الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه
المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء
…
سبق أن ذكرنا في الفصل الأول من هذا الباب أن المعطلة من الفلاسفة والجهمية ومتأخري الأشاعرة على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجا مستقلا في مسألة الصفات إلا أنهم يتفقون جميعا على إنكار الصفات الخبرية، بما فيها صفتا العلو والاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة، التي يزعمون أن فيها تنزيها لله عن مشابهة المخلوقين.
وإن سبب ذلك التأويل الباطل، هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفسه الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف، وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات، وهي في الحقيقة شبهات.
وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال- منها:
القول الأول:
من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} على الاستيلاء، والقهر، والغلبة.
وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية1، والمعتزلة2، والحرورية3، وكثير من متأخري الأشاعرة4، كسيف الدين الآمدي5، وأبي حامد الغزالي6، والبغدادي7، وغيرهم.
وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن هذا التأويل الذي هو تأويل الاستواء بالاستيلاء هو أمر مشهور في لغة العرب، ومن ذلك قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
…
من غير سيف ولا دم مهراق
1 انظر: "مجموع الفتاوى": (5/ 96)، و"مختصر الصواعق":(2/ 144) .
2 "متشابه القرآن" للقاضي عبد الجبار: (11/ 73، 351) .
3 انظر: "مجموع الفتاوى": (5/ 96)، "مختصر الصواعق":(2/ 144) .
4 انظر: "تحفة المريد على شرح جوهرة التوحيد": ص 54.
5 انظر: "غاية المرام": ص 141.
6 انظر: "الاقتصاد في الاعتقاد": ص 104.
7 "شرح الأصول الخمسة": ص 221.
وقال الآخر:
هما استويا بفضلهما جميعا
…
على عرش الملوك بغير زور
وقال الآخر:
فلما علونا واستوينا عليهم
…
تركناهم صرعى لنسر كاسر
وقد ذكر عمر بن عبد البر- رحمه الله تعالى- أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس- رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان1.
ومن هؤلاء المعطلة من يبقي كلمة العرش الواردة في الآية على معناها الحقيقي الثابت، ويقول إنما خصص العرش بالذكر من بين جميع المخلوقات لكونه أعظم المخلوقات، وأرفعها، وأوسعها، فخصص بالذكر تنبيها على ما دونه.
ومنهم من يؤول العرش الوارد في الآية بمعنى: الملك2، ويزعم
1 "التمهيد": (7/ 231) . وقد أجاب ابن عبد البر على استدلالهم هذا بقوله: "إن هذا الحديث منكر على ابن عباس- رضي الله عنهما، ونقلته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله ابن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا" اهـ.
2 انظر: "شرح الأصول الخمسة": ص 226، "تفسير الرازي":(14/ 15)، 9 "أصول الدين" للبغدادي: ص 112.
أن معنى الآية أنه استولى واستعلى على الملك، ويقول أصحاب هذا القول: إن الله قد عبر بالعرش كناية عن نفس الملك، لأنه يخاطب الناس على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم، واستقر في قلوبهم، ذلك لأن العرش- في كلامهم- هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، فجعل العرش كناية عن نفس الملك، ويستدل هؤلاء بأن هذا الأمر مشهور في اللغة، وكذلك بقوله تعالى في سورة يونس:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر} فقالوا: إن قوله: {يُدَبِّرُ الأَمْر} جرى مجرى التفسير لقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} "1.
الرد عليهم:
لقد أجمع السلف على أن هذا التأويل الذي ذهب إليه هؤلاء الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، ومتأخرو الأشاعرة، هو تأويل باطل، ترده نصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، وهو قول لا أصل له في لغة العرب، بل هو تفسير لكلام الله بالرأي المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب، ولا تابع، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين، ولا أحد من أهل التفسير الذي يحكون قول السلف.
ولبيان فساد هذا القول على وجه التفصيل نقول:
أولا: إنه من المعلوم أن لفظ الاستواء قد ورد في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وهذه المواضع جميعها قد اطرد فيها لفظ الاستواء دون الاستيلاء، وكذلك الأمر بالنسبة لما ورد في السنة، فلو كان معناه
1 "تفسير الرازي": (14/ 115) .
استولى- كما يزعم هؤلاء- لكان استعماله في أكثر موارده، كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود.
أما أن يأتي إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد، ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق ما يأتي ذلك1.
ثانيا: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقيقتها الترتيب والمهملة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في "صحيح مسلم" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء"2.
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
1 انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 128، 129) .
2 تقدم تخريجه ص 60. يأتي
وفي "صحيح البخاري" عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض"1.
فالآية والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستول على العرش إلى أن خلق السموات والأرض2.
ثالثا: أن الاستيلاء سواء كان بمعنى: القدرة، أو القهر، أو نحو ذلك، عام في المخلوقات كالربوبية.
والعرش وإن كان أعظم المخلوقات، ونسبة الربوبية إليه لا تنفي نسبتها إلى غيره كما في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، فلو كان استوى بمعنى: استولى كما هو عام في المخلوقات كلها، لجاز مع إضافته للعرش أن يقال: استوى على السماء، وعلى الهواء، وعلى البحار، والأرض، وعليها، ودونها، ونحوها، إذ هو مستو على العرش، فلما اتفق المسلمون على أن يقال: استوى على العرش، ولا يقال استوى على هذه الأشياء مع أنه يقال: استولى على العرش والأشياء، علم أن معنى استوى خاص بالعرش، وليس عاما كعموم الأشياء3.
1 سيأتي تخريجه في قسم التحقيق تحت رقم 1.
2 "مجموع الفتاوى": (5/ 145) .
3 "مجموع الفتاوى": (5/ 144) .
رابعا: أنه إذا فسر الاستواء بالغلبة والقهر عاد معنى الآيات كلها إلى أن الله- تعالى- أعلم عباده بأنه خلق السموات والأرض، ثم غلب على العرش بعد ذلك وقهره وحكم عليه أفلا يستحي من الله من في قلبه أدنى وقار لله ولكلامه أن ينسب ذلك إليه وأنه أراد بقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أي: اعلموا يا عبادي أني بعد فراغي من خلق السموات والأرض غلبت عرشي وقهرته واستوليت عليه1.
خامسا: أن ما يستند إليه هؤلاء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة، هو قول باطل مردود لأنه لم يثبت عند أحد من أهل اللغة أن لفظة استوى يصح استعمالها بمعنى استولى بل إن هذا القول منكر عند اللغويين.
فهذا ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: "هو كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضادا فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة:
إلا لمثلك أن من أنت سابقه
…
سبق الجواد إذا استولى على الأمد"2
وقد سئل الخليل بن أحمد هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟
1 "مختصر الصواعق": (2/ 140- 141) .
2 "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي: (2/ 399) .
فقال: "هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها، والخليل إمام في اللغة على ما عرف من حاله- فحينئذ حمله على ما لا نعرف في اللغة هو قول باطل"1.
وكذلك فإنه قد روي عن جماعة من أهل اللغة أنهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزا ثم ظهر، والله - سبحانه- لا يعجزه شيء، والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى.
وقد روي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: "استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجا، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} 2: أقبل، و {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها، واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما، هذا الذي نعرفه من كلام العرب"3.
فبما تقدم من أقوال علماء اللغة يتضح لنا فساد زعم هؤلاء المعطلة، وكذب ادعائهم بأن هذا القول مشهور في اللغة.
وأما ما استدل به هؤلاء من أبيات- كقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
…
من غير سيف ولا دم مهراق
1 "مجموع الفتاوى": (5/ 144، 159) .
2 سورة البقرة، الآية:29.
3 "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي: (1/ 399-400) .
وقول الآخر:
هما استويا بفضلهما جميعا
…
على عرش الملوك بغير زور
فهذان البيتان لم يثبت نقل صحيح على أنهما شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة قد أنكرهما.
قال ابن فارس: "هذان البيتان لا يعرف قائلهما"1.
فهما على هذا بيتان مصنوعان، ومعلوم أنه لو احتج بحديث رسول الله عام لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده، وقد طعن فيه أئمة اللغة.
قال عمر بن عبد البر: "وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله- عز وجل أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى:{اسْتَوَى} قال: علا.
1 "زاد المسير" لابن الجوزي: (3/ 212) .
قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى، أي: انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد"1. وأما ما استدل به المعطلة من قول ابن عباس- رضي الله عنهما فقد بين ابن عبد البر أنه مكذوب على ابن عباس، ورواته مجهولون وضعفاء، كما تقدم ذكره.
القول الثاني:
أن معنى استوى: أقبل على خلق العرش، وعمد إلى خلقه، كقوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 2 أي:. عمد إلى خلق السماء. وهذا هو قول بعض الجهمية3، وإليه ذهب الفراء4، والأشعري، وابن الضرير، واختاره الثعلبي5.
الرد عليهم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض.
وكذلك ثبت في "صحيح البخاري" عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
1 "التمهيد": (7/ 131) .
2 سورة فصلت، الآية:11.
3 "مختصر الصواعق": (1/ 126) .
4 الفراء: هو يحى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بن أسد، المعروف بالفراء، ولد سنة 144 هـ، وتوفي سنة 207 هـ، انظر ترجمته:"وفيات الأعيان": (5/ 225- 230)، "الأعلام":(9/ 178- 179) .
5 انظر: "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي: (2/ 8- 9) .
قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء
…
" فإذا كان العرش مخلوقا قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؟!
لو كان يعرف في اللغة أن استوى على كذا بمعنى أنه عمد إلى فعله، وهذا لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازا، ولا في نظم ولا في نثر.
ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا وقصدت إلى كذا، ولا يقال عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة- أيضا- ولا هو قول أحد من مفسري السلف، بل المفسرون من السلف، قولهم بخلاف ذلك"1.
وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى..: "إن قولهم هذا يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض، وهذا بخلاف إجماع الأمة، وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك، وليس العجب من جهله، بل من إقدامه على- حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم"2.
1 "مجموع الفتاوى": (1/ 520، 521) .
2 "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 143) .
القول الثالث:
أن استوى بمعنى: علا في هذه الآية، ولكن ليس المراد علو المسافة والمكان، إنما المراد علو المكانة والقهر. وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من الأشاعرة منهم أبو بكم بن فورك1، وهم بهذا القول جعلوا الاستواء صفة ذات وليست صفة فعل.
الرد عليهم:
إن الآيات والأحاديث قد أثبتت استواء الله على العرش حقيقة، ولو كان معنى الاستواء ههنا المراد به علو المكانة فإن الله لم يزل متعاليا على الأشياء قبل خلق العرش، فلما أضاف الاستواء على العرش فيجب على ذلك أن يكون لهذا التخصيص فائدة2.
1 "كتاب مشكل الحديث" لابن فورك: ص 193، و"الأسماء والصفات" للبيهقي: ص 518.
2 "المعتمد في أصول الدين" للقاضي أبي يعلى: ص 54.