الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمر رضي الله عنه يستشير في الخروج لقتال الروم
لقد شاور عمر رضي الله عنه كبار الصحابة في غزو الروم بنفسه فقال له علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: قد توكل الله لأهل هذا الدين بإعزاز الحوزة (1) وستر العورة والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون حي لا يموت.
إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة فإن أظهر الله فذاك ما تحب وإن تكن الأخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين. (2)
ويستفاد من هذا أن عمر رضي الله عنه كان يستشير في أمور الحرب شيوخ صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من السابقين الأولين في الإسلام من المهاجرين والأنصار.
عمر رضي الله عنه يستشير الصحابة في ذهابه لاستلام بيت المقدس
لما حاصرت جيوش المسلمين مدينة القدس فقد ذكر المؤرخون أن سكان المدينة خرجوا إلى أبي عبيدة بن الجراح مستأمنين يتقدمهم قائدهم صفرونيوس فطلبوا الصلح فتلقأهم بالترحيب وخاطبهم بدعة ولين قائلاً لهم: إن التسليم أكثر نفعاً لكم فانصاعوا: ولكنهم اشترطوا أن لا يسلموا المدينة إلا إلى الخليفة فوافقهم وأمر الجند أن يكفوا عن القتال فصارت هدنة ثم كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعرض عليه الموقف العسكري وعرض عليه القدوم إلى بيت المقدس وأنه اتخذ كل الاحتياطات لسلامته من الغدر وختم كتابه بالعبارة التالية: وإن رأيت أن تقدم فافعل فإن مسيرك أجر وصلاح آتاك الله رشدك ويسر أمرك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1) - الحوزة: ما يحوزه الملك ويتولا حفظه.
(2)
- نهج البلاغة ص 274، 275 مصدر سابق.
ولما وصل الكتاب إلى عمر رضي الله عنه جمع أهل العقد والحل واستشارهم في الأمر، فكان رأي عثمان أن لا يذهب الخليفة بنفسه إذ أن العدو لا بد أن يضطر للتسليم ما دام أصيب بالضعف والرعب، وكان رأي علي أن يصير الخليفة إلى فلسطين عملاً برأي قائده المحنك خشية أن ييأس العدو إذا رفضت شروطه المعقولة فيتمسك بحصنه أو يأتيه مدد من عدو آخر فيتغير الموقف وتنعكس الآية ويصيب المسلمين ضرر عظيم. وفي النهاية أخذ الخليفة برأي علي وسار إلى بيت المقدس بعد أن استخلفه على البلاد. (1)
وهذه النماذج تؤكد في عهد الخلفاء الراشدين والنبوة ضرورة الشورى وإلزاميتها، وأنه لا رشد ولا صلاح للأمة دون التمسك بهذا المنهاج. أما القوانين الوضعية في الدول العصرية فإن الدساتير تقرر حق القائد في اتخاذ القرار بإعلان حالة الطوارئ والحرب والتعبئة العامة، ولكنها تقيد حق اتخاذ القرار والمصادقة على ما يصدر بدعوة مجلس النواب أو الشورى أو الاستشاري فإذا لم يتم العرض على هذه المجالس تتم المصادقة خلال المدد التي يحددها الدستور. والقانون اليمني يحددها بسبعة أيام وإلا فإن حالة الطوارئ تزول ولا يجوز تمديد هذه الفترة إلا بموافقة مجلس النواب، ولا تكاد القوانين الوضعية تختلف على تقرير هذه المبادئ التي كانت الشريعة الإسلامية سابقة النظم الوضعية في ذلك.
(1) - الشورى بين الأصالة والمعاصرة لعز الدين التميمي ص 96. نقلاً عن عارف العارف من المفصل في تاريخ القدس 88، 89.