المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة لقد حرصنا في دراستنا هذه أن نبين أهمية الشورى وأساس - الشورى في الشريعة الإسلامية

[حسين بن محمد المهدي]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌تقديمد. عبدالعزيز المقالح

- ‌تمهيد:

- ‌خطتنا في هذا البحث:

- ‌الفصل الأوللمحة تاريخية عن الشورى

- ‌الفصل الثانيتعريف الشورى وبيان مشروعيتها

- ‌المبحث الأول: تعريف الشورى

- ‌ أولاً تعريف الشورى لغة:

- ‌ ثانياً: تعريف الشورى اصطلاحاً:

- ‌المبحث الثاني:مشروعية الشورى في النظام الإسلامي

- ‌الفصل الثالثالشورى في الأمور العامة

- ‌المبحث الأول: الشورى في التشريع

- ‌النظام النيابي وفكرة تمثيل الأمة بواسطة نواب عنها .. أساسه وسنده

- ‌صلة المجالس التشريعية (نواب الشعب) بأهل الحل والعقد

- ‌وظائف المجالس التشريعية في الأنظمة الحديثة

- ‌الأدلة على وجوب اتباع الشريعة الإسلامية وعدم جواز مخالفتها

- ‌ الدليل الأول: من كتاب الله تعالى

- ‌ثانياً: ما ورد في السنة النبوية

- ‌القانون المناط سنّهُ بالمجالس التشريعية

- ‌عوامل نجاح المجالس التشريعية

- ‌ضوابط النقاش والتصويت وإطاره الأخلاقي

- ‌نتائج التصويت وحكمه في المجالس التشريعية

- ‌رقابة القضاء على دستورية القوانين

- ‌ الرقابة عن طريق الدفع الفرعي:

- ‌المبحث الثانيالشورى في الوظائف العامة

- ‌الوظائف العامة مبدء تقره الدساتير والقوانين في مختلف البلدان

- ‌المبحث الثالثالشورى في القضاء والحكم

- ‌فكرة نظام المحلفين في القوانين الوضعية

- ‌المبحث الرابعالشورى في الحرب

- ‌الشورى في غزوة أحد

- ‌الشورى في غزوة الأحزاب وحفر الخندق

- ‌الشورى في تفريق الأحزاب

- ‌الشورى في غزوة الحديبية

- ‌الشورى في الفتح الأعظم

- ‌الشورى في غزوة حنين وأوطاس

- ‌الشورى في أيام الخلفاء الراشدين

- ‌الشورى في الحرب بشأن المرتدين في أيام أبي بكر رضي الله عنه

- ‌الشورى في الحرب في أيام عمر رضي الله عنه

- ‌عمر رضي الله عنه يستشير في الذهاب إلى العراق

- ‌عمر رضي الله عنه يستشير في الخروج لقتال الروم

- ‌المبحث الخامس

- ‌أولاً: ما ورد في القرآن الكريم

- ‌ثانياً: ما ورد في السنن النبوية وما يستفاد منها عن صفة أهل الشورى

- ‌صفة أهل الشورى عند العلماء

- ‌المبحث السادسبيان الكيفية التي كانت تتم بها الشورى في صدر الدولة الإسلامية وما يستفاد من ذلك

- ‌المبحث السابعالشورى ومدى إلزاميتها

- ‌الفصل الرابعخصوصية الشورى وأهمية تعليمها

- ‌المبحث الأولالشورى في الأسرة والمجتمع ومنهجيتها

- ‌المبحث الثانيتعليم الشورى واتخاذها منهجاً تعليمياً

- ‌الخاتمة

- ‌أهم المراجع:

- ‌كلمة شكر وتنوية

- ‌المحتويات

الفصل: ‌ ‌الخاتمة لقد حرصنا في دراستنا هذه أن نبين أهمية الشورى وأساس

‌الخاتمة

لقد حرصنا في دراستنا هذه أن نبين أهمية الشورى وأساس مشروعيتها والتطبيقات العملية لها في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي حياة الخلفاء الراشدين، وتطرقنا إلى إيجاد نماذج عملية عن الشورى في كافة مجالات الحياة مما يتبين معه أن أي عمل مشترك بين الجماعات إذا ما أردنا له النجاح فإنه لا بد وأن يقوم على مشاورة العقلاء وذوي الكفاءات والخبرات المتنوعة في الإدارة والسياسة والأمور الاجتماعية والعلمية والاقتصادية وكل ما يحتاج الإنسان في حياته في شتى المجالات، ففوائد الشورى أكثر من أن تحصر في وريقات لأنها هبة الله وأمره وهديه وشرعه، ولعل من أهم فوائد الشورى في مجراها الشرعي هو إصابة الحق في غالب أحوالها إذا عرضت بحرية تامة وأدلى كل مشير برأيه وحجته وكانت نيته صحيحة وهدفه الوصول إلى الحق، ومهما تجرد المستشارون عن الأهواء والغرائز والدوافع السيئة مع التوكل على الله فإنه لا شك بأن العواقب ستكون حميدة وسديدة بإذن الله لأن في تلاقح الأفكار وتكامل الثقة وتبادل الخبرة تتولد الكلمة الطيبة الصالحة، فضلاً عن كون ذلك فيه إشعار للمشاركين بالمسؤولية فيسعى الكل عند ذلك لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة واستمرار الثقة بين المشير والمستشار والراعي والرعية وتقوي الصلة ويسود الاطمئنان وتتضيق هوة الخلاف ويحصل التلاحم والتعاون وتنحصر أسباب الخلاف عند وجوده مبكراً، وفي الشورى الاقتداء بنصوص الوحي وعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلف هذه الأمة، كما أن في تركها كل البلاء فضلاً عن فقد صفة من صفات المؤمنين.

ولعل القارئ يلمس أن ترك الشورى يفضي إلى اعتساف الأمور والوقوع في الخطأ وعدم الاستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم، ناهيك عن أن كل ذلك يفضي إلى الجفاء والتقاطع والتسلط والاستبداد، وقد حرصنا على أن نأتي بشيء من التحليل في دراستنا وأن نورد النصوص موثقة معزوة إلى مراجعها، وأن نورد النظام الديمقراطي ونصوص القوانين على سبيل المقارنة مع إظهار فضل الشورى ومكانتها الرفيعة وبيان خصوصيتها

ص: 256

وبيان أن تعليمها يعتبر أساساً للعمل بها واتخاذها مبدء ومنهجاً وتطبيقها وفق منهج الله العادل، وغني عن البيان القول أن الشورى وممارستها يعتبر من أسما آيات الحضارات وأجلها لما فيها من الخير والنفع للكافة أفراداً وجماعات، فهي في الأمور الخاصة تقرب من السداد وتظهر المصلحة وتقود إلى الصواب، ولهذا أمر الله بالتشاور حتى في فطام الطفل، وهي في الأمور العامة تمثل عملاً سياسياً ضرورياً لنجاح الدولة في تدبير شؤون الأمة، وقد رأينا كيف كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتشاور مع أصحابه فيما لا نص فيه، وكيف كان الخلفاء يتشاورون، فهي بحق تشكل منهجاً حيوياً يتوقف عليه انتصار الحق في المجتمع والتزام السداد في شؤونه، كما يتوقف عليها احترام العقل في الدولة واحترام الإنسان في ظلها، ويستفاد مما أتينا على بيانه من الشورى في التشريع وفي القضاء وفي الوظائف أن الشورى تعتبر من أهم الضمانات لصيانة حقوق الإنسان واحترام آدميته، وأن الشورى تمثل أهم ضمانة سياسية لاستقرار الدولة وحمايتها من عوامل الضعف والوهن، وهي سبيل رئيس لسلامة المجتمع من الفوضى وكبح جماح النفس عن الهوى، وفيها مصالح عظيمة أشرنا إليها وفصَّلها الكثير من العلماء، وهي تقي الكثير من المفاسد والمهالك المعطبة، وبذلك نأتي على ملخص لهذه المصالح زيادة في البيان مما يجعلها تستقر في الأذهان، ولتكون مسك ختام مع إيجاز للمفاسد المترتبة على تركها:

المصلحة الأولى: ظهور الحق والصواب في الغالب، فمعلوم أنه إذا كان الغرض من الشورى هو طلب الحق، فإنه مع عرض الآراء بحرية تامة وتجرد المستشارين عن الهوى ستكون النتائج بعد ظهور الصواب سديدة والعواقب حميدة، وفي ذلك مصلحة تعود على الراعي والرعية وعلى الأمة كلها.

المصلحة الثانية: استفادة المتشاورين فيما بينهم من بعضهم البعض، فقد سبق أن أشرنا إلى أنه من أعظم منافع الشورى وفوائدها تلاقح الأفكار والاطلاع على ما عند الآخرين والاستفادة من تنوع الخبرات، وفي ذلك مصلحة للجميع بل إن في ذلك حصول التكامل الاجتماعي.

ص: 257

المصلحة الثالثة: إشعار المشاركين بالمسؤولية وأنهم يسعون مع ولي الأمر إلى تحقيق المصلحة العامة ودرء المفاسد في عملية تكاملية (1).

المصلحة الرابعة: استمرار الثقة بين ولي الأمر ورعيته، لأنه إذا أكثر من مشاورتهم قويت صلة بعضهم ببعض، وشعر هو بتأييد رعيته له في تصرفاته فيقوى بذلك جانبه ويشعرون هم أنه مهتم بمصالحهم وآرائهم، بخلاف ولي الأمر الذي يقدم على تنفيذ ما يرى بدون الرجوع إلى رعيته فإنه قد يشك في مواقفهم على تصرفه وتأييده؛ فلا يكون قوياً في إقدامه، كما أن رعيته قد تشك في صحة تصرفه وفي إرادته المصلحة، بل قد يظنون به الاستبداد بالأمر وتنفيذ مصالحه، وفي هذا ضرر على الراعي والرعية وفقد الثقة بينهم. (2)

المصلحة الخامسة: توحد الكلمة الذي يرتب اتحاد الأمة واجتماعها ولم شملها بسد منافذ الخلاف الذي يؤدي إلى القطيعة بالشورى، فالخلاف إذا نشأ عن اجتهاد وإرادة حق لا ضرر فيه، وبالشورى تتقارب وجهات النظر ويتفق الناس أو يعذر بعضهم بعضا فيما يختلفون فيه ويتعاون الراعي والرعية على البر وعمل الخير ويكونون بذلك كالبنان أو كالبنيان يشدُ بعضهُ بعضاً، ويتحقق بذلك الاعتصام بحبل الله الذي دعأهم إليه بقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً * وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(3) ، وأي مصلحة أعظم من هذه المصلحة التي يتحقق بها طاعة الله ورسوله وإخلاص النصيحة لله ولرسوله ولولاة الأمور ولسائر أفراد الأمة وجماعتها.

(1) - فقه الشورى ص 212.

(2)

- الشورى للدكتور عبدالله أحمد قادري ص 149 بتصرف يسير.

(3)

- آل عمران آية (102 - 103 - 104).

ص: 258

المصلحة السادسة: التحلي بصفة من صفات أهل الإيمان المنصوص عليها في قول الحق تبارك وتعالى (والَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَأهم يُنفِقُونَ)(1) ، والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده وهم القدوة الحسنة.

المصلحة السابعة: أداء الأمانة في مسؤولية المشاركة في الحكم؛ فالحكم أمانة ومسؤولية مشتركة بين الراعي والرعية، والمستشار مؤتمن كما ورد في الحديث النبوي الشريف، ومع هذا إن في إشعار الراعي لرعيته بالمشاركة في الأمر الذي يهمهم وتنصلح به أحوالهم وتدار به دولتهم وأنها إنما أسندت إليه الولاية لجلب مصالحها ودفع المفاسد عنها فوجب أن يشركها معه في تحمل أعباء المسؤولية وإعانته على أداء واجبه، وفي ذلك مصلحة تعود على ولي الأمر في تحميل الرعية أو نوابهم أعباء المسؤولية، وفي ذلك إعانة لولي الأمر ومصلحة له ولهم إلى غير ذلك من المصالح التي يتحقق به النفع للأمة والطاعة لله ولرسوله. ومعلوم أنه يترتب على ترك الشورى مضار كبيرة ومفاسد كثيرة تطال الراعي والرعية وتكون سبباً في عطب الأمة وهلاكها وتفرقها واختلافها وتمزقها وشتاتها وعصيانها لله ورسوله وو .... الخ.

ونشير إلى بعض من تلك المفاسد المترتبة على ترك الشورى:

المفسدة الأولى: أن الأمة التي تترك الشورى تكون قد فقدت صفة من صفات المؤمنين المنصوص عليها في قول الحق تبارك وتعالى (والَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)(2) وفي ذلك عصيان لله وإعراض عن قوله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ

(1) - الشورى الآية 38.

(2)

- آل عمران الآية 159.

ص: 259

وَّهُم مُّعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (1).

أما إذا كان ولي الأمر هو الذي يسعى إلى تعطيل الشورى فإنه يكون قد فقد صفة من صفات المؤمنين أيضاً وأفقد رعيته تلك الصفة، فهو كما يقول الدكتور عبد الله أحمد قادري آثم من جهتين من جهة فقده تلك الصفة متعمداً ومن جهة إفقاده رعيته ذلك ويكون عاصياً لله تعالى بترك تنفيذ أمره بالشورى في قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) وفاقداً للإقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تنفيذ الأمر؛ مع أن غير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحوج إلى تنفيذه منه.

قلت وينطبق على من يعطل الشورى قول الحق تبارك وتعالى (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) الأحزاب آية - 36.

المفسدة الثانية: أن الذي لا يعمل بالشورى يعتسف الأمور اعتسافاً في الغالب ويتصرف خطأً لعدم اجتهاده في الوصول إلى الصواب عن طريق الذين هم مظنته وهم أهل الشورى، وقد أمر الله برد الأمور إلى أهل الخبرة والرأي وأهل العلم في أكثر من آية وذلك في مثل قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(2) ، وقوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(3) ، وقوله تعالى (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً)(4) ، فهو يحرم نفسه من الخبرات التي اكتسبها أهلها لعدم لقائهم ومناقشتهم ذلك (5) ، وهو في ذلك في حكم الخارج عن الجماعة لاستبداده برأيه واتباعه لهوى نفسه وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمناً ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)(6) ، وقد ذكر الدكتور علي سعيد الغامدي بأن ترك العمل بالشورى يفضي إلى اعتساف الأمور والوقوع في الخطأ وعدم الاستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم.

المفسدة الثالثة: شعور الرعية باستبداد الراعي وأنه لا يكترث بأمورهم وما يهمهم، وفي ذلك سوء ظن يترتب عليه عدم الأخذ بالقرارات وتطبيقها وعدم إخلاصهم وتعاونهم معه فلا يكون قوي الجانب في تصرفاته لعدم وقوفهم معه وعدم ثقتهم به.

المفسدة الرابعة: أن ترك الشورى يفضي إلى الوحشة والجفاء بين الراعي والرعية ليوسع دائرة الجفاء ويوسع الجفاء دائرة الخلاف بينهم الذي ربما أفضى إلى التنازع المفضي إلى الفساد والفشل المنهي عنه بقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحكم).

المفسدة الخامسة: هي في أن تارك الشورى يسن سنة سيئة لمن يأتي بعده؛ لأن من يأتي بعده إن وجد السبيل للتشاور سلك المسلك نفسه وإن وجده مقفلاً وميسراً للاستبداد فلا يصعبن عليه ركوبه وإنما يرضى لنفسه ويغضب لها وليس لله (7) وقد قال جل شأنه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ففي اتباع أمر الله والتشاور في كل ما من شأنه إصلاح شؤون البلاد والعباد فيه نفع عظيم، وإن من أعظم الكوارث أن يكون بين أمراء الأمة وقادتها من يرضى أو يغضب لنفسه في شؤون الحكم ولا يرضى ويغضب لله، وهذا ما حذر منه ذو عمرو اليمني جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عندما علم ذو عمرو بوفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما روى جرير قال كنت في اليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا

(1) - الأنفال الآيات: من 20 - 28.

(2)

- النساء الآية 83.

(3)

- النحل الآية 43.

(4)

- الفرقان الآية 59.

(5)

- الشورى للدكتور عبد الله قادري - مصدر سابق ص 152 بتصرف.

(6)

- صحيح مسلم كتاب الإمارة باب وجوب ملزمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن حديث (1848).

(7)

- انظر فقه الشورى - مصدر سابق- ص 214.

ص: 260

عمرو فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال ذو عمرو لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذُ ثلاث وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألنأهم فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون، فقال أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله، ورجعا إلى اليمن فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم فلما كان بعد قال لي ذو عمرو يا جرير إن لك علي كرامة وإني مخبرك خبراً إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تآمرتم في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكاً يغضبون غضب الملوك ويرضون رضى الملوك (1) ، قال ابن حجر قوله تآمرتم بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم أو بالقصر وتشديد الميم أي أقمتم أميراً منكم عن رضى منكم أو عهد من الأول (2) ، وقد علق الدكتور عبد الله أحمد قادري بعد أن أورد الحديث على ذلك بقوله لقد بدا ولاة أمر المسلمين كذلك في أغلب حقب التاريخ بعد الخلافة الراشدة حتى وصل المسلمون الآن إلى ما وصلوا إليه من الفرقة والتناحر وتنافس الأحزاب على السلطة وإطاحة كل حزب بالآخر عن طريق القوة والثورات والانقلابات المتتابعة وذلك من آثار ترك أمر الله تعالى وفقد الصفات الإيمانية وفروعها التي وصف الله بها المؤمنين (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ* وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَأهم يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)(3)، وقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ

(1) - انظر صحيح البخاري ج 5 ص.

(2)

- انظر فتح الباري ج 5 - ص 113.

(3)

- سورة الشورى الآيات (36 - 39).

ص: 261

وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (1)، وقوله تعالى:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(2).

قلت ومما لا شك فيه أن المشورة آلة يستعان بها في تدبير السياسة، والسياسة نظام الدولة التي بها بقاء الدولة واستمرارها، فإذا ضعفت الآلة أو فسدت أدى ذلك إلى ضعف الدولة وفسادها (3). ولو أن المسلمين رعاة ورعية تمسكوا بالشورى لانصلحت أحوالهم وازدهرت دولهم، ولانحسرت الفوضى والفساد وكانوا قادة العالم كله وأصحاب الريادة فيه.

هذا ما انتهى عنده شوط القلم والله نسأل أن يجعل ذلك نافعاً لمن تعلمه وعمل به، ومن وجد خللاً فأصلحه فجزاه الله عنا خير الجزاء وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، وصلى الله على محمد وآلهوصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

(1) - آل عمران الآية (159).

(2)

- النور آية (63).

(3)

- تحفة الوزراء للثعالبي ص 86.

ص: 263