المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الموت راكب الأعواد إلى أين؟ يا بعد غاية البين، ويا قرب - أسواق الذهب

[أحمد شوقي]

الفصل: ‌ ‌الموت راكب الأعواد إلى أين؟ يا بعد غاية البين، ويا قرب

‌الموت

راكب الأعواد إلى أين؟ يا بعد غاية البين، ويا قرب الميلاد من الحين؛ ويح قومك! هل انتبهوا من نومك، ولمسوا عبرة الدهر بيومك؟ حملوك على حدباء، يقعد الأبناء منها مقعد الآباء، هي أعدل - إذ تضع- من حواء تلقي حملها فإذا الملك والسوقة سواء؛ حقيبة المنية كل يوم في ركاب، من مناكب ورقاب، نحمل الشيب و‌

‌الشباب

، إلى رحى البلى في اليباب، فيدور عليهم الدولاب فإذا هم حصى وتراب؛ ومن عجب يعدلونها بك إلى السبيل، وما هي لعمر أبيك إلا الدليل،

ص: 43

في موكب غير ذي صوت، أضفى عليه جلاله الموت؛ أنت فيه جد في لعب، وصدق في كذب؛ لك فيه علو المتبوع في التبع، واللواء في الخميس والخطيب في الجمع، بيد أن ذلك لا يمنعك من الأرض، ولا ينفعك يوم العرض، لست والله صاحب الآخرة، وإن كنت صاحب الجنازة الفاخرة حتى تشيع بيتيم بعدك مضيع، أو بائس من ورائك يائس، أو وطن يبكيك عقلاؤه، ويضج عليك فضلاؤه، ويمشى بنورك أبناؤه، ويضيء حفرتك ثناؤه، انظر-رحمك الله- هل ترى غير باك كضاحك المزن، ليس وراء دمعه حزن؟ أو وارث مشغول بما ملك، أو فضولي يسأل كم ترك؟ زخرف جنازة، وينفض دون المفازة، وضجة الخروج إلى الدنيا وزورها، وآخر عهدك بباطل الحياة

ص: 44

وغرورها، ولو أطللت على فانٍ حملك، وباطلٍ بالأمس شغلك، وقليل متاع قتلك، ثم لم يبق لك: لم تر غير حلم بتر، وملعب ستر، وماء عبر، وظل هجر، ومال خسر، ووارث منشمر؛ يسيرون بك إلى المنفرق وسواء الطرق؛ ويأخذون بك ناحية الحق، وسبيل الخلق، وقصبة السبق، هوة البلى، وغمرة الفلا؛ والميعاد، ومدينة عاد، وعرصات المعاد، والبلد الذي ابيضت فيه الأكباد، وخلفت بظاهره الأحقاد، وصحا الفؤاد، عن الأموال والأولاد؛ كل مكان فيه مضجع، وكل زمان فيه رقاد، ثم إذا أنت ببيت، لا ينزله إلا ميت؛ اختطه الباطل وبناه، لنزول الحق وسكناه؛ كل

ص: 45

حجر فيه من جدار، مشاع بين الدار والدار؛ حتى إذا أطرق الجمع، وأطلق الدمع، وفرق البصر والسمع؛ قذف ما في السرير، فتلقفه الحفير، ووكلت لمنكر ونكير، لا بل لرحمة الملك القدير.

فيا عبد المال، أضرك أنك عتقت؟ ويا أسير الآمال، أم سرك أنك أطلقت؟ ويا كثير التحول والتقلب، قلب إن استطعت جنبيك؛ ويا مديم التطلع والتطلب، اطلب من البلى نور عينيك؛ ويا مزحزح الصم الصلاب زحزح عن رأسك هذه الظلمة؛ ويا فاتح المغالق الصعاب، افتح لك اليوم ثلمة. كأني والله بالدهر وقد خلا، وبالمخزون وقد سلا، وكأني بك وقد فرغ منك الثرى وقامت عنك الرحى فإذا أنت عظام، كما اخترط العنقود؛ ثم إذا أنت رغام، جف الماء وذهب العود.

ص: 46