المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد: الحمد لله المتفرد بالقدرة والكمال، وصلى الله وسلم على من - الشورى في الشريعة الإسلامية

[حسين بن محمد المهدي]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌تقديمد. عبدالعزيز المقالح

- ‌تمهيد:

- ‌خطتنا في هذا البحث:

- ‌الفصل الأوللمحة تاريخية عن الشورى

- ‌الفصل الثانيتعريف الشورى وبيان مشروعيتها

- ‌المبحث الأول: تعريف الشورى

- ‌ أولاً تعريف الشورى لغة:

- ‌ ثانياً: تعريف الشورى اصطلاحاً:

- ‌المبحث الثاني:مشروعية الشورى في النظام الإسلامي

- ‌الفصل الثالثالشورى في الأمور العامة

- ‌المبحث الأول: الشورى في التشريع

- ‌النظام النيابي وفكرة تمثيل الأمة بواسطة نواب عنها .. أساسه وسنده

- ‌صلة المجالس التشريعية (نواب الشعب) بأهل الحل والعقد

- ‌وظائف المجالس التشريعية في الأنظمة الحديثة

- ‌الأدلة على وجوب اتباع الشريعة الإسلامية وعدم جواز مخالفتها

- ‌ الدليل الأول: من كتاب الله تعالى

- ‌ثانياً: ما ورد في السنة النبوية

- ‌القانون المناط سنّهُ بالمجالس التشريعية

- ‌عوامل نجاح المجالس التشريعية

- ‌ضوابط النقاش والتصويت وإطاره الأخلاقي

- ‌نتائج التصويت وحكمه في المجالس التشريعية

- ‌رقابة القضاء على دستورية القوانين

- ‌ الرقابة عن طريق الدفع الفرعي:

- ‌المبحث الثانيالشورى في الوظائف العامة

- ‌الوظائف العامة مبدء تقره الدساتير والقوانين في مختلف البلدان

- ‌المبحث الثالثالشورى في القضاء والحكم

- ‌فكرة نظام المحلفين في القوانين الوضعية

- ‌المبحث الرابعالشورى في الحرب

- ‌الشورى في غزوة أحد

- ‌الشورى في غزوة الأحزاب وحفر الخندق

- ‌الشورى في تفريق الأحزاب

- ‌الشورى في غزوة الحديبية

- ‌الشورى في الفتح الأعظم

- ‌الشورى في غزوة حنين وأوطاس

- ‌الشورى في أيام الخلفاء الراشدين

- ‌الشورى في الحرب بشأن المرتدين في أيام أبي بكر رضي الله عنه

- ‌الشورى في الحرب في أيام عمر رضي الله عنه

- ‌عمر رضي الله عنه يستشير في الذهاب إلى العراق

- ‌عمر رضي الله عنه يستشير في الخروج لقتال الروم

- ‌المبحث الخامس

- ‌أولاً: ما ورد في القرآن الكريم

- ‌ثانياً: ما ورد في السنن النبوية وما يستفاد منها عن صفة أهل الشورى

- ‌صفة أهل الشورى عند العلماء

- ‌المبحث السادسبيان الكيفية التي كانت تتم بها الشورى في صدر الدولة الإسلامية وما يستفاد من ذلك

- ‌المبحث السابعالشورى ومدى إلزاميتها

- ‌الفصل الرابعخصوصية الشورى وأهمية تعليمها

- ‌المبحث الأولالشورى في الأسرة والمجتمع ومنهجيتها

- ‌المبحث الثانيتعليم الشورى واتخاذها منهجاً تعليمياً

- ‌الخاتمة

- ‌أهم المراجع:

- ‌كلمة شكر وتنوية

- ‌المحتويات

الفصل: ‌ ‌تمهيد: الحمد لله المتفرد بالقدرة والكمال، وصلى الله وسلم على من

‌تمهيد:

الحمد لله المتفرد بالقدرة والكمال، وصلى الله وسلم على من ابتعثه الله بالحكمة ونعته بالرحمة وهي من أشرف الخلال، فقال جل شأنه:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(1). وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(2) وعلى آله وأصحابه والتابعين. وبعد:

فإن للشورى أهمية كبيرة في حياة الأمم والشعوب، وإن أي نظام أو تنظيم ينشد الخير والفلاح ويبحث عن العدالة والمساواة ويتوق إلى العزة والكرامة، ويحب أن يسود الأمن والاستقرار والرخاء، ويرغب في منع الظلم والتسلط والاستبداد، لا بد أن تكون الشورى سمته ومنهجه، لأن بالشورى تكتشف الحقائق وينجلي العمى ويستنبط الصواب ويصح الرأي وتتضافر الجهود وتتوزع المسؤولية وتقوى شوكة الأمة، ما ذلك إلا لأنه بالشورى تنبعث عوامل الألفة والمودة والمحبة والتعاون والتناصح، وتتشابك الأيدي لحل المعضلات، وبالشورى يصل الإنسان إلى ما يصبو إليه من عزة وفلاح وسعادة ونجاح في أمور الدنيا والآخرة.

وبالشورى تبنى المجتمعات الفاضلة والدول القوية، وبالشورى يحصل النصر وتستمال القلوب، ويتعاون أهل الشورى من أجل بناء الأوطان وعمارة الأرض وإرضاء الرب.

والشورى هي من أهم خصائص الأمة الإسلامية والشرائع الربانية، فهي من صفات المؤمنين الموحدين الذين استجابوا لله رب العالمين، قال تعالى:(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَأهم يُنْفِقُونَ)(3) ولأهمية الشورى جاء ذكرها في هذه الآية بين الصلاة والزكاة، فقد وصف الله المؤمنين بأنهم الذين استجابوا

(1) - الآية 128 سورة التوبة.

(2)

- الآية 2 سورة الجمعة.

(3)

- الآية 38 سورة الشورى.

ص: 9

لربهم وأقاموا الصلاة وأدوا الزكاة وكان منهج الشورى هو منهجهم. وقد قال بعض الباحثين إن سياق النص قد نبه عليه بعض المؤصلين والبلاغيين من حيث أن لفظ وجملة (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) جاءت متوسطة بين الصلاة والزكاة لتدل بتنبيه عبارة النص وإشارته على ضرورة مداومتها بما يشبه الصلاة والزكاة ، وعموم خطاب الآية الكريمة هو من الوجوب الشمولي في الأمة. فمفهوم الأمر جاء بطبيعة الخبر والمدح وهو أعظم من الأمر الصريح عند البيانيين من علماء اللغة الذين قرروا أن طرق الأمر الحتمي في اللغة تصل إلى ثمانية وعشرين وجهاً.

ويتبين أيضاً من هذه الآية الكريمة أن الإسلام ليس حصراً على الصلاة والزكاة وإن كانا من أركانه، لأن من استجاب لله وجب عليه أن يتخذ الشورى منهجاً، فكما لا يجوز له إهمال الصلاة وتركها فإنه لا يجوز له إهمال الشورى وتركها، وبهذا يتضح أن الإسلام دين اجتماعي سمح، ليس فيه سلطة قاهرة تكبت الحريات وتمنع حق إبداء الرأي، وإنما هو دين يدعو إلى الشورى والنظر المشترك في الأمور الهامة وفي كل ما ينصلح به أحوال الإنسانية أفراداً وجماعات، وفي كل أمر تحصل به العزة للمسلمين والسعادة للموحدين، فالشورى قاعدة من قواعد الشريعة وخُلق من أخلاق المؤمنين، ونظام الشورى هو أفضل نظام يمنع من التسلط والاستبداد ويبعث على المحبة والتواد، ولهذا امتدح الله المؤمنين الذين جعلوا المشورة قانوناً لهم في أعمالهم كما هو صريح آية الشورى سالفة البيان، وفي الحديث:(ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم)(1).

ولما للشورى من أهمية كبيرة في حياة الأمة فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمشاورة المؤمنين، وهو الذي يمتاز بكماله الروحي لاتصاله بالوحي الرباني، ومع ذلك فإن الله خاطبه بقوله:(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمرِ)(2). فإذا كانت

(1) - مصنف ابن أبي شيبة تأليف العلامة المحدث أبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي المتوفى سنة 235هـ ج5ص298 حديث (26275) الناشر: مكتبة الرشد الرياض الطبعة الأولى 1409هـ ، والأدب المفرد تأليف العلامة الجليل والمحدث الكبير محمد بن اسماعيل، أبو عبدالله البخاري المتوفى سنة 256هـ ج1ص100 حديث (258) الناشر دار البشائر الإسلامية بيروت الطبعة الثانية 1409هـ1989م.

(2)

- الآية 159 سورة آل عمران.

ص: 10

الشورى في حقه صلى الله عليه وآله وسلم واجبة، فهي من باب أولى واجبة في حق غيره، فالله عليم حكيم بما يصلح أحوال الناس، وقد علم أن شواغل الحياة وأمور التعامل بين الناس واختلاف أحوالهم وتنوع المعارف، كل ذلك لا يخلو من مشكلة تفرزها طبيعة الحياة التي فطر الله الناس عليها، وحلها ضرورة لا بد منها.

فإن كان ذلك لمصلحة فرد فربما استعصى الحل عليه بمفرده، فكان لا بد من إشراك غيره من أهل الخبرة والإختصاص في حلها وأن يشاركه في الرأي ليكون الحل قد جاء على الوجه المطلوب وتعرف على صوابه ، وإن كان الأمر متعلقاً بمصلحة عامة، وجب أن لا تحل بالاستبداد في الرأي حتى لا تتعرض المصلحة العامة لأي خطءٍ ولا تضيع حقوق ومصالح الأمة، وكان من الضرورة أن يصار في ذلك إلى مشاركة ذوي العقول الراجحة من ذوي الخبرة والإختصاص ليتناولوها ببصيرة ويجال الرأي فيها عن علم ودراية، لتكون النتيجة سليمة وصائبة، ولذلك ندب الشارع إلى الشورى في تدبير الأمور وتوخي المصالح، لتكون إلى الصواب أقرب وعن الزلل أبعد، ويكون النجاح مضموناً في الغالب الأعم في تحقيق مصالح الأمة، وفي ذلك ما يكفي للتدليل على أهمية الشورى، مما يدعو إلى الأخذ بها ليكون الإنسان قد استجاب لله وأمن الوقوع في المهالك، وقد جاء في العقد الفريد:

الرأي كالليل مسوداً جوانبه

والليل لا ينجلي إلا بإصباح

فاضمم مصابيح أراء الرجال إلى

مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح (1)

فالشورى في حقيقة الأمر تعني توزيع المسؤولية حتى لا تقع على كاهل فرد واحد، فالجميع يتقاسمون المسؤولية، فلا يتلاوم الناس فيما بينهم ويتنافرون ويتشاجرون، ولا يرمي أحد بالنتيجة على الآخر ، وإن كانت النتيجة سيئة، والشورى تعتبر مع ذلك خير وسيلة تدرب المستشار على المساهمة في الحكم والإدارة وتشركه فيه، وبها الوصول للرأي المحمود الذي ينصلح به حال الأمة وتحل به مشاكلها. وقد جاء في العقد الفريد أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ذكر في المشورة سبع خصال: استنباط الصواب،

(1) - أورد هذين البيتين العلامة والأديب الكبير أحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي في العقد الفريد، ج1ص60 ،طبعة دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، ووردت في الموسوعة الشعرية للكاتب والأديب والواعظ والخطيب بدر بن عبدالله بن عبدالكريم الناصر ص145 الناشر دار العاصمة الرياض المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى 1427هـ2006م

ص: 11

واكتساب الرأي، والتحصن من السقطة، والتحرز من الملامة، والنجاة من الندامة، وإلفة القلوب، واتباع الأثر (1). وجاء في جواهر الأدب أن بيهس الكلبي قال:

عقل الفتى ليس يغني عن مشاورةٍ

كحدة السيف لا تغني عن البطل

إن المشاور إما صائبٌ غرضاً

أو مخطئٌ غير منسوبٍ إلى الخطل (2)

وقد أثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: لا خير في أمر أبرم من غير مشورة. ولهذا يقال: الخطأ مع المشورة أصلح من الصواب مع الإنفراد والاستبداد.

وقد نقل صاحب العقد الفريد - في الشورى - أقوالاً مشهورة، وحكماً مأثورة نلخصها فيما يأتي:

1) لا معين أقوى من المشورة ولا عون أنفع من العقل. فالمشورة تقوي العزم وتمنح النجاح وتوضح الحق وتبسط العذر وتزحزح عن مواقف الندامة، والعقل يهدي صاحبه إلى الأخذ بثمرة المشورة.

2) من استشار ذوي الرأي والمعرفة في فعل ما عناه فقبل المشورة منهم واقتدى بآرائهم فيها ولم يعدل عنها وعن قويم نهجها قل أن يخفق مسعاه ويفوت مطلوبه، فإن أعجزه القدر فهو معذور غير ملوم.

3) من ترك المشورة وعدل عنها، فلم يظفر بحاجته صار هدفاً لسهام الملام ومضغة في أفواه العاذلين.

4) من فضل المشورة أنها تكشف لك طباع الرجال. فمتى طلبت اختبار رجل فشاوره في أمرٍ من الأمور يظهر لك من رأيه وفكره وعدله وجوره وخيره وشره مكانته.

5) من أكثر الاستشارة لم يعدم عند الإصابة مادحاً وعند الخطأ عاذراً (3) قال الراغب الأصفهاني: قيل إن الأحمق من قطعه العُجب عن الاستشارة، والاستبداد عن الاستخارة، فالرأي الواحد كالسجيل، والرأيان كالخيطين، والثلاثة إصرار لا ينقض. (4)

(1) - العقد الفريد للملك السعيد لأبي سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي المتوفى سنة652 - ص42. طبع في القاهرة بمطبعة الوطن 1306هـ.

(2)

- جواهر الادب للعلامة أحمد الهاشمي -بيروت لبنان ، الطبعة الخامسة والثلاثين 1416هـ.

(3)

- العقد الفريد. ص 58.

(4)

- الذريعة إلى مكارم الشريعة 192 - للشيخ أبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى - الطبعة الأولى 1400هـ - 1980م - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

ص: 12

وصحيح ما ذهب إليه الراغب، فإن رأيين خير من واحد، وقديماً قيل: ورأيان خير من واحد، ورأي الثلاثة لا ينقض، ولذا يقال: من أُعِجبَ برأيه ضل، ونقل القرطبي عن الحسن البصري والضحاك أنهما قالا: ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته بعده، ولقد أحسن القائل:

شاور صديقك في الخفي المشكل

واقبل نصيحة ناصح متفضل

فالله قد أوصى بذاك نبيه

في قوله (شاورهم) و (توكل)(1)

فالشاعر يدعو في هذين البيتين إلى المشاورة وحسن اختيار المستشار، وقد جاء لأحد الشعراء قوله:

وإن باب أمر عليك التوى

فشاور لبيباً ولا تعصه (2)

وقال القرطبي: الشورى بركة، وروى سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما شقي قط عبد بمشورة، وما سعد باستغناء رأي)(3) وفي الحديث (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار)(4). قال العجلوني: رواه الطبراني في الصغير، والقضاعي عن أنس، وفي سنده ضعيف، وما أحسن ما قيل:

شاور سواك إذا نابتك نائبة

يوماً وإن كنت من أهل المشورات

فالعين تلقى كفاحاً من نآى ودنى

ولا ترى نفسها إلا بمرآت

وقال النجم: روى ابن أبي الدنيا في العقل عن زائدة. قال: إنما نعيش بعقل غيرنا - يعني المشاورة، ولبعضهم: الناس ثلاثة: فواحد كالغذاء لا يستغنى عنه، وواحد كالدواء يحتاج إليه في بعض الأوقات، وواحد كالداء لا يحتاج إليه أبداً.

(1) - الجامع لأحكام القرآن 4/ 250 لأبي عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي (المتوفى في 9شوال سنة671هـ).

(2)

- هذا البيت مما اشتهر في ذلك وقبله:

إذا كنت في حاجة مرسلاً

فأرسل حكيماً ولا توصه

وإن باب ....

ونص الحديث إلى أهله

فإن الوثيقة في نصه

إذا المرء أضمر خوف الإله

تبين ذلك في شخصه

(3)

- القرطبي 4/ 252 ، وقد ورد الحديث في مسند الشهاب تأليف العلامة المحدث محمد بن سلامة بن جعفر، أبو عبدالله القضاعي المتوفى سنة 454هـ ج2ص6 حديث (773) الناشر مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1407هـ1986م.

(4)

- المعجم الصغير تأليف العلامة المحدث سليمان بن احمد بن أيوب، أبو القاسم الطبري، ج2ص175 حديث (980) ، الناشر المكتب الاسلامي بيروت الطبعة الأولى 1405هـ1985م. ومسند الشهاب للقضاعي ج2ص7 حديث (774).

ص: 13

وللخطيب في تلخيص المتشابه - عن قتادة - قال: الرجال ثلاثة: رجل ونصف رجل ولا شيء، فأما الذي هو رجل: فرجل له عقل ورأي يعمل به وهو يشاور. وأما الذي هو نصف رجل: فرجل له عقل ورأي يعمل به وهو لا يشاور. وأما الذي هو لا شيء: فرجل له عقل وليس له رأي يعمل به وهو لا يشاور. قال النجم: وقلت:

ليس من عاش بعقله

مثل من عاش بفضله

إنما الفضل ما انضم

حجى الناس بعقله

وكذا الجاهل من لم

يرفي الناس كمثله

نفسه يبصرها كا

ملة من فرط جهله (1)

وصحيح ما ذكره النجم - فإنك إن شاورت مجرباً للأمور، فإنه يعطيك من رأيه ما يقع عليه غالياً وأنت تأخذه مجاناً، فيكون من الحمق ترك المشاورة.

أما الدكتور محمد عبدالقادر أبو فارس - فيقول عن الشورى أنها مدرسة تربوية للأمة تظهر من خلالها شخصيتها وتحقق ذاتها وهي سبب من أسباب النصر على أعدائها، حقق المسلمون بها انتصاراتهم على أعدائهم وأضحوا سادة الأمم بعد أن كانوا رعاة الشاء والغنم. (2)

قلت: وليس ذلك فحسب وإنما حققوا بها العدالة وحصل لهم بها المودة والألفة وقد أحسن بشار بن برد في قوله:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي لبيب أو نصيحة حازم

ولا تحسب الشورى عليك غضاضة

فريش الخوافي تابع للقوادم (3)

وقال أخر:

خليلي ليس الرأي في صدر واحد

أشيرا علي اليوم ما تراياني (4)

(1) - كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للعجلوني: وهو المفسر المحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي - 2/ 186 الطبعة الثالثة 1352هـ - دار إحياء التراث العربي.

(2)

- د. محمد عبدالقادر أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام ص76 دار الفرقان- عمان - الأردن 1986م.

(3)

- ولهذين البيتين رواية أخرى وردت في الموسوعة الشعرية وهي:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي حكيمٍ أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

مكان الخوافي قوة للقوادم.

وهناك رواية ثالثة وردت في ديوان بشار المطبوع في لبنان سنة 1413هـ ، جاء فيها:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي لبيب أو مشورة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافي قوة للقوادم.

والجميع من حيث المعنى والوزن والروية صحيح.

(4)

- ورد هذا البيت مستشهد به في الامالي لأبي علي اسماعييل بن القاسم القالي، ج1ص44 ، وفي الموسوعة الشعرية. للكاتب والاديب والواعظ والخطيب بدر بن عبدالله بن عبدالكريم الناصر ص145 ، الطبعة الأولى 1426هـ2006م، دار العاصمة بالمملكة العربية السعودية الرياض ص9.

ص: 14

وفي الأثر: ما سعد أحد برأيه ولا شقي عن مشورة غيره.

وإذا كانت الشورى من الأهمية بذاك المكان، فإنها ليست قصراً على شؤون الحكم والسياسة، وإنما تشمل كل ما لم يرد فيه نص قطعي من الأمور العامة والخاصة وكل ما فيه صلاح للأمة والأسرة. وكل ما فيه رعاية مصلحة أو دفع مفسدة، فقد أرشد القرآن الكريم إلى التشاور في ذلك حتى في فطام الرضيع وفصله عن ثدي أمه، قال تعالى:(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ)(1).

وهكذا نجد الشورى مهمة في بناء الأسرة والمجتمع والدولة.

(1) - سورة البقرة أية (233).

ص: 15