المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الأول: الجغرافية التاريخية "‌ ‌وصف خراسان ": تتألف خراسان في اللغة الفارسية من - الشعر في خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي

[حسين عطوان]

الفصل: ‌ ‌الفصل الأول: الجغرافية التاريخية "‌ ‌وصف خراسان ": تتألف خراسان في اللغة الفارسية من

‌الفصل الأول: الجغرافية التاريخية

"‌

‌وصف خراسان

":

تتألف خراسان في اللغة الفارسية من كلمتين: "خر" ومعناها الشمس، و"آسان" ومعناها المشرقة، فهي بلاد الشمس المشرقة التي تشمل مساحة واسعة تقع إلى الشرق من بلاد فارس وتترامى إلى نهرجيحون، وهي مقسومة في الوقت الحاضر بين ثلاث دول هي الاتحاد السوفييتي، وأفغانستان، وإيران. أما ما أضيف منها إلى الاتحاد السوفييتي فيشمل المنطقة الممتدة من مرو الشاهجان إلى نهرج جيحون. وأما ما ضم منها إلى أفغانستان فهو الرقعة الواقعة إلى الشرق من خط يبدأ من سرخس في الشمال. ويمتد إلى الجنوب مارا بمنتصف المسافة بين طوس وهراة. وأما سائرها فتابع لإيران1.

والقدماء مختلفون في حدودها بعض الاختلاف، إذ منهم من يدخل فيها قومس وقوهستان من جهة الجنوب الغربي، وخوارزم وما وراء النهر وطخارستان من جهة الشمال والشرق2، غير أن منهم من يفصل كل تلك المناطق عنها3. ولا سبيل إلى تعيين حدودها تعيينا دقيقا، وإن كان القدماء قد عينوها حسب مقاييسهم الجغرافية، وتحديدهم للجهات الأربع4.

1 دائرة المعارف الإسلامية 8: 282، وبلدان الخلافة الشرقية للي سترنج ص:423.

2 كتاب البلدان لابن الفقيه ص: 321، وسنشير إليه بابن الفقيه.

3 معجم البلدان لياقوت 2: 409، وسنشير إليه بياقوت.

4 المسالك والممالك للإصطخري ص: 145، وسنشير إليه بالإصطخري، وصورة الأرض، لابن حوقل ص: 358، وسنشير إليه بابن حوقل.

ص: 11

ولا تعني مسئولية عمال خراسان عن إدارة بعض المناطق التي أضافها القدماء إليها أنها كانت جزءا منها بالضرورة، كما أن بلاد ما وراء النهر لم تخضع للعرب خضوعا تاما في العصر الأموي، وإنما كانت موطن شغب دائم عليهم، على كثرة ما غزوها وفتحوها وعقدوا المعاهدات مع أهلها. بل إن الأتراك كانوا يجتاحون نهر جيحون ويهاجمون العرب بخراسان مرارا.

وتقسم خراسان عند الجغرافيين العرب إلى أربعة أرباع، كان عمال خراسان يشرفون عليها، وهي نيسابور، ومرو الشاهجان، وهراة، وبلخ. أما الربع الأول منها فيشمل قسمها الغربي، وأكبر مدينة فيه نيسابور، التي تعرف حينا بأبرشهر، وحينا آخر بإيرانشهر. وهي بأرض سهلية، وأبنيتها من طين تنبسط في مساحة مقدارها فرسخ في فرسخ1. ولها قهندز وربض، أي قلعة وضاحية. أما القلعة فخارج المدنية، وأما الضاحية فتحف بالمدينة والقعلة. وكان للمدينة أربعة أبواب، وللقلعة بابان، وللضاحية أربعة أبواب، باب منها يؤدي إلى العراق وجرجان، وباب يؤدي إلى بلخ وما وراء النهر، وباب يؤدي إلى فارس وقوهستان، وباب يؤدي إلى طوس ونسا2.

وكان أكثر أهل نيسابور يعملون في الزراعة، ويسقون مزارعهم من نهر سغاور. وقد شقوا له القنوات التي كانت تتخلل بلدهم ودورهم، وتمتد إلى ضياعهم. وكان له قوامون، وعليه حفظة. فانتعشت الزراعة لذلك انتعاشا كبيرا، وغلت لهم أراضيهم غلات وفيرة، وخيرات كثيرة من الحبوب والأقطان والفواكه. وكان بعضهم يشتغل بالصناعة، وخاصة بالمنسوجات القطنية والحريرية، وكان يرتفع من بلدهم من أصناف البز وفاخر ثياب القطن والقز إلى سائر بلدان الإسلام وغيرها لكثرته وجودته. وكان بعضهم يتعاطى التجار في أسواق المدينة المنظمة المقسمة، وكان كل تاجر ينزل بناحية معينة من السوق حسب تجارته وبضاعته وكانت التجارة في بلدهم رائجة، حتى ليقول ابن حوقل: "إنه بخراسان مدينة أدوم تجارة، وأكثر سابلة، وأعظم قافلة من

1 الفرسخ: ثلاثة أميال أو ستة، فارسي معرب "انظر لسان العرب 4: 13".

2 ابن حوقل ص: 363.

ص: 12

نيسابور"1. وكان بالمدينة كثير من الحرفيين كالقلانسيين والأساكفة والخرازين والحبالين2:

ولنيسابور حدود واسعة ورساتيق عامرة، والرستاق هو الأرض الزراعية. ويقال: إنه كان لها اثنا عشر رستاقا، ويقال بل ثلاثة عشر رستاقا3، كان ينتشر في كل منها قرى كثيرة قدرها ابن الفقيه بمائة وستين قرية في كل رستاق4.

وإلى الغرب من نيسابور كانت ناحية بيهق، وهي كورة واسعة كثيرة البلدن والعمارة، تشتمل على ثلاثمائة وإحدى وعشرين قرية5 وإلى الشمال من نيسابور تقوم نسا بين الجبال. وهي خصبة كثيرة المياه والبساتين، ولأهلها مياه جارية في دورهم وسككهم، كما لها رساتيق شاسعة6. وإلى الشرق من نسا، وبينها وبين سرخس مدينة أبيورد، وهي تشتهر بخصبها ورخائها7. وفي الطريق بين نيسابور ومرو الشاهجان مدينة سرخس التي تقع بأرض سهلية ليس بها ماء جار إلا نهر يجري بعض السنة لا يدوم ماؤه. وهو فضل نهر هراة. ولذلك فإن أهلها يعتمدون على الآبار ويشتغلون بالرعي، إذ معظم أملاكهم الجمال والأغنام، وتقل الزروع عندهم إلا بعض الحبوب، ولا تكثر القرى حولهم، كما تنعدم الزراعة فيما تناثر من القرى، ويغلب عليها الرعي8. وعلى بعد عشرة فراسخ إلى الشمال الشرقي من نيسابور طوس. وهى تتألف من مدينتين مشهورتين هما الطابران ونوقان اللتان ينتشر حولهما أكثر من ألف قرية 9.

والربع الثانى من خراسان هو القسم الشمالى منها، وحاضرته مرو الشاهجان وهي على نهر المرغاب الذي ينحدر من جبال الغور في شمال شرقى هراة، ثم بمرو الروذ

ص: 13

ويدور منها شمالا إلى مرو الشاهجان حيث تتفرع منه جملة أنهار، ثم يفنى ماؤه في رمال مفازة الغز 1.

والمدينة بأرض مستوية بعيدة عن الجبال، لا يرى منها على مدى البصر جبل، وأرضها سبخة كثيرة الرمال، وأبنيتها من طين، وهي موزعة بين أربعة أقسام يسقي كل قسم منها نهر يأخذ من نهر المرغاب عند قرية الرزق أو الرزيق، حيث أقيم مقسم الماء. وتنهض عليها جميعا مباني المدينة وأرباضها. وهذه الأنهار هي نهر هرمز فره الذي يجري غربا، وفي شرقيه نهر الماجان، ثم نهر الرزق، وآخرها نهر أسعدي.

وللمدينة حصن، وعلي أنهارها سور يحيط بها كلها، وعلى رساتيقها جميعها سور آخر يلتف حولها. ولها أيضا أربعة أبواب تفضي إلى جهات مختلفة. وهي من النظافة، وحسن الترصيف، وتقسيم الأبنية والمحال في خلال الأنهار والغروس، وتميز كل سوق من غيره، بحيث تفضل سائر مدن خراسان2.

والزراعة قوام حياة أهل مرو الشاهجان، فهم يزرعون الحبوب والفواكه والكروم، كما تشتهر المدينة بعنبها وزبيبها وبطيخها، ويشتغل بعضهم بصناعة الحرير والقطن والثياب. ويقال إنه كان يصدر منها الإبريسم والقز الكثير والقطن اللين، والثياب الفاخرة التي كانت تجهز إلى الآفاق3.

ولمرو الشاهجان قرى ومدن كثيرة، منها سنج، وهي تبعد عنها من جهة الغرب أربعة فراسخ، ودورها مبنية على النهر، وبها بساتين كثيرة4. وإلى الجنوب الغربي من مرو الشاهجان، وبينها وبين سرخس مدينة الدندانقان، وهي بمنطقة رملية تنتهي عندها مزارع مرو الشاهجان5. وفي الشمال الشرقي من مرو الشاهجان على الطريق إلى

1 بلدان الخلافة الشرقية ص: 439.

2 اليعقوبي ص: 279، والإصطخري ص: 147، وابن حوقل ص: 364، والمقدسي ص: 310، وابن الفقيه ص:320.

3 الإصطخري ص: 149، وابن حوقل ص:365.

4 المقدسي ص: 312، وياقوت 3:161.

5 المقدسي ص: 312، وياقوت 2:610.

ص: 14

آمل مدينة كشمهين، وهي مشهورة ببساتينها وأعنابها وزبيبها1. وبعدها مدينة آمل على شط نهر جيحون، وهي مجمع طرق خراسان إلى ما وراء النهر، ولها ماء جار، وبساتين وزرع2. وبينها وبين مرو الشاهجان رمال صعبة المسلك، ومفازة أشبه بالمهلك3. وشرقي آمل بنحو مائة ميل بلدة زم، وهي أصغر من آمل في العمارة، وفيها المياه الجارية، والبساتين والزروع، وبها معبر ما وراء النهر4 وفي الجنوب الشرقي لمرو الشاهجان مدن القرينين، وجيزنج، ورزق5. وفي تلك الجهة، وعلى بعد مائة وستين ميلا من مرو الشاهجان مدينة مرو الروذ، وهي على نهر المرغاب، طيبة التربة والهواء، ولها بساتين وكروم كثيرة، تحيط بها الجبال من الغرب والشرق6. وعلى مجرى نهر المرغاب إلى مرو الشاهجان بما يبعد مسيرة يوم عن مرو الروذ بلدة قصر أحنف، فيها الماء الجاري، والبساتين والكروم والفواكة7.

وثالث أرباع خراسان هو القسم الجنوبي منها، وعاصمته مدينة هراة، وهي على النهر المسمى باسمها، وهو ينبع من جبال الغور، ويجري من الشرق إلى الغرب، مارا بمدينة هراة فمدينة بوشنح، ثم ينعطف نحو الشمال منسابا إلى سرخس، ثم يغيض ماؤه بمفازة إلى الشمال منها. وبناء هراة من طين، وبها حصن وثيق به، به أربعة أبواب، ولها ربض، وعليها سور له أربعة أبواب بإزاء أبواب الحصن، باب في الشمال يخرج منه إلى بلخ، وباب في الغرب يخرج منه إلى نيسابور، وباب في الجنوب يخرج منه إلى سجستان، وباب في الشرق يخرج منه إلى الغوز. وعلى كل باب سوق، وفي داخل المدينة والربض مياه جارية. والجبل على طريق بلخ إلى الشمال من هراة، ليس به محتطب ولا مرعى، وإنما يرتفقون منه بالحجارة للأرحبة والفرش وغير ذلك. ويتشعب

1 اليعقوبي ص: 280، وياقوت 4:278.

2 الإصطخري ص: 157، وابن حوقل ص:376.

3 ياقوت 1: 69.

4 الإصطخري ص: 157، وابن حوقل ص: 376، وياقوت 2:946.

5 الإصطخري ص: 149، وابن حوقل ص:365.

6 الإصطخري ص: 152، وابن حوقل ص: 369، وياقوت 4:506.

7 الإصطخري ص: 152، وابن حوقل ص:369.

ص: 15

من نهر هراة بالقرب من المدينة تسعة أنهر تروي رساتيقها ومزارعها1. ويقول اليعقوبي: إن هراة من أكثر بلاد خراسان عمارة2. ويقول ابن رسته: إنها مدينة عظيمة، وحواليها دور، وفي رساتيقها أربعمائة قرية كبار وصغار، وفيما بين هذه القرى سبع وأربعون دسكرة، تشتمل كل منها على عشرة أنفس إلى عشرين نفسا3. أما ياقوت فيقول:"إنها مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان، لم ير بخراسان مدينة أجل، ولا أعظم، ولا أفخم، ولا أكثر أهلا منها، فيها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة، وخيرات وفيرة"4.

وإلى الجنوب من هراة مدينة مالن، وهي صغيرة مشتبكة المياه والبساتين والكروم، عامرة مشهورة بزبيبها الذي يحمل إلى الآفاق5. وفي رساتيقها خمس وعشرون قرية6. وتليها كورة أسفزار، ولها أربع مدن، فيها الأراضي الخصبة، والبساتين والأعناب7.

وفي شمالي هراة كروخ، وهي أكبر مدينة بعد هراة، تقوم في شعب بين الجبال، وتكثر حولها المياه والبساتين والأشجار، والقرى العامرة، ويرتفع منها المشمش8. وتليها كورة باذغيس، وبها مدن كثيرة، بعضها تجري فيها المياه، وتنتشر بها البساتين، وبعضها قليلة المياه. وأهلها أصحاب زروع وأغنام9. وهي ذات خير ورخص، ويكثر فيها شجر الفستق10. وبعدها رستاق كنج، ومدنه ببن، وكيف، وبغشور.

1 الإصطخري ص149، وابن حوقل ص366.

2 اليعقوبي ص: 280.

3 ابن رسته ص: 173.

4 ياقوت 4: 958.

5 الإصخري ص: 151، وابن حوقل ص:367.

6 ياقوت 4: 398.

7 الإصطخري ص149، وابن حوقل ص:368.

8 الإصطخري ص151، وابن حوقل ص367.

9 الإصطخري ص: 152، وابن حوقل ص:367.

10 ياقوت 1: 461.

ص: 16

والمدينتان الأوليان لهما مياه كثيرة جارية وبساتين وكروم، والمدينة الثالثة بمفازة، وماؤها من الآبار، وأهلها أصحاب زروع1.

وبشرقي باذغيس عند منابع نهر المرغاب بلاد غرح الشار أو غرجستان. وهي بلاد جبلية، ولها مدينتان هما: نشين وشورمين، فيهما المياه والبساتين، ومن الأول يرتفع أرز كثير يحمل إلى البلدان، ومن الثانية يرتفع زبيب يصدر إلى كثير من النواحي2. وتليها بلاد الغور بجنوب نهر هراة وهي جبال حصينة منيعة، عامرة ذات عيون وأنهار وبساتين3.

وتقع بعدها كورة الباميان التي يجري بين مدنها نهر كبير يسير نحو غرجستان. وأكبر مدينة بها الباميان، وهي على جبل، وليس لها سور، وليس بها بساتين. أما بقية مدنها ففي السهل، وكلها ذوات أنهار وأشجار وثمار4.

وإلى الشرق من هراة مدن كثيرة منها باشان، وخيسار، وأستربيان، وماراباذ، وأوفه، وخشت. أما باشان فكثيرة المياه، قليلة البساتين. وفيها زروع. وأما خيسار فنادرة المياه والأشجار، وأما أستربيان فلها مياه، وبساتينها قليلة، والغالب على أهلها الزروع دون الكروم، وهي في الجبال، وأما ماراباذ فكثيرة المياه والبساتين، وترتفع منها كميات كبيرة من الأرز، وأما أوفه فلها مياه وبساتين5.

وفي غربي هراة كورة بوشنج، وبها خمس مدن، أهمها وأكبرها بوشنج، وهي نحو النصف من هراة، وبناؤها من طين، ولها سور، وخندق، وثلاثة أبواب، باب يذهب منه إلى نيسابور، وباب يذهب منه إلى هراة، وباب يذهب منه إلى قوهستان. ومياها من نهر هراة، وبها من أشجار العرعر ما ليس بجميع خراسان، وخشبه يحمل إلى سائر البلاد. وأما المدن الأربع الأخرى فهي كوسوى، وخركرد وفركرد، وكره،

1 الإصخطري ص: 152، وابن حوقل ص:369.

2 الإصطخري ص: 153، وابن حوقل ص371.

3 الإصطخري ص: 153، وابن حوقل ص 371.

4 الإصطخري ص: 156، وابن حوقل ص:375.

5 الإصطخري ص: 151، وابن حوقل ص:367.

ص: 17

وأكبرها كوسوي وهي مدينة نحو الثلث من بوشنج، ولها ماء وبساتين قليلة. وأصغر منها خركرد. غير أن مياهها وبساتينها أكثر وأوسع. أما فركرد، وكره فهما دون خركرد في الكبر، كما أنهما متقاربتان في المساحة والعمران. وأولاهما قليلة الماء والبساتين، وأهلها أصحاب سوائم، وأخراهما كثيرة الماء والبساتين1.

ورابع أرباع خراسان هو القسم الشرقي منها، وأعظم مدينة فيه بلخ، ومساحتها مع ربضها ثلاثة أميال في مثلها. وهي بأرض مستوية، وبناؤها من طين، وبينها وبين أقرب الجبال إليها نحو من أربعة فراسخ، وعليها سور له سبعة أبواب، وبها نهر دهاس، وهو يجري في ربضها، ويسقي رساتيقها، ويدير عشر أرحية، وتحف بأبوابها البساتين والكروم. وبعد السور الأول سور ثان يبعد عنه اثني عشر فرسخا، ويحيط بقراها وضياعها ومزارعها، وليس خارجه عمارة ولا ضيعة ولا قرية، وإنما وراءه الرمال2 وقد وصف المقدسي بهاء بلخ، وحسن موقعها، وسعة طرقها، وبهجة شوارعها، وكثرة أنهارها، والتفاف أشجارها، كما نوه بأعنابها وحبوبها3، ووصفها ياقوت بقوله:"إنها من أجل مدن خراسان وأذكرها وأكثرها خيرا، وأوسعها غلة، تحمل غلتها إلى جميع خراسان، وإلى خوارزم"4.

وتقع إلى الغرب من بلخ ناحية الجوزجان، وهي عامة الخصب، كثيرة التجارة، وبها مدن كثيرة منها: الطالقان، وهي بمنطقة سهلية، تبعد عن مرو الروذ ثلاث مراحل، وبها مياه جارية، وبساتين قليلة، كما أنها صحيحة الهواء، ورساتيقها بالجبل كثيرة عامرة5. ومنها الجرزوان. وهي بين جبلين، بين مرو الروذ والطالقان، معمورة، وأهلها مياسير. وعلى بعد مرحلتين مما يلي الطالقان على طريق بلخ مدينة اليهودية، التي تعرف أيضا بميمنة. وهي في الجبل، ولها مياه وبساتين. وفيها صناعات

1 الإصطخري ص: 151، وابن حوقل ص: 368، وياقوت 1:758.

2 اليعقوبي ص: 288، والإصطخري ص: 155، وابن حوقل ص:373.

3 المقدسي ص: 299/ 302.

4 ياقوت 1/ 713.

5 المقدسي ص: 303.

ص: 18

وتجارات. وإلى جنوابها مدينة كنددرم، وهي في الجبل وافرة المياه والكروم والجوز، ثم بلدة سان، وهي صغيرة، ولها مياه وبساتين، والغالب على ثمارها الأعناب والجوز. أما الفارياب فهي بين الطالقان وشبورقان، وهي صغيرة إلا أنها كثيرة المياه والبساتين، ومياها من الطالقان، وهي تجمع سائر ما يكون من الصناعات في المدن. وبعدها مدينة شبورقان، لها ماء جار، والغالب على أهلها الزروع، وبساتينهم قليلة، وإلى الشمال الغربي من شبورقان انخذرستاق، ومدينته أشترج، وهي صغيرة في مفازة. ولها سبع قرى، وبها بيوت للأكراد من شعر ومدر، وأهلها أصحاب أغنام وإبل. وجنوبي شبورقان، وشرقي اليهودية مدينة أنبار، وهي بالجبل، ولها مياه وكروم وبساتين1.

ولخراسان طرق ومسالك كثيرة تربط مدنها الكبيرة والصغيرة، وتربط كذلك بينها وبين ما يجاورها من البلدان، عددها الجغرافيون العرب وحددوا المسافات بين كل مدينة وأخرى تحديدا دقيقا2.

وعلى اتساع خراسان، وتباين طبيعتها بين سهول ورمال وجبال، فإنها في جملتها معتدلة المناخ، لطيفة الهواء، ليس فيها مناطق حارة متقدة الحرارة، ولا مناطق باردة شديدة البرودة إلا الباميان، فإنها أكثر خراسان بردا وثلجا. وتربتها صحيحة، وأزكى أرضها السقي نيسابور، وأحسن أرضها التي تجودها الأمطار وترويها ما بين هراة ومرو الروذ، وهي ما يعرف بالأعذاء، أي الأرض الطيبة التربة، الكريمة المنبت، البعيدة من المياه والسباخ3. ولذلك كانت خراسان غنية بخيرات الأرض، وأرزاق الدنيا، التي لم تكن تسد حاجات أهلها فحسب، وإنما كانت تفيض عن استهلاكهم فيضا كبيرا من الغلات الزراعية. والمواد الأولية والغذائية والمنتوجات الصناعية. فكانوا يصدرونه إلى كثير من الأقطار. وفي ذلك يقول الإصطخري: "بخراسان من الدواب والرقيق والأطعمة والملبوس وسائر ما يحتاج الناس إليه ما يسعهم فأنفس الدواب ما يرتفع من

1 انظر في هذه المدن الإصطخري ص: 152، وابن حوقل ص: 369، 370، وياقوت 2:149.

2 الإصطخري ص: 158، وابن حوقل ص:337.

3 الإصطخري ص: 158 وابن حوقل ص: 377، وابن الفقيه ص: 316، والمقدسي ص:294.

ص: 19

نواحي بلخ، وأنفس ثياب الإبريسم ما يقع من نيسابور، ومرو الشاهجان، وأطيب البز ما يرتفع من مرو الشاهجان"1.

واستقصى المقدسي ما ينتج في بلدان خراسان مادة مادة، فمن نيسابور ترتفع الثياب والعمائم والملاحم والحلل وثياب الشعر والغزل الجيد، ومن نسا الثياب وفرو الثعالب والبزاة، ومن طوس الثياب الملونة والحصر والحبوب، ومن رساتيق نيسابور ثياب كثيرة غليظة، ومن هراة البز الكثير والديباج والزبيب والفتسق، وأكثر حلاوات أهل خراسان. ومن مرو الشاهجان الملاحم ومقانع القز والإبريسم والقطن والبقر والجبن والنحاس، ومن سرخس الحبوب والجمال، ومن بلخ الصابون والسمسم والأرز والجوز واللوز والزبيب والسمن والعسل، والزاج والكبريت والرصاص والأبخرة، ومن غرج الشار الذهب واللبود والبسط الحسان والحقائب والخيل الجيدة والبغال2.

1 الإصطخري ص: 157.

2 المقدسي ص: 324.

ص: 20