المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسد في حديقة الحيوانات - أسواق الذهب

[أحمد شوقي]

الفصل: ‌الأسد في حديقة الحيوانات

‌الأسد في حديقة الحيوانات

يا جار الجيزة وأسير الحديقة، سرت الهموم فلم ننم، أرقتني شؤون وشجون، وذكريات مما تركت السنون، وأرقك حز القيد، وضغط الحديد؛ وأثارك ذكر الصيد، والحنين للبيد؛ سبحان المعز بالحرية المذل بالرق؛ ما أرقك بالأسحار وكان غطيطك أرق الصحار، وفرق السمار في الأكوار وما بال زئيرك ينام عليه الطير ملء جفونه، ور يتحرك له ليل الجيزة من سكونه؛ أصبح أقل من النباح وأذل من النياح، وكان بالأمس يرعد البطاح، ويسقط من يد البطل السلاح؛ وأين أبا لبدة طلعة كانت تعقل الفرس والفارس فأصبحت يدعو العيون إليها الحارس؛ يطيف بها النشأ ولا تخيف الرشأ. عزاء ملك البيد، ابن الفاتك الصنديد، وأبا الخالة الصيد؛ وإن لم تزدني علما بالدولة كيف تزول ولا بما عند الناس للنعمة المنكوبة، والبطولة المقهورة، والأخلاق المخذولة، والعروش المثلولة، فقبلك ضاقت"أغمات" على سجينها. وأخنت" أميرجون"

ص: 100

على قطينها وأضرت (القديسة هيلانة) برهينها، أجواد نزل بهم الدهر، وأحرارأناخ عليهم الأسر، وأملاك جرى عليهم النهي والأمر؛ وأنت في صحارك أطول في الملك بنيانا، وأعرض في الأرض سلطانا، وأوسع شهرة وأنبه مكانا؛ عرشك أبا الأشبال، على السهل والجبل، وكل داب على الرمال، رعية لك أو مال؛ تمثال القوة، ومثال المروة؛ نفس بهيمة، وأخلاق عظيمة؛ ألست أبا لبدة تحمي العرينة، وتحسن عشرة القرينة، وتبني الذرية المتينة، وتعف عند الشبع، وتفضل على التبع؛ وتذهب مذهب الأقمار، فتطلع بالليل وتستسر بالنهار؛ ولك قبل البطش جلجلة منذرة، وبهنسة محذرة؛ وغيرك في السباع ختل وختر، وجاء القرن على خمر من أجل هذا ومثله في الأخلاق ضربت الأمم بك الأمثال، ونحتوا على صورتك التمثال. واستعاروا أسماءك للأبطال وأشباه الأبطال حتى قيل للإخشيدي: أسد القلب، وقيل للصليبي: قلب الأسد، شبه بك كل شجاع ولم تشبه من الشجعان بأحد؛ عطف بقلبي على صغارك أبا الأشبال، أنهم كصغاري ولدوا في الرق وشبوا على مس

ص: 101

هوانه، كلا النشأين مغلوب على دياره، مرزوء بالتشريك في وجاره، مغامر في صحراء الحياة بغير أظفاره، وألان لك فؤادي أبا لبدة هذا الذل بعد العز. وهذا الرسف في الضيق بعد المرح في السعة؛ واستأواني قيد الحديد، بعد تاج البيد. وما أسفي والله على ظفرك المقلوم، ولا على نابك المحطوم، فإني وجدت البغي ليس يدوم؛ ولست أنكر عليك شدة لم ينكرها الناس على الحضارة وهم يرون ظفرها يقطر من دم الجبل، ويرون نابها يقطر من دم الريف؛ وإنما أسفي أبا الأشبال على تلك الشخصية المتظاهرة، وتلك الروحية القاهرة؛ وعلى حضرة كأنها مجلس الحكم، ونظرة كأنها الأمر النافذ، وعلى صيحة تأتيك بالصيد مشكولاً، متهيئا من نفسه مأكولا؛ أدوات زعامة، وآلات سيادة؛ مما يهاب لأفراد البشر أحيانا. ويلقي على آحاد الرجال آنا فآنا؛ فإذا هم القامة والسادة، وإذا الأمم تأتيهم منقادة؛ وقد زادك الله عليهم رعية سلبت منها العقول، فاسترحت من الرأي وصراحته، والفكر وشجاعته، والمبدأ وصلابته؛ وكفيت سيوفا بينا هي لك، إذا هي عليك؛ وأقلاما مأجورك أسيرك، وطليقها أنت أسيره؛ أعلمت أبا الأشبال إلى أي الآجام نقلت، وفي أي الآطام اعتقلت؛ أسمعت عن أسد نجم. في هذا الأجم، وضرغامة غاب،

ص: 102

عن هذا الغاب. أذلت الحوادث بالأمس عرنينه، واحتلت الخطوب عرينه، وعطلت نكبته الدنيا من زينة، وغادرتها بعد فرح حزينة؛ وكان أكثر من آبائك أسماء، وأطول من عشيرتك في العز سماء، وأمنع واديا وأعز ماء؛ منعكم القرار بالصحراء صهيله؛ وغلبكم على أطرافها فكل ماء بها ماؤه، وكل يبس غيله؛ وكانت هذه الحرجات تحته أجمة الأغلب الهصور، وكانت نظما من قصور، لم تر أمثاله العصور؛ فلا (الجعفري) حكاه، ولا (الزهراء) أعطيت حلاه، ولا الإيوان ساواه، في شرفه وعلاه. وكانت هذه الجنات وشي دوره، وحلي قصوره، وكانت هذه العيون محاجر العين من حوره، ومعاصم ريمه ويعفوره؛ وكانت الساحة، سماء الندى وأرض السماحة؛ جنات وقصور، ونعيم وحبور. وعين حور، يطأن المسك والكافور؛ مرمر راع مسنونه بلقيس الزمان، فكشفت عن ساقيها بين يدي سليمان.

ص: 103