الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د- السُّبحة بعد عصر التابعين:
من هذا العصر إلى الآخر، انفرط عَقْد الصدق عند من غلبت عليه الشقاوة، وَجَنَّدَ الوَضَّاعُوْن من الطرقية وغيرهم أَنْفُسَهم لاختلاق المرويات لِعَقْدِ نِظَام السُّبَح، في عصر التابعين، ومن بعدهم، واتسعت أغراض اتخاذها، ديانة، وتعاويذ، وشعاراً لأَهل الذكر، واتخذها الصف المقابل، للعب، والتلهي، وتنافسوا في نظمها ومادتها، ومن تتبع كتب السير، والتراجم، والكرامات، رأى من ذلك عجباً، ومنها:
1 -
ذكر بعض الإِخباريين، منهم أبو الفرج الأصفهاني المتوفى سنة 356 في:((الأغاني 8/ 344)): أن والي المدينة عثمان بن حيان المري المتوفى سنة 150 المولَّى عليها من قِبَل الوليد الأُموي، أراد إخراج المغنية سلامة القُسِّ المتوفاة نحو 130 من المدينة؛ لما شهرت به من حذق الغناء، والأوتار، فشفع لها ابن عتيق عنده، فوكَّله على شأنها، وقال له: لا يدعك الناس، ولكن اسمع منها، فإن رأيت أن مثلها
يترك في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجده تركتها، قال: نعم، فجاءه بها، وقال لها: اجعلي معك سُّبْحَة، وتخشَّعي، ففعلت)) انتهى.
2 -
وفي عصر الأمين العباسي المتوفى سنة 198 جاء للسبحة ذكر في قصيدة لأَبي نواس وهو في السجن، يخاطب فيها الوزير ابن الربيع، بقوله (1):
أنت يا ابن الربيع ألزمتني النسك
…
وعودتنيه والخير عادة
فارعوى باطلي واقصر حبلي
…
وتبدلت عفة وزهادة
المسابيح في ذراعي والمصحف
…
في لِبَّتي مكان القلادة
3 -
سبحة زبيدة بنت جعفر: ذكر أبو حيان التوحيدي في: ((البصائر والذخائر: 1/ 145)) أنه كان عند زبيدة بنت جعفر المتوفاة سنة 216 - رحمها الله تعالى - ((سُّبْحَة اشترتها بخمسين ألف دينار)).
(1) مطالع البدور للغزولي: 2/ 66. الرسالة القشيرية. ص / 19.
وفي كتاب ((الجماهر في معرفة الجواهر)) للبيروني: ص / 156 قال: ((وكان لأم جعفر زبيدة سُبْحَةٌ لم يذكر في الكتب كيفيتها، ولكن قيل: إنه جرى بين الرشيد وبينها في ذكر نزاهة: عَمَّار بن حمرة بن ميمون، وعلو همته، فقالت: إن الأقدام الثابتة تزل عن مواطئها عند روائح المال، فادع به وهب له سبحتي هذه - وكان شراؤها بخمسين ألف دينار، فإن ردها عرفنا نزاهته،. . . فذكر القصة في رده لها. . .)) انتهى.
4 -
وذكر بعض الإِخباريين - أيضاً -: أن عبد الله بن أبي السَّمِط، أنشد أبياتاً بين يدي المأمون العباسي المتوفى سنة 218 يمتدحه فيها، فلما انتهى عند قوله:
أضحى إمام الهُدى المأمون مشتغلاً
…
بالدِّين والناس بالدنيا مشاغيل
قال المأمون: ((ما زدت على أن جعلتني عجوزاً في محراب، وفي يدها سُبْحَة، أَعجزت أن تقول كما قال جرير في عمر بن عبد العزيز:
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه
…
ولا عَرَضُ الدنيا عن الدين شاغله)) انتهى (1)
5 -
سُبْحَة الجُنيد المتوفى سنة 297 - رحمه الله تعالى - والإِنكار عليه (2): ذكر القاضي أبو العباس أحمد بن خلكان في: ((وفيات الأعيان)): ((أنه رؤي في يد أبي القاسم الجنيد بن محمد المتوفى سنة 297 رحمه الله يوماً سُبْحَة فقيل له: أنت مع شرفك تأخذ بيدك سُبْحَة، قال: طريق وصلتُ به إلى ربي لا أفارقه)). انتهى.
6 -
أثمن مسبحة عُرفَتْ في الإِسلام (3): هي مسبحة ((زيدان)) قهرمانة، أم المقتدر العباسي، ويقال: بل هي:
(1) انظر: حكم الانتماء: ص / 5 - 6.
(2)
الرسالة القشيرية: ص / 19. المنحة: الحاوي: 2/ 144. مدارج السالكين: 3/ 120. الفكر السامي: 2/ 54.
(3)
انظر: مجلة الوعي الإسلامي. عدد / 140 لعام 1396 مقال مصطفى الشهابي.
سُّبْحَة المقتدر العباس جعفر بن أحمد، المتوفى سنة 320 - رحمه الله تعالى -: قال الأستاذ / عبود الشالنجي، محقق:((نشوار المحاضرة للتنوخي: 5/ 29)): ((وكان للمقتدر العباسي، سبحة قومت بمائة ألف دينار، فقد ذكر الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر، أن والدته عمرة، جارية المقتدر، أخبرته، بأن المقتدر استدعى بجواهر، فاختار منها مائة حبة، ونظمها سُبْحَة يُسبح بها، وأن هذه السبحة عرضت على الجوهريين، فقوموا كل حبة منها بألف دينار، وأكثر (نشوار المحاضرة لسبط ابن الجوزي. مخطوط)) انتهى.
7 -
وفي كتاب: ((الجماهر في معرفة الجواهر)) للبيروني. ص / 156 - 158 ذكر اتخاذ الأكاسرة للسُّبْحَة، ثم قال:((ولما أشارت قبيحة [؟!] على ابنها المعتز بقتل أخيه المؤيد بعثت قبيحة إلى أمه في شهر رمضان بِسُّبْحَةِ دُرٍّ، قيمتها أربعة آلاف دينار، وقالت لها: سبحي بها يا أختي، فسحقتها في الهاون، وَلَفَّتْها في كاغَدٍ، ورَدَّتهَا إلى حاملتها، وقالت: أقرئي عني أختي السلام، وقولي لها: السُّبَح لا تذهب بحرارات الدماء)) انتهى.
8 -
سُبْحَة خباز البصرة: نصر بن أحمد الخُبْزَأُرْزي، المتوفى سنة 327، قال التنوخي المتوفى سنة 374 - رحمه الله تعالى - في كتابه:((نشوار المحاضرة: 5/ 95)) وَنَقَلَهَا عنه الخلديان في: ((التحف والهدايا ص / 23)): ((أَهدى إِلَيَّ نصر ابن أحمد الخُبْزَأُرْزي: سُبْحَةَ سَبَج، وكتب معها:
بعثتُ يا بدر بني يعرب
…
بسبحةٍ من سَبَج مُعْجِب
يقول من أبصرها طرفه
…
نِعْمَ عتاد الخائف المذنب
لَمْ تُخْطِ إن فكرت في نظمها
…
ولونها من حُمَّة العقرب)) اهـ
والسَّبج: الخرز الأسود.
9 -
وذكر البشاري في ((رحلته ص / 181)) اتخاذ مصانع للسبح في القرن الرابع في بيت المقدس؛ لكثرة من كان يزور مكة - حرسها الله تعالى -.
10 -
وفي القرن الخامس الهجري، اشتهر اختصاص النسوة المتصوفات بالسُّبَح، كما في:((طبقات الشافعية للسبكي: 3/ 91)).
11 -
سُبْحَة الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852 - رحمه الله تعالى -: في: ((الجواهر والدرر للسخاوي: 1/ 111)) ساق أخباراً تدل على عدم تضييع شيخه الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - لوقته، ثم قال:((وكان - رحمه الله تعالى - إذا جلس مع الجماعة بعد العشاء وغيرها للمذاكرة، تكون السُّبْحَة تحت كُمِّه بحيْث لا يرها أحد، ويستمر يديرها وهو يسبح أو يذكر غالب جلوسه، وربما سقطت من كمِّه فيتأثر لذلك، رغبة في إخفائه)) انتهى.
12 -
أشهر مسبحة في تاريخ المتصوفة: هي سبحة ابن زروق يأتي خبرها بعد قليل.
13 -
وقال العماد المناوي في سُبْحَة (1):
ومنظومة الشمل يخلو بها
…
اللبيب فتجمع من همته
إذا ذُكر الله جَلَّ اسمه
…
عليها تفرق من هيبته
14 -
ولابن عبد الظاهر (2):
وسُبْحَة أناملي
…
قد شغفت بحبلها
مثل مناقير غدت
…
ملتقطات حبها
15 -
وقال شوقي (3):
ما تلك أهدابي تُنْظَم
…
بينها الدمع السكوب
بل تلك سُبْحَة لؤْلؤٌ
…
تحصى بها عليك الذنوب
هكذا صارت أطوار السُّبْحَة في العصور الإِسلامية (4):
(1) المنحة: الحاوي: 2/ 144.
(2)
تحفة أهل الفتوحات والأذواق. ص / 4.
(3)
السبحة والمسبحون للجندي. مجلة الوعي الإسلامي. العدد / 37. ص / 67 لعام 1388.
(4)
منتخبات التواريخ للحصني الدمشقي. 2/ 785. فتاوى رشيد رضا: 3/ 435. دائرة المعارف الإسلامية: 11/ 233. الموسوعة العربية الميسرة: 1/ 958.
أي من بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم وعصر التابعين، وبخاصة في العصر الأموي، والعصر العباسي.
بدأت السُّبحة وأخذت في أطوار في مادتها، وفي أغراضها، وفي أعداد حَبَّاتها وفي محل اتخاذها، وأن السبحة عَبَرت إلى بلاد العرب، عن طريقين: الروافض والمتصوفة.
قال الشهابي (1): ((يرجع انتشار السبحة في بعض البلاد الإِسلامية إلى استخدام الصوفية لها؛ إذ يعتبرونها أصلاً من الأصول المرعية في طرائقهم، وعوائدهم؛ لاستخدامها في حلقات الذكر، ويحفظونها في صندوق خاص بها، ولها قوم يقومون على استخدامها في الأوراد والأذكار، ويعرفون بـ ((شيوخ السَّبْحَة)) وبعض طوائف الصوفية ترى ضرورة وضع المسبحة في العنق؛ لأَن هذا عندهم أحفظ وَأَثْوَبُ، وهذا التقليد واجب عند بعض طوائف الصوفية، وبعض الطوائف تنكر هذا التقليد)). انتهى.
(1) من مقالة: بأقلام القراء في: مجلة الوعي الإسلامي العدد / 140 لعام 1396 ص / 105، 106.