المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة - الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

- ‌الشبهة الثانية: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات

- ‌الشبهة الثالثة: أن الشيخ وأتباعه يمنعون التوسل والإستغاثة بالأولياء والصالحين

- ‌الشبهة الرابعة: في جواز الاستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة الخامسة: من شبههم جواز الإستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة السادسة: من شبههم على جواز الاستغاثة بغير الله مارواه ابن السني عن عبد الله ابن مسعود

- ‌الشبهة السابعة: شبهتهم على جواز الاستغاثة بقول سواد بن قارب للرسول صلى الله عليه وسلم: فكن لي شفيعا…ألخ

- ‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

- ‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

- ‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الشبهة الحادية عشر: قال المبتدعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم نجد وامتنع أن يدعو لهم

- ‌الشبهة الثانية عشر: قول المعترضين: أما تخيل المانعين المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد

- ‌الشبهة الثالثة عشر: إن الشيخ وأتباعه كفروا صاحب البردة ومن كانت في بيته أو قرأها

- ‌الشبهة الرابعة عشر: إن الشيخ وأتباعه منعوا من شد الرحال إلى قبور الأنبياء

- ‌الشبهة الخامسة عشر: إن الوهابيين خالفوا المسلمين بمنعهم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف

- ‌الشبهة السادسة عشرة: شبهة المنتقدين أن الشيخ أنكر على الصوفية وطرقهم مقلدا في ذلك ابن تيمية

الفصل: ‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

الشبهة الثامنة

ومن تلك الشبه ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة: حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي وعمرو بن الجنيد بن عيسى قالا: حدثنا محمود بن خداش حدثنا أبو بكر بن عياش أبو إسحاق السبيعي عن أبي شعبة وفي نسخة عن أبي سعيد- قال: كنت مع عبد الله بن عمر فخدرت رجله فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك فقال "يا محمد" فقام فمشى.

وهذا فيه نداء واستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والقائل "يا محمد" هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل، وكذلك روى روايات أخرى حول هذا الموضوع منها رواية عن ابن عباس قال: خدرت رجل رجل عند ابن عباس، فقال ابن عباس: اذكر أحب الناس إليك، فقال محمد، فذهب خدره.

الجواب عن الشبهة الثامنة

والجواب: أسانيد هذه الروايات لا تخلو من ضعف، فمنهم من ضعفوهم مطلقا، ومنهم من قالوا فيه معروف مخرج حديثه في الصحاح، إلا أن النقاد من علماء هذا الشأن قالوا: إنه كان يغلط كثيرا، وإنه قد تغير بعض الشيء وذلك كأبي بكر بن عياش.

قال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أكثر غلطا منه.

قال الذهبي في ميزانه عنه: صدوق ثبت في القراءة، لكنه في الحديث يهم ويغلط.

ولكن خير ما روي به هذا المعنى، عن عبد الله بن عمر ما رواه البخاري في كتاب "الأدب المفرد" قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له

ص: 86

رجل، اذكر أحب الناس، فقال: يا محمد، وهذا الإسناد رواته كلهم أئمة مشاهير خلا عبد الرحمن بن سعد الراوي عن ابن عمر.

هذا ما يقال أولا، ثم يقال ثانيا: هذه الروايات –إن صحت- فإنها لا تدل على ما زعموا من دعاء الأموات وسؤالهم ضروب الحاجات، وذلك أنه ليس فيها طلب شيء من الأشياء، ولا حاجة من الحاجات الكبيرة أو الصغيرة، كالذي يطلب هؤلاء الضلال من الموتى، مثل هداية القلوب وغفران الذنوب، ومطالب الدنيا والأخرى، وكل الذي فيها أن يجوز أن يقال في بعض الأحيان والحالات: وا محمداه، بالتجريد من كل طلب وسؤال، وهذا القول ليس استغاثة وليس طلبا ولا سؤالا، وإنما هو قول يقال عند التوجع وإبداء الأسف ويسمى اصطلاحا ندب، يقال ندب الميت إذا بكاه وعدد أوصافه وفضائله المحمودة، والمندوب ليس مسؤولا ولا مطلوبا ولا مرادا منه أن يسمع أو يعطي أو يشفع أو يدعو، وليست الندبة في التحقيق خطابا حقيقيا إن كانت في الظاهر كذلك، بدليل أن عبد الله بن عمر قال: أذكر أحب الناس، ولم يقل أدعه أو أطلب منه.

وقد صح أن السيدة فاطمة بنت سيد الخلق رضي الله عنها ندبت أباها بعد وفاته وقالت في ندبتها ورثائها إياه: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. رواه البخاري في الصحيح عنها، وكذلك جاء أن غيرها ندبه عليه الصلاة والسلام، فقول القائل وا محمداه في الرواية المذكورة مثل قول السيدة فاطمة رضي الله عنها: يا أبتاه.... كلاهما توجع وتفجع، وكلاهما خال من الدعاء والطلب، وهذا مثل قول الراثي لصديق له ذهب إلى سبيله: وا صديقاه، وا خليلاه، ومن زعم أن هذا استغاثة أو أن فيه استغاثة وطلبا وسؤالا، فهو في حاجة إلى التعليم لا إلى المجادلة والمساجلة في هذه المباحث العليا القيمة، ولو كان هذا الذي ذكروه استغاثة لكان فيه طلب ما وهو طلب المستغاث من أجله وهو أن يقول القائل: وا محمداه أغثنا أو أعنا أو انصرنا أو أعطنا، ولكن الروايات

ص: 87

الثلاث المذكورة خالية من ذلك، ولا ريب أن من وقع في بلاء وشدة فأراد أن يستغيث فقال مثلا: وا فلاناه، لم يكن مستغيثا استغاثة صحيحة، ومن أشرف على الغرق فقال: يا رجل أو يا فلان، ولم يقل خذ بيدي أو أنقذني أو أدركني أو أغثني، لم يكن مستغيثا استغاثة صحيحة ولا داعيا دعاء صحيحا تاما، فالذين ذكرت عنهم هذه الروايات لم يقولوا: وا محمداه أعطنا أو أغثنا أو نحو ذلك.

فإذن فليسوا طالبين ولا سائلين ولا مستغيثين، وإنما هم نادبون باكون.

والخلاصة: أن خصوم الدعوة السلفية وخصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه على الخصوص أكثروا من الروايات والحكايات حول ندب التوسل وجواز الاستغاثة، لا نطيل بذكرها إذ يتطلب كتابا أو كتابين، وهذه الأبحاث قتلها العلماء بحثا ومعرفة في مظانها، فلا حاجة إلى الزيادة ولكن لا بأس بأن نعطي للقارئ قاعدة في هذا الباب وهي:

أن كل ما يحتجون به على ندب التوسل وجواز الاستغاثة بغير الله من الأنبياء والصالحين، لا يخلو إما أن تكون آية قرآنية لا تدل على ما ذهبوا إليه، كاحتجاجهم بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وقوله تعالى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} .

وإما أن يكون حديثا موضوعا أو ضعيفا فلا حجة فيهما، ولا يحتج بهما على مثل هذه المطالب العالية إلا من سفه نفسه وغاب عنه رشده، أو أراد إضلال الناس وصدهم عن الصراط المستقيم وتوحيد الخالق العظيم، أو يكون حديثا صحيحا كحديث الاستسقاء بالعباس، أو حسنا كحديث الأعمى الذي حسنه الترمذي، فلا يدل على مذهبهم كما سبق بيانه.

ص: 88