الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ ذِكْرِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
1111 -
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ التَّاجِرُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ يَوْمًا أَضْوَأَ وَلَا أَنْوَرَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ يَوْمٍ دَخَلَ عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، وَلَا رَأَيْتُ يَوْمًا أَظْلَمَ وَلَا أَقْبَحَ مِنْ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
1112 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ
⦗ص: 1624⦘
: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، فَلَمَّا مَاتَ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ»
1113 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُفَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ بَحْرٍ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِمَا تَجِدُ خَاصَّةً لَكَ وَإِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلًا لَكَ ، يَقُولُ لَكَ:«كَيْفَ تَجِدُكَ» قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» فَلَمَّا كَانَ
⦗ص: 1625⦘
الْيَوْمُ الثَّانِي هَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تَجِدُ مِنْكَ خَاصَّةً لَكَ وَإِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلًا لَكَ يَقُولُ لَكَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ» قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا ، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ هَبَطَ جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَمَعَهُ مَلَكٌ عَلَى شِمَالِهِ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ ، جُنْدُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، جُنْدُ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ ، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] ، اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ عز وجل فِي لِقَاءِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ ، فَسَبَقَهُمْ جِبْرِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تَجِدُ مِنْكَ خَاصَّةٌ لَكَ وَإِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلًا لَكَ ، يَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَ: «أَجِدُنِي مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي مَكْرُوبًا» قَالَ: وَاسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَكَ وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ قَالَ: «ائْذَنْ لَهُ يَا جِبْرِيلُ» قَالَ: فَدَخَلَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبِّي وَرَبُّكَ عز وجل وَأَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ فِيمَا تَأْمُرُنِي بِهِ ، إِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ نَفْسَكَ قَبَضْتُهَا وَإِنْ كَرِهْتَ تَرَكْتُهَا قَالَ:«وَتَفْعَلُ ذَلِكَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ» قَالَ: بِذَلِكَ أُمِرْتُ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهُ عز وجل قَدِ اشْتَاقَ إِلَيْكَ وَأَحَبَّ لِقَاءَكَ ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، عَلَى مَلَكِ الْمَوْتِ فَقَالَ:«امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ» فَقَبَضَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَمِعْنَا قَائِلًا يَقُولُ وَمَا نَرَى شَيْئًا: فِي اللَّهِ عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ هَالِكٍ ، وَعِوَضٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ ، وَخَلَفٌ مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا ، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا ، فَإِنَّ الْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ
⦗ص: 1626⦘
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: قَدْ رَسَمْتُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَاتَهُ ، وَغُسْلَهُ ، وَكَيْفَ صُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَوَقْتَ دَفْنِهِ ، وَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ ، وَثَوَابَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، وَنَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فَضْلَ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ عز وجل لَهُ أَصْهَارًا وَأَنْصَارًا ، وَوُزَرَاءَهُمُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ رضي الله عنهم ، وَنَفَعَنَا بِحُبِّهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا دُفِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، جَاءَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها ، فَوَقَفَتْ عَلَى قَبْرِهِ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
[البحر الكامل]
أَمْسَى بِخَدِّي لِلدُّمُوعِ رُسُومُ
…
أَسَفًا عَلَيْكَ وَفِي الْفُؤَادِ كُلُومُ
وَالصَّبْرُ يَحْسُنُ فِي الْمَوَاطِنِ
…
كُلِّهَا إِلَّا عَلَيْكَ فَإِنَّهُ مَذْمُومُ
لَاعَيْبَ فِي حُزْنِي عَلَيْكَ لَوْ
…
أَنَّهُ كَانَ الْبُكَاءُ لِمُقْلَتَيَّ يَدُومُ
⦗ص: 1631⦘
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَضِّلِ عَلَيْنَا بِالنِّعَمِ الدَّائِمَةِ ، وَالْأَيَادِي الْجَمِيلَةِ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ، سِرًّا وَعَلَانِيَةً ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، ذَاكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ وَأَصْحَابِهِ الْمُنْتَجَبِينَ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ مِمَّا يَسَّرَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لِي مِنْ رَسْمِ كِتَابِ الشَّرِيعَةِ ، يَسَّرَ لِي أَنْ رَسَمْتُ فِيهِ مِنْ فَضَائِلِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَأَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَائِلَ صَحَابَتِهِ رضي الله عنهم ، الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ عز وجل لَهُ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَهُ وَأَصْهَارَهُ وَأَنْصَارَهُ وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ فِي أُمَّتِهِ ، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ الَّذِينَ نَعَتَهُمُ اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ بِأَحْسَنِ النَّعْتِ وَوَصَفَهُمْ بِأَجْمَلِ الْوَصْفِ ، وَأَخْبَرَنَا اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ نَعَتَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِأَحْسَنِ النَّعْتِ وَوَصَفَهُمْ بِأَجْمَلِ الْوَصْفِ ، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21] فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ رضي الله عنهم ، فَإِنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَصَدَّقُوا الْإِيمَانَ بِالْعَمَلِ ، صَبَرُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةٍ ، آثَرُوا الذُّلَّ فِي اللَّهِ عز وجل
⦗ص: 1632⦘
عَلَى الْعِزِّ فِي غَيْرِ اللَّهِ ، وَآثَرُوا الْجُوعَ فِي اللَّهِ عز وجل عَلَى الشِّبَعِ فِي غَيْرِ اللَّهِ ، عَادَوْا فِي اللَّهِ عز وجل الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ ، وَهَاجَرُوا مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَفَارَقُوا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشَائِرَ ، وَتَرَكُوا الْأَمْوَالَ وَالدِّيَارَ وَخَرَجُوا فُقَرَاءَ ، كُلُّ ذَلِكَ مَحَبَّةً مِنْهُمْ لِلَّهِ تبارك وتعالى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم آثَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ جَمِيعِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ بِإِيمَانٍ صَادِقٍ ، وَعُقُولٍ مُؤَيَّدَةٍ ، وَأَنْفُسٍ كَرِيمَةٍ ، وَرَأْيٍ سَدِيدٍ ، وَصَبْرٍ جَمِيلٍ بِتَوْفِيقٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] وَأَمَّا الْأَنْصَارُ رضي الله عنهم ، فَهُمْ قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ عز وجل لِنُصْرَةِ دِينِهِ وَاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ ، فَآمَنُوا بِهِ بِمَكَّةَ ، وَبَايَعُوهُ ، وَصَدَقُوا فِي بَيْعَتِهِمْ إِيَّاهُ فَأَحَبُّوهُ ، وَنَصَرُوهُ ، {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157] ، وَأَرَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ مَعَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ مَحَبَّةً مِنْهُمْ لَهُ ، فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، تَرْكَهُ إِلَى وَقْتٍ ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَخْبَرُوا إِخْوَانَهُمْ بِإِيمَانِهِمْ فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَيْهِمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ، اسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ ، وَسُرُّوا بِقُدُومِهِ عَلَيْهِمْ ، فَأَكْرَمُوهُ ، وَعَظَّمُوهُ ، وَعَلِمُوا أَنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدَهُمْ ، فَفَرِحُوا بِقُدُومِهِمْ ، وَأَكْرَمُوهُمْ بِأَحْسَنِ الْكَرَامَةِ ، وَوَسَّعُوا لَهُمُ الدِّيَارَ ، وَآثَرُوهُمْ عَلَى الْأَهْلِ ، وَالْأَوْلَادِ ، وَأَحَبُّوهُمْ حُبًّا شَدِيدًا ، وَصَارُوا إِخْوَةً فِي اللَّهِ عز وجل ، وَتَآلَفَتِ الْقُلُوبُ بِتَوْفِيقٍ مِنَ الْمُحْبِوبِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَعْدَاءً ، قَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ
⦗ص: 1633⦘
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63] ثُمَّ قَالَ عز وجل لِلْجَمِيعِ: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103] فَأَجْمَعُوا جَمِيعًا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ عز وجل ، وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَلَى الْمُعَاوَنَةِ عَلَى نُصْرَتِهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، فَنَعَتَ اللَّهُ عز وجل الْمُهَاجِرِينَ ، وَالْأَنْصَارَ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْهُ بِكُلِّ نَعْتٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ ، وَوَعَدَهُمُ الْجَنَّةَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاذْكُرْ لَنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتَ؛ قِيلَ لَهُ: لَا يَسَعُنَا أَنْ نَنْطِقَ بِشَيْءٍ إِلَّا بِمَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَأَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم ، وَسَأَذْكُرُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُقِرُّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيُسْخِنَ بِهِ أَعْيُنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِمَا قَصَدْنَا لَهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
بَابُ ذِكْرِ مَا مَدَحَ اللَّهُ عز وجل بِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فِي كِتَابِهِ مِمَّا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] وَقَالَ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72] وَقَالَ عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَقَالَ عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ
: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] وَقَالَ عز وجل: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195] وَقَالَ عز وجل: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 89] وَقَالَ عز وجل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100] وَقَالَ عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] الْآيَةَ ، وَقَالَ عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ،
لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الأنفال: 62] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ عز وجل: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110] وَقَالَ عز وجل: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 41] وَقَالَ عز وجل: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8] وَقَالَ عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] وَقَالَ عز وجل: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا
إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] وَقَالَ عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29] إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] وَقَالَ عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهَمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: فَقَدْ وَاللَّهِ أَنْجَزَ اللَّهُ عز وجل الْكَرِيمُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ ، جَعَلَهُمُ الْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ الرَّسُولِ ، وَمَكَّنَهُمْ فِي الْبِلَادِ ، فَفَتَحُوُا الْفُتُوحَ ، وَغَنِمُوا الْأَمْوَالَ ، وَسَبَوْا ذَرَارِيَّ الْكُفَّارِ ، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَأَعَزُّوا دِينَ اللَّهِ عَزَّ جَلَّ ، وَأَذَلُّوا أَعْدَاءَ اللَّهِ عز وجل ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونِ ، وَسَنُّوا لِلْمُسْلِمِينَ السُّنَنَ الشَّرِيفَةَ ، وَكَانُوا بَرَكَةً عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ
أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] يُقَالُ: مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ ، وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ ، فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ ، وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَنَارَ بِنُورِ اللَّهِ عز وجل ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، وَمَنْ قَالَ الْحُسْنَى فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، رحمه الله: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً ، نَفَعَنَا اللَّهُ بِحُبِّهِمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، وَأَنَا أَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا مَا فَضَّلَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ