الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
مشروعية الشورى في النظام الإسلامي
الشورى في النظام الإسلامي منهج رباني وليست من نافلة القول، فقد أعلمنا الحق تبارك وتعالى أن الشورى في النظام الإسلامي دين يجب الأخذ به، فقال تعالى:(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(1).
1 -
ذكر القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية عن العلماء أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأوامر التي هي تدريج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عنهم فيما له في خاصته عليهم من تبعه، فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة أيضاً، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلاً للاستشارة في الأمور.
…
ونقل عن ابن عطية أن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين، فعزله واجب. هذا ما لا خلاف فيه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله:(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(2).
…
وقال: في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أنه يدل على جواز الاجتهاد في الأمور، قال: والشورى مبنية على اختلاف الآراء والمستشير ينظر في ذلك الخلاف وينظر أقربها قولاً إلى الكتاب والسنة إن أمكنه، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه، وأنفذه متوكلاً عليه، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب، وبهذا أمر الله نبيه في هذه الآية. (3)
(1) - سورة آل عمران: آية (159).
(2)
- سورة الشورى: آية (38).
(3)
- الجامع لأحكام القرآن لأبي عبدالله محمد أحمد الأنصاري القرطبي ج4 - ص50 - الطبعة الثانية.
2 -
وذكر ابن كثير رحمه الله في معنى قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض). حديث غريب، قال: ولهذا قال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قال: ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه كما شاورهم في بدر وأحد والحديبية، وكان يشاورهم في الحروب ونحوها قال: وقد اختلف الفقهاء هل كان ذلك واجباً عليه أو من باب الندب تطييباً لقلوبهم على قولين
…
الخ (1).
3 -
وقال الماوردي رحمه الله في معنى قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) قال: في أمره بالمشاورة أربعة أقاويل:
…
أحدها: أنه أمره بمشاورتهم في الحرب ليستقر له الرأي الصحيح فيه، قال الحسن: ما شاور قوم قط إلا هُدوا لأرشد أمورهم.
…
والثاني: أنه أمره بمشاورتهم تأليفاً لهم وتطييباً لأنفسهم، وهذا قول قتادة والربيع.
والثالث: أنه أمره بمشاورتهم لما علم فيها من الفضل ولتتأسى أمته بذلك بعده صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا قول الضحاك.
…
والرابع: أنه أمره بمشاورتهم ليستبين به المسلمون ويتبعه فيه المؤمنون، وإن كان عن مشاورتهم غنياً. (2)
(1) - ابن كثير تفسير القرآن العظيم 1/ 421 الطبعة الأولى 1400هـ - 1980م دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
(2)
- النكت والعيون تفسير الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري (364 - 450هـ) ، ج1/ص433 مراجعة وتعليق السيد بن عبد المقصود بن عبدالرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية ومؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
4 -
وقال الزمخشري رحمه الله في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) يعني أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي لتستظهر برأيهم ولما فيه من تطييب نفوسهم والرفع من أقدارهم، وعن الحسن رضي الله عنه قال: علمه الله سبحانه أنه ما به إليهم من حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده (1)، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم)(2)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه). (3) وقيل: كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر الله رسوله بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم. (4)
…
قلت: والظاهر من النص وجوب المشاورة فيما لم يرد فيه نص.
5 -
وذكر الزمخشري أيضاً في تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ)(الشورى:38) أنها نزلت في الأنصار دعأهم الله عز وجل للإيمان به وطاعته فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه وأقاموا الصلاة وأتموا الصلوات الخمس، وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المدينة إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا فأثنى الله عليهم أي لا ينفردون برأيهم حتى يجتمعوا عليه، وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم. قال: والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور، ومعنى قوله:(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(الشورى: من الآية38) أي ذو شورى. (5)
6 -
وذكر أبو حيان في تفسير قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) أمره تعالى بالعفو عنهم وذلك فيما كان خاصاً به من تبعات له عليهم وبالاستغفار
(1) - رواه البيهقي في السنن ج10ص109 حديث (20091).
(2)
- مصنف ابن أبي شيبة ج5ص298 حديث (26275) ، والبخاري في الادب المفرد الأدب المفرد ج1ص100 حديث (258).
(3)
- أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد باب ما جاء في المشورة ج 4، ص 214 حديث رقم 1714. وأحمد في المسند مسند الكوفيين حديث رقم (18166).
(4)
- الزمخشري جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538هـ) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل 10/ 647 تحقيق الشيخ: عادل أحمد عبدالموجود والشيخ علي محمد معوض ط 1/ 1418هـ 1998م - مكتبة العبيكان - الرياض.
(5)
- الزمخشري: الكشاف 5/ 415 مصدر سابق.
لهم فيما هو مختص بحق الله تعالى وبمشارتهم، وفيها فوائد: تطييب نفوسهم والرفع من مقدارهم بصفاء قلبه لهم حيث أهلهم للمشاورة وجعلهم خواص بعدما صدر منهم، وتشريع المشاورة لمن بعده والاستظهار برأيهم فيما لم ينزل فيه وحي، فقد يكون عندهم من أمور الدنيا ما ينتفع به واختبار عقولهم فينزلهم منازلهم واجتهادهم فيما فيه وجه الصلاح (1).
وقال صاحب المنار (2) في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) والذي يستفاد من نصوص القرآن الكريم أن الإسلام دين يحض على الشورى ويأمر بها، فقد جاءت إحدى سور القرآن الكريم باسم الشورى وعدت الشورى فيها من صفات المؤمنين.
كما أن الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بمشاورة أصحابه جاء من عند الله من أجل تثبيت هذه القاعدة، لا لأنه محتاج لما يملونه عليه وهو الذي لا ينطق عن الهوى، ولكن من أجل ترسيخ هذا المبدء العظيم وترسيخ هذه القاعدة الشرعية، والسنة النبوية حافلة بالتطبيقات العملية لمبدء المشاورة مما يدل على مشروعية الشورى وبيان ذلك فيما يلي:
…
فقد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشورى في زمنه بحسب مقتضى الحال من حيث قلة المسلمين واجتماعهم معه في مسجد واحد في بداية زمن وجوب الهجرة التي انتهت بفتح مكة، فكان يستشير السواد الأعظم منهم وهم الذين معه ويخص منهم أهل الرأي والمكانة والوجاهة بالاستشارة في الأمور فاستشارهم يوم بدر لما علم بخروج قريش، وجاء في السيرة أنه استشار الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر وقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك فوالله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فوالذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد (3) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله خيراً ودعا له. ثم قال: أشيروا علي أيها الناس - وإنما يريد الأنصار- وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوا بالعقبة قالوا: إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع به أنفسنا ونساءنا. فكان رسول الله يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصُبرٌ في الحرب صُدقٌ عند اللقاء لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. فسر رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال: سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. (4)
وهذه الصورة من صور استشارته صلى الله عليه وآله وسلم وهو المسدد بالوحي الموعود بالنصر.
وفي صلح الحديبية: حينما مَنع رسولَ الله المشركون، خاطب أصحابه قائلاً:(أشيروا أيها الناس علي، أترون أن نميل على عيال وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ أم تريدون أن نؤم البيت فمن صدنا قاتلناه؟) فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت، لا تريد قتل أحد ولا حرباً، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(فامضوا على اسم الله تعالى)(5) .. الخ ما ورد في القصة التي انتهت بالمصالحة، وسنأتي على بقيتها عند بيان الشورى في الحرب، واكتفينا هنا بما سقناه لغرض بيان مشروعية الشورى، ومنه ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه
(1) - أبو حيان: أبو عبدالله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي الحياني (654 - 754هـ) رحمه الله: التفسير الكبير المسمى البحر المحيط وبهامشه تفسير النهر الماد من البحر لأبي حيان أيضاً، وكتاب الدر اللقيط من البحر المحيط لتلميذ أبي حيان الإمام تاج الدين أبي محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي الحنفي النحوي (682 - 749هـ) الطبعة الثانية 1411هـ - 1990م دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان- ج 3 ص 99.
(2)
- السيد محمد رشيد رضا في تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار 4/ 199 الطبعة الثانية - دار المعرفة - بيروت - لبنان.
(3)
- موضع في اليمن.
(4)
- السيرة النبوية لابن هشام الأنصاري ج2ص272.
(5)
- صحيح البخاري: باب غزوة الحديبية ج4ص1531 حديث (3944).
قال: (ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (1) أي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يسير على المنهج الرباني في العمل بالشورى فيما لم يرد فيه نص، وهذا نهجه ومذهبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن أراد التأسي به وجب عليه الإتباع، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)(2)، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل الشورى في الأمر دليلاً للخير والسعادة ففي صحيح الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاؤكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من باطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاؤكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظاهرها). (3)
والظاهر أن نصوص القرآن والسنة يعضد بعضها بعضاً في الدلالة على مشروعية الشورى، وقد سبق حديث أنس بن مالك عند الطبراني (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) والحديث وإن كان في سنده ضعف إلا أن له شاهداً يقويه، وروى الطبراني أيضاً في الأوسط من حديث ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(من أراد أمراً فشاور فيه امرءاً مسلماً، وفقه الله لأرشد أموره)(4) وأورد الزمخشري في الكشاف (ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم). وتعقبه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف فقال: غريب ولم أجده إلا من قول الحسن، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: أعاده في تفسير سورة الشورى عن الحسن وهو المحفوظ، ومن طريقه أخرجه البخاري. (5)
ومجموع هذه الأحاديث دالة على مشروعية الشورى. ومما لا ريب فيه أنها أمانة يجب أن يرعاها المستشار والمستشير فهي من الأمانات التي يجب أن يرعاها المسلم، فقد ورد في السنة ما يدل على ذلك ومنه ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(المستشار مؤتمن)(6) ، وهذا يؤكد أن الشورى مسؤولية وأمانة فكما هي صفة للمؤمنين فهي أمانة في أعناقهم لا يجوز لهم التخلي عنها ولا ترك العمل بها. وفي الحديث (إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه)(7) وما ذلك إلا لأن الشورى دين وأمانة، والعمل بها يدخل في عداد النصيحة الواجبة، ففي الحديث الذي رواه أحمد عن حكيم بن زيد عن أبيه عمن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصح له .. )(8) ، وهذه النصوص واضحة في الدلالة على مشروعية الشورى كقاعدة أساسية في النظام الإسلامي، وأصل من أصول الشريعة الإسلامية ومن عزائم الأحكام فيها، وهي بهذا المعنى كما يقول الدكتور فؤاد محمد النادي لا تقتصر على كونها من القواعد الأساسية للنظام السياسي الإسلامي فحسب، وإنما تمثل الإطار العام والنطاق الذي يجب أن تعمل في حدوده كافة السلطات الحاكمة في الدولة الإسلامية التشريعية
(1) - الترمذي في الجهاد - باب ما جاء في المشورة، حديث 1714 المكتبة الإسلامية.
(2)
- قرة العينين للإمام البخاري ج1ص38 حديث (45) الناشر دار الأرقم الكويت الطبعة الأولى 1404هـ1983م.
(3)
- الترمذي في الفتن. باب 78 حديث 2266 وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري، وصالح المري في حديثه غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها وهو رجل صالح.
(4)
- رواه الطبراني في المعجم الاوسط ج8ص181 حديث (8333).
(5)
- تحقيق الكشاف للشيخ عادل أحمد عبدالموجود 1/ 647 بذيل الكشاف - مصدر سابق- ، وقال الحافظ في الفتح ج 13 ص 345 (أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم بسند قوي).
(6)
- أبو داود في السنن - كتاب الأدب - باب في المشورة. حديث 5128، والترمذي في كتاب الأدب- باب: أن المستشار مؤتمن. حديث 2822، 2823، وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه في كتاب الأدب - باب المستشار مؤتمن حديث 3745، 3746.
(7)
- ابن ماجه في كتاب الأدب - باب المستشار مؤتمن حديث 3747.
(8)
- البناء: أحمد عبدالرحمن البنا الشهير بالساعاتي في الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ج19 / ص65 أبواب تعظيم حرمات المسلمين حديث 103.
والتنفيذية والقضائية، وهي بذلك تحول دون الاستبداد بالرأي أو الانفراد به، الأمر الذي يؤدي إلى الرأي الصواب وتحقيق وحدة الأمة وتأليف القلوب بين أفرادها. (1)
وصحيح ما ذهب إليه الدكتور فؤاد النادي باعتبار أن الشورى تمثل أهم الضمانات التي تحول دون مخالفة النصوص أو الانحراف بها لأنها تعطي الأمة حق المشاركة في إدارة شؤونها العامة، وحق مشاركة المختصين ومشاورتهم في صياغة أي نظام أو قانون تدار به شؤون الأمة، فيما لم يرد فيه نص، فهي تمثل حجر الزاوية بين الحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع بها المسلمون في الدولة الإسلامية، كما تمثل ضماناً يحول دون انتهاك المشروعية، ولهذا كان أساس مشروعية الشورى ولزومها مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف بيان ذلك، وهي تعتبر ضمانة من ضمانات خضوع السلطات العامة لمبادئ الشريعة الإسلامية التي رسمت الحدود والنطاق الذي يتحتم أن تمارس في نطاقها هذه السلطات ضمن ضوابط وقيود تحول دون انحرافها وتعطي الأمة حق مراقبة تلك السلطات في ممارسة مهامها.
أما الديمقراطية: فإنها ووفقاً للمفهوم الذي أشرنا إليه من أنها تعني حكم الشعب لنفسه، فإن الشعب يستطيع ممارسة حقه في الحكم عبر إحدى صور ثلاث:
1 -
الديمقراطية المباشرة: وتعني أن يباشر الشعب حق سيادته بنفسه دون وساطة أي جهة، وهذه الصورة تبدو صعبة التحقيق لأنه يفترض فيها أن يباشر الشعب بنفسه جميع سلطات الدولة تشريعية وتنفيذية وقضائية، على أساس أن السيادة لا تقبل أن ينيبها الشعب أو يفوضها إلى من دونه، وقد مورست هذه الديمقراطية في العهد القديم في بعض مدن اليونان والرومان ولا تزال تطبق الآن في بعض المقاطعات السويسرية الجبلية ضئيلة السكان، ويبدو من الناحية العملية استحالة تطبيق هذه النظرية لتعذر جمع الشعب كله في صعيد واحد ولأن عملية التشريع والقضاء هي مما
(1) - د. فؤاد محمد النادي: رئيس قسم القانون العام بجامعة صنعاء وأستاذ القانون العام المساعد بجامعة الأزهر- موسوعة الفقه السياسي ونظام الحكم في الإسلام - الكتاب الخامس: مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون في الفقه الإسلامي ص 220 الطبعة الثانية 1400هـ - 1980م - دار الكتاب الجامعي.
تتطلب معرفة فنية وتخصصاً علمياً ودراية لا تتوفر عند جميع أفراد الشعب ولهذا لجأت الدول الحديثة إلى نظام الديمقراطية النيابية. (1)
2 -
الديمقراطية النيابية: وتعني أن يختار الشعب من يمثله، ويكون لهؤلاء الممثلين الحق في التعبير عن الإرادة الشعبية، وهذه الصورة هي البديل المناسب للديمقراطية المباشرة، لصعوبة تطبيقها في الواقع بشكلها الصحيح الكامل فينتخب الشعب من يمثله في ممارسة حق السيادة، ويشكل النواب المنتخبون ما يسمى بالبرلمان، وتكون التصرفات التي يقوم بها هؤلاء باسم الشعب كالتصرفات الصادرة عن الشعب نفسه من باب الوكالة أو النيابة القانونية.
3 -
الديمقراطية غير المباشرة: وتقوم على أساس أن يختار الشعب مجلساً نيابياً يمثله، على أن يحتفظ الشعب لنفسه ببعض الحقوق التي يقررها بنفسه، ويباشرها بشكل مباشر، وعلى ذلك فالديمقراطية غير المباشرة هي نظام وسط بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية. (2)
ومعلوم أن هذه الأنظمة الديمقراطية تقوم على أساس فكري واحد وهو أن السلطة في الدولة ترجع للشعب وأنه وحده هو صاحب السيادة، أي أن الديمقراطية في النهاية هي مبدء السيادة الشعبية ولكن الطريقة التي يمارس بها الشعب سلطته تأخذ واحداً من الأشكال الثلاثة المشار إليها آنفاً، بينما الشورى تستمد مشروعيتها من نصوص الكتاب والسنة وهي أكثر اتساعاً وشمولاً ونفعاً، وأكثر إلزامية باعتبارها من واجبات الشرع.
وقد ذكر بعض العلماء انه لا ينبغي ان تأخذ العلاقة بين الشورى والديمقراطية على أنها علاقة توافق أو علاقة تضاد ذلك أن كل نظام منهما يمثل استقلالاً تاماً له أسسه ومبادئه وأليات تنفيذه، ووجود مواطن اتفاق أو مواطن اختلاف لا يعني ان ترسم العلاقة بينهما بتوافق، أو تضاد (3).
قلت وهذا صحيح حتى وإن كانت مواطن الاتفاق أكثر من مواطن الاختلاف، كما سيجد المتتبع لذلك وأن نوعاً من الالتقاء في كثير من الصور والمبادئ والجزئيات والنظم
(1) - د. عبدالوهاب الكيالي وآخرون- موسوعة السياسة 2/ 755 ط 1/ 1981م - المؤسسة العربية للدراسات والنشر وحقوق الإنسان في الوطن العربي.
(2)
- د. هاني الطعيمات: المصدر السابق 251.
(3)
- الشورى في الإسلام رؤية نيابية ص2 مصدر سابق.
والمظاهر والوسائل حاصل، وهذا أمر مقبول ومألوف في كل المصطلحات، وذلك لا يعني القضاء على خصوصية كل نظام أو استقلاليته أو دخول بعضها في بعض، أما عند مقارنة مبدأ مشروعية الشورى بالديمقراطية فإنك ستجد أن مشروعية الشورى مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأنها منهاج مرتبط بالشريعة والعقيدة، أما الديمقراطية فهي تستمد صلاحيتها ومشروعيتها من الشعب باعتباره مالك السلطة.
فإن قلتَ أن قاعدة الشعب مالك السلطة ومصدرها قد نصت عليها بعض دساتير الدول الإسلامية فكيف يكون ذلك؟
والجواب على ذلك أن الدول الإسلامية تختلف في منهاج الحكم عن غيرها من الدول فهي مقرة لله بالحاكمية وأنه لا إله غيره ولا رب سواه وأنه مالك الملك وأن التشريع له وحده وأن ما نص عليه لا يجوز تحريفه ولا تبديله وأن مهام الأمة تقتصر على ما ملّكها الله إياه في إدارة شؤون الحياة وفي الاستنباط وضبط التقنين فيما لا نص فيه وأنها محكومة في كل أمورها بالشرع، وأن التنصيص على مثل هذه القواعد لا يقصد به الخروج على قواعد الشريعة ومبادئها قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(1) ولا تعدو تلك التسمية ونسبتها عند المؤمنين عن نسبة المال أو الحق الذي وهبه الله وتفضل به لهذا أو لذاك فالله وحده هو الواهب للنعم والحقوق للكافة من خلقه وهو الذي جعل للأمة حق اختيار ولاتها وتطبيق احكامه وادارة شؤون الحياة وفق منهجه العادل.
فالشعوب الإسلامية تقر بألوهية الله وربوبيته وحده لا شريك له وأنه المالك لكل شيء والمتصرف في جميع الاحوال، وأن تصرفها فيما تملكه على مستوى الفرد والجماعة إنما هو في اطار منهج الله ومقتضى احكامه.
أما ديمقراطية الشعوب التي لا تؤمن بشريعة الله ولا تذعن لاحكامه فإنه يقتصر نظرها في حدود صلاح دنيا الانسان وبالمقاييس الدنيوية المادية، وهي تجعل السلطة نظرياً في التشريع للشعب أو للأمة فقط، أما في الممارسة والواقع فإنها تجعل السلطة للمجالس البرلمانية دون مراعاة لما تنص عليه احكام الله وأوامره وقد تكون للحزب ذي الاغلبية النيابية دون حدود عدا ما سنبينه عند دراستنا للشورى في التشريع.
(1) - الأحزاب الآية36.
أما الشورى الإسلامية وما تأخذ به البرلمانات في الدول الإسلامية فإنها في الأغلب العام تسير على منهج الشريعة ومن هذه الدول الجمهورية اليمنية فإن دستورها ينص في المادة (3) على: (أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات) وصرح في المادة (2) على: (أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية).