الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى (وللكافرين عذاب مهين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (عذاب مهين) يعني بالمهين: الهوان.
وانظر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار".
(المسند 2/179) ، وأخرجه الترمذي (السنن- صفة القيامة رقم 2492)، من طريق عبد الله ابن المبارك عن محمد بن عجلان به. ثم قال: حديث حسن صحيح. وحسنه الشيخ الألباني (صحيح الجامع 6/327) ، وذكر ابن كثير رواية الإمام أحمد (التفسير 1/223) .
قوله تعالى (ويكفرون بما وراءه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ويكفرون بما وراءه) أي بما بعده يعني: ما بعد التوراة.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ بما بعده.
قوله تعالى (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل) الآية
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس ثم أنبأهم (برفع) الطور عليهم واتخاذ العجل إلها دون ربهم.
قوله: برفع في الأصل: رفع. والتصويب من (سيرة ابن هشام 2/1
90)
.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما هذه البينات وبينها في مواضع أخر كقوله (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) وقوله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء) الآية وقوله (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وأشربوا في قلوبهم العجل) قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم.
(التفسير ص 41) ، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)
الخطاب لليهود فحينما زعموا أنهم أولياء لله رد عليهم سبحانه وتعالى بقوله (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين)
الجمعة: 6-7.
وقال عبد الرزاق: قال معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة في قوله (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) قال: قال ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ ذلك رسول الله، فقال:"لو فعل لأخذته الملائكة عياناً". قال: وقال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون النبي لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
(التفسير ص 41، 42) ، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا وصحح إسناده (1/222) . وأخرج البخاري الشطر المرفوع (الصحيح ح 4958- التفسير) .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ثنا علي بن محمد الطنافس ثنا عثام قال سمعت الأعمش قال: لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه.
وذكره ابن كثير في التفسير (1/226) وصحح إسناده.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس سيقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تعالى لليهود إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت. فلم يفعلوا حيث قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه فقال الله لهم ذلك.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وذلك أنهم قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) سورة البقرة: 111، وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه) سورة المائدة:18. فقيل لهم (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون.
قوله تعالى (ولن تمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: يقول الله لنبيه (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات.
وقال أيضاً حدثنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا الحسين بن محمد المروذي ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قوله (والله عليم) قال: عالم.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقد ذكر سبحانه وتعالى شبه هذه الآية في سورة الجمعة آية (7) . ثم أكد بأنهم يفرون من الموت فقال (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) الجمعة: 8.
قوله تعالى (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) قال: اليهود.
وأخرجه الحاكم من طريق قبيصة بن عقبة عن سفيان به وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/263) ، وأخرجه الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد.
قوله تعالى (ومن الذين أشركوا يود أحدهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (يود أحدهم) يعني: المجوس.
قوله تعالى (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) قال: حببت إليهم الخطيئة طول العمر.
ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق فالإسناد حسن.
قوله تعالى (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وما هو بمزحزحه من العذاب) أي ماهو بمنجيه وذلك أن المشرك لايرجو بعثا بعد الموت، فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (وماهو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) يقول: وإن عمر فماذاك بمغنيه من العذاب ولا منجيه منه.
قوله تعالى (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك، بإذن الله)
أخرج البخاري بسنده عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك عن ثلاث لايعلمهن إلا نبي فما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال: أخبرني بهن جبريل آنفا، قال جبريل: قال نعم، قال ذاك عدو
اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك
…
) الحديث.
(الصحيح رقم 4480- التفسير- سورة البقرة، ب قوله من كان عدوا لجبريل) . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 8/166) في هذا الحديث: تلا عليه الآية مذكراً له سبب نزولها والله أعلم.
وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه: إن قال: الله على ما نقول وكيل. قالوا: فأخبرنا من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة. فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر فهي التي نتابعك إن أخبرتنا قال: جبريل. قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالنبات والقطر والرحمة. فأنزل الله عز وجل (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك) إلى آخر الآية.
راجع مواضع تخريجه والحكم على إسناده في الآيه (19) عند قوله تعالى (فيه ظلمات ورعد وبرق) . واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصرا على الشاهد والحديث طويل.
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
(صحيح البخاري رقم 4857- التفسير- سورة والنجم، ب فأوحى إلى عبده ما أوحى) ، (وصحيح مسلم رقم 174- الإيمان، ب في ذكر سدرة المنتهى) . واللفظ للبخاري.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس: قال إنما قوله جبريل كقوله عبد الله وعبد الرحمن.
ورجاله ثقات إلا الحسن صدوق فالإسناد حسن. وأخرجه من طريق سفيان عن الأعمش به.
وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فإنه نزله على قلبك) يقول نزل الكتاب على قلبك جبريل بإذن الله عز وجل.
قوله تعالى (مصدقا لما بين يديه)
وبه عن أبي العالية (مصدقا لما بين يديه) يعني: من التوراة والإنجيل.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظه.
قوله تعالى (وهدى وبشرى للمؤمنين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (هدى وبشرى للمؤمنين) جعل الله هذا القرآن: هدى وبشرى للمؤمنين لأن المؤمن إذا سمع القرآن وحفظه ووعاه انتفع به واطمأن إليه وصدق بموعود الله الذي وعد فيه وكان على يقين من ذلك.
قوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال)
أخرج البخاري عن عكرمة تعليقا بصيغة الجزم فقال: وقال عكرمة: جبر، وميك، وسراف: عبد. إيل: الله.
(الصحيح- التفسير- سورة البقرة- باب قوله (من كان عدوا لجبريل)) ، ووصله الطبري، والحربي في غريب الحديث (انظر تغليق التعليق 4/175) ، بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عكرمة وعن ابن عباس.
قوله تعالى (فإن الله عدو للكافرين)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب
…
الحديث.
(الصحيح- الرقاق، ب التواضع 11/340، 341 رقم 6502) .
قوله تعالى (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون)
أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا يونس ابن بكير ثنا ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: قال: قال ابن صوريا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك فأنزل الله عز وجل في ذلك قوله (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) .
وأخرجه الطبري من طريق أبي كريب عن يونس بن بكر به.
قوله تعالى (الفاسقون)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن ابن جريج عن مجاهد (الفاسقون) قال: العاصون.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالي (أو كما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال مالك بن الضيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاقا فأنزل الله عز وجل (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) .
وأخرجه أيضاً الطبري من طريق أبي كريب عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة (نبذه فريق منهم) يقول: نقضه فريق منهم.
قوله تعالى (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب) يقول: نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب (كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) : أي أن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم أفسدوا علمهم، وجحدوا وكفروا وكتموا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله
…
) الآية. ذكر يهود.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أسامة عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم (الأعظم) وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا (بين*) كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال فأكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبوه حتى أنزل على محمد (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) .
(*) في الأصل بلفظ من والتصويب من الدر المنثور 1/95. وأخرجه النسائي (التفسير رقم 14)
عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة به. ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق ربما وهم وهذه
الرواية ليست من أوهامه لأنها قد وردت من طريق آخر بلفظ مشابه كما سيأتي فالإسناد حسن. هذا
وقد صحح الحافظ ابن حجر رواية الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير (انظر فتح الباري 10/224) .
وقال الواحدي: أخبرنا محمد بن عبد العزيز القنطري، أخبرنا أبو الفضل الحدادي، أخبرنا أبو يزيد الخالدي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق، فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة، فيشربها قلوب الناس. فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قال شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي
لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه فقالوا: هذا سحر.
فتناسخته الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) .
(أسباب النزول ص 29) ، وأخرجه الحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم به، وصححه الذهبي (المستدرك 2/265) .
وهاتان الروايتان من أخبار أهل الكتاب ولكنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة بل لبعض فقراتها شواهد فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبريء ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات.
واستراق الشياطين السمع ثابت كما في قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظاها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) الحجر: 16-18.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق الكهنة والسحرة والاستعانة بهم في أي حال من الأحوال، فأخرج أبو داود (السنن رقم 3904- الطب، ب في الكاهن) ، والترمذي، (السنن رقم 135- الطهارة، ب في كراهية إتيان الحائض) ، وابن ماجة (السنن رقم 639- الطهارة، ب النهي عن إتيان الحائض) ، وأحمد (المسند رقم 9279، 10170)، والدارمي (السنن 9532) . كلهم من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة:"من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد صلى الله عليه وسلم". واللفظ للترمذي. وقد تكلم في سماع أبي تميمة من أبي هريرة ولكن أخرجه الإمام أحمد (المسند رقم 9532) من طريق خلاس عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". وقد حسن السيوطي الرواية الأولى (فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/23) ، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي 1/44 وإرواء الغليل 7/68-70) ، وصحح أحمد شاكر الرواية الثانية في تحقيقه لمسند أحمد.
قوله تعالى (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما أنزل على الملكين) قال: التفريق بين المرء وزوجه.
ويستنتج من هذا التفسير أن ما في قوله (وما أنزل) موصولة وهو قول الجمهور بما نقله الحافظ ابن حجر (انظر فتح الباري 10/4) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (وما أنزل على الملكين) قال: لم ينزل عليهما السحر. يقول: علما الإيمان والكفر فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: فكانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لاتعلما أحدا حتى تقولا (إنما نحن فتنة فلا تكفر) .
التفسير ص 42. وإسناده صحيح.
قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه)
أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعاً: "إن إبليس يضع عرشه على الماء. ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال فيدنيه منه ويقول: نعم أنت".
(الصحيح رقم 2813- صفات المنافقين) . وذكره ابن كثير في (التفسير 1/252) .
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وتفريقهما أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه.
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: ياعائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال
أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد ابن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في شط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه. فجاء فقال: ياعائشة، كان ماءها نقاعة الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافانى الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت".
تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام. وقال الليث وابن عيينة عن هشام: (في مشط ومشاطة) ويقال: المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاطة من مشاطة الكتان.
(الصحيح 10/221 رقم 5763- الطب، ب السحر وقول الله تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر
…
) الآية.
قوله تعالى (وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)
قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت الحسن يقول: في قوله (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي: لايضر هذا السحر إلا من دخل فيه.
ورجاله ثقات إلا الحسن بن الصباح صدوق، فالإسناد حسن.
قوله تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) بقول: قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم: أن الساحر لاخلاق له عند الله يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وماله في الآخرة من خلاق)
ليس له في الآخرة جنة عند الله.
(التفسير ص43)، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بلفظ: حجة.
وأخرج عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال: قال الحسن (ماله في الآخرة من خلاق) قال: ليس له دين.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لمثوبة من عند الله) قال: ثواب من عند الله.
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بلفظه ثم قال: وروي عن الحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا)
قال محمد بن إسحاق: حدثنى محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس (راعنا) أي: ارعنا سمعك.
(تفسير ابن كثير 1/262) ، وإسناده حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ثنا أبو معاوية عن عبد الملك عن عطاء (لا تقولوا راعنا) قال: كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها قال (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) .
ورجاله ثقات، إلا عبد الملك وهو: ابن أبي سليمان ميسرة العزرمي: صدوق له أوهام ولكنه توبع حيث أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق عن عطاء بنحوه. فالأسناد حسن وأخرج الطبري بسنده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) قال: كانوا يقولون: راعنا سمعك! فكان اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك مستهزئين، فقال الله (لاتقولوا راعنا وقولوا انظرنا) .
قال القاسمي: وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة النساء آية (46)(من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً باُلسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) .
(محاسن التأويل 2/216، وانظر تفسير ابن كثير 1/261) .
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لاتقولوا راعنا) لا تقولوا خلافاً.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النصر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
(المسند رقم 5115)، وصححه أحمد شاكر. والشاهد فيه قوله:"ومن تشبه بقوم فهو منهم".
لأن الله تعالى نهى عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا. (انظر تفسير ابن كثير 1/261) ، وأخرجه أبو داود (السنن رقم 4031- اللباس- باب في لبس الشهرة) من طريق أبي النضر به مقتصرا على الشاهد، وحسنه عبد القادر الأرناؤط (انظر هامش جامع الأصول 10/657) . ونقل الشيخ مقبل الوادعي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: سنده جيد (انظر هامش تفسير ابن كثير 1/261) .
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقولوا انظرنا) فهمنا بين لنا يا محمد.
قوله تعالى (وللكافرين عذاب أليم)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة (وللكافرين عذاب أليم)
أى: موجع.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر بآية عذاب تعوذ كما تقدم في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة.
قوله تعالى (والله يختص برحمته من يشاء)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد (يختص برحمته من يشاء) قال: النبوة. ثم قال وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك.
قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما ننسخ من آية) يقول: ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها.
وقال الطبري: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عوف، عن الحسن أنه قال في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) قال: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرىء قرآنا، ثم نسيه فلم يكن شيئاً، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرأونه.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى الحسن فهو مرسل وله شواهد تأتي بعد الرواية التالية.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها)
قال: كان الله تعالى ذكره ينسي نبيه ما شاء وينسخ ما شاء.
(التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح إلى قتادة وهو مرسل وله شواهد.
قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب وهرون بن عبد الله. قالا: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج. قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن
يكون إليه مثله. ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب. والله يتوب على من تاب".
(صحيح مسلم رقم 1049-1050- الزكاة، ب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا) .
وأخرج مسلم بسنده عن أبي الأسود، عن أبيه. قال: بعث أبو موسى
الأشعري إلى قراء أهل البصرة. فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن.
فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم. فاتلوه. ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم. كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة. كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة. فأنسيتها. غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقر سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات. فأنسيتها. غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم.
فتسألون عنها يوم القيامة.
(صحيح مسلم رقم 1049-1050- الزكاة، ب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا) .
وأخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود مرفوعا قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت ذكروني
…
".
(الصحيح رقم 401- الصلاة، ب التوجه نحو القبة حيث كان) .
وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي سعيد الخدرى مرفوعا وفيه: "فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها".
(صحيح البخاري رقم 2027- الاعتكاف، ب الاعتكاف في العشر الأواخر) ، (وصحيح
مسلم رقم 1167- الصيام، ب فضل ليلة القدر) واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم للفظ: رأيت.
ويقصد ليلة القدر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد العسقلانى ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبيد بن عمير في قول الله (ما ننسخ من آية أو ننسها)
يقول أو نتركها نرفعها من عندكم فنأت بمثلها، أو بخير منها ومثلها.
ورجاله ثقات، إلا عصام العسقلاني وورقاء فصدوقان. فالإسناد حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ماننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) كان ينسخ الآية بالآية بعدها، ويقرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم الآية أو أكثر من ذلك، ثم تنسى وترفع.
وما تقدم على قراءة ننسها. أما على قراءة ننسأها فقد أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عطاء وابن أبي نجيح ومجاهد وعبيد بن عمير وعطية قوله (ننسأها) نؤخرها وبلفظ نرجئها.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أبي، وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي، وذاك أن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى (ماننسخ من آية أو ننسأها) .
(الصحيح 8/167 رقم 4881- التفسير- سورة البقرة، ب قوله (ما ننسخ من آية أو ننسأها)) .
قوله تعالى (نأت بخير منها أو مثلها)
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نأت بخير منها أو مثلها) يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة وأما قوله (نأت بخير منها أو مثلها) يقول آية فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي.
(التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هذا الذي سأل موسى من قبل من هو؟ ولكنه بينه في موضع آخر. وذلك في قوله (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ايتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله في ذلك عن قولهم (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) .
وأخرج الشيخان بسنديهما عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعاً: "إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته".
(صحيح البخاري 13/264 رقم 7289- الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال) ، (وصحيح مسلم- الفضائل، ب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله) . واللفظ للبخارى. وذكره ابن كثير في (التفسير 1/267) .
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "ذرونى ما تركتكم.
فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".
(صحيح البخاري 13/248 رقم 7288- الإعتصام ب الإقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، (وصحيح مسلم- الحج 2/975 رقم 1337، ب فرض الحج مرة في العمر) . واللفظ لمسلم وهو مختصر من حديث فرض الحج. وذكره ابن كثير في (التفسير 1/268) .
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) ، أن يريهم الله جهرة. فسألت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله لهم الصفا ذهبا، قال: نعم! وهو لكم كمائدة بنى إسرائيل إن كفرتم! فأبوا ورجعوا.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) ، وكان موسى يسأل، فقيل له (أرنا الله جهرة) .
قوله تعالى (ومن تبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل)
تقدم الكلام عن الإيمان في قوله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب
…
) الآية (3) من هذه السورة.
وأضيف هنا حديث شعب الإيمان وحديث تذوق طعم الإيمان فقد أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".
(صحيح البخاري رقم 9- الإيمان، ب أمور الإيمان) ، وصحيح مسلم- رقم 57- الإيمان، ب بيان عدد شعب الإيمان) . واللفظ لمسلم ولفظ البخاري مختصر.
قوله: شعبة بالضم أي قطعة والمراد الخصلة أو الجزء (فتح الباري 1/52) .
وأخرج مسلم بسنده عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً".
(الصحيح رقم 56- الإيمان، ب الدليل على أن من رضي بالله ربا
…
) .
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أنس مرفوعاً: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
(صحيح البخاري رقم 16- الإيمان، ب حلاوة الإيمان) ، وصحيح مسلم رقم 67- الإيمان، ب بيان خصال من اتصف لهن وجد حلاوة الإيمان) . واللفظ للبخاري.
هذا والأحاديث كثيرة جداً في خصال الإيمان وشعبه وصنف فيها المؤلفات وأشملها كتاب شعب الإيمان للحليمي، وشعب الإيمان للبيهقي، وأحاديثه كلها مسندة واختصره القزويني وهو جزء لطيف ومحقق ومخرج، وكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية. ومن الكتب المسندة في الإيمان: كتاب الإمام أحمد وابن أبي شيبة، والقاسم بن سلام، وابن مندة.
قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: فكان حيي بن أخطب، وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً إذ خصهم الله برسوله. وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله (ود كثير من أهل الكتاب) قال: هو كعب بن الأشرف.
(التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (من بعد ما تبين لهم الحق)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (من بعد ما تبين لهم الحق) من بعد ما تبين أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكفروا به حسدا وبغيا إذ كان من غيرهم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من بعد ما تبين لهم الحق) من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام دين الله.
قوله تعالى (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة في قوله (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) نسخ ذلك كله بقوله (فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم) التوبة: 5، وقوله (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله (وهم صاغرون) التوبة: 29، فنسخ هذا.
واللفظ لابن أبي حاتم. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة بنحوه (التفسير ص 44) .
وكذا أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية.
أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار، على قطيفة فدكية، وأردف أسامة ابن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله ابن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال لاتغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً، فلا تؤذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال سعد بن عبادة يا رسول الله، اعف عنه، واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك لقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة فلما أبي الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين، وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى
كثيراً) الآية، وقال الله (ود كثر من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم) إلى آخر الآية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، فقتل الله به صناديد كفار قريش، قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان، هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأسلموا.
(الصحيح رقم 4566- التفسير- آل عمران، ب (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً)) .
قوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (تجدوه عند الله) فيقول تجدوا ثوابه عند الله.
قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)
وبه عن أبي العالية قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا يهودي. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا نصراني. ثم قال وروي عن مجاهد والربيع والسدي نحو ذلك.
قوله تعالى (تلك أمانيهم)
وبه عن أبي العالية (تلك) يقول أمانى تمنوها على الله بغير حق.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تلك أمانيهم) أماني يتمنونها على الله كاذبة.
قوله تعالى (قل هاتوا برهانكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قل هاتوا برهانكم) أي: حجتكم. ثم قال: وروي عن مجاهد والسدي والربيع نحو ذلك.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هاتوا برهانكم) هاتوا بينتكم.
قوله تعالى (إن كنتم صادقين)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون.
قوله تعالى (بلى من أسلم وجهه)
وبه عن أبي العالية (بلى من أسلم وجهه) يقول الله: من أخلص لله.
قوله تعالى (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد بنبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) .
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) قال: بلى! قد كانت أوائل النصارى على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، وقالت النصارى (ليست اليهود على شيء) ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: حدثنا عصام ابن رواد ثنا آدم عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء. وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) قال: هولاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (وهم يتلون الكتاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وهم يتلون الكتاب) قال أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به أن تكفر اليهود بعيسى وعندهم في التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يدي صاحبه.
قوله تعالى (كذلك قال الذين لايعلمون مثل قولهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال الذين لايعلمون مثل قولهم)
قال: قالت النصارى مثل قول اليهود قبلهم.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية.
قوله تعالى (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) الحج: 17، وكما قال تعالى (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) سبأ:26.
(التفسير 1/274) .
قوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها
…
) الآية
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) قال: هو بختنصر وأصحابه خربوا بيت المقدس، وأعانته على ذلك النصارى، قال الله (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) وهم النصارى لا يدخلون المسجد إلا مسارقة إن قدر عليهم عوقبوا (لهم في الدنيا خزي) قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
(التفسير ص 44) ، وإسناده صحيح.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: قال بعض العلماء: نزلت في صد المشركين النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في عمرة الحديبية عام ست. وعلى هذا القول: فالخراب معنوي، وهو خراب المساجد بمنع العبادة فيها. وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) الآية
وقال بعض العلماء: الخراب المذكور هو الخراب الحسي. والآية نزلت فيمن خرب بيت المقدس وهو بختنصر أو غيره وهذا القول يبينه ويشهد له قوله جل وعلا (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) .
ويؤيد القول الأول قوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة آتى الزكاة ويخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة: 18،17. وقوله تعالى (ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لايعلمون) الأنفال:34.
قوله تعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)
القول الأول: أن الآية منسوخة: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: وأما ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله تبارك وتعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تبارك وتعالى إلى البيت العتيق وقال (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) .
(الناسخ والمنسوخ رقم 21 ص 146) . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الحسن بن محمد بن الصباح عن حجاح بن محمد به. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/267، 268) من طريق ابن جريج به وصححه ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، وعثمان هو ابن عطاء. ضعيف ولايضر إذ هو مقرون بابن جريج.
وعطاء هو: الخراساني حيث صرح ابن الجوزي بذلك فأخرجه من طريق أحمد بن حنبل عن حجاج بن محمد قال: أنبأ ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس بلفظه (نواسخ القرآن ص 144) ولعل الحاكم والذهبي صححاه على أن المقصود بعطاء: ابن أبي رباح ويؤيد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر فقال عند عرضه لطرق ابن عباس في التفسير: ومن طريق ابن جريح عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء والخرساني، وهو لم يسمع من ابن عباس فيكون منقطعا إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح (العجاب في بيان الأسباب ص د-9) .
وعلى هذا تبقى المسألة محتملة فإن كان عطاء بن أبي رباح فالإسناد صحيح، وإن كان الخراساني الإسناد ضعيف ويقويه رواية علي بن أبي طلحة التالية.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) إلى قوله (فولوا وجوهكم شطره) سورة البقرة: 144، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا:(ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب) وقال (أينما تولوا فثم وجه الله) سورة البقرة: 142.
وأخرج الإمام أحمد (انظر نواسخ القرآن ص 145) ، والطبري بأسانيد حسنة عن قتادة بنحوه.
القول الثانى: أنها محكمة وتفسيرها في صلاة السفر تطوعاً.
أخرج مسلم بسنده عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه قال: وفيه نزلت (فأينما تولوا فثم وجه الله) .
(الصحيح رقم 33- الصلاة، ب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت) .
القول الثالث: أنها محكمة وتفسيرها استقبال الكعبة.
قال الطبري: أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي سنان، عن الضحاك، والنضر بن عربي، عن مجاهد في قول الله عز وجل (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: قبلة الله، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها.
ورجاله ثقات إلا أبا سنان وهو سعيد بن سنان الرجمي معروف برواية وكيع عنه. (انظر تهذيب التهذيب 4/45) وهو صدوق له أوهام وباقي رجاله ثقات وأخرجه الطبري عن ابن جريج عن مجاهد، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن أبي بكر عن مجاهد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان الكلابي عن نضر بن العربي عن عكرمة عن ابن عباس (فأينما تولوا فثم وجه الله) قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال الله تعالى (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه)
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياى فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً.
(الصحيح رقم 4482 -التفسير- سورة البقرة، ب (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه)) .
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم".
(صحيح البخاري رقم 7378- التوحيد، ب قول الله تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)) ، (وصحيح مسلم -صفات المنافقين، ب لا أحد أصبر على أذى من الله) . وذكر ابن كثير هذين الحديثين في تفسيره (1/282) .
وقال الشنقيطي عند هذه الآية: هذا الولد المزعوم -على زاعمه لعائن الله- قد جاء مفصلا في آيات أخر كقوله (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) وقوله (ويجعلون لله البنات) الآية.
قوله تعالى (كل له قانتون)
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (كل له قانتون) قال: مطيعون. قال: طاعة الكافر في سجود ظله.
وكأنه استنبط هذا القول من قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد: 15، ومن قوله تعالى (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) النحل:48.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظ: مطيعون.
قوله تعالى (بديع السموات والأرض)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: يعني قوله (بديع السموات والأرض) ابتدع خلقها ولم يشركه في خلقها أحد.
قوله تعالى (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)
والقضاء فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا ومثال القول قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء: 23، (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبير) الإسراء: 4، ومن الفعل قوله (فقضاهن سبع سماوات في يومين) فصلت:12.
(انظر المفردات للراغب ص 406) .
وقال ابن كثير عند هذه الآية: يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه وأنه إذا قدر أمرا فإنما يقول له كن فيكون كن أي مرة واحدة فيكون أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) وقال تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) وقال تعالى (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) .
(التفسير 1/283) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر بآية تنزيه سبح كما تقدم في آخر تفسير آية (37) من هذه السورة.
قوله تعالى (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية)
ورد فيها ثلاثة أقوال وهي:
القول الأول: أنهم يهود.
أخرج ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك من قوله (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) .
(انظر تفسير ابن كثير 1/283، 284) . وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق به.
القول الثاني: أنهم كفار الرب.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) قال: هو قول كفار العرب.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظه.
القول الثالث: أنهم النصارى.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) قال: النصارى تقوله.
واختار الطبري القول الثالث لأن السياق فيهم.
وتعقبه ابن كثير فقال: وفي ذلك نظر وحكى القرطبي (لولا يكلمنا الله) أي يخاطبنا بنبوتك يا محمد -قلت- وهو ظاهر السياق والله أعلم. وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي في تفسير هذه الآية هذا قول كفار العرب (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) قال: هم اليهود والنصارى ويؤيد هذا القول وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله) الآية وقوله تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) إلى قوله (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولاً) ، وقوله تعالى (وقال الذين لايرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) الآية وقوله تعالى (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لاحاجة لهم به.
قوله تعالى (لولا يكلمنا الله)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن قتادة في قوله (لولا يكلمنا الله) قال: فهلا يكلمنا الله!.
قوله تعالى (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية يقول الله (كذلك قال الذين من قبلهم) يعني: اليهود والنصارى أو غيرهم.
ثم قال: وروي عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك.
وما روى عن قتادة أخرجه الطبري بسنده الحسن بلفظ: اليهود النصارى وغيرهم.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظ: هم اليهود.
قوله تعالى (قد بينا الآيات لقوم يوقنون)
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الطهراني فيما كتب إلي أنبا عبد الرزاق أنبا معمر عن قتادة يعني قوله (آيات لقوم يوقنون) قال: معتبرا لمن اعتبر.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالى (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا)
أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن هذه الآية التي في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) قال في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين أنت عبدي
ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولاغليظ ولاسخاب بالأسواق ولايدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا عميا وقلوبا غلفا.
(الصحيح رقم 4838- التفسير سورة الفتح، ب (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)) .
وأخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش قالوا: مالك؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب تبا لك، ألهذا جمعتنا، فأنزل الله (تبت يدا أبي لهب) .
(صحيح البخاري رقم 4801- التفسير- سورة سبأ ب (إن هو إلا نذير لكم)) ،
(وصحيح مسلم رقم 355- الإيمان، ب قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين)) .
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية.
قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)
يبينه قوله تعالى (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) سورة البقرة: 145.
قوله تعالى (قل إن هدى الله هو الهدى)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (قل إن هدى الله هو الهدى) قال: خصومة علمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يخاصمون لها أهل الضلالة.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن معاوية رضي الله عنه مرفوعاً: "لايزال من أمتي أمة قائمة لأمر الله لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
(صحيح البخاري 6/632 رقم 3641- المناقب) ، (وصحيح مسلم رقم 1037- الإمارة، ب قوله تعالى: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين") . واللفظ للبخاري. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة مرسلاً. وذكره ابن كثير في التفسير (1/286) .
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (الذين آتيناهم الكتاب) قال: اليهود والنصارى.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (الذين آتيناهم الكتاب) هؤلاء أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم آمنوا بكتاب الله وصدقوا به.
وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق شيبان عن قتادة. واختار الطبري القول الأول.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة ثنا إبراهيم بن موسى أبنا ابن أبي زائدة أنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (يتلونه حق تلاوته) قال: يتبعونه حق اتباعه. ثم قرأ إذا تلاها يقول: اتبعها.
وروي عن عكرمة، وعطاء، ومجاهد، وأبي رزين، وإبراهيم ذلك. ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى ابن عباس.
وأخرج المروزى عن إسحاق بن إبراهيم، أنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد مثله.
(تعظيم قدر الصلاة 1/396 رقم 384) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالى (ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون)
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده! لايسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصرانى، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".
(الصحيح- الإيمان، رقم 153، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) .
قوله تعالى (يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين. واتقوا يوما لاتجزي نفس عن نفس شيئا ولايقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولاهم ينصرون)
تقدم تفسير هاتين الآيتين عند الآية رقم (47 و48) .
قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات)
اختلف المفسرون في المراد بالكلمات.
القول الأول: هي خصال عشر من سنن الإسلام.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) قال ابتلاه الله بالطهارة.
(التفسير ص 46) ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق ابن طاوس به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/266) ، وابن طاوس هو عبد الله. وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي صالح وأبي الجلد ومجاهد وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي نحو ذلك.
القول الثانى: ما أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما! قال: نعم. قال: ومن ذريتي. قال: لا ينال عهدي الظالمين. قال: تجعل البيت مثابة للناس. قال: نعم. قال: وأمنا. قال: نعم. قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. قال: نعم.
قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا. قال: نعم قال: وتجعل هذا البلد آمنا.
قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم. قال: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال: ابتلي بالآيات التي بعدها.
(المصنف 11/521 رقم 11876- الفضائل، ب ما ذكر مما أعطى الله إبراهيم) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
القول الثالث: ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بفراقهم، ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ماوقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها، وماله وما ابتلى به من ذبح ولده، حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من أمر الله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم قال: أسلمت لرب العالمين. على ما كان من خلاف الناس وفراقهم.
القول الرابع: ما أخرجه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: قلت للحسن: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال: ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه، وابتلاه بالقمر، فرضي عنه، وابتلاه بالشمس، فرضي عنه، وابتلاه بالنار، فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء هو: محمد بن سيف الحداني. وأخرجه إسناده الحسن عن قتادة عن الحسن بنحوه وزاد ابتلاه بذبح ابنه.
وقال الطبري: ما حاصله أنه يحتمل أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ويحتمل أن يكون بعض ذلك ولايجوز الجزم بشيء منها إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إجماع من الحجة ولم يصح شيء من ذلك.
قوله تعالى (فأتمهن)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فأتمهن) أي: عمل بهن.
وقال الطبري: حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا دواد، عن عكرمة، عن ابن عباس (فأتمهن) ، أي فأداهن.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى وداود: هو ابن أبي هند. وعبد الأعلى هذا معروف روايته عن داود بن أبي هند. (انظر تهذيب التهذيب 6/96) .
قوله تعالى (قال إني جاعلك للناس إماما ومن ذريتي)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (إني جاعلك للناس إماما) فجعله الله إماما يؤتم ويقتدى به.
ثم قال: وروي عن الحسن وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وقتادة والربيع ابن أنس نحو ذلك.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) يخبره أي أنه كان في ذريته ظالم لاينال عهده ولاينبغي له أن يوليه شيئا من أمره، وإن كانوا من ذرية خليله، ومحسن ستنفذ فيه دعوته ويبلغ فيه ما أراب من مسألته.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال إبراهيم: يا رب (ومن ذريتي) يقول اجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به. يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق.
قوله تعالى (قال لاينال عهدى الظالمين)
اختلف المفسرون في تفسير العهد.
القول الأول: الأمان.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لاينال عهدي الظالمين) قال لاينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا قد ناله الظالم وأمن به، وأكل وأبصر وعاش.
(التفسير ص 46) ، وإسناده صحيح.
القول الثانى: دين الله.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (لاينال عهدي الظالمين) فعهد الله الذي عهد إلى عباده دينه قال: لاينال ديني الظالمين.
القول الثالث: الإمامة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قال لاينال عهدي الظالمين) قال: لا يكون إماما ظالما.
القول الرابع: أنه لاعهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسحاق الأزرق ثنا سفيان عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله (لاينال عهدى الظالمين) قال: ليس لظالم عليك عهد في معصية الله أن نطيعه.
وروي عن مجاهد، وعطاء، ومقاتل بن حيان نحو ذلك.
ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق وهارون لا بأس به. فالإسناد حسن.
واختار الطبري أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لاينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره.
ويؤيد هذا الإختيار قول الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: يفهم من هذه الآية أن الله علم أن من ذرية ابراهيم ظالمين. وقد صرح تعالى في مواضع أخر بأن منهم ظالما غير ظالم. كقوله (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) الصافات: 113، وقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) الزخرف:28.
قوله تعالى (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مثابة للناس) قال: يثوبون إليه.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: لايقضون منه وطرا.
(التفسير ص 46) ، وإسناده صحيح.
قال عبد الرزاق نا الثوري عن أبي الهذيل عن سعيد بن جبير في قوله (مثابة للناس) قال: يحجون ثم يحجون لايقضون منه وطراً.
ورجاله ثقات إلا أبا الهذيل وهو غالب بن الهذيل الأودى صدوق رمي بالرفض والأثر ليس له علاقة بالرافضة. فالإسناد حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ: مجمعا.
وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن غالب عن سعيد بن جبير بلفظ يحجون ثم يعودون.
(المصنف 4/112) .
قوله تعالى (وأمنا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) يقول أمنا من العدو وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لايسبون.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأمنا) قال: تحريمه، لايخاف فيه من دخله.
قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
اختلف المفسرون في المراد بالمقام على أقوال:
القول الأول: هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة.
أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله: لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى، وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب
…
(الصحيح رقم 4483- التفسير- سورة البقرة، قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) .
وأخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في الحديث الطويل والشاهد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت.
(الصحيح رقم 1218- الحج، ب حجة النبي صلى الله عليه وسلم) .
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين
…
(الصحيح 3/484 رقم 1623- الحج، ب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين) .
القول الثانى: الحج كله أي الحرم وعرفات.
قال عبد الرزاق: نا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله (مقام إبراهيم) قال: الحج كله مقام إبراهيم.
وأخرجه الطبري من طريق ابن جريج به. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حجاج من ابن جريج به وأطول وفيه قال ابن جريج سألت عطاء. وعطاء هذا ابن أبي رباح فالإسناد صحيح، وقد نبه على هذه الفائدة -عدم تصريح ابن جريج باسم والد عطاء- الحافظ ابن حجر فقال: ومن طريق ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران، وما عدا ذلك يكون عطاء هو: الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عباس، فيكون منقطعا. إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح. (العجاب في بيان الأسباب ص د-9) .
القول الثالث: عرفة والمزدلفة والجمار.
قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: لأني قد جعلته إماما، فمقامه: عرفة والمزدلفة والجمار.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن نجيح عن مجاهد بنحوه (التفسير ص 46) . والصحيح القول الأول لما ثبت في الصحيح وقد رجحه الطبري (التفسير 3/36) ، وابن كثير (التفسير 1/298) ، والبغوي (التفسير 1/113) .
فصل: وثيقة تاريخية ثابتة عن مقام إبراهيم
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبو ثابت، حدثنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم.
(التفسير 1/299) .
ويقصد بما تقدم الآثار التالية عن الإمام أنس بن مالك وقتادة ومجاهد.
فقال عبد الله بن وهب: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن أنس ابن مالك حدثهم، قال رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام، وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم.
(انظر المصدر السابق) . وإسناده صحيح إلى أنس.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها. ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى.
وأخرج عبد الرزاق مصنفه عن ابن جريج حدثني عطاء وغيره من أصحابنا قال: أول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وذكره ابن كثير، والحافظ ابن حجر وصحح إسناده (فتح الباري 8/169) .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنى قال: قال سفيان: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم -فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم- وبعد قوله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه. وقال سفيان: لا أدرى كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقا بها أم لا.
وسفيان هذا هو ابن عيينة، كما صرح ابن كثير حيث نقل رواية ابن أبي حاتم كاملة (التفسير 1/299، 300) .
قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
قال ابن أبي حاتم: حدثني سهل بن بحر العسكرى بالري ثنا جعفر بن حميد أنا ابن المبارك عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (واتخذوا من مقام إبراهم مصلى) قال: مدعى.
ورجاله ثقات، إلا العسكري صدوق فالإسناد حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: أمروا أن يصلوا عنده.
قوله تعالى (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين)
قال الطبري. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيرى قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير (أن طهرا بيتي للطائفين) قال: من الأوثان والريب.
وأخرجه أيضاً من طريق ابن جريج عن عطاء به. وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة كتاب (العجاب في بيان الأسباب) . ورجاله ثقات إلا أحمد صدوق فالإسناد حسن.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة (والطائفين) قال: الطائفون: من يعتنقه.
ورجاله ثقات إلا يحيى بن خلف: صدوق فالإسناد حسن.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أن طهرا بيتي للطائفين)
قال: من الشرك وعبادة الأوثان.
(التفسير ص 46) .
قوله تعالى (والعاكفين)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت قال: قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير: ما أرأني إلا مكلم الأمير أن يمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون؟. قال: لا تفعل فإن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح وذكره ابن كثير ثم قال: وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان
ينام في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عزب. (التفسير 1/301) .
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاكفين) قال: العاكفون أهله.
قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا)
أخرج الشيخان بسنديهما عن عمرو بن سعيد مرفوعاً إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولايعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالماس وليببغ الشاهد الغائب
…
(صحيح البخاري رقم 104- العلم، ب ليبلغ الشاهد الغائب) ، (وصحيح مسلم رقم 1354- الحج، ب تحريم مكة وصيدها) .
وأخرج مسلم بسنده عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها" -يريد المدينة-.
(صحيح مسلم رقم 1361- الحج، ب فضل المدينة)
قوله تعالى (وارزق أهله من الثمرات)
دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء لأنه كان بواد غير ذي زرع وقد حكى الله تعالى عنه أنه قال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم
…
) الآية. سورة إبراهيم: 37. وقد استجاب الله سبحانه وتعالى لإبراهيم فصار يجبى إليه ثمرات كل شيء كما قال تعالى (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء) سورة القصص: 57.
قوله تعالى (من آمن منهم بالله واليوم الآخر)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) يعني من وحّد الله وآمن باليوم الآخر.
قوله تعالى (ومن كفر فأمتعه قليلا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب رضي الله عنه (ومن كفر) إن هذا من قول الرب قال: ومن كفر فأمتعه قليلا.
قال ابن كثير: عند هذه الآية وهذا كقوله تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) .
والآية في سورة النحل 116، 117.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة قال: قال الله (ومن كفر) -أيضاً- فإني أرزقه من الدنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن.
قال ابن أبي نجيح: سمعت هذا من عكرمة، ثم عرضته على مجاهد فلم ينكره.
ورجاله ثقات إلا عصام بن رواد صدوق فالإسناد حسن.
قوله تعالى (ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح قوله (ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) قال: ثم مصير الكافر إلى النار.
قال ابن أبي نجيح سمعته من عكرمة، فعرضته على مجاهد فلم ينكره.
وإسناده حسن.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
(صحيح البخاري رقم 4686- التفسير- سورة هود، ب قوله (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة)) ، (وصحيح مسلم 2583- البر والصلة، ب تحريم الظلم) .
قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)
قال عبد الرزاق: نا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك.
(التفسير ص 47) ، وأيوب هو السختياني. وأخرجه الطبري عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. وذكر الحافظ ابن حجر رواية الطبري وصحح إسنادها (فتح البارى 8/170) .
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: ذكر في هذه الآية رفع إبراهيم وإسماعيل لقواعد البيت. وبين في سورة الحج أنه أراه موضعه بقوله (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي: عينا له محله وعرفناه به.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم قال لإسماعيل: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا -وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني. حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) .
(الصحيح 6/396-398 رقم 3664- الأنبياء، ب يزفون: النسلان في المشي) .
وهذا طرف من آخر الحديث الطويل الذي ذكر فيه قصة إسماعيل وأمه في البيت الحرام.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ألم تري أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال: لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.
(صحيح البخاري رقم 4484- التفسير- سورة البقرة، ب قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من
البيت وإسماعيل
…
)) ، وصحيح مسلم- الحج رقم 1333، ب نقض الكعبة وبنائها) . واللفظ للبخاري.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "ألم تري قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت".
(صحيح البخاري 3/439 رقم 1583- الحج، ب فضل مكة وبنيانها) ، (وصحيح مسلم- الباب السابق رقم 400) . وذكر ابن كثير هذه الروايات التي في الصحيحين (التفسير 1/313، 314) .
وقد قام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بما أراد النبي صلى الله عليه وسلم فنقض حجارة الكعبة ثم بناها من جديد وأدخل الحجر وجعل لها بابا للدخول وآخر للخروج وزاد في طول الكعبة. وقد أخرج مسلم بسنده عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير. حتى قدم الناس الموسم. يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام. فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس! أشيروا علي في الكعبة. أنقضها ثم أبني بناءها.
أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها. أرى أن تصلح ما وهي منها. وتدع بيتا أسلم الناس عليه. وأحجارا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتى يجده. فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثا. ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماه الناس أن ينزل، بأول الناس يصعد فيه، أمر من السماء. حتى صعده رجل فألقى منه حجارة.
فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوه. فنقضوه حتى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزبير أعمدة. فستر عليها الستور. حتى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق. ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر.
حتى أبدى أساً نظر الناس إليه. فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا. فلما زاد فيه استقصره. فزاد في طوله عشر أذرع. وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلما قتل ابن الزبير. الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يضره بذلك. ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة. فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء. أما ما زاد في طوله فأقره. وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه.
وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه.
(الصحيح رقم 402- الحج، ب نقض الكعبة بنائها) .
قوله تعالى (ربنا واجعلنا مسلمين لك)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال إبراهيم: تجعلنا مسلمين لك؟ قال الله: نعم.
وإسناده حسن. وكأنه يعني أن الله تعالى استجاب له. وكذا الأثر الذي يليه.
قوله تعالى (ومن ذريتا أمة مسلمة لك)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده المتقدم آنفا عن عكرمة قال: قال إبراهيم (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) فقال الله: نعم.
وهو كما قال فقد استجاب الله تعالى فقال (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب) العنكبوت: 27.
وقوله تعالى (وأرنا مناسكنا)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء (وأرنا مناسكنا) أخرجها لنا، علمناها.
ورجاله ثقات، إلا الحسن صدوق الإسناد حسن. وحجاج هو ابن محمد. وعطاء هو ابن أبي رباح.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظ: أرنا منسكنا وحجنا.
وأخرج الثوري عن ابن جريج عن عطاء بلفظ: مذابحنا.
وإسنادهما صحيح. وأخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظه.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (وأرنا مناسكنا) فأراهما مناسكهما: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار، حتى أكمل الله الدين - أو: دينه.
وقال أيضاً: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال ابن المسيب، قال علي بن أبي طالب: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: فعلت أي رب، فأرنا مناسكنا -أبرزها لنا، علمناها- فبعث الله جبريل، فحج به.
وإسناده صحيح.
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل (قلت لابن عباس) يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على بعير بالبيت وأن ذلك سنة، قال صدقوا وكذبوا، قلت ما صدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا طاف على بعير وليس بسنة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لايصرف الناس عنه ولايدفع فطاف على بعير كي يسمع كلامه ولاتناله أيديهم (قلت) يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا (قلت) ماصدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا قد رمل وكذبوا ليست بسنة، إن قريشاً قالت دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن يجيء في العام المقبل فيقيم بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون من قبل قعيقعان قال لأصحابه ارملوا وليس بسنة (قلت) يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سعى بين الصفا والمروة وأن ذلك سنة، قال: صدقوا إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما رأى المناسك عرض له شيطان عند المسعى فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل عليه السلام حتى أتى به منى فقال مناخ الناس هذا، ثم انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم انتهى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم انتهى إلى الجمرة القصوى فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به جمعا فقال هذا المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة فقال هذه عرفة، قال ابن عباس: أتدري لم سميت عرفة؟ قال لا، قال لأن جبريل قال له عرفت، قال ابن عباس: أتدري كيف كانت التلبية؟ قال: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج أمرت الجبال فخفضت رؤسها ورفعت له القرى فأذن في الناس بالحج.
(منحة المعبود 1/207 رقم 992) ، وأخرجه أحمد (المسند رقم 707) من طريق حماد بن سلمة به.
وصححه محققه أحمد شاكر، وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي داود له. وذكره الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 3/359) . وقال في موضع آخر رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عاصم وهو ثقة (مجمع الزوائد 8/200، 201) . وهو كما قال فقد وثقه يحيى بن معين (انظر تهذيب التهذيب 12/143) . وذكره ابن كثير مختصرا وسكت عنه (التفسير 1/320) .
ولمعظم هذا الحديث شواهد في (صحيح مسلم) سردها محققو مسند أحمد (4/437 ح 2707 ط الموسوعة الحديثية بإشراف معالي أ. ك. عبد الله التركي.
قوله تعالى (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للناس إماما. قال الله: نعم. قال إبراهيم: وتتوب علينا؟ قال الله: نعم.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية والتي قبلها: لم يبين هنا من هذه الأمة التي أجاب الله بها دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل. ولم يبين هنا أيضاً: هذا الرسول المسئول بعثه فيهم من هو؟ ولكنه يبين في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب، والرسول هو سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) لأن الأميين العرب بالإجماع والرسول المذكور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إجماعا. ولم يبعث رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحده.
وقال ابن كثير عند هذه الآية: والمراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم وقد بعث فيهم كما قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود لقوله تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) .
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني ثور ابن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له بصرى وبصرى من أرض الشام.
قال الحاكم خالد بن معدان من خيار التابعين صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة فإذا أسند حديث إلى الصحابة فإنه صحيح الإسناد وإن لم يخرجاه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/600)، وذكره ابن كثير من طريق محمد بن إسحاق به وقال: وهذا إسناد جيد قوي (البداية والنهاية 2/275) . وفي التفسير قال: وهذا إسناد جيد وروي له شواهد من وجوه أخر (4/360 ط المعرفة) . ساق الشواهد وهي أحاديث يقوي بعضها بعضاً. وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة ح 1545) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم) يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقيل قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان.
قوله تعالى (يتلو عليهم آياتك)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك) قال: ففعل الله ذلك، فبعث فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه يخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد.
قوله تعالى (والحكمة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة والحكمة أي: السنة.
قوله تعالى (إنك أنت العزيز الحكيم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (العزيز) يقول عزيز في نقمته إذا انتقم، (الحكيم) قال: حكيم في أمره.
قوله تعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) قال: رغبت اليهود والنصارى عن ملة إبراهيم وابتدعوا اليهودية والنصرانية وليست من الله وتركوا دين إبراهيم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه.
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما ملة إبراهيم وبينها بقوله (قل إنني هدانى ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) فصرح في هذه الآية بأنها دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. وكذا في قوله (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) الآية.
قوله تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) يقول: ووصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم.
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: أشار إلى أنه دين الإسلام هنا بقوله (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وصرح بذلك في قوله (إن الدين عند الله الإسلام) وقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .
قوله تعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (أم كنتم شهداء) يعني: أهل الكتاب.
قوله تعالى (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)
أخرج البخاري تعليقاً عن أبي بكر وابن عباس وابن الزبير: أن الجد أب.
(الصحيح 5/214- الفرائض، ب ميراث الجد مع الأب والأخوة) . قال ابن حجر في (تغليق التعليق) : أما قول أبي بكر أن الجد أب فأسنده المؤلف -أي البخاري- في فضل أبي بكر وكذا قول ابن الزبير (وانظر فتح الباري 7/17 رقم 3658) وأما قول ابن عباس فقد ذكر من أخرجه كالبيهقي وسعيد بن منصور (تغليق التعليق 5/215) ، وسنن سعيد بن منصور رقم (40-52) ، والسنن الكبرى (6/246) . وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية مستشهدا لمن استدل بهذه الآية في جعل الجد أبا وحجب به الإخوة (التفسير 1/323، 324) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) فسمى عمه أباه.
قوله تعالى (ونحن له مسلمون)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "الأنبياء إخوة لعلات" أمهاتهم شتى ودينهم واحد".
(صحيح البخاري رقم 3443- الأنبياء، ب قول الله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت)) ، (وصحيح مسلم رقم 2365- الفضائل، ب فضائل عيسى) . وذكره ابن كثير مستدلا على أن الإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم (التفسير 1/324) .
قوله: إخوة لعلات: وفي رواية أولاد علات كما في الصحيحين وقال النووي عندها قال العلماء: أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى وأما الأخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان. قال جمهور العلماء: معنى الحديث: أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفه فإنهم متفقون أصول التوحيد وأما في فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف (صحيح مسلم بشرح النووي 15/119، 120) . وقال ابن حجر: العلات الضرائر (الفتح 6/849) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مسلمين) يقول: موحدين.
قوله: مسلمين كذا في الأصل وكأنه قد فسره عند لفظ: مسلمين. في موضع آخر ثم به هنا باللفظ نفسه.
قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون)
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "
…
ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
(الصحيح رقم 2699- الذكر، ب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم) يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا القاسم بن هزان الخولاني ثنا الزهري ثنا سعيد بن مرجانة قال: قال ابن عباس قوله عز وجل (ماكسبت) من العمل.
ورجاله ثقات إلا القاسم قال عنه أبو حاتم: شيخ محله الصدق. والمتن له شاهد من اللغة فالإسناد حسن أما الوليد بن مسلم هو القرشي الدمشقي ثقة لكنه يدلس (الجرح والتعديل 7/123) ، (انظر تهذيب التهذيب 11/151-155) وقد صرح، لسماع فلا ضير.
قال الطبري وأصل الكسب العمل. وانظر الآية (141) من هذه السورة.
قوله تعالى (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا
…
) الآية
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً)(انظر تفسير ابن كثير 1/324) ، وإسناده حسن.
قوله تعالى (قل بل ملة إبراهيم حنيفا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (حنيفا) يقول: حاجا.
وقال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهل، قال: سألت الحسن عن (الحنيفية) قال: حج البيت.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا قبيصة وعيسى بن جعفر قالا ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (حنيفا) قال متبعا.
وإسناده صحيح. وتفسير الآية يستوعب القولين السابقين.
قوله تعالى (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
…
)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل إلينا
…
) الآية.
(الصحيح رقم 4485- التفسير- سورة البقرة، ب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)) .
ومن فضل هذه الآية ما أخرجه مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) البقرة. الآية 136. الآية التي في البقرة. وفي الآخرة منهما: (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) .
(الصحيح رقم 727- صلاة المسافرين، ب استحباب ركعتي سنة الفجر) .
وأخرج الطبري بسنده عن قتادة قال: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدقوا بأنبيائه ورسله كلهم ولايفرقوا بين أحد منهم.
قوله تعالى (والأسباط)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (الأسباط) هم: يوسف وإخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ولد كل رجل منهم أمة فسموا الأسباط.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه.
قال الشيخ الشنقيطي: عند قوله تعالى (وما أنزل إلى إبراهيم) : لم ييين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم، ولكنه بيّن في سورة الأعلى أنه صحف وأن من جملة ما في تلك الصحف (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وذلك في قوله (إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) .
قوله تعالى (وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما أوتيه موسى وعيسى، ولكنه بينه في مواضع أخر. فذكر أن ما أوتيه موسى هو التوراة المعبر عنها بالصحف في قوله (صحف إبراهيم وموسى) وذلك كقوله (ثم آتينا موسى الكتاب) وهو التوراة بالإجماع. وذكر أن ما أوتيه عيسى هو الإنجيل كما في قوله (وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان عن قتادة قال: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله.
قوله تعالى (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
وأخرج بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) قال: أمر الله المؤمنين أن لا يفرقوا بين أحد منهم.
قوله تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) ونحو هذا، قال: أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى، وأنه لايقبل عملا إلا به، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه.
قوله تعالى (فإنما هم في شقاق)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (في شقاق) يعني في فراق.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة.
قوله تعالى (فسيكفيكهم الله)
وقد أنجز الله وعده وهزم الأحزاب وحده فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم ومكنه من أعدائه فقتل قريظة وسباهم وأجلى بني النضير.
(انظر صحيح البخاري -المغازي- ب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم وباب حديث بني النضير ومخرجه إليهم) .
قوله تعالى (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (صبغة الله) قال: دين الله.
(التفسير ص 48) ، وإسناده صحيح.
وقال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله (صبغة الله) قال: دين الله، (ومن أحسن من الله صبغة) ومن أحسن من الله دينا.
وإسناده جيد.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (صبغة الله) قال: فطرة الله التي فطر الناس عليها.
قوله تعالى (قل أتحاجوننا في الله)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قل أتحاجوننا في الله) أتجادلوننا؟.
قوله تعالى (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيلِ وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله، واتخذوا اليهودية والنصرانية، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.
انظر الآية رقم (136) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: هم اليهود والنصارى كتموا الإسلام، وهم يعلمون أنه دين الله، وكتموا محمداً صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه رسول الله، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل أنه ليس يهوديا.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما، إنهم كانوا يهود أو نصارى. فيقول الله: لاتكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنهم كاذبون.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: الشهادة: النبي مكتوبا عندهم هو الذين كتموا.
قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم
…
) الآية
تقدمت هذه الآية برقم (134) فلينظر تفسيرها هناك.
وأخرج ابن أبي حاتم عند هذه الآية بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدي. وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون) .
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله تعالى (تلك أمة قد خلت) يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.
قوله تعالى (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب
…
) الآية
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: اليهود.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم) قال: اليهود تقوله، حين ترك بيت المقدس.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم، وصححه أيضاً الحافظ ابن حجر (فتح الباري 8/171) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم والبيهقي بالإسناد الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصرفت في رجب، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ونافع بن أبي نافع -هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع- والحجاج بن عمرو -حليف كعب بن الأشرف- والربيع بن الربيع بن (أبي) الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد، ماولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل الله فيهم (سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) إلى قوله (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) .
(واللفظ للطبري تفسير الطبري رقم 2149 وتفسير سورة البقرة - الجزء الثاني رقم (8) لابن أبي حاتم ودلائل النبوة 2/575) . قال الحافظ ابن حجر: وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس (فتح الباري 1/97) .
وسيأتي حديث متفق عليه له علاقة بالآية عند قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم)
قوله تعالى (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قول الله (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يقول: يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتنة.
وقد تقدم في سورة الفاتحة أن الصراط المستقيم: الإسلام كما ثبت في القرآن وعن النبي.
قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
أخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب، فيقول هل بلغت؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم، فيقولون ما أتانا من نذير، فيقول من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيدا، فذلك قوله جل ذكره (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) والوسط العدل.
(الصحيح رقم 4487- تفسير سورة البقرة، ب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)) .
وقال عبد الرزاق الصنعاني: نا معمر عن قتادة قال في قوله (أمة وسطا) قال: عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا، أن قد بلغ ما أرسل به.
وإسناده صحيح. وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "
…
والوسط: العدل"
(الصحيح ح 4487) .
أخرج البخاري بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال وجبت. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض.
(الصحيح رقم 1367- الجنائز، ب ثناء الناس على الميت) .
وأخرج بإسناده أيضاً عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة -وقد وقع بها مرض- فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمرت بهم جنازة فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت. ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت. ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شرا، فقال
وجبت. فقال أبو الأسود: فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد.
(الصحيح رقم 1368- الجنائز- ب ثناء الناس على الميت) .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية (لتكونوا شهداء على الناس) يقول: لتكونوا شهداء على الأمم التي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذبوهم.
(تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم 20، 28) .
وبه عن أبي العالية عن أبي بن كعب (لتكونوا شهداء على الناس) فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعبي، وآل فرعون، أن رسلهم قد بلغتهم وأنهم كذبوا وهي في قراءة أبي بن كعب (وتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة) .
وإسنادهما جيد. (تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم 20، 28) .
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويكون الرسول عليكم شهيدا)
لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا والآخرة؟ ولكنه بين في موضع آخر: أنه شهيد عليهم في الآخرة وذلك في قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) .
(أضواء البيان 1/49) .
قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم) الآية. ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا بل هو تعالى
عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون. وقد بين أنه لايستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) فقوله (والله عليم بذات الصدور) بعد قوله (ليبتلي) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، لأن العليم بذات الصدر وغني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه.
ومعنى (إلا لنعلم) أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لايخفى.
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن ابن عمر رضي الله عنهما بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء جاء فقال أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة.
واللفظ للبخاري. (الصحيح رقم 4488- تفسير سورة البقرة، ب (وماجعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
…
) . ومسلم (الصحيح رقم 526- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) قال: لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق
…
عن ابن عباس: أي ابتلاء واختبارا.
ثم قال وروي عن الحسن وعطاء وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قال الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يعني: تحويلها على أهل الشك والريب.
واللفظ لابن أبي حاتم
وأخرج الطبري: بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس.
وقال عبد الرزاق: نا معمر عن قتادة في قوله تعالى (لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله.
وإسناده صحيح
وأخرجه الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يقول: إلا على الخاشعين يعني: المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن محمد بن إسحاق
…
عن ابن عباس (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) ، أي الذين ثبت الله.
قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم
…
) الآية
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن البراء رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله (وماكان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم) .
واللفظ للبخاري (الصحيح 8/141 رقم 4486- تفسير سورة البقرة، ب (سيقول السفهاء من الناس
…
)) ، ومسلم (الصحيح رقم 525- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة) .
والمراد بالإيمان هنا الصلاة وقد أخرج الطبري عن إسماعيل بن موسى قال أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قول الله عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال: صلاتكم نحو بيت المقدس.
وأخرجه من طريق أبي أحمد الزبيري عن شريك به نحوه. وفي إسناده شريك وهو ابن عبد الله النخعي: صدوق يخطئ كثيراً وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ت 177هـ. وأخرجه أحمد (انظر مسائل الخلال ل 112ب) . وابن أبي حاتم من طريق شريك به. ورواية ابن أبي حاتم مقرونا مع حديج إلا أن حديج وهو ابن معاوية صدوق يخطئ وبما أن الحديث المتفق عليه السابق شاهد لحديث البراء، فالإسناد حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق
…
عن ابن عباس (وما كان الله ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي: ليعطينكم أجرهما جميعا.
قوله تعالى (إن الله بالناس لرؤوف رحيم)
تقدم الكلام عن بيان الرحيم في سورة الفاتحة.
قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء
…
) الآية
أخرج البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: لم يبق ممن صلى القبلتين غيري.
(الصحيح 8/173 رقم 4489- تفسير سورة البقرة، ب (قد نرى تقلب وجهك في السماء
…
) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان (أكثر) أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء) سورة البقرة الآية: 144- فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: (ماولاهم عن
قبلتهم التي كانوا عليها) . فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب) .
واللفظ للطبري. وأخرجه النحاس من طريق بكر بن سهل (الناسخ والمنسوخ 1/58-59) ، والبيهقي (السنن الكبرى 2/12-13) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي كلاهما عن عبد الله بن صالح به.
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عمر، قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة. وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام. فاستداروا إلى الكعبة.
(صحيح البخاري رقم 4488- التفسير، ب (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول)) ، (وصحيح مسلم رقم 526- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قد نرى تقلب وجهك في السماء) يقول: قد نرى نظرك إلى السماء.
قوله تعالى (لنولينك قبلة ترضاها)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فلنولينك قبلة ترضاها) وذلك أن الكعبة كانت أحب القبلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقلب وجهه في السماء، وكان يهوي الكعبة، فولاه الله قبلة كان يهواها ويرضاها.
وأخرجه الطبري بسند حسن عن قتادة وابن عباس بنحوه.
وقال الشيخ الشنقيطي قوله تعالى (فلنولينك قبلة ترضاها) بينه قوله بعده (فول وجهك شطر المسجد الحرام) .
قوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام)
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو سفيان يعني المعمري، عن معمر، عن قتادة، قوله (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: توجه.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأبو سفيان العمري هو: محمد بن حميد معروف بالرواية عن معمر بن راشد وبرواية أبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج عنه (انظر تهذيب الكمال ل 1191) .
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (شطر المسجد الحرام) نحوه. وكذا أخرجه بسنده الصحيح عن مجاهد. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (التفسير ص 50) . وإسناده صحيح.
وقال الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: سمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم
تؤمروا بدخوله. قال: قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكني سمعته يقول: أخبرني، أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل القبلة ركعتين، وقال: هذه القبلة.
(ورجاله ثقات إلا يحيى بن سعيد بن أبان الأموي صدوق فالإسناد حسن. وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة (العجاب في بيان الأسباب) .
وقال الطبري: حدثنا، أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عميرة بن زياد الكندي، عن علي (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: شطره: قبله.
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الفضل بن دكين عن إسرائيل به، ثم قال وروي عن البراء بن عازب وابن عباس ومجاهد وقتادة نحو ذلك. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/269) ، والبيهقي (السنن الكبرى 2/3)، من طريق سفيان الثورى عن أبي إسحاق السبيعي به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وذكره ابن كثير وقال: هذا قول أبي العالية ومجاهد وعكرمة وسعيد ابن جبير وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم (التفسير 1/335) ، وانظر تفسير ابن أبي حاتم (2 رقم 61-65) .
قوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أي: تلقاءه.
قوله تعالى (وإن الذين أُوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم)
انظر الآية (146) بعد التالية.
قوله تعالى (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم تابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين)
هذه الآية مبينة ومؤكدة لقوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى)
الآية (120) من هذه السورة.
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة.
انطر تفسير آية (75) من السورة نفسها وهو حديث البخاري عن ابن عمر رجم اليهود اللذين زنيا.
قوله تعالى (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن فريقا منهم) قال: من أهل الكتاب.
وأخرج بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) فكتموا محمداً صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ولكل وجهة هو موليها) قال: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم الله أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي القبلة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (ولكل وجهة) قال: لكل صاحب ملة. (وجهة) قبلة (هو موليها) قال: هو مستقبلها.
قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (فاستبقوا الخيرات) يقول: سارعوا في الخيرات. (يأت بكم الله جميعا) يعني: يوم القيامة.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاستبقوا الخيرات) يقول: لا تغلبن على قبلتكم.
قوله تعالى (ومن حيث خرجت فول وجوهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم)
انظر الآية السابقة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (لئلا يكون للناس عليكم
حجة يعني به أهل الكتاب حين قالوا صرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وقالوا اشتاق
الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد قوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) قال: هم مشركوا العرب.
قالوا -حين صرفت القبلة إلى الكعبة-: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم. قال الله تعالى (فلا تخشوا الناس واخشوني) .
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن أبي العالية قوله (إلا الذين ظلموا منهم) يعني: مشركي قريش، يقول أنهم سيحتجون عليكم بذاك.
وأخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا الذين ظلموا منهم) قوم محمد صلى الله عليه وسلم. قال مجاهد: حجتهم، قولهم: قد راجعت قبلتنا.
قوله تعالى (ولأتم عليكم نعمتي ولعلكم تهتدون)
لقد أنجز الله وعده وأتم شرائع الدين كما قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) المائدة: 3.
قوله تعالى (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم)
وأخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم) كما فعلت بكم فاذكروني.
وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، ثنا محمد بن خلف العسقلاني، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر حدثني الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم. ا. هـ. وإسناده جيد، تقدم نحوه في المقدمة.
قوله تعالى (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى:
أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تَقرب إلي شِبراً تقربتُ إليه ذراعاً؛ وإن تقرب إليَّ ذِراعاً تقْربتُ إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلة".
(الصحيح- التوحيد، ب قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه) ح 7405، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2061 ح 2675- الذكر، ب الحث على ذكر الله تعالى) .
وأخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدرى وأبي هريرة أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".
(الصحيح رقم 2700- الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) .
وقال الإمام أحمد: ثنا روح ثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس ثنا أبو رجاء العطاردي قال خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنعم الله عز وجل عليه بنعمة فإن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه". وقال روح ببغداد: يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
(المسند 4/438) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء العطاردي هو عمران بن ملحان.
وذكره ابن كثير عند قوله تعالى (واشكروا لي ولا تكفرون)(التفسير 1/341) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: إن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره، ويعذب من كفره يعني قوله (فاذكروني أذكركم) .
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال: قال أبو عثمان النهدي: إني لأعلم حين يذكرني ربي، قالوا: وكيف ذاك؟
قال: إن الله يقول (فاذكروني أذكركم) فإذا ذكرت الله ذكرني.
(المصنف 13/547) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وثابت هو ابن أسلم البناني معروف بالرواية عن أبي عثمان النهدي وبرواية حماد بن سلمة عنه. (انظر تهذيب الكمال 4/344) . وأبو عثمان النهدى هو عبد الرحمن بن مل من كبار التابعين.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة)
وانظر الروايات الواردة تحت قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) الآية (45) من هذه السورة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأول، في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف
غشية ظنوا أن نفسه فيها فخرجت امرأته أم كلثوم أبي المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين من الصبر والصلاة، قال: فلما أفاق قال: أغشى علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم إنه أتاني ملكان في غشيتي هذه، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، قال: فانطلقا بي، فلقيهما ملك آخر، فقال: أين تريدان؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به بنيه ما شاء الله قال: فعاش شهرا ثم مات.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق عبد الرزاق به بنحوه وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/269) .
وأخرج مسلم بسنده عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر
المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر.
فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له".
(الصحيح رقم 2999- كتاب الزهد والرقائق، بيان المؤمن أمره كله خير) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان المروزي، أبنا ابن المبارك، أبنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: الصبر: اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر.
(في إسناده ابن لهيعة وهو عبد الله بن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، وعطاء بن دينار لم يسمع من سعيد بن جبير. أما بالنسبة لابن لهيعة فقد روى عنه ابن المبارك وهو أحد العبادلة، ورواية العبادلة عنه صحيحة قبل الإحتراق، وأما بالنسبة لعطاء بن دينار فإنه يروي تفسير سعيد بن جبير وجادة لأنه وجد هذا التفسير في ديوان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهو الذي أمر سعيد بن جبير أن يفسر القرآن (الجرح والتعديل 6/332) . والوجادة احتج بها المحدثون. وباقي رجاله ثقات إلا عبدة صدوق فالإسناد حسن والله أعلم
قوله تعالى (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)
قال ابن كثير: يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما جاء في صحيح مسلم أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تهوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحد من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلي الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى -لما يرون من ثواب الشهادة- فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون.
(التفسير 1/342) ، وانظر (صحيح مسلم- ك الأمارة - ب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون رقم 1887) .
قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق، نهر باب الجنة، في قبة خضراء -وقال عبدة في روضة خضراء- يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً.
وذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء ولكن عند ربهم يرزقون) ثم قال: وهو إسناد جيد. وهو كما قال، وعنعنة ابن إسحاق محمولة على الاتصال لأنه صرح بالسماع فيما أخرجه الحاكم عن طريق يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري به، وصححه وسكت عنه الذهبي (المستدرك 2/74) وأخرجه الإمام أحمد عن طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به (المسند رقم 2390)، وقال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 5/298) ، وصححه السيوطي في الجامع الصغير مع فيض القدير (4/180 ح 4956) ، وحسنه الألبانى (صحيح الجامع الصغير 3/235، 236) ، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند
قوله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)
قال ابن كثير: أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده: أي يختبرهم ويمتحنهم كما قال تعالى (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) سورة محمد: 31، فتارة بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع كما قال تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) سورة النحل، 112، فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه، ولهذا قال لباس الجوع والخوف وقال ههنا (بشيء من الخوف والجوع) أي بقليل من ذلك.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ونحو هذا، قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال (وبشر الصابرين) ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) .
وقال أحمد: حدثنا عبد الوهاب في تفسير سعيد، عن قتادة قال: لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب على بطنه الحجر ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها.
(الزهد ص 31-32) ، وإسناده حسن.
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة وهشام وحماد بن سلمة كلهم عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل حتى يبتلي الرجل على قدر دينه فان كان صلب الدين اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب ذلك أو قدر ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.
(المسند ص 29-30 رقم 215) . ورجاله ثقات إلا عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام وإسناده حسن، وأخرجه ابن سعد (الطبقات الكبرى 2/209) ، وابن أبي شيبة (المصنف 3/233) ، وأحمد (المسند رقم 1481 والزهد ص 53) ، وابن منيع وابن أبي عمرو والنسائي في الكبرى (انظر المقاصد الحسنة ص 60) ، والدورقي (مسند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ص 87 رقم 41) ، وعبد بن حميد (المنتخب 1/180 رقم 146) ، والدارمي (السنن- الرقاق، ب أشد الناس ابتلاء 20/320) .
والترمذي (السنن - الزهد، ب ما جاء في الصبر على البلاء رقم 2398) ، وابن ماجة (السنن- الفتن، ب الصبر على البلاء رقم 4033) ، وأبو يعلى (المسند 2/143 رقم 142) ، والبزار (البحر الزخار 3/253 رقم 1154) ، وابن حبان (موارد الظمآن رقم 599) ، والدارقطني (العلل 4/315-318 رقم 590) ، والطحاوي (مشكل الآثار 3/61- 62) ، وبحشل (تاريخ واسط 253) ، والحاكم (المستدرك 1/41) ، والبيهقي (السنن الكبرى 3/372) ، والبغوي (شرح السنة 5/244) ، وأبو نعيم الأصفهاني (حلية الأولياء 1/368)، والخطيب البغدادي (تاريخ بغداد 3/378) كلهم من طريق عاصم بن أبي النجود به. قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم رواه عن سعد بهذا اللفظ إلا مصعب وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة منهم حماد والعلاء بن المسيب وهاشم صاحب الدستوائي وغيرهم. ا. هـ. ولكن أخرجه الطحاوي أيضاً من طريق سماك عن مصعب به (مشكل الآثار 3/62) .
وقال الدارقطني: ورواه القاسم بن مالك والمحاربي عن العلاء بن المسيب عن ابن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد
…
ورواه أيضاً سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن سعد حدث به عن شريك والمحفوظ حديث عاصم عن مصعب (العلل 4/316-318) . وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجة 2/371 رقم 3249) ، وأخرجه ابن حبان من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد بنحوه (موارد الظمآن رقم 698) ، ولكن المسيب لن يسمع من سعد (انظر تهذيب التهذيب 10/153) . وله شواهد منها ما أخرجه ابن ماجة (السنن رقم 4024) ، والحاكم (المستدرك 4/307) ، والبيهقي (السنن الكبرى 3/372) عن أبي سعيد الخدري بنحوه. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال البوصيري. هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات
…
(مصباح الزجاجة 3/248) .
قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) قال: أخبر الله سبحانه وتعالى أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة،
كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبيل الهدى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته وأحسن عقابه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه.
كما ثبت في فضل الاسترجاع ما أخرجه مسلم بسنده عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقالت: إن لي بنتاً وأنا غيور فقال أما ابنتها فندعوا الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة.
(الصحيح- ك الجنائز، ب ما يقال عند المصيبة رقم 918) .
وانظر استرجاع ابن عباس في تفسير سورة البقرة آية (45) .
قوله تعالى (أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة) يقول: فالصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا.
وقوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)
أخرج الشيخان عن عروة بن الزبير أنه قال (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما. فقالت عائشة: لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لايطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما
جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) .
(صحيح البخاري - التفسير، سورة البقرة، ب (إن الصفا والمروة) رقم 4495) ، (وصحيح مسلم - ك الحج، ب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن رقم 1277) .
قال الإمام أحمد: ثنا شريح قال: ثنا عبد الله بن المؤمل، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجزئ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعى يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي.
(المسند 6/421-422) . وأخرجه أيضاً من طريق موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة (المسند 6/437) ، وفي الطريق الأول عبد الله بن المؤمل، وفي الطريق الثاني موسى بن عبيدة وكلاهما ضعيف وله شاهد في الصحيح، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وأمر أصحابه بذلك. (انظر صحيح البخاري- ك الحج، ب ما يلبس المحرم من الثياب- والأردية والإزر رقم 1545) ، (وصحيح مسلم- ك الحج، ب بيان وجوه الإحرام
…
رقم 143) فالإسناد حسن لغيره وصححه الألباني. (صحيح الجامع الصغير 1/327) . وذكره ابن كثير بطريقيه ثم قال: وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج كما هو مذهب الشافعي ومن وافقه، وقيل إنه بواجب وليس بركن، وقيل بل مستحب
…
والقول الأول أرجح لأنه عليه السلام طاف بينهما وقال: لتأخذوا عنى مناسككم، فكل ما فعله في حجته تلك واجب لابد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل (التفسير 1/347) .
وأخرج مسلم من حديث جابر الطويل وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلي الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله "أبدأ بما بدأ الله به" فبدأ بالصفا.
(الصحيح - ك الحج، ب حجة النبي رقم 1218) .
انظر الآية رقم (233) من السورة نفسها عند قوله تعالى (فلا جناح عليهما) .
قوله تعالى (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم) قال: من تطوع خيرٌ له، تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من السنن.
قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً أبداً (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى
…
إلي
…
الرحيم) .
(الصحيح- ك الحرث والمزارعة- في الغوص ح 2350) ، أخرجه مسلم في (صحيحه- ك فضائل الصحابة- ب من فضائل أبي هريرة ح 2492) .
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما اللاعنون ولكنه أشار إلى ذلك في قوله (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويلعنهم اللاعون) قال: اللاعنون: البهائم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويلعنهم اللاعنون) : من ملائكة الله ومن المؤمنين.
قوله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتاده في قوله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله، وبينوا الذي جاءهم من الله فلم يكتموه ولم يجحدوا به، أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم.
قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار
…
) يعني بالناس أجمعين: المؤمنين.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة به.
قوله تعالى (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (خالدين فيها
…
) يعني: في النار، في اللعنة لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
وبه في قوله (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) قال: هو كقوله (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون)(المرسلات 35، 36) .
قوله تعالى (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المُسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)
قال الترمذي: حدثنا علي بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله ابن أبي زياد القداح، كذا قال عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وفاتحة آل عمران (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) .
(جامع الترمذي (5/517 ح 3478- ك الدعوات، ب 65) وأخرجه أبو داود في سننه (2/80 ح 1496) وابن ماجه (2/1267 ح 3855) وأحمد في المسند (6/461) والدارمي في السنن (2/450) وابن أبي حاتم (التفسير - آل عمران/1 ح 4) من طرق، عن عبيد الله بن زياد به. قال الترمذي حسن صحيح. وقال السيوطي: صحيح (الجامع الصغير مع فيض القدير 1/510 ح 1032) . وحسنه الألباني (صحيح الجامع رقم 991) ، وكذا حسنه الدكتور حكمت بشير في تحقيقه لابن حاتم. والحديث وإن تكلم فيه البعض لأجل شهر بن حوشب وعبيد الله بن أبي زياد، فإن له شاهداً من حديث أبي أمامة مرفوعاً:"اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: البقرة، وآل عمران، وطه". وأخرجه ابن ماجة (رقم 3856) والحاكم في المستدرك (1/506) ، وعزاه الألباني لجماعة آخرين، منهم: أبو عبد الله القرشي في (الفوائد) وزاد: قال القاسم أبو عبد الرحمن: فالتمست في البقرة فإذا هو في آية الكرسي (لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي آل عمران فاتحتها (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي طه (وعنت الوجوه للحي القيوم) ثم قال الألباني: وهذا إسناد حسن. (الصحيحة 2/383 ح 746) . قال البوصيري: عن إسناد ابن ماجه: فيه غيلان، لم أر لأحد فيه كلاماً لا بجرح ولا توثيق، وباقي رجال الإسناد ثقات. قلت: وغيلان هو ابن أنس، قال عنه ابن حجر: مقبول وقد تابعه عبد الله بن العلاء بن زبر عند أبي الله القرشي الماضي سياقه وغيره، فيكون حديث أبي أمامة هذا حسناً إن شاء الله، وهو شاهد قوي يعضد حديث أسماء بنت يزيد المتقدم.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم ووكيع وأحمد (كما في ابن كثير) بسند حسن عن أبي الضحى في قول الله (وإلهكم إله واحد) قال: لما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا: إن محمداً يقول: إلهكم إله واحد، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله تعالى (
…
إن في خلق السموات والأرض
…
لآيات لقوم يعقلون) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عطاء بن أبي رباح نحوه.
وأبو الضحى: مسلم بن صبيح تابعي وعطاء تابعي والمرسلان يقوي أحدهما الآخر ولهما حكم الرفع.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض) الآية.
لم يبين هنا وجه كونهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر. كقوله:(أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) وقوله: (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. ولقد زينا السماء الدنيا. بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين. وأعتدنا لهم عذاب السعير) وقوله في الأرض: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) .
قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار) لم يبين هنا وجه كون اختلافهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله:(قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون؟ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون؟ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي مالك -غزوان الغفاري- (الفلك) قال: السفينة.
أخرج الطيالسي (المسند رقم 1089) وأحمد (المسند 4/11، 12) والطبراني (المعجم الكبير 19/208 رقم 208) كلهم من طريق وكيع بن عدس عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله كيف يحيى الله الموتى؟ قال: أما مررت بوادي ممحل ثم مررت به خضراً؟ قال: بلى. قال: فكذلك النشور أو قال: كذلك يحيى الله الموتى.
وهذا لفظ الطيالسي وفي سنده وكيع بن عدس مقبول ولكن قد توبع في رواية ابن أبي حاتم فأخرجه من طريق سليمان بن موسى عن أبي رزين، والإسناد حسن. وأخرجه الحاكم من الطريق نفسه وصحيحه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/560) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وتصريف الرياح والسحاب المسخر) قال: قادر والله ربنا على ذلك، إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته، وإذا شاء جعلها عذاباً ريحاً عقيماً لا تلقح، إنما هي عذاب على من أرسلت عليه.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والسحاب المسخر بين السماء والأرض) لم يبين هنا كيفية تسخيره، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)
وقوله (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله) .
قوله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)
أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال. قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك.
تقدم تخريجه عند الآية (22) .
وانظر الآية رقم (22) من السورة نفسها.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله عز وجل (يحبونهم كحب الله) يقول: يحبون تلك الأوثان كحب الله. أي كحب الذين آمنوا ربهم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وعن مجاهد بسند صحيح نحوه.
قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) يقول: لو قد عاينوا العذاب.
وأخرج أيضاً بسنده الحسن عن قتادة قوله (العذاب) أي: عقوبة الآخرة.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) الآية. المراد بالذين ظلموا: الكفار وقد بين ذلك بقوله في آخر الآية (وما هم بخارجين من النار) ويدل لذلك قوله تعالى عن لقمان مقرراً له (يا بنَيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقوله جل وعلا: (والكافرون هم الظالمون) وقوله: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) .
قوله تعالى (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا)
قال: تبرأت القادة من الأتباع يوم القيامة إذ رأت العذاب.
وأخرج أيضاً بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا) قال: هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشر والشرك (من الذين اتبعوا) وهم الأتباع والضعفاء.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) الآية.. أشار هنا ألي تخاصم أهل النار. وقد بين منه غير ما ذكر هنا في مواضع أخر كقوله (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم أبي بعض
القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً.
وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب)
قال: المودة.
وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/272) .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب) قال: هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا.
قوله تعالى (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: فقالت الأتباع: لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا.
وبه عن أبي العالية.. يقول الله (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) يقول: أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم يوم القيامة.
وأخرج الطبري والحاكم عن ابن مسعود في قصة ذكرها فقال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلي بيت في الجنة وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، قال: فيرى أهل النار الذين في الجنة، فيقال لهم: لو عملتم! فتأخذهم الحسرة قال: فيرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم.
وهذا لفظ الطبري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/496-498) وأحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري.
قوله تعالى (يا أيها الناس كلوا مما الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)
أخرج مسلم (الصحيح - كتاب الجنة باب 16 رقم 2865) عن عياض بن حمار المجاشعي في الحديث القدسي: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم
…
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (خطوات الشيطان) يقول: عمله.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: خطيئته.
وعن قتادة بسند حسن قال: خطاياه.
وقد بين في الآية التالية أنواعاً من خطوات الشيطان فقال: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) .
قال الشخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) لم يبين هنا هذا الذي يقولونه عليه بغير علم، ولكنه فصله في مواضع أخر فذكر أن ذلك الذي يقولونه بغير علم هو: أن الله حرم البحائر والسوائب ونحوها، وأن له أولاداً، وأن له شركاء، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. فصرح بأنه لم يحرم ذلك بقوله:(ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) وقوله: (وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله) الآية. وقوله: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً) الآية وقوله: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) إلي غير ذلك من الآيات. ونزه نفسه عن الشركاء المزعومة بقوله: (سبحانه وتعالى عما يشركون) ونحوها من الآيات، ونزه نفسه عن الأولاد
المزعومة بقوله: (قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه) الآية. ونحوها من الآيات فظهر من هذه الآيات تفصيل ما أجمل في اسم الموصول الذي هو (ما)، من قوله:(وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) .
قوله تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيراً منا فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك من قولهما (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (بل نتبع ما ألفينا) : أي ما وجدنا.
قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر، يقول: مثل هذا الكافر كمثل هذه البهيمة التي لا تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر يقال له ولا ينتفع. بما يقال له.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (صم بكم عمي) يقول: صم عن الحق فلا يسمعونه، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (صم بكم عمي) يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه.
وانظر الآية رقم (17) من السورة نفسها.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله)
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر. أشعث، أغبر. يمد يديه إلي السماء. يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟.
(الصحيح- الزكاة- باب 19 ح 1015) .
وأخرج البخاري تعليقاً (الصحيح- الأطعمة، باب 56 ج 9 ص 582) عن أبي هريرة مرفوعاً: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر".
وقد وصله الحافظ ابن حجر من طرق كثيرة وفيها من المتابعات والشواهد التي تدل على ثبوته.
(تغليق التعليق 4/491-493) .
قوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله)
قال ابن كثير: وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) وحديث العنبر في الصحيح. وفي المسند والموطأ والسنن قوله صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". اهـ.
وصححه الترمذي (السنن- الطهارة 1/100، 101) وصححه البخاري فيما سأله الترمذي عنه (علل الترمذي 1/136) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/140) وقال البيهقي حديث صحيح (المعرفة 1/152) وقال البغوي: صحيح متفق على صحته (شرح السنة 2/55) وصححه ابن الملقن ونقل تصحيح ابن الأثير، وقال ابن كثير: إسناده جيد (التفسير 6/126) . والألباني (صحيح سنن ابن ماجة 1/67) وفي السنة تخصيص آخر وهو ما أخرجه أحمد (المسند رقم 5723) وابن ماجة (السنن- الصيد- باب صيد الجراد والحيتان) .
عن ابن عمر مرفوعاً: أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال.
وقد روي موقوفاً وهو أصح وله حكم الرفع.
وصححه الألباني، (سلسلة الأحاديث الصحيحة 1118) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) قال: ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: ما ذكر عليه غير اسم الله.
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، عام الفتح، وهو بمكة:"إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام".
فقيل: يا رسول الله. أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا. هو حرام". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند ذلك:"قاتل الله اليهود. إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها. أجملوه ثم باعوه. فأكلوا ثمنه".
(الصحيح (3/1207 ح 1581- ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة..) .
الحديث فيه زيادة تشريع، حيث لم يقتصر التحريم على تناول عين تلك المحرمات، بل حرم بيعها أيضاً. كل ذلك إبعاد للأمة من التلبس بتلك القازورات بأي وجه من الوجوه إلا ما استثني من دباغ جلود الميتة.
قال الترمذي: حديثا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا سلمة بن رجاء قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم قال: ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة.
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، حدثنا أبو النضر، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار نحوه.
(السنن (4/74ح1480- ك الأطعمة، ب ما قطع من الحي فهو ميت) وأخرجه أحمد من طريق عبد الصمد وحماد بن خالد عن عبد الرحمن. قال الترمذي: حديث حسن غريب
…
والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 4/239) وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 5/461) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير 5/150-151) . وانظر تفصيل الكلام على طرق هذا الحديث في (البدر المنير 2/180-192) .
قوله تعالى (
…
فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب اضطراره، ولم يبين المراد بالباغي والعادي، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة، وهي الجوع وهو قوله (فمن اضطر في مخمصة) وأشار أبي أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم، وذلك في قوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) والمتجانف المائل، ومنه قول الأعشى:
تجانف عن حجراليمامة ناقتي
…
وما قصدت من أهلها لسوائكا
فيفهم من الآية أن الباغى والعادي كلاهما متجانف لإثم، وهذا غاية ما يفهم منها.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن اضطر) يعني: إلى شيء مما حرم (غير باغ ولا عاد) يقول: من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى.
أخرج آدم بن أبي، إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (غير باغ ولا عاد) يقول: غير قاطع سبيل، ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية الله عز وجل.
قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب
…
) قال: هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق والهدى والإسلام وشأن محمد صلى الله عليه وسلم ونعته. اهـ. والعبرة بعموم اللفظ.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة نحوه.
وبه عن أبي العالية قوله: (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) يقول: ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم.
قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار)
وبه عن أبي العالية في قوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) : اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة.
وبه عن أبي العالية في قوله (فما أصبرهم على النار) قال: ما أصبرهم وأجرأهم على عمل أهل النار.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار.
انظر الآية رقم (16) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) يقول: هم اليهود والنصارى. في عداوة بعيدة.
انظر الآية رقم (137) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق، فقال الله:(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقة العمل.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة نحوه.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله.
انظر سورة لقمان آية (34) .
قوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل هذا المصدر مضاف إلي فاعله فيكون الضمير عائدا إلى المال ولكنه ذكر في موضع آخر لم يدل على أن المصدر مضاف إلى فاعله وأن المعنى على حبه أي حب مؤتي المال لذلك المال وهو قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ولا يخفى أن بين القولين تلازما في المعنى.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن مسعود (وآتى المال على حبه) أي: يؤتيه وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/272) .
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال:: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى".
(صحيح البخاري- الزكاة، ب 11 رقم 1419) ، (وصحيح مسلم- الزكاة، ب 31 رقم 1032) وقوله تعالى (ذوي القربى)
قال ابن خزيمة: حدثنا أحمد بن عبدة، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن حميد ابن عبد الرحمن، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة -، قال سفيان: وكانت قد صلّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".
(صحيح ابن خزيمة (4/78 ح 2386- ك الزكاة، ب فضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) وأخرجه الحاكم في (المستدرك 1/406) من طريق معمر وابن عيينة عن الزهري به.
وقال الحاكم: هدا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي في (المجمع 3/116) للطبراني في الكبير، وقال: رجاله رجال الصحيح. ونقل في حاشية (المطالب العالية (1/257) قول البوصيري: رواه الطبراني بسند صحيح. وقال الألباني: صحيح (الإرواء 3/404)، وقال محقق صحيح ابن خزيمة: إسناده صحيح.
قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون قال أنا هشام عن حفصة عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة".
(المسند 4/18) ، وأخرجه الحميدي (المسند ص 362 و363) ، والترمذي (السنن - الزكاة رقم 658) ، وابن ماجة (السنن - الزكاة رقم 1494) ، والحاكم (المستدرك 1/407) كلهم عن سلمان بن عامر، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن كثير في التفسير، والألباني في صحيح سنن الترمذي، وابن ماجة) . وله شاهد في الصحيح من حديث زينب امرأة عبد الله (صحيح البخاري -الزكاة - في الزكاة على الزوج والأيتام ح 1466) .
وقوله تعالى (واليتامى)
تقدم حديث: "لا يتم بعد احتلام" عند الآية (83) .
وقوله تعالى (والمساكين)
تقدم بيانه عند الآية (83) أيضاً وهو حديث: "ليس المسكين الذي ترده
اللقمة
…
".
وقوله تعالى (وابن السبيل)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين.
وقوله تعالى (وفي الرقاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان في قول الله: (وفي الرقاب) قال: هم المكاتبون.
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله ابن سعيد (وهو ابن أبي هند) . حدثني إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله، بكل إرب منها، إرباً منه من النار".
(الصحيح (2/1147 ح 1509- ك العتق) .
الحديث يبين عظم فضل تحرير الرقاب.
وقوله تعالى (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) فمن أعطى عهد الله ثم نقضه، انتقم منه، ومن أعلى ذمة رسول الله ثم غدر بها فرسول الله صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة.
قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".
(الصحيح 1/89 ح 33، 34- ك الإيمان، ب علامة المنافق) وأخرجه مسلم في صحيحه (1/78ح85، 59)
الحديث يدل على أن الوفاء بالعهد من علامات الإيمان.
وقوله تعالى (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس)
أخرج عبد الرزاق والطبري وابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) قال: البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد، وحين البأس قال: حين القتال.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا مالمراد بالبأس؟ ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البأس القتال، وهو قوله (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا) كما هو ظاهر من سياق الكلام.
قوله تعالى (أولئك الذين صدقوا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (أولئك الذين صدقوا) يقول: تكلموا بكلام الإيمان وحققوا بالعمل.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان في بنى إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله عز وجل لهذه الأمة:(كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) فالعفو أن يقبل الدية في العمد (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) بالمعروف ويؤدى بإحسان (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) وكتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) قتل بعد قبول الدية.
وأخرج البخاري (الصحيح -العلم، باب 39 رقم 111) ومسلم (الصحيح- الحج، باب فضل المدينة رقم 1370) عن علي رضى الله عنه مرفوعاً: لا يقتل مسلم بكافر.
وقد نص الإمام إسماعيل القاضي الجهضمي في كتابه (أحكام القرآن) على الجمع بين هذه الآية وقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس فقال: الجمع بين الآيتين أولى فتحمل النفس على المكافئة.
(انظر الصحيح 12/198) .
قوله تعالى (والأنثى بالأنثى)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والأنثى بالأنثى) وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن كانوا يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فأنزل الله تعالى:(النفس بالنفس والعين بالعين) فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد سواء رجالهم ونساءهم، في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم في العمد، في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساءهم.
وأخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال: فرماها يهودي بحجر. قال: فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رَمق.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلان قتلك"؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها قال: فلان قتلك؟ فرفعت رأسها فقال لها في الثالثة: فلان قتلك؟ فخفضت رأسها.
فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله بين الحجرين.
(الصحيح- ك الديات، ب إذا كل بحجر أو بعصا.. ح 6877) ، قوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف)
وأخرج البخاري عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فأبوا فعرضوا الأرش، فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس.
كتاب الله القصاص". فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".
(الصحيح- تفسير سورة البقرة رقم 4500) .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (فاتباع بالمعروف) قال: يتبع الطالب بالمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بالإحسان.
أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء)
قال: إذا قتل الرجل عمداً، ثم أخذت منه الدية فقد عفى له عن القتل.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن عفي له من أخيه شيء) وهو العفو عن الدم وأخذ الدية. ثم قال (فمن اعتدى) يقول: بعد أخذه الدية (فله عذاب أليم) .
أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى (فمن اعتدى بعد ذلك) قال: هو القتل بعد أخذ الدية. يقول: من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل، لا تقبل منه الدية.
قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي الجوزاء قال (القصاص) القرآن.
ويشهد له ما تقدم في الصحيح عن أنس: كتاب الله: القصاص.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح بسنده قتادة في قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) قال: جعل الله في القصاص حياة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية نحوه.
قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إن ترك خيراً) يعني: مالاً.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين) : فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم، إلا وصية إن كانت للأقربين، فأنزل الله بعد هذا (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) فبين الله سبحانه ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت.
أخرج البخاري (الصحيح- الوصايا- ب 2 رقم 2742) ومسلم (الصحيح-الوصية- ب الوصية بثلث رقم 1628) عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودنى وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال: "يرحم الله ابن عفراء". قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: الثلث؟ قال: فالثلث والثلث كثير.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله أعطى كل ذي حق حقه لا وصية لوارث.
(أخرجه أحمد (المسند4/187) والترمذي وقال: حسن صحيح (السنن- الوصايا- ب ما جاء لا وصية لوارث رقم 2121) وذكره الحافظ ابن حجر له شواهد كثيرة ونقل عن الشافعي أنه متواتر (فتح الباري 5/372) . وصححه الألباني وقال: إنه متواتر، نقلاً من السيوطى (الإرواء ح 1655) .
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع.
(الصحيح -الوصايا- باب 6 رقم 2747) .
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن بديل، عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر (الهوزني عبد الله بن لحي) ، عن المقدام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك كلا فإلىّ. وربما قال: إلى الله وإلى رسوله. ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له: أعقلُ له، وأرثه، والخال وارث من لا وارث له: يعقل عنه، ويرثه".
(السنن 3/123) - ك الفرائض، ب في ميراث ذوي الأرحام ح 2899) ، وأخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 8/510) وابن ماجه (2/914 ح 2738) وأحمد في مسنده (4/131، 133) والطبراني في الكبير (20/265 ح 626)، والحاكم في المستدرك (4/344) من طرق عن بديل بن ميسرة به. قال أبو زرعة الرازي: حديث حسن (علل ابن أبي حاتم 2/50 ح 1636) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وحسنه العلامة ابن القيم رحمه الله، ورد على من تكلم فيه في بحث له نافع (تهذيب السنن 4/170-171) وحسنه الألباني (صحيح الجامع 6147) . هذا مع تصحيح ابن حبان له، حيث أخرجه في صحيحه (الإحسان 7/611 ح 6003) .
قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) وقد وقع أجر الميت على الله وبرئ من إثمه.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه) قال: من بدل الوصية بعد ما سمعها فإن إثم ما بدل عليه.
قوله تعالى (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن خاف من موص جنفاً) يعني: إثماً، يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه) قال: هذا حين يُحضر الرجل وهو يموت فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصر قالوا: افعل كذا، اعط فلاناً كذا.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يرد من صدقة الحائف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال:"الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً". فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً".
(الصحيح (4/102 ح 1891) - كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان..) وأخرجه مسلم (1/40-41 ح 11) - ك الإيمان، ب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإيمان) .
أخرج البخاري عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة رقم 5404) .
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) : أهل الكتاب.
قوله تعالى (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)
أخرج البخاري (الصحيح- الصوم، باب 34 ح 1944) ومسلم (الصحيح- الصيام، باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر ح 88) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس.
قال أبو عبد الله البخاري: والكديد ماء بين عسفان وقديد.
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر".
(الصحيح- الصوم، باب 33 ح 1943) .
أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو معاوية، عن عاصم، عن مورق، عن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع الني صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذهب المفطرون اليوم بالأجر".
(الصحيح (3/788 ح 1119- ك الصيام، ب أجر المفطر في السفر إذا تولى لعمل) .
وانظر الأحاديث الآتية عند الآية (185) من السورة نفسها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن شاء تابع وإن شاء فرق لأن الله يقول: (فعدة من أيام أخر) .
أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا بالصوم.
أخرج البخاري عن ابن عمر قرأ (فدية طعام مساكين) قال: هي منسوخة.
(الصحيح- الصوم- ب 39 ح 1949) .
وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
(الصحيح- التفسير، ب 26 ح 4507) .
وثبت عن ابن عباس أنه يرى عدم النسخ ففد أخرج البخاري بسنده عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً.
(الصحيح- التفسير- سورة البقرة، ب 35 ح 4505) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يتصدق بكل يوم نصف صاع.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (فمن تطوع يراً) فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له وأن تصوموا خير لكم.
قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
…
)
أخرج البخاري عن ابن عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا، وخنس الإبهام في الثالثة".
(الصحيح- الصوم، ب 11 ح 1908) .
أخرج البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنا أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا". يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
(الصحيح- الصوم، ب 13 ح 1913) .
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) لم يبين هنا هل أنزل في الليل أو النهار؟ ولكنه بين في غير هذا الموضع أنه أنزل في ليلة القدر من رمضان وذلك في قوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)
…
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقد أنزل الله قرآناً في شوال وذي القعدة وغيره. قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.
وقوله تعالى (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)
أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين".
(صحيح البخاري- الصوم، ب 5 ح 1899) ، (وصحيح مسلم- الصيام، ب فضل شهر رمضان ح 758) . وهذا الحديث بيان بعض أفراد الآية.
قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
أخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له".
(صحيح البخاري- الصوم، ب 11 ح 1906) ، (وصحيح مسلم- الصيام ح 760) .
وقوله تعالى (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر)
انظر الآية السابقة رقم (184) .
قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر -جعفر بن إياس اليشكري- عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء، عن محجن، قال أخذ محجن بيدي حتى انتهينا إلى مسجد البصرة
…
فذكر الحديث أبي أن قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي حتى انتهينا إلى سدة المسجد، فإذا رجل يركع ويسجد ويركع ويسجد فقال لي:"من هذا"؟ فقلت: هذا فلان، فجعلت أطريه وأقول: هذا هذا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تسمعه فتهلكه". ثم انطلق بي حتى بلغ باب حجره، ثم أرسل يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير دينكم أيسره". قالها ثلاثاً.
(المسند ص 183 ح 1295-1296) وأخرجه أحمد في المسند (5/32) ، والبخارى في الأدب المفرد (1/433 ح 341) ، والطبراني في المعجم الكبير (20/296 ح 704) ، والمزي في تهذيبه (9/160) -من طريق الطبراني- أربعتهم من طريق أبي عوانة. وأخرجه أحمد في المسند (4/338) ، والطبراني في الكبير (ح 705) ، كلاهما من طريق شعبة، كلاهما -شعبة وأبو عوانة- عن أبي بشر به نحوه. قال الحافظ العراقى: إسناد جيد (تخريج الإحياء 1/40) . وقال الهيثمى: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا رجاء، وقد وثقه ابن حبان. (مجمع الزوائد 3/308) قلت: ووثقه أيضاً العجلي (تاريخ الثقات ص 160 رقم 440) . ورمز السيوطي للحديث بالحسن (الجامع الصغير مع فيض القدير 2/236) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع ح 1769) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال: اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصيام في السفر.
أخرج البخاري عن أنس مرفوعاً: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".
(الصحيح- العلم- باب 11 ح 69) وأخرجه مسلم في صحيحه (3/1359 ح 1734) .
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن زيد بن أسلم في قوله (ولتكبروا الله على ما هداكم) قال: التكبير يوم الفطر.
قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع
…
)
انظر تفسير آية 152.
وأخرج البخاري (الصحيح- الجهاد- باب 131 ح 2992) ومسلم (الصحيح- الذكر- باب 13 ح 2704، بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا، ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده".
واللفظ للبخاري. أخرج البخاري (الصحيح- الدعوات، باب 22 ح 6340) ومسلم (الصحيح في الذكر والدعاء، باب 25 ح 2735) بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي".
وفي صحيح مسلم عنه بلفظ: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ".
(الصحيح 3/35-36 ح 1145- ك التهجد، ب الدعاء والصلاة من آخر الليل) . وأخرجه مسلم (1/521- ك صلاة المسافرين، ب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل) .
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن. أخبرنا محمد بن يوسف عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير أن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقل رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر".
(جامع الترمذي (5/566 ح 3573- ك الدعوات، ب في انتظار الفرج وغير ذلك) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وقال الحافظ ابن حجر: صحيح (فتح الباري 11/96) .
وقال الألباني- حسن صحيح (صحيح الترمذي ح 2827) وقال مرة: إسناده حسن. (صحيح الأدب المفرد ص 264/حاشية) . وللحديث شاهد من رواية أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه، أخرجه أحمد في (المسند 3/18) ، والبخاري في الأدب المفرد (رقم 710 ب ما يدخر للداعي من الأجر والثواب) ، وأبو يعلى في مسنده (2/296 ح 1019) ، والطبراني في الدعاء (2/801-802 ح 35-37) .
والحاكم في المستدرك (1/493) ، من طرق، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد به نحوه، وفيه زيادة خصلة ثالثة وهي: وإما أن يدخر له في الآجرة. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد
…
ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي: لأحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني، ثم قال: ورجال أحمد وأبي يعلي وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/148- 149) . وقال الحافظ ابن عبد البر: محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث أبي سعيد الخدري (تجريد التمهيد ص53، والتمهيد 5/343) . وقال الألباني. صحيح (صحيح الأدب المفرد رقم 547/710) .
وقال في حاشية الكتاب المذكور: إسناد حديث أبي سعيد صحيح، وصححه الحاكم والذهبي، وأقره الحافظ. يعني: ابن حجر في (الفتح) في الموضع المذكور عاليه.
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار. حدثنا أبي عاصم. حدثنا الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".
حدثنا علي بن حجر. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائى عن يحيى ابن أبي كثير بهذا الإسناد نحوه: وزاد فيه: "مستجابات لا شك فيهن".
(السنن 5/502 ح 3448- ك الدعوات، ب 48) وأخرجه الطيالسي في مسنده (رقم 2517) وأبو داود في سننه (2/187 ح 1536) وابن ماجه في سننه (2/1270 ح 3862) ، والبخارى في الأدب المفرد (1/103 ح 32- ب دعوة الوالدين) وأحمد في المسند (2/258) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 4/167 ح 2688) كلهم من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى به مثله. واختلف في تعيين (أبي جعفر) راويه عن أبي هريرة، وقد نقل الشيخ الألباني الخلاف في ذلك، وخلص إلى أنه: إما مجهول أو منقطع أو مرسل، إلا أن الحديث حسن لغيره، وذلك لوجود شاهد له من حديث عقبة بن عامر عند أحمد وغيره (انظر: السلسلة الصحيحة 2/147-149ح 596) . والحديث قال عنه الترمذي: حسن. وحسنه كذلك الحافظ ابن حجر -فيما نقله الشيخ الألباني عنه في المصدر السابق- وحسنه الشيخ الألباني -كما مضى- (صحيح الأدب المفرد 24/32، صحيح الجامع ح 3031) وصححه الشيخ أحمد شاكر (حاشية المسند رقم 7501) .
قوله تعالى (
…
لعلهم يرشدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (لعلهم يرشدون) يعني يهتدون.
قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنهم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم)
أخرج البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها:"أعندك طعام؟ " قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت:(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) .
(الصحيح- الصوم- باب 15- ح 1915) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (الرفث) : الجماع.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) قال: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن.
وصحيحه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/275) .
أخرج البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه: "لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله:(علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) .
(الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 27 ح 4508) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في قوله تعالى ذكره: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حُرِّم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله:(علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن) يعني: انكحوهن، (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) .
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر. أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن (وهو ابن معمر بن حزم الأنصاري أبو طوالة) أن أبا يونس مولى عائشة أخبره عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله! تدركني الصلاة وأنا جنب. أفأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم" فقال: لست مثلنا. يا رسول الله! قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: "والله! إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم. بما أتقى".
(الصحيح 2/781 ح1110- ك الصيام، ب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب) .
فيه بيان جواز الجماع ليلة الصيام حتى يتبين الصبح كالأكل والشرب.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المباشرة: هو الجماع ولكن الله يكني.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ومجاهد (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال: الولد.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال: الرخصة التي كتبت لكم.
قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
…
)
قال البخاري: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "تسحروا، فإن في السحور بركة"
(الصحيح 4/139 ح 1923- كتاب الصيام، باب بركة السحور من غير إيجاب) وأخرجه مسلم (2/770 ح 1095) .
أخرج البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال: أنزلت (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل (من الفجر) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده (من الفجر) فعلموا أنما يعني: الليل من النهار.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة، ب 28 ح 4511) .
قال الترمذي: حدثنا هناد. حدثنا ملازم بن عمرو. حدثني عبد الله بن النعمان عن قيس بن طلق. حدثني أبي طلق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر".
(جامع الترمذي 3/76 ح 705- ك الصوم، ب ما جاء في بيان الفجر) ، وأخرجه أبو داود (2/304 ح 2348) وأحمد في مسنده (4/23) والطبراني في الكبير (8/403-404 ح 8257) وابن خزيمة في صحيحه (3/211 ح 1930) ، والدارقطى في سننه (2/166 ح 7) كلهم من طريق عبد الله بن النعمان به. وعند الدارقطني والطبراني قصة وقعت بين عبد الله بن النعمان وقيس بن طلق، وهو عند أحمد مختصر بلفظ:"ليس الفجر المستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر". قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وغمزه الدارقطني بقيس بن طلق، وتوقف ابن خزيمة في صحته لعدم معرفته عبد الله بن النعمان بعدالة ولا جرح. وقد رد الشيخ الألبانى ذلك فقال عن قيس بن طلق: وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، ووهاه أبو حاتم، وقال الحافظ: صدوق. قال: فمثله حسن الحديث إن
شاء الله تعالى إن لم يخالف. ثم رأيت الذهبي ذكر عن ابن القطان أنه قال: يقتضي أن يكون خبره حسناً لا صحيحاً. فالحمد لله على توقيفه (الصحيحه 5/50-51) ، وأما عبد الله بن النعمان، فقال: وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، وقد روى عنه ثقتان
…
فحاله قريب من حال شيخه قيس بن طلق، ولكنه قد توبع، فقال عبد الله بن بدر السحيمي: حدثني جدي قيس بن طلق به، أخرجه الطحاوي (1/325) . وجملة القول: أن الحديث حسن. وله شاهد من حديث سمرة بن جندب مرفوعاً نحوه
…
(الصحيحة 5/51) . وقال لي حاشية ابن خزيمة: إسناده حسن.
أخرج البخاري (الصحيح -الصوم- باب 16 ح 1916) ومسلم (الصحيح -الصيام- ح 1090) عن عبدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال:"إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار".
أخرج الطبري وأحمد (المسند 5/405) بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه".
وقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلي الليل)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم".
(الصحيح -الصوم- باب 49 ح 1965) .
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".
(الصحيح 4/198 ح 1957- ك الصيام، ب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره) ، وأخرجه مسلم (2/771 ح 1098) .
أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم".
(الصحيح -الصوم، ب 43 ح 1954) .
قوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)
قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا الحاجة إذا كان معتكفاً".
(الصحيح 4/273 ح 2029- ك الصيام، ب لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) . وأخرجه مسلم (1/244 ح 297) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) في رمضان أو في غير رمضان فحرم الله أن ينكح النساء ليلاً ونهاراً حتى يقضي اعتكافه.
قوله تعالى (تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (تلك حدود الله) يعني: طاعة الله.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد (لعلهم يتقون) قال: يطيعون.
قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وتدلوا بها إلى الحكام) قال: هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم آكل حراماً.
أخرج البخاري عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تخَتصمون إليَّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها".
(الصحيح- الشهادات، ب من أقام البينة ح 2680) ومسلم (الصحيح -الأقضية، ب الحكم بالظاهر ح 1713)
وذكره ابن كثير ثم قال: فدلت هذه الآية وهذا الحديث أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراماً هو حرام ولا يحرم حلالاً هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره.
قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم".
(المسند 5/425) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/587 ح 5946) ، والبيهقي في سننه (6/100) ، كلاهما من طريق سليمان بن بلال، عن سهيل به. وقد وقع في إسناد البيهقي: عبد الرحمن بن سعد (بدل) عبد الرحمن بن سعيد، وقال البيهقي: هو ابن سعد بن مالك، وسعد بن مالك هو أبو سعيد الخدري، ورواه أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان، فقال: عبد الرحمن بن سعيد
…
يعنى: كما في رواية أحمد وابن حبان.
وقد رجح الشيخ الألباني رواية (عبد الرحمن بن سعيد) وأنه: عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع أبو محمد المدني (إرواء الغليل 5/280) . ولعل الصواب عبد الرحمن بن سعد، وهو ابن أبي سعيد الخدري كما ذهب البيهقي، وذلك أن عبد الرحمن بن سعيد هو المعروف بالرواية عن أبي حميد، ولم أقف على من ذكر عبد الرحمن بن سعيد في الرواة عن أبي حميد. وقد وقع اختلاف آخر في إسناد هذا الحديث، وبين البيهقي في السنن (6/97) ذلك الخلاف، ثم روى، إسناده عن علي بن المديني -إمام العلل- أنه قال: الحديث عندي حديث سهيل -يعنى المتقدم عاليه عند أحمد وابن حبان- (السنن 6/100)، وكذا نقله عن ابن المديني: ابن حجر رحمه الله (التلخيص الحبير 3/46) . وقال عنه الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 4/171) . وهذا من الأدلة أيضاً على ترجيح القول بـ (عبد الرحمن بن سعيد) ؛ لأن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ليس من رواة الصحيح وقال عنه الشيخ الألباني: صحيح (الإرواء 5/279) . وله شواهد عدة تنظر في (الإرواء) و (التلخيص الحبير 3/46) ، غير أن حديث أبي حميد أصح ما في الباب، كما في (التلخيص)، لابن حجر. علماً أن لفظ حديث أبي حميد عند ابن حبان والبيهقي:"لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه.....".
قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج
…
)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) يقول: جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وعدة نسائهم ومحل دينهم.
وأخرجه الطبري بنحوه بسند حسن عن قتادة. فيتقوى المرسل.
وبه إلى أبي العالية (قل هي مواقيت للناس والحج) يقول: مواقيت لحجهم ومناسكهم.
انظر حديث البخاري ومسلم عن ابن عمر المتقدم عند الآية (185) من السورة نفسها، وهو حديث "لا تصوموا حتى تروا الهلال
…
".
قوله تعالى (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها)
أخرج البخاري بسنده عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها) .
(الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب 29 ح 4512) . وأخرجه مسلم بسنده عن البراء بلفظ: "كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها
…
) .
(الصحيح- التفسير ح 3026) .
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولكن البر من اتقى) يصرح هنا بالمراد بمن اتقى، ولكنه بينه بقوله:(ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) .