الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ شَمَلَهُ الْإِسْلَامُ وَأَذَاقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ طَعْمَ الْإِيمَانِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، إِلَّا أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه ، لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ هَذَا ، وَذَلِكَ لِدَلَائِلَ خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا ، وَخَصَّهُ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ ، وَأَمَرَ بِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، مِنْهَا: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ ، وَأَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ، وَصَحِبَهُ وَأَحْسَنَ الصُّحْبَةَ ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَهُ ، وَصَاحَبَهُ فِي الْغَارِ ، وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ ، وَعَاتَبَ اللَّهُ عز وجل الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْمُعَاتَبَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] الْآيَةَ ، وَالصَّابِرُ مَعَهُ بِمَكَّةَ فِي كُلِّ شِدَّةٍ ، وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ ، وَمَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ ، فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَلَا يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ ،
وَصَلَّى صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَقَالَ لِبِلَالٍ:«إِنْ أَبْطَأْتُ فَقَدِّمْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ» وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا فِي الْغَارِ وَقَدْ عَلِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا حُزْنُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِشْفَاقُهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟» فَكُلُّ هَذِهِ الْخِصَالُ الشَّرِيفَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ ، لَا يَشُكُّ فِي هَذَا مُؤْمِنٌ وَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ فَقَالَ لَهَا:«إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» ثُمَّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِحَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَفَضْلِهِ ، وَبَايَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَقْتَ مَا قُتِلَ: اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: مَا أَسْتَخْلِفُ ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ عز وجل بِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرًا يَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم ، عَلَى خَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَامَ بَعْدَمَا بُويِعَ لَهُ وَبَايَعَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، وَأَصْحَابُهُ قَامَ ثَلَاثًا يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَقَلْتُكُمْ بِيعَتَكُمْ ، هَلْ مِنْ كَارِهٍ؟ قَالَ: فَيَقُومُ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي أَوَائِلِ النَّاسِ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ ، قَدَّمَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُؤَخِّرُكَ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّا ، وَقَيْسُ بْنُ عُبَادٍ ، وَقَدْ سَأَلَاهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قِتَالِ الْجَمَلِ فَقَالَا: هَلْ مَعَكَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَا وَاللَّهِ ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، مَا تَرَكْتُ أَخَا تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَلَا ابْنَ الْخَطَّابِ عَلَى مِنْبَرِهِ ، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا ِيَدِي هَذِهِ ، وَلَكِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم ، نَبِيُّ رَحْمَةٍ لَمْ يَمُتْ فَجْأَةً ، وَلَمْ يُقْتَلْ قَتْلًا ، مَرِضَ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ، وَأَيَّامًا وَلَيَالِيَ ، يَأْتِيهِ بِلَالٌ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ ، فَيَقُولُ:«مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَهُوَ يَرَى مَكَانِي ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَإِذَا الصَّلَاةُ عَضُدُ الْإِسْلَامِ وَقِوَامُ الدِّينِ ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِدِينِنَا ، فَوَلَّيْنَا الْأَمْرَ أَبَا بَكْرٍ ، فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، الْكَلِمَةُ جَامِعَةٌ ، وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ مِنَّا اثْنَانِ ، وَلَا شَهِدَ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى أَحَدٍ بِالشِّرْكِ ، وَلَا يَقْطَعُ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ ، فَكُنْتُ وَاللَّهِ آخُذُ إِذَا أَعْطَانِي ، وَأَغْزُو إِذَا أَغْزَانِي ، وَأَضْرِبُ بِيَدِي هَذِهِ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا
حَضَرَتْ أَبَا بَكْرِ الْوَفَاةُ وَلَّاهَا عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: ثُمَّ ذَكَرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَمِنْ شَرَفِهِ وَبَيْعَتِهِ لَهُ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ ، وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ فِي الْجَمِيعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَدَقَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ رحمه الله فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، وَقَدْ رَأَى مَكَانِي ، وَمَا كُنْتُ غَائِبًا وَلَا مَرِيضًا ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَنِي لَقَدَّمَنِي فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِدِينِنَا وَرَوَى عَبْدُ خَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَقُولُ: قَبَضَ اللَّهُ تبارك وتعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ: فَأَثْنَى عَلَيْهِ قَالَ: ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَسُنَّتِهِ ، ثُمَّ قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى خَيْرِ مَا قَبَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ أَحَدًا ، وَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ رضي الله عنه فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا وَسُنَّتِهِمَا ، ثُمَّ قُبِضَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، وَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا ، وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ ، وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ ، وَثَلَّثَ عُمَرُ ، يَعْنِي سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْفَضْلِ ، وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ بِعْدَهُ بِالْفَضْلِ ، وَثَلَّثَ عُمَرُ بِالْفَضْلِ
بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا ، وَسَنَذْكُرُ فَضْلَهُمَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم مَا يُقِرُّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيُسْخِنُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَيُذِلُّ نَفْسَ كُلِّ رَافِضِيٍّ وَنَاصِبِيٍّ قَدْ خَطَى بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَسَلَكَ بِهِمَا طُرُقَ الشَّيْطَانِ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ ، فَهُمْ فِي غَيِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ، وَعَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ مُتَنَكِّبُونَ