الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات
…
الشبهة الثانية
إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه، منعوا من قراءة كتاب دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار، وهو كتاب جامع لفضائل الصلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم وصيغ الصلوات، وقد اعتنى به العلماء في أكثر الجهات الإسلامية وعدوه من الكتب المهمة في الصلاة على الرسول، ونهيهم عن هذا الكتاب، وعدم اعتبارهم للعلماء وسائر المسلمين في الاعتناء به، لدليل على ما نقول إنهم لا يحبون الرسول الكريم، وإلا فأي محب للرسول يمنع من قراءة هذا الكتاب الجليل؟
الجواب عن الشبهة الثانية
والجواب ومن الله استمد الصواب: هذا الكتاب المذكور جمع فيه مؤلفه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة الشيء الكثير، بل واخترع صيغ صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله بها من سلطان وسيرى القارئ فيما يأتي نماذج من ذلك.
الأمر الثاني: إنه جعله أحزابا، حزب ليوم الجمعة وحزب ليوم السبت وهكذا على سائر أيام الأسبوع ورحم الله ملا عمران حيث قال:
أما الدلائل فهو لم ينكر بها
…
صلوات أزكى العالمين الأمجد
إلا التظاهر والغلو وجعلها
…
درسا يكرر في كتاب مفرد
ويقصد الشيخ أنه لم ينكر صلوات أزكى العالمين الواردة في السنة لا المخترعة والمبتدعة.
ومن المعلوم أن تجزئة الصلوات وجعلها مقسمة على الأيام بدعة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا التابعين ولا الأئمة المعتبرين ولا العلماء
المحققين رضي الله عنهم أجمعين شيء منه، والصلوات والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقة، وينبغي للمسلم أن يصلي على الرسول الكريم في أي وقت شاء، لا سيما في ليلة الجمعة، ويوم الجمعة آكد وعند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، وتجب الصلاة عليه في التشهد كما سبق ذكره.
الأمر الثالث: إن الصلاة على النبي عبادة وقربة، والعبادة والقربة مبنية على التوقيف، والمؤلف عفا الله عنه اخترع صيغا من عند نفسه، ورتب عليها أجورا ليس لها مستند من الرسول العظيم ولا من أصحابه رضي الله عنهم.
وهاك بعض صيغه الموضوعة من العبارات المخالفة للكتاب والسنة:
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشر مرات، ومن صلى علي عشر مرات صلى الله عليه مائة مرة، ومن صلى علي مائة مرة صلى الله عليه ألف مرة،، ومن صلى علي ألف مرة حرم الله جسده من النار، وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة عند المسألة، وأدخله الجنة وجاءت صلواته علي نورا له يوم القيامة على الصراط مسيرة خمسمائة عام، وأعطاه الله لكل صلاة صلاها قصرا في الجنة قل ذلك أو كثر،
ولتعلم أيها القارئ أنه لم يثبت من ذلك شيء إلا من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا، والباقي مما أورده مؤلف الدلائل موضوع، وهاك أيضا بعض صيغه المخترعة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد صلى علي إلا خرجت الصلاة مسرعة من فيه، فلا يبقى بر ولا بحر ولا شرق ولا غرب إلا وتمربه وتقول: أنا صلاة فلان ابن فلان، صلى على محمد المختار، خير خلق الله فلا يبقى شيء إلا وصلى عليه، ويخلق من تلك الصلاة طائر له سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة في كل ريشة سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان، كل لسان يسبح الله تعالى بسبعين ألف "لغات"1 ويكتب الله ثواب ذلك كله، وعن علي بن أبي طالب رضي
1 وكان الأجدر به أن يقول سبعين ألف لغة لأن تمييز المئات والألوف مفرد.
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة، جاء يوم القيامة ومعه نور، لو قسم ذلك النور بين الخلق لوسعهم.
ومن هذه المخترعات: اللهم صل على محمد، حتى لا يبقى من صلواتك شيء، وبارك على محمد، حتى لا يبقى من بركاتك شيء، وارحم محمدا حتى لا يبقى من الرحمة شيء.
فيا أيها القارئ الكريم: تأمل في الصيغتين الأولى والثانية، ستجد إنه اختراع سامج، يدل على سخافة وغلو وجهل بالشريعة الغراء، وخصوصا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأي داع يدعو المسلم أن يخترع تلك الصيغة الأولى: أن الله يخلق من تلك الصلاة طائرا له سبعون ألف ريشة..الخ هذا الهذيان فما هذه السماجة الباردة والأقوال السخيفة التي تسيء إلى الرسول الكريم، وتجعل شريعتنا وسنة نبينا هدفا لأغراض الأعداء والطعن في الرسول العظيم وفي الشريعة الغراء، ومحلا لاستهزاء الكفرة1.
1 إذ هذه الأجور العظيمة المترتبة على تلك الصلاة المخترعة بأن يخلق الله سبعين ألف طائر
…
الخ ما سبق ذكره، فيه إغراء بارتكاب المعاصي، والتهاون بالفرائض، لأنه سيقول من قل إيمانه وجهل حقيقة الدين، لا بأس أن أعمل ما أريد وآتي كل معصية ومنكر، فأصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الصيغة، ويغفر الله لي ذنوبي، فذنوبي مهما كثرت، فالحسنات التي أنالها أضعاف أضعاف ما اكتسبت من آثام، وقد قال الله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
ولولا أن المؤلف كان من الصالحين حسبما يظهر، لقلنا أن هذا من وضع الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين، والتحلل من ربقة شريعة سيد المرسلين.
ومن ناحية أخرى قد يقول الأعداء: إن نبيهم الذي قال هذا القول، قد فضل نفسه، والصلاة عليه، حتى على كلام رب العالمين الذي أنزله الله عليه بزعمه إذ ليس في قراءة آية من القرآن عشر عشر تلك الأجور المذكورة لم صلى على النبي بتلك الكيفية والصيغة التي ذكرها هذا العالم من علماء المسلمين.
فقل لي بربك: أأحسن هذا الشيخ فيما ذكر من تلك الصيغ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي أحدثها وألفها؟ وأعظم من ذلك إنه-عفا الله عنه- نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الصحيح المتواتر:"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". وكفى بذلك إثما وضلالا.
وقال: اللهم صل على محمد وآله، بحر أنوارك ومعدن أسرارك ولسان حجتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك، وطراز ملكك وخزائن رحمتك، إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود.
وقال: اللهم صل على محمد مجلي الظلمة، مولي النعمة، مؤتي الرحمة، كاشف الغمة، فماذا ترك لله سبحانه وتعالى؟
وقال: اللهم صل على محمد الذي هو قطب الجلالة وشمس النبوة والرسالة.
وقال: اللهم اجعل شرائف صلواتك على محمد الفاتح لما أغلق، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون.
ثم ذكر من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي اسم منها هذه الأسماء، ومعظمها ويا للهول والمصيبة من أسماء الله الحسنى التي يكفر من نسبها لغيره سبحانه وتعالى: محيي، منج، مدعو، مجيب، غوث، غياث، جبار، مهيمن، بر، كفيل، شاف، كاشف الكرب، رافع الرتب، صاحب الفرج.
ولم يكتف بذلك بل أضاف أسماء مخترعة منها: يس، طه، واصل، موصول، صاحب الإزار، صاحب الرداء، صاحب التاج، صاحب المغفر، صاحب القضيب، وغيرها من الصفات والأسماء المهلهلة.
ولو ذهبنا نورد كل ما قال من الصيغ الموضوعة، وبعض الصيغ المشتملة على الضلال، لطال بنا المقال وخرجنا عن حد الاعتدال، ومن شك في ذلك فليقرأ هذا الكتاب بتدبر وإمعان، ناظرا بمنظار الكتاب والسنة، لا بمنظار المبتدعين الضالين، ولا بمنظار العاطفة والوجدان، ليرى كيف تجاسر مؤلف دلائل الخيرات على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ونسب إليه ما لم يقل، ورتب الأجور المخالفة للعقل والشرع كما مضى بعضها على تلك الصلوات، اقرأ ما سماه المؤلف حزب الجمعة وسائر الأحزاب الأخرى لترى العجب العجاب، وترى مصداق ما نقول.
جاء في حزب الجمعة من تلك الصيغ المخترعة من عنده ما يأتي:
اللهم وصل على محمد في الليل إذا يغشى، وصل على محمد في النهار إذا تجلى، وصل على محمد في الآخرة والأولى، وصل على محمد شابا زكيا، وصل على محمد كهلا مرضيا، وصل على محمد منذ كان في المهد صبيا، وصل على محمد حتى لا يبقى من الصلوات شيء، اللهم وأعط محمدا المقام المحمود الذي وعدته، الذي إذا قال صدقته، وإذا سأل أعطيته، اللهم وأعظم برهانه وشرف بنيانه.... إلى أن قال: من قرأ هذه الصلوات مرة واحدة كتب الله له ثواب حجة مقبولة، وثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي هذا عبد من عبادي، أكثر الصلاة على حبيبي محمد، وعزتي وجلالي ووجودي ومجدي وارتفاعي لأعطينه بكل حرف قصرا في الجنة، وليأتني يوم القيامة تحت لواء الحمد نور وجهه كالقمر ليلة البدر، وكفه في كف حبيبي محمد، هذا لمن قالها كل يوم جمعة له هذا الفضل والله ذو الفضل العظيم.
ولا ريب أن هذه الصيغة المخترعة لم ترد، وأن هذا الأجر المرتب على هذه الصيغة لم يصح به حديث ولا قول صحابي أو تابعي أو أحد من الأئمة المهتدين، وإنما المؤلف هو الذي اخترع هذه الصيغ ولا ريب أنه اخترعا حبا في الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يجوز أن يخترع صيغا ويرتب عليها أجورا ما أنزل بها الله من سلطان.
وبالجملة فالكتاب مشتمل على أحاديث ضعيفة، وصيغ ضعيفة وموضوعة ومخترعة، وأحاديث موضوعة، ولا يصح من تلك الأحاديث ولا من صيغ تلك الصلوات إلا القليل جدا.
فإذا كان هذا الكتاب بهذه المثابة، وفيه من الضلال والشرك والوبال وصرف الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، والصلوات الواردة كصيغة الصلوات الإبراهيمية ونحوها، أفلا يحق للشيخ محمد بن عبد الوهاب
وأتباعه، بل ولكل مسلم أن ينهى عن قراءته امتثالا لقول الله تعالى، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم، أما قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وما أتانا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغ المخالفة والموضوعة، بل نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن المحدثات والبدع والضلالات فقال في حديث العرباض بن سارية:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" ، رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وورد في الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". "أي مردود عليه".
ومن أراد أن يعرف الصيغ الواردة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما صح فيها وما كان ضعيفا، فليقرأ جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام للحافظ ابن القيم رحمه الله، أو كتب الأذكار المأثورة كالأذكار للنووي، ونزل الأبرار لصديق حسن خان وغيرها.
وأما قوله: اللهم صل على محمد حتى لا يبقى من صلواتك شيء
…
الخ، فهذا أعظم وأطم، ومن كثرة اعتناء الكثيرين من الناس وبعض المنسبين إلى العلم، أنه أخبرني أحد شيوخنا قال: رفع إليه سؤال من بعض قضاة البحرين يسأل عن تفسير هذه الصيغة، وقال الشيخ فيما أظن أن المؤلف يقصد في هذا الدوام
…
بمعنى أن تبقى الصلاة على النبي دائما، لأن صلوات الله عليه لا نفاد له.
فيا للعجب من السائل ومن المجيب، أهكذا يكون العالم؟ هكذا ينتصب مثل هؤلاء لإرشاد الناس ولهدايتهم، وهم لا يميزون بين السنة والبدعة.
وكم في دلائل الخيرات من الطامات الكبرى، والحق أن الناظر في هذا الكتاب يجد فيه من العبارات المخالفة للشرع الشيء الكثير، وفي بعضها شرك، ووحدة وجود والعياذ بالله، كقوله: اللهم جدد من صلواتك التامات وتحياتك الزاكيات على الذي أقمته لك ظلا، وجعلته لحوائج خلقك قبلة ومحلا، وأظهرته بصورتك واخترته مستوى لتجليك، ومنزلا لتنفيذ أوامرك ونواهيك، في أرضك وسماواتك وواسطة بينك وبين مكنوناتك.