المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - تاريخها عند غير العرب - السبحة تاريخها وحكمها

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأولفي بيان المشروع وهو عد الذكر بالأنامل

- ‌المبحث الثانيفي بيان غير المشروع وهو عد الذكر بغير الأنامل، مثل العَدُّ بالسُّبْحَة

- ‌المرحلة الأولىالتسبيح بالحصى أو النَّوى

- ‌المرتبة الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المرتبة الثانية: في زمن الصحابة رضي الله عنهم

- ‌النوع الأول: الآثار في الإِنكار:

- ‌النوع الثاني: آثار في الإِقرار:

- ‌المرتبة الثالثة: العَدُّ بالحصى أو النوى عند التابعين إلى الآخر:

- ‌المرحلة الثانيةعَدُّ الذكر بالسُّبْحَة

- ‌ 1 - تعريفها

- ‌2 - أسماؤها:

- ‌3 - مادتها

- ‌4 - تاريخها عند غير العرب

- ‌5 - وظيفتها عندهم

- ‌6 - تاريخ السُّبْحة عند العرب

- ‌7 - تاريخ السُّبْحة في العصور الإِسلامية:

- ‌أ- في عصر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ب- السُّبْحة لدى الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ج- السبحة لدى التابعين - رحمهم الله تعالى

- ‌د- السُّبحة بعد عصر التابعين:

- ‌8 - عَدَدُ حباتها:

- ‌9 - وظيفتها عند من اتخذها من المسلمين:

- ‌10 - أسماؤها عندهم:

- ‌11 - طَرَفٌ مما رتب عليها من الكرامات والأحوال والهيآت

- ‌ مبحث تعليقها بالعنق:

- ‌ السُّبَح في أعناق الملائكة:

- ‌المرحلة الثالثة:عَدَّ الذكر بآلة حديدية مصنعة

- ‌خلاصة التحقيق

الفصل: ‌4 - تاريخها عند غير العرب

كما في مصر، والهند، والصين، وأوروبا، وهذه المواد التي أمكن الوقوف على صناعة السَّبَح منها هي:

الطين. الحصى. النوى. المعدن. العاج. الزجاج. الذهب. الفضة. الخزف. العنبر. وأنواع الطيب الأخرى. الأحجار الثمينة. الألماس. أو تطلى بالذهب، أو بالفضة، أو تتخذ من عظام بعض الحيوانات، مثل:((عظم سِنِّ الفيل)) ومن أنواع الخشب، كالأرز في لبنان، ومن نوى بعض الفواكه، مثل: المشمش والخوخ. ثم هي مختلفة الألوان، فيكون خرزها: أسود، أو أحمر، أو أبيض، وهكذا.

‌4 - تاريخها عند غير العرب

(1):

تفيد المصادر المعرفية، أن ((السُّبْحة)) دخيلة على كل

(1) دائرة المعارف الإِسلامية: 11/ 233 - 234. الموسوعة العربية الميسرة: 1/ 958. فتاوى رشيد رضا: 3/ 435 - 436. الموسوعة العربية العالمية: 23/ 157. مقال (بأقلام القراء) لمصطفى الشهابي في مجلة الوعي الإِسلامي. العدد / 140 لعام 1396. ص / 104 - 106.

ص: 41

دين من عند الله تعالى، وأنها في الأديان المختلقة معروفة منذ عُصور ما قبل التاريخ، وقيل: منذ عام 800م، وأنها من وسائل التعبد، لدى البوذيين، ثم لدى البراهمة في الهند وغيرها، ومنهم تسربت إلى النصارى، لدى القسيسين، والرهبان، والراهبات، ومن الهند انتقلت إلى غرب آسيا.

وجاء في ((الموسوعة العربية العالمية)) ما نصه:

((وتتكون المسبحة التي يستعملها الكاثوليك من خمسين حبة صغيرة، مقسمة على أربع حبات كبيرة، إلى أقسام متساوية، ويتدلى من المسبحة قلادة مكونة من حبتين كبيرتين، وثلاث حبات صغيرة، وصليب، ويرتل المصلون صلوات الرب على الحبات الكبيرة، كما يستعملون الحبات الصغيرة في صلوات مريم العذراء، ويُسمون هذه الصلوات بالسلام المريمي. وفي آخر كل مقطع من السلام المريمي يتم ترتيل مقطع صغير في الثناء على الرب، وترتيل قانون الإِيمان النصراني على الصليب، وأثناء ترتيب المصلين للصلوات يُوقع أن تنكشف لهم أسرار الإِيمان.

ص: 42

نشأت المسبحة من زمن بعيد، وربما كان البوذيون أول من يستعملها في محاولة لم لربط الصلوات اللفظية بالصلوات الفعلية. ويستعمل البوذيون والهندوس المسبحة في صلواتهم، وبدأت أول أشكال الصلاة بالمسبحة في النصرانية في العصور الوسطى، ولكنها انتشرت فقط في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين)) انتهى. وفي كتاب:((مساهمة الهند)) ص / 94 - 105، عَرْض مُطَوَّلٌ مُوَثَّق عن تاريخها، فقال تحت عنوان:((السُّبْحَة)): ((لما كان التدين من طبع الإِنسان، احتاج إلى معرفة طريق صحيح لعبادة ذلك الخالق وذِكْرِه، فقدمت إليه الأديان المختلفة لذلك طرقاً شتى، وساهمت الهند في قضاء بغيته تلك بتقديم طريق خاص لإِحصاء الذكر - إحصاء بواسطة عقد الحبات - السباحة، فإحصاء الذكر بالسبحة من اختراع الهند، اخترعه الدين البرهمي فيها، ومنا تسرب إلى بلاد وأديان أخرى.

والسبحة تسمى بالسنسكريتية ((جَبَ مَالَا)) معناه: عقد الذكر.

ص: 43

وتختلف الفرق في الدين البرهمي في عدد حباته وترتيبها، ففرقة شِيْوائية تعين في 84 حبة ولا تزيد عليها طبقاً لحساب علم النجوم لديها، فإن العدد 84 لديها حاصل ضرب 12 وهو عدد الأبراج، في 7 وهو عدد النجوم الظاهرة لعين مجردة، مع شمول الشمس والقمر فيه، أما الفرقة الوِشْنَويّة فتعين عدده 108، وهو حاصل ضرب عدد الأبراج 12 في عدد النجوم 9، وهو عدد زائد عما قررته الفرقة شِيْوائية، لأَنه روعيت فيه أحوال القمر الثلاثة: الاستهلال والاستواء، والاستسرار.

أما ترتيب الحبات في المسبحة، فالفرقة الشيوائية، تميز فيها بين كل مجموعة من تسع حبات.

عندما ظهر الدين البوذي بالهند اختار رهبانه سبحة الفرقة الوِشْنَويّة أي ذات مائة وثمان حبات. وافترق الدين البوذي في فرقتين عظيمتين: مَهايانا، وهِنايانا، فانتشرت عقيدة مهايانا في معظم آسيا الشمالية -نيبال، وتيبت، والصين، واليابان، ومنغوليا، وكوريا، وقطنت دعاتها في

ص: 44

أرمينية، وقفقاسيا، والإسكندرية، والأنطاكية، وتدمر. وأما الفرقة هِنايانا فانتشرت عقيدتها في الغالب في جنوب آسيا، جنوب الهند، وسيلان، وبنغال، وبورما، وسيام، وانتشر استعمال السبحة بين رهبان هاتين العقيدتين في تلك البلاد المختلفة، فلما ظهرت النصرانية أخذ رهبانها استعمالها منهم. لم يعرف المسلمون استعمالها عند ظهور الإِسلام، فكانوا يحسبون ويعدون أذكارهم وأمورهم إمّا بواسطة الأنامل، أو الحصى، أو نواة البلح، أو الأشجار، أو الخيوط المعقودة. أما بواسطة الأنامل ففي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام:((إِنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. فقد أشار فيه بالأيدي متعمداً على عدد أصابعها. وفي حديث آخر عن حُميصة بنت ياسر عن جدتها يُسَيْرَةَ، وكانت من المهاجرات، قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكن بالتسبيح، والتهليل، والتقديس، واعقدن بالأنامل، فإِنهن

ص: 45

مسؤولات ومستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة)).

وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح.

أما بواسطة الحصى فروى الدارمي عن عمر - عمرو - بن يحيى قال: سمعت أبي يحدِّث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال أَخرَج إليكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أرَ والحمد لله إلا خيراً. قال: فما هو؟ فقال: إن عِشت فستراه رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلسوا ينتظرون الصلاة، ففي كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى. فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة. فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة. ويقول سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك - أو انتظار أمرك - قال: أفلا

ص: 46

أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟ ثم مضى، ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، قال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. . . الخ.

وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة وسعد بن أبي وقاص، وأبو صفية، وأبو سعيد، يسبحون بالحصى.

أما بواسطة نواة البلح، ففي الحديث عن كنانة مولى صفية، قال: سمعت صفية تقول: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين يديّ أربعة آلاف نواة أسبّح بها، فقلت: لقد سبّحتُ بهذه، فقال: ألا أعلمكِ بأكثر مما سبّحتِ، فقلت: علمني، فقال: قولي، سبحان الله عدد خلقه.

وكان من الأصحاب: أبو هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الدرداء، يسبحون بالنوى.

أما بواسطة الأشجار فذكر المبرد في كتابه الكامل: أن علي بن عبد الله بن عباس كان شريفاُ، بليغاً، وكان له خمسمائة أصل زيتون، يصلي كل يوم إلى كل أصل ركعتين،

ص: 47

فكان يدعى ((ذا الثفنات)). وهو يدل على أنه كان يعد تركعه بالأشجار.

أما بواسطة الخيوط المعقودة فكان لأَبي هريرة خيط فيه أَلْفا عُقْدَة، فلا ينام حتى يسبّح، وكان لفاطمة بنت الحسين ابن علي خيط معقود تسبح به.

جميع هذه النصوص التي سردناها لك تدل على أن المسلمين إلى القرن الأول الهجري، بل إلى أوائل القرن الثاني الهجري -فإن علي بن عبد الله ابن العباس توفي سنة 110هجرية- لم يكونوا عرفوا استعمال السبحة، ويؤيد رأينا هذا ما نقله العلامة الزبيدي في التاج من قول شيخه، قال: وقال شيخنا: إنها (أي السبحة) ليست من اللغة في شيء، ولا تعرفها العرب، إنما حدثت في الصدر الأول إعانةً على الذكر وتذكيراً وتنشيطاً. على أنه يظهر أن النصف الثاني من القرن الثاني الهجري كان استعمالها قد تسرب بين المسلمين، فإن الشاعر أبا نواس ذكرها وهو في السجن، في قصيدة خاطب بها الوزير ابن الربيع في عهد

ص: 48

الخليفة الأمين (193 - 198) قال:

أنت يا ابن الربيع ألزمتني النسك

وعودتنيه والخير عادة

فارعوى باطلي واقصر حبلي

وتبدلت عفة وزهادة

المسابيح في ذراعي والمصحف

في لِبَّتي مكان القلادة

وهو أقدم ذكر للسبحة، فيما نعرف، بالشعر العربي. ويلوح أن عند تسرب استعمالها بين المسلمين باشره في الغالب العامّة منهم من مدّعي الصلاح، فلم يحز استعمالها تقدير العلماء الصادقين، واستحسان الصوفياء [؟] المخلصين. ولذلك عندما رؤي في القرن الثالث الهجري في يد سيد الصوفية أبي القاسم الجُنَيْد بن محمد سبحة، اعترض عليه وقيل له: أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة؟ فقال: طريق به وصلت إلى ربي لا أفارقه.

أما تخريج الدليمي في مسند الفردوس برقم / 7029 (وهو موضوع كما في السلسلة الضعيفة 1/ 110 - 117) بسند طويل عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم المذكر المسبحة)) فقد انتقده علماء الحديث، قال المحدث محمد

ص: 49

الأمير: لا تظهر صحته، وقال الملا علي القاري: سنده ضعيف.

وأما ما رواه أصحاب المسلسلات عن عمر المكي عن الحسن البصري حيت قيل له: يا أستاذ، مع عظم شأنك وعبادتك إلى الآن أنت مع السبحة. فقال لي:((هذا شيء قد استعملناه في البدايات ما كنا لنتركه في النهايات، أنا أحب أن أذكر الله بقلبي ولساني ويدي)) قد رواه القاضي عياض في مشيخته، والقاضي أبو بكر في مسلسلاته، وكذلك الكتاني، والسلفي، والروداني، وأبو الحسن الأنماطي، وغيرهم. فأشار الحافظ السخاوي إلى غالب طرقه وقال: مدار روايته على أبي الحسن الصوفي، وقد رُمي بالوضع، ورواية عمر المكي عن الحسن البصري معضلة.

بقي استعمال السبحة بين المسلمين هكذا محبوباً عند البعض وممقوتاً عند الآخرين، يجتاز طوراً إلى طور، ففي القرن الخامس الهجري مثلاً نجد أنه كان استعمالها أصبح من اختصاص النساء الصوفيات، إلى أن عم استعمالها

ص: 50