الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رقابة القضاء على دستورية القوانين
ما من شك في أن رقابة القضاء على دستورية القوانين توحي بالثقة وتوطد العلاقات الدولية، فغياب الرقابة القضائية يؤدي إلى نتيجة غريبة وبعيدة عن منطق الحق والعدل وهي تكريس سيادة القانون على الدستور في حين أن السلطة التشريعية مؤلفة من عدة هيئات أوجدها الدستور مع غيرها من السلطات الأخرى فيجب أن تكون خاضعة لهذا الميثاق، بل أن مبدء الرقابة القضائية على دستورية القوانين قد صار محط اتفاق بين الفقه الوضعي والفقه الإسلامي ما لم تكن هذه الرقابة قد امتدت إلى ما هو مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي كانت سابقة في وضع قواعد العدالة وتأسيسها، فإنه فيما يتعلق بالرقابة على دستورية القوانين التي تأخذ بالنظام السياسي الإسلامي كاليمن والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول العالم الإسلامي فإن ذلك موكل بموجب الشريعة إلى القضاء نفسه، فمنهم من نظم ذلك في دستوره وصرح باختصاص الهيئة القضائية كما هو الحال في دستور الجمهورية اليمنية الذي جعل الإختصاص في ذلك للمحكمة العليا وكذلك صرحت الكثير من الدساتير بهذه الرقابة، ومنهم من ترك ذلك وهذا لا يعني بطبيعة الحال عدم وجود مرجعية، فالقضاء على اختلاف درجاته هو المعني بإبطال كل نظام أو قانون أو تصرف يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية في الدول التي لم تصرح باختصاص هيئة معينة للرقابة على دستورية القوانين باعتبار أن ولاية القضاء في تحقيق العدل أصلية، فالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة هي إحدى وجوه العدالة باعتبار شمولية الوظيفة القضائية من ناحية تتعلق بتطبيق القوانين ومراعاة القانون الأعلى ضرورة قائمة بذاتها لأن ذلك يؤدي إلى حسن تطبيق القوانين، الموافقة للقاعدة الأعلى تطبيقاً سليماً. وقد ذهبت الكثير من البلدان إلى إعطاء الحق للمحكمة العليا، والبعض منها أنشأت محاكم دستورية، والمراد هنا بالرقابة القضائية التحقق من مطابقة القوانين العادية لنصوص الدستور، وتتمثل بالرقابة في إعطاء محكمة واحدة خاصة أو جميع المحاكم باختلاف درجاتها سلطة الرقابة على دستورية القوانين وتوصف الرقابة القضائية بالرقابة
اللاحقة لأنها تتم بعد صدور القانون، ولم تتفق الدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على منهاج واحد أو تتخذ طريقة واحدة بل إنها اتخذت طرقاً متعددة. (1) ويمكننا البيان لأسلوبين رئيسيين هما الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية والرقابة عن طريق الدفع الفرعي.
1 -
الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية:
تتمثل الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية في قيام أحد الأشخاص المتضررين من قانون معين للطعن فيه مباشرة أمام المحكمة المختصة ودون حاجة إلى الانتظار حتى يتم تطبيق القانون عليه، فإذا تبين للمحكمة صاحبة الإختصاص أن القانون محل النزاع مخالف لنصوص الدستور فإن لها الحق أن تصدر حكماً قضائياً بإلغائه وعند ذلك يصبح هذا القانون باطلاً، ويطلق بعض الفقهاء على هذا النوع من الرقابة رقابة الإلغاء، وتقوم الدولة التي تأخذ بهذه الطريقة بتخصيص هيئة قضائية واحدة يقوم الدستور بتحديدها بمعنى أنها تأخذ بمركزية الرقابة على دستورية القوانين، ويختلف اختصاص هذه الهيئة من دولة إلى أخرى، فمنهم من جعل هذا الإختصاص من حق المحكمة العليا ومن هذه البلدان الجمهورية اليمنية (2) الذي نص دستورها بالمادة (153) أن المحكمة العليا للجمهورية اليمنية هي أعلى هيئة قضائية ويحدد القانون كيفية تشكيلها ويبين اختصاصها والإجراءات التي تتبع أمامها وتمارس على وجه الخصوص في مجال القضاء ما يلي:
الفصل في الدعاوي والدفوع بعدم دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات، وصرح قانون السلطة القضائية اليمني بالمادة (12) الفقرة (أ) بأنها تمارس المحكمة العليا الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات وهذه النصوص تبين أن حق المحكمة العليا في الرقابة على دستورية القوانين هو حق أصيل.
(1) - انظر الدكتور فؤاد محمد النادي في مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون في الفقه الإسلامي ص 351 وما بعدها، والدكتور أحمد عبدالله بن باز في النظام السياسي والدستوري في المملكة العربية السعودية ص 52 وما بعدها، والدكتور علي السيد البار في الرقابة على دستورية القوانين في مصر ص 44 - 47.
(2)
- انظر تفسير أوسع في كتابنا عمدة المسير في بيان سلطة القاضي في تقدير الدليل ج 4، ص 112 وما بعدها.