الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ سَبَبِ قَتْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه إِيشِ السَّبَبُ الَّذِي قُتِلَ بِهِ رضي الله عنه. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ ذَكَرْتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً تَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ قَالَ فِي عُثْمَانَ:«فَاتَّبِعُوا هَذَا وَأَصْحَابَهُ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى هُدًى»
فَأَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِهِ مَنْ هُمْ؟ قِيلَ لَهُ: أَصْحَابُهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ، الْمَذْكُورُ نَعْتَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، الَّذِي مَنْ أَحَبَّهُمْ سَعِدَ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ شَقِيَ فَإِنْ قَالَ: فَاذْكُرْهُمْ ، قِيلَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ ، وَالزُّبَيْرُ ، وَسَعْدٌ ، وَسَعِيدٌ رضي الله عنهم وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فِي وَقْتِهِمْ رضي الله عنهم ، كُلُّهُمْ كَانُوا عَلَى هُدًى كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَكُلُّهُمْ أَنْكَرَ قَتْلَهُ ، وَكُلُّهُمُ اسْتَعْظَمَ مَا جَرَى عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه ، وَشَهِدُوا عَلَى قَتَلَتِهِ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَنِ الَّذِي قَتَلَهُ؟ قِيلَ لَهُ: طَوَائِفُ أَشْقَاهُمُ اللَّهُ عز وجل بِقَتْلِهِ حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُ وَبَغْيًا ، وَأَرَادُوا الْفِتْنَةَ وَأَنْ يُوقِعُوا الضَّغَائِنَ بَيْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، لِمَا سَبَقَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشِّقْوَةِ فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ ،
فَإِنْ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ؟ قِيلَ لَهُ: أَوَّلُ ذَلِكَ وَبَدْءُ شَأْنِهِ أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ السَّوْدَاءِ وَيُعْرَفُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ زَعَمَ أَنَّهُ أَسْلَمَ ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ ، فَحَمَلَهُ الْحَسَدُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِصَحَابَتِهِ ، وَلِلْإِسْلَامِ ، فَانْغَمَسَ فِي الْمُسْلِمِينَ ، كَمَا انْعَمَسَ مَلِكُ الْيَهُودِ بُولَسُ بْنُ شَاوِذَ فِي النَّصَارَى حَتَّى أَضَلَّهُمْ ، وَفَرَّقَهُمْ فِرَقًا ، وَصَارُوا أَحْزَابًا ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ فِيهِمُ الْبَلَاءُ وَالْكُفْرُ تَرَكَهُمْ ، وَقِصَّتُهُ تَطُولُ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى التَّهَوِّدِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَهَكَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ ، أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ ، وَأَظْهَرَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَصَارَ لَهُ أَصْحَابٌ فِي الْأَمْصَارِ ، ثُمَّ أَظْهَرَ الطَّعْنَ عَلَى الْأُمَرَاءِ ، ثُمَّ أَظْهَرَ الطَّعْنَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه ، ثُمَّ طَعَنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما ، ثُمَّ أَظْهَرَ أَنَّهُ يَتَوَلَّى عَلِيًّا رضي الله عنه ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَوَلَدَهُ وَذُرِّيَّتَهُ رضي الله عنهم مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ سَبَأٍ وَأَصْحَابِهِ السَّبَأِيَّةِ ، فَلَمَّا تَمَكَّنَتِ الْفِتْنَةُ وَالضَّلَالُ فِي ابْنِ سَبَأٍ وَأَصْحَابِهِ ، صَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، فَصَارَ لَهُ بِهَا أَصْحَابٌ ، ثُمَّ وَرَدَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَصَارَ لَهُ بِهَا أَصْحَابٌ ، ثُمَّ وَرَدَ إِلَى مِصْرَ ، فَصَارَ لَهُ بِهَا أَصْحَابٌ ، كُلُّهُمْ أَهْلُ ضَلَالَةٍ ، ثُمَّ تَوَاعَدُوا الْوَقْتَ ، وَتَكَاتَبُوا لِيَجْتَمِعُوا فِي مَوْضِعٍ ، ثُمَّ يَصِيرُوا كُلُّهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ ، لِيَفْتِنُوا الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا فَفَعَلُوا ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَتَلُوا عُثْمَانَ رضي الله عنه ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَهَلُ الْمَدِينَةِ لَا يَعْلَمُونَ حَتَّى وَرَدُوا عَلَيْهِمْ ،
فَإِنْ قَالَ: فَلِمَ لَمْ يُقَاتِلْ عَنْهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَصَحَابَتَهُ لَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى فَاجَأَهُمُ الْأَمْرُ ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ جَيْشٌ قَدْ أُعِدَّ لِحَرْبٍ ، فَلَمَّا فَجَأَهُمْ ذَلِكَ اجْتَهَدُوا رضي الله عنهم فِي نُصْرَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ ، فَمَا أَطَاقُوا ذَلِكَ وَقَدْ عَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى نُصْرَتِهِ وَلَوْ تَلِفَتْ أَنْفُسُهُمْ ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي ، وَفِي حَرَجٍ مِنْ نُصْرَتِي ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عز وجل سَالِمًا مَظْلُومًا ، وَقَدْ خَاطَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رضي الله عنهم وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِمُخَاطَبَةٍ شَدِيدَةٍ ، وَغَلَظُوا لَهُمْ فِي الْقَوْلِ ، فَلَمَّا أَحَسُّوا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ؛ أَظْهَرَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَوَلُّونَ الصَّحَابَةَ ، فَلَزِمَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ بَابَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، وَزَعَمَتْ أَنَّهَا تَتَوَلَّاهُ ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُمْ ، فَمَنَعُوهُ الْخُرُوجَ وَلَزِمَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ بَابَ طَلْحَةَ ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَتَوَلُّونَهُ ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُمْ، وَلَزِمَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ بَابَ الزُّبَيْرِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَتَوَلُّونَهُ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَشْغَلُوا الصَّحَابَةَ عَنِ الِانْتِصَارِ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه ، وَلَبَّسُوا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَمْرَهُمْ لِلْمَقْدُورِ الَّذِي قَدَّرَهُ عز وجل أَنَّ عُثْمَانَ يُقْتَلُ مَظْلُومًا ، فَوَرَدَ عَلَى الصَّحَابَةِ أَمْرٌ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ عَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه لِيَأْذَنَ لَهُمْ بِنُصْرَتِهِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ؛ لَقَاتَلُوا
1457 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُتَّلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شَحْمَةَ قَالَ
⦗ص: 1981⦘
: حَدَّثَنَا دَهْثَمُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو سَعِيدٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ: ثنا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، وَهِشَامٍ ، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:" لَقَدْ كَانَ فِي الدَّارِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَبْنَاؤُهُمْ ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، الرَّجُلُ مِنْهُمْ خَيْرٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَقُولُونَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ، فَقَالَ: أَعْزِمُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ وَإِنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا أَنْ لَا يُهْرِيقَ فِيَّ دَمًا ، وَأُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمَا كَفَانِي الْيَوْمَ نَفْسَهُ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ مَظْلُومٌ ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَنَعَهُمْ ، قِيلَ لَهُ: مَا أَحْسَنْتَ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّكَ تَكَلَّمَتْ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ ، فَإِنْ قَالَ: وَلِمَ؟
⦗ص: 1982⦘
قِيلَ: لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَصْحَابَ طَاعَةٍ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، فَقَدْ فَعَلُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِنْكَارِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ، وَعَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ لِنُصْرَتِهِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِمْ ، فَلَمَّا مَنَعَهُمْ عُثْمَانُ رضي الله عنه مِنْ نُصْرَتِهِ ، عَلِمُوا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ ، وَأَنَّهُمْ إِنْ خَالَفُوهُ لَمْ يَسْعَهُمْ ذَلِكَ ، وَكَانَ الْحَقُّ عِنْدَهُمْ فِيمَا رَآهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَعَنْهُمْ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ مَنَعَهُمْ عُثْمَانُ مِنْ نُصْرَتِهِ وَهُوَ مَظْلُومٌ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ قِتَالَهُمْ عَنْهُ نَهْى عَنْ مُنْكَرٍ ، وَإِقَامَةُ حَقٍّ يُقِيمُونَهُ؟ قِيلَ لَهُ: وَهَذَا أَيْضًا غَفْلَةٌ مِنْكَ ، فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قِيلَ لَهُ: مَنْعُهُ إِيَّاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ، كُلُّهَا مَحْمُودَةٌ: أَحَدُهَا ، عِلْمُهُ بِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مَظْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّكَ تُقْتَلُ مَظْلُومًا ، فَاصْبِرْ فَقَالَ: أَصْبِرُ ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بِهِ عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ ، وَأَنَّ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ حَقٌّ كَمَا قَالَ لَابُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ وَعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ ، فَصَبَرَ كَمَا وَعَدَ ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَنْ مَنْ طَلَبَ الِانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ وَالذَّبِّ عَنْهَا فَلَيْسَ هَذَا بِصَابِرٍ ، إِذْ وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ فَهَذَا وَجْهٌ ، وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قِلَّةُ عَدَدٍ ، وَأَنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ صَحَابَةِ نَبِيِّهِ بِسَبَبِهِ ، فَوَقَاهُمْ بِنَفْسِهِ إِشْفَاقًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ رَاعٍ وَالرَّاعِي
⦗ص: 1983⦘
وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحُوطَ رَعِيَّتَهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ فَصَانَهُمْ بِنَفْسِهِ ، وَهَذَا وَجْهٌ ، وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهَا فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا سُلَّ فِيهَا السَّيْفُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُقْتَلَ فِيهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ؛ فَلَمْ يَخْتَرْ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَسُلُّوا فِي الْفِتْنَةِ السَّيْفَ ، وَهَذَا أَيْضًا إِشْفَاقٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ ، فِتْنَةٌ تَعُمُّ ، وَتَذْهَبُ فِيهَا الْأَمْوَالُ ، وَتُهْتَكُ فِيهَا الْحَرِيمَ ، فَصَانَهُمْ عَنْ جَمِيعِ هَذَا ، وَوَجْهٌ آخَرُ ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَصْبِرَ عَنِ الِانْتِصَارِ لِتَكُونَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم شُهُودًا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ ، وَخَالَفَ أَمَرَهُ ، وَسَفَكَ دَمَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ عز وجل فِي أَرْضِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُهَرَاقَ بِسَبَبِهِ دَمُ مُسْلِمٍ ، وَلَا يَخْلُفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي أُمَّتِهِ بِإِهْرَاقِهِ دَمِ مُسْلِمٍ ، وَكَذَا قَالَ رضي الله عنه ، فَكَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه بِهَذَا الْفِعْلِ مُوَفِّقًا مَعْذُورًا رَشِيدًا ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي عُذْرٍ ، وَشَقِيُّ قَاتِلُهُ