الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسجد الحرام م
الساحة الكبرى، والدار اللموم، والموسم الحاشر المنتدى والمؤتمر، ومثابة الزمر؛ إبرة المبحر، ونجم المصحر، قبلة البدوي في قفره، ووجهة القروي في كفره؛ حرم الله المطهر، وبيته العتيق المستر؛ الذي وجه إليه الوجوه، وفرض على عباده أن يحجوه؛ نظرت إليه المساجد في كل خمس، وقامت إليه قيام الحرباء إلى الشمس؛ بناه الله بمكة على فضاء زكي لم يتنفس فيه الناس، وخلا إلا من جحر أو كناس، فلا الدنيا
سحبت عليه غرورها، ولا النفوس نقلت فيه شرورها، ولا الحياة أزارته باطلها وزورها، لو شاء الله لبنى بيته بمصر على نهر فياض، وواد كله قطع الرياض، ولو شاء الله لاتخذ بيته بالشام بين الجداول المظللة، والربى المكللة والغصون المهدلة، والقطوف المذللة، ولو شاء الله جلت قدرته لرفع بيته على أنوف الجبابرة، ملوك الأعصر الغابرة، وفوق هام آلهتهم وهي ممهدة منضدة، في الغرف المشيدة، والقباب الممردة، ولكنه تعالى نظر إلى أم القرى، فرأى بها ذلا لعز سلطانه، وافتقارا إلى غناه وإحسانه، ورأى خشوعا يستأنس به الإيمان، وتجردا تسكن إليه العبادة، ورأى انفرادا يجري في معنى التوحيد، فأمر إبراهيم حواريه، وبنيه وخليله وصفيه: أن يرفع بذلك الوادي ركن بنيته، وينصب بين شعابه منار وحدانيته، بنيان قام بالضعف والقوة، ونهض على كاهل الكهولة وساعد الفتوة، واشتركت
فيه الأبوة والبنوة وفكنت ترى إبراهيم يزاول، وإسماعيل بين يديه يناول، حتى بنيا حقا أعيا المعاول، وعجز عنه الذي دمر تدمر وأبلى بابل: فانظر إلى صفاح الباطل كيف باد، وإلى آجر الحق كيف أفنى الآباد؛ وتأمل عجائب صنع النية، وكيف ظفرت لبنة التوحيد بصخرة الوثنية؛ بني البيت وإذا الجلال حجبه وأستاره، والحق حائطه وجداره، والتوحيد مظهره ومناره، والنبيون بناته وعماره، والله عز وجل ربه وجاره؛ اطلعت به"صلاح"، اطلاع المشكاة بالمصباح، فزهر فأضاء البراح، وانتظم الهضاب والبطاح؛ أضوأ من الشمس ذبالة وأبهر من القمر هالة، في منازل الشرف والجلالة؛ قد حاز الله من نباهة الذكر، وفخامة السأن، ما لم يحز لقديم من معالم الحق ولا حديث - بر العبادة، وفضيلة الحج، وشرف الباني، وروعة العتق، وجلالة التاريخ؛ يقول الغواة: لو كانت الكعبة من ذهب أو فضة، ويقولون: لو كانت كبيع النصارى في عواصم الغرب: رفعة بناء،
وديباجة فن ووشي زخرف!. وأقول للغواة: لو تركت الكعبة على فطرتها الأولى، فلم يطول بناؤها، ولم تزين بالذهب أجزاؤها، ولم تتعدد في الزخرف أشياؤها؛ لكان بعبقريتها، وبروحانيتها أشبه؛ وأخلق؛ وفي تقدير قدسها غاية ونهاية.