اتهامه صلى الله عليه وسلم بالكتمان ولذا قال: كان عبداً مأموراً الخ فأفعل التفضيل ليس على بابه، لأنّ المسألة الأولى لا شر فيها.

(2)

ص 121 ج 1 - شرح معانى الآثار.

ص: 277

وأبو داود والنسائى (1){389}

(وقال) زيد بن ثابت لمروان: يا أبا عبد الملك أتقرأ فى المغرب بقل هو الله أحدٌ، وإنا أعطيناك الكوثْر؟ قال نعم قال فمحلوفه لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين: المص. أخرجه النسائى (2){390}

(وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهم فى المغرب: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} . أخرجه الطبرانى فى الثلاثة بسند رجاله رجال الصحيح (3){391}

(وقال) جُبَير بن مُطعم: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور فى المغرب " أخرجه السبعة إلا الترمذى (4){392}

(وعن) ابن عباس أن أمّ الفضل بنت الحارث سعته وهو يقرأ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} فقالت: يا بنىّ لقد ذكّرتنى بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فى المغرب.

أخرجه الجماعة (5){393}

(1) ص 226 ج 3 - الفتح الربانى (القراءة فى المغرب) وص 167 ج 2 - فتح البارى. وص 235 ج 5 - المنهل العذب. وص 154 ج 1 - مجتبى (القراءة فى المغرب بالمص).

(2)

ص 154 منه (فمحلوفه) هو الله، والخبر محذوف، أى الله قسمى.

(3)

ص 118 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى المغرب).

(4)

ص 225 ج 3 - الفتح الربانى. وص 168 ج 2 - فتح البارى (الجهر فى المغرب) وص 180 ج 4 - نووى. قبل (القراءة فى العشاء) وص 234 ج 5 - المنهل العذب. وص 154 ج 1 - مجتبى (القراءة فى المغرب بالطور).

(5)

ص 227 ج 3 - الفتح الربانى. وص 167 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى المغرب) وص 180 ج 4 - نووى. وص 233 ج 5 - المنهل العذب. وص 154 ج 1 مجتبى (القراءة فى المغرب بالمرسلات) و (أم الفضل) هى أم ابن عباس واسمها لبابة. وفى قوله " سمعته " التفات من التكلم إلى الغيبة.

ص: 278

(قال) ابن عبد البر: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فى المغرب بالمص وبالصافات وبحم الدخان وبسبح اسم ربك الأعلى وبالتين والزيتون وبالمعوذتين وبالمرسلات وبقصار المفصل. وكلها الآثار صحاح مشهورة أهـ.

(وأما) المداومة فيها على قراءة قصار المفصل فهو فعل مروان بن الحكم وخلافُ السنة، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت كما تقدم. وكذا ما اعتاده الكثير من قراءة الآية القصيرة خلاف السنة (قال) الشوكانى: وأما المغرب فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستمر فيها على قراءة قصار المفصل. بل قرا فيها بطوال السور وطوال المفصل، وكانت آخر قراءته فيها بالمرسلات.

(قال) الحافظ فى الفتح: وطريق الجمع بين الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة فى المغرب إما لبيان الجواز وغما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين أهـ، ويقدح فى هذا الجمع إنكار زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل فى المغرب، ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم السور الطويلة فى المغرب لبيان الجواز، لما كانت مواظبة مروان على قصار المفصل إلا محض السنة، ولما حُسن من زيد بن ثابت الإنكار عليه ولما سكت مروان عن الاحتجاج بمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فى مقام الإنكار عليه. وأيضاً فإن بيان الجواز يكفى فيه مرة واحدة. وقد علمت أنه قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة (1).

(د) القراءة فى العشاء: يسنّ القراءة فيها بأوساط المفصل (لحديث) البراء بن عازب أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء الأخيرةِ

(1) ص 260 ج 2 - نيل الأوطار (جامع القراءة فى الصلوات).

ص: 279

فى إحدى الركعتين بالتين والزيتونِ. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال: حسن صحيح (1){394}

(ولحديث) بُرَيدة الأسلمىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة العشاء بالشمسِ وضُحاها وأشباهها من السور. أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وحسنه (2){395}

(وقال) أبو رافع صليت مع أ [ى هريرة العتَمة فقرا إذا السماءُ انشقتْ فسجد، فقلت ما هذه؟ قال سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجدُ فيها حتى ألقاه. أخرجه البخارى (3){396}

وقال الترمذى: وروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ فى العشاء بسورة من أوساط المفصل نحو سورة المنافقين وأشباهها وروى عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والتابعين أنهم قرءوا بأكثر من هذا وأقل، كأن الأمر عندهم واسع، وأحسن شئ فى ذلك ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قرا بالشمس والتين والزيتون (4). وبهذا قال العلماء من السلف والخلف، وقد أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على معاذ قراءته فى العشاء البقرة فى حديث مشهور.

(وبذلك) تزداد علماً بخطأ من " ينكر " على من يؤم الناس من صلاة

(1) ص 230 ج 3 - الفتح الربانى. وص 170 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى العشاء). وص 181 ج 4 - نووى. وص 155 ج 1 - مجتبى (القراءة فيها بالتين والزيوت). وص 253 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(2)

ص 230 ج 3 - الفتح الربانى. وص 155 ج 1 مجتبى (القراءة فى العشاء بالشمس وضخاها) وص 252 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(3)

ص 170 ج 2 - فتح البارى (القراءة فى العشاء بالسجدة) و (العتمة) العشاء.

(4)

ص 253 ج 1 - تحفة الأحوذى.

ص: 280

الصبح أو الظهر فيقرأ سورتين من طوال المفصل أو أوساطه، أو فى صلاة العشاء فيقرأ بقصار المفصل او أوساطه: ويطمئن فى الركوع والرفع والسجود حسب الوارد عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم " ويستدل " بحديث معاذ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ قراءته البقرة فى صلاة العشاء، وأمر أن يقرا فيها من أوساط المفصل (قال) ابن القيم: وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بالتين والزيتون ووقت لمعاذ فيها والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ونحوها. وأنكر عليه قراءته فيها بالبقرة بعدما صلى معه ثم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ البقرة ولهذا قال: أفتان أنت يا معاذ؟ فتعلق النقادون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها (1)(وقال) ابن عبد البر: التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه لا أن ذلك إنما هو أقلّ الكما (وأما) الحذف والنقصان فلا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نقر الغراب ورأى رجلا يصلى ولم يتم ركوعه وسجوده فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل (وقال) لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه فى ركوعه وسجوده (وقال) أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الماس صلاة فى تمام أهـ (قال) ابن دقيق العيد: وما احسن ما قال عن التخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشئ خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة إلى آخرين أهـ.

(فائدة) الحكمة فى إطالة الصبح والظهر أنهما فى وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفى القائلة، فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر

(1) ص 53 ج 1 - زاد المعاذ (القراءة فى الصلاة).

ص: 281

ليست كذلك، بل تؤدىّ فى وقت تعب أهل الأعمال فخففت عنهما، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم. والعشاء تفعل فى وقت غلبة النوم ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر. وهذا هو الهدى الذى استمر عليه صلى الله عليه وسلم إلى أن لقى الله عز وجل لم ينسخه شئ. ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدين من بعده، فقرأ أبو بكر رضى الله عنه فى الفجر بسورة البقرة حتى سلم منها قريباً من طلوع الشمس (وكان) عمر رضى الله تعالى عنه يقرأ فيها بيوسف والنحل، وبهود وبنى إسرائيل " أى الإسراء " ونحوها من السور.

(وأما) حديث جابر بن سمرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الفجر سبق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفا. أخرجه مسلم (1){397}

" فالمراد " بقوله بعد، أى بعد الفجر، أى أنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها وكانت صلاته بعد الصبح أخف.

(وأما) قوله صلى الله عليه وسلم. أيكم أمّ الناس فليخفف وقول أنس رضى الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة فى تمام " فالتخفيف " أمر نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه، وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة (فالذى) فعله هو التخفيف الذى أمر به. فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة. فهى خفيفة بالنسبة إلى أطول منها. وهديه الذى واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون (قال)

(1) ص 179 ج 4 - نووى (القراءة فى الصبح).

ص: 282

ابن عمر رضى الله عنهما: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا بالتخفيف ويؤمُّنا بالصافات " أخرجه النسائى (1){398}

فالقراءة بالصافات م التخفيف الذى كان يأمر به. وكان صلى الله عليه وسلم ل يعين سورة فى الصلاة بعينها لا يقرا إلا بها فى الجمعة والعيدين (وأما) فى سائر الصلوات فقد قال ابن عمرو: ما مِن المفصَّل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناسَ بها فى الصلاة المكتوبة أخرجه أبو داود (2)(وكان) م هديه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة كاملة. وربما قرأها فى الركعتين. وربما قرأ أول السورة (وأما) قراءة أواخر السور وأوساطها. فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم (وأما) قراءة السورتين فى ركعة فكان يفعله فى النافلة (وأما) فى الفرض فلم يحفظ عنه (3)(وأما) قراءة سورة واحدة فى ركعتين معا فقلما كان يفعله والله المستعان (4).

(هـ) قراءة المأموم: اختلف العلماء فى هذا فقال مالك وأحمد: لا يجب على المأموم قراءة خلف الإمام، ويستحب له القراءة فى السرية دون الجهرية، لقوله تعالى " وإذا قُرِئَ القرْآنُ فاستَمِعوا لهُ وأنْصتُوا " (5) والإنصات السكوت لاستماع الحديث. وجمع بينه وبين الاستماع للتأكيد والاهتمام بسماع القرآن (قال) ابن عبد البر: لا خلاف فى أنه نزل فى هذا

(1) ص 54 ج 1 - زاد المعاد.

(2)

ص 238 ج 5 - المنهل العذب (التخفيف فيها).

(3)

لكن تقدم فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة " أنه صلى الله عليه وسلم أقر من فعله، وأن ابن عمر كان يقرأ فى المكتوبة بالسورتين والثلاث فى ركعة، وابن عمر لا يفعل هذا إلا بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم.

(4)

نقل ملخصا من ص 54 ج 1 - زاد المعاد.

(5)

سورة الأعراف آية: 204.

ص: 283

المعنى دون غيره. ومعلوم أنه فى صلاة الجهر، لأن السر لا يسمع. فدل على أنه أراد الجهر خاصة. وأجمعوا على أنه لم يُرِد كلَّ موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة. ويؤيده قول مجاهد: قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فنزلت " وإذا قرئ القرآن الخ. أخرجه البيهقى (1)(وعن) أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قُمتم إلى الصلاة فلْيؤمكنم أحدُكم. وإذا قرا الإمام فأنِصتوا. أخرجه أحمد ومسلم (2)

(وقال الحنفيون) والثورى وابن وهب المالكى: لا يقرأ المؤتم خلف الإمام لا فى سرية ولا فى جهرية، لقوله تعالى " وإذا قرئَ القرْآن فاستمِعوا لَهُ وأنصتُوا " أى استمعوا فى الجهرية، وأنصتوا فى السرية، لأن التأسيس خير من التأكيد (قال) الإمام أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية فى الصلاة (وروى) جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة: أخرجه محمد بن الحسن وابن عدى والحاكم بسد صحيح على شرط مسلم (3){399}

(وقال) ابن عمر: إذا صلى أحدُكم خلفَ الإمام فحسبْه قراءة الإمام، وإذا صلىّ وحدَه فلْيقرا قال نافع: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام.

(1) ص 155 ج 2 - بيهقى (يترك المأموم القراءة فيما جهر فيه الإمام).

(2)

ص 197 ج 3 - الفتح الربانى (قراءة المأموم وإنصاته).

(3)

ص 7 ج 2 - نصب الراية (ورواه) عبد بن حميد بالسند إلى أبى الزبير عن جابر. وأحمد بن ميع فى مسنده عن سفيان. وشريك بالسند إلى جابر. فهؤلاء أبو الزبير وسفيان وشريك قد رفعوه بالطرق الصحيحة. فبطل عدّهم فيمن لم يرفعه وتمامه فى فتح القدير على الهداية. انظر ص 239 ج 1.

ص: 284

أخرجه مالك والطحاوى (1)(وعن) عبُيد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله ابن عمرو وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم فقالوا: لا تقرءوا خلف الإمام فى شئ من الصلاة. أخرجه الطحاوى (2).

(وقال) أبو وائل: قال رجل لابن مسعود أقرأ خلف الإمام؟ قال أنصت للقراءة فإن فى الصلاة شَغْلا، وسيكفيك ذلك الإمام. أخرجه الطحاوى والبطرانى فى الكبير والأوسط بسند رجاله موثقون (3).

(وقال) ابن مسعود رضى لله عنه: ليتً الذى يقرأ خلف الإمام مُلئ فُوه ترابا (وقال) أبو حمزة قلت لابن عباس: أقرأ والإمام بين يدى؟ قال لا. أخرجهما الطحاوى (4)(وقالت) الشافعية: يجب على المؤتم قراءة الفاتحة فى السرية والجهرية وإن سمع قراءة الإمام (لقول) عُبادة بن الصامت: " صلى بنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداةِ فثقُلتْ عليه القراءة فلما انصرف قال: إن لأراكم تقرءون وراءَ إمامكم؟ قلنا نعم والله يا رسول الله. قال فلا تفعلوا إلا بأمّ القرآن، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرا بها " أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والدار قطنى وقال: هذا إسناد حسن ورجاله ثقات (5){400}

(1) ص 161 ج 1 - زرقانى (ترك القراءة خلف الإمام .. ). وص 129 ج 1 - شرح معانى الآثار.

(2)

ص 129 منه.

(3)

ص 110 ج 2 - مجمع الزوائد (القراءة فى الصلاة).

(4)

ص 129 ج 1 - شرح معانى الآثار.

(5)

ص 194 ج 3 - الفتح الربانى. وص 251 ج 5 - المنهل العذب (من ترك القراءة فى صلاته) وص 120 الدار قطنى (فقلت) أى شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة. ويحتمل أن يراد أنها التبست عليه القراءة. ففى رواية لأبى داود: فالتسبت عليه القراءة.

ص: 285

(وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقرَأنّ أحدٌ منكم شيئاً من القرآن إذا جهرتُ بالقراءة إلا بأمّ القرآن " أخرجه الدار قطنى. وقال هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم (1){401}

(وأخرجه) أيضاً أحمد والبخارى فى جزء القراءة وصححه وابن حبان والحاكم والبيهقى والدار قطنى من عدة طرق (وعن) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال: أتقرءون فى صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ؟ فسكتوا قالها ثلاث مرات، فقال قائل، أو قال قائلون إنا لنفعلُ، قال فلا تفعلوا، ليقرأُ أحدكم بفاتحة الكتاب فى نفسه. أخرجه أبو يعلى والطبرانى فى الأوسط ورجاله ثقات (2){402}

وفى هذا أحاديث أخر: (وأجاب) الأولون: بأن النهى فى قوله صلى الله عليه وسلم " لا تفعلوا " محمول على الصلاة الجهرية (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معى أحد منكم آنفا؟ فقال رجل نعم يا رسول الله قال: إنى أقول مالى أُنَازَع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جهر فيه النبى صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك. أخرجه مالك والشافعى وأحمد والأربعة وحسنة الترمذى (3){403}

(1) ص 121 - الدار قطنى.

(2)

ص 110 ج 2 مجمع الزوائد (القراءة فى الصلاة).

(3)

ص 161 ج 1 - زرقانى (ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه) وص 139 ج 1 - بدائع المنن. وص 197 ج 3 - افتح الربانى. وص 258 ج 5 - المنهل العذب. وص 146 ج 1 - مجتبى. وص 254 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 144 ج 1 - ابن ماجه (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) و (أنازع) بضم الهمزة وفتح الزاى ـ مبنى للمفعول، = أى غالب فى قراءاتى. كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه " فانتهى الناس عن القراءة الخ " مدرج فى الخبر. والمراد أنهم تركوا الجهر بها.

ص: 286

وفى لفظ للدار قطنى: إذا أسررت بقراءتى فاقرءوا، وإذا جهرت بقراءتى فلا يقرأ معى أحد.

(وأجاب) الحنفيون عن حديث عبادة ونحوه، بأنه معارض بحديث أبى سعدي الخدرى مرفوعا: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وابن عدىّ فى الكامل وغيرهما من عدة طرق (1){404}

وفيه منع المأموم من القراءة والمنع مقدم على الإطلاق عند التعارض. وبأنّ حديث " من كان له إمام الخ " أقوى سنداً فيقدم عليه.

(وأجاب) الشافعية عن أدلة القائلين إنّ المؤتم لا يقرأ خلف الإمام فى الصلاة الجهرية، بأنها عمومات، وحديث عبادة خاص، وبناء العام على الخاص واجب كما تقرّر فى الأصول، وعليه فيحمل قوله " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " على غير الفاتحة، وهذا لا محيص عنه، ويؤيده الأحاديث المتقدّمة القاضية بوجوب قراءة فاتحة الكتاب فى كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم، أن البراءة عن عهدتها إنما تحصل بناقل

(1) ص 111 ج 2 - مجمع الزوائد. ص 11 ج 2 - نصب الراية (قال) ابن الهمام: " ولا يقال " ليس فى حديث " من كان له إمام الخ " منع، إنما فيه الاكتفاء بقراءة الإمام " لأنا نقول " هذا بالنظر إليه بمجرده " أما " بالنظر إليه من آثار الصحابة المبينة له، فهو مانع لما فيها من الوعيد كقول عمر: ليت فى فمه حجرا كما تقدم. ورجح الطحاوى العلم بحديث " من كان له إمام الخ " لما اتفقوا عليه من أن من أتى الإمام وهو راكع يكمر ويركع معه وتجزئه تلك الركعة وإن لم يقرا فيه شيئاً. فلو كانت القراءة فرضا فيهما لما أجزأته كما لو تجزئ من ركع مع الإمام من غير أن يقف لتكبيرة الإحرام باتفاقهم أهـ.

ص: 287

صحيح لا بمثل هذه العمومات التى اقترنت بما يجب تقديمه عليها.

(وأجابوا) عن قوله فى حديث أبى هريرة فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه (1)" بأنهم " تركوا قراءة غير الفاتحة جميعاً بين الأحاديث.

(وروى) صدُقه بن يَسار عن القاسم بن محمد أن عائشة اَعتمرتْ فى سنة ثلاثَ مرات، قلا صدقه: قُلْت: هل عابَ ذلك عليها أحد؟ قال: سبحان الله أُمّ المؤمنين. أَخرجه الشافعى والبيهقى.

(وقال) مالك: يُكْرَه تكرير العمرة فى السنة، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم (قال) المالك: يكره تكرير العمرة فى السنة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكرها فى عام (ورد) بأن المندوب لا ينحصر فى فعله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يترك الشئ وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته، وقد رغب صلى الله عليه وسلم فى العمرة بقوله: فثبت الاستحباب من غير تقييد، ولذا خالف مالكاً مطرف وطائفة من أتباعه.

4 -

مواقيت العمرة: هى: (أ) لمن كان خارج المواقيت، مواقيت الحج، المتقدمة، فلا يحل لمريد العمرة مجاوزتها بلا إحرام، لقول زهير ابن معاوية، حدثنى زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر فسالته: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة. أخرجه البخارى.

(ب) أَمَّا مَنْ كان داخل المواقيت، فميقاتُه فى العمرة الحل ولو كان بالحرم، لحديث الأَسْوَد أَن عائشةَ رضى الله عنها: قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنُسُكَيْن وأَصْدُرُ بنًسكُ؟ فقِيل

(واختلفت) الشافعية فى قراءة الفاتحة أتكون عند سكتات الإمام أم عند قراءته؟ (قال) الشوكانى: وظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام. وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط، لأنه يجوز عند أهل القول الأول، فيكون فاعل ذلك آخذاً بالإجماع (وأما) اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط، أو حال قراءته للسورة فقط " فليس " عليه دليل، بل الكل جائز وسنة، نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب " من جهة " عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذى هو بعد التوجه، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها فى محلها أوّلا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة " ومن جهة " الاكتفاء بالتأمين مرّة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام ن قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق فى التمام، بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة (2).

(فائدة) اتفق الأئمة الأربعة والجمهور على أنّ المأموم يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام وإن لم يقرا شيئا، إلا أنهم اختلفوا فيما يتحقق به إدراك المأموم الركوع (فقال) الحنفيون والمالكية والحنبلية: يدرك الركوع بوضع يديه على ركبتيه قبل رفعه الإمام رأسه من الركوع ولو لم يطمئن

(1) تقدم رقم 403 ص 286.

(2)

ص 237 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه).

ص: 288

إلا بعد رفعه (وقالت) الشافعية: لا يدركه إلا إذا اطمأنّ مع الإمام قبل رفعه.

(واستدلوا) على إدراك الركعة بإدراك الركوع (بحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يُقيَم الإمامُ صُلبه " أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة (1){405}

(وبحديثه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جئتم على الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاةَ " أخرجه أبو داود والدار قطنى وابن خزيمة والحاكم (2){406}

(وبقول) زيد بن وهب: دخلتُ أنا وابن مسعود المسجد والإمامُ راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ الإمامُ قمتُ أقضى فقال قد أدركته. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات (3)(وعن) على وابن مسعود قالا: من لم يُدْرك الركعةَ فلا يعتدّ بالسجدة. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (4)(وقال) جماعة من الظاهرية: إن من أدرك الإمام راكعاً ولم يدرك معه القراءة لم تحسب له الركعة وهو مروى عن أبى هريرة. قاله ابن سيد الناس فى شرح الترمذى. واحتجوا لذلك بما روى أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مَن أدرك الإمام

(1) ص 132 - الدار قطنى (فقد أدركها) مقدم من تأخير. والأصل من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقين الإمام صلبه فقد أدرك الصلاة. كما رواه ابن حبان وصححه.

(2)

ص 338 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يسمع) وص 132 - الدار قطنى.

(3)

ص 77 ج 2 - مجمع الزوائد (من أدرك الركوع).

(4)

ص 76 منه. وهذان الأثران لهما حكم الفرع، إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأى، ولا مجال للاجتهاد فيه. وقولهما " من لم يدرك الركعة " أى الركوع " فلا يعتد بالسجدة " مفهومه أن من أدرك الركعة " أى الركوع " يعتد به فتحسب له الركعة.

ص: 289

فى الركوع فليركع معه ولْيُعِد الركعة " أخرجه ابن خزيمة (1){407}

ورواه البخارى فى القراءة خلف الإمام من حديث أبى هريرة قال: إن أدركَت القومَ رُكوعا لم تعتدّ بتلك

الركعة (2)(قال) الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبى هريرة موقوفا. وأما المرفوع فلا أصل له أهـ. وحكى البخارى هذا المذهب فى القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام وحكاه فى الفتح عن جماعة من الشافعية. وقوّاة الشيخ تنقى الدين السبكى وغيره من محدِّثى الشافعية (3).

واستدلوا أيضاً بحديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أُقيمت الصلاةُ فلا تأتوها تسْعَون وأْتُوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه الشيخان وأبو داود (4){408}

قالوا: فيه الأمر بإتمام ما فاته وقد فاته الوقوف والقراءة (ويجاب) بأن قوله: وما فاتكم فأتموا عام مخصوص بغير القراءة والقيام للمسبوق الذى أدرك الإمام راكعاً فلا يقضيها للأحاديث المتقدّمة.

(خاتمة) من توابع بحث القراءة فتح المأموم على الإمام إذا التبست عليه القراءة وهو مشروع (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فالْتبس عليه فيها فلما فرغ قال لأبىّ أصليت معنا؟ قال نعم. قال فما منعك أن تفتَحَ علىّ؟ أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (5){409}

(1) ص 241 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته).

(2)

ص 241 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته).

(3)

ص 241 ج 2 - نيل الأوطار (قراءة المأموم وإنصاته).

(4)

ص 266 ج 2 - فتح البارى (المشى إلى الجمعة .. ) وص 98 ج 5 - نووى (إتيان الصلاة بوقار .. ) وص 271 ج 4 - المنهل العذب (السعى إلى الصلاة)

(5)

ص 3 ج 6 - المنهل العذب (الفتح على الإمام) وص 69 ج 2 - مجمع الزوائد (تلقين الإمام).

ص: 290

(ولقول) أنس: " كنا نفتح على الأئمة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه الحاكم وصححه (1){410}

(وهو) واجب فى الفاتحة مستحب فى غيرها عند مالك والشافعى وأحمد وإسحاق (ومشهور) مذهب الحنفيين استحباب الفتح على الإمام فى الفاتحة وغيرها ناوياً الفتح لا التلاوة. وقيل إن قرأ الإمام القدر المجزئ فى الصلاة (2) لا يفتح عليه وإلا فتح (قال) الشوكانى: وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤدّ الواجب من القراءة، وبآخر ركعة " مما لا دليل عليه " وكذا تقييده بأن يكون فى القراءة الجهرية (والأدلة) قد دلت على مشروعية الفتح مطلقاً فعند نسيان الإمام الآية فى القراءة الجهرية، يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية. وعند نسيانه لغيرها من الأركان يكون الفتح عليه بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء أهـ (3).

أما الفتح على غير الإمام مصلياً أم غيره فهو مبطل عند الحنفيين إلا إذا قصد به التلاوة. وكذا عند المالكية مطلقاً إلا إذا فتح المأموم على إمام آخر. ففيه خلاف 0 والأصح البطلان (وقالت) الحنبلية: الفتح على غير الإمام مكروه والصلاة صحيحة (وقالت) الشافعية: هو جائز بلا كراهة،

(1) ص 276 ج 1 مستدرك.

(2)

القدر المجزئ فيها عند النعمان آية ولو قصيرة مركبة من كلمتين كآية " ثم نظر " وعند الصاحبين ثلاث آيات قصار أو آية طويله تعدلها " وأما حديث " أبى إسحاق عن الحارث الأعور عن على مرفوعا: يا على لا تفتح على الإمام فى الصلاة " فقد " أخرجه عبد الرازق وابو داود وقال: أبو إسحاق لم يسمع من الحارق إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. انظر ص 4 ج 6 - المنهل العذب (الفتح على الإمام)(وقال المنذرى) الحارث الأعور قال غير واحد: إنه كذاب " فهو " لا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة القاضية بمشروعية الفتح على الإمام.

(3)

ص 373 ج 2 - نيل الأوطار (الفتح على الإمام .. )

ص: 291