المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب - العرش وما روي فيه

[محمد بن عثمان بن أبي شيبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه

- ‌الفصل الأول: تعريف العرش

- ‌المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش

- ‌المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش

- ‌الفصل الثاني: الأدلة على صفة العرش من الكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأدلة القرآنية على صفة العرش

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة على صفة العرش

- ‌الباب الثاني: صفات العرش وذكر ما يتعلق به

- ‌الفصل الأول: صفة العرش وخصائصه

- ‌المبحث الأول: خلق العرش وهيئته

- ‌المبحث الثاني: مكان العرش

- ‌المبحث الثالث: خصائص العرش

- ‌الفصل الثاني: ذكر ما يتعلق بالعرش

- ‌المبحث الأول: الكلام على حملة العرش

- ‌المبحث الثاني: الكلام على الكرسي

- ‌الباب الثالث: الكلام على صفتي العلو والاستواء

- ‌الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو

- ‌المبحث الأول: أقوال المخالفين

- ‌المبحث الثاني: قول السلف ومن وافقهم

- ‌الفصل الثاني: الاستواء والأقوال فيه

- ‌المبحث الأول: أقوال نفاة الاستواء

- ‌المبحث الثاني: أقوال مثبتة الاستواء

- ‌الباب الرابع: التعريف بالمؤلف

- ‌الفصل الأول: عصر المؤلف

- ‌الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية

- ‌الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة

- ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالمخطوطة

- ‌الباب السادس: قسم التحقيق

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

‌الباب الخامس: التعريف بالكتاب وبالمخطوطة

‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

أولا: اسم الكتاب:

إن الكتب التي ذكرت هذا الكتاب أو استشهدت بشيء منه قد تنوعت عباراتها في مسمى الكتاب فتارة سمى:

1-

"كتاب العرش وصفته"، وهذا ما ذكره حاجي خليفة1.

2-

وتارة:"صفة العرش"، وهذا ما ذكره شارح"العقيدة الطحاوية"2، وابن كثير3.

3-

وتارة:"كتاب العرش وما روي فيه"وهذا الاسم هو الموجود على نفس مخطوطة الظاهرية4.

4-

وتارة:"كتاب العرش"، ذكره الذهبي5، وابن حجر6، وابن تيمية7، وابن

1"كشف الظنون": (3/ 1438) .

2 ص 312.

3"البداية": (1/ 11) .

4 انظر: الورقة الأولى من المخطوطة.

5"العلو": ص 53، 72، 88،148.

6"المعجم المفهرس":"ق 16) .

7"نقض التأسيس": (2/ 526، 527) .

ص: 237

القيم1، وابن الجوزي2، وأبو الحسن علي بن محمد الكناني3، والسخاوي4، والسيوطي5، وغيرهم.

وهذا الاسم هو ما ختم به الناسخ آخر الكتاب حيث قال: آخر كتاب العرش.

وهو- أيضا- ما ورد في السماع الثاني من السماعات الموجودة في آخر الكتاب، حيث قال:"سمع هذا الجزء وهو كتاب العرش على شيخنا

".

وهذه الأسماء جميعها متقاربة، وليس هناك اختلاف كبير بينها، وإن كنت أرى أن الاسمين الأول والثاني قد حصل فيهما نوع من التصرف من قبل الناقلين، وأن أشهر هذه الأسماء هو الاسم الرابع، وهو الشائع عن كثير من العلماء عند حديثهم عن هذا الكتاب، ولعلهم حذفوا العبارة الواردة في الاسم الثالث اختصارا، وأرى أن أقرب الأسماء إلى تسمية المؤلف هو الاسم الثالث لوروده نصا في عنوان الكتاب، ولمناسبته لمضمون الكتاب، والله أعلم.

1"مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 211)، و"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 33، و"شرح النونية" لأحمد بن إبراهيم بن عيسى:(1/ 458) .

2"دفع شبه التشبيه": ص 75.

3"تنزيه الشريعة المرفوعة": (1/ 142) .

4"المقاصد الحسنة": ص 159.

5"الدر المنثور": (4/ 48) .

ص: 238

ثانيا: الكتاب ومنهج المؤلف فيه:

يبحث الكتاب في واحدة من المسائل، الاعتقادية الهامة، وبالتحديد في مسألة من مسائل الصفات، تعددت فيها المذاهب والأقوال، ولا يزال الخلاف مستمرا فيها إلى اليوم، وهذه المسألة هي مسألة علو الله واستوائه على عرشه.

وقد بين المؤلف- رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب منهج السلف، ومعتقدهم في هذه المسألة، من إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، وذلك عن طريق النصوص التي بينت هذه المسألة، وأوضحتها سواء كانت نصوصا من القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين.

وقد تعرض المؤلف في بداية كتابه لسبب تأليفه، فعرض نبذة مختصرة عن مذهب الجهمية في هذه المسألة، وبين مخالفتهم لمنهج السلف، وذلك بإنكارهم لعلو الله واستوائه، والحجب التي احتجب بها عن خلقه، وإنكارهم لوجود عرشه، وكل ذلك بصورة موجزة دون التعرض لشبههم واعتراضاتهم، والمؤلف في عمله هذا قد سلك طريقة السلف، واتبع منهجهم من حيث إنهم لا يتعمقون في عرض شبه مخالفيهم واعتراضاتهم، بل يكتفون بعرض أقوالهم بصورة موجزة، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن السلف قد سلكوا طريقة خاصة في تأليف الكتب الاعتقادية، وهذه الطريقة تعتمد على منهجين هما:

الأول: منهج الرد: ويعتمد هذا المنهج على عرض شبه خصومهم على الطريقة السالفة الذكر، ثم بعد ذلك يبينون الحق في تلك المسألة

ص: 239

مدعمين كلامهم بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين، ومن المؤلفات هذا المنهج:

ا-"كتاب الإيمان" لأبي عبيد القاسم بن سلام (224 هـ) .

2-

"الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) .

3-

"الرد على الجهمية، والرد على بشر المريسي" لعثمان بن سعيد الدارمي"285 هـ) .

ويدخل ضمن هذا المنهج"كتاب العرش" الذي نحن الآن بصدد الكلام عليه.

المنهج الثاني: هو منهج العرض، ويعتمد على عرض العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، دون التعرض للمذاهب المخالفة في المسألة. ومن مؤلفات هذا المنهج:

ا-"كتاب السنة" للإمام أحمد بن حنبل.

2-

"كتاب السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (291 هـ) .

3-

"كتاب التوحيد" لابن خزيمة (311 هـ) .

وبعد عرض المؤلف الموجز لمذهب الجهمية، أشار إلى دليل العقل في إثبات علو الله وإبطاله لمذهب الجهمية.

ثم بين مذهب السلف في المسألة، فبين أنهم يثبتون علو الله واستواءه على عرشه، وقولهم في آيات المعية، وإثباتهم للحجب.

ثم بعد ذلك ذكر الآيات القرآنية المثبتة للعلو، ثم ذكر دليل الفطرة على إثبات العلو لله.

ص: 240

ثم بعد ذلك بدأ بذكر الأحاديث والآثار الدالة على إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وإثبات أن العرش موجود حقيقة، وأنه أعظم مخلوقات الله، وما جاء في ذكر صفته وحملته، ثم ختم الكتاب بذكر بعض الأحاديث المثبتة للنزول، ويعتبر"كتاب العرش" لابن أبي شيبة هو أول كتاب من كتب السلف من حيث إفراده هذا الموضوع بمؤلف مستقل - على حسب ما وصل إلينا من المصادر التي جاء فيها ذكر مؤلفات السلف - وقد ألف بعد ذلك مؤلفات اختصت بهذا الموضوع مثل كتاب"العلو" لابن قدامة المقدسي، وكتاب"العلو" للذهبي، الذي يعتبر"كتاب العرش" مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه للكتاب، وكذلك"الرسالة العرشية" لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ثالثا: سبب تأليفه:

بين المؤلف رحمه الله في بدء كتابه السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، فذكر أنه ألفه ردا على طائفة الجهمية في واحد من المسائل التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، وحادوا فيها عن طريق الحق، وهي مسألة العلو والاستواء، ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤلف قد عاش في فترة زمنية انتشرت فيها آراء الجهمية ومذهبهم الباطل المتمثل في التعطيل، وإنكار الصفات، والقول بخلق القرآن، حتى أصبحت السلطة السياسية تحت تصرفهم ورهن إشارتهم، فهذا المأمون يمتحن المحدثين والفقهاء في مسألة خلق القرآن تحت قهر السيف وسياط التعذيب، ومن بعده المعتصم ثم الواثق.

ص: 241

وقد دفع هذا الأمر الكثير من علماء السلف- ومن ضمنهم: محمد ابن عثمان بن أبي شيبة- إلى التصدي لهذه الفرقة بالرد عليها، وبيان ضلالها وانحرافها، وبطلان عقائدها وفسادها، فظهرت في هذه الحقبة الزمنية- القرن الثالث- الكثير من مؤلفات السلف، التي ترد على هذه الفرقة الزائغة، وأفكارها المنحرفة، التي لا تتفق مع الكتاب والسنة، ولا مع نصوصها الصريحة الواضحة التي ليلها كنهارها.

وقد وصلنا العديد من هذه الردود التي ألفت في ذلك القرن، وقد كان منها كتاب"الرد على الجهمية" للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) ، و"الرد على الجهمية" لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ) ، و"الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة" لعبد الله بن مسلم ابن قتيبة (276 هـ) ، و"الرد على الجهمية"، و"الرد على بشر المريسي" لعثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) ، وغيرها من الكتب الكثيرة التي يصعب حصرها.

وهذا العدد الكبير من المؤلفات التي ألفت في هذه المدة يشعرنا بأهمية هذه المؤلفات، وعظم السبب الذي ألفت من أجله.

رابعا: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:

إن توثيق نسبة"كتاب العرش" إلى المؤلف هو أمر واضح جلي، لا يحتاج معه الباحث إلى كبير جهد أو عناء.

وذلك لأن جميع المصادر التي ذكرت الكتاب أو التي اقتبست منه قد اتفقت على نسبة الكتاب إلى المؤلف، وعلى أنه كان من ضمن

ص: 242

الكتاب على الأحاديث والآثار التي يرويها بسند متصل إلى أصلها الذي أخذت منه.

كما أنه لا يكاد يمر وقت من الأوقات إلا ويذكر الكتاب بعض العلماء الذين يستفيدون منه، وذلك بنقل بعض النصوص للاستشهاد بها، وسنحاول هنا ذكر بعض العلماء من فترات زمانية مختلفة نقلوا من الكتاب مع ذكر بعض النصوص التي نقولها:

1-

عبيد الله محمد بن بطة العكبري (387 هـ) :

نقل من الكتاب بدون ذكر اسمه وإنما يذكر السند ثم ينقل النص، مثال ذلك:"حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان العبسي- ثم ساق بسنده إلى أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "في عماء، ما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء"1.

وقد نقل عنه ثلاثة نصوص أخرى2.

2-

ابن تيمية (728 هـ) :

ذكره ابن تيمية، ونقل عنه في كتابه"نقض التأسيس" حيث قال:"وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة في"كتاب العرش" له: ذكروا أن الجهمية يقولون ليس بين الله وبين خلقه حجاب

"3.

1"الإبانة" لابن بطة: (195/ أ) .

2"الإبانة" لابن بطة: (195/ أ، 196/ أ، ب) .

3"نقض التأسيس": (2/ 526، 527) .

ص: 244

3-

ابن أبي العز الحنفي (746 هـ) :

قال:"وروى ابن أبي شيبة في كتاب"صفة العرش"

عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} 1 أنه قال: "الكرسي موضع القدمين

"2

4-

الذهبي (848 هـ) :

وقد استفاد كثيرا من"كتاب العرش" لابن أبي شيبة، ونقل منه في مواطن متعددة في كتابه"العلو"، وقد كان يصرح أحيانا بنقله منه، وأحيانا أخرى لا يصرح.

ويعتبر"كتاب العرش" مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه لكتاب"العلو"، وقد روى"كتاب العرش" بسنده إلى محمد بن عثمان بن أبي شيبة كما جاء في ص 46 من كتاب"العلو".

مثال لما رواه: قال: حديث للعبسي في"كتاب العرش" قال: حدثنا سفيان بن بشر- ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار صفين

"3.

وقد نقل عنه أربعة نصوص أخرى4.

1 سورة البقرة، الآية:255.

2"شرح العقيدة الطحاوية": ص 312.

3"العلو": ص 88.

4"العلو": ص 46، 53، 72، 148.

ص: 245

5-

ابن كثير (774 هـ) :

قال: وذكر الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب"صفة العرش" عن بعض السلف:"أن العرش من ياقوتة حمراء...."1.

6-

ابن القيم (751 هـ) :

وقد ذكره في كتابيه:"الصواعق المرسلة"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية"، حيث قال في كتابه"الصواعق": "وفي كتاب العرش لابن أبي شيبة أن داود عليه السلام كان يقول في دعائه

"2.

وكذلك في"اجتماع الجيوش الإسلامية"، حيث قال:"روى ابن أبي شيبة في"كتاب العرش" بإسناد صحيح

قال: بلغني أن داود

"3. وله ذكر في موضع آخر من هذا الكتاب4.

كما أنه امتدح الكتاب بقوله في قصيدته النونية:

واقرأ كتاب العرش للعبسي وهو

محمد المولود من عثمان

7-

السيوطي (911 هـ) :

وقد ذكر الكتاب في عدة مواطن في كتابه"الدر المنثور"، وكذلك في كتابه"الحبائك في أخبار الملائك".

1"البداية": (1/ 11) .

2 انظر:"مختصر الصواعق": (2/ 211) .

3 ص 103.

4"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 33.

ص: 246

ومن ذلك قوله في"الدر المنثور":"وأخرج ابن أبي شيبة في"كتاب العرش":

عن علي- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول الله وعزتي وجلالي

" 1.

خامسا: أهمية الكتاب:

على الرغم من صغر حجم الكتاب، واقتصاره على موضوع معين، ومع ما عليه من الملاحظات والمآخذ التي سنبينها، إلا أن الكتاب يتصف بأهمية لا يمكن التغافل عنها أو تجاهلها.

وهذه الأهمية تنجلي في الموضوع الذي حواه الكتاب، حيث إنه يبحث في مسألة عظيمة وخطيرة من مسائل الصفات التي دار حولها جدل كبير وعميق، واختلفت حولها الآراء والمذاهب وتشعبت، حتى أنه قد زلت فيها أقدام كثير من العلماء قديما وحديثا، واستمر الخلاف فيها من بداية القرن الثاني الهجري حتى زماننا الحاضر، وقد نتج عن هذا الخلاف نشوء فرق مستقلة بذاتها من جراء ما ذهب إليه البعض من أقوال في هذه المسألة، ومن تلك الفرق الحلولية، والاتحادية، كما نتج من تلك الأقوال الحكم بكفرها وخروجها عن ملة الإسلام، بسبب ما ذهبت إليه من إنكار ذات الله، أو القول بحلوله في الأجسام أو اتحاده بها.

ولأهمية هذه المسألة في عقيدة المسلم، ومدى ما لها من تأثير كبير في مسألة الإيمان بوجود الله - تعالى-، كان لزاما أن يقوم علماء السلف، والأئمة بالكتابة والتأليف في هذا الموضوع الهام، وبينوا

1"الدر المنثور": (4/ 48) .

ص: 247

للمسلمين منهج القرآن والسنة في هذه المسألة، مستدلين على ذلك بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال الصحابة، والتابعين في هذه المسألة، ويردوا على كل من خالف هذا المنهج، ويفندوا مزاعمه وشبهه وافتراءاته.

وقد قام علماء السلف الأوائل بهذه المهمة، وأدوها على أكمل وجه، وبينوا طريق الحق فيها، لكن كان كلامهم في هذه المسألة بنوع من الاختصار، وضمن مواضيع أخرى في مجال العقيدة.

ولكن رقعة الخلاف قد اتسعت في هذه المسألة، وتشعبت الأقوال، وكثرت الشبه، وكثر أعوان المخالفين وأنصارهم في هذا الأمر؟ مما جعل المؤلف- رحمه الله تعالى- يشعر بما لهذه المسألة من أهمية كبرى، وبما لها من تأثير عظيم في عقيدة المسلم سلبا وإيجابا، ذلك لأن أي خلل في هذه المسألة قد يقلب كثيرا من الأمور الاعتقادية، ويميل بها عن الطريق الصحيح، فقام المؤلف- رحمه الله تعالى- بتأليف هذا الكتاب في هذه المهمة، فبين القول الحق السليم فيها، وذلك بالرجوع إلى المنبع الأساسي لعقيدة المسلم، وهو الكتاب والسنة، ومع البعد كل البعد عما خالط الأقوال المنحرفة في هذه المسألة، من الفلسفة الصابئية، وأقوال النصارى النسطورية، وتأويل وتحريف الباطنية.

فبين- رحمه الله تعالى- اعتقاد السلف المستند إلى الكتاب والسنة في مسائل عظيمة، مثل مسألة علو الله واستوائه على عرشه، وبينونته من خلقه، وكذلك معتقد السلف في معية الله وقربه ونزوله، كل ذلك

ص: 248

بما ورد فيها من النصوص القرآنية والأحاديث والآثار، كما أشار إلى إثبات وجود عرشه، وخلقه له، وما جاء في وصفه، وذكر حملته، ومسائل أخرى متعددة.

ويعتبر كتاب المؤلف هذا، أول كتاب سلفي يخص هذه المسألة، ويفردها بكتاب مستقل، وقد تلت هذا الكتاب عدة مؤلفات اختصت بهذه المسألة بالذات.

ومن تلك المؤلفات كتاب"العلو" لابن قدامة، وكتاب"العلو" للذهبي- الذي يعتبر"كتاب العرش" واحدا من المصادر التي اعتمد عليها الذهبي في تأليف كتابه، حيث إنه قد اقتبس منه في عدة مواضع- وكذلك"الرسالة العرشية" لابن تيمية، وغيرها من المؤلفات.

ومع كون"كتاب العرش" هو أول كتاب للسلف اختص بهذا الموضوع، فإنه- أيضا- يكتسب أهمية أخرى من حيث كونه يعتبر مرجعا في عدة أمور منها:

1-

أنه مرجع من المراجع التي تبين موقف السلف في قضية العلو والاستواء وما يتعلق بهما من المسائل، الأخرى، حيث إن المؤلف قد سلك في تأليف هذا الكتاب منهج السلف، وطريقتهم، وبين فيه اعتقادهم على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة.

2-

والكتاب- أيضا- مرجع من مراجع الحديث في عدة مسائل من مسائل العقيدة ذلك لأن المؤلف قد سلك في تأليفه طريقة المحدثين، فالكتاب من أوله إلى آخره- ما عدا المقدمة- كان

ص: 249

عبارة عن مجموعة من الأحاديث، والآثار رواها المؤلف بأسانيده، وقد بلغت تلك الأحاديث والآثار التسعين، لذلك يعتبر الكتاب مرجعا في عدة مسائل هي:

العلو، الاستواء، المعية، العرش والكرسي وصفتهما، حملة العرش: خلقهم، وعددهم، وصفاتهم، ووظائفهم.

كما أنه يمكن اعتباره مرجعا من مراجع التفسير في هذه المسائل، لارتباطها ببعض الآيات القرآنية.

3-

ويعتبر مرجعا من المراجع في قضية الجهمية والرد عليهم، وذلك لأن السبب الرئيسي في تأليف الكتاب إنما هو للرد على الجهمية لإبطال أقوالهم.

ولهذا يلحق هذا الكتاب في سلسلة كتب السلف التي اعتنت بقضية الرد على الجهمية.

سادسا: المآخذ على الكتاب:

إن الإقدام على نقد عمل من أعمال السلف القدامى كعمل ابن أبي شيبة الذي اشتهر بغزارة علمه وسعة اطلاعه ومعرفته وفهمه، هو أمر صعب جدا، ولاسيما لشخص مثلي.

ولكن لابد من الإقدام على مثل هذا الأمر الصعب، ولعل عذري في إقدامي هذا هو أنه ما من كتاب من الكتب البشرية يخلو من صفات النقص والخطأ، لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة معرض للخطأ والنسيان، إذ العصمة لم يجعلها الله- تعالى- إلا لأنبيائه ورسله.

ص: 250

و"كتاب العرش" هو واحد من تلك الكتب التي ألفها بشر، ومن المآخذ التي تؤخذ عليه ما يلي:

1-

المقدمة:

لاحظت أن النسخة التي بيدي قد خلت من البسملة، والحمدلة، والثناء عليه، كما هي السنة في مثل هذا المقام، وقد كان بدء كلام المؤلف فيها بقوله:"ذكروا أن الجهمية

" إلخ، ولعل العذر في هذا المقام، هو احتمال أن يكون المؤلف قد بدأ بالبسملة، ولكن بعض رواة لكتاب أو نساخه قد حذفها مكتفيا بذكرها قبل سند الكتاب. والله أعلم.

والذي نلاحظه على المؤلف في مقدمته بوجه عام هو: عدم الاعتناء بتنظيمها وتنسيقها، واحتواءها على عبارات مجملة وغير مترابطة، والمعروف عن المؤلف رحمه الله أنه ذو معرفة وفهم، فكان الأولى به أن يقدم لكتابه بمقدمة يشرح فيها مذهب السلف في المسألة، وما يتعلق بها من مسائل، ثم بعد ذلك يورد قول الجهمية في المسألة، ويبطله ويرد عليه ويفند كل ادعاء لهم على حدة.

2-

لقد كان جل اهتمام المؤلف هو جمع الأحاديث والآثار الواردة في الموضوع، دون الاهتمام بجانب التنظيم فيها، فقد ساق الأحاديث والآثار جملة واحدة، دون أن يصنف الأحاديث التي تختص بأمر معين ويجعل لها بابا مستقلا عن الأحاديث الأخرى التي تختص بجانب آخر في المسألة، ودون أن ينظمها فيقدم الأحاديث

ص: 251

المرفوعة على الموقوفة، والموقوفة على الإسرائيليات وهكذا.

3-

لم يهتم المؤلف حين جمعه للأحاديث والآثار التي أوردها بدرجة تلك الأحاديث والآثار من حيث الصحة والضعف؟ فقد جمع في كتابه هذا الغث والسمين، فكان هناك الكثير من الأحاديث والآثار الضعيفة، والإسرائيليات، إلى جانب بعض الأحاديث الموضوعة التي لا يصح أن يستدل بها بأي حال من الأحوال. والمؤلف رحمه الله محدث حافظ، وله باع طويل في معرفة رجال الأحاديث، جرحا وتعديلا، فكان الأولى به أن يجنب كتابه مثل هذه الأمور، وخاصة أن كتابه يتحدث في مسائل اعتقادية لا يقبل فيها إلا ما صح من الأحاديث، ولكن يبدو أن المؤلف قصد من إيراده لهذه الأحاديث والآثار جمع كل ما ورد في الموضوع بغض النظر عن الصحة والضعف، وذلك لأن عصره عصر الرواية والإسناد، والمحدثون يرون أنهم إذا ساقوا الحديث بالإسناد فقد خرجوا من العهدة وبرئت الذمة، وفي هذا يقول ابن حجر:"إن أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته"1.

1"لسان الميزان": (3/ 75) .

ص: 252