المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المرتبة الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم - السبحة تاريخها وحكمها

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأولفي بيان المشروع وهو عد الذكر بالأنامل

- ‌المبحث الثانيفي بيان غير المشروع وهو عد الذكر بغير الأنامل، مثل العَدُّ بالسُّبْحَة

- ‌المرحلة الأولىالتسبيح بالحصى أو النَّوى

- ‌المرتبة الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المرتبة الثانية: في زمن الصحابة رضي الله عنهم

- ‌النوع الأول: الآثار في الإِنكار:

- ‌النوع الثاني: آثار في الإِقرار:

- ‌المرتبة الثالثة: العَدُّ بالحصى أو النوى عند التابعين إلى الآخر:

- ‌المرحلة الثانيةعَدُّ الذكر بالسُّبْحَة

- ‌ 1 - تعريفها

- ‌2 - أسماؤها:

- ‌3 - مادتها

- ‌4 - تاريخها عند غير العرب

- ‌5 - وظيفتها عندهم

- ‌6 - تاريخ السُّبْحة عند العرب

- ‌7 - تاريخ السُّبْحة في العصور الإِسلامية:

- ‌أ- في عصر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ب- السُّبْحة لدى الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ج- السبحة لدى التابعين - رحمهم الله تعالى

- ‌د- السُّبحة بعد عصر التابعين:

- ‌8 - عَدَدُ حباتها:

- ‌9 - وظيفتها عند من اتخذها من المسلمين:

- ‌10 - أسماؤها عندهم:

- ‌11 - طَرَفٌ مما رتب عليها من الكرامات والأحوال والهيآت

- ‌ مبحث تعليقها بالعنق:

- ‌ السُّبَح في أعناق الملائكة:

- ‌المرحلة الثالثة:عَدَّ الذكر بآلة حديدية مصنعة

- ‌خلاصة التحقيق

الفصل: ‌المرتبة الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

‌المرحلة الأولى

التسبيح بالحصى أو النَّوى

وهي على ثلاث مراتب:

‌المرتبة الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

-:

معلوم أن المساجد من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى زمننا هذا في بقية من القرى في جزيرة العرب، كانت أرضها مفروشة بالحصباء، وكان الناس يستعملون الحصباء التي في المسجد، لحصب الصبية عن العبث بالمسجد، وفي العصور اللاحقة من بني أمية فما بعد، كان المصلون يحصبون به الولاة، والخطباء، إذا سمعوا منهم مالا يرضيهم (1).

وقد عَلِمْتَ أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو عقد التسبيح بأنامل اليد، قولاً، وفعلاً، وتقريراً.

(1) تاريخ الطبري: 5/ 234، 235، 6/ 203، 204 بواسطة حاشية الشالنجي على:((نشوار المحاضرة: 5/ 29)).

ص: 15

فهل حصل تحول إلى عَدِّ الذكر بالحصى، أو النَّوى، في زمنه صلى الله عليه وسلم فيكون من اختلاف التنوع في وسيلة عد الذكر، فيكون العد بالأنامل، أو بالحصى ونحوه، أم أن الآلة واحدة وهي: الأنامل ولا وسيلة سواها؟!

أقول: لا يصح في مشروعية عَدِّ الذكر بالحصى أو النوى حديث، وغاية المروي في ذلك مرفوعاً: ثلاثة أحاديث، واحد منها موضوع وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما لا تثبت دلالتهما على المشروعية، وفي ثبوت سند كل منهما نظر.

وإلى بيانها سنداً ومتناً:

الحديث الأول: حديث صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم: عن صفية رضي الله عنها قالت: ((دخل عَليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أُسَبِّح بهن، فقال: يا بنت

ص: 16

حيي، ما هذا؟ قلت: أُسبح بهن. قال: قد سَبَّحْتُ مُنْذُ قُمْتُ على رأسك أكثر من هذا، قلت: علمني يا رسول الله، قال: قُولي: سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء)) رواه الترمذي (برقم / 3554 - 4/ 274) وقال: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلَاّ من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس)) انتهى. ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي:(1/ 547). ورواه أبو يعلى في ((مسنده: 4/ 1696)) ، وابن عدي في:((الكامل 7/ 2574)) وهذا الحديث في سنده هاشم بن سعيد الكوفي، قال الحافظ في:((التقريب)): ((ضعيف)). وفيه: شيخه: كنانة مولى صفية، قال الحافظ:((مقبول، ضعفه الأزدي بلا حجة)) انتهى.

وهذا الحديث رواه الطبراني من وجه آخر في: ((الدعاء)) و ((الأوسط)) عن روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا خديج ابن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، عن صفية بنت حيي - رضي الله عنها

ص: 17

- وحُدَيْج قال الحافظ عنه: ((صدوق يخطئ)).

ورواه الطبراني أيضاً من وجه آخر في: ((الدعاء)) وفي ((الأوسط)) فقال: ((حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: ثنا مسلم بن سعيد عن منصور بن زاذان، عن زيد - يعني ابن متعب - مولى صفية بنت حيي رضي الله عنها به. لكن يزيد لم يوجد له ترجمة، لكنه من طبقة أوساط التابعين، من موالي صفية رضي الله عنها. وقول الترمذي المتقدم، بعد حديث صفية رضي الله عنها: ((وفي الباب عن ابن عباس)) يريد ما أخرجه مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن جويرية رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صَلَّى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع حين أضحى وهي على حالتها، فقال: ما زالت على حالتك التي فارقتك عليها قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات

ص: 18

ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضى نفسه، وزِنة عرشه، ومداد كلماته)). قال الحافظ ابن حجر في:((نتائج الأفكار: 1/ 78)): ((وهذه المرأة يمكن أن تكون جويرية وقد مضى حديثها، لكن سياقه بغير هذا اللفظ، ويمكن أن تكون صفية، فقد جاء من حديثها بهذا اللفظ، ولكن باختصار، وفيه ذكر عدد النوى التي كانت تُسبح به)) انتهى.

الحديث الثاني: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نواة، أو قال: حصاة تسبح بها، فقال: ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء. وسبحان الله عدد ما خلق في الأَرض. وسبحان الله عدد ما بين ذلك.

ص: 19

وسبحان الله عدد ما هو خالق والله اكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك)) انتهى. رواه أبو داود ((4/ 366)) والترمذي ((3568)) وقال: ((هذا حديث حسن غريب، والنسائي في: ((عمل اليوم والليلة)). وهو في: ((مسند سعد برقم / 88)) ، والطبراني في:((الدعاء 3/ 1584 برقم / 1738)) وينظر تعليق المحقق، والبزار في:((مسنده)) والبيهقي في: ((الشعب 1/ 347)) والبغوي في: ((شرح السنة / 1279)). جميعهم بأسانيدهم إلى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها رضي الله عنه فذكره.

ورواه الحاكم في: ((المستدرك 1/ 547)) وابن حبان في: ((صحيحه / 834)) والبزار في: ((مسنده 4/ 40)) كلهم بإسقاط ((خزيمة)) وراوية سعيد بن أبي هلال له مباشرة عن عائشة بنت سعد به.

ص: 20

فمدار أسانيده على: سعيد بن أبي هلال، قال الحافظ عنه:((صدوق)) لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفاً، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه أختلط)) انتهى.

وقال الحافظ أيضاً في: خزيمة: ((خزيمة عن عائشة بنت سعد: لا يعرف، من السابعة د ت سي)) انتهى.

الحديث الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه (1):

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان صلى الله عليه وسلم يسبح بالحصى)) رواه أبو القاسم الجرجاني في: ((تاريخ الجرجاني / 68)).

وفي سنده: عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، صاحب مصائب، ومناكير، كما في ترجمته من:((لسان الميزان)) وأصله: ((الميزان)).

والراوي عنه: صالح بن علي النوفلي، لم يعرف له ترجمة.

(1) انظر السلسلة الضعيفة / 1002.

ص: 21

فهذا حديث ذكرته من باب ذكر ما في الباب، وإلا فلا يلتفت إليه بحال.

والخلاصة: عن هذه الأحاديث المرفوعة: أن حديث أبي هريرة وهو الثالث منها لا يعتد به، إذ له حكم الأحاديث الموضوعة، وأما حديث صفية، وحديث سعد بن أبي وقاص، فيشهد كل واحد منها للآخر، إذ ليس في إسناد أحدهما من قُدح فيه من جهة عدالته؟ ولكن ما معنى كل واحد منهما - على فرض ثبوته -؟

إن حديث صفية رضي الله عنها فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لها لما رآها تعد التسبيح بالنوى: ((ما هذا؟)) وهذا استنكار لفعلها، كأنه على غير المعهود في التشريع، فهو إنكار له، ولذا دَلَّها صلى الله عليه وسلم على التسبيح المشروع، كدلالته صلى الله عليه وسلم للمستغفرين على سيد الاستغفار. فلا دلالة فيه لمستدل على جواز التسبيح بالحصى، أو النوى.

وإن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيه

ص: 22