الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية عشر: قول المعترضين: أما تخيل المانعين المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد
…
الشبهة الثانية عشرة
من ذلك قول المعترضين:
وأما تخيل المانعين المحرومين، من بركاته "صلى الله عليه وسلم" أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد وأن التوسل والزيارة مما يؤدي إلى الشرك هو تخيل فاسد باطل.
جواب الشبهة الثانية عشرة
والجواب: أن التوسل أسلفنا الكلام فيه وأنه بدعة وليس بشرك ولا بكفر إلا إذا تضمن دعاء غير الله، لأن الكثيرين من هؤلاء لا يفرقون بين التوسل والاستغاثة فقد يأتي بالاستغاثة ويسميه توسلا، وأما زيارة الرسول "صلى الله عليه وسلم" فلم يقل أحد بمنعها وإنما منع الشيخ محمد بن عبد الوهاب شد الرحال إلى زيارة القبور ومنها قبره "صلى الله عليه وسلم" للحديث الصحيح "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" رواه مسلم، قال الترمذي في جامعه حدثنا ابن أبي عمر أخبرنا سفيان ابن عيينة عن عبد الملك بن عمر عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" قال هذا حديث حسن صحيح.
وروى سلمان الأغر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي هذا، ومسجد إيليا" رواه مسلم.
وهناك أحاديث أخرى رواها الطبراني وابن ماجة ومالك في الموطأ تدور حول هذا المعنى وأنت ترى أن الحديثين اللذين رواهما مسلم بصيغة
الحصر، وكذا ما رواه الترمذي، والأحاديث ظاهرة المعنى أن شد الرحال لا يكون إلا إلى هذه المساجد الثلاثة كالذي يشد الرحال إلى زيارة القبور والمشاهد.
وأما اعتراض المعترض يلزم على قولكم ألا تشد الرحال إلى طلب العلم وإلى زيارة الأرحام فالجواب: أن تلك الأمور التي ذكرها المعترض وردت فيها أوامر كقوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} . وكقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} . وبر الوالدين وصلة الأرحام مأمور بهما في القرآن والسنة كما أن كثيرا من الصحابة والتابعين وتابعيهم شدوا رحالهم إلى طلب العلم، لكن ليأتنا هؤلاء الذين يجوزون شد الرحال إلى زيارة القبور المعظمة بدليل مقبول من كتاب أو من سنة صحيحة أو حسنة على صحة قولهم بأنها مندوبة أو جائزة.
أما من أتى المدينة أو من كان في المدينة فيستحب له أن يزور قبره صلى الله عليه وسلم بل يستحب زيارة قبور جميع المسلمين في المدينة وفي غيرها لحديث " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة". وقد كان ابن عمر يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يريد سفرا أو يأتي من سفر، وقد ذكر عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن عبيد الله بن عمر أنه، قال ما نعلم أحدا من أصحاب النبي فعل ذلك إلا عمر.
وقد نهى علي بن الحسين زين العابدين، الذي هو أفضل أهل بيته وأعلمهم في وقته ذلك الرجل الذي كان يجيء إلى فرجة كانت عند القبر فيدخل فيها فيدعو، واحتج عليه بما سمعه من أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تتخذوا قبري عيدا وبيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم" وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن بن علي شيخ أهل بيته، كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدا، وقال للرجل الذي رآه
عند القبر: مالي رأيتك عند القبر؟ فقال: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيدا أو لا تتخذوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حينما كنتم ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء".
والشيخ محمد وأتباعه لم ينكروا زيارة القبور عموما لأنها مسنونة، فكيف ينكرون زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وإنما أنكروا شد الرحال للقبور كما سبق بيانه ومن تلك القبور قبره "صلى الله عليه وسلم".
وهنا قد يقول المخالفون: بكلامكم هذا تفضلون المسجد على النبي، والنبي بالاتفاق أفضل الخلق على الإطلاق، والجواب: هذه مسائل قربة وعبادة، لأن زيارة القبر محسوبة على القرب وشد الرحال إلى المساجد الثلاثة قربة للصلاة فيها والاعتكاف بها، والعبادة مبنية على التوقيف لا تتحكم فيها العقول والأهواء والمقاييس الفاسدة.
ولنا أن نقول ثانيا تقبيل الحجر الأسود مستحب للطائف بالكعبة، لكن يحرم تقبيل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يكره على الأقل، فهل معنى هذا أننا فضلنا الحجر الأسود على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقول هذا إلا مختل العقل والفؤاد.
ثالثا: الطواف بالكعبة المشرفة ركن من أركان الحج والعمرة، فإذا لم يطف طواف الركن في الحج والعمرة لا يصح حجه بإجماع العلماء، لكن الطواف بقبر الرسول شرك أكبر، فهل معنى هذا أننا فضلنا الكعبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله السلامة من الأفهام السقيمة والأذهان الكليلة والأقوال الساقطة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على جهل القائلين، أو على إرادة الغش وتضليل المسلمين لإخراجهم من نور التوحيد إلى ظلمات الشرك، هدانا الله وإياهم إلى الصراط المستقيم، وإليك ما قاله بعض فضلاء نجد في هذا الخصوص:
وإن رمت للهادي البشير زيارة
…
تحط بها ذنبا وتمحوا بها وزرا
فقدم عليها نية المسجد الذي
…
به الله في الأذكار قد رفع الذكرا
وثم إذا نلت الأماني بقربه
…
وشاهدت من أركانه النور والفخرا
فبادر على العينين والرأس ماشيا
…
وقابل إمام المرسلين أبا الزهرا
وسلم عليه من قريب وفز بما
…
سعدت به من زورة تشرح الصدرا
فقل هل ترى فيما نقول ملامة
…
ولكن أعمى العين لا يبصر الفجرا
وإلى القارئ زيادة من شبهاتهم حول زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بإيرادهم أحاديث في زيارته صلى الله عليه وسلم وهاك بيانها:
احتج القائلون بوجوب الزيارة أو بندبها بقوله صلى الله عليه وسلم: "من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني" رواه ابن عدي بسند يحتج به.
الجواب: في سند ابن عدي نعمان بن شبل، ومحمد بن محمد بن النعمان بن شبل وهما ضعيفان جدا. يراجع في هذا الموضوع تلخيص الحبير والميزان للذهبي، والصارم المنكي.
فقول المعترضين بسند يعتد به باطل قطعا، ومن ثم صرح جماعة من أهل النقد بضعف الحديث وجماعة بوضعه ولم يذهب أحد إلى صحته أو حسنه، إنما تفرد به الشيخ ابن حجر المكي وقلده ملا علي القارئ ولا عبرة بتحسينهما لأنهما ليسا من علماء الجرح والتعديل، ولا من يرجع إليهما في تصحيح الحديث أو تحسينه أو تضعيفه، ومن يدعي تحسين هذا الحديث فعليه الإثبات من كلام ذوي التحسين والتضعيف.
كما وردت أحاديث كثيرة صحيحة في الترغيب في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؟
والجواب: ليس في الباب حديث واحد صحيح فضلا عن الأحاديث الكثيرة الصحيحة! ولا أراك شاكا في أن هذا القول غلط واضح وخطأ بين، فإن السبكي مع شدة سعيه في هذا الباب لم يثبت في زعمه الا حسن حديثين أو صحتهما، الأول "من زار قبري وجبت له شفاعتي" والثاني "من جاءني زائرا
لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة" وهذان الحديثان فيهما أيضا كلام شديد، وبالجملة ادعاء صحة الأحاديث الكثيرة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم باطل بالبداهة.
ومن تلك الأحاديث التي احتجوا بها "من حج فزار قبري " وفي راية "فزارني بعد وفاتي عند قبري" كان كمن زارني في حياتي" رواه أبو يعلى والدارقطني.
والجواب: أن في سنده حفص بن أبي داوود وليث بن أبي سليم وفي بعض طرقه الحسن بن الطيب وأحمد بن رشدين وكلهم ضعفاء مجروحون، قال الإمام ابن عبد الهادي في الصارم:"واعلم أن هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به ولا يصلح الاعتماد على مثله فإنه حديث منكر المتن ساقط الإسناد لم يصححه أحد من الحفاظ ولا احتج به أحد من الأئمة بل ضعفوه وطعنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة".
وبالجملة كما سبق بيانه أن ليس في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بالخصوص حديث صحيح ولا حسن، بل إما أن يكون ضعيفا أو موضوعا ولا حجة في ضعيف وموضوع كما لا يخفى على من شم رائحة من العلم.
قال السيد الزيني دحلان زيادة على ما سلف: كأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فحيثما صدر من أحد تعظيم له صلى الله عليه وسلم حكموا على فاعله بالكفر والإشراك.
الجواب: هذا الإيجاب الكلي والسلب الكلي اللذان يشتمل عليهما هذا الكلام الساقط الفاسد بهتانان صريحان، فإن المانعين للتوسل لا يمنعون مطلق التعظيم ولا يحكمون على فاعله بالكفر والإشراك، إنما يمنعون التعظيم الذي يتضمن عبادة غير الله أو نهى الله عنه ورسوله، أو التعظيم المحدث الذي لا يدل عليه دليل من الكتاب والسنة، ويحكمون بالكفر والشرك على من عظم تعظيما يتضمن شيئا من موجبات الكفر والشرك، وأما التعظيم الذي هو ثابت بالكتاب والسنة فهو عين الإيمان.
فمن تعظيمه صلى الله عليه وسلم عدم جعل دعاء الرسول كدعاء البعض بعضا، وعدم التقديم بين يدي الله ورسوله، وعدم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض، وغض الأصوات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم المناداة من وراء الحجرات، والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم بقاء الخير لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، وسؤال نساء النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب، وعدم نكاح أزواجه من بعده أبدا، وتحكيم النبي فيما شجر بينهم، وعدم وجدان الحرج في أنفسهم مما قضى النبي صلى الله عليه وسلم، وإطاعة الرسول، والرد إليه إذا وقع التنازع في شيء، وإجابة دعوة الرسول وإن كان المدعو في الصلاة كما دل عليه حديث أبي سعيد بن المعلى المروي في صحيح البخاري، واعتقاد أن الله تعالى يبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم مقاما محمودا الذي هو أعلى درجة في الجنة لا ينالها عبد من عباد الله إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، واعتقاد أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدا، واعتقاد أن أمة محمد خير الأمم، واعتقاد أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، واعتقاد أن الله تعالى أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم ليلا وعرج به، واعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة، واعتقاد أن الله تعالى قد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلى غير ذلك من الأمور التي ذكرها العلماء من باب تعظيمه صلى الله عليه وسلم.