الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظام النيابي وفكرة تمثيل الأمة بواسطة نواب عنها .. أساسه وسنده
إن فكرة تمثيل الأمة بواسطة نواب عنها فيما فيه صلاحها واستقامة أحوال الجماعة من أبنائها بواسطة أفراد ينوبون عنها مستقرة في الأذهان ولا يوجد في شرع الله ما يمنع من ذلك، بل إن ذلك مما يوجد له أساس وسند من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو من الأمور التي لا تستقيم الحياة دونها لما في ذلك من التيسير والتعاون على البر الذي أمر الله به في قوله:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)(1) فقيام البعض من الناس برعاية مصالح الأمة وتدبير شؤونها نيابة عنها له ما يدل على مشروعيته ففي سورة براءة يقول الحق جل وعلا: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(2) وفي تفسيرها يقول الإمام القرطبي: إن المقصود بقوله تعالى (إلى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ) أنهم الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان المتولي للعقود وأصحابه رضوا ذلك فكأنهم عاقدوا وعاهدوا وانتسب العهد إليهم
…
ولا يمكن غير ذلك فإن تحصيل الرضى من الجميع متعذر فإذا عقد الإمام لما يراه من المصلحة أمراً لزم جميع الرعايا. (3)
وبهذه الآية تتأسس مشروعية التمثيل للأمة من القرآن الكريم (4) ، بل أن جمع شعب بأكمله أو أمة بكل أفرادها في أمر التشريع والشورى وإدارة شؤونها العامة أمر لا يمكن دون نظام النيابة والتمثيل، إذ يستحيل من الناحية المادية جمع الأمة كلها في مكان واحد وحتى لو أننا افترضنا تحقق ذلك لاستحال الوصول إلى رأي واحد وقرار نهائي لسبب اختلاف الآراء وتباين الفهم في المسألة الواحدة.
(1) - الآية (2) من سورة المائدة.
(2)
- الآية (1) من سورة التوبة.
(3)
- القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن.
(4)
- داود الباز في الشورى والديمقراطية النيابية ص 114.
أضف إلى ذلك أنه قد يتعلق موضوع الشورى في مجلس التشريع بأمر فني بحت أو بأمر يتطلب موضوعه خبرة خاصة لا يصلح لعامة الناس إبداء الرأي فيه وإنما يرجع فيه إلى أهل الإختصاص من العلماء فيكون الأخذ بنظام التمثيل النيأبي ضرورة لا مناص من الأخذ بها من أجل تحقيق المصلحة العامة وتمثيل الأمة عن طريق نوابها للمشاركة في اتخاذ القرار وإقامة فريضة الشورى التي أمر الله بها.
وسيجد المتتبع للهدي النبوي أساساً ومستنداً لنظام التمثيل النيأبي من سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن ضرب على يده وبايعه سبعون رجلاً من الأنصار قال:(إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيباً، فلا يجدن منكم أحد في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لي جبريل، فلما تخيرهم قال للنقباء: أنتم كفلاء على غيركم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي. قالوا: نعم)(1) ، والحديث واضح الدلالة في أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد سن فكرة اثني عشر رجلاً ليكونوا (نواباً) عن قومهم وكفلاء عليهم.
وسبق أن أوردنا قصة استشارته صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه في غزوة بدر فقام المقداد بن عمر البهراني فقال: والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك حتى تنتهي إليه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -وإنما يريد الأنصار- (أشيروا عليّ أيها الناس، فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار كأنك يا رسول الله تريدنا. قال: أجل. قال: فامض يا نبي الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين)(2) ، وفي ذلك تقرير لنيابة سعد وتمثيله للأنصار فقد ناب سعد بن معاذ رضي الله عنه عن الأنصار جميعاً.
(1) - الطبقات الكبرى تأليف محمد بن سعد بن منيع الزهري (توفي 230هـ) دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان ج1 / ص107.
(2)
- ابن سعد في الطبقات الكبرى ج2 - ص 255.
وبذلك يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقر نيابة سعد بن معاذ عن الأنصار وسمح له أن يعبر عن آرائهم وأن يمثلهم في إبداء الرأي نائباً عنهم في ذلك.
وهذا ما يعبر عنه قول سعد: أنا أجيب عن الأنصار. ورضاء الأنصار بهذا التمثيل لهم أو النيابة عنهم ولو لم يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشرع مبدء التمثيل النيأبي بسنته التقريرية لقال لسعد لا تحجبنا عنهم ولنسمع آراءهم منهم. (1)
بل إن بعض العلماء المعاصرين يرى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد سبق الفكر الحديث في إرسائه لنظام التمثيل النسبي حين جعل التمثيل النيأبي نسبياً إذ جعل النقباء بحسب عدد سكان كل قبيلة فكان النقباء أو النواب عن الخزرج تسعة وعن الأوس ثلاثة، (2) وبهذا يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد سبق إلى تقرير نظام التمثيل النسبي الذي يقره النظام الوضعي لتمثيل الأحزاب السياسية حسب قوتها العددية. (3)
(1) - دكتور منير أحمد البياتي في النظام السياسي الإسلامي مقارناً بالدولة القانونية - دار البشير للنشر والتوزيع - عمان - الطبعة الثانية 1414هـ ص 178. والدكتور محمد بن محمد إسماعيل فرحات في المبادئ العامة في النظام السياسي الإسلامي دار النهضة العربية ص 106.
(2)
- انظر في ذلك د. أحمد شوقي الفخري في كيف نحكم بالإسلام في دولة عصرية - الهيئة العامة للكتاب ص 204. والدكتور محمد سعيد البوطي في فقه السيرة - الطبعة الثانية ص 130.
(3)
- الدكتور داود الباز في كتابه النظم السياسية (الدولة والحكومة) في ضوء الشريعة الإسلامية دار النهضة العربية ص 372.