الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة:
اهتم المستشرقون بتاريخ خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي اهتماما كبيرا، فقد درس المستشرق الهولندي فان فلوتن في كتابه:"السيادة العربية" بيئة خراسان دراسة سياسية واجتماعية واقتصادية. وتحدث المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن في كتابه: "تاريخ الدولة العربية" عن القبائل العربية بخراسان حديثا مفصلا. وكتب الدكتور صالح العلي مقالة طويلة عن "استيطان العرب في خراسان".
وليس يعنيني أن أحصر الدراسات والمقالات التي أفردها المستشرقون أو العرب المحدثون لدراسة تاريخ العرب بخراسان، أو للبحث عن تاريخ الدعوة العباسية في هذه الحقبة، فإنها أكثر من أن تحصى، وإنما الذي يعنيني هو أن دراساتهم ومقالاتهم لم يكن لها أثر قوي عند دارسي الأدب العربي.
ولعل الدكتور شوقي ضيف هو أول من لفت الأنظار إلى بيئة خراسان وقيمتها في تاريخ الشعر العربي، فقد خصص لها فصلا في كتابه:"العصر الإسلامي": ولكن تنبيهه لم يدفع المشتغلين بالأدب إلى دراسة الشعر العربي بخراسان في هذا العصر دراسة علمية مستفيضة.
وفي أثناء مراجعتي لكتاب: "معجم الشعراء" عثرت على طائفة من الشعراء وصفهم المرزباني بأنهم من شعراء خراسان. فأخذت أبحث عن أخبارهم وأشعارهم فيما تيسر لي من المصادر، فلما قرأت "تاريخ الرسل والملوك" للطبري وجدت فيه مادة
غزيرة من تاريخ العرب، ومن شعر شعرائهم بخراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي. ولكنني ظللت مترددا في تتبع الموضوع تتبعا وافيا، حتى عرضته على أخي الكبير الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري، فشجعني على المضي فيه، وزودني بكثير من الملاحظات المهمة، فمضيت أجمع كل ما أقع عليه من أخبار العرب وأشعارهم بخراسان في هذه الحقبة، حتى إذا أحسست أنني ظفرت بأكثر المواد من المصادر والمظان المتاحة، عكفت على النظر فيما جمعته منها، وعلى تبويبه ودراسته، وانتهيت إلى توزيعه بين ثلاثة فصول، جعلت أولها للجغرافية التاريخية، وثانيها لموضوعات الشعر وخصائصه، وثالثها لشعراء القبائل بخراسان.
أما مصادر البحث ومراجعه فكثيرة متنوعة، فمنها الكتب الجغرافية، وأنفعها كتاب:"المسالك والممالك" للإصطخري، فإن فيه أدق المعلومات وأوفاها عن خراسان، وكتاب:"بلدان الخلافة الشرقية" للمستشرق الإنجليزي لي سترانج، فقد أفدت منه فوائد كثيرة في تحديد مواقع المدن والقرى.
ومنها الكتب التاريخية: وأهمها كتاب: "الرسل والملوك" للطبري، فإنه أشمل مصدر لتاريخ العرب وشعرهم بخراسان.
ومنها الكتب الأدبية، وأشهرها كتاب:"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، فإن فيه تراجم وافية لأكثر الشعراء الذين ترجمت لهم، وكتاب:"نقائض جرير والفرزدق" لأبي عبيدة ومعمر بن المثنى، وكتاب:"معجم الشعراء" للمرزباني، فإنهما يحتويان على أشعار لم تذكر في المصادر الأخرى، وهي أشعار لها قيمة كبيرة، لأنها تكشف عن بعض مواقف القبائل من الأحداث الداخلية.
وأما الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري فهو صاحب الفضل الأول في ظهور هذا البحث، فهو الذي حثني على التوفر عليه، والعمل فيه، وهو الذي أمدني بفيض من ملاحظاته، وهو الذي تكرم بقراءة كل فصل كنت أكتبه قراءة متأنية متعمقة، وهو الذي جنبني بعض الهفوات والأوهام، وصحح بعض الآراء والأحكام، حتى خرج البحث على هذه الصورة. ومهما أعترف بفضله، وأقدر جميله، فأنا عاجز عن أن أوفيه حقه من الشكر والتقدير.
وأرجو أن أكون وضحت في هذا الكتاب شخصية خراسان الأدبية من الفتح إلى نهاية العصر الأموي، كما أرجو أن يكون فيه ما ينفع الباحثين المهتمين بالتاريخ والأدب. فإن قصرت أو أخطأت فعذري أنني اجتهدت، وأنني بذلت ما استطعت، فقد نحوت في دراسة الشعر والتاريخ نحوا يقوم على المزاوجة بينهما، بل على دراسة الشعر من خلال التاريخ، ودراسة التاريخ من خلال الشعر، دون تمحل أو تأول للتوفيق بينهما فهما يتواصلان في هذا الكتاب تواصلا دقيقا، ويتكاملان فيه تكاملا وثيقا.
عمان في 15/ 1/ 1989
حسين عطوان