الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)
أخرج مسلم بإسناده عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم"
((الصحيح رقم 2996 - الزهد، ب في أحاديث متفرقة)) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن قال: قال الله للملائكة: (إني جاعل في الأرض خليفة) قال لهم إني فاعل.
(ورجاله ثقات إلا الحسن ومبارك فصدوقان ومبارك مدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالسماع وقد صرح فالإسناد حسن. وأخرجه الطبري من طريق جرير بن حازم ومبارك وأبي بكر الهذلي كلهم عن الحسن وقتادة بلفظه) .
قال محمد بن سعد. أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف عن قسامة بن زهير قال سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك".
((الطبقات الكبرى 1/26) . وأخرجه أحمد (المسند 4/400)، والترمذي (السنن رقم 2955 - التفسير - سورة البقرة) عن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر عن عوف به. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود من طريق يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد (السنن رقم 4693 - السنة، ب في القدر) ، وأخرجه الحاكم من طريق معمر كلهم عن عوف به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/261، 262) ، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة رقم 16
30)
، وأحمد شاكر في (تفسير الطبري رقم 645) . وذكره السيوطي ونسبه إليهم وإلى غيرهم (الدر المنثور 1/118)) .
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
((صحيح البخاري رقم 3326 - الأنبياء، ب خلق آدم) ، (وصحيح مسلم رقم 2840 - الجنة وصفة نعيمها، ب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) . واللفظ للبخاري. وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى غيرهما (الدر المنثور 1/118)) .
قال مسلم: حدثنا حسن بن علي الحلواني. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع. حدثنا معاوية (يعني ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله ابن فروخ، أنه سمع عائشة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى. فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار".
قال أبو توبة: وربما قال (يمسي) .
((الصحيح رقم 1007 - الزكاة، ب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف)) .
قوله تعالى (قالوا أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء)
قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد قال الله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما قال الله (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يعنون الجن بني الجان فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور قال فقال الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها كما فعل أولئك الجن بنو الجان قال فقال الله (إني أعلم ما لا تعلمون) .
(وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك 2/261) . وقد يكون هذا الخبر من أهل الكتاب ولكنه من الأخبار التي لا تخالف نصا من الكتاب والسنة) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (أتجعل فيها من يفسد فيها) قال كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فذلك حين قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
قوله تعالى (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)
أخرج مسلم بإسناده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده. سبحان الله وبحمده.
((الصحيح رقم 2731 - الذكر والدعاء، ب فضل سبحان الله وبحمده) ، وأخرجه البغوي في تفسيره من طريق مسلم به) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (ونحن نسبح بحمدك) قال: التسبيح، التسبيح.
وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (نسبح لك ونقدس لك) قال: نعظمك.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ونقدس لك) قال: نعظمك ونكبرك.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (ونقدس لك) قال: التقديس: الصلاة.
قوله تعالى (قال إني أعلم ما لا تعلمون)
قال الطبري: وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد -وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل- قالا جميعا: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(إني أعلم ما لا تعلمون) قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها.
(وإسناده صحيح. وأخرجه اللالكائي من طريق علي بن بذيمة عن مجاهد بلفظه. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص 546)) .
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) قال: علم من إبليس المعصية.
وأخرجه الطبري أيضاً من طرق أخرى عن مجاهد بنحوه.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: (إني أعلم ما لا تعلمون) فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة.
أخرج البخاري ومسلم بإسناديهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
((صحيح البخاري رقم 555 - مواقيت الصلاة، ب فضل صلاة العصر) ، (وصحيح مسلم رقم 210 - المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل صلاتي الصبح والعصر) واللفظ للبخاري. وذكره ابن كثير ثم قال: فقولهم أتيناهم وهم يصلون من تفسير قوله لهم (إني أعلم ما لا تعلمون) . (التفسير 1/130)) .
قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها)
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي وخلاد بن يحيى قالا: أخبرنا مسعر بن أبي حصين قال: قال لي سعيد بن جبير أتدري لم سمي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض.
((الطبقات الكبرى 1/26)، ورجاله ثقات إلا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي صدوق وقد تابعه محمد ابن عبد الله الأسدي. وأبو حصين هو: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي. فالإسناد صحيح) .
وأخرجه الطبري عن أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد، قال حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: خلق آدم من أديم الأرض، فسمى آدم.
(ورجاله ثقات إلا أحمد بن إسحاق وهو الأهوازي: صدوق. وأبو حصين: هو عثمان بن عاصم المتقدم في رواية ابن سعد فالإسناد حسن. وانظر إلى قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) وقد ورد في الحديث المتفق عليه أن الله تعالى علمه أسماء كل شيء) .
فأخرج الشيخان بسنديهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا
…
" الحديث.
((الصحيح رقم 4476 - التفسير - سورة البقرة، ب قول الله (وعلم آدم الأسماء كلها)) .
(وصحيح مسلم رقم 322 - الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها) . واللفظ للبخاري) .
قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك ابن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، قال سمعت أبا سلام قال: سمعت أبا أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم. قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون.
((الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) 14/69 ح 6190) ، وذكره ابن كثير بسنده ومتنه ثم قال: وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. ا. هـ (قصص الأنبياء 1/60) . وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ح 7545) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع به. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 8/210) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة. وأخرجه الحاكم من طريق أبي توبة وأطول وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/262) ، وصححه أيضاً محقق الإحسان) .
قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (وعلم آدم الأسماء كلها)، قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء. ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة (ثم عرضهم) قال علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة.
قوله تعالى (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (بأسماء هؤلاء) قال: بأسماء هذه التي حدثت بها آدم.
قوله تعالى (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا)
تقدم حديث مسلم ورواية الطبري وابن أبي حاتم عند قوله تعالى (ونحن نسبح بحمدك) .
قوله تعالى (إنك أنت العليم الحكيم)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله (الحكيم) قال: حكيم في أمره.
قوله تعالى (قال يا آدم أنبئهم بأسماءهم فلما أنبأهم بأسماءهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه.
قوله تعالى (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) قال: أسروا بينهم فقالوا: يخلق الله ما يشاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا ونحن أكرم عليه منه.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فكان الذي كتموا قولهم لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم.
قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق
آدم أو بعد خلقه؟ وقد صرح في سورة الحجر وص بأنه قال لهم ذلك قبل خلق
آدم. فقال في الحجر (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وقال في
سورة ص (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قول الله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) قال للملائكة الذين كانوا في الأرض.
قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) الكهف: 50. كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن.
وهذا التفسير مستنبط من قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) .
وأخرج الطبري عن محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس.
(وذكره ابن كثير وصحح إسناده (التفسير 1/140)) .
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) الأعراف:12. وقوله (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) الحجر: 33.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته.
ومعنى: استكبر أي تكبر فالسين للمبالغة.
((انظر تفسير القاسمي 2/101)) .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكبر وخطره. فأخرج مسلم بإسناده عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر
…
الكبر بطر الحق وغمط الناس".
((الصحيح رقم 147 - الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه)) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (أبى واستكبر وكان من الكافرين) حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري وهذا طيني. فكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم.
قوله تعالى (وكان من الكافرين)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (وكان من الكافرين) يعني: من العاصين.
وأخرج البغوي عند آخر هذه الآية بإسناده عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا جرير ووكيع وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فأطاع فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
((التفسير 1/63) وإسناده صحيح. وأخرجه مسلم في (صحيحه من حديث أبي هريرة - كتاب الإيمان، ب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم 133)) .
قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
(ورجاله ثقات على شرط الشيخين وإسناده صحيح. وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح الهمداني) .
وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تبارك وتعالى (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) قال: خلق الله آدم يوم الجمعة وأدخله الجنة يوم الجنة فجعله في جنات الفردوس.
وله شاهد من الصحيح كما سيأتي عند قوله تعالى (فأخرجهما مما كانا فيه) .
وقوله تعالى (أنت وزوجك) يوحي أن حواء قد خلقت. وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خلقها فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء".
((فتح الباري رقم 3331 - أحاديث الأنبياء، ب خلق آدم وذريته) ، (وصحيح مسلم رقم 60 - الرضاع، ب الوصية بالنساء) . واللفظ للبخاري. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير. أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم. (فتح الباري 6/368)) .
قوله تعالى (وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
…
)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (رغدا) قال: لا حساب عليهم.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما) ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدم كما ابتلي الخلق قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء، غير شجرة واحدة نهي عنها، وقدم إليه فيها، فما زال البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه.
انظر الآية رقم (58) من السورة نفسها.
قوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا خالد بن خداش المهلبي ثنا حماد بن زيد عن الزبير بن خريت، عن عكرمة قال: إنما سمي الشيطان لأنه تشيطن.
(ورجاله ثقات إلا خالد بن خداش صدوق فالإسناد حسن) .
وقد فصل الله تعالى كيف أزلهما الشيطان كما في سورة طه آية (116-123) قال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) .
قوله تعالى (فأخرجهما مما كانا فيه)
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها".
((الصحيح رقم 854 - الجمعة، ب فضل يوم الجمعة) ، وذكره ابن كثير في التفسير (1/148) .
وانظر الآيات السابقة من سورة طه) .
قوله تعالى (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو)
أخرج آدم بن أبي إياس بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني: إبليس وآدم.
قوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله (ولكم في الأرض مستقر) هو قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا) البقرة: 22.
قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات) هو قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .
((التفسير ص 35) ، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بإسناده عن سعيد عن قتادة عن الحسن بلفظه. وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن) .
قوله تعالى (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)
قال المروزي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جرير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن المستورد بن أحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: صلبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فكان إذا مر بآبة رحمة سأل، وإذ مر بآية عذاب تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح.
((تعظيم قدر الصلاة 1/327 رقم 315) . ورجاله ثقات على شرط مسلم وإسناده صحيح. وقد روى أبو داود وأحمد والترمذي في الشمائل والطبراني في المعجم الكبير ومسند الشاميين والبيهقي في السنن الكبرى وشعب الإِيمان من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ. وحسنه محقق شعب الإيمان انظر (شعب الإيمان 5/57 مع الحاشية) ، وانظر (مسند أحمد 2/24) ، (وسنن النسائي الدعاء في السجود 2/223) ، والسنن (الكبرى 2/310)(والمعجم الكبير 18/61 رقم 113) ، (وتحفة الأشراف 8/213 رقم 10912)) .
قوله تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا)
انظر الآية السابقة رواية آدم بن أبي إياس عن مجاهد.
قال عبد الرزاق قال: نا معمر، وأخبرني عوف أيضاً عن قسامة عن أبي موسى أن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
((التفسير ص 35)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وقسامة: هو ابن زهير المازني معروف بالرواية عن أبي موسى الأشعري وبرواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي عنه. (انظر تهذيب الكمال ل 1129)) .