الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقراب والجراب وغير ذلك مما يستعان به في العاديات - في العنق، فجعل آلة الجهاد الأكبر كالسبحة والمصحف ودلائل الخيرات ونحو ذلك فيه من باب أولى وأحرى، (وما ذكره ابن الحاج) في مدخله من كونه بدعة فهو فقه غير مسلم حسبما نص عليه غير واحد من أكابر علماء الظاهر والباطن، وستقف على بعض ذلك هنا بحول الله، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وعمل جمهور الأكابر شرقاً وغرباً على خلافه ومن المقرر أنه إذا وقع خلاف في مسألة وكان في إحدى الجهتين فقيه وصوفي، وفي الأخرى فقيه فقط؛ ترجح الأولى لما خص الله تعالى به سادتنا الصوفية رضي الله عنهم وجعلنا منهم - من مزيد الكشف والاطلاع بفضله وكرمه وبركة تحققهم بكمال الإتباع).
•
السُّبَح في أعناق الملائكة:
قال: (وقد ذكروا أن شيخ شيوخنا القطب الكامل الغوث الواصل سيدنا ومولانا العربي الدرقوي رضي الله عنه أطلعه الله تعالى على نوع من الملائكة الكرام، واقفين بين
يدي الملك العلام، هائمين بذكره ومشاهدته على الدوام، وتسابيحهم في أعناقهم منتظمة أي انتظام، فأخذ ذلك بمجامع قلبه، ووقع فيه حال عظيم؛ لما شاهده من أسرار وأنواع حضرة ربه، فتمنى ذلك لأَصحابه وأمرهم بجعل السبحة في العنق، تشبهاً بهؤلاء الملائكة الكرام، واغتناماً لما في ذلك من الفوائد العظام، وقد تقدم بعضها بفضل الملك السلام).
• شعار الطائفة الشاذلية الدرقوية:
قال: (ومما شاع وذاع: أن جعلها في العنق صار شعار هذه الطائفة الشاذلية الدرقوية المباركة وأن مشايخها يأمرون مريديهم بذلك بداية ووسطاً ونهاية. وقال أرباب المقام الثالث: شيء وصلنا به إلى الله لا نتركه ولا نفارقه أبداً.
(وكما) أمروا بجعلها ظاهرة يرها الخاص والعام، خرقاً للعادة وتشبهاً بالملائكة الكرام، وغير ذلك حسبما نص عليه الأكابر الأعلام).
• فضل السبحة الغليظة على الرفيعة:
قال: (وقال أيضاً رضي الله عنه في الرسالة الأولى ما نصه: ((اتخاذ السبحة وجعلها في العنق واليد)) قد علمت يا أخي أن اتخاذ السبحة للذكر مما لا خلاف فيه بين العلماء من حيث إنها فعلت بين يديه صلى الله عليه وسلم وأقرها كما في كريم علمكم، ويكفي في تصحيح هذا المعنى ما خرجه السيوطي في الحاوي على الفتاوي، وذكر أن تأليفاً سماه ((المنحة في اتخاذ السبحة)) وحيث كان الأصل جائزاً فالفرع يا أخي لا عليك فيه من حيث الكبر والغلظ، سيما وقد قال بعض العارفين: السبحة الغليظة تنشط الباطن، والسبحة الرقيقة تنشط الظاهر وتورث الوسوسة في الباطن).
(وكل من له أدنى نصيب من سكون الذكر - أي طمأنينيته - يجد السبحة الغليظة أفضل من الرقيقة، لذلك قال بعضهم: السبحة الفاخرة تنشط الباطن، والسبحة الرقيقة تنشط الظاهر).
ثم قال ص / 16: (وأما جعلها في العنق ففي المعيار:
أن الإِمام سحنوناً رحمه الله دخل عليه بعضهم فرأى في عنقه سبحة، وقد يُقاس جعلها في العنق على جعل الخاتم في اليد؛ لأَنهم ذكروا من علل جعله في اليد حفظه لأَنه اتخذه أولاً صلى الله عليه وسلم للطبع وكان يحفظه، ويدل له ما سمعت من شيخنا مولاي عبد الواحد رضي الله عنه قال: العنق هو مسمار السبحة، ولا يقال: يكفي في حفظها أن تكون في الجيب مثلاً؛ لورود مثله في الخاتم أيضاً ولم يرد إلا جعله في اليد لحكمة أخرى وهي أن اليد مظهر الحكم ومحل الاقتدار؛ لتقع المناسبة بين الحامل والمحمول، فافهم.
وكذلك السبحة جعلت حفظاً في العنق دون غيره؛ لأَن العنق هو محل التقليد، فيكون لابسها قد تقلدها حساً كما تقلدها معنى مناسبة، ولأَن السبحة آلة الذكر فلها بذلك قدر عظيم، والعنق هو أعظم ما في الجسد وأعلى ما فيه مما يمكن حفظه فجعل العظيم للعظيم مناسبة، ولأَن حبل الوريد الذي ضرب الله به المثل في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ
مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} هو في العنق وهو مجرى الطعام والشراب فجعلت السبحة التي هي آلة القرب من الله عليه مناسبة للآية؛ حتى يكون الاعتناء بالحق أشد من الاعتناء بحبل الوريد فيكون حبل الوريد وسيلة للقرب من الله، إذ هو آلة لحمل السبحة المقربة من الحق سبحانه، فيحصل القرب من الله الذي هو المطلوب بالسبحة حساً ومعنى فاعلم ذلك فإنه دقيق.
ثم رأيت ((في المنهاج الواضح في مناقب سيدي أبي محمد صالح)) بعدما ذكر أن سيدي أبا محمد صالح كان يلبس المرقعة والسبحة في عنقه ويلبس ذلك لأَصحابه (ما نصه): وأما جواز التقليد بها - أي السبحة - فهو مأخوذ مما ورد في قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} ، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} .
قال ابن عطية: والقلائد ما كان الناس يتقلدونه أمناً لهم، وذكره تعالى منة وتأكيداً ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التقليد.
قال قتادة: كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر قلادة فلا يتعرض له أحد بسوء. قال سعيد بن جبير: جعل الله هذه الأمور للناس في الجاهلية وهم لا يرجون جنة ولا يخافون ناراً ثم شدد ذلك بالإِسلام.
قلت: يخرج لنا من تفسير هاتين الآيتين دليل واضح على جواز تمييز أهل الدين والعبادة في الطرقات والمخاوف بسيمة وعلامة يأمنون بها من أهل الشر، إذا جاز ذلك لمن قصد نجاة نفسه عادة، فكيف بمن هو له عبادة؟ (قال) والتقليد بالسبحة أرجح من جعلها في اليد، ولا سيما عند التوجه في الطرقات كما يفعله فقراء العرب، ولأَن العنق محل الطهارة دائماً بخلاف اليد، اهـ. منه باختصار وتقديم وتأخير واقتصار. اهـ كلام صاحب المقالة المرضية).
• سُبْحَة عبد الله بن مشيش:
وقال: (وقد رأيت سبحات غليظة جداً، ومثبت ذلك عن أكابر العارفين، ولو لم يكن إلا الشيخ الأكبر والمحجة
الأشهر مولانا عبد السلام بن مشيش لكان كافياً، فإِنه حدثني من أثق به أنه رأى سبحة عظيمة جداً عند بعض الثقات من أولاد الشيخ المذكور، وذكر له أنها كانت عند الشيخ إلى أن مات، وإلى الآن لم تزل عندهم، وذكر لي أن ركبته كانت مريضه وكان بها وجع يمنعه من المشي إلا بمشقة، فأخذ تلك السبحة ووضعها عليها، فلما قام وجد ركبته كأنها لم يكن بها بأس ولا أوجعته أبداً).
• سُبْحَة بعض الأشياخ:
قال: (وسمعت شيخنا الإِمام رضي الله عنه يقول: كانت لبعض الأشياخ سبحة عظيمة ثقيلة غاية محمولة معلقة على جرارة، فكان إذا جذب الحبة الواحدة وسقطت على أخرى يسمع لها صوتاً عظيماً، فقيل له في ذلك، فقال: تأتَّى لنا أن نذكر الله بالجبال لفعلنا. وذكر لي بعض الثقات أنه وقف على هذه الحكاية منصوصة في بعض التآليف).
• سُبْحَة الكعكي:
قال: (وذكر الشعراني في طبقاته الصغرى: أن سيدي
أحمد الكعكي كانت له سبحة فيها ألف حبة كيلاً، فسرق إنسان منها سبع حبات، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أحمد، فلان سرق من سبحتك سبع حبات ولك كذا وكذا يوماً تصلى ناقصاً عن العدد، فذهب إلى ذلك الفقير فقال صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجها له من ردائه فردها إلى السبحة، قال: وما رأيت سبحة أنور منها تكاد تضيء من النور من كثرة الأوراد عليها، وبلغنا أنها كانت تدور بنفسها إذا أبطأ الشيخ عن وقت الورد فيعلم دخول الوقت). انتهى بطوله من كتاب:((تحفة أهل الفتوحات. . .))!!!
هذا في جانب التعبد، أما في جانب اتخاذها للزينة، واللعب والتلهي، فحدث عن أنواعها، وأحجامها، ومقدار أقيامها، ولا حرج، وقد رأيت مع بعض ذوي الثروة واليسار سُبْحة تفوق بقيمتها سُبْحَة المقتدر العباسي بأضعاف مضاعفة، رأيتها معه ونحن في:((بروناي / دار السلام)) عام 1414، وذكر لي أن الخرزة الواحدة منها تساوي نحو ثلاثمائة ألف ريال.
واستطراداً، قال اللكنوي في:((نزهة الفِكر)) في: ((الفصل الثامن)):
(قال اليافعي في الإِرشاد والتطريز: السُّبْحَة على ثلاثة أقسام: مسبحة بالسين المهملة وهي التي تسبح بها، ومشْبَحة بالشين المعجمة، وهي البطالة، ومذبحة، وهي التي يديرها صاحبها وهو يغتاب الناس ويؤذيهم) انتهى.
وسمعت الشيخ صالحاً الطرابلسي - رحمه الله تعالى - في حدود عام 1385 وهو في المسجد النبوي يلقي موعظة، وكان مما قال عن السُّبْحَة: والسُّبْحة على ثلاثة أنواع:
- مسباح، وهي التي يُسبح بها، وهذه بدعة،
- وَمِقْبَاح، وهي التي يسبح بها صاحبها وقد عقد يديه على مؤخرته، وهذه بدعة ينضاف إليها إهانة الذكر،
- وملواح وهي التي يلوح بها حاملها للعب والتسلي، وهذه تشبه، ولا تليق بذوي الهيآت.
* * *
ا