المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثالث عشر) سنن الصلاة الخارجة عنها - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٢

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثالث عشر) سنن الصلاة الخارجة عنها

إلا أنه يقطع الموالاة فى قراءة الفاتحة إن فتح وهو يقرؤها فيستأنفها بخلاف الفتح على إمامه.

(الثالث عشر) سنن الصلاة الخارجة عنها

هى كثيرة المذكور منها هنا خمس عشرة:

(1 و 2) الأذان والإقامة وقد تقدّم بيانهما.

(3)

الرواتب: جمع راتبة، وهى ما شرعت تابعة للفرائض، لتكفير السيئات ورفع الدرجات وترغيم الشيطان وقطع طماعيته فى منع الإنسان من تأدية الفرائض على الوجه الأكمل، وتكميل ما عساه يقع من نقص فى الفرائض بنقص شئ من آدابها كخشوع وتدبر فى قراءة وغيرها (لحديث) تميم الدارىِّ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" أوّلُ ما يحُاسَبُ به العبد يومَ القيامة صلاتُه، فإن أكملها كُتبتْ له تامةً. وغن لم يكن أكملها قال الله لملائكته: انظُروا هل تجدون لعبدى من تطوّع فأكملوا بها ما ضيّع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك " أخرجه أحمد وابن ماجه وهذا لفظه وأشار إليه أبو داود (1){411}

(ولحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ أولَ

(1) ص 225 ج 1 - ابن ماجه (أول ما يحاسب به العبد الصلاة) وص 312 ج 5 المنهل العذب (قول النبى صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتمم من تطوعه).

ص: 292

ما يُحاسَبُ الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة يقول ربُّنا لملائكته - وهو أعلم -: انظروا فى صلاة عبدى أتمّها أو نفصّها؟ فإن كانت تامة كتِبتْ له تامّة. وإن كان انتقص منها شيئا قال: انظروا هل لعبدى من تطوّع؟ فإن كان له تطوّع قال: أتمّوا لعبدى فريضته من تطوّعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلك " أخرجه أبو داود وابن ماجه (1){412}

(قال) ابن دقيق العيد: فى تقديم النوافل على الفرائض وتأخيرها عنها معنى لطيف مناسب " أما فى تقديم " فلأن النفوس لاشتغالها بأسباب الدنيا بعيدة عن حالة الخشوع والخضوع والحضور التى هى روح العبادة، فإذا قدّمت النوافل على الفرائض أنِسَت النفس بالعبادة وتكيفت بحالة تقرب من الخشوع " وأما تأخيرها " عنها، فقد ورد أن النوافل جابرة لنقص الفرائص فإذا وقع فى الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الذى يقع فيه أهـ. لكنه يكره نية الجبر به لعدم العلم بل يفوّض وإن كان حكمه الجبر فى الواقع (2).

(1) ص 309 ج 5 المنهل العذب (كل صلاة لا يتمها صاحبها تنم من تطوعه) وص 224 ج 1 - ابن ماجه و (أتمها أم نقصها) أى أتم سننها وآدابها كالخشوع وألذكار والأدعية أم ترك شيئا منها؟ أما من أفسدها بترك شرط أو ركن فقد خاب وخسر ففى رواية الترمذى إن أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد افلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضة شيئا قال الرب: انظروا الخ (ص 318 ج 1 - تحفة الأحوذى) ويحتمل أن يراد بالانتقاص ما ترك من الفرائض فلم يصله فيعوّض عنه من التطوّع تفضلا من الله (قال) ابن العربى: الأظهر عندى أنه يكمل ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بنفل التطوّع، لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم الزكاة كذلك، وسائر الأعمال، وليس فى الزكاة إلا فرض ونفل، فكما يكمل فرض الزكاة بنفلها كذلك الصلاة. وفضل الله أوسع وكرمه أعم وأن لم يكن له تطوّع بقيت ناقصة فلا يجازى عليها جزأه صلاة كاملة

(2)

ص 123 ج 1 - بلغة السالك لأقرب المسالك (النوافل).

ص: 293

هذا. والرواتب قسمان مؤكدة وغير مؤكدة (أ) فالمؤكدة - عند الحنفيين وبعض الشافعية - اثنتا عشرة ركعة وهى المذكورة فى حديث أم حبيبة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مّن صلى فى يوم وليلة ثِنْتَى عشْره ركعة بُنى له بيت فى الجنة: أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر صلاةِ الغداةِ " أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح. وأخرجه النسائى ولكنْ فيه ذِكْر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء (1){413}

وفيه ردّ على الحسن البصرى فى قوله بوجوب الركعتين بعد المغرب وركعتى الفجر (وقالت) الشافعية والحنبلية: المؤكد منها عشْرُ ركعات (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما كانت صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم التى لا يدَع ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح " أخرجه أحمد بسند جيد (2){414}

(وقالت) المالكية: السنة المؤكدة ما كثر ثوابها وأكد طلبها بلا وجوب كالوتر. وركعتا الفجر رغيبةَ اى رغب فيهما الشارع كما سيأتى. والمندوب المؤكد ركعتان قبل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب والعشاء. وللإنسان التطوّع بما شاء، والأكمل التطوّع بما دلت عليه أحاديث الباب.

ويؤيد ما ذهب إليه الحنفيون (قول) عائشة: " كان رسول الله صلى الله

(1) ص 319 ج 1 - تحفة الأحوذى (من صلى فى يوم وليلة 12 ركعة من السنة ماله من الفضل). وص 256 ج 1 - مجتبى. (بنى له بيت فى الجنة) أى جعل الله لمن أدى هذه الركعات بيتا فى الجنة، ومحله إذا كان أتم الفرائض، وإلا كملت من تطوعه كما تقدم.

(2)

ص 197 ج 4 - الفتح الربانى (جامع تطوع النبى صلى الله عليه وسلم .. )

ص: 294

عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الفجر لعى حال " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى (1){415}

وهناك البيان على ترتيب الحديث: -

(1)

يتأكد صلاة أربع قبل الظهر بتشهدين وسلام، وركعتين بعده (لقول) أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه:" كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى قبل صلاة الظهر أربعا إذا زالت الشمس، فسألته عن ذلك. فقال: إن أبوابَ السماءِ تَفتّح فى هذه الساعة فأجِبّ أن يَصْعَدَ لى فيها خيرٌ. قلت أفى كلِّهن قراءة؟ قال نعم. قلت أَتَفْصِلُ بينهنَ بسلام؟ قال لا " أخرجه أحمد والطحاوى ومحمد بن الحسن وهذا لفظه (2){416}

(وقال) عبد الله بن شقيق: " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطّوِع، فقالت: كان يصلى قبل الظهر أربعا فى بيتى، ثم يخرج فيصلى بالناس، ثم يرجع إلى بيتى فيصلى ركعتين "(الحديث) وفيه " وكان يصلى بهم العشاء ثم يدخل بيتى فيصلى ركعتين " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (3){417}

(2)

ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة المغرب، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتركهما سفرا ولا حضرا (ولحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله

(1) ص 202 ج 4 - الفتح الربانى. وص 39 ج 3 - فتح البارى (باب الركعتين قبل الظهر). وص 253 ج 1 - مجتبى (المحافظة على الركعتين قبل الفجر).

(2)

ص 201 ج 4 - الفتح الربانى. وص 198 ج 1 - شرح معانى الآثار.

(3)

ص 198 ج 4 - الفتح الربانى. وص 8 ج 6 - نووى (فضل السنن الراتبة). وص 134 ج 7 - المنهل العذب (أبواب التطوع)

ص: 295

عليه وسلم كان يصلى ركعتين بعد المغرب فى بيته. أخرجه أحمد والترمذى وصححه (1){418}

ويسنّ أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد (لقول) ابن مسعود ما أُحصى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين بعد المغرب وفى الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحد. أخرجه ابن ماجه والترمذى وفيه عبد الملك ابن معدان ضعيف ولكن للحديث شواهد تعضده (2){419}

(3)

ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة العشاء (لقول) عائشة: وكان يصلى بهم العشاء ثم يدخلُ بيتى فصلى ركعتين (3)

(4)

ويتأكد صلاة ركعتين قبل صلاة الصبح والمحافظة عليهما (لقول) عائشة لم يكن البنى صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشدّ معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (4){420}

(ولحديث) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ". أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وصححه (5){421}

ولظاهر هذه الأحاديث قال الحسن البصرى بوجوبهما. وروى عن النعمان والراجح أنهما سنة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ذكرهما مع سائر

(1) ص 213 ج 4 - الفتح الربانى. وص 329 ج 1 - تحفة الأحوذى (فى الركعتين بعد المغرب).

(2)

ص 329 منه. وص 184 ج 1 - ابن ماجه (ما يقرأ فى الركعتين بعد المغرب).

(3)

هذا بعض الحديث رقم 417 ص 295.

(4)

ص 222 ج 4 - الفتح الربانى. وص 30 ج 3 - فتح البارى (تعاد ركعتى الفجر). وص 4 ج 6 نووى (استحباب سنة الفجر). وص 137 ج 7 - المنهل العذب.

(5)

ص 5 ج 6 - نووى. وص 253 ج 1 مجتبى (المحافظة على الركعتين قبل الفجر). وص 320 ج 1 - تحفة الأحوذى (ما فى ركمعتى الفجر من الفضل).

ص: 296

السنن فى عدة أحاديث ما تقدم (ويستحب) عند الجمهور تأديتهما فى أول الوقت مع التخفيف (لقول) عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما " أخرجه أحمد والشيخان وهذا لفظ مسلم (1){422}

والحكمة فى تخفيفهما المبادرة إلى صلاة الصبح فى أول الوقت، واستفتاح صلاة النهار بركعتين خفيفتين ليدخل فى الفرض بنشاط واستعداد تام كما يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين (ويستحب) الإسرار فى سنة الصبح وأن يقرأ فى الأولى بعد الفاتحة قل يأَيها الكافرون، وفى الثانية قل هو الله أحد، أو يقرأ فى الأولى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (2)} وفى الركعة الثانية (إما قوله){فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (3)} أو قوله {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا

(1) ص 224 ج 4 - الفتح الربانى. وص 30 ج 3 - فتح البارى (ما يقرأ فى ركعتى الفجر). وص 3 ج 6 - نووى. وخص بعضهم استحباب التخفيف بمن لم يتأخر عليه بعض حزبه الذى اعتاد قراءته ليلا. فمن تأخر فى شئ منه قرأة فى سنة الصبح. قال الحسن البصرى: لا بأس أن يطيل ركعتى الفجر يقرأ فيهما من حزبه. رواه ابن أبى شيبة (وقال) النعمان: ربما قرأت فى ركعتى الفجر حزبى من الليل.

(2)

سورة البقرة: آية 136 (والأسباط) أولاد يعقوب وهم اثنا عشر. ولكل واحد منهم جملة أولاد. والبسط فى بنى إسرائيل كالقبيلة فى العرب. وسموا أسباطا من السبط بفتح فسكون وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون.

(3)

سورة آل عمران آية: 52 (والحواريون) جمع حوارى وهو صفوة الرجل وخاصته.

ص: 297

وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (1)

} (قال) ابن عمر: " رمَقْتُ النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين قبل الفجر قل يأيها الكافرون، وقل هو الله أحدٌ " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وحسنه (2). {423}

(1) سورة آل عمران: آية 64 (والسواء) العدل، وقرأ ابن مسعود " إلى كلمة عدل " فالمعنى أقبلوا إلى ما دعيتم إليه وهى الكلمة العادلة التى لا ميل فيها عن الحق وهى: أن لا نعبد إلا الله الخ ..

(2)

ص 225 ج 4 - الفتح الربانى. وص 181 ج 1 - ابن ماجه (ما يقرأ فى الركعتين قبل الفجر) وص 320 ج 1 - تحفة الأحوذى (تخفيف ركعتى الفجر

) وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفرج هاتين السورتين لما فيهما من الفضل العظيم. فإن سورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب " من الأحدية " المنافية لمطلق المشاكرة بأى وجه من الوجوه " والصمدية " المثبتة له جميع صفات الكمال ومنها استغناؤه عن كل ما سواه، وافتقار كل ما عداه إليه. فهو لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه " ونفى الولد والوالد " الذى هو من لوازم أحديته وصمديته وغناه " ونفى الكف " المتضمن لنفى الشبيه والمثيل والنظير. فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له ونفى كل نقص عنه، ونفى مماثلة شئ له فى أى زمان كان كما تقدّم بيانه باتم من هذا فى بحث الوحدانية. وهذه الأصول هى مجامع التوحيد العلمى الاعتقادى الذى بياين صاحبه جميع فرق الضلال ولذلك كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن وذلك لأنّ المقصود من القرآن بيان التوحيد والصفات، والأوامر والنواهى والقصص والمواعظ. وهذه السورة قد تضمنت بيان التوحيد والصفات وسميت السورة قل يأيها الكافرون من الشرك اعملى الإرادى القصدى (ولما كان) العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه والحاكم عليه ومنزله منازله. كانت سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن. وقل يأيها الكافرون تعدل ربع القرآن .. ووجهه أن القرآن مشتمل على بيان التوحيد والنبوات وأحكام المعاش والمعاد وهى مستقلة ببيان التوحيد ولكونهما سورتى الإخلاص والتوحيد كان النبى صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما عمل النهار ويختمه بهما فيقرؤهما فى الركعتين بعد المغرب وفى ركعتى الطواف فى الحج الذى هو شعار التوحيد.

ص: 298

(وقال) ابن عباس إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ فى ركعتى الفجر فى الأولى منهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية التى فى البقرة وفى الآخرة منهما {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أخرجه مسلم والنسائى وأبو داود (1){424}

(وقال) كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} والتى فى آل عمران {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أخرجه مسلم والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقى (2){425}

(وقال) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتيه قبل الفجر بفاتحة القرآن والآيتين من خاتمة البقرة فى الركعة الأولى وفى الركعة الآخرة بفاتحة القرآن وبالآية من سورة آل عمران {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} حتى يختم الآية. أخرجه أحمد. وفى سنده من لم يسم (3){426}

وبهذا قال الجمهور. ورواه ابن القاسم عن مالك ومشهور مذهبه أنه

(1) ص 5 ج 6 - نووى (استحباب ركعتى الفجر). وص 142 ج 7 - المنهل العذب (تخفيفهما)(وآمنا بالله) يعنى قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله الآية.

(2)

ص 6 ج 6 - نووى. وص 307 ج 1 - مستدرك. وقوله. ولمن يخرجاه مردود فقد خرجه مسلم. وص و (تعالوا) يشير إلى قوله تعالى " ق يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية.

(3)

ص 213 ج 3 - الفتح الربانى. ويشهد له أحاديث الباب " وأما ما قيل " من قرأن فى الفجر بألم نشرح والم تر كيف لم يرمد " فقد قال " السخاوى فى المقاصد: لا أصل له سواء أريد بالفجر سنته أو الفرض لمخالفته سنة القراءة فيهما أهـ. ونقل عن الغزالى أن من قرأ فى ركعتى الفجر بهما قصرت عنه يد كل ظالم. قال الشيخ العجلونى: ولم أره فى الإحساء (انظر رقم 2566 ص 270 ج 2 - كشف الخفاء).

ص: 299

يستحب الاقتصار فى ركعتى الفجر على الفاتحة، لظاهر (قول) عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الركعتين قبل الغداة فيُحففَّهما حتى إنى لأشك أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا؟ أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود (1){427}

(وأجاب) الجمهور بأن المراد من الحديث المبالغة فى تخفيف القراءة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالة صلاة النوافل ليلا ونهارا، فلا يصلح دليلا، ولا يقوى على رد الأحاديث الصحيحة الصريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فى سنة الصبح بغير أم القرآن، كما تقدم.

وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل (وقال) بعض الظاهرية يقتصر فيها على قل يأيها الكافرون فى الركعة الأولى. وقل هو الله أحد فى الركعة الثانية، أو على آيتين من الآيات السابقة (وردّ) بحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2).

(وقال) أبو بكر بن الأصم وبان عُلية وبعض الظاهرية: لا قراءة فيها، لقول عائشة فى حديثها السابق حتى إنى لأشك أقرأ فيها بفاتحة الكتاب أم لا؟ (وهو) مردود بالأحاديث السابقة بل بحديث عائشة نفسه فإن الغرض منه المبالغة فى التخفيف (قال) القرطبى: ليس معنى الحديث أنها شكت فى قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل القراءة فى النوافل،

(1) ص 325 ج 1 - زرقانى (ما جاء فى ركعتى الفجر). وص 224 ج 4 - الفتح الربانى. وص 31 ج 3 - فتح البارى (ما يقرأ فى ركعتى الفجر). وص 4 ج 6 - نووى. وص 138 ج 7 - المنهل العذب (تخفيفهما).

(2)

تقدم رقم 192. ص 142 (القراءة).

ص: 300

فلما خفف قراءة ركعتى الفجر صار كأنه لم يقرأ فيهما بالنسبة لغيرهما من الصلوات (1).

(فائدة) يستحب - عند بعض العلماء - لمن صلى ركعتى الفجر فى البيت الاضطجاع بعدهما على شقه الأيمن. وعليه يحمل (قول) عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ركعتى الفجر اضطجع على شِقّه الأيمن " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى والترمذى (2){428}

(وحكمة) هاذ الاضطجاع أنه يكون عونا للمصلى على تأدية صلاة الصبح بنشاط (وحكمة) كونه على الشق الأيمن أن القلب فى جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق فى النوم لاستراحته بذلك أما لو اضطجع على اليمين كان القلب معلقا فيكون أبعد من النوم (وقال) الشافعى وأحمد: يسنّ الاضطجاع بعد ركعتى الفجر مطلقا، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه (3){429}

(وقال) ابن حزم الاضطجاع واجب بعد ركعتى الفجر فمن صلاهما ولم يضطجع لا تجزئه صلاة الصبح، حاملا الأمر فى حديث أبى هريرة على الوجوب وحمله الجمهور على الاستحباب (لقول) عائشة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتى الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة

(1) ص 235 ج 1 - زرقانى.

(2)

ص 228 ج 4 - الفتح الربانى. وص 29 ج 3 - فتح البارى (الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتى الفجر). وص 253 ج 1 - مجتبى. وص 322 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(3)

ص 228 ج 4 - الفتح الربانى. وص 145 ج 7 - المنهل العذب (الاضطجاع بعدهما). وص 322 ج 1 - تحفة الأحوذى.

ص: 301

حدّثنى " أخرجه البخارى وأبو داود وهذا لفظه (1){430}

(فهو ظاهر) أنه ما كان يضطجع حال استيقاظها فكان ذلك قرينة صرف الأمر عن الوجوب (وقال) ابن مسعود والنخعى ومجاهد والحنفيون ومالك والجمهور: الاضطجاع بعدهما بدعة (قال) ابن مسعود: ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار. إذا سلّم فقد فَضَل. أخرجه ابن أبى شيبة (2).

(وقال) أبو الصديق الناجى: رأى ابن عُمر قوماً اضطجَعوا بعد الركعتين قبل صلاة الفجر. فقال: ارجع إليهم فسلْهم ما حملهم على ما صنعوا؟ فأتيتُهم وسألتُهم فقالوا: نريد بذلك السُّنة. فقال ابن عمر ارجع فأخبرهم أنها بدعة. أخرجه البيهقى (3).

وقالوا إنما اضطجع صلى الله لعيه وسلم للراحة من تعب القيام (وردّ) بأنه لا ينافى كونه للتشريع ولا سيما وقد ورد الأمر به.

(وفرّق) ابن العربى بين من يقوم الليل فيستحب له الاضطجاع للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له (لقول) عائشة: لم يضطجع النبى صلى الله عليه وسلم لسُنة ولكن كان يدْأب ليله فيستريح. أخرجه الطبرانى وعبد الرزاق. لكن فى سنده من لم يسم فلا قتوم به حجة. قاله الحافظ (4).

(والظاهر) القول الأول ويقوّيه أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم

(1) ص 29 ج 3 - فتح البارى (من تحدث بعد الركعتين) وص 147 ج 7 - المنهل العذب (الاضطجاع بعدها).

(2)

ص 26 ج 3 - نيل الأوطار (تأكيد ركعتى الفجر .. )(فقد فصل) أى بين السنة والفرض.

(3)

ص 149 ج 7 - المنهل العذب.

(4)

ص 29 ج 3 - فتح البارى (الضجعة على الشق الأيمن).

ص: 302

أنه فعله فى المسجد، ولذا نهى ابن عمر عن فعله فى المسجد وقال إنه بدعة، وأمر بحصْب من فعله فى المسجد، فإنه يبعد أن يقع من النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد ولا يعلم به مثل ابن عمر وابن مسعود.

هذا. ويستحب أن يقال بعد ركعتى الفجر ما فى قول عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلا ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يقول: اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وربَّ إسرافيل ورب محمد أعوذ بك من النار ثم يخرج إلى الصلاة " أخرجه أبو يعلى عن شيخه سفيان بن وكيع وهو ضعيف (1){431}

(ويزاد) فى يوم الجمعة ما فى حديث أنس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحىّ القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر " أخرجه ابن السنى (2){432}

هذا. واعلم أنّ آكد الرواتب المؤكدة راتبة الصبح ثم راتبة الظهر القبلية ثم البعدية. والتى بعد المغرب والعشاء سواء.

(ب) الرواتب غير المؤكدة: هى سته أنواع: (1) يندب صلاة ركعتين بعد صلاة الظهر يضمان إلى المؤكدتين (لحديث) أمّ حبيبة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرّمه الله على النار. أخرجه أحمد والأربعة بسند صحيح من عدة طرق وصححه الترمذى (3){433}

(1) ص 104 ج 10 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد ركعتى الفجر).

(2)

الزبد بفتحتين كالرغوة.

(3)

ص 200 ج 4 - الفتح الربانى. وص 160 = ج 7 - المنهل العذب. ولفظه: من حافظ عى أربع ركعات (الأربع قبل الظهر وبعدها). وص 257 ج 1 - مجتبى (قبل الجنائز) وص 183 ج 1 - ابن ماجه. وص 328 ج 1 - تحفة الأحوذى. و (حرمه على الناس) أى أنذ المواظبة على هذه الركعات تكون سببا فى عدم ارتكابه ما يوجب دخول النار، وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار.

ص: 303

(2)

ويندب صلاة أربع أو ركعتين قبل صلاة العصر (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه، وابن حبان وصححه وفى سنده محمد بن مسلم بن مهران، وثقه ابن حبان وابن عدى (1){434}

(ولحديث) على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل العصر ركعتين " أخرجه أ [وداود. وفى سنده عاصمُ بن ضَمْرة مختلف فيه (2){435}

ولورود الآثار بالركعتين والأربع خير بينهما. والأربع أفضل، لكثرة رواياتها ولثبوتها قولا وفعلا (وهى) مستحبة عند الجمهور لا مؤكدة، لأنه لم يثبت مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليها. والأفضل أن تكون بسلام واحد عند الحنفيين وإسحاق. وقال غيرهم الأفضل أن تكون بتسليمتين.

(3)

ويندب - عند الشافعى وأحمد ومحققى الحنفيين والمحدثين - صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب وروى عن مالك (لحديث) عبد الله بن مُغفّل أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال صلوا قبل المرغب ركعتين. ثم قال عند الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذَها الناسُ

(1) ص 203 ج 4 - الفتح الربانى. وص 162 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل العصر). وص 329 ج 1 - تحفة الأحوذى (الأربع قبل العصر).

(2)

ص 163 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل العصر).

ص: 304

سنةُ " أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والبيهقى (1){436}

(وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين أخرجه ابن حبان (2){437}

(ولقول) أنس: " كان المؤذِّنُ إذا أن أذن قام ناي من أصحاب النبى صلى الله علهي وسلم يبندِرون السوارىَ حتى يخرجَ النبى صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يُصلون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن بينهما شئ " أخرجه البخارى. وفى رواية لمسلم فيجئ الغريب فيحِسب أنّ الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما (3){438}

(وقال) جماعة من الحنفية والمالكية والشافعية: يكره التنفل قبل صلاة المغرب (لقول) طاوس: " سُئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحداً على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يصليِّهما " أخرجه أبو داود والبيهقى (4)(وردّ) بأنه لا يدل على الكراهة، إذا عدم رؤية ابن عمر أحداً يصلى قبل المرغب لا يقتضى الكراهة، ولأنه نفى ما لم يعلمه وأثبته غيره ممن

(1) ص 217 ج 4 الفتح الربانى. وص 39 ج 3 - فتح البارى (الصلاة قبل المغرب) وص 181 ج 7 - المنهل العذب (وكراهية الخ) أى مخافة أن يتخذها الناس طريقة لازمة يواظبون عليها كالفرائض (قال) المحب الطبرى: لم يرد نفى استحبابها، لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها. وقوله سنة، أى شريعة وطريقة لازمة. وكأن المراد بيان انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية فى الرواتب (انظر ص 39 ج 3 - فتح البارى).

(2)

ص 183 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب).

(3)

ص 73 ج 2 - فتح البارى (كم بين الأذان والإقامة) وص 123 ج 6 - نووى (استحباب ركعتين قبل المرغب)(ولم يكن بينهما شئ) وفى رواية لم يكن بينهما إلا قليل، أى لم يكن بين الأذان والإقامة شئ كثير.

(4)

ص 185 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب).

ص: 305

علمه، فوجب تقديم رواية المثبت لكثرتها ولما معه من علم ما لم يعلمه ابن عمر على أنه ثبت أن ابن عمر كان يصليهما (قال) عبد الله بن برُيدَة: لقد أدركتُ عبدَ الله بنَ عمرَ يصلى تَيْنِك الركعتين عند المغرب لا يدَعُهما على حال قال: فقمنا فصلينا الركعتين قبل الإقامة ثم انتظرنا حتى خرج الإمامُ فصلينا معه المكتوبة. أخرجه الدار قطنى (1)(قال) العلامة ابن نُجَيم: وما ذكر من استلزام تأخير المغرب، فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل والركعتان لا تزيد على القليل إذا تُجوِّز فيهما. وفى صحيح البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل المرغب ركعتين. وهو أمر ندب، وهو الذى ينبغى اعتقاده فى هذه المسألة (2) (وقال) النووى: وأما قولهم إنّ فعلهما يؤدى إلى تأخير المرغب فهو خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها (3) (وقال) الحافظ فى الفتح: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما ف ركعتى الفجر (4) وبما تقدّم تعلم أن الركعتين قبل صلاة المغرب من المستحب الثابت بالقول والفعل والتقرير.

(4)

ويندب صلاة أربع ركعات بعد صلاة المغرب تضم إلى المؤكدتين (لقول) عّمار بن ياسِر: " رأيت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى بعد المغرب ستَّ ركعات وقال: من صلى المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مِثل زبدّ البحر " أخرجه الطبرانى فى الثلاثة وقال: تفرّد به صالح بن قَطَنٍ البخارى قال الهيثمى: ولم أجد من ترجمه (5){439}

(1) ص 186 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب).

(2)

ص 253 ج 1 - البحر الرائق (قبل الأذان).

(3)

ص 24 ج 6 - شرح مسلم (استحباب ركعتين قبل المغرب).

(4)

ص 74 ج 2 - فتح البارى (كم بين الأذان والإقامة).

(5)

ص 230 ج 2 - مجمع الزوائد (الصلاة قبل المغرب وبعدها).

ص: 306

(5)

ويندب صلاة ركعتين قبل صلاة العشاء (لحديث) عبد الله بن مُغَفلٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة، ثم قال فى الثالثة لمن شاء " أخرجه الجماعة (1){440}

فهو يدل بعمومه على استحباب الصلاة قبل العشاء والمغرب (2) وغيرهما، لكنه مخصوص بغير الجمعة فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بين أذانها وإقامتها كما سيأتى فى بحث الجمعة إن شاء الله تعالى (وحكمه) مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة أنّ المقصود من الأذان الإعلام بدخول الوقت ليتأهب الناس للصلاة بالطهارة ويحضروا لناديتها، ووصل الأذان بالإقامة يفوِّت هذا المقصود.

(6)

ويندب صلاة ركعتين أو أربع تضم للمؤكدتين بعد صلاة العشاء (لقول) شُرَيح بن هانئ: " سألتُ عائشة عن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم

(1) ص 218 ج 4 - الفتح الربانى. وص 75 ج 2 - فتح البارى (بين كل أذانين صلاة). وص 124 ج 6 - نووى (استحباب ركعتين قبل المغرب) وص 185 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة قبل المغرب) وص 183 ج 1 - ابن ماجه (فى الركعتين قبل المغرب) والرماد بالأذانين الأذان والإقامة باتفاق العلماء، كما قال الترمذى. والمراد " بصلاة " النافلة ونكرت لتشمل الركعتين وغيرهما. والتكرير للتأكيد

(2)

" ولا ينافيه " حديث بريدة مرفوعا: بين كل أذانين صلاة إلا المغرب. أخرجه البزار " لأنه ضعيف " ففيه حيان بن عبيد الله قيل إنه اختلط. انظر ص 231 ج 2 - مجمع الزوائد (جامع فيما يصلى قبل الصلاة وبعدها)(وقال) الحافظ: وأما رواية حيان فشاذة لأنه خالف الحفاظ م أصحاب عبد الله بن بريدة فى سند الحديث ومتنه. وعن القلاس أنه كذب حيانا (انظر ص 73 ج 2 - فتح البارى - كم بين الأذان والإقامة).

ص: 307

فقالت: ما صلى العشاء قطُّ فدخل علىّ إلا صلى أربعَ ركعاتٍ أو ستَّ ركعات " (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند رجاله ثقات (1){441}

أى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى تارة أربعاً وأخرى ستا. وفى بعض الأحيان كان يقتصر على الركعتين المؤكدتين كما تقدم فى بحث الرواتب المؤكدة.

(فائدة) السنة المؤكدة محسوبة من المندوب فى الأربع بعد الظهر وبعد العشاء وفى الست بعدها وبعد المغرب. والأفضل عند النعمان أن يؤدى الكل بسلام واحد مع التشهد فى كل ركعتين، لما تقدم فى راتبه الظهر القبلية (2) (ولقول) يحيى بن مَعين: صلاة النهار أربعٌ لا يُفْضَل بينهن، فقيل له: فإن أحمد بن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأى حديث؟ فقيل له بحديث الأزْدِى فقال: ومن الأزدىّ؟ حتى أقبلَ منه وأدَع حديث يحيى بن سعد الأنصارى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعاً لا يفصِل بينهن. لو كان حديثُ الأزدى صحيحاً ما خالفه ابنُ عمر. أخرجه ابن عبد البر (3)(وقال) أبو يوسف ومحمد: الأفضل فى صلاة النهار أن تكون أربعاً لما تقدم، وفى صلاة الليل أن تكون مثنى (لحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" صلاة الليل مثنى مثنى " أخرجه الجماعة وقال الترمذى: حسن صحيح (4){442}

(1) ص 220 ج 4 - الفتح الربانى. وص 220 ج 7 - المنهل العذب (الصلاة بعد العشاء).

(2)

تقدم رقم 416. ص 295.

(3)

ص 203 ج 7 - المنهل العذب (صلاة النهار).

(4)

ص 235، 267 ج 4 - الفتح الربانى. وص 325 ج 2 - فتح البارى (أبواب الوتر) وص 30 ج 6 - نووى (صلاة الليل والوتر) وص 255 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل مثنى مثنى). وص 331 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 246 ج 1 - مجتبى (كيف صلاة الليل)

ص: 308

(وقالت) المالكية: يكره التنفل بأربع بسلام، ويردّه ما تقدم (وحديث) أبى أيوب الأنصارى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" أربعٌ قبلَ الظهر ليس فيهن تسليم تُفتَح لهن أبواب السماء " أخرجه أبو داود وابن ماجه وفيه عُتَيبة بن مُعْتِب الضبى ضعيف لكن الحديث روى من عدة طرق يقوى بعضها بعضا (1){443}

(وقال) الشافعى وأحمد: الأفضل أن يكون تطوّع النهار والليل مثنى (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " أخرجه أحمد والأربعة والحاكم والبيهقى وصححاه (2){444}

(وأجاب) من فرق بين تطوّع النهار والليل عنه، بأن زيادة النهار فيه وَهَمُ، وأنه اختلف فى رفعه ووقفه (قال) الترمذى: اختلف أصحاب شعبة فيه، فوقفه بعضهم ورفعه بعضهم، والصحيح ما رواه الثقات عن ابن عمر فلم يذكروا فيه صلاة النهار أهـ (وقال) النسائى: هذا الحديث عندى خطأ.

هذا. ويتصل بالرواتب فصلان.

(أ) مكان صلاة التطوع: يستحب تأدية النفل المطلق فى البيت اتفاقا. وكذا الرواتب عند الجمهور ولا فرق بن راتبه النهار والليل (لقول) عبد الله بن شقيق: " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوّع فقالت: كان يصلى قبل الظهر أربعاً فى بيتى، ثم يخرج فيصلى بالناس، ثم يرجع إلى بيتى فيصلى ركعتين وكان يصلى بالناس المغرب

(1) ص 161 ج 7 - المنهل العذب (الأربع قبل الظهر وبعدها). وص 182 ج 1 ابن ماجه.

(2)

ص 266 ج 4 - بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى. وص 202 ج 7 - المنهل العذب (صلاة النهار) وص 246 ج 1 مجتبى (كيف صلاة الليل)

ص: 309

ثم يرجِعُ إلى بيته فيصلى ركعتين، وكان يصلى بهم العشاءَ ثم يدخل بيتى فيصلى ركعتين (1) (وعن) مالك والثورى: الأفضل فعل نوافل النهار فى المسجد وراتبة الليل ف البيت (وعن) أحمد تفصيل. قلا ابن قدامة: قال الأثرم: سئل أحمد عن ركعتين بعد الظهر أين يصليان قال فى المسجد، أما الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب ففى بيته، وذكر حديث ابن إسحاق: صلوا هاتين الركعتين فى بيوتكم. قيل لأحمد: فإن كان منزل الرجل بعيداً؟ قال لا أدرى وذلك لما روى كعب بن عُجْره أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بنى عبد الأشهل فصلى فيه المرغب فلما قَضَوْا صلاتَهم رىهم يُسبّحون بعدها. " فقال هذه صلاة البيوت " أخرجه أبو داود. وفى سنده إسحاق بن كعب وهو مجهول تفرّد به (2){445}

(وقال) ابن أبى ليلى: ل تصح راتبة المغرب البعدية إلا فى البيت أخذاً بظاهر الأمر ف هذه الأحاديث، واستحسنه أحمد (قال) محمود بن لَبيد:" أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد الأشهل فصلى بهم المرغب، فلما أسلم قال: اركعوا هاتين الركعتين فى بيوتكم "(الحديث) أخرجه أحمد (3){446}

(والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور حملا للأمر على الاستحباب. ويؤيده (حديث) زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة المرء

(1) تقدم رقم 417. ص 295.

(2)

ص 217 ج 7 - المنهل العذب (باب ركعتى المغرب أين تصليان). وص 768 ج 1 معنى.

(3)

ص 214 ج 4 - الفتح الربانى (الحديث) وفيه (قال أبو عبد الرحمن) عبد الله بن أحمد (قلت لأبى إن رجلا) محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: من صلى ركعتين بعد المغرب فى المسجد لم تجره إلا أن يصليهما فى بيته، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هذه صلاة البيوت قال: ما أحسن ما قال.

ص: 310

فى بيته أفضل من صلاته فى مسجدى هذا إلا المكتوبة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى (1){447}

والمراد بالمكتوبة الواجبة بأصل الشرع وهى الصلوات الخمس دون المنذورة. والأحاديث ف هذا كثيرة وهى تدل على أن صلاة التطوّع ومنه راتبة المغرب فى البيوت أفضل من صلاته فى المسجد ولو كان فاضلا كالمسجد الحرام ومسجد المدينة. فلو صلى فيه نافلة كانت بألف صلاة.

ولو صلاها فى بيته كانت أفضل من ألف صلاة.

أما المكتوبة فصلاتها فى المسجد أفضل فى حق الرجال. أما النساء فالأفضل فى حقهن الصلاة - ولو فرضاً - فى البيوت وغن أبيح لهن حضور الجماعات (روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتُهن خير لهن " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابن خزيمة وصححه (2){448}

وسيأتى تمامه فى بحث " حضور النساء المساجد " إن شاء الله تعالى.

هذا. والحكمة فى طلب تأدية النافلة فى البيت أنه أخفى وأبعد من الرياء ومحبطات العمل، ولتنزل فى البيت الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء فى الحديث وهذا فى غير ما ورد الشرع بطلاته فى غير البيوت

(1) ص 192 ج 4 - الفتح الربانى. ولفظه: صلوا أيها الناس فى بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة. وص 177 ج 6 - المنهل العذب (صلاة الرجل التطوع فى بيته). وص 334 ج 1 - تحفة الأحوذى. ولفظه: أفضل صلاتكم فى بيوتكم إلا المكتوبة.

(2)

ص 195 ج 5 - الفتح الربانى. وص 265 ج 4 - المنهل العذب (خروج النساء إلى المساجد).

ص: 311

كركعتى الطواف والإحرام وتحية المسجد والتراويح وصلاة الاستقاء والكسوف والعيدين.

(ب) وقت الرواتب وقضاءها: الراتبة القبلية وقتها من دخول وقت الصلاة إلى تأديتها، والبعدية وقتها من تأدية الصلاة إلى خروج وقتها. فإن لم تؤدّ فى وقتها لا يقضى منها إلا راتبه الصبح ولو فاتت لغير عذر تقضى عند الشافعى وأحمد قبل طلوع الشمس وبعده إذا حلت النافلة ولو فاتت وحدها (لحديث) قيس بن عمرو أنه خرج إلى الصبح فوجد البنىَّ صلى الله عليه وسلم فى الصبح ولم يكن ركع ركعتى الفجر، فصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم قام حين فرغ من الصبح فركع ركعتى الفجر، فمرّ به النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه الصلاة؟ فأخبره فسكت النبى صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا " أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد وهذا لفظه وحسنه العراقى (1){449}

(ولحديث) عمران بن حُصينٍ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحرِّ الشمس فارتفعوا قليلا حتى استعلت الشمسُ ثم أمر مؤذِّناً فأذّن فضلى ركعتين قبل الفجر ثم اقام ثم صلى الفجر " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه (2){450}

(وقال) الأوزاعى ومالك والثورى ومحمد بن الحسن: يستحب قضاؤهما

(1) ص 157 ج 7 - المنهل العذب (من فاتته " سنه الصبح " متى يقضيها). وص 182 ج 1 - ابن ماجه. وص 312 ج 2 - الفتح الربانى.

(2)

ص 38 ج 4 - المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها). وص 403 ج 1 - بيهقى (الأذان والإقامة للفائتة). وص 274 ج 1 - مستدرك (فارتفعوا الخ) أى انتقلوا حتى ارتفعت الشمس.

ص: 312

بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال فقط، لظاهر حديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" مَن لم يصلِّ ركعتى الفجر فلْيُصلِّهما بعدما تطلُعُ الشمس " أخرجه الترمذى وفيه قتادة بن دعامة مدلس وقد عنعنه (1){451}

وقالوا يكره فعلهما قبل طلوع الشمس لإطلاق النهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع.

(وأجاب) الأولون " بأن حديث " أبى هريرة ليس صريحا فى انهما لا يقضيان إلا بعد طلوع بل المغنى من لم يصلهما قبل الطلوع فليصلهما بعده (ويدل) عليه ما فى رواية الدار قطنى والبيهقى والحاكم بلفظ: من لم يصل ركعتى الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما (2)" وبان عموم " النهى فى حديث " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (3) " مخصوص " بغير المكتوبة إجماعا وبغير سنة الصبح، لحديث قيس بن عمرو (4).

(وقال) النعمان وأبو يوسف: لا تقضى سنة الصبح إلا إذا فاتت مع الصبح فتقضى قبله إلى الزوال فقط، ولا تقضى إذا فاتت وحدها لا قبل الشمس ولا بعدها، لأن الأصل فى السنن ألاّ تقضى. وخصت سنة الصبح إذا فاتت معه بحديث عمران بن حصين المتقدم. ولم يقولوا بمقتضى حديث قيس بن عمرة، لأن فى سنده سعد بن سعيد. ضعفه احمد وابن معين، وقال الترمذى: وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل. محمد بن إبراهيم التيمى لم يسمع

(1) ص 326 ج 1 - تحفة الأحوذى (إعادتهما بعد طلوع الشمس).

(2)

ص 484 ج 2 - بيهقى وقال: تفرد به عمرو بن عاصم وهو ثقة. وص 274 ج 1 - مستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين.

(3)

تقدم رقم 44 ص 28 (الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر).

(4)

تقدم رقم 46 ص 29 ورقم 449 ص 312.

ص: 313

من قيس (1)(ورد) بأنه روى من طرق أخرى متصلا، ومجموعها يقوى بعضها بعضا (وأما باقى) الرواتب إذا فات، فلا يقضى عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد قال: لم يبلغنا أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قضى شيئاً من التطوّع إلا ركعتى الفجر والركعتين بعد العصر وهما راتبة الظهر البعدية (2). ولم يقولوا بقضائهما، أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم العصرَ ثم دخل بيتى فصلى ركعتين، فقلتُ يا رسول الله صليتَ صلاة لم تكن تصليها؟ فقال قدِم علىّ مال فشغلَنى عن الركعتين كنتُ أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن، فقلتُ يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتنا؟ قال لا " أخرجه الطحاوى بسند رجاله موثقون (3){452}

(وقال) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أحداً أن يصلى بعد العصر قضاء عما كان يصلبه بعد الظهر. فدل على أن حكم غيره فيهما إذا فاتنا خلاف حكمه. فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر، ولا أن يتطوع بعد العصر أصلا أهـ (والصحيح) أن هاتين الركعتين كانتا قضاء لراتبة الظهر البعدية (لقول) أم سلمة:" لَمْ أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر قطَّ إلا مرةً واحدة، جاءه ناسٌ بعد الظهر فشغلوه فى شئ فلم يُضلِّ بعد الظهر شيئا حتى صلى العصر، فلما صلى العصر دخل بيتى فصلى ركعتين " أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى بسند جيد (4){453}

(1) ص 25 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(2)

ص 769 ج 1 - مغنى.

(3)

ص 180 ج 1 - شرح معانى الآثار.

(4)

ص 209 ج 4 - الفتح الربانى. وص 457 ج 2 - بيقى (هذا النهى مخصوص ببعض الصلوات .. )

ص: 314

(ولقول) عبد الله بن أبى قيس: " سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر فقالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين بعد الظهر فُشِغلَ عنهما حتى صلى العصر، فلما فرغ ركعهما فى بيت فما تركهما حتى مات " أخرجه أحمد والنسائى بسند جيد (1){454}

(ومشهور) مذهب الحنبلية أنه يستحب قضاء كل الرواتب فى غير أوقات النهى. وقيل لا يقضى منها إ الراتبه الصبح وبعدية الظهر (قال) ابن حامد: تقضى جميع السنن الرواتب فى جميع الأوقات إلا أوقات النهى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بعضها وقسنا الباقى عليه. وقال القاضى وبعض أصحابنا لا يُقضى إلا ركعتا الفجر تقضى على وقت الضحى، وركعتا الظهر (2).

(وقالت) الشافعية والأوزاعى: تقضى كل الرواتب فى أى وقت (لقول) أم سلمة: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقد أتى بمال فقعد يقْسِمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر ثم انصرف إلىّ وكان يومى فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا ما هاتان الركعتان يا رسول الله؟ أُمِرْتَ بهما؟ قال لا ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلنى قَسْمُ هذا المال حتى جاء المؤذِّن بالعصر، فكرهت أن أدَعَهُما "(لحديث) أخرجه أحمد (3){455}

(1) ص 210 ج 4 - افتح الربانى " وأما قول " ميمونة: إن النبى صلى الله عليه وسلم فاتته ركعتا العصر فصلاهما بعد. أخرجه أحمد "ففى سنده" حنظلة السدوسى، ضعفه أحمد وابن معين، ووثقه ابن حبان (انظر ص 223 ج 2 مجمع الزوائد) فهو لا يعارض الصحيح على أنه يحتمل أن المراد فاتته ركعتان بعد الظهر وهما يؤديان قبل العصر.

(2)

ص 769 ج 1 - مغنى.

(3)

هذا بعض حديث بصفحة 207 ج 4 - الفتح الربانى.

ص: 315

وقد تقدم أن قضاء هاتين الركعتين خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم " ولو سلم " أن الذى اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة عليهما لا أصل القضاء " لم يدل " الحديث إلا على جواز قضاء راتبة الظهر البعدية، لا جواز قضاء كل الرواتب.

(4)

ويسنّ لمن خرج إلى المسجد أن يدعو بما فى (حديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل فى قلبى نوراً واجعل فى لسانى نورا. واجعل فى سمعى نوراً واجعل فى بصرى نورا، واجعل خلفى نوراً وأمامى نوراً، واجعل من فوقى نوراً ومن تحتى نوراً. اللهم وأعْظِم لى نوراً. أخرجه أبو داود والنسائى وسملم وزاد: وعن يمينى نوراً وعن شمالى نوراً واجعل فى نفسى نوراً (1){456}

" وبما فى حديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق مَمشاى هذا فإنى لم أخرج أشَراً ولا بطَراً ولا رِياء ولا سُمْعة وخرجتُ اتّقاءَ سَخَطك وابتغاءَ مرضاتك فأسألك أن تُعيذنى من النار، وأن تغفِرَ لى ذنوبى، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقْبَلَ الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألفَ ملَك " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة.

وفى سنده عطية العوفى مدلس. ولكن أخرج الحديث أبو نُعيم عن فُضَيل عن عطية قال: حدّثنى أبو سعيد فذكره، وبه أُمِن تدليس عطية العُوفىّ. وأخرجه ابن خزيمة فى صحيحة من طريق فُضَيل بن مرزوق فهو صحيح

(1) ص 284 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل) وص 50 ج 6 - نووى (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالليل) والرماد بهذا الدعاء طلب حلول الهداية بهذه الأعضاء، لأن النور يقشع ظلمات الذنوب ويرفع سدمات " أى هموم " الآثام.

ص: 316

عنده. وفْضَيل هذا مختلف فيه، ضعفه جماعة ووثقه آخرون، ولذا قال الحافظ حديث حسن (1){457}

(فائدة) يسنّ لمن خرج م بيته ولو لغير صلاة أن يدعو بما فى (حديث) أم سلمة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: باسم الله توكلتُ على الله. اللهم إنى أعوذ بك أن أَضِل أو أُضِل أو أَزِلْ أو أُزَلّ أو أَظْلِم أو أُظلَم، أو أجْهَل أو يُجهلَ علىّ " أخرجه الأربعة، وقال الترمذى حسن صحيح (2){458}

" وبما فى حديث " أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال إذا خرج من بيته: باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: حسبك هُديتَ وكُفِيت ووُقِيتَ، وتَنحى عنه الشيطان "

(1) ص 135 ج 1 - ابن ماجه. والباء فى بحق للتعدية، لأن سال يتعدى بنفسه وبالباء، والمعنى أسألك حق السائلين وهو إجابة دعائهم الذى وعدت بإجابته بقولك: أجيب دعوة الداع إذا دعان (وبحق ممشاى) أى أسألك أرج مشى إلى المسجد المبين فى حديث: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد. فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت الصلاة تحبسه. أخرجه ابن ماجه وغيره عن أبى هريرة. انظر ص 134 ج 1 - ابن ماجه (المشى إلى الصلاة) وينهزه من باب نفع أى لا ينهضه إلا الصلاة و (الأشر) بفتحات مصدر أشر كتعب، وهو والبطر كفران النعمة وعدم شكرها. ويحتمل أن يكون بفتح فسكون أى لم أخرج متكبرا و (بوجهه) لفظ وجه من المتشابه المصروف عن ظاهره، لقوله تعالى " ليس كمثله شئ " كما تقدم فى التوحيد.

(2)

ص 19 ج 2 - تيسير الوصول (أدعية الخروج من البيت .. ) وأضل من الضلال، الأول مبنى للفاعل، والثانى مبنى للمفعول. وكذا ما بعده. وأزل من الزلل. والجهل فى الأصل ضد العلم. وهو إدراك الشئ على غير ما هو عليه. والمراد به هنا ارتكاب ما لا تحمد عقباه.

ص: 317

أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه (1){459}

(5 و 6) ويسنّ لمن يريد الصلاة الخروج إليها متطهراً متحلياً بالتؤدة والوقار والخشية (قال) أبو ثُمامة: " أدركنى كعبُ بن عُجْره وهو يريدُ المسجد وأنا مشبّك بيدَىّ فنهانى عن ذلك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدُكم فأحسن وضُوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد، فلا يُشيِّكنَ يديه فإنه فى صلاة " أخرجه أحمد وأبو داود (2){460}

(ولقول) أبى قتادة: " بينما نحن تصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم إذ سمع جَلبة رجال. فلما صلى قال ما شأنكم؟ قالوا استعْجلنا إلى الصلاة، قال فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه أحمد والشيخان (3){461}

(والحكمة) فى طلب المشى إلى الصلاة بالوقار وكراهية الإسراع بينّها النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: " فإن أحدكم إذا كان يَعْتَمد إلى الصلاة فهو فى صلاة " أخرجه مسلم عن أبى هريرة (4)، أى أنه فى حكم المصلى فينبغى له فعل ما ينبغى للمصلى فعله واجتناب ما ينبغى للمصلى اجتنابه. ويستحب ان يقارب خطاه لتكثر حسناته (قال) زيد بن ثابت: " كنت أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان يُقارِب الخُطا، فقال: أتدرون لَمِ أُقاربِ الخطا؟ قلتُ الله رسول له أعلم. قال: لا يزال العبدُ

(1) ص 20 ج 2 - تيسير الوصول (أدعية الخروج من البيت).

(2)

ص 259 ج 4 - المنهل العذب (الهدى فى المشى إلى الصلاة)

(3)

ص 211 ج 5 - الفتح الربانى. وص 79 ج 2 فتح البارى (قول الرجل فاتتنا الصلاة - والأذان). وص 99 ج 5 - نووى (إتيان الصلاة بوقار وسكينة) والجلبة، بفتحات أصوات حركات المشى و (السكنية) الوقار والتأنى حال السير.

(4)

انظر ص 98 ج 5 - نووى.

ص: 318

فى الصلاة ما دام فى طلب الصلاة " أخرجه الطبرانى فى الكبير، وله فى رواية أخرى: إنما فعلت هكذا لتكثير خُطاىَ فى طلب الصلاة. وفى سنده الضحاك بن نبراس وهو ضعيف. ورواه موقوفا على زيد بن ثابت، ورجاله رجال الصحيح (1){462}

(7)

ويطلب من الإمام قبل الدخول فى الصلاة الأمر بتسوية الصفوف بمحاذاة المناكب والكعوب ولا تشترط مساواة الأصابع. فيقول للحاضرين اعتدلوا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ونحو ذلك من الوارد (روى) ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أقيموا الصفوف وحاذُوا المناكب وسُدّوا الخَلل وليِنوا بأيدى إخوانكم، ولا تذَروا فُرُجات للشيطان. ومن صل صفًّا وصله الله. ومن قطع صفًّا قطعه الله " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه (2){463}

(وعن) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رُصّوا صفوفَكم، وقارِبوا بينها، وحاذُوا بالأعناق. فهو الذى نفسى بيده إنى لأَرى الشياطينَ تدخل من خَلَل الصف كأنها الحَذَف " أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى (3){464}

(1) ص 31 ج 2 - مجمع الزوائد (كيف المشى إلى الصلاة).

(2)

ص 312 ج 5 - الفتح الربانى. وص 56 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) و (الخلل) بفتحتين فرجة بين الصفوف و (صل الصف) بإتمامه أو سد فرجه فيه (وقطعة) بترك فرجة فيه أو بالجلوس فيه بلا صلاة أو منع غيره من الدخول فيه

(3)

ص 57 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) وص 131 ج 1 - مجتبى (حث الإمام على رص الصفوف) و (الحذف) بفتحتين جمع حذفه وهى الغنم الصغار.

ص: 319

(وعن) النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتُسَوُّنَّ صفوفكم أو لَيخالِفَنّ اللهُ بيم وجوهكم " أخرجه الخمسة وصححه الترمذى (1){465}

(والمراد) بالمخالفة بين الوجوه والقلوب، حصول التنافر والعداوة والبغضاء واختلاف القلوب لأن اختلافهم فى الصفوف مخالفة فى الظاهر، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن.

ولظاهر الأمر فى هذه الأحاديث قال ابن حزم بوجوب تسوية الصفوف للوعيد الشديد فيها. وقد ثبت عن عمر رضى الله عنه أنه ضرب قدَم أبى عثمان النهْدىّ لإقامة الصف (2)(وقال) سُويَد بن غفْلة: كان بلال يضرب أقدامنا فى الصلاة ويسوّى مناكبنا. وقال: ما كان عمر وبلال يضربان على غير فرض (3)(وقال) الجمهور: إقامة الصفوف سنة. وادّعى بعضهم الإجماع على ذلك. وقالوا: الأمر والوعيد المذكوران من باب التغليظ والتشديد تأكيداً وتحريضاً على تسوية الصفوف وتعديلها. وأما ضرب عمر وبلال الناس على تركه فلا يدل على الوجوب، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. وقد كان عمر يوكّل رجالا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يُخبَر أن الصفوف قد استوت. وروى عن عثمان وعلىّ أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان استووا. وكان علىّ يقول تقدم يا فلان تأخير يا فلان قاله الترمذى (4).

(1) ص 141 ج 2 - فتح البارى (تسوية الصفوف). وص 159 ج 4 - نووى. وص 53 ج 5 - المنهل العذب. وص 193 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(2)

ص 58 ج 4 - المحل مسألة 415.

(3)

ص 59 منه.

(4)

ص 193 ج 1 - تحفة الأحوذى.

ص: 320

(8 و 9) ويسنّ الاهتمام بتكميل الصفوف الأوّل فالأوّل وتراصّ المأمومين، وسدّ الفُرَج (لحديث) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" أتموا الصف المقدّمَ ثم الذى يليه فما كان من نقص فليكن فى الصف المؤجَّرِ " أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى (1){466}

(ولحديث) أبى جُحَيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من سدّ فُرجة فى الصف غفر له " أخرجه البزار بسند حسن (2){467}

(10)

اتخاذ السترة: السترة بضم السين وهى فى الأصل ما يستتر به مطلقا. ثم غلبت على ما يجعله المصلى بين يديه لمنع المرور أمامه. فيسنّ للإمام والمنفرد اتخاذها سفراً وحضرا (لعموم) حديث سهل بن أبى حَثْمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سُترة، ولَيدْن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاتَه " أخرجه أحمد والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين وكذا أبو داود عن أبى سعيد الخدرى (3){468}

(ولحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كانت تُرْكز له الحرْبة فى العيدين فيُصلّى إليها " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه (4){469}

(ولحديث) أبى جُحيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء - وبين يديه عنَزة - الظهر ركعتين، والعصر ركعتين " أخرجه الشيخان وأبو داود (5){470}

(1) ص 60 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف) وص 131 ج 1 - مجتبى (الصف المؤخر).

(2)

ص 91 ج 2 - مجمع الزوائد (صلة الصفوف وسد الفرج).

(3)

ص 130 ج 3 - الفتح الربانى. وص 251 ج 1 - مستدرك. وص 92 ج 5 - المنهل العذب (ما يؤمر المصلى ان يدرأ عن الممر بين يديه)

(4)

ص 129 ج 3 - الفتح الربانى. وص 122 ج 1 - مجتبى (سترة المصلى).

(5)

ص 384 ج 1 - فتح البارى (السترة بمكة وغيرها) وص 221 ج 4 = نووى (سترة المصلى) وص 79 ج 5 - المنهل العذب (ما يستر المصلى) والبطحاء واد بين جبل النور والحجون فى الشمال الشرقى لمكة. و (العنزة) بفتحتين رمح صغيرة فى أسفله حديدة. وهى الحربة.

ص: 321

وعلى هذا اتفق العلماء إلا أن الشافعية والحنبلية قالوا: يسنّ اتخاذ السترة وإن لم يخش مرور أحد بين يديه (وقال) الحنفيون ومالك: إنما يسنّ اتخاذ السترة لمن خشى مرور أحد بين يديه (لحديث) ابن عباس " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم فى فَضاءٍ ليس بين يديه شئ " أخرجه أحمد وأبو يعلى. وفى سنده الحجاج بن أرطاة، ضعفه بعضهم. وقال أحمد وشعبة كان من الحفاظ (1){471}

(وأجاب) الأولون: بأن عدم اتخاذه صلى الله عليه وسلم سترة حينئذ لبيان أن اتخاذها غير واجب. وأمام المأموم فسترة الإمام سترة له عند الحنفيين والشافعى وأحمد وهو قول لمالك (لقول) ابن عباس: " أقلبتُ راكباً على أتَانٍ وأنا يومئذ قد ناهَزْتُ الاحتلام والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى فمررتُ بين يَدىْ بعض الصف. فأرسلتُ الأتان ترتَع ودخلت فى الصف فلم يُنْكِر ذلك أحدٌ " أخرجه الجماعة والبيهقى (2){472}

(وقال) مالك: وأنا أرى ذلك واسعاً إذا أقمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف. قال أبو عمر: هذا مع الترجمة يقتضى أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدا. وغيره لا يرى بذلك بأسا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على إن سترة الإمام

(1) ص 144 ج 3 - الفتح الربانى (من صلى إلى غير سترة).

(2)

ص 281 ج 1 - زرقانى (الرخصة فى المرور بين يدى المصلى). وص 142 ج 3 - الفتح الربانى. وص 381 ج 1 - فتح البارى (سترة الإمام سترة من خلفه). وص 221 ج 4 - نووى. وص 110 ج 5 - المنهل العذب (الحمار لا يقطع الصلاة)

ص: 322

سترة لمن خلفه وهو الظاهر (1) وعليه يجوز المرور أمام الصف الأول وخلف الإمام، لأنّ الإمام حائل بين المأموم وسترته. وعلى أن الإمام سترة المأموم يحرم المرور أمام الإمام وبينه وبين الصف الذى خلفه لأنه مرور بين المصلى وسترته. أما غير الصف الأول فيجوز المرور أمامه اتفاقا لأنه وإن كان مروراً بين المصلى وسترته - لأن الإمام سترة للصفوف كلهم - إلا أنه قد صار بينهما حائل وهو الصف الأول فالإمام سترة لمن يليه حسا وحكما ولمن بينه وبينه فاصل حكما لا حسا. والممتنع فيه الأول لا الثانى (2).

ثم الكلام هنا فى سبعة فروع:

(أ) مقدار السترة: ينبغى أن يكون ارتفاعها كذراع. وعرضها لا حدّ له، فيكفى الغليظ والدقيق عند الحنفيين (3) والشافعى وأحمد (لقول) عائشة:" سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن سُترة المصلى فقال مثل مُؤْخِرة الرجل " أخرجه مسلم (4){473}

والمؤخرة ارتفاعها ذراع.

(وحديث) سبرة بن معبد أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدكم فليسِتّرْ لصلاته ولو بسهْم" أخرجه أحمد والطبرانى بسند صحيح (5){474}

(1) ص 282 ج 1 - زرقانى الموطأ.

(2)

ص 202 ج 1 - حاشية الدسوقى على كبير الدردير (سنن الصلاة).

(3)

" وأما قول " الشر نبلالى فى نور الإيضاح: وأن تكون فى غلظ الإصبع " فهو " خلاف المذهب قاله الطحاوى مستدلا بحديث أبى هريرة مرفوعا يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرجل ولو بدقة شعره. أخرجه الحاكم وصححه (انظر ص 252 ج 1 - مستدرك).

(4)

ص 217 ج 4 - نووى (سترة المصلى) والمؤخرة بضم فسكون فكسر الخاء أو فتحها وروى بفتح الهمزة وتشديد الخاء، وهى الخشبة تكون فى مؤخر الرجل يستند إليها الراكب.

(5)

ص 128 ج 3 - الفتح الربانى. وص 58 ج 2 - مجمع الزوائد (سترة المصلى).

ص: 323

(وقالت) المالكية: يلزم أن تكون السترة طول الذراع وغلظ الرمح لحديث أبى جُحَيفة السابق (1). ورد بأنه لا يدل على ذلك، فإنْ الاستتار بالعنزة وهى الرمح لا ينافى جوازه بأدق منه كالسهم.

(ب) يستحب أن تكون السترة عن يمين المصلى أو يساره، وهذا هو الأولى عند الشافعية، وأن يقرب منها على نحو ثلاثة أذرع من ابتداء قدميه (لحديث) بلال أنّ النبى صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فترك عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة خلفَه، ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى (2){475}

(ولا ينافيه) حديث سهل بن سعد قال: " كان بين مقام النبى صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنْز " أخرجه الشيخان وأبو داود (3){476}

" لأن هذا " محمول على حالة السجود، وحديث بلال محمول على حالة القيام (والحكمة) فى اتخاذ السترة، كف البصر عما وراءها، ومنه من يمرّ أمام المصلى.

(ج) إذا تعذر إقامة السترة وتثبيتها بالأرض لصلابتها، وضعها بين يديه عرضا عند أحمد، وروى عن أبى يوسف أنها توضع طولا كأنها غرزت ثم سقطت. وإن لم يجد ما ينصبه سترة أو يضعه أمامه فليخط بالأرض خطا عند أحمد وأكثر الشافعية وبعض الحنفيين وهو قول الشافعى فى القديم.

(1) تقدم رقم 470 ص 321.

(2)

ص 131 ج 3 - الفتح الربانى. وص 386 ج 1 - فتح البارى (الصلاة بين السوارى فى غير جماعة) وص 122 ج 1 - مجتبى (مقدار ذلك)

(3)

ص 383 ج 1 - فتح البارى (قدركم ينبغى أن يكون بين المصلى والسترة). وص 225 ج 4 - نووى. وص 88 ج 5 - المنهل العذب (الدنو من السترة).

ص: 324

(لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدُكم فليجعلْ تِلْقاءَ وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينِصبْ عصا، فإن لم يكن معه عصا، فليخط خطا، ثم ل يضرّه ما مر أمامهَ " أخرجه أحمد وابن حبان وصححاه، وأبو داود وابن ماجه والبيهقى (1){477}

(واختلفوا) فى كيفية الخط (فقال) أحمد: يكون معترضاً أمام المصلى مقوّساً كالهلال فى انعطاف طرفيه. واختار بعض الحنفيين أن يكون مستقيما من بيد يدى المصلى إلى القبلة (قال) أبو داود: وسمعت أحمد يعنى ابن حنبل سئل عن وصْف الخط، فقال هكذا عرْضا مثلّ الهلال. قال أبو داود: وسمعتُ مسدَّدا قال: قال ابنُ داود الخّط بالطول (2).

(وقالت) الشافعية: يكون عرضا بلا انعطاف (وقالت) المالكية والشافعى فى الجديد وبعض الحنفيين: لابد من وضع الساتر منصوبا. ولا يكفى وضعه على الأرض ولا الخط، لأنّ الغرض من السترة الإعلام بأنه فى صلاة وهذا لا يحصل بما ذكر (وأجابوا) عن الحديث بأنه مضطرب وقد ضعفه ابن عيينة والبغوى والشافعى (وتعقب) بتصحيح الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما له كما تقدم (قال) الحافظ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن (3). ولذا قال ابن الهمام: واختار المصنف الأول (يعنى عدم كفاية الخط فى السترة إذ لا يظهر من بعيد) والسنة أولى بالاتباع

(1) ص 127 ج 3 - الفتح الربانى. وص 79 ج 5 - المنهل العذب (الخط إذا لم يجد عصا). وص 156 ج 1 - ابن ماجه (ما يستر المصلى)(وتلقاء وجهه) يعنى أمامه مائلا عنه يمينا أو يسارا، جمعا بين الروايات.

(2)

ص 81 ج 5 - المنهل العذب و (هكذا) أى قال أحمد هكذا وأشار بيديه عرضا مقوسا كالهلال فى انعطاف طرفيه و (مسدّد) بن مسرهد شيخ أبى داود، وابن داود هو عبد الله الخريبى.

(3)

ص 234 ج 1 - سبل السلام (سترة المصلى) ولو سلم أنه ضعيف فإنه يجوز العمل بالضعيف فى فضائل الأعمال دون الحلال والحرام اتفاقا وهذا من فضائل الأعمال.

ص: 325

مع أنه يظهر فى الجملة إِذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كى لا ينتشر (1) وإذا لم يجد شاخصاً بسط مصلاه.

هذا. ويستحب - عند غير الشافعى - فى السترة الترتيب على مافى الحديث، فتكون بالحائط ونحوه ثم العصا ثم الخط. وقاس بعضهم فرش المصلِّى على الخط، فقال: نهاية فرشه يعتبر سترة، بل هو أولى من الخط، لأنه أظهر فى الإعلام بأنه فى صلاة، لكن محله ما لم يطل الفرش جدا، وإلا فلا يعتبر سترة (وقالت) الشافعية: الترتيب المذكور واجب، غير أنهم قالوا بتقديم فرش المصلى من سجادة وعباءة ونحوهما على الخط بالأرض.

(د) يجوز - عند الحنفيين وأحمد - الاستتار بالحيوان إذا كان مستقرا. وكذا يجوز عند احمد الصلاة إلى آدمى ولو امرأة أجنبية أو نائمة (لحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على بعيره. أخرجه مسلم وأبو داود (2){478}

(ولقول) على رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسبِّح من الليل وعائشة معتِرضة بينه وبين القبلة " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (3){479}

(وقال) الحنفيون: يكره تحريماً الصلاة إلى إنسان وإلى امرأة أجنبية ومجنون ومأبون (وقالت) المالكية: يجوز الاستتار بظهر الرجل وبحيوان

(1) ص 289 ج 1 - فتح القدير (ما يفسد الصلاة).

(2)

ص 218 ج 4 - نووى (سترة المصلى) وص 83 ج 5 - المنهل العذب (الصلاة إلى الراحلة).

(3)

ص 140 ج 3 - الفتح الربانى. وص 62 ج 2 - مجمع الزوائد (لا يقطع الصلاة شئ) و (يسبح) بالتشديد، أى يصلى تطوّعا.

ص: 326

مأكول اللحم إن كان مربوطا، وإلا كره كما يكره الاستتار بغير مأكول اللحم مطلقاً وبوجه الرجل وبالمخنث والمأبون وبالمرأة الأجنبية وكذا بالنائم خشية ما يبدو منه مما يلهى المصلى عن صلاته (لحديث) ابن عباس أنّ البنى صلى الله عليه وسلم قال:" لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدِّث " أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى (1){480}

(وأجاب) عنه الحنبلية بأنه معارض بحديث عائشة الصحيح وهذا ضعيف باتفاق الحفاظ (2)(قال) الخطابى: هذا الحديث لا يصح لضعف سنده.

(وقال) أبو داود: طرقه كلها واهية (وأجاب) الحنفيون ومالك بأنه قد روى من عدة طرق يقوّى بعضها بعضا (روى) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " نُهيتُ أن أصلَى خلف النائم والمتحدِّث " أخرجه البزار. وروى ابن عدى نحوه عن ابن عمر، والطبرانى فى الأوسط نحوه عن أبى هريرة (3){481}

ولذا قال بكراهة الصلاة خلف المتحدث ابن مسعود وسعيد بن جُبير وأحمد ومالك والشافعى. ولضعف الحديث ضعفا قويا (قال) الثورى والأوزاعى: يجوز الاستتار بالنائم وهو الراجح. ومحل الخلاف إذا لم يؤدّ إلى اشتغال المصلى عن صلاته وذهاب خشوعه، وإلا فلا خلاف فى الكراهة.

(وقال) الشافعى لا يجوز الاستتار بامرأة ولا دابة (قال) النووى:

(1) ص 85 ج 5 - المنهل العذب (الصلاة إلى المتحدثين والنيام). وص 158 ج 1 - ابن ماجه (من صلى وبينه وبين القبلة شئ).

(2)

(ضعيف) لأن فى سنده (أ) عبد الملك بن محمد بن أيمن. قال فى التقريب: مجهول (ب) مجهول. ولعله أبو المقدام هشام بن زياد الذى فى سند ابن ماجه وهو ضعيف لا يحتج به.

(3)

انظر حديث أبى هريرة ص 62 ج 2 - مجمع الزوائد.

ص: 327

أما قوله فى المرأة فظاهر، لأنه ربما شغلت ذهنه. وأما الدابة فقد روى ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كلن يُعرِّض راحلته فيصلى إليها. أخرجه الشيخان (1){482}

ولعل الشافعى رحمه الله لم يبلغه هذا الحديث، وهو حديث صحيح لا معارض له. فتعين العمل به ولا سيما وقد أوصانا الشافعى بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه (2)

ومنه تعلم ردّ القول بكراهة الاستتار بالحيوان مطلقا، ويرده أحاديث (منها) قول الفضل بن عباس:" زاد النبى صلى الله عليه وسلم عبّاساً فى بادية لنا ولنا كلَيبةٌ وحِمارةٌ تَرعى فصلى النبى صلى الله عليه وسلم العصرَ وهما بين يديه، فلم تؤخَّرا ولم تُزجرا " أخرجه أحمد والبيهقى وأبو داود بسند جيد (3){483}

(وأما حديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يقطع الصلاةَ المرأةُ والكلبُ والحمار " أخرجه أحمد وابن ماجه، وكذا مسلم وزاد: وبقى ذلك مثلُ مُؤْخِرِة الرجْلِ (4){484}

(فالمراد) بقطع الصلاة فيه قطعها عن الخشوع والتذكر، للشغل بتلك الأشياء والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة (قال) النووى: وهذا أصح

(1) ص 387 ج 1 - فتح البارى (الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر) وص 218 ج 4 - نووى. و (يعرض) بضم أوله وتشديد الراء من التعريض أى يجعلها عرضا إلى جهة القبلة. والراحلة الناقة يوضع عليها الرجل.

(2)

ص 248 ج 3 - شرح المهذب.

(3)

ص 141 ج 3 - الفتح الربانى. وص 278 ج 2 - بيهقى. وص 114 ج 5 - المنهل العذب (الكلب لا يقطع الصلاة)

(4)

ص 79 ج 4 الفتح الربانى (ما يقطع الصلاة) وص 157 ج 1 - ابن ماجه. وص 228 ج 4 - نووى.

ص: 328

الأجوبة وأحسنها، أجاب به الشافعى والخطابى والمحققون من الفقهاء والمحدثين.

(هـ) يحرم - عند مالك وأحمد والجمهور - المرور بلا عذر بين يدى المصلى ولو لم يتخذ سترة فى الفرض والنفل (لحديث) أبى النضر بسنده إلى أبى جُهَيم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم المارّ بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقِفَ أربعين خيراً من أن يمُرّ بين يديه قال أبو النضر لا أدرى قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة؟ " أخرجه الستة وقال الترمذى: حسن صحيح (1){485}

وذكر الأربعين لا مفهوم له بل الغرض المبالغة فى تعظيم الأمر (روى) أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم أحدُكم ماله فى أن يَمشِىَ بيد يدى أخيه مُعترِضاً وهو يناجى ربه لكان أنْ يقفَ فى ذلك المقام مائة عامٍ أحبَّ إليه من أن يخطُوَ " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان (2){486}

(وفى الحديثين) إبهامْ ماَعَلَى المارِّ بين يدى المصلى من الإثم زجرا له وقد ورد فى التنفير من ذلك عدة أحاديث (وقال) الحنفيون: إن اتخذ سترة يكره تحريماً المرور بينه وبينها. وإن لم يتخذ سترة يكره المرور فى موضع سجوده فقط فى الأصح، للأحاديث السابقة (وقالت) الشافعية: من لم يتخذ سترة لا يحرم ولا يكره المرور بين يديه ولكنه خلاف الأولى.

(1) ص 389 ج 1 فتح البارى (إثم المار بين يدى المصلى). وص 224 ج 4 - نووى. وص 94 ج 5 - المنهل العذب. وص 123 ج 1 - مجتبى (التشديد ف المرور بين يدى المصلى وبين سترته). وص 275 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 156 ج 1. ابن ماجه (وأبو النضر) مولى عمر ابن عبيد الله و (أبو جهيم) عبد الله بن الحارث.

(2)

ص 139 ج 3 - 0 الفتح الربانى. وص 156 ج 1 - ابن ماجه (المرور بين يدى المصلى)

ص: 329

هذا. وقد اختلفوا فى تحديد المكان الذى يمنه المرور فيه أمام المصلى (فقال) الحنفيون: إن كا يصلى فى مسجد كبير أو فى الصحراء كره المرور بين يديه من موضع قدمه إلى موضع سجوده. وإن كان فى مسجد صغير " أربعين ذراعا فأقل " كره المرور من موضع قدمه إلى حائط القبلة. والأصح أنه إن كان بحال لو صلى صلاة الخاشعين جاعلا بصره حال قيامه فى موضع سجوده لا يقع بصره على المار لا يكره مروره واختاره فخر الإسلام وصاحب النهاية قال الكمال: والذى يظهر ترجيح ما اختاره فى النهاية وكونه من غير تفصيل بين المسجد وغيره فإن المؤثم المرور بين يديه وكون ذلك البيت برمته اعتبر بقعة واحد فى حق بعض الأحكام لا يستلزم تغيير الأمر الحسى من المرور من بعيد فيجعل البعيد قريبا (1).

(وقالت) المالكية: إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبينها، وإن صلى لغير سترة حرم المرور فى موضع ركوعه وسجوده فقط (وقالت) الشافعية: إن اتخذ سترة يحرم المرور أمامه فى ثلاثة أذرع فأقل (وقالت) الحنبلية: إن اتخذ سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت. وإن لم يتخذها حرم المرور فى ثلاثة أذرع ابتداء من قدمه. وإن احتاج أحد إلى المرور ألقى شيئا أما المصلى ثم مر من ورائه.

(فائدة) للمرور بين يدى المصلى أربع صور: (الأولى) أن يكون للمار مندوحة عن المرور أمامه ولم يتعرّض المصلى فى طريق المارة، فالإثم على المار اتفاقا (الثانية) أن يتعرّض المصلى بصلاته فى مكان المرور وليس للمار مندوحة فيأثم المصلى عند غير الحنبلية، لتعرضه لا بترك السترة،

(1) ص 288 ج 1 - فتح القدير (ما يفسد الصلاة).

ص: 330

فإن اتخاذها ليس واجبا. ولذا قالت الحنبلية لا إثم عليه (الثالثة) أن يتعرّض المصلى وللمار مندوحة، فيأثمان جميعا عند المالكية والحنفية، لتفريط كل منهما (وقالت) الحنبلية: يأثم المار دون المصلى لعدم لزوم اتخاذ السترة (وقالت) الشافعية: لا إثم على المار لعدم اتخاذ السترة، ويكره تعرّض المصلى بصلاته فى موضع يحتاج للمرور فيه.

(الرابعة) ألا يتعرّض المصلى ولا مندوجة للمار، فلا إثم عليهما اتفاقا، كما لا إثم على من دخل المسجد فوجد فرجة فى الصف الأمامى فمرّ أمام الصف الخلفى وسدّ الفرجة لتقصيرهم بتركها.

(و) يندب - عند الجمهور - للمصلى لسترة أن يدفع المار أمامه آدميا أو بهيمة ما استطاع (لحديث) أبى سعيد الخدرى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدُكم إلى شئ يْستُره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فلْيدفعه فإن أبى فلْيقاتِلْه فإنما هو شيطان " أخرجه الشيخان والنسائى وأبو داود (1){487}

فقد دل على أنه لا يجوز دفع المار إلا لمن اتخذ سترة، ومثله من صلى فى مكان يأمن فيه المرور بين يديه. أما من لم يتخذ سترة أو اتخذها وتباعد عنها فلا يجب عليه دفع المار لتقصيره، ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن يكره.

(1) ص 388 ج 1 فتح البارى (يرد المصلى من مر بين يديه) وص 224 ج 4 - نووى. وص 93 ج 5 - المنهل العذب. والمراد بالمقاتلة الدفع بالأشد، ففى رواية البخارى: فإن أبى فليجعل يده فى صدره وليدفعه (فإنما هو شيطان) أى يفعل فعل الشيطان، وإطلاق الشيطان على المخالف شائع فى القرآن والسنة.

ص: 331

وظاهر الأمر وجوب الدفع وبه قال أهل الظاهر وحمله الجمهور على الندب.

والدفع يكون باليد إن كان قريبا منه، وبالإشارة أو التسبيح للبعيد، وليس له الانتقال من موضعه انتقالا يؤدى إلى بطلان الصلاة وفى قوله:" فإن أبى فليقاتله " دليل على انه يطلب الدفع أوّلا بالأسهل ثم ينتقل إلى الأشد فالأشد، وإن أدّى إلى قتله فلا شئ عليه عند الجمهور.

قال القاضى عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزم مقاتله بالسلاح ولا بما يؤدى إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهالك فلا قَوَدَ عليه اتفاقا (1) وكذا لادية له عند الحنفيين والشافعة وأحمد وهو قول لمالك.

هذا. ويطلب دفع المار ولو صبيا وإذا مرّ لا يردّه ثانيا لئلا يصير مروا ثانيا (لقول) أم سلمة رضى الله عنها: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى حجرة أم سلمةَ فمرّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبى سلمة، فقال بيده فرجع، فمرّت زينب بنت أمِّ سلمة فقال بيده هكذا فمضتْ. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هنّ أغلبُ " أخرجه أحمد وابن ماجه بسند فيه مجهول (2){488}

(فائدة) هل الحكمة فى دفع المار أمام المصلى جبرُ خلل يقع فى صلاته أم لدفع الإثم عن المار؟ الأظهر الأول (لقول) ابن مسعود رضى الله عنه إن المرور بين يدى المصلى يقطعُ نصف صلاته. أخرجه ابن أبى شيبة (3)

(1) ص 223 ج 4 - شرح مسلم (سترة المصلى).

(2)

ص 135 ج 3 - الفتح الربانى. وص 136 ج 1 - ابن ماجه (ما يقطع الصلاة)(فقال) أى أشار. وهنّ أغلب: أى أكثر ارتكابا للمخالفة والمعصية.

(3)

ص 389 ج 1 - فتح البارى (قبل إثم المار بين يدى المصلى).

ص: 332

(ولقول) عمر: لو يعلم المصلى ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه لما صلى إلا إلى شئ يستره من الناس. أخرجه أبو نعيم (1). فهذان الأثران يدلان على أن الدفع لجبر خلل يقع فى صلاة المصلى. وهما وإن كانا موقوفين فهما فى حكم المرفوع، لأن مثلهما لا يقال من قبل الرأى (2).

(قال) القاضى عياض: ينبغى أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله. أما إذا لم يمكنه فصلاته تامة، لأنه لم يوجد منه ما ينقصها ولا يؤثر فيها ذنب غيره أهـ.

(ز) ترك السترة: ما تقدم من طلب اتخاذ السترة إنما هو فى غير الحرم المالكى. أما هو فيجوز فيه ترك اتخاذ السترة عند أحمد. وحينئذ يجوز المرور أمام المصلى وإن اتخذ سترة (لقول) المطلب بن أبى وَدَاعة السهمى: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سُبْعه جاء حاشيةَ المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطَّوَّافين أحد " أخرجه النسائى وابن ماجه وقال: هذا بمكة خاصة (3){489}

(ولقول) ابن عباس رضى الله عنهما: أقبلت راكباً على أتانٍ وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلام ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جَدار فنزلت فأرسلت الأتان ترتَع ودخلت فى الصف فلم يُنْكر ذلك أحد (4). ولأن الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى مجرى مكه فى ذلك.

(1) ص 389 ج 1 - فتح البارى (قبل إثم المار بين يدى المصلى).

(2)

ص 389 ج 1 - فتح البارى (قبل إثم المار بين يدى المصلى).

(3)

ص 40 ج 2 - مجبتى (أين يصلى ركعتى الطواف). وص 116 ج 2 - ابن ماجه (باب الركعتين بعد الطواف)(وسبع) بضم فسكون، أى فرغ من أشواطه السبعة.

(4)

تقدم رقم 472. ص 322 (اتخاذ السترة) و (إلى غير جدار) هكذا فى رواية البخارى " ولا ينافية " قول أبى جحيفة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم = بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة (انظر رقم 470 ص 321) " لأنه " صلى الله عليه وسلم اتخذ السترة أحيانا وتركها أحيانا، لبيان أن اتخاذها ليس بواجب.

ص: 333

(وقال) الحنفيون: يجوز المرور أمام المصلى فى المسجد الحرام حول المطاف وداخل الكعبة وخلف مقام إبراهيم (وقالت) المالكية: يجوز للطائف المرور أمام مصل لم يتخذ سترة، ويكره المرور أمامه إذا اتخذ سترة وكان للطائف مندوحة. وأما مرور غير الطائف أمام المصلى فى المسجد الحرام فحكمه حكم مروره أمام المصلى فى غيره على التفصيل السابق.

(وقالت) الشافعية: يباح للطائف المرور أمام المصلى مطلقاً لما تقدّمن.

(والحكمة) فى الترخيص فى ترك السترة بالمسجد الحرام ازدحام الناس فيه وكثرة الطائفين به، فلو منع المرور بين يدى المصلى لكان فيه حرج ومشقة وقد قال الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1).

(11)

ويسنّ للمصلى إذا سلم من صلاته أن يستغفر الله ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام، اللهم أعِنّى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ويقرأ آية الكرسىّ، وقل هو الله أحد، والمعوذتين. ويقول سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. ثم يدعو بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة. والدعاء بالمأثوم أحب. وقد ورد فى ذلك أحاديث (منها) حديث ثوبان مولى النبى صلى الله عليه وسلم قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا

(1) سورة الحج بعض آية: 78 وأولها: وجاهدوا فى الله حق جهاده.

ص: 334

وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام " أخرجه السبعة إلا البخارى وصححه الترمذى (1). {490}

(وحديث) معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فال له: " أوصيك يا معاذ لا تدعن دُبُرَ كل كللاةٍ أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسْنِ عبادتك " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (2){491}

ولظاهر النهى قالت الظاهرية بوجوب هذه الكلمات دبر كل صلاة. والجمهور على أنه نهى إرشاد (وحديث) الحسن بن على رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ آية الكرسىّ فى دبُر الصلاة المكتوبة كان فى ذمة الله إلى الصلاة الأخرى " أخرجه الطبرانى بسند حسن (3). {492}

(1) ص 62 ج 4 - الفتح الربانى. وص 89 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة). وص 177 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا سلم) وص 196 ج 1 - مجتبى (الاستغفار بعد التسليم). وص 244 ج 1 - تحفة الأحوذى (ما يقول إذا سلم) والسلام الأول من أسماء الله، والثانى معناه السلامة أى نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة (وتباركت) أى تعاظمت وكثر خيرك وتزايد برّك (ياذا الجلال والإكرام) أى = يا صاحب الغنى المطاق والفضل التامّ والإحسان لعباده. واستغفاره صلى الله عليه وسلم تواضعا وخضوعا لله وتعليما للأمة .. واستغفار غيره عقب الصلاة إشارة إلى أن اعبد لا يقوم بحق عبادة مولاه لما يعرض له من الوساوس والخواطر، فشرع الاستغفار تداركا لذلك.

(2)

ص 54 ج 4 - الفتح الربانى. وص 185 ج 8 - المنهل العذب (الاستغفار).

(3)

ص 148 ج 2 - مجمع الزوائد (الذكر والدعاء عقيب الصلاة) و (فى ذمة الله) أى فى حفظه وولايته وآية الكرسى هى (الله لا إله إلا هو الحى القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات والأرض، من ذا الذى يشفع عنده =

ص: 335

(وحديث) عقبة بن عامر قال: " أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذات دبر كل صلاة" أخرجه أحمد والثلاثة (1). {493}

= إلا بإذنه؟ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما، وهو العلى العظيم) وهى أعظم آية فى القرآن، لاشتمالها عل أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمال لله تعالى ونفى انقص عنه، وعلى توحيده وتعظيمه وذكر أسمائه وصفاته، فقد ذكر فى سبعة عشر موضعاً منها اسم الله تعالى ظاهرا ومضمرا، ودلت على أنه منفرد بالإلهية حى واجب الوجود لذاته، موجد لغيره، منزه عن التحيز والحلو، مبرأ عن التغير والفتور، مالك الملك والملكوت، ذو البطش الشديد، العالم بجلى الأمور وخفيها كليها وجزئيها، واسع الملك تام القدرة، متعال عن كل مالا يليق به، عظيم لا تصل العقول والأفكار لكنه ذاته وصفاته فقوله (الله) إشارة إلى ذات الله وجلاله و (القيوم) القائم بنفسه ولا يقوم به غيره القائم بتدبير الكون وما فيه (لا تأخذه سنة ولا نوم) السنة النعاس، وفيه تنزيه وتقديس لله تعالى عن صفات الحوادث. و (له ما فى السموات وما فى الأرض) دليل لما قبله وإشارة إلى وحدانية الأفعال. وأن الأفعال كلها منه وإليه. و (من ذا الذى) أى لا أحد (يشفع عنده إلا بإذنه) إشارة إلى انفراده بالملك والحكم .. وأنه لا يملك الشفاعة عنده فى أمر من الأمور إلا من أذن له فيها (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أى من أمر الدنيا والآخرة (ولا يحيطون بشئ من علمه) أى لا يعلمون شيئا من معلوماته (إلا بما شاء) أن يعلمهم به. وهو إشارة إلى صفة العلم وأنه متفرد به حتى إنه لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه بمشيئته وإرادته (وسع كرسيه السموات والأرض) أى أحاط علمه بهما، فالمراد بالكرسى العلم، ومنه الكراسة لتضمنها العلم. والكراسى العلماء، وسمى العلم كرسيا تسمية له بمكانه الذى هو كرسى العالم، وفيه إشارة إلى عظم ملكه وكمال قدرته (ولا يئوده حفظهما) أى لا يثقله تدبير شأن السموات والأرض وما فيهما، وهو إشارة إلى صفة العزة وكمالها وتنزيهه عن الضعف والنقص (وهو العلى العظيم) أى المنزه عن صفات الحوادث المتصف بالكبرياء والعظمة. وفيه إشارة إلى أصلين عظيمين فى الصفات. إذا تأملت هذا لا تجد آية غيرها جمعت كل هذه المعانى

(1)

ص 70 ج 4 - الفتح الربانى. وص 186 ج 8 - المنهل العذب (الاستغفار). وص 196 ج 1 - مجتبى (قراءة المعوذات بعد الصلاة) والمعوّذات. بكسر الواو =

ص: 336

(وحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " مَن سبّح الله دبُر كلِّ صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمِد الله ثلاثا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه وإن كانت مِثلَ زبَد البحر " أخرجه أحمد ومسلم (1){494}

= المشددة معوذة. أى محصنة، والمرادسورتا الفلق والناس والجمع باعتبار أن ما يتعوذ مه كثيرا فيهما. وقد كان انبى صلى الله عليه وسلم يتعوذ فى الشدائد ويأمر أصحابه بذلك لاشتمالهما على جوامع المستعاذ به والمستعاذ منه " أما الأول " فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض ربانى يزيل كل ظلمة فى الاعتقاد أو العمل، لأن الفلق الصبح.

وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق. وذلك مناسب للمستعاذ به وهو الرب تعالى " وأما الثانى " فلأنه فى السورة الأولى ابتدأ فى ذكر المستعاذ منه " بالعام " وهو شر كل مخلوق حى أو جماد فيه شر فى البدن أو المال أو الدنيا أو الدين " ثم بالخاص " وهو الغاسق أى الظلمة الشديدة، اعتناء به لخفاء الضرر فيه إذ قد يلحق الإنسان من حيث لا يعلم. ثم ذكر نفث الساحرات فى عقدهن الموجب لسريان شرهن فى الروح على أبلغ وجه وأخفاه. فهو أدق من الأول. ثم ذكر شر الحاسد فى وقت التهاب نار جسده، لأنه حينئذ يسعى فى إيصال أدق المكايد المذهبة للنفس والدين، فهو أدق وأعظم من الثانى. وفى السورة الثانية خص شر الموسوس فى الصدور من الجنة والناس، لأن شره حينئذ يعادل = تلك الشرور بأسرها، لأنها إذا كانت فى صدر المستعيذ ينشأ عنها كل كفر وبدعة وضلالة، ومن ثم زاد التأكيد والمبالغة فى جانب المستعاذ به إيذانا بعظمة المستعاذ منه، وكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقته، وهو إلههم ومعبودهم الذى يستعيذون به من شياطين الإنس والجن، ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إليه، وختم به لأنه مختص به بخلاف الأولين، فإنهما قد يطلقان على غيره

(1)

ص 57 ج 4 - الفتح الربانى. وص 95 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة) ولفظ (صلاة) يشمل الفرض والنفل ولكن حمله العلماء على الفرض لما فى حديث كعب بن عجرة عند مسلم من التقييد بالمكتوبة (والزبد) بفتحتين الرغوة تعلو الماء عند تلاطم الأمواج.

ص: 337

(وحديث) سُمَىّ عن أبى صالح عن أبى هريرة أن فقراء المهاجرين أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: " ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم. قال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويَعتقون ولا نَعتقُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أُعلِّمُكم شيئا تَدركون به من سبقكم وتَسبِقون بع من بعدكم، ولا يكون أحد أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال تُسبَّحون وتكبِّرون وتحمَدون دبُر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة، فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخوانُنا أهلُ الأموال بما فعلْنا ففعلوا مثلَه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضْلُ الله يؤتيه م يشاء. قال سُمىّ: فحدّثتُ بعضَ أهلى بهذا الحديث فقال: وِهمْتَ إنا قال تُسبِّح ثلاثا وثلاثين، وتحمَد ثلاثا وثلاثين، وتكبر أربعا وثلاثين، فرجعتُ إلى أبى صالح فقلتُ له ذلك، فأخذ بيدى فقال / اللهُ أكبر وسبحان الله والحمد لله. الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهنّ ثلاثا وثلاثين " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم (1){495}

(وروى) سُهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: " يا رسول الله ذهب أهل الدثور بمثل الحديث

(1) ص 221 ج 2 - فتح البارى (الذكر بعد الصلاة) وص 92 ج 5 - نووى. و (الدثور) الأموال الكثيرة (حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين) لذا قال فى الإقناع: والأفضل أن يفرغ من عدد الكل معا. لكن قال النووى: وذكر " يعنى ملمسا " بد هذه الأحاديث من طرق غر طريق أبى صالح وظاهرها أنه يسبح 33 مستقلة ويكبر كذلك ويحمد كذلك. قال القاضى وهو أولى م تأويل أبى صالح (انظر ص 93 ج 5 - شرح مسلم)

ص: 338

السابق. وزاد فى الحديث: يقول سهيل إحدى عشرة إحدى عشرة فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون. أخرجه مسلم (1){496}

(وحديث) محمد بن أبى عائشة عن أبى هريرة أنه حدّثهم أن أباذرّ قال: يا رسول الله ذهب فُضول أموالهم يتصدّقون بها، وليس لنا ما نتصدّق به. فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أدُلّك على كلمات إذا عِلمت بهن أدركت من سبقك، ولا يلْحَقُك إلا من أخذ بمثل عملك؟ قلت بلى يا رسول الله.

قال: تَكبِّر دبَر كلِّ صلاة ثلاثا وثلاثين وتُسبِّح ثلاثا وثلاثين، وتَحْمَد ثلاثا وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " أخرجه أحمد وأبو داود والدارمى وفى رواية:

تسبح الله خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمَد ثلاثا وثلاثين، وتكبر أربعا وثلاثين (2){497}

فينبغى العلم بإحدى الروايتين تارة وبالأخرى تارة جمعا بينهما.

(وقول) زيد بن ثابت: " أُمِرنْا أن نُسبِّح فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونَحمَد ثلاثا وثلاثين، ونكبِّر أربعا وثلاثين. فأُتَىِ رجل فى النام من الأنصار فقيل له: أمرَكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبِّحوا فى دبُر كلِّ صلاة كذا وكذا؟ قال الأنصارى فى منامه: نعم. قال: فاجعلوها خمسا وعشرين خمسا وعشرين واجعلوا فيها التهليل. فلما أصبح غداً على النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعلوا" أخرجه أحمد

(1) ص 93 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة).

(2)

ص 58 ج 4 - الفتح الربانى. وص 168 ج 8 - المنهل العذب (التسبيح بالحصى). وص 213 ج 1 - درامى (التسبيح فى دبر الصلاة)

ص: 339

والنسائى والدارمى وهو حديث صحيح (1){498}

(وحديث) عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خَلّتان مَنْ حافظ عليهما أدخلَتاه الجنة، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل. قالوا وما هما يا رسول الله؟ قال أن تحمَد الله وتكبره وتسبحه فى دبُر كلِّ صلاة مكتوبة عشراً عشرا، وإذا أتيتَ إلى مضجعك تسبِّح الله وتكبره وتحمُده مائةَ مرة، فتلك خمسون ومائتان باللسان، وألفان وخمسمائة فى الميزان، فأيُّكم يعلم فى اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة "(الحديث) وفيه: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهنّ بيده. أخرجه أحمد والنسائى بسند صحيح (2){499}

فعلم من هذه الروايات أن التسبيح عقب الصلوات وارد على أعداد مختلفة، فأى عدد منها عمل به الإنسان فقد وافق الوارد. وأكثرها وأقواها رواية التسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد والتكبير كذلك. فالعمل بها أولى. وأخذ من هذه الروايات أنّ مراعاة العدد المخصوص فى الأذكار عقب الصلوات معتبرة، فلا يتعدّاها الذاكر وإلا حرم ثوابها (قال) الحافظ: قد كان بعض العلماء يقول: إنّ الأعداد الواردة فى الذكر عقب الصلوات إذا رُتِّب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتى بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد. ثم قال: وقد بالغ القرافى فى القواعد

(1) ص 58 ج 4 - الفتح الربانى. وص 198 ج 1 - مجتبى (نوع آخر من عدد التسبيح). وص 312 ج 1 - دارمى (فافعلوا) هو تقدير لرؤيا الأنصارى بوحى.

(2)

ص 59 ج 4 - الفتح الربانى. وص 198 ج 1 - مجتبى (عدد التسبيح بعد التسليم) و (يعقدهن) أى يعدهن بيده الشريفة وهو يذكر الحيدث.

ص: 340

فقال: من البدع المكروهة الزيادة فى المندوبات المحدودة شرعا، لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أحبوا أن يوقف عنده، ويعد الخارج عنه مسيئا للآداب أهـ.

وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، ول اقتصر على الأوقية فى الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع أهـ (1). ويمثل أيضا بأسنان المفتاح إذا زيد فيها أو نقص منها لا تفتح، فكذلك العدد المذكور إذا زيد فيه أو نقص لا يحصل الثواب الموعود به، فعليك بالاتباع، واترك الاختراع والنزاع.

(فائدة) يجوز عدّ هذه الأذكار ونحوها بالأصابع أو النوى أو السبحة أو غيرها (لقول) ابن عمرو: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقِد التسبيح بيمينه " أخرجه الثلاثة والحاكم وصححه، والترمذى وحسنه (2){500}

(ولحديث) سعد بن أبى وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوًى أو حصًى تسبح به فقال: أخْبرِك بما هو أيْسرُ عليك من هذا أو أفضل. فقال: سبحان الله عدد ما خلق فى السماء وسبحان الله عدد ما خلَق فى الأرض وسبحان الله عدد ما خلق فى السماء وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك " أخرجه الثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه الذهبى، وقال الترمذى حسن غريب (3){501}

(1) ص 224 ج 2 - فتح البارى (الذكر بعد الصلاة).

(2)

ص 166 ج 8 - المنهل العذب (التسبيح بالحصى). وص 199 ج 1 - مجتبى (عقد التسبيح). وص 255 ج 4 - تحفة الأحوذى.

(3)

ص 163 ج 8 - المنهل العذب (التسبيح بالحصى). وص 277 ج 4 - تحفة الأحوذى (دعاء النبى صلى الله عليه وسلم .. ). وص 548 ج 1 = مستدرك.

ص: 341

وفى هذا دلالة على أنّ الذكر يتضاعف ويتعدّد بتعدّد ما أحال الذاكر على عدده وإن لم يتكرر الذكر فى نفسه، فيحصل مثلا لمن قال مرة واحدة: سبحان الله عدد كل شئ من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر التسبيح ليالى وأياما بدون الإحالة على عدد. وهذا مما يشكل على القائلين إن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضيل الثابت بصريح الأدلة (وقد) أجابوا عن هذا الحديث ونحوه كقوله صلى الله عليه وسلم: " من فطِّر صائما كان له مثل اجره ". و " من عزِّى مصابا كان له مثل أجره " بأجوبة " متعسفة متكلفة (1) (وفيه) دلالة على جواز عدّ الذكر بالنوى والحصى. وكذا بالسبحة إذ لا فارق، لتقريره صلى الله عليه وسلم إياه وعدم إنكاره. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: " نعم المذكّرُ السُبحة " أخرجه الدليمى فى مسند الفردوس عن علىّ (2){502}

(وعن) أ [ى سعيد الخدرى أنه كان يسبح بالحصى (وعن) أبى هريرة أنه كان معه كيس فيه حصى أو نوى فيسبح به حتى ينفدّ. أخرجهما ابن أبى شيبة (3). وقد ذكر السيوطى آثاراً أخرى فى رسالة " المنحة فى السبحة " ثم قال: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عدّ الذكر بالسُّبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها (4).

ومحل جواز اتخاذ السبحة للذكر ما لم يترتب عليه رياء أو سمعة وإلا منع، كا يمنع وضعها فى العنق كما يفعله بعض الجهلة، ووضعها فى اليد وإدارتها

(1) ص 359 ج 2 - نيل الأوطار (عقد التسبيح باليد

).

(2)

ص 141 ج 2 - الحاوى للفتاوى (المنحة فى السبحة).

(3)

ص 141 منه.

(4)

ص 143 منه.

ص: 342

من غير ذكر (وقد) سئل العلامة الشيخ على العدَوى عن اتخاذ السبح (فأجاب) بأن اتخاذ سبحة من السبح المعتادة التى لا يحصل بها شهرة، وبعد اتخاذها على هذا الوجه لا يضعها فى رقبته أو نحوها مما يفيد أن حاملها من المتصوفة، فيؤول أمره إلى الرياء المحرم بالإجماع. ويحذر أيضاً مما يفعله بعض الناس من كونه يتكلم مع الناس فى اللهو واللعب، ويدير السبحة من أولها إلى آخرها ويوهم أنه يسبح فى تلك الحالة. والحاصل أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة والعجب والرياء لأن ذلك كله محبط للعمل أهـ.

(خاتمة) وهناك أدعية أخرى رواه عقب الصلاة:

(1)

ما فى حديث أبى بكرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول دبُر كل صلاة: " اللهم عافنى فى بدنى اللهم عافنى فى سمعى اللهم عافنى فى بصرى اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت " أخرجه أبو داود والحاكم وصححه السيوطى (1){503}

(2)

وما فى حديث عبد الله بن الزبير قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم فى دبُر الصلاة أو الصلوات يقول: لا إله إلا الله وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبدُ إلا إياه، أهلَ النعمِة والفضِل والثناءِ الحسن، لا إله إلا الله

(1) انظر رقم 1510 ص 135 ج 2 - فيض القدير (والفقر) أى الذى لا خير معه ولا ورع، وقرنه بالكفر لأنه قد يجر إليه ففى الحديث " كاد الفقر ان يكون كفراً " أخرجه أو نعيم فى الحلية عن أنس وهو ضعيف (انظر رقم 6199 ص 542 ج 4 - فيض القدير).

ص: 343

مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (1){505}

(4)

وما فى حديث أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم اللهم أذهب عنى الهم والحزن " أخرجه ابن السنى، وكذا الطبرانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال: باسم الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عنى الهم والحزن. وفيه زيد العمىّ وثقه غير واحد وضعفه الجمهور (2){506}

(5)

وما فى حديث الحارث بن مسلم التميمى قل: " قال لى النبى صلى الله عليه وسلم: إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتلكم اللهم أجِرْنى من النار سبع

(1) ص 94 ج 1 بدائع المنن (الخروج من الصلاة بالسلام وما يقال ويفعل عقبه) وص 66 ج 4 - الفتح الربانى. وص 91 ج 5 - نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة) وص 171 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا سلم). وص 196 ج 1 - مجتبى (التهليل بعد التسليم) و (أهل النعمة) بالنصب على الاختصاص أو المدح أو البدل من مفعول نعبد أو الرفع بتقدير هو. ولفظ الشافعى ومسلم: له النعمة وله الفضل.

(2)

ص 110 ج - 10 - مجمع الزوائد (الدعاء فى الصلاة وبعدها)

ص: 344

مرات فإنك إن مُتّ من يومك ذلك الكتب الله لك جِواراً من النار. وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم: اللهم إنى أسألك الجنة اللهم أجِرنْى من النار سبعْ مرات فإنك إن مُتّ من ليلتك تلك كَتب الله لك جِواراً من النار " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند جيد (1){507}

(6)

وما فى حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم الأشعرى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قال قبل أن ينصرف ويَثنَى رجله من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير، يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير عشر مرات كُتب له بكل واحدة عشر حسنات، ومُحِيتْ عنه عشر سيئات، ورفُعِ له عشر درجات، وكانت له حِرزاً من كل مكروه، وحِرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يحِلّ لذنْب أن يدركه إلا الشرك، فكان من أفضل الناس عملا إلا رجلا يفُضلُه يقول أفضل مما قال " أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط والترمذى بسند صحيح خلا شهر بن حوشب فإنه مختلف فيه. ضعفه بعضهم ووثقه البعض وحديثه حسن (2){508}

(7)

وما فى حديث أم سلمة أن فاطمة جاءت إلى نبى الله صلى الله عليه وسلم

(1) ص 56 ج 4 - الفتح الربانى. وص 321 ج 4 - سنن أبى داود (ما يقول إذا أصبح - أبواب النوم).

(2)

ص 67 ج 4 - الفتح الربانى. وص 107 ج 1 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب). وص 252 ج 4 - تحفة الأحوذى (فضل التسبيح والتبكير .. )(وحرزاً من شيطان) يعنى أنه إذا قالها بإخلاص ومراقبة لله تعالى كانت سبباً فى حفظه من وساوس الشيطان. و (يدركه) أى يهلكه ويبطل عمله. والمعنى أنّ الله تعالى يغفر لمن قال هذا الذكر فى يومه وليلته ما اكتسبه من ذنب ولا ينبغى لأى ذنب أن يدركه وحبط به سوى الشرك. قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

ص: 345

تشتكى إليه الخِدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجِلَتْ يدِى من الرحى أطَحن مرة وأعجِن مرة. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يرزقكِ الله شيئاً يأتِك، وسأدلك على خيرٍ من ذلك: إذا لزِمْتِ مضجعك فسبّحى الله ثلاثاً وثلاثين وكبِّرى ثلاثاً وثلاثين واحَمدىِ أربعاً وثلاثين، فذلك مائة، فهو خير لك من الخادم. وإذا صلّيت صلاةَ الصبح فقولى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يُحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب فإن كل واحدة منهن تُكتَب عشر حسنات، وتَحُط عشر سيئات، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل، ولا يحل لذنب كُسِبَ ذلك اليوم أن يدركه إلا أن يكون الشرك. لاإله إلا الله وحده لا شريك له وهو حَرَسُكِ - ما بين أن تقوليه غُدْوَة إلى أن تقوليه عَشِيَّةً - من كل شيطان ومن كل سوء " أخرجه أحمد والطبرانى بسند حسن (1){509}

(8)

وما فى حديث أبى أُمامة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال دبُر كل صلاة الغداة: لا إله الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحيى ويميت بيده الخير، وهو على كل شئ قديرٌ مائة مرة قبل أن يَثنى رجليه، كان يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملا إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال " أخرجه الطبرانى فى الكبير والوسط ورجال الأوسط ثقات (2){510}

(1) ص 68 ج 4 - الفتح الربانى. وص 108 ج 10 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب) و (مجلت) بفتح الجيم وكسرها أى ثخن جلدها وظهر فيها بثر من آثار العمل الشاق.

(2)

ص 108 ج 10 - مجمع الزوائد (ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب).

ص: 346

(9)

وما فى حديث علىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم من الصلاة قال: اللهم اغفر لى ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررت وما أعلنت وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به منى، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت " أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وصححه الترمذى (1){511}

(10)

وما فى حديث شداد بن أسو قال: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا كلماتٍ ندعو بهنّ فى صلاتنا أو قال فى دبُر صلاتنا اللهم إن أسألك الثبات فى الأمر وأسألك عزيمة الرُّشد وأسألك شكر نعمتِك وحسنَ عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأستغفرك لما لا أعلم وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى (2){512}

فينبغى للعاقل أن يحرص ويحافظ على هذه الأذكار ليكون بها فى حرم منيع وحصن حصين لا يستحله الشيطان ولا يهتك حرمته ولا يبقى للذنب معها أثر (وليحذر) مما يفعله بعض الجهلة من قراءة الفاتحة بعد الصلاة بنية كذا لعدم وروده (قال) الصنعانى: وأما قراءة الفاتحة بينه كذا وبنية كذا كما يفعل الآن، فلم يرد بها دليل بل هى بدعة (وأما) الصلاة على النبى صلى الله علهي وسلم بعد تمام التسبيح وأخويه ن الثناء، فالدعاء بعد الذكر سنة، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أمام الدعاء كذلك سنة أهـ (3).

(1) ص 56 ج 4 - الفتح الربانى. وص 174 ج 8 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا سلم).

(2)

ص 56 ج 4 - الفتح الربانى (الأدعية الواردة عقب الصلاة) و (العزيمة) الجد فى الطلب. و (الرشد) بفتحتين أو بضم فكسور، الاهتداء والثبات على القح. وهذا من جوامع الدعاء لأن من ثبته الله فى أمره عصم من الوقوع فى الموبقات ووفق للطاعات. و (سليما) أى خالياً من كدر المعصية كالغل والحقد.

(3)

ص 323 ج 1 - سب السلام (صفة الصلاة).

ص: 347

(فوائد) الأولى: هذه الأذكار والأدعية بعد الصلاة مستحبة لكل مصل اتفاقا. ويسنّ استقبال القبلة حالها، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" إن لكل شئ سيدا، وسيد المجالس قبالة القبلة " أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند حسن (1){513}

وقد استقبل صلى الله عليه وسلم القبلة حال الدعاء فى غير موطن كدعاء الاستسقاء ويوم بدر. ووجهه أنّ الدعاء عبادة والقبلة هى الجهة التى يتوجه إليها العابدون والعابدات. ومنه تعلم ما فى قول الصنعاتى: ودعاء الإمام مستقبل القبلة مستدبراً للمأمومين فلم تأت به سنة، بل الذى ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل المأمومين إذا سلم (قال) سمرة بن جندب:" كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه " أخرجه البخارى (2){514}

وظاهرة المداومة على ذلك أهـ (3). ولا دليل فى هذا الحديث على ما ادعاه، لأن غاية ما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان بعد السلام يقبل على المأمومين، وهو لا يقتضى أنه كان يستمر مستدبراً القبلة حال الذكر والدعاء.

(الثانية) يطلب الإسرار بالذكر بعد الصلاة إلا الإمام يريد تعليم القوم فيجهر لحاجة التعليم فقط. وعليه يحمل (قول) ابن عباس: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وقال: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته " أخرجه السبعة (4){515}

(1) ص 512 ج 2 فيض القدير (شرح رقم 2421) وقبالة الشئ بالضم تجاهه.

(2)

ص 227 ج 2 - فتح البارى (يستقبل الإمام الناس إذا سلم).

(3)

ص 323 ج 1 - سبل السلام (صفة الصلاة).

(4)

ص 71 ج 4 - الفتح الربانى. وص 220 ج 2 - فتح البارى (الذكر بعد الصلاة) وص 84 ج 5 نووى. وص 121 ج 6 - المنهل العذب (التكبير بعد الصلاة).

ص: 348

(وحديث) ابن الزبير رضى الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله. ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " أخرجه الشافعى (1).

وقال فى الأم بعد هذين الحديثين: وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يحب أن يُتعَلم منه فيجهر حتى يرَى أنه قد تُعِلِّم منه ثم يُسِرّ، فإن الله عز وجل يقول:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا (2)} يعنى الدعاء (ولا تجهر) ترفع (ولا تخافت) حتى لا تُسمع نفسك. وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبى صلى الله عليه وسلم (وما روى) ابن عباس من تكبيره كما روينا، وأحسبه إنما جهر قليلا ليتعلم النسا مه، وذلك لأن عامة الروايات التى كتبناها مع هذا وغيرها، ليس يُذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير. وقد ذكرتْ أم سلمة مكثه ولم تذكر جهرا. وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر قال: وأسحتب للمصلى منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة (3).

(وقال) النووى: واحتج البيهقى وغيره لتفسيره الآية بحديث عائشة رضى الله عنها قالت فى قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}

(1) تقدم رقم 504 ص 343.

(2)

سورة الإسراء عجز آية: 110 وصدرها: قل ادعوا الله.

(3)

ص 110 ج 1 - الأم (كلام الإمام وجلوسه بعد السلام).

ص: 349

نزلت فى الدعاء. أخرجه الشيخان (1). وهكذا قال أصحابنا إن الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكونإماما يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا، فإذا تعلموا أسرها. واحتج البيهقى وغيره على الإسرار بحيث أبى موسى الأشعرى قال:" كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وكنا إذا أشْرَفنا على واد هللَّنا وكبّرنا وارتفعت أصواتُنا. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اربَعوا على أنفسِكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إنه معكم سميع قريب " أخرجه الشيخان (2){516}

ومنه تعلم " أن ما عليه " غالب الناس اليوم من رفعهم الصوت بالاستغفار وبعض الأذكار على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة " أمر محدث " مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، والخير فى الاتباع (قال) ابن الحاج: فى المدخل وينبغى للإمام أن ينهى الذاكرين جماعة فى المسجد قبل الصلاة أو بعدها أو غيرهما من الأوقات، لأنه مما يشوش به وفى الحديث " لا ضرر ولا ضرار "(3){517}

فأى شئ كان فيه تشويش منه أهـ بتصرف.

(الثالثة) يسنّ للداعى رفع يديه حال الدعاء، ومسح وجهه بهما بعده خارج الصلاة (4) (لحديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " سَلوا الله ببطون أكُقِّكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا

(1) ص 140 ج 1 - تيسير الوصول (قبل سورة الكهف).

(2)

ص 332 ج 7 - فتح البارى (غزوة خيبر). وص 487 ج 3 - شرح المهذب. واربعوا بفتح الباء، أى ارفقوا.

(3)

أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس بسند حسن (انظر رقم ص 32 فتاوى أئمة المسلمين).

(4)

أما الدعاء فى الصلاة فلم يثبت فيه مسح الوجه بعده.

ص: 350

بها وجوهكم " أخرجه أبو داود. وقال: روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد ابن كعب كلها واهية. وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا (1){518}

(قال) الحافظ فى بلوغ المرام: وله شواهد منها عند أبى داود من حديث ابن عباس وغيره. ومجموعهما يقضى بأنه حديث حسن (2)(ولحديث) يزيد ابن سعيد أنّ النبى صلى اله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه " أخرجه أبو داود، وفى سنده عبد الله بن لهيعة متكلم فيه، وحفص ابن هشام مجهول، فالحديث ضعيف (3). {519}

وهو يدل بمفهومه على أنه إن لم يرفع يديه فى الدعاء لم يمسح وجهه وهو مسلِّم فقد كان النبى صلى الهل عليه وسلم يرفع يديه فى الدعاء تارة وتارة لا يرفع.

(وهذه) الأحاديث وإن كانت ضعيفة غلا أنها لكثرتها يقوّى بعضها بعضا (وأما) حديث أنس أنّ النبى صل الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه فى شئ من الدعاء إلا فى الاستسقاء فإنه كان يرفه يديه حتى يُرى بياضُ إبْطيه أخرجه الشيخان وأبو داود (4){520}

(فيجمع) بينه وبين هذه الأحاديث بأن الرماد به أنه كان لا يرفع يديه رفعاً مبالغاً فيه إلا فى الاستسقاء.

(1) ص 150 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء) وأمثلها: أى أحسنها. ووجه ضعفه أن فى سنده عبد الله بن يعقوب عمن حدّثه وهو أبو المقدام هشام بن زياد. ضعفه غير واحد من الحفاظ وقال فيه ابن حبان: يروى الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به.

(2)

ص 343 ج 4 - سبل السلام (الذكر والدعاء).

(3)

ص 156 ج 8 - المنهل العذب (الدعاء).

(4)

ص 352 ج 2 - فتح البارى (رفع الإمام يده فى الاستسقاء). وص 190 ج 6 - نووى. وص 11 ج 7 - المنهل العذب (رفع اليدين فى الاسقاء).

ص: 351

والحاصل " أن رفع اليدين " فى الدعاء أى دعاء كان، وفى أى وقت كان بعد الصلوات الخمس أو غيرها "أدب" من أحسن الآداب، دلت عيه الأحاديث عموما وخصوصا ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع فى الدعاء بعد الصلاة، لأنه كان معلوما لجميعهم فلم يعنوا بذكره فى هذا الحين. وإنكار الحفاظ ابن القيم رفع اليدين فى الدعاء بعد الصلوات وهم منه (قال) القسطلانى: الصحيح استحباب الرفع فى سائر الأدعية. رواه الشيخان وغيرهما (وحديث) أسن فى الصحيحين لا يرفع إلا فى الاستسقاء " مؤول " على أنه لا يرفعهما رفعاً بليغا. وورد رفع يديه عليه الصلاة والسلام فى مواضع كرفع يديه حتى رؤى غُفْره إبطيه حين استعمل ابن اللُّتْبية (1) على الصدقة كما فى الصحيحين. ورفعهما أيضاً فى قصة خالد بن الوليد قائلا: اللهم إنى أبرا إليك مما صنع خالد. رواه البخارى والنسائى. ورفعهما عى الصفا. رواه مسلم وأبو داود. ورفعهما ثلاثاً بالبقيع مستغفراً لأهله. رواه البخار فى رفع اليدين ومسلم. وحين تلا قوله تعالى: {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ} قائلا: اللهم أمتى أمتى. وراه مسلم. ولما بعث جيشاً فيهم على قائلا: اللهم لا تُمِتنْى حتى تَرِينى عليا. رواه الترمذى. ولما جمع أهل بيته وألقى عليهم الكساء قائلا: اللهم هؤلاء أهل بيتى. رواه الحاكم وقد جمع النووى فى شرح المهذب نحواً من ثلاثين حديثا فى ذلك من الصحيحين وغيرهما (2)

ثم قال: والحاصل استحباب الرفع فى كل دعاء إلا ما جاء مقيداً بما يقتضى عدمه

(1) العفرة كغرفة بياض غير خالص. وابن اللتبية: بلام مضمومة وتاء ساكنة وباء مكسورة وياء مشددة نسبة إلى لتب حى من أزد، واسمه عبد الله.

(2)

ص 240 ج 2 - إرشاد السارى. شرح صحيح البخارى (رفع الناس أيديهم مع الإمام فى الاستسقاء) ..

ص: 352

كدعاء الركوع والسجود ونحوهما (1).

(الرابعة) يستحب استفتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وختمه بهما وعليه الإجماع (لقول) فَضالة بِن عُبيد:" بينا رسول الله صلى الله لعيه وسلم قاعد غذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لى وارحمنى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَجِلتَ أيها المصلِّى، إذا صليت فقعدْتَ فاحمدَ الله بما هو أهله وصلّ علىّ ثم ادْعُه. ثم صلّى رجل آخر فحمِد الله وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أيها المصلى ادع تُجَب " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنة الترمذى. هذا لفظه (2){521}

(ولقول) علىّ رضى الله عنه: كل دعاء محجوب حتى يُصلَّى عل محمد وآل محمد. أخرجه البطرانى فى الأوسط والبيهقى فى الشعب بسند رجاله ثقات، ورفعه بعضهم، والموقوف أصح. قاله المنذرى (3).

هذا. ويستحب الجمع بين الصلاة والسلام. ولقارئ الحديث وغيره إذا ذكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته بالصلاة والسلام عليه بلا مبالغة فاحشة. وتقدم أنها تصح بأى صيغة، وأن الأفضل كونها بصيغة من الصيغ الواردة لأنها أكثر ثواباً وهى كثيرة تقدم بعضها (4).

(ومنها) ما فى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من سرّة أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلَّى عليما أهلَ البيت فليقل: اللهم صلى

(1) ص 241 ج 2 - إرشاد السارى (رفع الإمام يده فى الاستسقاء).

(2)

ص 22 ج 4 - الفتح الربانى. وص 146 ج 8 - النهل العذب (الدعاء). وص 253 ج 4 - تحفة الأحوذى (جامع الدعوات .. ).

(3)

ص 160 ج 10 مجمع الزوائد (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الدعاء وغيره).

(4)

انظر ص 170 (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).

ص: 353

على محمد النبىّ وأزواجِه أمّهاتِ المؤمنين وذرّيِته وأهلِ بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " أخرجه أبو داود والبيهقى (1). {522}

(1) ص 95 ج 6 - المنهل العذب (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى الجملة فقد ورد فى صيغها أخبار وآثار كثيرة منها الصحيح والسن والضعيف، فليأخذ السالك ما صح وما حسن منها وهو ما تقدم، ويترك الضعيف وما الأصل له ولا دليل عليه ومنه صلاة الفاتح وهى: اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق، والهادى إلى صراطك المستقيم. وقد بالغ بعض المتصوفة فى هذه الصيغة مبالغة لا تحتمل لا يشهد لها نقل ولا يقبلها عقل. قال العلامة الصاوى فى شرح صلوات الدردير: ثم شرع فى صيغة تسمى صلاة الفاتح تنسب لسيدى محمد البكرى وذكر أن من صلى بها مرة واحدة فى عمرة لا يدخل النار. قال بعض سادات المغرب: إنها نزلت عليه فى صحيفة من الله وأن قراءتها مرة تعدل ثواب ست ختمات قرآنية وأن النبى صلى الله عليه وسلم أخبرنى بذلك أهـ. وهذا القول إن صح يجب تأويله. وقال بعضهم المرّة منها تعدل عشرة آلاف، وقيل ستمائة ألف. من داوم عليها أربعين يوما تاب الله عليه من جميع الذنوب. ومن تلاها ألف مرة فى ليلة الخميس أو الجمعة أو الاثنين اجتمع بالنبى صلى الله عليه وسلم، وفى الثانية الزلزلة كذلك، وفى الثالثة الكافرون كذلك، وفى الرابعة المعوذتين كذلك أهـ (انظر ص 39 الأسرار الربانية على الصلوات الدرديرية) سبحانك هذا بهتان عظيم وضلال مبين يحمل من لا عقل له على عدم تلاوة شئ من القرآن وارتكاب ما يراه من الزور والبهتان، مكتفياً بتلاوة هذه الصيغة المبتدعة .. والله سبحانه وتعالى إنما بعيد بما شرع ويتقرب إليه بما ورد لا بالمحدثات والبدع. قا لالشيخ محمد حسنين مخلوف فى المنهج القويم: ولعله أشار بقوله قال بعض سادات المغرب وقال بعضهم الخ - إلى الشيخ التجانى وأتباعه. وعلى كل حال سواء أكانت منسوبة إلى سيدى محمد البكرى أو يغره فهى ليست من كلام الله القديم أو كلام من أنزلت عليه صحيفتها النورية. ولم ينقل عن أحد أنها ليست من تأليف القطب البكرى سوى الضيخ التجانى فيما رواه عنه = تلميذه الشيخ على حرازم وتبعه سائر التجانية زاعمين أن الشيخ محمد عبد الواحد التجانى قال: أخبرنى صلى الله عليه وسلم أن صلاة الفاتح لم = تكن من تأليف القطب البكرى ولكنه توجه إلى الله = مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب الله دعوته فنزلت عليه هذه الصلاة مكتوبة فى صحيفة من النور أهـ. وهذا الخبر على تقدير صحته لا يفيد أن الصيغة الفتحية من كلام الله القديم. انظر تزييف هذا الزعم بالمنهج القويم فى بيان أن الصلاة الفتحية ليست من كلام الله القديم.

ص: 354

(12)

ويسنّ للإمام إذا سلم من الصلاة أن يبقى فى مكانه مستقبلا القبلة حتى يستغفر الله ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام الخ. ثم ينحرف عن يمينه أو عن يساره أو يستقبل المأمومين بوجهه (لقول) عائشة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لم يقعدْ إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح (1){523}

(ولحديث) قَبيصة بن هُلْب عن أبيه قال: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا فينصرف عل جانبيه جميعا على يمينه وعلى شماله " أخرجه أ [وداود وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أى جانبيه شاء. وقد صح الأمران عن النبى صلى الله عليه وسلم (2){524}

(ولقول) سُمرة بن جُنْدُب: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أقبل علينا بوجهه " أخرجه البخارى (3){525}

فقد دلت هذه الأحاديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أحيانا

(1) ص 46 ج 4 - الفتح الربانى. ولفظه: ما كان النبى صلى الله عليه وسلم الخ. وص 90 ج 5 - نووى. وص 154 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال بعد التسليم). وص 244 ج 1 - تحفة الأحوذى (استحباب الذكر بعد الصلاة).

(2)

ص 174 ج 6 - المنهل العذب (كيف الانصراف من الصلاة) وص 154 ج 1 - ابن ماجه. وص 247 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(3)

ص 227 ج 2 - فتح البارى (يستقبل الإمام الناس إذا سلم).

ص: 355

ينصرف بعد السلام من الصلاة عن يمينه، وأحيانا ينصرف عن شماله. وأحيانا يقبل على الناس بوجهه (واختلف) العلماء فى الأفضل من هذه الكيفيات (فقالت) المالكية والشافعية والحنبلية: الأفضل الانصراف عن اليمين بأن يجعل يساره إلى القبلة ويمينه إلى الناس إلا إذا كانت له حاجة جهة اليسار فينصرف إليها (لقول) أنس: " أما أنا فأكثُر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يميِنه " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (1){526}

(ولقول) علىّ رضى الله عنه: إن كانت حاجتُه عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجتُه عن يساره أخذ عن يساره. أخرجه الترمذى (2).

(وقال) الحنفيون: يستحب الانصراف إلى جهة اليسار بأن يجعل يمينه إلى القبلة ويساره إلى الناس (لقول) ابن مسعود: " لا يجعل أحدُكم للشيطان شيئا من صلاته، يرَى أن حقا عليه ألاّ ينصرف إلا عن يمينه. لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره " أخرجه السبعة إلا الترمذى، وهذا لفظ البخارى (3){527}

وهو لا يعارض حديث أنس السابق. وفى رواية مسلم: أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله، وهى تعارض حديث أنس، لأن كلا منهما بصيغه أكثر (قال) الحافظ: ويجمع بينهما بأنه صلى الله

(1) ص 47 ج 4 - الفتح الربانى. وص 220 ج 5 - نووى (الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال).

(2)

ص 247 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(3)

ص 46 ج 4 - الفتح الربانى. وص 219 ج 5 - نووى (الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال). وص 175 ج 6 - المنهل العذب (كيف الانصراف من الصلاة) وص 154 ج 1 - ابن ماجه. وص 229 ج 2 - فتح البارى (الانصراف عن اليمين والشمال) و (يرى) بفتح الياء، أى يعتقد أن الانصراف للمين فقط حق عليه.

ص: 356

عليه وسلم كان يفعل هذا تارة وهذا تارة. فأخبر كل بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف إلى اليمين. ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة فى المسجد. لأن حجرة النبى صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر. ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأني رجح رأى ابن مسعود لأنه أعلم وأسنّ وأجل وأكثر ملازمة للنبى صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه فى الصلاة من أنس، ولأن فى إسناد حديث أنس من تُكِلِّم فيه وهو السُّدى، ولأن حديث ابن مسعود متفق عليه ويوافق ظاهر الحال، لأن حجرة النبى صلى الله عليه وسلم كانت على يساره بخلاف حديث أنس فى الأمرين. ثم ظهر لى أنه يمكن الجمع بوجه آخر وهو أن من قال أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته فى حال الصلاة. ومن قال أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته فى حال استقباله القوم بعد سلامة من الصلاة. فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء: يستحب الانصراف إلى جهة حاجته، وإذا استوى الجهتان فاليمين أفضل لعموم الأحاديث فى فضل التيامن (1).

والحكمة فى طلب انحراف الإمام عن القبلة بعد انقضاء الصلة واستقباله المأمورين كلا أو بعضاً أن يُعلِّمهم ما يحتاجون إليه. وقيل ليعرف الداخل انقضاء الصلاة إذا لو استمر الإمام على هيئته لتوهم أنه فى التشهد مثلا.

(وقال) ابن المنير: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة.

(1) ص 229 ج 2 - فتح البارى.

ص: 357

فإذا انقضت الصلاة زال السبب واستقبلهم حينئذ لرفع الخيلاء ولارتفع عن المأمومين أهـ.

(13)

ويستحب الإمام - عند الأئمة والجمهور - تعجيل الانتقال من مصلاه بعد سلامه، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه سلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام الخ (1).

وهو يرد ما قاله بعض المالكية من كراهية قيام الإمام من مكان صلاته بعد السلام (وقالت) أم سلمة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساءُ حين يقضِى تسليمَه ويمكث فى مكانه يسيراً قبل أن يقوم (قال) ابن شهاب: فنُرى والله أعلم أن ذلك كان لكى ينصرف النساءُ قبل أن يدركَهُن الرجال " أخرجه الشافعى وأحمد والبخارى (2){528}

ومقتضى هذا التعليل أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يطلب هذا المكث، وأن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع. ولا يعارض هذا ما تقدم من الأحاديث الدالة على استحباب الذكر بعد الصلاة، لأنهلا يلزم من طلب الذكر بعد الصلاة تأديته فى المكان الذى صلى فيه، لأن الامتثال يحصل بفعله بعدها سواء أكان ماشياً أم قاعداً فى محل آخر " نعم " ما ورد مقيداً بنحو قوله صلى الله عليه وسلم: من قال قبل أن ينصرف ويثنى رجله من صلاة المغرب والصبح (3)" ظاهره " المعارضة لحديث عائشة المذكور، ويمكن دفعها بحمل مشروعية الإسراع بانتقال على الغالب، أو على ماعدا ما ورد مقيداً

(1) تقدم رقم 523 ص 355.

(2)

ص 92 ج 1 - بدائع المنن. وص 50 ج 4 - الفتح الربانى. وص 238 ج 2 - فتح البارى (صلاة النساء خلف الرجال).

(3)

تقدم رقم 508 ص 345.

ص: 358

بذلك من الصلوات، أو على أن اللبْثَ مقدار الإتيان بالذكر المقيد لا نافى الإسراع فإنه أمر نسبى. واللبث بمقدار ما ينصرف النساء ربما اتسع لأكثر من ذلك.

(14)

ويستحب لكل مصل الفصل بين الفرض والنافلة بنحو كلام أو ذكر أو انتقال (روى) عبد الله بن رباح ع رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلى فرآه عمر فقال له: اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فَضل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن ابن الخطاب " أخرجه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح (1){529}

وهذا متفق عليه غير أنهم اختلفوا فى قدر الفاصل (فقال) الحنفيون: يستحب ألا يفصل بين الفرض والنافلة إلا بقدر ما فى حديث عائشة: اللهم أنت السلام الخ. أو بقدر ما فى حديث المغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ (2).

وقال جمهور السلف والخلف: يستحب الفصل بين الفرض والنافلة بالأذكار الواردة عقب الصلوات كالاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل.

(15)

ويستحب لكل مصل أراد التنفل بعد الفرض الانتقال إلى موضع آخر يتطوّع فيه (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أيعجِز أحدُكم أن يقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله فى الصلاة؟

(1) ص 234 ج 2 - مجمع الزوائد (الفصل بين الفرض والتطوع).

(2)

تقدم رقم 505 ص 344.

ص: 359

يعنى فى السُّبحة " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى. وفى سنده إبراهيم بن إسماعيل، قال أبو حاتم مجهول (1){530}

(وقال) علىّ رضى الله عنه: من السنة ألا يتطوّعَ الإمام حتى يتحوّل من مكانه. أخرجه ابن أبى شيبة.

ولهذا قالت الأئمة: يكره التنفل فى مكان الفرض. وكذا يطلب الانتقال لكل صلاة يفتتحها من النوافل. فإن لم ينتقل ينبغى أن يفصل بالكلام (لقول) السائب بن يزيد: " صليتُ مع معاويةَ بن أبى سفيان الجمعةَ فلما سلّم قمت فى مقامى فصليت فقال: لا تعُدْ لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تِصلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أمر ألاّ توصَلّ صلاة بصلاة حتى يتكلم المصلى أو يخرج " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقى (2){531}

والحكمة فى استحباب الانتقال خشية التباس النافلة بالفريضة وتكثير مواضع العبادة والشهود، فإن مكان المصلى يشهد له يوم القيامة (قال) أبو هريرة:" قرأ صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: أتدرون ما أخبارُها؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهدَ على كل عبد وأمة بما عمِل على ظهرها تقول: عمِل يوم كذا وكذا، كذا وكذا " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وصححه (3){532}

(1) ص 51 ج 4 - الفتح الربانى. وص 1524 ج 6 - المنهل العذب (الرجل يتطوع فى مكانه الذى صلى فيه المكتوبة). وص 225 ج 1 - ابن ماجه (صلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة) و (يعجز) من باب ضرب وفى لغة من باب تعب. و (السبحة) التطوع.

(2)

ص 51 ج 4 - الفتح الربانى. وص 170 ج 6 - نووى (الصلاة بعد الجمعة) وص 300 ج 6 - المنهل العذب.

(3)

ص 217 ج 4 - تحفة الأحوذى (سورة إذا زلزلت).

ص: 360