الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله لأن معناها مركب من أمرين: نفي وإثبات. فالنفي: خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنه العبادات، والإثبات: إفراد رب السماوات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع، وقد أشار إلى النفي من الإله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو (إياك) ، وقد تقرر في الأصول، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة، وفي المعاني في مبحث القصر: أن تقديم المعمول من صيغ الحصر، وأشار إلى الإثبات منها بقوله (نعبد) وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلا في آيات أخر كقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) الآية (1) . فصرح بالإثبات منها بقوله (اعْبُدُوا رَبَّكُم) وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله:(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . (2) وكقوله (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(3) فصرح بالإثبات بقوله (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) وبالنفي: بقوله (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(4) .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: "وإذا استعنت فاستعن بالله
…
".
(5)
.
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم: فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
(1) البقرة 21.
(2)
البقرة 22.
(3)
النحل 36.
(4)
أضواء البيان 1/103.
(5)
انظر سورة البقرة آية (45) .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة في قوله:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم (1) .
ورجاله ثقات إلا الحسن وعبد الوهاب فصدوقان وعبد الوهاب هو ابن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ ومن مدلسي المرتبة الثالثة الذين لا يقبل تدليسهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولكن عبد الوهاب معروف بصحبة سعيد بن أبي عروبة وكتب كتبه لأنه كان مستملي سعيد وروايته عن سعيد قديمة قبل الاختلاط (2) . وأما سعيد بن أبي عروبة ثقة ولكنه مدلس إلا أنه من المرتبة الثانية فلا يضر وخصوصا أنه أثبت الناس في قتادة بل قد روى البخاري له في الصحيح في كتاب التفسير عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (3) . وقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد (4) . ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليَّ أن اكتبه (5) . فالإسناد حسن إلى قتادة.
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي لا نطلب العون إلا منك وحدك، لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة، وإتيانه بقوله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بعد قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة؛ لأن غيره ليس بيده الأمر، وهذا
(1) التفسير 1/158 رقم 29.
(2)
انظر تهذيب التهذيب 6/450، 451.
(3)
5/127 باب سورة آل عمران، قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) ، وانظر عمدة القاري 17/155.
(4)
التاريخ 2/205.
(5)
سير أعلام النبلاء 6/417.