المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع منه إلى منى، - الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور - جـ ١

[حكمت بشير ياسين]

فهرس الكتاب

- ‌[[أهمية علم التفسير بالمأثور]]

- ‌[[نبذة عن نشأة التفسير بالمأثور]]

- ‌[[نبذة عن مراحل التفسير بالمأثور ومنهج الصحابة والتابعين فيه]]

- ‌[[أشهر تفاسير أتباع التابعين وما بعدهم]]

- ‌[[أشهر تفاسير القرن الثالث والرابع]]

- ‌[[من أسباب تأليف هذا التفسير]]

- ‌المنهج في الجمع والتخريج والاختصار:

- ‌[[دراسة أشهر الطرق والأسانيد المتكررة]]

- ‌الإسناد إلى أُبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌الإسناد عن أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي:

- ‌الأسانيد عن ابن عباس:

- ‌(1) طريق سعيد بن جبير:

- ‌(2) طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس:

- ‌(3) طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:

- ‌الإسناد عن عطاء بن أبي رباح:

- ‌الإسناد عن عكرمة مولى ابن عباس:

- ‌الإسناد عن قتادة بن دعامة السدوسي:

- ‌(1) طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة:

- ‌(2) طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة:

- ‌(3) طريق معمر بن راشد عن قتادة:

- ‌الإسناد عن مجاهد بن جبر المخزومي:

- ‌أولاً: طريق عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:

- ‌ثانيا: طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:

- ‌ثالثا: طريق شبل بن عباد المكي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:

- ‌وأما منهجي في الاختصار فهو كالتالي:

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(4)

- ‌(5)

- ‌(6)

- ‌(7)

- ‌1

- ‌2

- ‌ 3

- ‌4

- ‌6)

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌18)

- ‌ 23

- ‌25

- ‌30)

- ‌38)

- ‌48

- ‌65

- ‌83)

- ‌90)

- ‌ 190

- ‌ 222)

- ‌(278)

- ‌ آل عمران

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌6

- ‌7

- ‌ 10

- ‌16)

- ‌ 33

- ‌92)

- ‌ 95

الفصل: ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع منه إلى منى،

ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع منه إلى منى، فرمى وذبح، ثم أوحى الله تعالى إلى محمد أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.

(التفسير- آل عمران/آية‌

‌ 95

- ح 961) . وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير بأسانيد، وقال: رجال بعضها رجال الصحيح (مجمع الزوائد 3/251) . ورجاله ثقات إلا الحسين بن حفص محله الصدق، فالإسناد حسن.

قوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا

)

قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم التيمى، عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلتُ: يا رسول الله أي مسجد وُضِعَ أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أيِّ؟ قال: "ثم المسجد الأقصى" قلتُ كم كان بينهما؟ قال: "أربعون"، ثم قال:"حيثما أدركتكَ الصلاة فصل والأرض لك مسجد".

(الصحيح 6/458 ح 3425- ك أحاديث الأنبياء، قوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان)) .

قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عاصم بن عمر، عن علي بن أبي طالب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بحرَّة السقيا التي كانت لسعد ابن أبي وقاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ائتوني بِوضوء، فتوضأ ثم قام فاستقبل القبلة، ثم قال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعا لأهل مكة بالبركة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مُدِّهم وصاعهم مِثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين".

(السنن 5/718 ح 3914- ك المناقب، ب في فضل المدينة ح 3914) وقال: حديث حسن صحيح.

وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/105-106 ح 2090- ك الوضوء، ب استحباب الوضوء للدعاء

) من حديث شعيب بن الليث عن سعيد بن أبي سعيد به، قال محققه: إسناده صحيح.

وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/61 ح 3746) من طريق ابن خزيمة به. قال محققه: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 2/164-166ح 543 و544) من طرق عن الليث، قال محققه في الموضعين: إسناده صحيح.

ص: 436

قال الضياء المقدسي: قُرئ على أبي أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي -ونحن نسمع- أخبركم أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي -قراءةً عليه وأنت تسمع- أنا أحمد بن محمد بن الخليلي، أنا علي بن أحمد الخزاعي، أنا الهيثم بن كليب الشاشي، ثنا إسماعيل القاضي، ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، قال: لما قتل عثمان، ذَعرَني ذعراً شديداً، وكان سَلُّ السيف فينا عظيماً، فجلستُ في بيتي، وكانت لي حاجة في السوق لثياب اشتريتها، فخرجت فإذا أنا بنفر في ظلٍ جلوسٍ، نحوٍ من أربعين رجلاً، وإذا سلسلة معلّقة معروضة على الباب، فقلت: لأدخلن فلأنظرن. قال: فذهبتُ لأدخل، فمنعني البواب، فقالوا: دع الرجل. فدخلتُ، فإذا أشراف الناس، وإذا وسادة معروضة، فجلست، فجاء رجلٌ جميل عليه حُلّة ليس عليه قميص ولا عمامة، فإذا هو على رضي الله عنه ثم جلس، فلم ينكر من القوم غيري. فقال: سَلوني، ولا تسألوني إلا عما ينفع ويضر. فقال رجل: ما قلتَ حتى أحببتَ أن تقول، أنا أسألك.

فقال: سلْ، ولا تسأل إلا عما ينفع أو يضر. فقال: ما (الذاريات ذَروا فالحاملات وقْراً. فالجاريات يُسراً. فالمقَسمات أمراً) قال: الملائكة.

(الذاريات 1-4) . ثم قال: أخبرني عن ما أسألك. فقال: سل، ولا تسأل إلا عما ينفع أو يضر. فقال: ما (السقْف المرفوع) قال: السماء. قال: فما (العاصفات عصفاً) قال: الرياح. قال: فما (الجوار الكُنس) ؟ قال: الكواكب. قال: فما (البيت المعمور) ؟ قال: قال علي لأصحابه ما تقولون؟ قالوا: نقول: هو البيت الحرام. قال: بل هو بيت في السماء يقال له: الصراح، حِيال هذا البيت، حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه، ثم تلا هذه الآية:(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) . ثم قال: أما إنه ليس بأول بيت كان، قد كان نوح

ص: 437

قبله وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله وفي البيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة، (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) ثم حدث أن إبراهيم عليه السلام لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعاً فلم يَدْرِ كيف يبنيه، فأرسل الله السكينة، وهي ريح خجوج لها رأس، فتطوقت له بالحج، فكان يبني عليها كل يوماً سافاً، ومكة شديدة الحر، فلما بلغ الحَجَرَ، قال لإسماعيل: اذهب فالتمس لي حجراً أضعه. فذهب يطوف في الجبال، فجاء جبريل بالحجر فوضعه، فجاء إسماعيل فقال: من أين هذا؟ قال: جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك، فوضعه، فلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم انهدم، فبنتْه العمالقة، ثم انهدم فبنته جُرْهُم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحَجَر تنازعوا في وضعه. قالوا: أول من يخرج من هذا الباب يضعه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، ووضع الحجر في وسط الثوب، وأمر من كل فخذٍ رجلاً أن يأخذ ناحية الثوب، فأخذوه فرفعوه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه. فقام رجل آخر فقال: أخبرني عن هذه الآية: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما) حتى ختم الآية؟ قال: عن مثل هذا فَسَلوا، هذا العلم، هو الرجل تكون له امرأتان، إحداهما قد عجزت وهي دميمة، فيصالحها أن يأتيها كل يوم، أو ثلاثة، أو أربع. فقام إليه رجل آخر فسأله عن هذه الآية:(ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن)(النساء 128) . فأقيمت الصلاة فقام. روى قتيبة عن أبي عوانة، عن سماك، عن خالد بن عرعرة قال: سمعت علياً وسأله رجل عن: (الذاريات ذَروا) و (الحاملات وقراً) و (المقسمات) .

(المختارة 2/60 ح 438) . وحسنه المحقق وهو كما قال، وأخرجه الحاكم من طريق خالد بن عرعرة به منحصراً على الآية المذكورة وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/292-293) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: "بكة" بك الناس بعضهم بعضا، الرجال والنساء، يصلى بعضهم بين يدي بعض، لا يصح ذلك إلا بمكة.

ص: 438

قوله تعالى (فِيهِ آيات بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ومجاهد: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) قال: مقام إبراهيم، من الآيات البينات.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فيه آيات بينات) قال: قدماه في المقام آية بينة. يقول: (ومن دخله كان آمنا) قال: هذا شيء آخر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ومن دخله كان آمنا) وهذا كان في الجاهلية، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه، ثم لجأ إلى حرم الله، لم يتناول ولم يطلب. فأما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله، من سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد، ومن قتل فيه قتل.

وعن قتادة: أن الحسن كان يقول: إن الحرم لا يمنع من حدود الله. لو أصاب حداً في غير الحرم، فلجأ إلى الحرم، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد.

قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخاً كبيراً لا يثبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:"نعم" وذلك في حجة الوداع.

(الصحيح 3/378 ح 1513- ك الحج، ب وجوب الحج وفضله) .

وانظر حديث البخاري تحت الآية رقم (126) من سورة البقرة.

قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة المعنى، قالا: ثنا يزيد ابن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي سنان، عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: "بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع".

ص: 439

قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال عبد الجليل بن حميد وسليمان ابن كثير جميعاً عن الزهري، وقال عقيل: عن سنان. (السنن 2/139 ح 1721- ك المناسك، ب فرض الحج) ، وأخرجه النسائي (5/111- ك المناسك، ب وجوب الحج) ، وابن ماجه (ك المناسك، ب فرض الحج رقم 2886) ، والحاكم في المستدرك (1/441 و470- ك المناسك) من طرق عن الزهري به.

قال الحاكم: إسناده صحيح، وأبو سنان هذا هو الدؤلي ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وعند بعضهم بدون اسم السائل. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ح 1514) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به.

قوله تعالى (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)

صرح في هذه الآية إنه غني عن خلقه وإن كفر من كفر منهم لا يضره شيئاً، وبين هذا المعنى) في مواضع متعددة، كقوله عن نبيه موسى (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغنى حميد) وقوله (إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) وقوله (فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد) وقوله (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني) إلى غير ذلك من الآيات، فالله تبارك وتعالى يأمر الخلق وينهاهم، لا لأنه تضره معصيتهم وتنفعه طاعتهم، بل نفع طاعتهم لهم وضرر معصيتهم عليهم، كما قال تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) وقال (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من كفر بالحج فلم ير حجه برا، ولا تركه مأثما.

قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن المهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله:(ومن كفر) قال: من كفر بالله واليوم الآخر.

ورجاله ثقات وإسناده صحيح.

ص: 440

قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون)

بيانها في الآية التي تليها.

قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) يقول: لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله، من آمن بالله، وأنتم شهداء فيما تقرأون من كتاب الله: أن محمدا رسول الله، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزى إلا به، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله)

قال ابن كثير: يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم من إرسال رسوله كما قال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم) الآية، وهكذا قال هاهنا:(إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) ثم قال تعالى (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه، فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم، وهذا كقوله تعالى:(وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين) الآية بعدها.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) قال: علمان بينان: نبي الله وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام، وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.

ص: 441

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأمنوهم على دينكم ولا تنتصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال. كيف تأتمنون قوما كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتحيروا في دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله هم أهل التهمة والعداوة.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسين بن السكن، ثنا أبو زيد النحوي، أنبأ قيسْ ابن الربيع، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت بين الأوس والخزرج حرب في الجاهلية، فبينما هم يوماً جلوس إذ ذكروا ما بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فنزلت:(وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) الآية كلها.

(التفسير- آل عمران آية (1، 1) ح69، 1) . وأخرجه الطبري (التفسير 7/63 ح 7535) عن

أبي كريب عن الحسن بن عطية عن قيس به. وأخرجه البخاري (التاريخ الكبير 9/76) من طريق إبراهيم

ابن نصر عن الأشجعي عن سفيان الثوري عن الأغر به. والحديث بهذه المتابعات حسن (انظر تفسير ابن أبي

حاتم - الوضع المذكور أعلاه) .

قوله تعالى (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عمرو بن رافع، ثنا سليمان يعني: ابن عامر عن الربيع بن أنس في قوله: (ومن يعتصم بالله) والاعتصام هو: الثقة بالله.

وسنده حسن.

وانظر حديث النواس بن سمعان المتقدم عند الآية (6) من سورة الفاتحة.

قوله تعالى (يا أيها الدين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يحيى بن زكرياء، عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدكم ألا وهو يحسن بالله الظن".

(الصحيح 4 /2205 ح 2877- ك الجنة وصفة نعيمها، ب الأمر بحسن الظن بالله

) .

ص: 442

قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان. حدثنا أبو داود. أخبرنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه".

(السنن 4/706-707- ك صفة الجنة، ب ما جاء في صفة شراب أهل النار ح 2585، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه (ابن ماجة- ك الزهد، ب صفة النار ح 4325)، وأحمد في (المسند 1/300-301) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/511 ح 7470) والحاكم في المستدرك (2/294) من طرق عن شعبة به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله -هو ابن مسعود- (اتقوا الله حق تقاته) قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح موقوف. وأخرجه الحاكم من طريق مسعر عن زبيد به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/294) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (اتقوا الله حق تقاته) أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا يأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله، بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنها لم تنسخ، ولكن (حق تقاته) أن يجاهد في الله حق جهاده، ثم ذكر تأويله الذيَ ذكرناه عنه آنفا.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا أنتم مسلمون) ثم أنزل التخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال (فاتقوا الله ما استطعتم) فجاءت هذه الآية، فيها تخفيف وعافية ويسر.

ص: 443

قوله تعالى (

واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)

قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثاً. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال. وإضاعة المال".

(صحيح مسلم 3/1340 ح 1715- ك الأقضية، ب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة) .

قال الترمذي: حدثنا علي بن المنذر كوفي. حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي. أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".

(السنن 5/663 ح 3788) ، أخرجه أحمد (المسند 3/14، 17، 26، 59) من طرق عن عطية به. قال الترمذي: حسن غريب. وقال الألباني صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 2980) . والحديث له شاهد من رواية زيد بن ثابت أخرجه أحمد (5/182)، وذكر الحديث الهيثمي ونسبه إلى أحمد ثم قال: إسناده جيد (مجمع الزوائد 9/162، 163) وصححه الألباني (صحيح الجامع 2/317) .

وانظر حديث ابن ماجة عن أنس الآتي عند الآية (105) من السورة نفسها.

قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله:(واعتصموا بحبل الله)، قال: حبل الله، القرآن.

ورجاله ثقات وإسناده صحيح.

أخرج بن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً) ، يقول اعتصموا بالإخلاص لله وحده.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ولا تفرقوا واذكروا نعمه الله عليكم) إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة، وقدم إليكم فيها، حذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضى الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.

ص: 444

قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) لم يبين هنا ما بلغته معاداتهم من الشدة، ولكنه بين في موضع آخر أن معاداتهم بلغت من الشدة أمرا عظيماً حتى لو أنفق ما في الأرض كله لإزالتها وللتأليف بين قلوبهم لم يفد شيئاً، وذلك في قوله:(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .

وانظر حديث البخاري عن عبد الله بن زيد بن عاصم الآتي عند الآية (63) من سورة الأنفال.

قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا جرير (يعني ابن حازم) : حدثنا غيلان بن جرير، عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:"من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت رايةٍ عُميةٍ، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية. ومن خرج على أمتي، يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه".

(الصحيح 3/1476-1477 ح 1848- ك الإمارة، ب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن

) .

قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا عاصم (وهو ابن محمد بن زيد) عن زيد بن محمد، عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية.

فقال: اطرحوا لأبى عبد الرحمن وِسادةً. فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ص: 445

"من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة، لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية".

(الصحيح 3/1478 ح 1851- ك الإمارة، وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نعمت الله) . عافية الله.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) ، كنتم تذابحون يأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم، وألف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو إن الألفة لرحمة، إن الفرقة لعذاب.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) بمحمد صلى الله عليه وسلم. يقول كنتم على طرف النار، من مات منكم أوبق في النار، فبعث الله محُمداً صلى الله عليه وسلم فاستنقذكم به من تلك الحفرة.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (وكنتم على شفا حفرة من النار لأنقذكم منها) أنقذكم الله من الشرك إلى الإَّيمان.

قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)

قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".

(السنن 4/468 ح 2169- ك الفتن، ب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وقال الألباني: وأخرجه أحمد في مسنده (5/388) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو به وانظر (صحيح سنن الترمذي ح 1762) وله شاهد أخرجه الطبراني بسنده عن ابن مسعود (المعجم الكبير 10/180 ح 10267) ، وله شواهد ذكرها الهيثمي (مجمع الزوائد 7/266) .

ص: 446

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كل آية يذكرها الله في القرآن، فذكر الأمر بالمعروف، فالأمر بالمعروف أنهم دعوا إلى الله وحده وعبادته لا شريك له دعاء من الشرك إلى الإسلام.

وبه عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها الله في القرآن، فذكر النهى عن المنكر، النهي عن عبادة الأوثان والشيطان.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولتكن منكم أمة يقول ليكن منكم قوم يعني: واحد أو اثنين أو ثلاثة نفر فما فوق ذلك.

(أمة) يقول: إماماً يقتدي به كما قال لإبراهيم كان أمة قانتا يقول: إماماً مطيعاً لربه يقتدي به. قوله: (يدعون إلى الخير) قال: إلى الإسلام.

قوله (يأمرون بالمعروف) يأمرون بطاعة ربهم. قوله (ينهون عن المنكر) وينهون عن معصيته يعني: معصية ربهم.

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، كلاهما عن قيس ابن مسلم، عن طارق بن شهاب -وهذا حديث أبي بكر- قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة.

فقال: قد ترك ما هنا لك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

(الصحيح 1/69 ح 49- ك الإيمان، ب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس (وأولئك هم المفلحون) أي: الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.

ص: 447

قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين فرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)

قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار. ثنا الوليد بن مسلم. ثنا أبو عمرو.

ثنا قتادة عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة. وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة. كلها في النار إلا واحدة. وهي الجماعة".

(السنن ح 3993- ك الفتن، ب افتراق الأمم)، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس أيضاً ورواه أبو يعلى الموصلي (مصباح الزجاجة 2/296) .

وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 2/364) ، وصححه أحمد شاكر في المسند (16/169) وأشار إلى تصحيح السيوطي له، وأخرجه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/128) وذكره ابن كثير في (2/76) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) ونحوها هذا في القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (ولا تكونوا) يعنى للمؤمنين يقول: لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد موسى فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتفرقوا من بعد كفعل اليهود.

قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وتسود وجوه) بين في هذه الآية الكريمة أن من أسباب اسوداد الوجوه يوم القيامة الكفر بعد الإيمان وذلك في قوله (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) الآية. وبين في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكذب على الله تعالى وهو قوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) . وبين في موضع آخر أن من

ص: 448

أسباب ذلك اكتساب السيئات وهو قوله (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً) وبين في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكفر والفجور وهو قوله تعالى: (ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) .

قال الترمذي: حدثنا أبو كريب. حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح وحماد بن سلمة عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رءُوساً منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ:(يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) إلى آخر الآية قلتُ لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً -حتى عدّ سبعاً- ما حدثتكموه.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وأبو غالب يقال اسمه حزور وأبو أمامة الباهلي اسمه صدي بن عجلان وهو سيد باهلة.

(سنن الترمذي 5/226 ح 3000- ك التفسير، ب ك سورة آل عمران) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: رجاله ثقات (مجمع الزوائد 6/234) ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبى (المستدرك 2/149-150)، وذكره ابن كثير وقال: وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي (التفسير 1/346) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الجيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال: صاروا يوم القيامة فريقين، فقال لمن اسود وجهه، وعيّرهم:(أكفرتم بعد إيمانكم فذقوا العذاب بما كنتم تكفرون) قال: هو الإيمان الذي كان قبل الاختلاف في زمن آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم وأقروا كلهم بالعبودية وفطرهم على الإسلام، فكانوا أمة واحدة مسلمين. يقول:(أكفرتم بعد إيمانكم) يقول: بعد ذلك الذي كان في زمان آدم. وقال في الآخرين: الذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدين والعمل، فبيض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنته.

واللفظ للطبري وقد رجحه.

ص: 449

قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)

قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز ابن حكيم، عن أبيه، عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله:(كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: "إنكم تُتِمُّون سبعين أمة أنتم خيرُها وأكرمها على الله".

هذا حديث حسن. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز بن حكيم نحو هذا ولم يذكروا فيه (كنتم خير أمة أخرجت للناس) . (سنن الترمذي 5/266 ح 3001) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه الحاكم (4/84) من طريق عبد الرزاق عن معمر به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال ابن حجر: وهذا حديث حسن صحيح (الفتح 8/73) . وقال ابن كثير. حديث مشهور (التفسير 2/78 ط الشعب) ، ويشهد له حديث أحمد عن علي بن أبي طالب كما سيأتي عند هذه الآية.

قال أحمد: حدثنا حسين وأبو نعيم قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) قال: هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قال أبو نعيم: مع النبي صلى الله عليه وسلم.

(المسند رقم 2463) وأخرجه أيضاً برقم (2989، 2928، 3321) من طرق عن إسرائيل به، وصححه أحمد شاكر. وأخرجه الحاكم (2/294) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وجَوّد الحافظ ابن حجر إسناد روايتي أحمد والحاكم (فتح الباري 8/225) وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/327) .

قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن حدثنا زهير عن عبد الله -يعني ابن محمد بن عقيل- عن محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء" فقلنا: يا رسول الله ما هو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، جعلت أمتي خير الأمم".

ص: 450

(المسند رقم 763) وصححه المحقق. وقال ابن كثير: إسناده حسن التفسير (2/78) وحسّنه الهيثمي أيضاً (مجمع الزوائد 1/260) ، وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح 8/225) ، وكذا السيوطي (الدر المنثور 2/294) .

قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني؛ قال. صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"والذي نفس محمد بيده! ما من عبد يؤمن ثم يُسَدد إلا سُلِك به في الجنة. وأرجو ألاّ يدخلوها حتى تبوَّؤُا أنتم ومَن صَلَحَ من ذراريِّكم، مَسَاكنَ في الجنة. ولقد وعدني ربي، عز وجل، أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب".

(السنن 4/1432-1433 ح 4285- ك الزهد، ب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم) ، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة رقم 475) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/444 ح 212) من طرق عن الأوزاعي به.

وعزاه الهيثمي إلى الطبراني والبزار وقال: ورجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/408) ، وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم 3458)، وقال الأرناؤوط في تعليقه على الإحسان: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أحمد من حديث ثوبان بنحوه، وصححه ابن كثير في (التفسير 2/79) . وله شاهد في صحيح مسلم من حديث ابن عباس (الصحيح 1/199 ح 220) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تأمرونهم بالمعروف: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بما أنزل الله، وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف وتنهونهم عن المنكر والمنكر هو التكذيب، وهو أنكر المنكر.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس) .

قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ذم الله أكثر الناس.

ص: 451

قوله تعالى (لن يضروكم إلا أذى)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لن يضروكم إلا أذى) يقول: لن يضروكم، إلا أذى تسمعونه منهم.

قوله تعالى (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إلا بحبل من الله) قال: بعهد (وحبل من الناس) قال: بعهدهم.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس) يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (وضربت عليهم المسكنة) قال: المسكنة: الفاقة.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك من قبلكم من الناس.

قوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يُكْفَرُوهُ والله عليم بالمتقين)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من اليهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه، قالت أحبار اليهود وأهل الكفار منهم: ما آمن بمحمد ولاتبعه إلا أشرارنا! ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله

ص: 452

عز وجل في ذلك من قولهم (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله) إلى قوله: (وأولئك من الصالحين) .

واللفظ للطبري.

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) . ذكر هنا من صفات هذه الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب أنها قائمة. أي: مستقيمة على الحق وأنها تتلو آيات الله آناء الليل وتصلي وتؤمن بالله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وذكر في موضع آخر أنها تتلوا الكتاب حق تلاوته وتؤمن بالله. وهو قوله (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) . ذكر في موضع آخر أنهم يؤمنون بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليهم وأنهم خاشعون لله لا يشترون بآياته ثمنا قليلا وهو قوله (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) الآية. يقول: ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية.

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد: (أمة قائمة) قال: عادلة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (أمة قائمة) يقول: قائمة على كتَاب الله وحدوده وفرائضه.

قال النسائي: أنا محمد بن رافع، نا أبو النضر، نا أبو معاوية، عن عاصم، عن زرّ، عن ابن مسعود قال: أخّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال:"أما إنه ليس من هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: وأنزلت هذه الآية (ليسوا سواء من أهل الكتاب) حتى بلغ (والله عليم بالمتقين) .

ص: 453

(التفسير 1/320-321 ح 93 عند تفسير هذه الآية من آل عمران) . وأخرجه أحمد (المسند 1/396) ، والطبري (التفسير رقم 7662) ، وابن أبي حاتم (التفسير- آل عمران، ح 1226) ، والبزار (كشف الأستار ح 375)، وابن حبان (الإحسان 4/397-398 ح 1530) . من طرق عن عاصم عن زر به. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود، وهو مختلف في الاحتجاج به (مجمع الزاوئد 1/312) . وحسَّن السيوطي إسناده (الدر المنثور 2/65) وكذا فعل محقق الإحسان، وتفسير النسائي. وصححه محقق المسند، ولعله إلى الحسن أقرب لأجل عاصم هذا) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يتلون آيات الله آناء الليل) أي: ساعات الليل.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) يقول: لن يضل عنهم.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال (المتقين) أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه.

قوله تعالى (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)

انظر آية (10) من السورة نفسها.

قوله تعالى (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأَهلكتهُ وما ظَلمَهُم الله ولكن أنفسهم يظلمون)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا) قال: نفقة الكافر في الدنيا.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ريح فيها صر) برد.

وانظر سورة البقرة آية (205 و264) .

ص: 454

قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً

)

قال البخاري: حدثنا أصبغ، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضُّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى".

(الصحيح 13/201 ح 7198- ك الأحكام، ب بطانة الإمام

) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباس قال: كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل فيهم ينهاهم عن مباطنتهم، تخوفوا الفتنة عليهم منهم:(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) إلى قوله (وتؤمنون بالكتاب كله) .

قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، حدثني أيوب بن محمد الوزان، ثنا عيسى بن يونس، عن أبي حيان التيمي، عن أبي الزنباع، عن أبي دهقانة، قال: قيل لعمر ابن الخطاب إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة حافظاً كاتباً، فلو اتخذته كاتباً، قال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين.

ورجاله ثقات تقدم ذكرهم في تفسير ابن أبي حاتم وإسناده صحيح.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله: (لا يألونكم خبالا) يقول: يضلونكم كما ضلوا فنهاهم أن يستدخلوا المنافقين دون المؤمنين أو يتخذوهم أولياء.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) في المنافقين من أهل المدينة. نهى الله عز وجل المؤمنين أن يتولوهم.

ص: 455

قوله تعالى (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد بدت البغضاء من أفواههم) يقول: قد بدت البغضاء من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار، من غشهم للإسلام وأهله، وبغضهم إياهم.

وبه عن قتادة: قوله (ما تخفى صدورهم أكبر) يقول: وما تخفي صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم.

قوله تعالى (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله) فوالله إن المؤمن ليحب المنافق يأوي له ويرحمه. ولو أن المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن منه، لأباد خضراءه.

قوله تعالى (وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)، إذا لقوا المؤمنين قالوا:(آمنا) ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم، فصانعوهم فذلك (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)، يقول: مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه لو يجدون ريحا لكانوا على المؤمنين، فهم كما نعت الله عز وجل.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الأنامل) ، أطراف الأصابع.

قوله تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها) ، وإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين، سرهم ذلك وأعجبوا: ابتهجوا به فهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته، وأوطأ محلته، وأبطل حجته، وأظهر عورته، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقى إلى يوم القيامة.

ص: 456

قوله تعالى (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما)

قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: "فينا نزلت (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) قال: نحن الطائفتان: بنو حارثة، وبنو سلمة. وما نحب -وقال سفيان مرة: وما يسرّني- أنها لم تنزل، لقول الله:(والله وليهما) .

(الصحيح 8/73 ح 4558- ك التفسير، سورة آل عمران) ، ومسلم في (صحيحه 4/1949- ك فضائل الصحابة، ب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم .

قوله تعالى (وعلى الله فليتوكل المؤمنون)

انظر الآية (15) من السورة نفسها.

قوله تعالى (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض، وليس عياض هذا بالذي حدث سماكا، قال وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة قال: فكتبنا إليه، إنه قد جاش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا أنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإنى أدلكم على من هو أعز نصرا وأحضر جندا الله عز وجل فاستنصروه، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني. فقال شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقران وهو خلفه على فرس عربي.

(المسند رقم 344) وصححه أحمد شاكر ومحققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي (1/422 ح 344) وذكره ابن كثير في تفسيره وعزاه لابن حبان والضياء. وقال: وهذا إسناد صحيح (التفسير 2/93) . وأخرجه ابن حبان في طريق محمد بن جعفر به وحسنه شعيب الأرناؤوط (11/83-84 ح 4766) . وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/213) .

العقيصة: الشعر المعقوص وهو نحو في المضفور، وأصل العقص: اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله.

(النهاية لابن الأثير 3/275) .

ص: 457

وانظر حديث البراء في صحيح البخاري عند الآية (247) سورة البقرة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (من فورهم هذا)، يقول: من وجههم هذا.

قوله تعالى (ويأتوكم من فورهم هذا)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ويأتوكم من فورهم هذا) قال: غضب لهم، يعني الكفار، فلم يقاتلوهم عند تلك الساعة، وذلك يوم أحد.

قوله تعالى (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)

أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد في قوله: (بخمسة آلاف من الملائكة مسومين)، يقول: معلمين، مجزوزة أذناب خيلهم، ونواصيها - فيها الصوف أو العهن. وذلك التسويم.

قوله تعالى (وما جعله الله إلا بشرى لكم)

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وما جعله الله إلا بشرى لكم) يقول: إنما جعلهم ليستبشروا بهم وليطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ يعني يوم أحد قال مجاهد: ولم يقاتلوا معهم يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر.

قوله تعالى (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أو يكبتهم)، يقول: يخزيهم (فينقلبوا خائبين) .

قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)

قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسِرت رباعيتة يوم أحد. وشُجَّ في رأسه. فجعل يسلت الدم عنه ويقول:"كيف يفلح قوم شجّوا نبيهم وكَسَروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟ " فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الأمر شيء) .

(الصحيح 13/1417 ح 1791- ك الجهاد والسير، ب غزوة أحد) .

ص: 458

قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابنُ شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعوَ لأحد قَنَتَ بعد الركوع فربّما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف. يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العَن فلاناً وفلاناً" -لأحياء من العرب- حتى أنزل الله (ليس لك من الأمر شيء) الآية.

(صحيح البخاري 8/74 ح/4560- ك التفسير، سورة آل عمران) ، (وصحيح مسلم 1/466 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة نحوه) .

قوله تعالى (ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم)

انظر تفسير آخر سورة البقرة آية (284) .

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قال: ربا الجاهلية.

وانظر سورة البقرة آية (275-279) .

قوله تعالى (واتقوا النار التي أعدت للكافرين)

قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي قال: حدثني الأعمش، قال: حدثني خيثمة، عن عدي بن حاتم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا برى شيئاً قدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النارَ ولو بشق تمرة".

(الصحيح 11/408 ح 6539- ك الرقاق، ب من نوقش الحساب عذب) ، (وصحيح مسلم 2/703-704- ك الزكاة، ب الحث على الصدقة) .

وانظر سورة البقرة آية (24) .

ص: 459

قوله تعالى (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)

انظر سورة آل عمران آية (32) .

قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)

انظر حديث مسلم عن أبي هريرة الآتي عند الآية (21) من سورة التوبة.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، ثنا وكيع عن سعدان الجهني، عن سعد أبي مجاهد الطائي، عن أبي مدله، عن أبي هريرة قال: قلنا: يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب، ملاطها المسك الأذفر، حصباؤها الياقوت واللؤلؤ، ومزاجها الورس والزعفران من يدخلها يخلد فلا يموت وينعم، لا يبؤس لا يبلى شبابهم ولا تحرق ثيابهم".

(التفسير- آل عمران آية 133 ح 1423) . وأخرجه أحمد (المسند 2/304- 305) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/396 ح 7387) كلاهما من طريق زهير بن معاوية عن سعد الطائي بنحوه مطولاً، وفيه الشاهد. قال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المسند ح 8030) . وأخرجه بنحو حديث ابن أبي حاتم، أحمد (المسند 2/362) ، والطبراني في الأوسط (-كما في المجمع- والبزار في مسنده) ، وأبو نعيم في (صفة الجنة ح 137) من طرق عن عمران القطان، عن قتادة، عن العلاء بن زياد عن أبي هريرة به. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/396) . وللحديث شاهد عن أبي سعيد موقوفاً عليه، ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 10/397) وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط وقال: رجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف.

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وجنة عرضها السموات والأرض) يعني عرضها كعرض السموات والأرض كما بينه قوله تعالى: في سورة الحديد (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) . وآية آل عمران هذه تبين أن المراد بالسماء في آية الحديد جنسها الصادق بجميع السموات كما هو ظاهر.

ص: 460

قال ابن حبان أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: أخبرنا المخزومي، قال حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله الأصم، قال: حدثنا يزيد الأصم. عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء أين جعل؟ "قال: "فإن الله يفعل ما يشاء".

(الصحيح ح 103) وأخرجه الحاكم من طريق الأصم عن أبي هريرة وقال: حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولا أعلم له علة ووافقه الذهبي (المستدرك 1/36) وذكره الهيثمي وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/327) . وله شاهد رواه أحمد (المسند 3/441)، والطبري (التفسير رقم 8731) من حديث سعيد بن أبي راشد وفيه تسمية الرجل السائل وهو: هرقل.

وذكره ابن كثير وقال: إسناده لا بأس به (البداية والنهاية 5/15، 16) .

قوله تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ، قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل، ولا قوة إلا بالله. فنعمت والله يا بن آدم، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ، وأنت مظلوم.

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

(الصحيح 10/535 ح 6114- ك الأدب، ب الحذر من الغضب) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/294 ح 2609)

وانظر حديث سليمان بن صرد في الصحيحين في تفسير الاستعاذة.

وانظر سورة البقرة آية (177) .

ص: 461

وقال البخاري: حدثنا يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر -هو ابن عياش- عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصِني. قال: "لا تغضب". فردد مراراً، قال:"لا تغضب".

(الصحيح 10/535 ح 6116- ك الأدب، ب الحذر من الغضب) .

قال ابن ماجة: حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني سعيد ابن أبي أيوب عن أبي مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من كظم غيظاً، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيّره في أي الحور شاء".

(السنن - الزهد، باب الحلم ح 4186) . أخرجه أبو داود والترمذي من طريق سعيد بن أبي أيوب به نحوه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب (السنن- الأدب، 4/448) ، (السنن، باب كظم الغيظ)، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/407) . وذكره ابن كثير (2/102) .

قال ابن ماجة: حدثنا زيد بن أخزم ثنا بشر بن عمر، ثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من جرعة أعظم أجراً عند الله، مِنْ جُرعة غيظ، كظمها عبد ابتغاء وجه الله".

(السنن (2/14،1) ح 4189- ك الزهد، ب الحِلْم، وأخرجه أحمد (المسند ح 6116) من طريق سالم عن ابن عمر به. وصححه أحمد شاكر. قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 3/291)، وقال العراقي: رواه ابن ماجه بإسناد جيد (تخريج الإحياء 4/1810) ، وحسنه السيوطي (الدر المنثور 2/317) ، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح 3377) .

قوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)

قال الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت عليا يقول: إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدّقته، وإن حدثني أبو

ص: 462

بكر، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل يُذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له. ثم قرأ هذه الآية:(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون) .

(السنن 2/257-258 ح 406- ك الصلاة، ب ما جاء في الصلاة عند التوبة) وقال: حديث حسن. وأخرجه أبو داود (2/86 ح 1521- ك الصلاة، ب في الاستغفار) من طريق مسدد عن أبي عوانة به، وأخرجه ابن ماجة (1/446 ح 1395- ك إقامة الصلاة، ب ما جاء أن الصلاة كفارة) من طريق مسعر وسفيان عن عثمان بن المغيرة به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/389 ح 623) من طريق الفضل بن الحباب عن مسدد به. قال محققه: إسناده حسن. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 1/83-87 ح 9-11) من طرق عن عثمان بن المغيرة به، وصحح محققه إسناده في المواضع كلها) . وقال ابن كثير: حديث حسن (التفسير 1/407) . وقال ابن حجر. جيد الإسناد (تهذيب التهذيب 1/268) ، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي. وصححه الألباني في (صحيح الجامع برقم 5738) .

قال مسلم: حدثني عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال:"أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلِمَ أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. فقال: أي ربِّ! اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعَلِمَ أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربّ! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً. فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك".

قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة "اعمل ما شئت".

(الصحيح 4/2112 ح 2758- ك التوبة، ب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت

) .

ص: 463

قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا حريز، حدثنا حبان الشرعبي، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال وهو على المنبر:"ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون".

(المسند ح 6541) وصححه أحمد شاكر. وقال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد (الترغيب 3/155) ، وكذا العراقي، وصححه السيوطي في (الجامع الصغير 1/475)، وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن يزيد الشرعبي ووثقه ابن حبان (مجمع الزوائد 10/191) وصححه الألباني (صحيح الجامع 1/308)

قوله تعالى (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)

انظر سورة البقرة آية (25) .

قوله تعالى (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (قد خلت من قبلكم سنن) يقول: في الكفار والمؤمنين، والخير والشر.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)، يقول: متعهم في الدنيا قليلا، ثم صيرهم إلى النار.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (هذا بيان للناس) ، وهو هذا القرآن، جعله الله بيانا للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا.

قوله تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) ، يعزي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما تسمعون، ويحثهم على قتال عدوهم، وينهاهم عن العجز والوهن في طلب عدوهم في سبيل الله.

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (ولا تهنوا) ولا تضعفوا.

ص: 464

قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد من القوم قرح مثله)

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) المراد بالقرح الذي مس المسلمين هو ما أصابهم يوم أحد من القتل والجراح كما أشار له تعالى في هذه السورة الكريمة في مواضع متعددة كقوله (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) وقوله (ويتخذ منكم شهداء) الآية. وقوله (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) وقوله (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) ونحو ذلك من الآيات. وأما المراد بالقرح الذي مس القوم المشركين فيحتمل أنه هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر، وعليه فإليه الإشارة بقوله (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. ذلك لأنهم شاقوا الله رسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب) ويحتمل أيضاً أنه هزيمة المشركين أولا يوم أحد كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وقد أشار إلى القرحين معا بقوله:(أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) .

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) قال: جراح وقتل.

قوله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) إنه الله لولا الدول ما أوذي المؤمنون، ولكن يدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب.

ص: 465

قوله تعالى (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) ، فكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله.

قوله تعالى (وليمحص الله الذين آمنوا)

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وليمحص الله الذين آمنوا) قال: ليبتلي.

قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)

قال الشيخ الشنقيطي: أنكر الله في هذه الآية على من ظن أنه يدخل الجنة دون أن يبتلى بشدائد التكاليف التي يحصل بها الفرق بين الصابر المخلص في دينه وبين غيره وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون) وقوله (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يقتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) .

قوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)

قال البخاري: حدثنا بِشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال: أخبرني معمر ويونس عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 466

أخبرته قالت: أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسُّنحِ حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم -وهو مسجَّى ببرد حِبرَة- فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله، ثم بكى فقال: بِأبي أنت وأمي يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتّها. قال أبو سلمة: فأخبرني ابنُ عباس رضي الله عنهما أن أبا بكر رضي الله عنه خرج وعمر رضي الله عنه يُكلّم الناس، فقال: اجلس، فأبى. فقال: اجلس، فأبى، فتشهّد أبو بكر رضي الله عنه، فمالَ إليه الناس وتركوا عمرَ، فقال: أما بعدُ فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) فوالله لَكأنَّ الناسَ لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشرٌ إلا يتلوها.

(الصحيح3/136-137 ك الجنائز - ب الدخول على الميت بعد الموت إذا أُدرج في أكفانه ح/1241، 1242) .

قوله تعالى (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها)

هذه الآية مقيدة بمشيئة الله تعالى وإرادته المذكورة في قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) الإسراء: 18. كما سيأتي تفصيله في سورة هود آية (15) .

قوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (قاتل معه ربيون كثير) جموع.

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عاصم، عن زر عن عبد الله:(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) قال: ألوف.

ورجاله ثقات إلا عاصماً صدوق وإسناده حسن.

ص: 467

قوله تعالى (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) يقول: ما عجزوا وما اتضعوا لقتل نبيهم (وما استكانوا) يقول: ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم، بل قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله.

قوله تعالى (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحُسنَ ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)

قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي عباس في قول الله (وإسرافنا في أمرنا) قال: خطايانا.

ورجاله ثقات وإسناده صحيح.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا) ، فقرأ حتى بلغ (والله يحب المحسنين) ، إي والله، لآتاهم الله الفتح والظهور والتمكين والنصر على عدوهم في الدنيا (وحسن ثواب الآخرة)، يقول: حسن الثواب في الآخرة، هي الجنة.

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)

انظر آية (28) من السورة نفسها، وأما الآية (150) فبيانها في قوله تعالى (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فيتوكل المؤمنون) سورة آل عمران:160.

قوله تعالى (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله)

قال البخاري: حدثنا محمد بن سِنان قال حدثنا هُشيم. ح. قال: وحدثني سعيد بن النضر قال أخبرنا هُشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد -هو ابن صهيب الفقير- قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيت

ص: 468

خمساً لم يُعطهن أحد قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى الناس عامّة".

(الصحيح 1/519 ح 335 - ك التيمم) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 1/370 ح 521) .

قوله تعالى (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (تحسونهم) : تقتلونهم.

قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال:"لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا". فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلاً. وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد؟ فقال:"لا تجيبوه" فقال أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يكن عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يخزي. قال أبو سفيان: اعل هبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني.

(الصحيح 7/405 ح 4043 - ك المغازي - ب غزوة أحد) .

ص: 469

قوله تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)

قال ابن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن المفضل، ثنا أسباط، عن السدي، عن عبد خير، عن عبد الله رضي الله عنه قال: ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا، حتى نزل (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) .

(المطالب العالية - المسندة (ق 132/أ) . وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/605 ح 1649)

الطبري (4/130) ، والطبراني في الأوسط (2/237 ح 1421) من طرق عن أحمد بن المفضل به.

وهذا الإسناد فيه أسباط بن نصر، وهو (صدوق كثير الخطأ يغرب) ، كما قاله ابن حجر رحمه الله (التقريب ص 98) . ولكن لم ينفرد بروايته لهذا الأثر، بل روي من طريق آخر عن ابن مسعود، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/463) ضمن حديث طويل في قصة أحد، من طريق: حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود، وعطاء وإن كان قد اختلط، إلا أن رواية حماد عنه قبل الاختلاط، وباقي رجال الإسناد ثقات، فيكون الحديث بمجموع هذين الطريقين حسناً إن شاء الله.

وقد حسن إسناده الحافظ العراقي في تخريجه للإحياء (4/219)، وقال الهيثمي -بعد أن عزاه للطبراني وأحمد-: ورجال الطبراني ثقات (مجمع الزوائد 6/327-328) . وصحح إسناده السيوطي (الدر المنثور 2/86) . وانظر: تخريج الحديث والكلام عليه في حاشية ابن أبي حاتم.

قوله تعالى (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم)

قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجّالة يوم أُحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك: إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم، ولم يبقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ اثني عشر رجلاً.

(الصحيح 8/75 ك التفسير - سورة آل عمران - ح/4561) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يصعدون في الجبل، والرسول يدعوهم في أخراهم.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة: (غما بغم) قال: الغم الأول: الجراح والقتل، والغم الآخر: حين سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فأنساهم الغم الأخير ما أصابهم من الجراح والقتل وما كانوا يرجون من الغنيمة.

ص: 470

قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم)

قال ابن كثير: يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمنة كما قال في سورة الأنفال في قصة بدر (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) الآية.

قال البخاري: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب حدثنا حسين بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أنس أن أبا طلحة قال: غشينا النعاسُ ونحن في مصافّنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه.

(الصحيح 8/76 ح 4562 - ك التفسير- سورة آل عمران) .

قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعتُ رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحدٌ إلا يميد تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله عز وجل:(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً) .

حدثنا عبد بن حميد. حدثنا رَوح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير مثله. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

(سنن الترمذي 5/229 ح 3007 - ك التفسير، ب سورة آل عمران) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/297) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه المقدسي (المختارة 3/62 ح 866) من طريق الترمذي به، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) .

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم ووكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله بن مسعود قال: النعاس في القتال من الله وفي الصلاة من الشيطان. ورجاله ثقات إلا عاصماً صدوق وإسناده حسن.

ص: 471

قوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: معتّب الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم:(وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله) إلى آخره القصة.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق، يظنون بالله غير الحق ظنونا كاذبة، إنما هم شك وريبة في أمر الله:(يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ظن الجاهلية) قال: ظن أهل الشرك.

قوله تعالى (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا)

قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو هاشم الحسين بن محمد علي الحربادقاني -بأصبهان- أن محمد بن أحمد بن محمد البَاغبان أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، أنا أبو بكر أحمد بن مردويه الحافظ، نا دَعْلج بن أحمد، نا عبد الله بن الحسن الحراني، نا أبو جعفر النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: والله إني لأسمع قول مُعَتب بن قُشير أخي بني عمرو بن عوف، والنُّعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحُلم حين قال:(لو كان لنا من الأمر شيء في ما قُتلنا ها هنا) .

(المختارة 3/60 ح 864) . وأخرجه ابن أبي حاتم عن طريق ابن إسحاق به، وبينت أن إسناده حسن (التفسير 2/620 ح 1697) .

ص: 472

قوله تعالى (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم)

قال البخاري: حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال: جاء رجلٌ حَجَّ البيتَ فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قُريش. قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر. فأتاه فقال: إني سائلُك عن شيء أتحدثّني؟ قال أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أنَّ عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: فتعلمه تغيّب عن بدرٍ فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه تخلّف عن بيعة الرضوان فلم يشهدهما؟ قال: نعم. قال: فكبَّر. قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبيّن لك عمّا سألتني عنه: أما فراره يومَ أحد فأشهد أن الله عفا عنه.

وأما تغيُّبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضةً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إن لك أجرَ رجلٍ ممن شهدَ بدراً وسهمه". وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحَدٌ أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهبَ عثمان إلى مكة، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليُمنى: "هذه يدُ عثمان"، فضرب بها على يده فقال:"هذه لعثمان".

اذهب بهذا الآن معك".

(الصحيح 7/421 - ك المغازي، ب الآية نفسها ح/4066) .

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم

)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا مات بعض إخوانهم يقولون لو أطاعونا فلم يخرجوا إلى الغزو ما قتلوا، ولم يبين هنا هل يقولون لهم ذلك قبل السفر إلى الغزو ليثبطوهم أولا؟ ونظير هذه الآية: قوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا) ولكنه بين في

ص: 473

آيات أخر أنهم يقولون لهم ذلك قبل الغزو ليثبطوهم كقوله (وقالوا لا تنفروا في الحر) الآية. وقوله (قد يعلم المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) وقوله (وإن منكم لمن ليبطئن) إلى غير ذلك من الآيات.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي: (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض) أما إذا ضربوا في الأرض فهي التجارة.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (في قلوبهم)، قال: يخزيهم قولهم لا ينفعهم شيئاً.

قوله تعالى (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون)

انظر آية (169-171) من السورة نفسها، وانظر سورة البقرة آية (154) .

قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)

انظر سورة التوبة آية (128) وتفسرها.

قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بُكر، عن شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: "المستشار مؤتمن".

(السنن ح 3745- ك الأدب، ب المستشار مؤتمن) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق عبد الملك بن عمير به، وحسنه الترمذي (انظر تفسير ابن كثير 2/129) وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/308) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (فإذا عزمت فتوكل على الله) أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه، ويستقيم على أمر الله ويتوكل على الله.

قوله تعالى (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة..)

قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال: كان علَى ثَقَل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كَركرَة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو في النار"، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها، قال أبو عبد الله قال ابن سلام: كركرة يعني بفتح الكاف، وهو مضبوط كذا.

(صحيح البخاري 6/216 ح 3074- ك الجهاد، ب القليل من الغلول) . ثَقَل: يقال لكل خطير نفيس (النهاية لابن الأثير 1/216) .

ص: 474

وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة عن أبي حميد الساعدي أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عاملاً فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله، هذا لكم، وهذا أهدي لي. فقال له:"أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرتَ أيهدى لك أم لا؟ ثم قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال، "أما بعدُ فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدىَ له أم لا؟ فوالذي نفسُ محمد بيده، لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: إن كان بعيراً جاء به له رُغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تَيعر. فقد بلغتُ.

قال أبو حميد: ثم رفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يده حتى إنا لننظر إلى عفرةِ إبطيه. قال أبو حميد: وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فسلوه.

(الصحيح 11/532 ح 6636- ك الأيمان والنذور، ب كيف يمين النبي صلى الله عليه وسلم) .

قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن أبي حيان قال: حدثني أبو زرعة قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال:"لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت فيقول: نجا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة".

(الصحيح 6/214-215 - ك الجهاد والسير، ب الغلول وقول الله عز وجل (الآية ح/3073) .

قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم

ص: 475

خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع فأهدى رجل من بني الضُّبيب، يقال له فارعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له مِدعم، فوجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كان بوادي القرى بينما مِدعم يحط رحلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس هنيئاً له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شراك من نار أو شِراكان من نار.

(الصحيح 11/600 ح 6707- ك الأيمان والنذور، ب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع، الأمتعة) . وأخرجه مسلم في (صحيحه 1/108 ح 183- ك الإيمان، ب غلظ تحريم الغلول) .

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عديِّ بن عميرة الكندي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود، من الأنصار. كأني أنظر إليه. فقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك. قال ومالك؟. قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره. فما أُوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى.

(الصحيح 3/1465 ح 1833- ك الإمارة، ب تحريم هدايا العمال) .

قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عكرمة بن عمار، قال حدثني سماك الحنفي، أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسوا الله صلى الله عليه وسلم:"كلا، إني رأيته في النار، في بردة غلّها، أو عباءة". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". قال فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون".

(الصحيح 1/107-108 ح 114- ك الإيمان، ب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه) .

ص: 476

قال الدارمي: حدثنا محمد بن عيينه ثنا أبو إسحاق الفزاري عن عبد الرحمن ابن عياش عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أدوا الخياط والمخيط وإياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة) .

(السنن 2/229-230- ك السير، ب ما جاء أنه قال: أد الخياط والمخيط) . وأخرجه أحمد (المسند 5/313) من طريق أبي إسحاق الفزاري بإسناده نحوه، وابن حبان في صحيحه (الموارد رقم 193) والحاكم (المستدرك 3/49) وسكت هو والذهبي. قال الألباني: إسناد حسن رجاله كلهم ثقات. (السلسلة الصحيحة 2/717) .

قال الترمذي: حدثنا قتيبة. حدثنا عبد الواحد بن زياد. عن خصيف حدثنا مِقسم قال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية (ما كان لنبي أن يغل) في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر. فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله (ما كان لنبي أن يغل) إلى آخر الآية.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وقد روى عبد السلام بن حرب عن خصيف نحو هذا، وروى بعضهم هذا حديث عن خصيف عن مقسم، ولم يذكر فيه عن ابن عباس.

(سنن الترمذي 5/230 ح/3009- ك التفسير، ب سورة آل عمران) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وأخرجه ابن مردويه (كما في تفسير ابن كثير 2/130) ، والواحدي في (أسباب النزول ص 108) كلاهما من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، وفيه متابعة لخصيف ومقسم.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ما كان لنبي أن يغل)، قال: أن يخون.

قوله تعالى (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله) الآية

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية أن من اتبع رضوان الله ليس كمن باء بسخط منه لأن همزة الإنكار بمعنى النفي ولم يذكر هنا صفة من اتبع رضوان الله ولكن أشار إلى بعضها في موضع آخر وهو قوله (الذين قال لهم الناس إن

ص: 477

الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) وأشار إلى بعض صفات من باء بسخط من الله بقوله (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب خالدون) وبقوله هنا (ومن يغلل يأت بما غل) الآية.

قوله تعالى (هم درجات عند الله)

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (درجات عند الله) قال: هي كقوله (لهم درجات عند ربهم) سورة الأنفال آية: 4.

قوله تعالى (لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)

انظر سورة البقرة آية (129) .

قوله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)

قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير فأصابوا منّا سبعين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال.

(صحيح البخاري 7/357 ح/3986 - ك المغازي) .

قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) ذكر في الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أحد إنما جاءهم من قبل أنفسهم، ولم يبين تفصيل ذلك هنا ولكنه

ص: 478

فصله في موضع آخر وهو قوله: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) . وهذا هو الظاهر في معنى الآية، لأن خير ما يبين به القرآن: القرآن.

قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو المجد، زاهر بن أحمد بن حامد الثقفي -بأصبهان- أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم -قراءة عليه- أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن النُّعمان، أنا محمد بن إبراهيم بن علي، ثنا أبو يعلى، أحمد بن علي، ثنا زهير، ثنا أبو نوح، ثنا عكرمة بن عمار العجلي، ثنا سماك أبو زُميل قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر ابن الخطاب، نحو حديث عمر بن يونس في قصة بدر. وزاد أبو نوح في حديثه قال: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذِهم الفِداء، فقُتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فكُسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وهُشّمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله عز وجل:(أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) بأخذكم الفداء.

هذه الزيادة لم يخرجها مسلم، وقد روى من طرق عمر بن ويونس عن عكرمة حديثاً طويلاً في قصة بدر. وأبو نوح اسمه: عبد الرحمن بن غزوان، أخرج له البخاري. (المختارة 1/280-281 ح 170) .

وصححه محقق المختارة، وسنده حسن، ولبعضه شواهد في الصحيح.

قوله تعالى (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين) أي في غزوة أحد، وانظر آية (172-174) من السورة نفسها.

قوله تعالى (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله

)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، وبسنده الحسن عن السدي: هم عبد الله بن أُبيّ وأصحابه.

قوله تعالى (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون)

انظر سورة البقرة آية (8) .

ص: 479

قوله تعالى (قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (إن كنتم صادقين) بما يقولونه إنه كما يقولون.

قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يَلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يُضيع أجر المؤمنين)

قال الشيخ الشنقيطى: نهى الله تبارك وتعالى في هذه الآية عن ظن الموت بالشهداء وصرح بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فصله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ولم يبين هنا هل حياتهم البرزخ يدرك أهل الدنيا حقيقتها أو لا؟ ولكنه بين من سورة البقرة أنهم لا يدركونها بقوله (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) لأن نفي الشعور يدل على نفس الإدراك من باب أولى كما هو ظاهر) .

قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة. كلاهما عن أبي معاوية.

ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا جرير وعيسى بن يونس، جميعا عن الأعمش.

ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ له) . حدثنا أسباط وأبو معاوية. قالا: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مُرّة، عن مسروق. قال: سألنا عبد الله (هو ابن مسعود) عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما أنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت. ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطّلع إليهم ربهم اطّلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: (أيّ شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات. فلمّا رأوا أنهم لن يتركوا مِن أن يُسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا.

(الصحيح 3/1502-1503 ح 1887 - ك الإمارة، ب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة) .

ص: 480

قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن شعبة، عن قتادة، وحميد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرُّها أنها ترجع إلى الدنيا. ولا أن لها الدنيا وما فيها.

إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل في الدنيا، لِما يرى من فضل الشهادة".

(الصحيح 3/1498 ح 1877 - ك الإمارة، ب فضل الشهادة في سبيل الله) .

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمّا أُصيب إخوانكم بأُحد جعل الله أرواحهم في جَوفِ طير خُضر تردُ أنهار الجنة: تأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب مُعلّقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنّا أحياء في الجنة نُرزَق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم، قال فأنزل الله (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) إلى آخر الآية.

(السنن 3/15 ح 2520 - ك الجهاد، ب في فضل الشهادة) ، وفي إسناده ابن إسحاق ولم يصرح بالسماع ولكنه لا يضر لأنه صرح في رواية أحمد (المسند 1/266) . وأخرجه أحمد في (مسنده رقم 2389) بإسناد أبي داود به، وصححه أحمد شاكر وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/297-298 - ك التفسير، تفسير سورة آل عمران) من طريق مسدد بن قطن عن عثمان بن أبي شيبة به، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) .

قال الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعتُ جابر بن عبد الله يقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لي: "يا جابر مالي أراك منكسراً؟ ".

قلتُ: يا رسول الله استُشهد أبي قُتل يوم أُحد، وترك عيالاً ودَيناً، قال:"أفلا أُبشرك بما لقي الله به أباك؟ ". قال: قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: "ما كلّم اللهُ أحداً قطّ إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمّه كِفاحاً. فقال: يا عبدي تَمنّ عليّ أُعطك. قال: يا رب تُحييني فأُقتل فيك ثانية. قال الربّ

ص: 481

عزّ وجل: إنه قد سبق منى (أنهم إليها لا يُرجعون) قال: وأُنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً) الآية.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (سنن الترمذي 5/230-231 ح/3010 - ك التفسير، ب سورة آل عمران) . وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وأخرجه ابن ماجة في (سننه - ك الجهاد، ب فضل الشهادة في سبيل الله ح 2800) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/490-491 ح7022) والحاكم في (المستدرك 3/203-204 - ك معرفة الصحابة، ب ذكر مناقب اليمان بن جابر

) وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو يعلى، وصححه المحقق (المسند 4/6 ح 2002) .

وانظر حديث ابن عباس في مسند أحمد في تفسير سورة البقرة آية (154) .

قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أن بن مالك رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قَتَلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة، على رِعل وذكوان وعُصيّة عَصَتِ الله ورسوله. قال أنس: أُنزل في الذين قُتلوا بِبئر معونة قرآن قرأناه ثم نُسخ بعد: بلغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه.

(الصحيح 6/37-38 ح 2814 - ك الجهاد والسير، ب فضل قول الله تعالى (الآية)) .

قوله تعالى (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)

قال البخاري: حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتّقَوا أجر عظيم) قالت لِعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر. لما أصابَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما أصابَ يومَ أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً. قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.

(صحيح البخاري 7/432 ح 4077 - ك الغازي، ب (الذين استجابوا..)) .

ص: 482

قوله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)

قال البخاري: حدثنا أحمد بن يونس -أراه قال- حدثنا أبو بكر عن أبي

حَصين عن أبي الضحى عن ابن عباس (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا:(إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) .

(صحيح البخاري 8/77 ح 4563 - ك التفسير، سورة آل عمران، ب (الدين قال لهم الناس)) .

قوله تعالى (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (فانقلبوا بنعمة من الله) أما النعمة فهي العافية.

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) قال: والفضل ما أصابوا من التجارة والأجر.

قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) يخوف والله المؤمن بالكافر، ويرهب المؤمن بالكافر.

قوله تعالى (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) يعني: أنهم المنافقون.

قوله تعالى (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً) قال هم المنافقون.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله: (اشتروا) استحبوا الضلالة على الهدى.

ص: 483

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: (ولهم عذاب أليم) قال: الأليم الموجع في القرآن كله.

قوله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لزيادة الإثم عليهم وشدة العذاب وبين في موضع آخر: أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء، فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم بغتة، كقوله (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) وقوله (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا -إلى قوله- أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) وبين في موضع آخر أن ذلك الاستدراج من كيده المتين وهو قوله (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) .

قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن خيثمة عن الأسود قال، قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها وقرأ: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) وقرأ: (نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار) .

(ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به. (المستدرك 2/298) .

قوله تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول للكفار ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر حتى يميز الخبيث من الطيب، فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة.

ص: 484

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) قال: ميز بينهم يوم أحد المنافق من المؤمن.

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) يعني الكفار. يقول: لم يكن الله ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من ضلالة (حتى يميز الخبيث من الطيب) يميز بينهم في الجهاد والهجرة.

قوله تعالى (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء)

أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) قال: يخلصهم لنفسه.

قوله تعالى (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة

)

قال البخاري: حدثني عبد الله بن منُير سمع أبا النضر حدثنا عبد الرحمن -هو ابن عبد الله بن دينار- عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له ماله شُجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بِلهْزِمتيه -يعني بشدقيه- يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) إلى آخر الآية.

(الصحيح 8/78 ح 4565 - ك التفسير - سورة آل عمران، ب (ولا يحسبن الذين يبخلون)) .

قوله تعالى (والله بما تعملون خبير)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (خبير) قال: خبير بخلقه.

قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس، فوجد من يهود ناسا كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، كان من علمائهم

ص: 485

وأحبارهم ومعه حبر يقال له أشيع. فقال أبو بكر رضي الله عنه لفنحاص: ويحك يا فنحاص: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل قال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك فأنزل الله تبارك تعالى فيما قال فنحاص، رداً عليه وتصديقاً لأبي بكر:(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق) وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) . سورة آل عمران (186) .

قوله تعالى (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك)

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد في قوله: (فإن كذبوك) قال: اليهود.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) قال: يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم.

ص: 486

قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)

قال ابن كثير: يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)

قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا يزيد بن هارون وسعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم: (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

(سنن الترمذي 5/232-233 ح/3013 - ك التفسير، ب سورة آل عمران) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/299 - ك التفسير، سورة آل عمران) .

وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني في (الأوسط) وقال: ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 10/415) وعنده: خير مما بين السماء والأرض.

وأخرجه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد بلفظه ولكن بدون ذكر الآية (الصحيح - ك بدء الخلق، ب ما جاء في صفة الجنة ح 3250) .

وانظر حديث مسلم عن عبد الله بن عمرو الآتي عند الآية (29) من سورة النساء.

قوله تعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور)

قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم، وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين، وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله، فإن صبرهم وتقاهم من عزم الأمور، أي: من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عيها لوجوبها. وقد بين في

ص: 487

موضع آخر أن من جملة هذا البلاء: الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها، وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله (فإن ذلك من عزم الأمور) وذلك الموضع هو قوله تعالى:(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .

قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة ابن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنها أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فَدَ كية، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشَيتِ المجلس عجاجة الدابة حمّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه ثم قال: "لا تُغبِّروا علينا فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول: أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاتسبِّ المسلمون والمشركون واليهودُ حتى كادوا يتشاورون، فلم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم يُخفضهم حتى سكنوا. ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد أسلم تسمع ما قال أبو حُباب -يريد عبد الله بن أبي- قال كذا وكذا. قال سعد بن عُبادة: يا رسول الله أعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البُحيرة على أن يتوّجوه

ص: 488

فيعصبونه بالعصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرِق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصطبرون على الأذى، قال الله عز وجل:(ولتسمعن من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً) الآية. وقال الله: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) إلى آخر الآية. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأوّل العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً فقتل الله به صناديد كفّار قريش قال ابن أبيّ ابنُ سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه، فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأسلموا".

(الصحيح 8/78-79 ح 4566 - ك التفسير - سورة آل عمران، قوله تعالى: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب) . توجه: أقبل (القاموس مادة: وج هـ) .

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا عبد الرحمن بن صالح ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: ثنا يوسف يعنيان ابن بكير، ثنا ابن إسحاق، فحدثني محمد ابن أبي محمد. عن عكرمة أنه حدثه، عن ابن عباس قال: نزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً)

وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/231) .

قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا بها ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتوا ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا)

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قوله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) إلى قوله: (عذاب أليم) يعني: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار.

ص: 489

قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وهارون بن عبد الله (واللفظ لزهير) قالا: حدثنا حجّاج بن محمد عن ابن جريج. أخبرني ابن أبي مليكة؛ أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أن مروان قال: اذهب. يا رافع! (لبوّابه) إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منّا فرح بما أَتَى، وأحبّ أن يُحمد بما لم يفعل، معذّباً لنُعذّبن أجمعون، قال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) هذه الآية. وتلا ابن عباس: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أَتَوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) . وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إيّاه. وأخبروه بغيره. فخرجوا قد أَروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه. واستحمدوا بذلك إليه. وفرحوا بما أَتَوا، من كِتمانهم إياه، ما سألهم عنه.

(الصحيح 4/2143 ح 2778 - ك صفات المنافقين وأحكامهم) . وأخرج البخاري (الصحيح - التفسير - ب و (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) ح 4568) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم) الآية، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئاً فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين، كان يقال:"مثل علم لا يقال به، كمثل كنز لا ينفق منه! ومثل حكمة لا تخرج، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب (وكان يقال) طوبى لعالم ناطق، وطوبى لمستمع واع". هذا رجل علم علماً فعلمه وبذله ودعا إليه، ورجل سمع خيراً فحفظه ووعاه وانتفع به.

ص: 490

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا إدريس أبو أسامة، والسياق لابن إدريس، عن يحيى بن أيوب الهجلي، عن الشعبي في قوله:(فنبذوه وراء ظهورهم) قال: قد كانوا يقرأونه ولكنهم نبذوا العمل به.

ورجاله ثقات إلا يحيى لا بأس به فالإسناد حسن.

وانظر حديث: "من سئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار". في تفسير سورة البقرة آية (159) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فبئس ما يشترون) قال: تبديل اليهود التوراة.

قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلَّفوا عنه وفرِحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبُّوا أن يحمدوا بما لم يَفعلوا، فنزلت (لا تحسبن الذين يفرَحون) الآية.

(صحيح البخاري 8/81 ح 4567 - ك التفسير - سورة آل عمران، ب (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا)) و (صحيح مسلم 4/2142 - ك صفات المنافقين وأحكامهم) .

أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا) قال: يهود، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه، ولا تملك يهود ذلك.

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قوله (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) أن يقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على خير ولا هدى ويحبون أن يقول الناس قد فعلوا.

ص: 491

قوله تعالى (ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير)

انظر سورة البقرة آية (117) .

قوله تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)

قال ابن حبان: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، عن إبراهيم بن سويد النخعي، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، قالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زر غباً تزدد حباً.

قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسكتت ثم قالت. لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي". قالت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرّك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكى، قال:"يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ويتفكر فيها (إن في خلق السموات والأرض) الآية كلها.

(الإحسان 2/329 ح 620 - طبعة الأرناؤوط) ، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ص160) من طريق عثمان بن أبي شيبة به. وهذا الإسناد رجاله ثقات أئمة، وعبد الملك بن أبي سليمان، وإن تكلم فيه البعض، فإن ثناء الأئمة عليه ووصفه بالحفظ والإتقان مستفيض مشهور (النظر: تهذيب الكمال 18/322-328) . فيكون الحديث من هذا الطريق حسناً إن شاء الله. ومع ذلك فللحديث طريق آخر: أخرجه ابن مردويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا -كما في تفسير ابن كثير (1/440) - من طرق، عن أبي جناب الكلبي، عن عطاء به نحوه. -وأخرجه الأصبهاني في (الترغيب والترهيب 1/286 ح 639) من طريق ابن مردويه- وأبو جناب وإن كان مدلساً، إلا أن أبا الشيخ أخرجه من طريقه مصرحاً فيه بالسماع (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ص160) فنزول الخشية من تدليسه، وبذلك يكون هذا الطريق متابعة قوية لطريق ابن حبان المتقدم، ويتأكد بذلك حسن الحديث كما قدمنا. وقد قوى إسناده الأرناؤوط في حاشية (الإحسان) ، وحكم بحسنه الشيخ محمد رزق في (موسوعة فضائل القرآن 1/219 ح 90) .

ص: 492

قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسماعيل بن مسلم، حدثنا أبو المتوكل؛ أن ابن عباس حدثه، أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل. فخرج فنظر في السماء. ثم تلا هذه الآية في آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) حتى بلغ (فقنا عذاب النار) ثم رجع إلى البيت فتسوّك وتوضأ. ثم قام فصلى. ثم اضطجع. ثم قام فخرج نظر إلى السماء فتلا هذه الآية. ثم رجع فتسوك فتوضأ. ثم قام فصلى.

(الصحيح 1/221 ح 256- ك الطهارة، ب السواك) .

قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله ابن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم -وهي خالته- قال: فاضطجعتُ في عرض الوِسادة: واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النومَ من وجهه بيديه، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وُضوءه ثم قام يصلى. فصنعتُ مثل ما صنَع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.

(الصحيح 8/84-85 ح 4571- ك التفسير- سورة آل عمران، ب (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم) وهذه حالات كلها يا ابن آدم، اذكر الله وأنت

ص: 493

قائم فإن لم تستطع فاذكره وأنتَ قاعد، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جانبك يسر من الله وتخفيف.

قوله تعالى (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، ثنا مؤمل، ثنا حماد بن سلمة عن قتادة، عن أنس في قوله:(ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) قال: من تدخل في النار فقد أخزيته.

ورجاله ثقات سوى مؤمل صدوق فالإسناد حسن.

قوله تعالى (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار)

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) إلى قوله (وتوفنا مع الأبرار) سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها، وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجن كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال:(إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) وأما مؤمن الإنس فقال (إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) الآية.

قوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض

)

قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت رجلاً من ولد أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) .

(التفسير 1/144 ح 498) . وأخرجه الترمذي في جامعه (5/237 ح 3023- ك التفسير، ب ومن سورة النساء) ، والشافعي من سنن حرملة -كما في (المعرفة) للبيهقي (3/120 ح 17644) ،

ص: 494

والحاكم في (المستدرك 2/300- تسمية ولد أم سلمة بـ (سلمة بن أبي سلمة) . وهذا الحديث إسناده صحيح، ووافقه الذهبي. ورجاله أئمة ثقات. وقد وقع تصريح ابن عيينة بالإخبار في روايه الشافعي، فزالت الخشية من احتمال تدليسه، هذا مع احتمال الأئمة لتدليسه؛ حيث كان لا يدلس إلا عن ثقة.

(انظر طبقات المدلسين ص 23) .

قوله تعالى (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)

قال الطبري حدثنا عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمى عبد الله بن وهب قال، حدثني عمرو بن الحارث: أن أبا عشانة المعافري حدثه: أنه سمع عبد الله ابن عمرو بن العاص يقول: لقد سمعت رسول الله يقول: إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان، لم تقض حتى يموت وهي في صدره، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول:"أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة"، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون:"ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار، ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا".

فيقول الرب جل ثناؤه: "هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي". فتدخل الملائكة عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) سورة الرعد: 24.

(أخرجه الإمام أحمد في (المسند 6570) والحاكم في (المستدرك 2/71-72) كلاهما من طريق عبد الله بن وهب به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 10/259) ونسبه للطبراني أيضا وقال ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عشانه وهو ثقة) .

ص: 495

قوله تعالى (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد)

قال ابن كثير: يقول تعالى لا تنظر إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة. فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا وجميع ما هم فيه (متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) وهذه الآية كقوله تعالى:(ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) وقال تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وقال تعالى (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقال تعالى (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) أي: قليلا، وقال تعالى (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) والله ما غروا نبي الله، ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله حتى قبضه الله على ذلك.

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) يقول: ضربهم في البلاد.

قوله تعالى (وما عند الله خير للأبرار)

قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما عنده للأبرار ولكنه بين في موضع آخر: أنه النعيم، وهو قوله (إن الأبرار لفي نعيم) وبين في موضع آخر: أن من جملة ذلك النعيم: الشرب من كأس ممزوجة بالكافور وهو قوله (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) .

ص: 496

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود قال: قال عبد الله: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها، لئن كان برا لقد قال الله:(وما عند الله خير الأبرار) .

(ورجاله ثقات، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/298) .

قوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة أنهم خاشعون لله أي مطيعون له خاضعون متذللون بين يديه لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أي لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته ومبعثه وصفة أمته، وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم سواء كانوا يهودا أو نصارى. وقد قال تعالى في سورة القصص (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) الآية. وقد قال تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) الآية. وقد قال تعالى (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وقال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) وقال تعالى (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وهذه الصفات توجد في اليهود ولكن قليلا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار

ص: 497

اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس، وأما النصارى منهم يهتدون وينقادون للحق كما قال تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) إلى قوله تعالى:(فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) الآية.

قال البخاري: حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي:"مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحَمة".

(الصحيح 7/230 ح 3877- ك مناقب الأنصار- ب موت النجاشي) .

قال الضياء: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مكي بن أبي الرجاء -بأصبهان- أن مسعود بن الحسن الثّقفي أخبرهم، أنا أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، أنا أبو بكر أحمد بن موسى الحافظ، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم (ح) . وأخبرنا أبو طاهر معاوية بن علي بن معاوية الصّوفي- إجازة- أنا الحسن بن أحمد الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، قالا: نا إبراهيم بن أحمد بن عمر، نا أبي، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، قال: لمّا مات النجاشي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"استغفروا لأخيكم".

فقال بعضُ الناس: تأمرنا أن نستغفر له وقد مات بأرض الحبشة؟ فنزلت: (إن من أهل الكتاب لمَن يؤمن بالله وما أنزل إليكم) .

اللفظ للطبراني والآخر بمعناه قال الطبراني: لم يروه عن حماد إلا مؤمل. (وقد رواه حميد عن أنس ا. هـ. (المختارة 5/40-41 ح 1648، 1649) ولفظه: "قوموا صلوا على أخيكم النجاشي".

(المختارة 6/61 ح 2037) ورواية الطبراني في (الأوسط 3/323 ح 2688) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني ورجال الطبراني ثقات. (مجمع الزوائد 3/38) .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) : من اليهود والنصارى وهم مسلمة أهل الكتاب.

ص: 498

قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يرُوحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها".

(الصحيح 6/100 ح 2892- ك الجهاد والسير، ب فضل رباط يوم سبيل الله..) .

قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا ليث (يعني ابن سعد) عن أيوب بن موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه: إن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجرى عليه رزقه، وأمن الفتّان".

(الصحيح 3/1520 ح 1913- ك الإمارة، ب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل .

قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. جميعاً عن إسماعيل بن جعفر. قال ابن أيوب. حدثنا إسماعيل. أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"؟ قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: "إسباغ الوُضوء على المكاره. وكثرة الخطا إلى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط".

(الصحيح 1/219 ح 251- ك الطهارة، ب فضل إسباغ الوضوء على المكاره) .

قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني أبو هانيء، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كل الميت يختم على عمله، إلا المرابط، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر".

ص: 499

(السنن 3/9 ح 2500- ك الجهاد، ب في فضل الرباط) ، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/79- ك الجهاد) . من طريق أحمد بن نجدة القرشي، عن سعيد بن منصور به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي (السنن 4/165 ح 1621) . (فضائل الجهاد، ب ما جاء في فضل من مات مرابطاً) . وأحمد في المسند (6/20) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/484 ح 4624)، والحاكم في المستدرك (2/144) من طرق عن حيوة بن شريح عن أبي هانئ به. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح 1322) .

قال الحاكم: حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني، ثنا أحمد بن نجدة القرشي، ثنا سعيد بن منصور، ثنا ابن المبارك، أنبا مصعب بن ثابت، حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (اصبروا وصابروا ورابطوا) قال: قلت، لا. قال: يا ابن أخي إني سمعت أبا هريرة يقول: لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة.

(المستدرك 2/301- ك التفسير، تفسير سورة آل عمران وصححه ووافقه الذهبي) .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) أي: اصبروا على طاعة الله، وصابروا أهل الضلالة ورابطوا في سبيل الله (واتقوا الله لعلكم تفلحون) .

قال البخاري: وزادنا عمرو قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة: إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع".

(الصحيح 6/81 الفتح ح 2887- ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله) . وهكذا وقعت هذه الرواية عند البخاري من شيخه عمرو، وهو ابن مرزوق. قال ابن حجر: وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى. (الفتح 6/82) ، وإنما عطف البخاري على رواية سابقة فيها ذكر ما يتعلق بالحراسة والجهاد.

ص: 500