المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة … تقديم لله الحمد مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي - الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

- ‌الشبهة الثانية: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات

- ‌الشبهة الثالثة: أن الشيخ وأتباعه يمنعون التوسل والإستغاثة بالأولياء والصالحين

- ‌الشبهة الرابعة: في جواز الاستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة الخامسة: من شبههم جواز الإستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة السادسة: من شبههم على جواز الاستغاثة بغير الله مارواه ابن السني عن عبد الله ابن مسعود

- ‌الشبهة السابعة: شبهتهم على جواز الاستغاثة بقول سواد بن قارب للرسول صلى الله عليه وسلم: فكن لي شفيعا…ألخ

- ‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

- ‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

- ‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الشبهة الحادية عشر: قال المبتدعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم نجد وامتنع أن يدعو لهم

- ‌الشبهة الثانية عشر: قول المعترضين: أما تخيل المانعين المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد

- ‌الشبهة الثالثة عشر: إن الشيخ وأتباعه كفروا صاحب البردة ومن كانت في بيته أو قرأها

- ‌الشبهة الرابعة عشر: إن الشيخ وأتباعه منعوا من شد الرحال إلى قبور الأنبياء

- ‌الشبهة الخامسة عشر: إن الوهابيين خالفوا المسلمين بمنعهم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف

- ‌الشبهة السادسة عشرة: شبهة المنتقدين أن الشيخ أنكر على الصوفية وطرقهم مقلدا في ذلك ابن تيمية

الفصل: ‌ ‌مقدمة … تقديم لله الحمد مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي

‌مقدمة

تقديم

لله الحمد مخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي والصلاة والسلام على من أرسله الله نورا يهدي به من ضل عن الرشد.

أما بعد:

فالأمم العظيمة تقدر عظمتها بعدد الرجال الكمل فيها، الذين يتركون أثرا يمتد فيصبحوا بحق من مجددي العصر.

ومن هؤلاء إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

فقد كانت الحالة في نجد في عصره لا تختلف كثيرا عن الحالة في مصر والهند وغيرها الآن، حيث الجهل منتشر والقبور ينذر لها والأشجار يتبرك فيها

إلى أنواع من الشرك تمارس، وطقوس وعبادات تصرف لغير الله سبحانه.

فقام رحمه الله بما وضحه مؤلفنا فضيلة الشيخ أحمد بن حجر الذي قام بتوضيح الدور العظيم الذي قام به إمام الدعوة ومجدد عصره.

لكن الذي أريد أن ألفت الانتباه إليه هو: ما هو السلاح السحري الذي كان لدى الشيخ حيث استطاع تحويل هذه الأمة التي تغلب العامية عليها وانتشار الجهل فيها إلى أمة متعلمة موحدة مدركة مجاهدة؟

والذي استقر عندي بالتتبع أن الشيخ أحسن استخدام النص القرآني والنبوي والذي به الحياة لقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ.} .الآية وقوله جل شأنه: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ..} الآية فالإمام رحمه الله أحسن الاستدلال بالنصوص وربط القلوب بكلام خالقها فأثر فيها وغيرها.

ص: 3

فالقلوب تحييها النصوص. ولعل قارئ ينظر إلى مفكري وساسة الجماعات الدعوية على كثرة ما كتبوا وهي أطنان من الورق لم تعمل في شعوبها العمل الذي عملته الرسائل الصغيرة الحجم القوية المعنى للإمام رحمه الله.

فإذن على الدعاة والمصلحين ربط الأمة بالقرآن والسنة فإن في ذلك الحياة، وترك الفلسفات الكثيرة التي درج عليها مفكرو هذا العصر.

إن أعداء الدعوة، وهذا شأنهم في كل عصر، ومع كل مصلح صادق لا يستطيعون الإقناع والحجة يلجؤون للشبهات والتهم.

فما من تهمة إلا وألصقت بالشيخ رحمه الله ولكن الله سبحانه أظهر الحق ونصر دينه.

وهذا فيه مواساة لأهل التوحيد، أن اصبروا فالله مظهر دينه ولو كره المنحرفون.

واليوم ونحن نرى الشبهات منها يكررها أعداء الدعوة في كل مكان نرى لزاما علينا أن نعيد ترجمة هذا الإمام خاصة وقد تطاول عليه في عصرنا هذا بعض سفلة العصر وجهلته.

فرحم الله الإمام ووفق السائرين على دربه.

كتبه:

عبد الله السبت

ص: 4

مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله الذي أمر بالعدل في جميع الأمور، ونهى عن الجور والظلم فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 1، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذي حث على اتباع كتاب الله، والتمسك بسنته، وحذر من البدع والضلالات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها يوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد جرت سنة الله في خلقه، أنه ما أتى من رسول أو مصلح يدعو إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، إلا وقد قابله الجاهلون المقلدون، والرؤساء المترفون، بالصد والتكذيب والاستهزاء والسب الشنيع، فلا يخضع لدعوة ذلك الرسول أو ذلك المصلح إلا القليل، حتى ورد: أنه يبعث ومعه الرجل والرجلان، يعني لم يستجب من قومه له إلا الرجل أو الرجلان، وقد قال الله {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 2

ومن أولئك المصلحين الحريصين على نشر التوحيد، وإقامة شرائع الله، وإخراج الناس من ظلمات الشرك والبدع إلى نور توحيد، الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله وأجزل له الأجر والثواب- فقد قام بالدعوة خير قيام، وجاهد في الله حق جهاده، فكان جزاؤه أن يشكر

1 النساء: 135

2 يوسف: 103

ص: 5

وأن يمجد ويدعى له بالخير، ولكن ما كان من أكثر المدعوين إلا الإعراض والاستكبار والاستهزاء وتلقيبه بالساحر والكاهن والكذاب، ولم يكتفوا بذلك حتى أقاموا عليه الحرب باللسان والحسام، وأشاعوا عنه الدعايات الضالة والأكاذيب الملفقة، ونسجوا حوله الشبهات الواهية، والأقاويل الساقطة، والعقائد الزائفة، كقولهم: إنه لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمنع من زيارة قبره، ويكفر المسلمين الذين يفعلون ذلك، ونحو ذلك من الأكاذيب والافتراءات والبهتان العظيم.

وكتب في المأجورون تنفيرا للناس من الشيخ الجليل، وصدا عن سلوك طريقه المستقيم، فراجت هذه الفكرة السيئة عن الشيخ الجليل في كثير من البلدان، فإنهم رأووا كتبا بتوقيع الشيخ الفلاني أو العلامة الفلاني الشافعي أو الحنفي أو المالكي، وظن الجهال أن العلماء لا يكذبون، وأنهم لم يكتبوا إلا ما حققوه، وليس الأمر كذلك، بل ما كتبوه في ذم الشيخ كله كذب مختلق، لا نصيب له من الصحة، ولا سند له من الواقع، إنما دفعهم إلى الكتابة التقرب إلى الأتراك أو الأشراف، أو الإبقاء على الرياسة لدى العوام وجمع الحطام من أشباه الأنعام، وما راقبوا الله عز وجل فيما كتبوا، ولم يمنعهم الحياء من أن يختلقوا ويفتروا ما كذبوا، وأكثرهم كتب مما يسمع ولم يقرآ كتب الشيخ وأولاده وأحفاده وأئمة الدعوة السلفية النجدية، حتى يعرف الحق من الباطل، والهدي من الضلال.

وبناء على النصيحة للمسلمين، وحبا في شريعة سيد المرسلين، وصيانة لتوحيد رب العالمين، ودفاعا عن شيخ الإسلام، ومجدد الدين في القرن الثاني عشر الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله – كتبت هذا الكتاب المعنون: الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر المفترى عليه ودحض تلك المفتريات، وطبعته في رمضان 1407هـ.

ص: 6

وقد نفدت نسخه، ولما كانت الحاجة إليه ماسة، فقد استعنت بالله العظيم أعدت طبعه للمرة الثانية، سائلا رب العرش العظيم، أن ينتفع بهذا الكتاب عباده المؤمنين، وأن يجعله أداة إنقاذ من ظلمات الجهالة، وأن ينور بصائر القارئين، ليعرفوا حقيقة الشيخ الجليل، ولا تروج عليهم دعاية أهل الضلال، والله من وراء القصد، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وصلى الله على سيد الأنام وعلى آله وأصحابه الكرام وسلم.

الدوحة في 13/ شوال/ 1412هـ ـ 15/4/1992م

أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي

رئيس قضاة المحكمة الشرعية بدولة قطر

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد.

فبالرغم من انتشار العلم وتنور الأذهان وتقلص ظل الأمية الجهالة من المجتمعات الإسلامية، فلا زال الكثيرون قد علق بأذنانهم فكرة سيئة ورأي غير سديد حول الإمام المصلح الكبير الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وذلك من جراء تلك الافتراءات والأكاذيب التي نسجتها أيدي المغرضين وخصوم الدعاة المخلصين فتكونت شبهات حول الشيخ وهي في الحقيقة كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء فإذا جاءه لم يجده شيئا، ومن أجل كثرة ما سمعت من تلك الدعايات المضلة والأقاويل المزورة بدا لي أن أكتب في هذا الموضوع في بيان تلك الأقاويل والشبهات وبطلانها بالدلائل الواضحة التي إذا قرأها القارئ وكان يملك شيئا من العقل والإنصاف يخرج منها نقيا من أرجاس تلك الأقاويل والافتراءات مسلحا بسلاح الإيمان والتصديق والإذعان بأن ما سمعه أو قرأه عن الشيخ المذكور لا صحة له، وعلى الفرض أن يصح بعض ما نسب إليه يكون مؤيدا بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال محققي علماء الأمة.

ولو تتبعنا مقالاتهم الواهية لتطلب مجلدا ضخما، ولكن اعتمدنا على الشبهات الكبيرة التي نسجوها حول الشيخ رحمه الله، وعند التأمل ترجع تلك الشبهات إلى الشبهة حول توحيد الألوهية الذي يتفرع منها الاستغاثة واللياذ بغير الله والنذر والذبح والحلف بغير الله تعالى إلى آخر أنواع العبادة،

ص: 8

وإلى توحيد الأسماء والصفات، فيستطيع الكاتب أن يحصر شبهاتهم حول ثلاث شبهات:

أ- حول توحيد الألوهية ب- توحيد الأسماء والصفات

ج– إنكار الشيخ للبدع كالموالد وطرق الصوفية والعادات المخترعة والمنحطة والبناء على القبور.

فإذا أمعن القارئ النظر في هذه الشبهات وفي الأجوبة عنها، فقد تسلح بسلاح الحجج النقلية والعقلية، ويستطيع أن يرد على يوردونه في الاعتراض على الشيخ وينقض كلامهم.

ويكفي للناقد البصير أن يفهم أن أكثر ما يوردونه لا يستندون فيه إلى آية أو حديث، إنما هو مجرد كلام واتهام بغير حجة سوى ما يوردونه في باب التوسل والاستغاثة من الأحاديث الضعيفة الواهية التي لا يتشبث بها ويستمسك بها إلا من كان مفلسا من الحجج الصحيحة القوية، فإذا تأمل الخبير البصير عرف وهن ما زعموه، إذ لو كان كل كلام وادعاء يقبل، لما كان للبينة والحجة حاجة، فإن مجرد الادعاء والكلام لا يعجز عنه أحد، وإنما الشأن فيمن يدعي ويقيم الحجة على دعواه بشرط أن تكون تلك الحجة من كتاب الله العظيم أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الحسنة، لا من أقاويل الرجال ولا من الكتب المحشوة بالترهات والضلالات، ومن كلام الكثيرين الذين ينتسبون إلى العلم وهم أفلس من إبليس في يوم الوقوف بعرفة من البراهين المؤيدة لدعواهم.

هذا وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

أحمد بن حجر ال بوطامي البنعلي

رئيس قضاة المحكمة الشرعية

بدولة قطر

ص: 9

وقبل الدخول في الموضوع رأيت أن أكتب نبذة1 عن حياة وحالة نجد إذ ذاك، وسائر الأقطار.

ولادته ونشأته ورحلته لطلب العلم:

ولادته سنة 115هـ الموافق سنة 1703م، وفاته سنة 1306هـ. ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي في بلدة العيينة الواقعة شمال الرياض، ونشأ الشيخ في حجر أبيه عبد الوهاب في تلك البلدة في زمن إمارة عبد الله بن محمد بن حمد بن معمر.

وكان رحمه الله سباقا في عقله وفي جسمه فطنا ذكيا، فقد استظهر القرآن قبل بلوغه العشر، وبلغ الاحتلام قبل تمام الاثنتي عشرة سنة، قال أبوه رأيته أهلا للصلاة بالجماعة وزوجته في ذاك العام.

1 مع العلم أني قد كتبت كتابا مفصلا عن الشيخ بعنوان عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه غير أني لم أتوسع في دفع الشبهات ودحض المفتريات، ولهذا كتبت هذا الكتاب بهذا العنوان "الشيخ محمد بن عبد الوهاب المفترى عليه ودحض تلك المفتريات".

ص: 10

طلبه للعلم:

درس على والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، وكان في صغره مكبا على كتب التفسير والحديث والعقائد، وكان يعتني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الحافظ ابن القيم رحمهما الله ويكثر من مطالعة كتبهما.

رحلاته العلمية:

ثم غادر البلاد قاصدا حج بيت الله الحرام، وبعد أدائه الفريضة أم المدينة المنورة وقصد المسجد النبوي وزار إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار المخلصين.

وقرأ على بعض علماء المدينة، ومن مشايخه هناك الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف النجدي والشيخ علي أفندي الداغستاني والشيخ إسماعيل العجلوني، كما استفاد من الشيخ عبد اللطيف العفالقي الأحسائي والشيخ محمد العفالقي الأحسائي والشيخ محمد حياة السندي، ثم رجع إلى نجد وتوجه إلى البصرة فأقام مدة في البصرة ودرس العلم فيها على جماعة من العلماء، منهم الشيخ محمد المجموعي، وقد قرأ عليه الكثير من النحو واللغة والحديث وغيرها، وذكر المؤرخ ياسين بن خير الله الخطيب العمري الموصلي في كتابه (غرائب الأثر) أن الإمام محمد بن عبد الوهاب قدم الموصل وقرأ العلم على العلامة مولانا ملا حمد الجميلي وأخذ عنه الكثير، ويقال: أن المؤرخ العمري كان معاصرا للإمام1.

ثم رجع إلى نجد، ومر في طريقه بالأحساء، وقرأ على الشيخ محمد بن عبد اللطيف الشافعي مدة من الزمن، ثم رجع إلى بلاده، وقد شاهد أحوال نجد والحرمين والعراق وغيرها من البلدان من المنكرات والشركيات والبدع والضلالات حتى عندما كان في المدينة المنورة يسمع الاستغاثات برسول الله ودعائه من دون الله، فقال للشيخ محمد حياة السندي: ما تقول يا شيخ في هؤلاء؟ فأجاب على الفور، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون.

1 نقلته من بحث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولم أر من ذكره غيره.

ص: 11

حالة نجد في عقائد أهلها الفاسدة قبل دعوة الشيخ

رأى نجدا مرتعا للخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافى مع أصول الدين الصحيحة، فقد كان فيها كثير من القبور تنسب إلى بعض الصحابة، يحج الناس إليها ويطلبون منها حاجاتهم، ويستغيثون بها لدفع كروبهم، فقد كانوا في الجبيلة يؤمون قبر زيد بن الخطاب، يتضرعون لديه ويسألونه حاجاتهم، وكذلك في الدرعية كان قبر لبعض الصحابة كما يزعمون، وأغرب من ذلك توسلهم في بلد المنفوحة بفحل النخل، واعتقادهم أن من تؤمه من العوانس تتزوج، فكانت من تقصده تقول:"يا فحل الفحول، أريد زوجا قبل الحول" ورأى في الحجاز تقديس قبور الصحابة وأهل البيت والرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يسوغ إلا مع رب الأرباب.

كما سمع عن العيدروس في "عدن" والزيلعي في اليمن الشيء الكثير، وعن البدوي والدسوقي والرفاعي والجيلاني وأمثالهم، ما يقوم به الأكثرون تجاه هؤلاء من العبادات التي لا تصلح إلا لله، كالنذور والطواف الذبح والاستغاثة إلى غير ذلك، وهكذا كان أهل نجد وسائر الأقطار لا يعرفون الله في الرخاء ولا في الشدة باستثناء قلة صالحة، فإذا حلت مصيبة بأحد أو مرض أو ظلم، أو يريد كشف الضر أو إعطاء ولد أو رزق أو نزول مطر، لاذ بقبر من القبور المعظمة وأخذ يصيح ويبكي ويصلي ويدعو ويستغيث بالولي المزعوم، ويطلب منه قضاء حاجته وكأنه لم يسمع قوله تعالى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 1

1 سورة غافر الآية (60)

ص: 12

وكان للقلوب تعلق شديد بتلك القبور والأشجار والكهوف المعبودة لطول الأمد عليها، إذ نشأ عليها الصغير، وشاب عليها الكبير، وتلقاها الخالفون عن السالفين من آبائهم، وأخذوا بالوراثة التي امتزجت بنفوسهم في جميع أدوار حياتهم، وليس في الناس من يقوم بالإنكار على هذه المبتدعات، ولا من يرد الناس عنها إلى الدين الصحيح، إما لتعلق بها وحرص عليها لأنها مورد رزق، وسبيل رياسة وذلك شأن متصوفة الزمن، وسدنة المقابر، والموظفين في خدمتها وترويج عبادتها، وهؤلاء أضر خلق الله على الناس.

وإما لجهل بحقيقة الإسلام، وما بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام، وتعوضهم عن ذلك بما حفظوا أو قرأوا من بعض الكتب المحشوة بما يزيد هذه البلايا رواجا، والرؤساء والأمراء لا هم لهم إلا جمع الدنيا وتحصيل لذاتها ومتاعها من كل طريق وبكل وسيلة، فكان المسلم السليم القلب، العارف لربه وعبادته، ولنبيه وهديه وسنته، إذا تأمل في هذه الحال تفطر قلبه حسرة، بالإضافة إلى تهاونهم بالصلوات، ولا سيما في الجمع والجماعات، وارتكاب كثير من المنكرات، وإذا وجد من ينكر تلك الضلالات وعبادة الأموات، قاموا عليه قيامة رجل واحد، وكفروه وضللوه وضربوه وأخرجوه من البلد إن كان غريبا، وأذاعوا في الناس أن هذا الرجل ضال مضل، إياكم أن تصغوا لقوله وتتأثروا بإرشاده، كما في قصة الواعظ التركي الذي أتى مصر كما ذكره الجبرتي، وخلاصة قصته إنه أخذ يحذر الناس من الاستغاثات والطواف بالقبور والنذور والدعوات الشركية، فقاموا عليه آذوه وضربوه، وطلب الحكم بينه وبينهم أمام القاضي، وبالرغم من أن القاضي أيد جانب الواعظ، لكنهم لم يقتنعوا ووشوا به إلى الحاكم إنه مبتدع ضال، فأبعده الحكم من البلاد، مع العلم أن كثيرا من العوام أحبوه وعلموا أن ما يقوله ذلك الواعظ هو التوحيد الصحيح والإسلام المنيف، وهكذا في عصرنا في كثير من الأقطار بمجرد ما يسمعون منك كلمة تخالف ما هم عليه، من تلك الاعتقادات الباطلة والآراء الكاسدة صاحوا عليه وقالوا: إنه وهابي أخرجوه

ص: 13

من مسجدنا، وأخرجوه من قريتنا، وعند كثير من الهنود والباكستانيين المتأثرين بعاداتهم الموروثة وتقاليد مشايخهم الضالين، النفور عن هذه الدعوة السلفية الصحيحة بحجة أن هؤلاء السلفيين وهابيون.

وازن الشيخ تلك الأفعال المنكرة بميزان الوحيين، كتاب الله المبين، وسنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وأصحابه المتقين، فرآهم في بعد عن منهج الدين وروحه، ورآهم لا يعرفون للتوحيد معنى ولا يقيمون للدين الصحيح وزنا، وكل ما هنالك من دينهم هو مجموع طقوس توارثوها عن آبائهم وأشياخهم من بعض العبادات والدعوات الممزوجة بالشرك والضلال، ونداء غير ذي الجلال، وكان الشيخ رحمه الله قد ألهمه الله تعالى فهما ثاقبا وإيمانا راسخا وعلما جما وأخلاقا كريمة، فصمم على إعلان الدعوة لتوحيد الله وإفراده بالعبادة وترك تلك المحدثات والبدع والضلالات وأنواع الشرك بالله، فأخذ يدعو الناس إلى العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة وإلى الأعمال الصالحة المستمدة من الوحيين، وبين له أن توحيد الربوبية الذي يعترفون به لا يدخل الإنسان في دين الإسلام، ولا يعصم دمه وماله، ولا ينجيه في الآخرة من النار، إلا إذا أتى معه بتوحيد الألوهية، لأن الله أخبر عن المشركين أنهم يعتقدون بتوحيد الربوبية ولكن لم يفدهم، قال الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 1، وهناك آيات كثيرة في توحيد الربوبية واعتراف المشركين به. كقوله تعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 2

1 لقمان الآية 25

2 يونس الآية 31

ص: 14

توحيد الألوهية

أما توحيد الألوهية، ويقال له توحيد العبادة: وهو إفراد الله بالعبادة، لأنه المستحق لأن يعبد لا سواه مهما سمت درجته وعلت منزلته.

توحيد الربوبية

وتوحيد الربوبية هو أن تفرد الله بأفعاله كالاعتقاد بأنه الخالق الرازق المحيي المميت.

وتوحيد الألوهية هو التوحيد الذي جاءت به الرسل إلى أممهم، لأن الرسل عليهم السلام جاؤوا بتقرير الربوبية الذي كانت أممهم تعتقده، ودعوتهم إلى توحيد الألوهية، كما أخبر الله عنهم في كتابه المجيد.

قال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} 1 وقال عن هود {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} 2، وقال عن صالح {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 3، وقال الله عن شعيب {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4، وقال الله مخبرا عن موسى عليه السلام في محاجاته مع فرعون {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} 5 الخ الآيات من سورة الشعراء.

1 هود الآية 25-26

2 هود الآية 50

3 هود الآية 61

4 هود الآية 84

5 الشعراء الآية 23-24

ص: 15

ولما قام الشيخ بالدعوة برفق ولين متبعا قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} 1 وكان ذاك في بلدة حريملاء، وبين لهم أن لا يدعى إلا الله، ولا يذبح إلا لله، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار من الاستغاثة بها وصرف النذور إليها واعتقاد النفع والضر منها ضلال وزور، وعزز كلامه بآيات من كتاب الله المجيد وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسيرة أصحابه.

وقع بينه وبين الناس نزاع وجدال، فاستمر الشيخ يدعو بلسانه وقلمه وإرشاده، وتبعه ناس من أهل البلدة، وكان في تلك البلدة قبيلتان، وكل يدعي الزعامة، وليس هناك من يحكم الجميع ويأخذ حق الضعيف ويردع السفيه، وكان لإحدى القبيلتين عبيد يأتون بكل منكر وفساد، فصمم الشيخ على منعهم وردعهم، ولما أحس أولئك الأرقاء بما صمم عليه الشيخ، عزموا أن يفتكوا به خفية، فتسوروا عليه من وراء الجدار فشعر بهم بعض الناس فصاحوا بهم وهربوا.

1 سورة النحل الآية 125.

ص: 16

انتقال الشيخ من العيينة إلى الدرعية

عندما غادر الشيخ حريملاء إلى العيينة مسقط رأسه وموطن آبائه، ثم انتقل من العيينة إلى الدرعية عام 1158هـ، ونزل ضيفا على عبد الرحمن بن سويلم وابن عمه أحمد بن سويلم، وأخذ الشيخ يدعو إلى التوحيد، ويفد الناس عليه من القرى والبلدان، وكثر الوافدون ليرتووا من مناهله العلمية العذبة الصافية النقية، وذلك بعد أن اتفق الشيخ مع محمد بن سعود أمير الدرعية، وبايعه الأمير على الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله، والتمسك بسنة رسول الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الشعائر الدينية والحدود الشرعية، ولما اشتهر الشيخ بدعوته الإصلاحية وكثر لديه طلاب العلوم من كثير من القرى المجاورة، أخذ الشيخ بعد ذلك يراسل رؤساء البلدان النجدية وقضاتهم ومن كان ينتسب إلى العلم منهم، ويطلب منهم الطاعة والانقياد ونبذ الشرك والعناد.

فمنهم من أطاعه ومنهم من عصاه واتخذه سخريا واستهزأ به ونسبه إلى الجهل وعدم المعرفة، ومنهم من زعم أنه أتى بمذهب خامس جديد، ومن هنا ألصقوا به كثيرا من التهم التي هو بريء منها، ثم لم يأل جهدا العلماء المتجرون بالدين وخائنوا العلم أن زوروا عليه ما زوروا عليه من تلك الافتراءات الباطلة والمبادئ الضالة، لأسباب عديدة منها أن طفق بعض النجديين المخالفين للشيخ يكتب إلى الأتراك وإلى الأشراف في الحجاز، أن هذا الشيخ مبتدع وأتى بمذهب خامس، ولا يحب الرسول ولا الأولياء ويهدم قباب المشايخ والأولياء الكبار، تلك القباب التي أجمع على تعظيمها والتبرك بها المسلمون، وأن قعود الدولة عن رد هؤلاء المعتدين يذهب بهيبتها من نفوس المسلمين، ويحط من مكانتها عندهم، وما زالوا بالدولة العثمانية يستنصرون بقوتها وجيشها، ويستفزون ملوكها وعلماءها بأساليب الخداع وأنواع

ص: 17

الإغراء، بأنها حامية الحرمين الشريفين وحامية الإسلام، وأوغروا صدر الدولة على دعوة الشيخ، وشوهوا وجهها الجميل، حتى بلغ به الوقاحة وقلة الحياء والإيمان، إلى حد أن زعموا أن السعوديين النجديين لا يقولون في الأذان "أشهد أن محمدا رسول الله" بل يقولون "محد رسول الله" بحذف الميم، تنفيرا للأتراك من خصومهم، وإنهم يعلمون حق العلم أن هذا كذب وزور.

وأخيرا انخدعت الدولة العثمانية بأولئك المفترين، ولا سيما عندما رأت أن الدولة السعودية بسطت نفوذها على نجد وامتد إلى عمان، وأخذت تغزو العراق بعد فتح آل سعود مكة المكرمة سنة 1218هـ، فعندئذ أمرت الدولة محمد علي باشا والي مصر أن يحارب النجديين، فنفذ ما أمره السلطان وجرى ما جرى مما قصه التاريخ وأوعزوا إلى بعض العلماء من الأكالين باسم الدين أن يؤلفوا ضد الشيخ وأتباعه. أو تبرعوا بتلك الكتابات إرضاء لنفوسهم الأمارة بالسوء وإبقاء لرئاستهم على العوام.

هكذا فعلت الأشراف بعد أن اندحروا ودخل السعوديون مكة المكرمة، فألف مأجورو الترك والأشراف كتبا، شحنوها بالأكاذيب والترهات وحشوها بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، والحكايات السمجة ضد الدعوة السلفية، وزعموا أن الشيخ مبتدع خارجي، حتى أن "زيني دحلان" نزل الأحاديث الواردة في الخوارج على الشيخ وأتباعه في كتابه "الدرر السنية" وفي "الفتوحات الإسلامية"1 فعلوا كل ذلك تنفيرا للناس، كيلا يتبعوا الشيخ الجليل، ويعتنقوا مبدأه الصحيح.

1 إبقاء لمركزه المرموق إذ ذاك في مكة المكرمة وإرضاء للأشراف، لأن الأشراف رأوا أن دعوة الشيخ خطر عليهم ومخالفة لعقائدهم التي منها تعظيم الأشراف أحياء وأمواتا، ومنها تشييد القباب على قبورهم وشد الرحال إليها لأجل طلب قضاء حوائج الزائرين الطالبين. انظر كلام زيني دحلان في الفتوحات المكية –ج2-ص 257-266 لتقرأ الكذب والضلال.

ص: 18

ومن الأسباب أيضا أن الكثيرين من أولئك الذين سموهم العلماء زورا وبهتانا، كانوا يترأسون على العوام ويأكلون منهم الحطام، ويروجون بين الأنام الدعاية الضالة لتلك القبور المشيدة والقباب المزخرفة من الكرامات المختلقة والدرجات العالية، وخافوا من انتشار هذه الدعوة السلفية الصحيحة أن يفهم الناس حقائق الدين والتوحيد، وأن تكون النتيجة زوال رئاستهم وما كانوا يأكلون من تلك النذور والأوقاف، وما يتقرب به الجهلة العوام إلى تلك القبور، وأولئك كانوا يأكلونها باسم السدانة والمحافظة على القبور المقببة، وتفهيم الزوار آداب الزيارة وكيف يدعون الولي، وكيف يطلبون منه قضاء حوائجهم، وكيف يطوفون حوله وكيف يدخلون ويخرجون، وعندما علموا أن هذه الدعوة مآلها إن انتشرت، وفهم الناس حقيقتها القضاء على رئاستهم وظهور جهلهم للناس، وأنهم كانوا ضالين ومضلين.

أخذوا عند ذاك يذيعون وينشرون بين الناس، ويختلقون مثالب وقوادح في الشيخ وأتباعه، بل وقد يكتبون تنفيرا للناس عن الدخول في هذا التوحيد الذي كاد أن يقضي عليه علماء السوء وجهل أكثر العوام.

ومن الأسباب: أن بعض العلماء لم يعرف حقيقة ما جاء به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإنما قلد بعض من سمع منه أو قرأ له كتابا في الانتقاد على الشيخ، أو سمع من بعض العوام أنه لا ينتفي لعالم أن يكتب عن عالم، أو ينسب إليه مذهبا أو قولا قبل أن يتحقق لديه ذلك القول المنسوب بالوقوف على كتابه الذي فيه ذلك القول المضاف إليه ومنها داء الحسد.

وإذ فهم القارئ أو السامع ما ذكرته عن دعوة الشيخ وموقف خصومه وإلصاقه بتلك التهم التي لا نصيب لها من الصحة، فمن الجدير بي أن أنقل للقارئ عقيدة الشيخ وأتباعه كما كان عليه السلف الصالح فهاكم البيان:

ص: 19

عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجميع النجديين

عقيدته كعقيدة السلف الصالح، على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المهتدون، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري وابن عيينة وابن المبارك والبخاري ومسلم وأبي داود، وسائر أهل السنن وأمثالهم ممن تبعهم من أهل الفقه والأثر كالأشعري وابن خزيمة وتقي الدين بن تيمية وابن القيم والذهبي رحمهم الله.

يعتقد أن الله واحد أحد، فرد صمد، لا شريك له ولا مثيل ولا وزير ولا مشير، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، عالم بكل شيء ما كان وما يكون وما لم يكن، لو كان كيف يكون، قادر على كل شيء، لا يعجزه شيء بل هو الفعال لما يريد، ويثبت جميع صفات الله العليا، وأسمائه الحسنى، كما نطق الكتاب، وجاءت به السنة الصحيحة من صحة العلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة، والكلام والاستواء على العرش، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا، وسائر الصفات الذاتية والفعلية والخبرية.

يؤمن بها، ويمرها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.

توحيد العبادة والربوبية:

يعتقد بأن الله هو القوي القادر الخالق الرازق المحيي المميت.

يؤمن بأن يفرد ربنا بالعبادة، ولا يشرك به أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

ويبرأ من عبادة ما سواه كائنا ما كان، وهذه هي الحكمة: التي خلق الله لأجلها الجن والإنس وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب.

ويبرأ من عبادة الأحجار والأشجار والصالحين الأخيار.

ص: 20

ويبرأ من عابديها، ويقيم الحجج العقلية والنقلية على أنها شرك وضلال، وكفر بالله ذي الجلال كقوله تعالى حكاية عن قول الرسل لأقوامهم {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 1، وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 2. وكقوله تعالى {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 3.

الإيمان بالرسل والأنبياء والملائكة والكتب واليوم الآخر:

يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله، لا يفرق بين أحد منهم، ويعتقد أن محمدا أفضلهم، أرسله الله بالآيات الباهرة، والمعجزات الظاهرة، وكرمه بطهارة الأعراق، وحباه محاسن الأخلاق، فمن تبعه صار من المفلحين ومن عصاه صار من الأشقياء الخاسرين.

ويؤمن باليوم الآخر، وبالبعث بعد الموت، وحساب الله للعباد، والميزان والصراط، والجنة والنار.

مسائل القدر والجبر والإرجاء والإمامة:

يؤمن بالقدر خيره وشره، ويبرأ مما قالته القدرية النفاة، والمجبرة والمرجئة، ويوالي جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين، ويكف عما شجر بينهم، ويعتقد بأفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم.

1 سورة هود الآية 50

2 سورة البقرة الآية 21

3 سورة فاطر الآية 14

ص: 21

عقيدته في العلماء:

يوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم، من أهل الحديث والفقه والتفسير، وأهل الزهد والعبادة، ولا سيما الأئمة الأربعة، ويرى فضلهم وإمامتهم، وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة، يقصر عنها المتطاول ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد إلا بالدليل تقوم به الحجة من الكتاب والسنة، خلافا لغلاة المقلدين وعلى هذا القول أجمعت الأئمة الأربعة وغيرهم، كما حكاه ابن عبد البر رحمه الله.

وإتماما للفائدة أقدم للسائل عقيدة موجزة كتبها الشيخ رحمه الله تعالى:

قال رحمه الله بعد البسملة:

أشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقده أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

فلا أنفي عنه ما وصفه به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف ولا أمثل صفاته بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمي له ولا كفء ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا.

فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال تعالى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

فالفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية.

ص: 22

وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية.

وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.

وهم وسط في باب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج.

وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود،، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.

وأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا وتدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين، وتوزن به أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} .

وتنشر الدواوين، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.

وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.

وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم، وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أول شافع وأول مشفع. ولا ينكر شفاعة النبي إلا أهل البدع والضلال.

ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا، كما قال الله تعالى {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وقال {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} وقال تعالى {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} .

ص: 23

وهو لا يرضى إلا بالتوحيد، ولا يأذن إلا لأهله.

وأما المشركون فليس لهم في الشفاعة نصيب، كما قال تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .

وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما –اليوم- موجودتان وأنهما لا يفنيان.

وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته.

وأومن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته.

وأفضل أمته أبو بكر، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشر ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة –أهل بيعة الرضوان- ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم.

وأتولى أصحاب رسول الله، وأذكر محاسنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساوئهم، وأسكت عما شجر بينهم.

وأعتقد فضلهم عملا بقول الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .

وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء.

وأقر بكرامات الأولياء، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئا، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء.

ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنبه ولا أخرجه من دائرة الإسلام.

وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة.

والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.

ص: 24

وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله.

ومن ولى الخلافة، واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه.

وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله.

وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.

وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.

وأرى وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.

فهذه عقيدة وجيزة، حررتها وأنا مشتغل البال، لتطلعوا على ما عندي والله على كل ما نقول وكيل.

فليتأمل السائل في هذا الجواب المختصر، وفي هذه العقيدة الوجيزة ليعلم حقيقة الشيخ إنه على الحق والصواب، والمخالفون هم أهل الضلال والارتياب.

وبعد أن قدمت للقارئ هذه المقدمة التي فيها كثير من الحقائق عن الشيخ الجليل، تلك الحقائق التي ينبغي أن يعرفها القارئ، ومن يريد أن يعرف حقيقة تلك الدعوة الإصلاحية السلفية لكي لا ينخدع ويتأثر بما يسمعه من أفواه الجهلاء وخصوم الدعوة ومن قراءة بعض الكتب التي أخذ مؤلفوها على عاتقهم أن يصدوا الناس عن صراط التوحيد، ويغمسوهم في حمأة الشرك والتنديد.

وهاك الآن بيان الشبهات التي هي حقيقة افتراءات نسبوها إلى الشيخ وأتباعه وهم برآء كبراءة الذئب من دم يوسف.

ص: 25