المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء - الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

- ‌الشبهة الثانية: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات

- ‌الشبهة الثالثة: أن الشيخ وأتباعه يمنعون التوسل والإستغاثة بالأولياء والصالحين

- ‌الشبهة الرابعة: في جواز الاستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة الخامسة: من شبههم جواز الإستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة السادسة: من شبههم على جواز الاستغاثة بغير الله مارواه ابن السني عن عبد الله ابن مسعود

- ‌الشبهة السابعة: شبهتهم على جواز الاستغاثة بقول سواد بن قارب للرسول صلى الله عليه وسلم: فكن لي شفيعا…ألخ

- ‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

- ‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

- ‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الشبهة الحادية عشر: قال المبتدعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم نجد وامتنع أن يدعو لهم

- ‌الشبهة الثانية عشر: قول المعترضين: أما تخيل المانعين المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد

- ‌الشبهة الثالثة عشر: إن الشيخ وأتباعه كفروا صاحب البردة ومن كانت في بيته أو قرأها

- ‌الشبهة الرابعة عشر: إن الشيخ وأتباعه منعوا من شد الرحال إلى قبور الأنبياء

- ‌الشبهة الخامسة عشر: إن الوهابيين خالفوا المسلمين بمنعهم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف

- ‌الشبهة السادسة عشرة: شبهة المنتقدين أن الشيخ أنكر على الصوفية وطرقهم مقلدا في ذلك ابن تيمية

الفصل: ‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

الشبهة الأولى:

إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم، ويحطون من شأنه وشأن سائر الأنبياء، واختلقوا أكاذيب لتأييد شبهتهم فقالوا: إن الشيخ كان يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، إن غاية أمره كالطارش الذي يرسل إلى أناس في أمر فيبلغهم إياه ثم ينصرف.

وقولهم: عصاي خير من محمد لأنها ينتفع بها بقتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلا، هكذا زعم علوي الحداد في كتابه "مصباح الأنام".

وزعم السيد أحمد زيني دحلان: أن أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب يمنعون من الصلاة على النبي بعد الأذان على المنائر، حتى أن رجلا صالحا كان أعمى وكان مؤذنا وصلى على النبي بعد الأذان فأتوا به إلى ابن عبد الوهاب، فأمر به أن يقتل فقتل، وما ادخروا وسعا في صنعة الأكاذيب على الشيخ تنفيرا للناس عن دعوة التوحيد وإبقاء على رئاستهم على الجهلة والعوام.

قال الشيخ يوسف النبهاني:

أعجب شيء مسلم في حسابه

غدا قلبه من حب خير الورى صفرا

أولئك وهابية ضل سعيهم

فظنوا الردى خيرا وظنوا الهدى شرا

والجواب من وجوه:

1-

إن هذه التهم الباطلة المنسوبة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لا تصدر عمن يملك شيئا ولو قليلا من الحياء فضلا أن يكون مؤمنا، إذ كراهية الرسول لا تصدر إلا من ملحد أو يهودي أو نصراني، وإلا فإن

ص: 26

مفتاح الدخول في الإسلام هو قول العبد "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" وإقراره برسالة رسول الله مع التصديق الباطني، ومن موجبها أن يكون محبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

كيف يكون المرء مسلما ومتبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكرهه ويبغضه، وإذا كان الله يقول مخاطبا لنبيه الكريم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وفي الآية شرط على العبد إن ادعى أنه يحب الله فليتبع رسوله، ومن لازم الاتباع الصحيح حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يصح إيمان المرء وهو لا يحب الرسول، وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وفي حديث آخر "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" ، وفي الحديث الصحيح "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء، لا يحبه إلا الله، ومن كان يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار".

2-

ليعلم هؤلاء المفترون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد ألف كتابا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن محبا له لما ألف في سيرته صلى الله عليه وسلم، وبيان شمائله وأخلاقه ومعجزاته وجهاده، كما ألف ابنه الشيخ عبد الله كتابا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

3-

إن الشيخ حنبلي المذهب والحنابلة يرون أن الصلاة على النبي في التشهد الأخير فرض من فروض الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كالقول الثاني للإمام الشافعي رحمه الله، بينما يقول الحنفية والمالكية بسنية الصلاة على النبي في التشهد الأخير كما هو قول آخر للإمام الشافعي.

فقل لي بربك من يرى فرضية الصلاة عليه في الصلوات المفروضات

ص: 27

والمسنونات أجدر بالحب والتعظيم للرسول العظيم أم من لا يرى ذلك؟

ولكن كما قيل:

فقل هل ترى فيما نقول ملامة

ولكن أعمى العين لا يبصر البدرا

4-

هل نسي هؤلاء أن الصلاة على الرسول هي أمر من الله لنا قبل أن تكون من الرسول، قال الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .

ولا يستطيع مسلم أن ينكر ما جاء به القرآن، ووردت به السنة في فضل الصلاة عليه، وأن تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي الأعلى وتسليمه وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم، وهل جهل الشيخ وأتباعه هذه الآية الشريفة؟ وتلك الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كحديث "من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا" وحديث "رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل علي" إلى غير ذلك من الأحاديث التي دونتها كتب السنة.

وهل يصدق هذا الافتراء الصريح إلا مختل العقل، أو جاهل متأثر بما سمع من أمثال هؤلاء المشايخ الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، وقل نصيبهم من الحياء والعلم والإيمان، وأخذوا يكيلون التهم من غير حساب وبلا تفكير، إن هذه التهم الشنيعة لا تليق بأن تنسب إلى أقل مسلم جاهل فضلا أن تنسب إلى عالم جليل يدعو إلى الكتاب والسنة، فيا سبحان الله العظيم ما أجهل هؤلاء وأجرأهم على الكذب وخلق التهم، وإلا فلو فكروا قليلا فيما يدعوا هذا الشيخ وينكر على الناس تلك الضلالات، لعلموا أنه ما كان يدعو إلا إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، وترك تلك العادات السافلة والعقائد الوثنية الممقوتة، وهل يدعو إلى سنة رسول الله وتحكيمها وهو يبغضه، اللهم إن هذا ظلم وجور لا يقبلها العقل الصحيح ولا الذوق السليم، ورحم الله الشيخ عمران حيث قال في شأن الشيخ:

ص: 28

هل قال إلا وحدوا رب السما

وذروا عبادة ما سوى المتفرد

وتمسكوا بالسنة البيضا ولا

تتنطعوا بزيادة وتردد

هذا الذي جعلوه غشا وهو قد

بعثت به الرسل الكرام لمن هدي

من عهد آدم ثم نوح هكذا

تترى إلى عهد النبي محمد

وكذلك الخلفاء بعد نبيهم

والتابعون وكل حبر مهتدي

الأجوبة عن قولهم النبي كالطارش وعصاي خير من محمد

أما قولهم: أن الشيخ كان يقول إن غاية أمر النبي كالطارش، وعصاي خير من محمد.

فالجواب: فهذا والله العظيم من الكذب والبهتان الذي لا يختلف فيه عاقلان، وفي الحديث الشريف " إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، وقد قال الشاعر قديما:

لي حيلة فيمن ينم

وليس في الكذاب حيلة

من كان يخلق ما يقول

فحيلتي فيه قليلة

أما قرأ هؤلاء قول الله {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} وفي الحديث عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطبع المؤمن على كل خلة، غير الخيانة والكذب""رواه البزار، وأبو يعلى. وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" فهؤلاء المنتقدون على الشيخ لم يقولوا خيرا ولم يكفوا عن شرهم.

ص: 29

والجواب الثاني أن يقال:

وكل ادعا قرين افترا

سوى من إذا ما ادعى أشهدا

فأين البينة التي تؤيد دعواهم، فهاهي كتب الشيخ رحمه الله وأبنائه وذويه وأتباعه موجودة ومطبوعة ومنتشرة في كثير من البلدان فليأتوا بحرف واحد يثبت ما يدعونه، وهيهات أن يأتوا بذلك ولو صعدوا إلى السموات ونزلوا إلى أعماق الأرضين، واستعانوا بالإنس والجان لما استطاعوا أن يأتوا بكلمة من كتب الشيخ وأبنائه وأتباعه بل ولا حرف واحد، أما النقل عن الشيخ الفلاني والكتاب الفلاني، فلا يثبت بذلك النقل دعوى المدعي، لأن تلك الكتب ككتاب الحداد وزيني دحلان والنبهاني والعاملي الشيعي وأمثالهم من خصوم الدعوة السلفية، محشوة بالأكاذيب والترهات والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة واختلاق الكرامات لمن يزعمونه من الأولياء، فلا ينبغي لمسلم أن يقرأ تلك الكتب إلا للاطلاع على ما فيها من الكذب والزور، لا أن يحتج بها.

وليعلم من لم يكن يعلم أن الشيخ محمدا رحمه الله وأتباعه وسائر السلفيين من أهل السنة والجماعة، وعقيدة أهل السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق أجمعين، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في اعتقادهم مفضلا على الأنبياء والملائكة، فكيف يقول الشيخ: إن عصاي خير من محمد، لأن هذه اللفظة فيها تنقيص، ولا يجوز لمسلم أن ينتقص من مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ما هذا إلا كذب واختلاق، قصدوا بهذا الكذب تنفير الناس عن الدخول في دعوته الصحيحة، المبنية –كما قلنا غير مرة- على الكتاب والسنة الصحيحة والحسنة حتى لو قال مسلم عالما أو غير عالم أن غير الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم لحكمنا بخطئه للأدلة العديدة على تفضيله صلى الله عليه وسلم على غيره، ولا يصدق هذا الافتراء إلا من كان جاهلا أو مختلا.

ص: 30

واجب العالم إذا أراد أن يكتب عن مذهب أو فرقة

أما علم هؤلاء الناسبون إلى الشيخ الجليل محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تلك التهم الملفقة، والكاتبون في كتبهم زاعمين أنهم منتقدون على الشيخ وناصرون الحق، أن الواجب على العالم إذا سمع عن فرقة أو مذهب أو عالم ما يخالف الشرع، وأقصد به الكتاب والسنة الصحيحة أو الحسنة، أن نتثبت ويتأنى ويبحث عما سمعه أو قرأه امتثالا لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ، ويقرأ كتب تلك الفرقة أو المذهب أو العالم، ويتأكد من صحة نسبتها إلى المنسوب إليه وإليهم، ويقارن بين أدلة الرادين وبين أدلة المردود عليه أو عليها، فإذا ثبت لديه بالدلائل الصحيحة، أن تلك الأقاويل المنسوبة إلى ذلك العالم أو الفرقة صحيح، فعند ذلك يحتسب الأجر ويكتب بقصد إظهار الحق وتحذير الناس عن الباطل، ويأتي بالأدلة في رده حتى يعرف القارئ من المحق ومن المبطل؟ أما مجرد السماع من أفواه العوام أو قراءة بعض الكتب المملوءة بأكاذيب وافتراءات، وقال العلامة فلان والحبر الفلاني وفي الكتاب المرسوم بكذا، من غير أن يكون قول العلامة أو ما في ذلك الكتاب مويدا بالدليل الصحيح، فلا ينبغي التعويل عليه ويصبح كحاطب ليل وأضحوكة بين العالمين، كمؤلفي تلك الكتب السالفة الذكر.

والجواب عن حكاية الأعمى الذي صلى على النبي بعد الأذان وأنهم قتلوه، فلا أظن أن يصدق هذا الافتراء إلا من يكون كسائمة الأنعام، كيف يصدق عاقل أن يقتل مسلم بالصلاة على الرسول بعد الأذان، وقد قال الله العظيم:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} 1. وفي الحديث الصحيح "لا يحل دم

1 سورة النساء الآية 93

ص: 31

امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" فلو لم يكن الشيخ عالما بل كان أميا لما لخفي عليه أن قتل المسلم من الكبائر المهلكة، بل ألف الشيخ كتابا في الكبائر ومن أبوابه "باب تعظيم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق". فهؤلاء الكاذبون على الشيخ لعلهم لم يكونوا على شيء من الحياء وبصيص من العقل، وإلا لما فاهوا بهذا الكذب والبهتان.

أما كانوا يؤمنون بيوم الجزاء يوم يقول الله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} أما قرأوا قول الله {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} أما سمعوا الوعيد الشديد والتنفير الأكيد في الكذب والافتراء من الآيات والأحاديث النبوية، ولكن كما قال الله تعالى {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً}

وقد قدمت أن الشيخ حنبلي المذهب، وأهل نجد كلهم حنابلة، وهم يرون الصلاة على النبي في الصلاة الفريضة فرض وفي سائر الأوقات مسنونة مؤكدة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مسنونة بعد الأذان أيضا سرا لحديث "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي" ، أما الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فوق المساجد والمنائر فهذا محدث لم يأت به قرآن ولا سنة.

تاريخ حدوث بدعة الصلاة على النبي جهرا بعد الأذان

حدثت هذه البدعة سنة 781 من الهجرة النبوية، فالشيخ رحمه الله وأتباعه وكل سلفي متمسك بالوحيين، يرون أن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله لينال رضوانه وجزاءه الأوفى، ولكن هذه الصلاة التي يصلونها بعد الأذان جهرا بدعة باتفاق جميع

ص: 32

علماء المسلمين، وإذ لم تكن معروفة في زمن الرسول، ولا زمن خلفائه الراشدين، ولا زمن الأئمة المتبوعين كالأئمة الأربعة رحمهم الله، بل حدثت في القرن الثامن من الهجرة.

والدعوى بأن هذه الصلاة على النبي جهرا بعد الأذان من البدع الحسنة لا ينبغي الإنكار عليها.

فالجواب: ليس في الدين بدعة حسنة، والحديث الشريف يقول "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي رواية "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أي مردود على صاحبه. وفي حديث العرباض بن سارية " إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".

لا أصل لتقسيم البدع إلى خمسة أقسام

وتقسيم البدع إلى خمسة أقسام ليس له دليل صحيح بل مجرد رأي من قائله، وأما قول الإمام الشافعي: البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، فالمقصود من البدعة المحمودة هي ما ابتدع للمصالح النافعة الدنيوية المعاشية، كاستعمال اللاسلكي والبرق وركوب الطائرات والسيارات واستعمال الهاتف ونحو ذلك من المخترعات الصالحة النافعة، لأنها ليست بضارة ولا جارة إلى شر يعود على الناس، ولا ارتكاب محرم أو هدم أصل من أصول الدين، فالله تعالى أباح لعباده أن يخترعوا لمصالح دنياهم ما شاؤوا قال تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، والبدعة المذمومة كمثل ابتداع المآتم والأحزان وقراءة القرآن على القبور وفي السرادق وأخذ المكس من أموال المسلمين.

ص: 33

الرد على النبهاني في أبياته

وأما ما زعمه النبهاني في ذينك البيتين من رائيته الصغرى التي رد بها على أتباع الشيخ قوله:

وأعجب شيء مسلم في حسابه

غدا قلبه من حب خير الوورى صفرا

الخ

وأما قول النبهاني وأعجب شيء.. إلخ

فهاك جوابه من قول الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله:

فمن لم يكن في قلبه حب أحمد

أعز الورى فخرا وأعظمهم قدرا

فليس لعمري مؤمنا بمحمد

وما نال إلا الخزي من ذاك والخسرا

ومن أشرك المعصوم في حق ربه

وأسهب في منظومه المدح بالأطرا

فذا كافر بالله جل جلاله

كهذا الذي أبدى بمنظومه الكفرا

والخلاصة أن ما نسب إلى الشيخ رحمه الله وأتباعه من الكراهية للرسول، أو ما يخدش مقامه العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو من الكذب الصريح والإفك القبيح، الذي لا يصدر عمن يؤمن بالله ورسوله، ويؤمن بيوم الجزاء والحساب.

واعتقاد الشيخ وأتباعه في النبي لأنه أفضل المخلوقين، وهاك ما قاله الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرد على من زعم أن المنكر على الجهر بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان هو غير محب للرسول.

والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق وأنه حي في قبره حياة برزخية، أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع كلام المسلم عليه تسن

ص: 34

زيارته، إلا أنه لا تشد الرحال إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه الصلاة والسلام الواردة عنه، فقد فاز بسعادة الدارين، وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه. أ. هـ.

ونحن نتحدى القائلين بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جهرا بعد الأذان لها أصل من الدين، أن يأتوا بدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة أو الحسنة، فإن أتوا به فعلى الرأس والعين وإلا فكلامهم مردود عليهم، وكيف يستطيعون أن يأتوا بدليل والحال أن هذا الأمر محدث باتفاق المانعين والمحسنين لهذه البدعة، ولم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا وقد أكمل الله الدين، وأتم به النعمة على العالمين بقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً} .

فإذا كانت هذه البدعة وسائر المبتدعات حسنة، يتقرب بها العبد إلى الله ويثاب عليها، فلماذا لم يأمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم؟

تفنيد قول القائلين باستحباب الجهر بالصلاة على النبي بعد الأذان

فقد علم بالضرورة والتواتر أن المؤذنين في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن خلفائه كانوا قادرين على الصلاة عليه بعد الأذان إعلانا، وإنه لا مانع يمنعهم منها إلا أن يكون شرعيا دينيا.

ويوقن العاقلون أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلينا وغيرهم من الصحابة والتابعين والأئمة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وابن المبارك والليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم، أن هؤلاء لو كانوا يعرفون أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة اليوم بعد الأذان تقرب إلى الجنة وتزيد في الأجر لما

ص: 35

اتفقوا على تركها، وإهمال أجرها مع قدرتها على الإتيان بها، واجتهادهم في العبادات، ومسارعتهم في الطاعات واستكمال الخيرات.

نعرف بداهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علم في الصلاة عليه بعد الأذان جهرا مصلحة لأمته دنيوية أو أخروية، لما نسي أن يرشدهم إليها وإلى فعلها في حياته كلها، مع علمه أنهم تاركون لها ناسون للعمل بها، ونحن نوقن أنه صلى الله عليه وسلم أحرص على مصالح المسلمين من آبائهم وأمهاتهم بل من أنفسهم، وأنصح لهم منها، وقد قال:"ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أرشدكم إليه، ولا شيئا يبعدكم عن النار إلا نهيتكم عنه".

من هذه الأمور السالفة يعلم العقلاء أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بالصفة المعهودة الآن ليست من الدين في شيء، ولا من الأمور الجائزة، بل محرمة ممنوعة كما يعلمون أن صلاة الظهر أربع ركعات لا تجوز الزيادة عليها وهكذا سائر الصلوات، كما يعلمون أن لا تجوز قراءة القرآن في الركوع والسجود وبين السجدتين، وكما يعلمون أنه لا تجوز قراءة القرآن ولا غيره جهرا بين كلمات الأذان، ولا تجوز الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في أثناء الأذان بالجهر.

هذه أمور من أوليات الدين وضروراته لا تحل المخالفة في شيء منها. وهاأنذا أنقل للقراء من كلام الشيخ على محفوظ المصري، وقد نقل في كلامه عن العلامة ابن حجر الهيتمي وعن الإمام الشيخ محمد عبده ما يؤيد ما أسفلت ذكره، وأن العلماء المحققين من سائر المذاهب ينكرون هذه البدعات السيئة، حتى يعلم القراء المنصفون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يأت بما يخالف القرآن والسنة، ولم يبتدع، بل المنتقدون عليه هم المبتدعون الخارجون عن دائرة السنة.

ص: 36

قف على كلام الشيخ محفوظ المصري في الكلام على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

من البدع المختلف في حسنها وذمها الصلاة والسلام على النبي عقب الأذان جهرا ما عدا الصبح والجمعة، اكتفاء بما يقع قبلهما، ما عدا المغرب لضيق وقتها1، والذي أحدث ذلك هو محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله البرلسي، وأمر به في مصر وأعمالها ليلة الجمعة فقط، ثم صار ذلك عاما على يد نجم الدين الطنبدي لسبب مذكور في كتب التاريخ، ففي خطط المقريزي، وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم "الفاطميين" إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر، وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فأبطل من الأذان قول حي على خير العمل، وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادين، فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر، وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في مصر، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة، وتقام الصلاة أيضا على رأيهم، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا، إلا أنه في الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين بن عبد الله البرلسي

1 وما يفعله كثير من المؤذنين قبل الأذان من قراءة بعض آيات من القرآن الكريم أو قصيدة أو ابتهالات أو تضرعات أو صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم، كلها من البدع المحدثة ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة الصحيحة أو الحسنة، وكل ما يفعل بعد الأذان غير الصلاة على النبي سرا، ودعاء اللهم رب هذه الدعوة التامة..الخ فمحدث، وكذلك قبل الإقامة من قول بعض المقيمين اللهم صل على سيدنا محمد

الخ ثم يشرع في الإقامة اعتمادا على ما رأوا في بعض الكتب الفقهية لبعض متأخري الشافعية الذين قالوا: تندب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يشرع في الإقامة، أيضا ذلك بدعة.

ص: 37

بعد سنة ستين وسبعمائة، فاستمر إلى أن كان في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاج ابن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه، فقال لهم أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان، قالوا نعم، فبات تلك الليلة وأصبح متواجدا يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب، ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان، "فمضى" إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخا جهولا سيء السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة، ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة، قد ضرى على الآثام وتجسد في أكل الحرام، يرى أن العلم إرخاء العذبة ولبس الجبة، ويحسب أن رضاء الله "سبحانه" في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة، لم تحمد الناس قط أياديه، ولا شكرت أبدا مساعيه، بل جهالاته شائعة، وقبائح أفعاله ذائعة.. وقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين، بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، كما يفعل في كل ليالي الجمع.

فأعجب الجاهل هذا المقول، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم ومحدثات الأمور" ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة، وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه، وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل

ص: 38

الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون أ. هـ. باختصار.

فنقول لا كلام في أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان مطلوبان شرعا، لورود الأحاديث الصحيحة بطلبهما من كل من سمع الأذان، لا فرق بين مؤذن وغيره كما في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" لكن لا مع الجهر بل بأن يسمع نفسه أو من كان قريبا منه، إنما الخلاف في الجهر بهما على الكيفية المعروفة، والصواب أنها بدعة مذمومة بهذه الكيفية التي جرت بها عادة المؤذنين من رفع الصوت بهما، كالأذان والتمطيط والتغني، فإن ذلك إحداث شعار ديني على خلاف ما عهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح من أئمة المسلمين، وليس لأحد بعدهم ذلك فإن العبادة مقصورة على الوارد عنه صلى الله عليه وسلم بإجماع الأئمة، فلا تثبت باستحسان أحد من غير هؤلاء ولا بإحداث سلطان عادل أو جائر.

قف على كلام الشيخ ابن حجر الهيتمي والشيخ محمد عبده وابن الحاج المالكي في بدعة الجهر بالصلاة على النبي بعد الأذان

قال العلامة ابن حجر في الفتاوي الكبرى: وقد استفتي مشايخنا وغيرهم في الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بعد الأذان على الكيفية التي يفعلها المؤذنون فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة. وقال الإمام الشعراني نقلا عن شيخه: لم يكن التسليم الذي يفعله المؤذنون في أيامه صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء

ص: 39

الراشدين، بل كان في أيام الروافض العبيدين بمصر. أهـ.

"وقد سئل" الأستاذ الإمام شيخنا المرحوم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية بإفادة من مديرية المنوفية في 24 مايو سنة 1904 نمرة 765 عن مسائل "منها" ما اشتهر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه عقب الأذان في الأوقات الخمس إلا المغرب "فأجاب" بقوله: أما الأذان فقد جاء في الخانية أنه ليس لغير المكتوبات، وأنه خمس عشرة كلمة، وآخره عندنا لا إله إلا الله، وما يذكر بعده أو قبله كله من المستحدثات المبتدعة، ابتدعت للتلحين لا لشيء آخر، ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين، ولا عبرة بقول من قال إن شيئا من ذلك بدعة حسنة، لأن كل بدعة في العبادات على هذا النحو فهي سيئة، ومن ادعى أن ذلك ليس فيه تلحين فهو كاذب أ. هـ.

وقال في المدخل: عطس رجل بجانب سيدنا عبد الله بن سيدنا عمر فقال "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله" قال ما هكذا علمنا رسول الله أن نقول إذا عطسنا، بل علمنا أن نقول الحمد لله رب العالمين أ. هـ، فهذا الصحابي الكبير أنكر على من صلى وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم عقب العطاس، لعدم وروده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن ثم" قال العلامة ابن حجر في فتاويه الكبرى: من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الأذان، أو قال محمد رسول الله بعده معتقدا سنيته في ذلك المحل، ينهى ويمنع منه لأنه تشريع بغير دليل، ومن شرع بغير دليل يزجر ويمنع أ. هـ.

فهذا العلامة ابن حجر حكم على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الأذان، أو قال محمد رسول الله بعده، بأنه شرع في دين الله تعالى، وأنه يمنع من ذلك ويزجر، وما ذاك إلا لقبح ما فعل وأن الوقوف عندما ورد به الشرع أولى، وواجب المرشد في مثل هذه البدعة الإضافية أن يكون حكيما، فينبه الناس إليها بالرفق واللين كي لا يكون مثيرا للفتن "وبهذا" ظهر لك أمر ما يقع من كثير من المؤذنين عقب أذان الفجر، من قولهم ورضي الله تبارك وتعالى عنك يا شيخ العرب، ونحو ذلك من الألفاظ "بأعلى صوت" وأنها بدعة

ص: 40

مذمومة لم تعرف من طريق مشروع، اللهم وفقنا جميعا لما تحبه وترضاه وقنا شر الابتداع.

ومن البدع المكروهة تحريما التلحين في الأذان وهو التطرب، أي التغني به بحيث يؤدي إلى تغيير كلمات الأذان وكيفياتها بالحركات والسكنات ونقص بعض حروفها، أو زيادة فيها محافظة على توقيع الألحان، فهذا لا يحل إجماعا في الأذان كما لا يحل في قراءة القرآن، ولا يحل أيضا سماعه لأن فيه تشبها بفعل الفسقة في حال فسقهم فإنهم يترنمون، وخروجا عن المعروف شرعا في الأذان والقرآن أ. هـ.

وفيما أوردته من الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان جهرا، وإنهما من البدع من كلام أولئك العلماء الأجلاء، فيه مقنع وكفاية لم تحلى بحلة الإنصاف، وعرف أن ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن ما يفعله المؤذنون بعد الأذان بالجهر بالصلاة على النبي والتسليم عليه بدعة ليس لها أصل في القرآن ولا في السنة المطهرة، ولا في سنة الخلفاء الراشدين ولا مذاهب العلماء المعتبرين.

ص: 41