المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: مكان العرش - العرش وما روي فيه

[محمد بن عثمان بن أبي شيبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه

- ‌الفصل الأول: تعريف العرش

- ‌المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش

- ‌المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش

- ‌الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش

- ‌الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: صفة العرش وخصائصه

- ‌المبحث الأول: خلق العرش وهيئته

- ‌المبحث الثاني: مكان العرش

- ‌المبحث الثالث: خصائص العرش

- ‌الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش

- ‌المبحث الأول: الكلام على حملة العرش

- ‌المبحث الثاني: الكلام على الكرسي

- ‌الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء

- ‌الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو

- ‌المبحث الأول: أقوال المخالفين

- ‌المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم

- ‌الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه

- ‌المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء

- ‌المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء

- ‌الباب الرابع: التعريف بالمؤلف

- ‌الفصل الأول: عصر المؤلف

- ‌الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية

- ‌الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة

- ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة

- ‌الباب السادس: قسم التحقيق

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: مكان العرش

‌المبحث الثاني: مكان العرش

إن الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى لتدل دلالة واضحة على أن لعرش الرحمن مكانا قبل وجود السموات والأرض وبعد خلقهما، فأما مكانه قبل خلق السموات والأرض فالآيات والأحاديث تبين لنا أن مكانه على الماء، فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} .

قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} ، يقول وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} قبل أن يخلق شيئا"1.

وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة، منها حديث عمران بن حصين الذي جاء فيه:"كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض".

وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "كتب الله

1 "تفسير الطبري": (12/ 4) .

ص: 79

مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء".

وكذلك حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال:"كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء".

فكل من الآية والأحاديث تدل دلالة قاطعة على أن مكان العرش منذ خلقه على الماء، وليس المراد بالماء هنا ماء البحر، لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى1.

وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماء} على أي شيء كان الماء، قال: على متن الريح2.

وعن سليمان التيمي أنه قال: "لو سألت أين الله، لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء، لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء، لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله وذلك لقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَاّ بِما شَاءَ} 3"4.

1 "فتح الباري": (13/ 411) .

2 انظر تخريج الأثر في التحقيق تحت رقم 2.

3 سورة البقرة، الآية:255.

4 "خلق أفعال العباد": ص 127.

ص: 80

هذا مكان العرش قبل خلق هذا الكون الذي هو عبارة عن السموات والأرض، أما مكانه بعد خلق السموات والأرض فالحديث عنه من جانبين:

الجانب الأول: مكانه بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات.

الجانب الثاني: مكانه بالنسبة إلى السموات والأرض بعد خلقهما.

أما مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات فهو أقربها إليه سبحانه، وذلك لأن الله سبحانه قد أخبر أنه مستو على عرشه في أكثر من موضع في القرآن الكريم قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ففي إثبات الاستواء على العرش دليل على قربه إليه، لأنه- سبحانه- مستو على أعلى مخلوقاته وأقربها إليه، وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه، ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله ما جاء في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولكن ربنا- تبارك وتعالى اسمه- إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم، فيخبرونهم ماذا قال"1.

فالحديث يدل على أن حملة العرش هم أول من يتلقى أمر الله، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات، فكونهم أقرب الخلق إلى الله

1 سيأتي تخريجه في التحقيق تحت رقم 21.

ص: 81

دليل على أن العرش أقرب منهم إليه – سبحانه - لأنهم إنما يحملونه.

أما مكان العرش بالنسبة للسموات والأرض بعد خلقهما وهل مازال على الماء،

فالجواب ما يلي: إن العرش ما يزال على الماء المذكور في الآية والأحاديث، بدليل ما جاء في حديث الأوعال، في قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم فوق السماء السابعة بحر، بين أعلاه وأسفله، مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك كله ثمانية أملاك أوعال، ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش".

فالحديث يشير كما أسلفنا إلى وجود ذلك الماء الذي تحت العرش، وإلى أنه مازال موجودا إلى ما بعد خلق السموات والأرض. أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها، وفوقها، وهو كالقبة عليها، كما جاء في الحديث:"إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى حديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض، وأعلى منهما، وهو كالسقف عليهما، بل هو سقف الجنة، كما في الحديث:"إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن"1.

1 تقدم تخريجه ص 35.

ص: 82

فمكان العرش فوق السموات والأرض، وفوق الجنة، وهو أعلى المخلوقات، وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع والله أعلم.

ص: 83