المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة - الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

- ‌الشبهة الثانية: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات

- ‌الشبهة الثالثة: أن الشيخ وأتباعه يمنعون التوسل والإستغاثة بالأولياء والصالحين

- ‌الشبهة الرابعة: في جواز الاستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة الخامسة: من شبههم جواز الإستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة السادسة: من شبههم على جواز الاستغاثة بغير الله مارواه ابن السني عن عبد الله ابن مسعود

- ‌الشبهة السابعة: شبهتهم على جواز الاستغاثة بقول سواد بن قارب للرسول صلى الله عليه وسلم: فكن لي شفيعا…ألخ

- ‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

- ‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

- ‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الشبهة الحادية عشر: قال المبتدعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم نجد وامتنع أن يدعو لهم

- ‌الشبهة الثانية عشر: قول المعترضين: أما تخيل المانعين المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد

- ‌الشبهة الثالثة عشر: إن الشيخ وأتباعه كفروا صاحب البردة ومن كانت في بيته أو قرأها

- ‌الشبهة الرابعة عشر: إن الشيخ وأتباعه منعوا من شد الرحال إلى قبور الأنبياء

- ‌الشبهة الخامسة عشر: إن الوهابيين خالفوا المسلمين بمنعهم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف

- ‌الشبهة السادسة عشرة: شبهة المنتقدين أن الشيخ أنكر على الصوفية وطرقهم مقلدا في ذلك ابن تيمية

الفصل: ‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

الشبهة التاسعة

أورد المبتدعون شبهة هي أكبر شبهاتهم وأحد سلاح بأيديهم وألسنتهم، ينفرون بها الناس عن التمسك بالتوحيد وإفراد الله تعالى بالعبادة، ويشوهون ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وما عليه أتباعه وسائر السلفيين.

والشبهة هي: إن الشيخ محمدا وأتباعه ومن يدور في فلكه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة فتراهم يكفرون المتوسل بالأنبياء والصالحين والمستغيثين بغير الله، ويكفرون من أتى بأقل بدعة بل ويكفرون كل من خالفهم ولا يرون أحدا مسلما إلا من كان مرافقا لعقيدتهم، تلك العقيدة التي ملئت بتنقيص مقام الأنبياء والأولياء والصالحين وتضليل المسلمين والعياذ بالله.

وقد قال الشيخ النبهاني:

ويعتقدون الأنبياء كغيرهم

سواء عقيب الموت لا خير لا شرا

رموا بضلال الشرك كل موحد

إذا لم يكن منهم عقيدته تبرا

ومن المسلم به أن من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، هو مسلم ولا يجوز تكفيره، ولو ما صلى إذا كان معتقد الوجوب أو ما صام، وفي الحديث الصحيح "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".. وحديث أسامة بن زيد لما قتل الرجل بعدما قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله". فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "أقتلته بعدما قال أشهد

ص: 89

أن لا إله إلا الله

" الحديث، وأجاب أسامة: قاله تعوذا من السيف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أشققت عن قلبه؟ " أو كما قال.. وهناك أحاديث كثيرة في عصمة دم المسلم وماله.

وقد قال العلماء: لو وجد تسعة وتسعون سبيلا لكفره ووجدنا سبيلا واحدا لإسلامه لا يحكم عليه بالكفر، فكيف يحكم بالشرك والكفر على من اعتقد بربوبية الله، وأنه خالق الأكوان يحيي ويميت وينفع ويضر، واعتقد برسالة الرسول صلى لله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وصلى وصام وزكى وحج بيت الله الحرام من أجل توسل أو بدعة فعلها أو نحو ذلك؟

الجواب عن الشبهة التاسعة

والجواب من وجوه:

أولا: إن هذه فرية كبرى اختلقها أعداء الشيخ ونسبوها إليه وإلى أتباعه تنفيرا عن اتباعه فيما دعا إليه من التوحيد الخالص والدين القيم والصراط المستقيم.

والشيخ وأتباعه وسائر السلفيين يتبرؤون من هذه النسبة الخاطئة وهم أبرياء كبراءة الذئب من دم يوسف.

وسأذكر فيما يأتي إن شاء الله تعالى مناظرة بين عراقي ونجدي، وفيها ما يبرئ الشيخ وأتباعه، ولكن لا بأس أن أنقل مقدما أسطرا قليلة في خصوص هذا التكفير المنسوب إلى الشيخ محمد رحمه الله وأتباعه وسائر السلفيين، وهاك ما قاله العالم النجدي -وهو من ذرية الشيخ - في جواب العراقي في المناظرة:

وأما القول بأنا نكفر الناس عموما، ونوجب الهجرة إلينا على من لم يقدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل معنا، ومثل هذا وأضعاف

ص: 90

أضعافه فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.

وإذا كنا لانكفر من عبد القبور من العوام لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يقاتل معنا، نقول:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} أ. هـ.

يريد الشيخ رحمه الله بقوله: إنهم لا يكفرون العوام الجهال الذين لم تبلغهم الحجة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأما من بلغته الحجة وعاند وأصر على شركه من دعاء الموتى والاستغاثة بهم، وطلب النفع منهم أو دفع الضر، فلاشك في شركه، بل وفي كفر من لا يكفره.

ثانيا: إن هؤلاء المنتقدين يصدق عليهم ما قيل: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء.

حفظوا أن من يشهد بالشهادتين من الكفار، فقد دخل دين الإسلام وأصبح مسلما له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، ولكن جهلوا أو تجاهلوا أن كلمة الشهادتين لها شروط ونواقض، فإذا ما أتى بالشهادتين مستوفيتين للشروط ولم يأت بالنواقض التي تبطل شهادته، فذاك هو المسلم.

أما من أتى بالشهادتين ثم أتى بما يبطل شهادته، وكان عارفا أو بين له فلم يرجع عن رأيه أو عن قوله، فيحكم عليه بالشرك أو بالكفر، ولو كان يقول أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولو صلى وصام.

شروط لا إله إلا الله سبعة

1-

العلم المنافي للجهل: فمن لم يعرف المعنى فهو جاهل بمدلولها، ومعناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله وإخلاص العبادة لله وحده.

2-

اليقين المنافي للشك: لأن من الناس من يقو لها وهو شاك فيما دلت عليه من معناها.

ص: 91

1-

الإخلاص المنافي للشرك: فإن من لم يخلص أعماله كلها لله فهو مشرك شركا ينافي الإخلاص، كما قال الله تعالى {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} .

2-

الصدق المنافي للنفاق: لأن المنافقين يقولونها، ولكنهم لم يطابق قولهم ما في جنانهم فصار قولهم كذبا لمخالفة الظاهر للباطن، كما أخبر الله عنهم {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} .

3-

القبول المنافي للرد: لأن في الناس من يقولها مع معرفة معناها، لكن لا يقبل ممن دعاه إليها إما كبرا وإما حسدا، أو غير ذلك من الأسباب.

4-

الانقياد المنافي للترك: ويحصل الانقياد بالعمل بما فرضه الله وترك ما حرم الله والتزام ذلك، لأن الإسلام حقيقته أن يسلم العبد بقلبه وجوارحه لله، وينقاد له بالتوحيد والطاعة، كما قال الله {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .

5-

المحبة المنافية لردها: فلا يحصل لقائلها معرفة وقبول إلا بالمحبة، لما دلت عليه من الإخلاص المنافي للشرك، فمن أحب الله أحب دينه، ومن لا فلا.

وإذ ذكرت للقارئ شروط لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله هي كلمة التقوى ومفتاح الإسلام ومفتاح الجنة دار السلام، فمن الجدير أن أذكر نواقض الإسلام، فهاك بيانها:

الأول: الشرك في عبادة الله، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.

الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.

ص: 92

الثالث: من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى لله عليه وسلم- أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.

الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول ولو عمل به فقد كفر.

السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول أو عقابه والدليل قوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} 1.

السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} .

الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد، كما وسعه الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو كافر.

العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} .

فإذا عرفت شروط لا اله إلا الله ومنها الإخلاص المنافي للشرك، فإن من لم يخلص أعماله كلها لله فهو مشرك شركا منافيا للإخلاص، وفي هذا يقول الله تعالى:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} .

وعرفت أن من النواقض الناقض الثاني من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.

ونحن نسأل هؤلاء المنتقدين ما حكم من تشهد بالشهادتين وصلى وصام

1 65-66- التوبة

ص: 93

وحج البيت الحرام وكثيرا ما تصدق على الفقراء والمساكين ويعمل أعمال البر، ولكن أخذ ورقة من أوراق المصحف الشريف وألقاها في القاذورات وهو يعرف أن هذا لا يجوز، بل هذا كفر ولكنه عمل هذا مع أنه قد أتى بتلك الأعمال الجليلة كما سبق ذكره.

فما يكون موقف هؤلاء؟ هل يقولون إنه مسلم لأنه تشهد بالشهادتين وصلى وصام؟ أو يقولون إنه كافر؟ فإن قالوا هو مسلم فقد خالفوا الإسلام وإجماع المسلمين، وسأورد للقارئ من نصوص العلماء ما يبين خطأهم وضلالهم.

وإن قالوا كافر فقد نقضوا قولهم وانهار أساسهم حيث أنهم خطأوا الوهابيين على زعمهم وبدعواهم لأنهم يكفرون من يستغيث بغير الله، أو ينذر لغير الله ولم يراعوا أنه تشهد بكلمة الشهادتين، فهاهم كفروا من كان مسلما على زعمهم ولم يلتفتوا إلى قول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولم يشفع له أعماله الجليلة عندهم.

وها أنا ذا أنقل للقراء من كلام العلماء اتباع المذاهب الأربعة في تكفير من أتى بشيء مما سيأتي بيانه:-

وقبل نقل كلام العلماء يجدر بي أن أبين حقيقة الكفر والردة والإيمان والإسلام:-

فالكفر لغة التغطية والستر ولهذا يقال للفلاح كافر لأنه يغطي الحب في التراب، والعرب تسمي الليل كافرا لأنه يستر الأشياء ويخفيها، قال الله تعالى:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} ومعنى الكفار هنا الزراع، وفي الشرع الكفر هو رد الحق بعد معرفته، والردة فهي الرجوع للوراء لغة، وشرعا قطع الإسلام بقول أو فعل أو نية. بقول كأن ينكر الله أو البعث، والفعل كأن يسجد لصنم أو لقبر والنية كأن ينوي أن يكفر،

ص: 94

والإيمان لغة التصديق، وشرعا التصديق الجازم بالله تعالى وبربوبيته وألوهيته وبأسمائه وصفاته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والإسلام لغة الاستسلام والانقياد وشرعا الاستسلام والانقياد، لله ولرسوله، وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل "بالشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج" إذا عرفت هذا فاقرأ الآن ما يأتي:

مذهب الإمام أبي حنيفة:

قال العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي في كتابه البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 5. ص129 قال بعد كلام سبق "فيكفر إذا وصف الله تعالى بما لا يليق به أو سخر باسم من أسمائه أو بأمر من أوامره أو أنكر وعده ووعيده، ويكفر بقوله يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه، وإن اعتقد أن الله تعالى يرضى بالكفر وبقوله إذا أنصفني الله تعالى يوم القيامة انتصفت منك، أو إن قضى الله يوم القيامة أو إذا أنصف الله وبقوله بارك الله في كذبك، وبقوله لا أريد اليمين بالله وإنما أريد اليمين بالطلاق، أو بالعتاق عند البعض خلافا للعامة، ويقول الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله، وبقوله لا أسمع شهادة فلان وإن كان جبرائيل أو ميكائيل عليهما السلام، ويكفر إذا أنكر آية في القرآن أو سخر بآية، وبوضع رجله على المصحف عند الحلف مستخفا، وبقراءة القرآن على ضرب الدف، وباعتقاد أن القرآن مخلوق حقيقة، والمزاح بالقرآن كقوله التفت الساق بالساق أو ملأ قدحا وجاء به وقال كأسا دهاقا"أ. هـ.

وذهب ابن نجيم يعد المكفرات ولو حسبناها لبلغت مئات من الألفاظ المكفرة للمسلم بعد إسلامه وإيمانه، ولكن نكتفي بما نقلناه وفيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وتأمل وفقك الله في بعض المكفرات التي أتى بها ابن نجيم كقوله: "أو

ص: 95

سخر بأمر من أوامره أو أنكر وعده ووعيده أو قال لا أريد اليمين بالله وبقول الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله وبقوله لا أسمع شهادة فلان وإن كان جبرائيل وميكائيل" فوازن بين هذه الألفاظ وأمثالها وبين من يستغيث بطلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عبد القادر الجيلاني، أو يطوف بالقبر أو يذبح له، لترى أي الطائفتين من الألفاظ أشد وطأة وأرسخ كفرا، وما أكثر ما يحصل من كثير من المسلمين اليوم، من بعض هذه الألفاظ المكفرة، وكثير منهم يستهزئ بالمسلمين أو بالمحافظين على الدين ويسميهم معقدين أو رجعيين، وهنا البحث يطول فيما شاع في هذا العصر من المكفرات سوى الإشراك بالله من عباد القبور، ولا أريد التطويل، وسأنتقل إلى النقل من مذهب الإمام مالك رحمه الله.

مذهب الإمام مالك:

قال في أقرب المسالك وشرحه للشيخ الدردير:

"الردة كفر مسلم بصريح من القول أو قول يقتضي الكفر، كقوله –جسم كالأجسام- يقصد الرب، أو فعل يتضمنه كإلقاء مصحف أو بعضه ولو كلمة، وكذا حرقه استخفافا لا صونا، ومثل إلقائه تركه بمكان قذر ولو طاهرا كبصاق، وشد زنار أي لبس ميلا لكفر مع دخول الكنيسة، أو أنكر مجمعا عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا أو أحل مجمعا على عدم إباحته مما علم من الدين ضرورة من القرآن أو السنة المتواترة أو سب نبيا مجمعا على نبوته أو ملكا مجمعا على ملكيته أو الحق بنبي أو ملكا نقصا وإن ببدنه كعرج أو شلل، أو وفور علمه بأن قال لم يكن على غاية من العلم والزهد". أ. هـ.

ص: 96

مذهب الإمام الشافعي:

وهاك الآن بيان مذهب الإمام الشافي: قال في المنهاج وشرحه مغني المحتاج " الردة هي قطع الإسلام بنية كفر أو قول كفر سواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا.

ثم مثل بقوله: فمن نفى الصانع أي الخالق، أو كذب رسولا، أو حلل محرما بالإجماع كالزنا والظلم وشرب الخمر، وعكسه بأن حرم حلالا بالإجماع كالبيع والنكاح، أو نفى وجوبا مجمعا عليه، كأن نفى وجوب ركعة من الصلوات الخمس، أو عكس بأن اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع، كزيادة ركعتين من الصلاة المفروضة، أو وجوب صوم يوم من شوال، أو عزم على الكفر غدا، أو تردد فيه هل يكفر أو لا، كفر.

والفعل المكفر ما تعمده استهزاء صريحا بالدين أو جحودا له كإلقاء مصحف بقاذورة، لأنه صريح في الاستخفاف بكلام الله، ويلتحق بالمصحف كتب الحديث، وسجود لشمس أو غيرها من المخلوقات".

مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

قال في المقنع ج3 باب حكم المرتد:

"وهو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا، أو جحد نبيا أو كتابا من كتب الله تعالى أو شيئا منه، أو سب الله تعالى أو رسوله كفر، ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها، أو أحل الزنا أو الخمر، أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها لجهل عرف ذلك، وإن كان ممن لا يجهل ذلك كفر، وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر وعنه يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال" أ. هـ.

وأحسب أن القارئ بعد أن قرأ ما قدمته من الأجوبة والنقول من المذاهب الأربعة، التي يقلدها جمهور أهل السنة والجماعة، قد اقتنع أن

ص: 97

شبهتهم تلك الطويلة العريضة أصبحت كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فإذا قرأها وقرأ الرد عليها علم حقيقة الحال، وأصبح منور الذهن لا تروج عليه شبهات المبتدعين والجهال.

ولكن لا بأس في أن أزيد القارئ توضيحا وبيانا لكل جملة من تلك الشبهة الكبيرة جوابا مختصرا فأصغ لما أقول:

قولهم: يكفرون المسلمين بأدنى شبهة، ويكفرون المتوسل بالأنبياء والصالحين.

الجواب: هذا كذب وافتراء، وهذه كتب الشيخ وأبنائه وأحفاده شاهدة بما أقول:

وقولهم: يكفرون المستغيثين بغير الله صحيح، ولكن بعد أن يقيموا الحجة عليه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فإذا أصر وعاند، فعند ذلك يطلقون عليه لفظ الشرك والكفر، وقد سبق أن نقلت من مناظرة النجدي، وإذا كنا لا نكفر من عبد القبور من العوام لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، ويقصد الشيخ لا يكفرون العوام الجهال الذين لم تبلغهم الحجة من كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهرة.

ومما يجدر التنبيه عليه أن الشيخ محمدا وأتباعه وسائر أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا لا يكفرون من ارتكب معصية سواء كانت كبيرة أو صغيرة، إلا إذا استحل ما حرم الله على المسلمين، كمن شرب الخمر مستحلا لها، أو زنا مستحلا له، أما لو شرب الخمر أو زنا ويعتقد أنهما محرمان، فيكون فاسقا لا كافرا ولا مشركا خلافا للخوارج والمعتزلة، وقد سبق نحو هذا الكلام.

وقولهم: ويكفرون من أتى بأقل بدعة وكل من خالفهم.

فالجواب: سبحانك هذا بهتان عظيم، وفي الحديث:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت.."

ص: 98

فهؤلاء سلبهم الله العلم الصحيح والعقل الرجيح كما سلبهم الحياء والصدق.

وأكبر الافتراء قول المنتقدين بأن عقيدة الشيخ وأتباعه مليئة بتنقيص مقام الأنبياء والأولياء والصالحين وتضليل المسلمين، كما قال الشيخ النبهاني:

ويعتقدون الأنبياء كغيرهم

سواء عقيب الموت لا خير وشرا

رموا بضلال الشرك كل موحد

إذا لم يكن منهم عقيدته تبرا

وقد أجاب الشيخ علي بن سليمان التميمي:

لك الويل قد أبعدت في المين نجعة

وقارفت يا ذا الجهل في نقلك الوزرا

فحاشا بني نجد بأن ينتقصوا

حقوق الأنبياء الله أو ينطقوا هجرا

فإن مقام الأنبياء معظم

فهم رحمة في ذي الحياة وفي الأخرى

وما منهم إلا شفيع مشفع

ومن لم يدن حقا فقد ألف الكفرا

وحقا عقيب الموت لا نفع عندهم

لمن يرتجي نفعا ولم يملكوا ضرا

ولكن نضيف النفع والضر للذي

بتدبير هذا الكون قد دبر الأمرا

وقد خصهم بعد اصطفاء وعصمة

بمقعد صدق عنده يوجب الشكرا

وحرم من أن تأكل الأرض لحمهم

فأجسادهم في القبر كالورد أو أطرا

وخص التهامي الحبيب محمدا

برد سلام بعدما سكن القبرا

ونعرف للهادي مقاما معظما

ومن لم يتابعه فقد ربح الخسرا

أما قولهم: من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هو مسلم، لا يجوز تكفيره ولو ما صلى إذا كان معتقد الوجوب أو ما صام، واستدلوا بحديث "أمرت أن أقاتل الناس. الخ" وحديث أسامة.

ص: 99

فالجواب: هذا الاحتجاج صحيح في حد ذاته بأن الكافر إذا نطق بالشهادتين والتزم بشرائع الإسلام فهو مسلم، ولا يجوز أن نسميه كافرا ولكن بشرط أن لا يأتي بما ينقض إسلامه أو إيمانه، وقد سبق أن ذكرت أن للشهادتين شروطا ونواقض، وأن أبواب الردة التي ذكرها العلماء وذكروا فيها ألفاظا كثيرة يكفر بها إذا نطق أو نوى الردة، وإن لم ينطقه أو فعل فعلا يكفر به كالسجود لغير الله.

فتلك الألفاظ المذكورة كلها من النواقض التي يحكم بموجبها على المسلم، ويقال أنه مرتد وإن تشهد بالشهادتين وأتى بأركان الإسلام.

وأما قولهم: لو وجد تسعة وتسعون سبيلا لكفره، وسبيلا واحدا لإسلامه لا يحكم عليه بالكفر.

فالجواب: أن هذا الكلام باطل لا يقره شرع ولا يقبله عقل، وإن قال به بعض الفقهاء، وبيانه: تشهد بالشهادتين وصلى وصام وزكى وحج بيت الله الحرام وصام النهار وقام الليل وجاهد في سبيل الله وأنفق أمواله بسخاء لنصرة المجاهدين وإعانة المحتاجين وفعل كل بر وخير وانتهى عن كل محرم ولكنه أنكر ملكا من الملائكة المعروفين كجبريل أو ميكائيل، أو قيل له صل راتبة الصبح أو الظهر فقال: لا أصلى مراغما للسنة لا كسلا، فيكفر مع أن هذا سبيل واحد لخروجه عن الإسلام، وتلك الأمور المذكورة السابقة كلها من سبل الإسلام ولم تنفعه، ولا يقال أن الأوجه التي تحكم عليه في الإسلام أكثر وأكثر من وجه واحد يكفر به.

ص: 100