المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: عصر المؤلف - العرش وما روي فيه

[محمد بن عثمان بن أبي شيبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه

- ‌الفصل الأول: تعريف العرش

- ‌المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش

- ‌المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش

- ‌الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش

- ‌الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: صفة العرش وخصائصه

- ‌المبحث الأول: خلق العرش وهيئته

- ‌المبحث الثاني: مكان العرش

- ‌المبحث الثالث: خصائص العرش

- ‌الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش

- ‌المبحث الأول: الكلام على حملة العرش

- ‌المبحث الثاني: الكلام على الكرسي

- ‌الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء

- ‌الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو

- ‌المبحث الأول: أقوال المخالفين

- ‌المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم

- ‌الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه

- ‌المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء

- ‌المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء

- ‌الباب الرابع: التعريف بالمؤلف

- ‌الفصل الأول: عصر المؤلف

- ‌الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية

- ‌الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة

- ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة

- ‌الباب السادس: قسم التحقيق

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: عصر المؤلف

‌الباب الرابع: التعريف بالمؤلف

‌الفصل الأول: عصر المؤلف

أولا: الحالة السياسية:

عاش محمد بن عثمان بن أبي شيبة في القرن الثالث الهجري، فقد كان مولده في العشر الأول من هذا القرن، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة، وقد شهد في هذه الفترة من حياته دولة الخلافة العباسية في مختلف مراحلها وعاصر عددا من خلفائها فقد أدرك بعضا من عصر المأمون (198- 211) ، وأدرك عصر المعتصم (18 2- 221) ، والواثق (127- 231) ، والمتوكل (132- 47 1) ، والمنتصر (147- 241) ، والمستعين (148- 251) ، والمعتز (152- 251) ، والمهتدي (155- 251) ، والمعتمد (156- 271) ، والمعتضد (179- 281) ، والمكتفي (189- 291) ، وبعض عصر المقتدر (195- 321) .

والذي يعنينا هنا هو تصور الجو السياسي في تلك الحقبة من الزمن، فقد كانت مشحونة بالفتن والاضطرابات والصراعات التي كانت تنتاب الدولة العباسية من حين إلى حين- وقد كانت هذه الصراعات في مجملها ذات أهداف شخصية لا تمت إلى الإسلام بصلة، وكان الهدف الرئيسي منها هو السيطرة على زمام الدولة العباسية، أو الاستئثار بحكم

ص: 193

إقليم معين، أو منصب، أو وزارة في الدولة، فابتداء من عصر المأمون والحرب التي دارت بينه وبين أخيه الأمين، والتي هي في حقيقتها ليست إلا لونا مقنعا من الحرب بين العرب والفرس، فكان العرب وراء الأمين، والفرس وراء المأمون، وما ثورة "نصر بن شبث" ضد المأمون الأخير دليل ونموذج على ذلك1.

ثم إن الفرس أنفسهم حاربوا المأمون وجها لوجه مثلما كان من "حرب البابكية"2 بزعامة قائدهم "بابك الخرمي"، الذي خرج على المأمون وانتصر عليه في بعض المواقع، ومات المأمون ولم يستطع القضاء على هذه الثورة بل خلفها لأخيه المعتصم.

هذا بالإضافة إلى الثورات والتمردات والفتن الأخرى مثل: "حركة الزط"3، و "ثورة المصريين"4، و "فتنة خلق القرآن" التي كانت أعظم هذه الفتن، والتي لم يسلم من تيارها المحدثون والفقهاء.

ففي سنة ثماني عشرة ومائتين كتب الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد إلى ابن الحسين إسحاق بن إبراهيم ببغداد في امتحان

1 انظر التفصيل في: "تاريخ الطبري": (8/ 577، وما يليها) من الحوادث سنة 205 إلى سنة 210 هـ، و"تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم:(2/ 179، وما بعدها) .

2 انظر: "مروج الذهب" للمسعودي: (4/ 29) .

3 "تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم: (2/ 69- 70) .

4 "تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم: (2/ 69- 70) .

ص: 194

القضاة والمحدثين بخلق القرآن، فمن أقر أنه مخلوق خلي سبيلا ومن أبى أعلمه به ليأمره فيه برأيه وطول كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن1.

وهكذا استمرت هذه المحنة التي شغلت المأمون أكثر مما شغلت المعتزلة، وعنى بها المأمون نفسه كما عنى بها المسلمون، ووقف المأمون يناصب العداء كل من خالفه في هذه المسألة، وسومه سوء العذاب2.

ثم يأتي المعتصم من بعد أخيه المأمون، ولم يكن عصره أحسن حالا من عصر أخيه، فقد ورث الخلافة وورث معها الثورات والفتن والاضطرابات التي لم يستطع المأمون القضاء عليها أو التخلص منها، فتورط المعتصم فيما تورط فيه المأمون من القول بخلق القرآن، واستمرت المحنة في عصره، وكذلك واجهته الكثير من المصاعب في القضاء على "فتنة الزط"3، الذين عاثوا في طريق البصرة فسادا، فقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، وكذلك في القضاء على ثورة "بابك الخرمي"4، التي خلفها له المأمون وقد أنهاها المعتصم بعد جهد كبير.

1 انظر التفصيل في: "تاريخ الطبري": (8/ 631، 645)، و"البداية والنهاية":(10/ 272، وما بعدها)، و "تاريخ بغداد":(14/ 15) .

2 "تاريخ الأمم الإسلامية"، ص. 210- 215.

3 "تاريخ الطبري": (9/ 8- 11)، "البداية والنهاية":(10/ 282)، و"العصر العباسي الثاني" لشوقي ضيف: ص.10- 11.

4 "تاريخ الطبري": (9/ 11، وما بعدها)، و"البداية والنهاية":(10/ 282، وما بعدها) .

ص: 195

وبالإضافة إلى ذلك فقد ضعفت ثقة المعتصم ومن جاء بعده من الخلفاء بالعرب1.

فذهب المعتصم يشتري الأتراك ويجمعهم، حتى اجتمع له منهم عدد كبير، فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة2، ثم إنه اعتمد عليهم في تسيير أمور الدولة فأسند إليهم الولايات ومناصب الدولة، وأدر عليهم الهبات والأرزاق، وآثرهم على العرب والفرس في كل شيء3.

وقد كان لهذا التصرف من قبل المعتصم أثره السيء على دولة الخلافة، فقد بلغ من نفوذ هؤلاء الأتراك في العصر العباسي الثاني أنهم استولوا على زمام الأمور في بغداد والعراق، واستبدوا بالسلطة من دون الخلفاء إلى درجة أنهم كانوا هم الذين يعينون الخلفاء وهم الذين يعزلونهم، وكانوا أحيانا لا يتورعون عن قتل الخلفاء فقتلوا مثلا المتوكل، والمهتدي بالله، والمقتدر، والراضي4.

وقد تولى الخلافة من بعد المعتصم ابنه الواثق الذي استمر فيما كان عليه أبوه المعتصم وعمه المأمون فيما يتعلق بالقول بخلق القرآن واستمرت هذه المحنة في عهده حتى ملها وود لو وجد لنفسه منها

1 "ظهر الإسلام" لأحمد أمين: (1/ 3- 4) .

2 "مروج الذ هب": (4/ 53) .

3 "تاريخ الإسلام السياسي": (2/ 193) .

4 "ظهر الإسلام": (1/ 11- 25)، و"العصر العباسي الثاني": ص 17.

ص: 196

مخرجا1، واستمرت الاضطرابات في زمانه وقوي نفوذ الأتراك، وولي الخلافة من بعده المتوكل فناصر السنة وأبطل ما كان عليه من قبله من القول بخلق القرآن، وأمر بمناصرة مذهب السلف والرد على مقالة المعتزلة والجهمية، وحاول القضاء على نفوذ الأتراك واستبدادهم بأمور الدولة، ولكنهم سبقوه إلى ذلك فقتلوه في عام (248هـ) ، ومنذ ذلك الحين بدأ الضعف في دولة الخلافة، فزالت هيبتها، وضعف سلطانها وأصبح الأمر كله بيد الأتراك يصرفون الأمور، فيولون من شاءوا من الخلفاء، ويعزلونهم متى أرادوا، فأخذ الانحلال يدب في كيان الدولة، ولم يزل هذا شأنها حتى قضى عليها تماما في منتصف القرن السابع (156 هـ) على أيدي التتار.

من هذا الاستعراض الموجز والسريع للحالة السياسية في عهد المؤلف، يتضح لنا أن الأحوال السياسية في ذلك الوقت كانت على وجه العموم غير مستقرة، ومشحونة بالفتن والاضطرابات.

ثانيا: الحالة الاجتماعية:

اصطبغت الحياة الاجتماعية في معظم حواشيها بالصبغة الأجنبية بما فيها من ترف وزينة ومباهج، فكانت قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة مضرب المثل في حسن رونقها وبهائها، كما امتازت بفخامة بنائها واتساعها وما يكتنفها من حدائق غناء وأشجار متكانفة، كما ازدانت بالمناضد الثمينة، بالزهريات المزخرفة، والتربيعات المرصعة

1 "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي: ص 432.

ص: 197

المذهبة1.

وكان الشعب يتألف في هذا العصر من أربعة عناصر رئيسية هي: العرب، والفرس، والأتراك، والمغاربة2، وكان الرقيق يكونون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع آنذاك، فقد كان اتخاذ الرقيق منتشرا انتشارا كبيرا، ولم ينظر الخلفاء العباسيون إلى الرقيق نظرة امتهان وازدراء إذ أن كثيرين منهم كانت أمهاتهم من الرقيق3.

وقد كان من ضمن طبقات الشعب في ذلك العصر أهل الذمة- اليهود والنصارى- وكانوا يتمتعون بكثير من ضروب التسامح، حيث كانوا يقيمون شعائرهم الدينية في أديارهم وبيعهم خارج مدينة بغداد في أمن ودعة، مما يدل على أن الخلفاء العباسيين كانوا على جانب عظيم من التسامح الديني معهم4.

وأما من حيث الزواج والمصاهرة فقد تغيرت تقاليدها عن ذي قبل، وذابت تلك العادة العربية المتمثلة في التحفظ عن مصاهرة غير العرب، فقد حطم العصر العباسي تلك الحواجز، وامتزج الدم العربي بالدم الفارسي وغيره من العناصر الأخرى5.

1 "تاريخ الإسلام السياسي ": (2/ 402، 403) .

2 "تاريخ الإسلام السياسي": (2/ 398) .

3 "العصر العباسي الأول" لشوقي ضيف: ص 57- 58.

4 "تاريخ الإسلام": (2/ 397) .

5 "العصر العباسي الأول": ص 89.

ص: 198

وأما الحالة الخلقية فقد كانت مزيجا من الفساد والصلاح، كما كانت مزيجا من الهدى والضلال، فتجد إلى جانب الإسراف والمجون الفاجر، الورع النادر، والزهد، والتقوى، والصلاح، والاستقامة، وهذا التغاير أمر طبيعي، نظرا لاتساع رقعة الخلافة واختلاف الملل والنحل، وتقاعس الخلفاء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من الأحيان1.

وقد عاش المؤلف- رحمه الله في هذه البيئة فلم يظهر تأثره بها، ولا بالتيارات المختلفة على الرغم من أنه كان في بغداد عاصمة الخلافة، وقد كان في ذلك شأنه شأن العلماء الأجلاء الذين عاشوا في هذا العصر.

ثالثا: الحالة الثقافية والعلمية:

على الرغم من مظاهر الضعف والتدهور وعدم الاستقرار السياسي الذي انتاب دولة الخلافة العباسية في ذلك العصر، إلا أن الحالة الثقافية كانت على حالة مغايرة تماما، فقد تميز هذا العصر بنهضة علمية وفكرية قوية، إذ عاش فيها جل المحدثين، والفقهاء، وعلماء اللغة، والمؤرخين، وغيرهم، وباستعراض سريع لبعض علماء كل علم من هذه العلوم نرى كيف أن هذه الفترة قد حوت علماء مبرزين قل أن يوجد مثلهم في زمن مشابه.

فمن المحدثين: شيخ المحدثين الإمام محمد بن إسماعيل البخاري

1 "العصر العباسي الثاني": ص 106- 112.

ص: 199

(ت 256 هـ) ، والإمام مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ) ، وأبو داود السجستاني (ت 275هـ) ، ومحمد بن عيسى الترمذي (ت 278هـ) ، وأحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ) ، ومحمد بن يزيد بن ماجه (ت 273هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ) ، وغيرهم.

ومن الفقهاء أبو سليمان داود بن علي الظاهري (ت 270هـ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، ومحمد بن إبراهيم بن المنذر (ت 318هـ) وغيرهم.

ومن المؤرخين الزبير بن بكار (ت 256هـ) ، وعمر بن شبه (ت 262هـ) ، واليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب (ت 278هـ) ، والبلاذري أحمد بن يحيى (ت 279هـ) .

ومن اللغويين: المفضل بن سلمة الضبي (ت 250هـ) ، وأبو عمرو الهروي (ت 255هـ) ، وأبو حاتم السجستاني (ت 255هـ) ، وأبو العباس ابن المبرد (ت 285هـ) ، وأبو حنيفة الدينوري (ت 282هـ) وغيرهم.

ومن النحاة: أبو العباس المازني (ت 249هـ) ، وأبو العباس ثعلب (ت 291هـ) ، وابن كيسان محمد بن أحمد (ت 299هـ) وغيرهم.

هذا بالإضافة إلى فتح العباسيين الأبواب على مصارعها لكل الثقافات الوافدة على الفكر الإسلامي آنذاك، وذلك عن طريق ترجمة الكتب الفارسية، واليونانية، والهندية، والسريانية، إلى غير ذلك من الكتب التي تتحدث عن ألوان الثقافات المعاصرة في ذلك الوقت، وقد أولى المأمون هذا الجانب اهتماما كبيرا، فأصبح للترجمة في هذا

ص: 200

العصر شأن وأي شأن1، وحسبك دليلا على ذلك ما كان من "حنين بن إسحاق" الذي كان يأخذ من المأمون ذهبا بوزن كل كتاب ينجز ترجمته2.

وقد كان لهذه الترجمة آثار سلبية على المجتمع الإسلامي، من فساد في العقيدة، وانحلال في المجتمع، بما أتت من فلسفات بعيدة عن منهج الإسلام، الأمر الذي أحدث بلبلة فكرية، وأنشأ طوائف زائغة عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، ومن تلك الطوائف طائفة المعتزلة التي ابتلت الأمة حينذاك بسببها بمحنة خلق القرآن في سنة 218 هـ.

وقد أدى انتشار تلك الفلسفات وتأثيرها على عقائد المسلمين ردة فعل من قبل علماء السلف، الذين نهضوا لخدمة الكتاب والسنة، والدفاع عن العقيدة الصحيحة، فاخترعوا علوم القرآن، لخدمة القرآن ودونوا علوم الحديث لخدمة السنة المطهرة، كما قاوموا حركة الوضع في الحديث والطعن فيه، ودافعوا عن العقيدة الصحيحة، فألفوا كتبا كثيرة في التوحيد، والسنة، والرد على المخالفين من المعتزلة، والجهمية، والروافض، كما نشطوا في تدوين الفقه وأصوله، وتركوا ثروة علمية ضخمة تدل على رفعة العلم وانتشار الثقافة في زمانهم.

1 انظر: "العصر العباسي الأول": ص 110- 114.

2 "الأعلام" للزركلي: (2/ 325) .

ص: 201