الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجبل أو نفس الجبل؛ لما في ذلك من الأَسرار التي يعلمها من مارس المجاهدة على يد الفحول الكبار).
•
مبحث تعليقها بالعنق:
((كما أنهم نصوا)) على أن الفقير ينبغي له إذا فرغ من استعمال السبحة المتوسطة المناسبة في الذكر، أن يجعلها في عنقه تعظيماً لها واحتراماً وتوقيراً - وفي منن القطب الشعراني رحمه الله: ولقد وقعت رجلي مرة على السبحة فكدت أهلك من ذلك إكراماً لها. اهـ.
ولأَن ذلك - أعني جعلها في العنق - أحفظ لها وأصون من الضياع والامتهان والتمزيق، مع ما في ذلك من هضم سطوة النفس، وقمعها عن الالتفات إلى التخلق بالأخلاق الظلمانية، حسبما يتحققه من كابد مجاهدتها على أيدي أهل الحضرة الربانية، الجامعين بين الشريعة والحقيقة، بين الفناء والبقاء، بين الصحو والسكر، بين الحضور والغيبة، بين المجاهدة والمشاهدة، وأَجْرِ القياس.
في العنق من أصعب ما يكون وأشده على النفس، وخصوصاً إن كانت غليظة من عود منظم في خيط صوف أو كتان، ومن ذاق عرف، ومن لا فلا حرج عليه إذا سلم واعترف، والأشياء كامنة في التجريب، ومن لم يجرب فليس بمصيب.
ووالله ثم والله يا إخواني لقد كنت أقاسي المرارة الصعبة عند جعلها في عنقي في بدايتي، من حيث الالتفات إلى النفس والجنس وأود أن لو وضعت وزن قنطار مثلاً من حجر على رأسي، ولا أجعل سبحة تزن نصف رطل مثلاً في عنقي، وكنت مهما وضعتها في عنقي بأمر مشايخي الكرام خمدت أوصاف بشريتي، وهدأت نفسي عن التشوف إلى التخلق بأخلاق الأقران، الحاجبة عن حضرة الملك الدَّيَّان، واعتراني خشوع وخضوع قهري في ظاهري وباطني، إلى غير ذلك مما نحن مطالبون به من حيث القوانين الشرعية، من الأوصاف النورانية، المؤذنة بكمال العبودية لرب البرية، وهذا هو السر والسبب في ثقل ذلك على النفس؛ لكمال بعده عن وطن الحرية والأَنانية، وشدة قربه من حضرة
التواضع والتنزل والتحقق بوصف الفقر والفاقة والانطراح بين يدي الله، وغير ذلك من أوصاف العبودية، التي لا يتخلف عنها ويتقهقر ويتأخر عن الأسباب الموصلة إليها إلا
ودليل هذا من حيث الذوق والحال: أن جعل السبحة
هالك بصحبة الهالكين، وتالف بصحبة التالفين، وغافل بصحبة الغافلين، وراض عن نفسه بصحبة الراضين عن أنفسهم وأجر القياس.
والله يعصمك من الناس. اللهم اعصمنا من شر الفتن وعافنا من جميع المحن، وأصلح منا ما ظهر وما بطن، بمنِّك. آمين.
ولا يُقال: إن جعالها في العنق يورث الفقر حسبما ذكره بعضهم؛ لأَنا نقول: لا أصل يشهد لذلك، والتجربة والواقع يشهدان بخلاف ما هنالك، فإن عدداً من كبراء أهل النسبة - قواهم الله - ديدنهم أبداً جعلها في عنقهم بعد الفراغ من الاستعمال، وقد بسط الحق تعالى عليهم من الأرزاق الحسية والمعنوية ما لا يحد بحد ولا يخطر ببال، ولم يزدهم ذلك إلا تواضعاً وتنزلاً لله ورسوله ولسائر العباد في الحال والمآل.
نعم قد يكون جعلها في العنق يورث الفقر في حق من جعلها رياء وسمعة، وشبكة لنيل الدنيا وأخذ أموال الناس بالباطل، وذلك مسلم بنص الكتاب والسنة بلا شك ولا مرية، غير أن المعتقد في أهل النسبة أن الله تعالى طهرهم من هذه القاذورات بفضله، ومجالسة أهل حضرة قدسه، ونظرة مشايخهم التي هي الإِكسير المعنوي، الذي يقلب أعيان كل من إليهم بتوفيق الله يأوي، بحيث لا تجد لابسها المنتسب إليهم إلا متحققاً بأحوالهم السنية حالاً ومقالاً، أو متشبهاً بأخلاقهم النورانية المحمدية، طامعاً في التحقق بها حالاً أو مآلاً (وغير خفي) أن من تشبه بقوم فهو منهم، وأن التشبه بأهل الخير والصلاح، يورث المعية والسكون منهم بإجماع الملاح.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
…
إن التشبه بالكرام رباح
ثم قال: (ويقاس جعل السبحة في العنق عند الفراغ من استعمالها على جعل السيف فيه كذلك، فإنه إذا أباح الشارع صلوات الله وسلامه عليه تعليق آلة الجهاد الأصغر كالسيف في العنق، وأباح تعليق الكتف بوزن حمل - أي الشكارة