المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية - الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه

[أحمد بن حجر آل بوطامي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الشبهة الأولى: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويحطون من شأنه وشأن الأنبياء

- ‌الشبهة الثانية: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات

- ‌الشبهة الثالثة: أن الشيخ وأتباعه يمنعون التوسل والإستغاثة بالأولياء والصالحين

- ‌الشبهة الرابعة: في جواز الاستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة الخامسة: من شبههم جواز الإستغاثة بغير الله

- ‌الشبهة السادسة: من شبههم على جواز الاستغاثة بغير الله مارواه ابن السني عن عبد الله ابن مسعود

- ‌الشبهة السابعة: شبهتهم على جواز الاستغاثة بقول سواد بن قارب للرسول صلى الله عليه وسلم: فكن لي شفيعا…ألخ

- ‌الشبهة الثامنة: ما روى ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة

- ‌الشبهة التاسعة: أن الشيخ وأتباعه يكفرون المسلمين بأدنى شبهة

- ‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

- ‌الشبهة الحادية عشر: قال المبتدعون: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذم نجد وامتنع أن يدعو لهم

- ‌الشبهة الثانية عشر: قول المعترضين: أما تخيل المانعين المحرومين أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد

- ‌الشبهة الثالثة عشر: إن الشيخ وأتباعه كفروا صاحب البردة ومن كانت في بيته أو قرأها

- ‌الشبهة الرابعة عشر: إن الشيخ وأتباعه منعوا من شد الرحال إلى قبور الأنبياء

- ‌الشبهة الخامسة عشر: إن الوهابيين خالفوا المسلمين بمنعهم الإحتفال بالمولد النبوي الشريف

- ‌الشبهة السادسة عشرة: شبهة المنتقدين أن الشيخ أنكر على الصوفية وطرقهم مقلدا في ذلك ابن تيمية

الفصل: ‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

‌الشبهة العاشرة: إن الشيخ وأتباعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

الشبهة العاشرة

يقول مخالفو الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الخرافيين والقبوريين: إن الشيخ محمدا ومن تبعه يقسمون التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وهذا ما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه فتوحيد الربوبية هو نفس توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية هو نفس توحيد الربوبية، وأول من ابتدع هذا التقسيم ابن تيمية وتبعه محمد بن عبد الوهاب، وبناء على هذا التقسيم كفروا كل من خالفهم حيث قالوا: إن الذين يتوسلون ويستغيثون بالأنبياء والصالحين، ويطلبون منهم قضاء الحاجات مشركون بالله وتشبثوا أولا بما ذكرنا سالفا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يذكروا ذلك، وثانيا: قول الله تعالى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ، وثالثا: قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} ، ورابعا: حديث سؤال الملكين: إن الملكين يقولان لمن وضع في قبره من ربك؟ ولا يقولان له من إلهك؟ ولو كان بين الإله والرب فرق لما اقتصرا على السؤال عن أحدهما.

الجواب عن الشبهة العاشرة

والجواب ومن الله أستمد الصواب:

لقد أورد بعض المتعصبين أن ذلك التقسيم لم يقل به النبي صلى الله عليه وسلم، وجواب هذا أن يقال له، إن ترد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل به لا لفظا ولا معنى، فباطل، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله

الحديث"، وهذا هو توحيد الألوهية والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه علموا الداخلين في الإسلام بأن لا يعبدوا إلا الله وهو ما نريده.

ص: 101

وأكثر القوم كانوا معترفين بالربوبية، فكانوا عارفين بمعاني الألفاظ لا يحتاجون إلى تفرقة، فإذا قيل لهم: لا إله إلا الله، ولا خالق ولا رازق إلا الله، عرفوا ما تدل عليه الجملة الأولى والثانية، وأنت حين توازن بين قوله تعالى إخبارا عنهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ، وقوله تعالى {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ، يظهر ذلك ما قلناه بجلاء ووضوح.

على أنه لا يضرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لم يصطلحوا هذا الاصطلاح، لأنا نقول تؤخذ الأشياء بمعانيها، ولا يلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم يمشون على النهج المصطلح عليه.

وغاية قولنا: أن معنى الرب في اللغة غير معنى الإله، فيدل الأول على الإحاطة والخلق والإيجاد والتربية، ويدل الثاني على المعبود بحق أو باطل.

ونقول في الجواب ثانيا: إن لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد إلى أقسام ثلاثة فلم يحصره في قسم واحد –كما تزعم- ومعنى الألفاظ الواردة في القرآن والسنة، واللغة تساعدنا على ذلك، وليس معك ما يناصرك على دعواك.

أما السؤال عن التوحيدين في قوله تعالى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} سؤال عن الربوبية والرب، قال تعالى {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} 1، نهى عن اتباع الآباء في الشرك وأمر بعبادته وحده، فالتوحيدان متغايران بصريح الآية.

الثاني: نقول ليس النزاع على الألفاظ: فهبوا الرب يطلق على الإله لغة، فهل يدل هذا أن توحيد الألوهية –الذي يراد منه إفراده بالعبادة- هو توحيد الربوبية الذي يراد منه الإيمان بأن الله خالق كل شيء، بيده كل شيء، يا ليت هؤلاء يهتدون إلى محل النزاع.

الثالث: ونقول من أنبأكم أن القرآن ذكر جميع ما سألهم عنه وما أشهدهم عليه ومن أخبركم أنه لم يشهدهم على توحيد الألوهية؟ ما معكم من شبهة على ذلك غير أن القرآن لم يذكره على فهمكم، ومن أن القرآن حدث بكل ما

1 173 الأعراف

ص: 102

حصل وما كان في الأزمان الذاهبة.

أما الجواب عن حديث سؤال الملكين: إن الملكين يقولان لمن وضع في قبره من ربك.. الخ.

فأولا: قرر العلماء أنه إذا أطلق لفظ الرب، فيشمل معنى الر بوبية والألوهية، وكذلك إذا أطلق لفظ الإله، كالفقير والمسكين، فإذا أطلق الفقير دخل المسكين في المعنى، ولكن يفترقان في المعنى إذا أفرد الرب بلفظ والإله بلفظ، وكذلك الفقير والمسكين، والإيمان والإسلام، ولهذا يقال إذا اجتمعا تفرقا وإن اتحدا اجتمعا.

ثانيا: أن الملائكة تسأل الميت عن ثلاثة أشياء عن الرب والرسول والدين، ولاشك أن السؤال عن الرسول والتصديق له هو سؤال عن كل شيء جاء به وتصديق به، ومنه توحيد الألوهية، وأن السؤال عن الدين والإقرار بالإسلام يشمل السؤال عن كل ما هو دين، ومنه أن لا إله غير الرب، فالإيمان بذلك هو إيمان بذاك.

فقولهم: إن السؤال كان عن الرب فقط غلط فاحش.

ثالثا: قد ورد في أحاديث سؤال الميت أنه يجيب ملائكة العذاب ويقول: لا إله إلا الله ويشهد بذلك فلم يقتصر على الرب فقط، كما زعم هؤلاء لقصورهم في علم الحديث.

وإلى القراء الكرام بعض الأدلة على الفرق بين توحيد الألوهية والربوبية:

الأول: لا ريب أن الألوهية -أي العبودية من الصلاة وسائر الطاعات- غير الربوبية- أي ملكية الله للعالم - ولا ريب أن توحيد أحد الأمرين المتباينين غير توحيد الأمر الآخر المباين، فلا ندري لماذا ينكرون الفرق بينهما ولماذا يسوون بينهما، والحال أن الفرق بين التوحيدين واضح في اللغة وفي الشرع.

ص: 103

الثاني: متى قيل لا فرق بين هذا وذاك كان المعنى لا فرق بين حقيقتيهما لا اسميهما فقولهم هنا: لا فرق بين الألوهية والربوبية، يريدون لا فرق بين معناهما، وهذا يتناول ثلاثة معان أحدها: أن يكون الشيئان شيئا واحدا، والثاني: أن يكون شيئين لكنهما متلازمان، والثالث: أنه ليس هناك توحيد عبادة وألوهية، ولا شيء يسمى بهذا الاسم، وإنما التوحيد وهو توحيد الربوبية وهو الإيمان بأن الله هو خالق العالم، والاحتمالات الثلاثة باطلة، أما الأول: فمأخوذ من قول النصارى وعقيدتهم في التثليث، وأما الثاني: فمن يقول إن عبادة الله وطاعته هي الإيمان بأن الله خالق العالم، وأما الثالث: فباطل بالضرورة واتفاق المسلمين، فإنه لم يقل أحد من المسلمين، أن الإيمان بأن الله الخالق ينجي العبد من العذاب ويجعله مؤمنا.

الثالث: الألوهية من عمل العباد لأنها "من أله إذا عبد" والعبادة للعبيد، والربوبية من فعل الحق سبحانه، وهي ملكيته للوجود وخالقيته له، فكيف يكون فعل الرب فعلا للعبد، وفعل العبد عملا للرب؟ هذا قول أهل الاتحاد ووحدة الوجود، فهل هم منهم؟

الرابع: لو كان التوحيدان توحيدا واحدا لكان من جاء بتوحيد الربوبية مؤمنا ناجيا مهما عمل ومهما أتى بالمكفرات ومعلوم بطلان هذا لكل أحد.

الخامس: أخبر القرآن أن الكفار كانوا يسمون أصنامهم آلهة قالوا {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} ولم يخبر في آية أنهم قالوا لها: أرباب، فلو كان الفرق بين اللفظين لسموها أربابا كما سموها آلهة، ولما اقتصروا على إطلاق آلهة اطرادا.

السادس: الذي يحقن دم المشرك أن ينطق بكلمة الإخلاص على أن لا يأتي بما ينقضها-وهذه الكلمة التي تحقن الدم هي: لا إله إلا الله ولا يعصمه أن يقول: لا خالق إلا الله بإجماع المذاهب، ولو كان معنى الإله والرب واحد لعصم دمه أحد اللفظين دون الآخر.

ص: 104

السابع: يقال: رب الدار لصاحبها، ورب الإبل لمالكها، ورب القبيلة لسيدها، فإن كان معنى الإله هو الرب –سواء- جاز أن يقال إله الدار لصاحبها، وإله الإبل لمالكها، وإله القبيلة لسيدها، وهذا منكر باتفاق الأولين والآخرين، إذ بين الكلمتين اختلاف ولاشك. أ. هـ1

هذا وهناك أدلة كثيرة جدا، تركناها للاختصار.

وقد زعم خصوم الشيخ وأتباعه أن المشركين كانوا ينكرون وجود الله، أو ينكرون أنه الخالق لكل شيء، واحتجوا لهذا الزعم الباطل بآيات، ومرة أخرى يعترفون بإشراكهم.

الآية الأولى: قول الله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} سورة الفرقان.

والجواب: "1" ليس في الآية الكريمة إنكار للرحمن، وإنما فيها استفهام عنه "بما" التي يسأل بها عن حقيقة الشيء، والمصدق بوجود الأمر يسأل عنه، لا خلاف بين اللغويين في ذلك، فهم يقولون: ما الروح؟ كما قال تعالى {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} وهم يؤمنون بها، ويقولون: ما الملائكة وما الجن؟ وهم يؤمنون بهم. "2" روى البخاري وغيره في خبر صلح الحديبية أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر الكاتب أن يكتب صورة الصلح قال له قل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقال سهيل بن عمرو النائب عن المشركين في الاتفاق على الصلح: أما الرحمن فلا نعرفه، ولكن اكتب باسمك اللهم، فقول سهيل لا نعرف الرحمن ولكن اكتب باسمك اللهم يدل على أمرين، على أنهم مؤمنون بالله، وأنهم يستعينون به في أمورهم، وعلى أن الذي ينكرون هو وصفه بالرحمن، ولو

1 من الفصل الحاسم

ص: 105

كانوا ينكرون ذاته كما يزعم المعارضون لعارض باسمك اللهم ولأنكر لفظ الجلالة ولفظ الرحيم المذكورين، فهذا يفسر الآية ويوضح قولهم {وَمَا الرَّحْمَنُ} .

"3" هذه الآية على فهمهم مخالفة لتسمية العرب مشركين بالله، والناس –قاطبة- يقولون إنهم مشركون بالله، فلو كانوا جاحديه لما كانوا مشركين به، فتسميتهم مشركين بالله يدل أنهم مؤمنون بوجوده، ولكن عبدوا معه غيره.

"4" الآية على فهمهم معارضة بما احتجوا به من قوله {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ومثلها {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} .

"5" إذا كان أمثال قوله {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} إلى غيرها من الآيات الكثيرة لا يدل على إيمانهم بالله، وإيمانهم بأنه خالق كل شيء، فمن العجب أن تدل الآية المذكورة على جحدهم الله، وإذا كانوا يكذبون في قولهم: الله خالق كل شيء، فلماذا لا يكذبونهم في قولهم {وَمَا الرَّحْمَنُ} وإذا كانوا يقولون للرسول الله خالق كل شيء كاذبين اضطرارا للحجة –وقلوبهم جاحدة- فكيف ينكرون الرحمن؟

الآية الثانية: قول الله تعالى {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} سورة الرعد.

والجواب: إن المجادلة في أمر ليست جحدا له في قول الناطقين جميعا، فقول القائل: جادل فلان فلانا في القضاء والقدر، أو في علم زيد وجهله، فهل يدل هذا أن لا وجود للقضاء أو القدر، أو لا وجود لزيد.

أما قال الله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} 1. فهل هذا يدل على أن زوجها غير موجود؟

وقول الله تعالى {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} 2.

1 المجادلة - 1

2 74 هود

ص: 106

فهل يدل على أن إبراهيم يجادل في وجود قوم لوط، وليس لهم وجود، فيا سبحان الله من الاستدلال الغريب والمنطق العجيب، الذي لا يتفوه به ولا يحتج به إلا ناقص العقل والدين.

الآية الثالثة: قول الله تعالى {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} سورة الأنعام.

والجواب من وجوه

أ- هذه الآية حجة عليهم، إذ من المعقول أن لا يسب أحدا إلا إذا كان المسبوب موجودا، وهل يسب المعدوم؟

ب- لو كان سبهم لله إنكارا، لكان سب المؤمنين آلهة المشركين إنكارا، وينبغي أن يفهم أن السب ليس هو الكلام المعروف الذي يسب الناس بعضهم بعضا، ولكنه مجرد تنقيص أو نسبة شيء غير لائق به، فإذا نسبنا إلى الإله ما لا يليق بجلاله يكون سببا له، كقول النصارى المسيح ابن الله وقول اليهود عزير ابن الله.

وزيادة على الأجوبة السالفة، نقول إن هؤلاء المعترضين متناقضون، مرة يقولون إن المشركين ينكرون الخالق ويحتجون بما سلف من أدلة، وتارة يعترفون بالرب ويستدلون بقول الله تعالى {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .

فإن كانوا ينكرون الرب، فكيف يحتج هؤلاء على اعترافهم بقول الله تعالى {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ

} الآية

وبما أن كثيرا من العوام، بل وكثيرا ممن ينتسبون إلى العلم لا يفرقون بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، حتى زعم المبتدعون خصوم الشيخ وأتباعه قائلين: إنه لا فرق بين التوحيدين، فالربوبية هي الألوهية، والألوهية هي الربوبية، ولم يفرق بينهما سوى ابن تيمية وابن عبد الوهاب وتمسكوا بما يلي:

ص: 107

1-

إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يذكروا ذلك التفريق، ولم يقولوا لمن دخل في دين الله أن هناك توحيدين.

والجواب: إن مدعي هذه الشبهة إما أن يريد أنهم لم يذكروه باللفظ المذكور، وإما أن يريد أنهم لم يذكروه ولا بالمعنى، ولم يفهموا من دخل في الدين أن هناك توحيدين، إن أراد الأول فلا يضرنا ولا ينفعه، لأننا لا نزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بألسنتهم واصطلاحاتهم، وإن أراد الثاني نازعناه، وقلنا: إنك لم تقم دليلا عليه، بل نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعلموا الداخلين في الدين أن هناك توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية بقوله لهم قولوا: لا إله إلا الله، ولا تعبدوا إلا الله وتدعوا إلا إياه مع قولهم لا خالق ولا رازق إلا الله، وهؤلاء يريدون أن يكون كلام رسول صلى الله عليه وسلم أفصح البشر آتيا على اصطلاحاتهم بأن يقول: ينقسم التوحيد قسمين إلى آخر العبارة، ولو كان كلام الرسول صلى الله عله وسلم ككلامهم لما قبل الإسلام.

2-

قول الله تعالى في أخذ الميثاق {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قالوا: ولو كان بين الإله والرب فرق، لما اكتفى بالسؤال عن الرب فقط، بل لقال: ألست بربكم وإلهكم؟

والجواب: سبق مثل هذا الاعتراض في سؤال المنكرين، وسبق الجواب، ولكن لا بأس من الزيادة والإيضاح والبيان فنقول:

أ- لو تدبر هؤلاء في قولهم قليلا، لرأوا أن الله سألهم عن التوحيدين، فقوله تعالى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} سؤال عن الربوبية والرب، وقوله تعالى {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} نهى عن اتباع الآباء في الشرك وأمر بعبادته وحده، فالتوحيدان متغايران بصريح الآية.

ب- هذا الإيراد لا يرد علينا إلا إذا ذكروا: أن السؤال كان عن جميع

ص: 108

الدين، أو عن جميع ما هو شرط في قبول الإيمان، وإلا فلا يرد علينا يقينا، فإن لنا أن نقول: سألهم الله عن الربوبية وقررهم عليها، وإقرارهم بها يهديهم إلى الألوهية لو عقلوا ولم ينقادوا للشيطان، فإن من يعقل لا يعبد إلا من له الأمر والنهي والنفع والضر، ولو خلى الناس وفطرهم لما عبدوا إلا الله، ولولا مشيخة الضلال المحسنين لهذه البدعة وسدنة القبور، لما وجدت من يستغيث بالأولياء ويطوف بهم، قال الله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .

ألا يرى هؤلاء أن هذه الشبهة تفتح عليها أن يقال: الآية لم تذكر غير توحيد الله ولم تذكر الإيمان بالكتب والرسل والملائكة والبعث وسائر أركان الإيمان، فليست هذه الأشياء مما يلزم الإيمان به لأن الآية لم تذكره، يقول هؤلاء المبتدعة لنا: إذا كان توحيد الربوبية غير توحيد الألوهية، فلماذا لم تذكر الآية توحيد الألوهية، فإذا أردنا أن نسألهم كسؤالهم قلنا: الآية أيضا لم تذكر كل ما يجب الإيمان به، فيجب أن نقول: أنه لا يجب الإيمان إلا بالله، أما ملائكته وكتبه الخ فلا يلزم الإيمان بهم، هذا سؤال لا محيص لهم عنه، وتحرير هذا الجواب أن يقال: الآية لم تلتزم أن تذكر جميع أبواب الإيمان فلا يصلح أن تسألونا السؤال المذكور، هذا أمر واضح.

3-

قول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} .

والجواب: ليس لهذه الشبهة وجه يصح، والإله هنا هو المعبود بلا شك، أي هو معبود في الأرض وفي السماء، وهؤلاء أبوا أن يكون ذلك هو المعنى، لأنه سوف يجيء زمن – كما يقولون - لا يعبد الله في الأرض أحد، فلا يكون فيها إلها أي معبودا وفاتهم أن الآية لم تقل وفي

ص: 109

الأرض إله في كل وقت، ومثل هذا الاستعمال يصدق في أقل مدة يعبد الله فيها، وأيضا الاعتراض لازم على كل حال إن كان صحيحا، فهم يقولون الإله والرب معناهما واحد، فالرب هن الإله، والإله هو الرب، لأنهم لا يفرقون بينهما، فقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} . أي رب ومعبود باعترافهم، وسوف يجيء زمن -كما قالوا- لا يكون الله في الأرض معبودا، فما المخلص ما أكثر ما يزلون، وأيضا من قال لهم: إن زمنا من الأزمان لا يعبد الله فيه أحد؟ ألا يذكرون قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة وهم على ذلك" وهبوا أنه لا يعبد الله من الناس أحد في ذلك الزمن، فالكائنات الأخرى تعبده، والقرآن أخبر بأنها تسجد له وتسبحه، ولا يجسرون أن يقولوا: إن الأنبياء والأولياء أحياء في قبورهم، يعبدون الله ويعطون سائليهم، فالله معبود في الأرض إلى يوم القيامة ولو من الأموات على زعمهم فالشبهة مثل الضعف أ. هـ1

1 بتلخيص وتصرف من الفصل الحاسم.

ص: 110