الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: سيرته الشخصية وحياته العلمية
اسمه وكنيته:
هو الإمام الحافظ، المسند البارع، محدث الكوفة، أبو جعفر محمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُوَاستي1، العبسي مولاهم، الكوفي2.
أصله:
ينتسب محمد بن عثمان بن أبي شيبة إلى بني عبس بن يفيض بن ريث بن غطفان، وهذا الانتساب إنما هو من جهة الولاء وليس من جهة الأصل، فهو ليس من أصل عربي، إذ أن جده الثالث كان اسمه عثمان
1 خواستي: بضم معجمة مخففة فواو فألف مهملة ساكنة فمثناة فوق فتحتيه "المغني": ص 96.
2 مصادر ترجمته:"تاريخ بغداد": (3/42، 47)"الكامل" لابن عدي: (6/2297،"المنتظم" لابن الجوزي: (6/95، 96،"شذرات الذهب": (2/226)،"سير أعلام النبلاء" للذهبي:(14/ 21)،"العبر":(2/108)،"الفهرست" لابن النديم: ص 320،"ميزان الاعتدال":(3/ 642)،"لسان الميزان":(5/ 280)،"الوافي بالوفيات" للصفدي:(4/ 82)،"البداية والنهاية" لابن كثير:(11/ 111)،"طبقات الحفاظ" للسيوطي: ص 291، 292،"طبقات المفسرين" للداودي:(2/ 194) .
ابن خواستي، وهذا يدل على أنه من أصل أعجمي، أسلم ثم نسب إلى بني عبس غطفان ولاء، كما هي عادة من يسلم من غير العرب في ذلك الوقت، وهذا ما ذكرته الكتب التي ترجمت لبني أبي شيبة.
وإن كان الأزدي قد ذكر أنهم يعودون في نسبهم إلى أبي سعيدة، أسامة بن قتادة الحبسي صاحب سعد1، ولكن السمعاني في"الأنساب" قد نقل هذا الكلام عن يحيى بن معين بصيغة التضعيف، حيث قال:"ويزعم ولده أن أبا سعيدة صاحب سعد جدهم"2، ولعل الراجح هو ما اتفق عليه أصحاب التراجم، وهو أنهم من الموالي، والله أعلم.
مولده:
لم تشر المصادر التي ترجمت له إلى عام ولادته، وإن كانت جميعها قد اتفقت على أن عام وفاته هو سنة سبع وتسعين ومائتين، وقد كان عمره حين توفي يقارب التسعين، وهذا يعني أن مولده كان في الفترة ما بين سنة ثمان ومائتين وإحدى عشرة ومائتين للهجرة على سبيل التقريب.
أسرته:
ينحدر الحافظ بن الحافظ من أسرة مشهورة بالعلم والمعرفة، وبخاصة في الحديث وعلومه، فقد كانت لهذه الأسرة مكانتها ومنزلتها في أوساط الناس إذ ذاك، قال يحيى الحماني: "أولاد ابن أبي شيبة من
1"مشتبه النسبة": ص 54، الطبعة الهندية.
2"الأنساب" للسمعاني: (8/366) .
أهل العلم، كانوا يزاحمونا عند كل محدث"1، وقال الذهبي:"هم بيت علم، وأبو بكر أجلهم"2.
ونود أن نعرض ههنا نبذة يسيرة عن أشهر أفراد أسرته.
والده:
هو الإمام الحافظ الكبير المفسر أبو الحسن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي مولاهم، الكوفي، المعروف بابن أبي شيبة. قال محمد بن عثمان: ولد أبي سنة ست وخمسين ومائة.
روى عن شريك، وهشيم، وابن المبارك، وخلق.
وروى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبغوي، وابنه محمد بن عثمان، وعبد الله بن الإمام أحمد، وغيرهم.
وله من المصنفات:"المسند"، و"التفسير".
قال عنه ابن حجر: ثقة، حافظ، شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن.
وقد كانت وفاته سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة3.
1"تهذيب التهذيب": (6/ 3) ، ويقصد ههنا أبا بكر وعثمان ابنا أبي شيبة.
2"سير أعلام النبلاء": (11/ 122) .
3 له ترجمة في"تاريخ بغداد": 111/ 381) ،"سير أعلام النبلاء":(11/ 151)،"تذكرة الحفاظ":(2/ 444)،"تهذيب التهذيب":(7/ 149)،"العبر":(1/ 430) ، وغير ذلك من المراجع.
عمه:
الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي مولاهم، الكوفي، المعروف بابن أبي شيبة، قال عنه الذهبي: الإمام العلم، سيد الحفاظ، وصاحب الكتب الكبار"المسند" و"المصنف" و"التفسير".
وهو من أقران الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي ابن المديني في السن والمولد والحفظ، ويحيى بن معين أسن منهم بسنوات.
طلب أبو بكر العلم وهو صبي، وكان أكبر شيخ له هو شريك بن عبد الله القاضي سمع منه ومن أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد السلام بن حرب، وعبد الله بن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوام وغيرهم.
حدث عنه الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وروى النسائي عن أصحابه، ولا شيء له في جامع أبي عيسى.
وروى عنه- أيضا- أحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن عاصم، وبقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح محدثا الأندلس، والحسن ابن سفيان، وغيرهم.
وقال أحمد بن حنبل: أبو بكر صدوق، وهو أحب إلي من أخيه عثمان.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أبو بكر ثقة، حافظا للحديث.
وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، صاحب تصانيف، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين1.
وعمه:
القاسم بن محمد بن أبي شيبة العبسي، أخو الحافظين أبو بكر وعثمان، حدث عن ابن عليه، وعبد الله بن إدريس.
وعنه أبو زرعة، وأبو حاتم، ثم تركا حديثه، وآخر من حدث عنه أبو يعلى، قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سألت يحيى عن عمي القاسم فقال لي: عمك ضعيف يا ابن أخي.
وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقال: يخطئ ويخالف، ثنا عنه الحسن بن سفيان.
وقال العجلي: ضعيف.
مات سنة خمس وثلاثين ومائتين2.
1 له ترجمة في"تاريخ بغداد": (16/10، 71)،"سير أعلام النبلاء":(11/ 122،127)،"تهذيب التهذيب":(2/ 183)،"البداية والنهاية":(10/ 315) ، وغيرها من المراجع.
2"ميزان الاعتدال": (3/ 379)،"لسان الميزان":(4/ 465) .
ابن عمه:
الحافظ، الثبت، إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، العبسي، الكوفي.
ولد في أيام سفيان بن عيينة.
وسمع من: جعفر بن عون، وهو أكبر شيخ له، وابن عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، وقبيصة، وأبيه، وأعمامه، وخلق كثير.
حدث عنه: ابن ماجه، وأبو عوانة في"صحيحه" والنسائي في"اليوم والليلة"، وأبو العباس بن عقده، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الرحمن ابن أبي حاتم، وطائفة أخرى.
وكان من تلامذة الإمام أحمد في الفقه، وله عنه مسائل.
قال أبو حاتم: صدوق.
قال الذهبي: توفي في سنة خمس وستين ومائتين1.
جده:
محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي مولاهم الكوفي.
روى عن إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وأبي خلدة خالد بن دينار، وغيرهم.
وروى عنه ابناه أبو بكر وعثمان، ويزيد بن هارون وسعيد بن سليمان، وغيرهم.
1"الجرح والتعديل": (2/ 110)،"تهذيب التهذيب":(1/ 136)،"سير أعلام النبلاء:(11/128) .
وكان رجلا جميلا، كيسا، أكيس من يزيد بن هارون، وكان قاضيا ببعض بلاد فارس، وكان ثقة مأمونا، وذكره ابن حبان في"الثقات"، ومات بفارس.
قال القاسم بن محمد بن أبي شيبة: مات أبي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وهو ابن سبع سنين1.
جده الثاني:
إبراهيم بن عثمان بن خواستي، أبو شيبة العبسي مولاهم، الكوفي، قاضي واسط، ولي القضاء بواسط للمنصور ثلاثا وعشرين سنة.
روى عن خاله الحكم بن عتبة، وأبي إسحاق السبيعي، والأعمش، وغيرهم.
وعنه شعبة، وهو أكبر منه، وجرير بن عبد الحميد، وشبابه، والوليد بن مسلم، وزيد بن الحباب، ويزيد بن هارون، وعلي بن الجعد، وغيرهم.
قال أحمد ويحيى بن معين وأبو داود: ضعيف.
وقال البخاري: سكتوا عنه.
قال يزيد بن هارون: ما قضى على الناس رجل- يعني في زمانه أعدل في قضاء منه، وكانت وفاته سنة (161)2.
1"تهذيب التهذيب": (9/ 12) .
2"تهذيب التهذيب": (1/ 145)،"الأنساب":(8/365) .
نشأته وطلبه للعلم:
لقد كانت أهم العوامل التي أثرت في تنشئة محمد بن عثمان وإعداده هذا الإعداد العلمي الجيد أسرته وبلده.
فلقد نشأ محمد بن عثمان وتربى في ببت علم، اشتهر رجاله بطلب العلم والمعرفة وبخاصة الحديث وعلومه، حتى وصل بعضهم إلى مصاف كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان في زمانه.
ولقد عاصر محمد بن عثمان أباه وعميه أبا بكر والقاسم، وقد كان لأبيه وعمه أبي بكر قصب السبق في التدريس والتأليف في بلدهم الكوفة حين ذاك، فعاش محمد في جو علمي قد لا يتهيأ لكثير من الناس، وقد كان ملازما لأبيه وعمه في دروسهما التي يلقيانها في مسجد الكوفة، كما أنه كان ملازما لأبيه حتى في تأليفه، فهو الذي كتب المسند لأبيه بخط يده، كما قال عبدان:"كتبنا عن أبيه المسند بخط ابنه محمد"1.
وهذا يدل على حرص والده على تعليمه وتثقيفه، وقد استغل محمد بن عثمان هذا الجو العلمي لأسرته فروى الكثير عن أبيه وعمه أبي بكر، وقد ساعده على ذلك استعداده الفطري، وحافظته القوية، ورغبته في العلم.
وأما العامل الثاني المهم في تنشئته فهو بلده الكوفة، التي اشتهرت وذاع صيتها في ذلك الوقت، وعرفت بكثرة فقهائها ومحدثيها والقائمين بعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية فيها، وقد كان ابن أبي شيبة ملازما
1"تاريخ بغداد".
لكبار مشايخها، وخاصة الذين برعوا في الحديث وعلومه، لأن ابن أبي شيبة قد أولى هذا الجانب جل اهتمامه واعتنى به، حتى برع فيه، وقد التقى بالكوفة بعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن يونس، ومنجاب بن الحارث، وغيرهم، وقد استفاد محمد بن عثمان من وجود علي بن المديني، ويحيى بن معين بالكوفة، فنمى ثقافته فيما يتعلق بعلم الرجال، الذي كان يميل إليه حتى برع فيه، وأصبح من أئمة هذا الشأن فيما بعد.
وقد بقي محمد بن عثمان بالكوفة حتى أصبح أحد محدثيها المشهورين، ثم انتقل عنها إلى بغداد سنة ثلاث وسبعين ومائتين1.
ثقافته وعلمه:
برع محمد بن عثمان في أكثر من فن من فنون العلم، قال عنه الذهبي:"جمع وصنف
…
وكان من أوعية العلم"2، وقال:"وكان بصيرا بالحديث والرجال"3.
ففي جانب الحديث: كان أحد المحدثين المكثرين من الحديث، واسعا في الرواية، قال عنه الخطيب:"وكان كثير الحديث، واسع الرواية، ذا معرفة وفهم"4.
1"تاريخ بغداد": (3/ 43) .
2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) .
3"ميزان الاعتدال": (3/ 642) .
4"تاريخ بغداد": (2/ 42) .
وقد استطاع محمد بن عثمان أن يكتسب لنفسه لقب الحافظ، وأن يتصدر مكانة مرموقة بين علماء عصره في هذا المجال، وأصبح من أكبر مشائخ الحديث في الكوفة، حتى قيل:"مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبي جعفر الحضرمي، وعبيد ابن غنام"1.
وقد بقيت هذه المكانة له بعد انتقاله إلى بغداد، فقد كان طلاب العلم من أهل بغداد وغيرهم من طلاب العلم الوافدين إليها يزدحمون على مجلسه ودروسه، وقد أحب الشيخ بغداد وأهلها لما رأى منهم من حب العلم وأهله، كما أن أهل بغداد عرفوا قيمته ومنزلته، قال جعفر بن محمد بن نمير الخلدي: سمعت محمد بن عثمان بن أبي شيبة وقد قال له قوم غرباء من أصحاب هذا الحديث: يا أبا جعفر نحن قوم غرباء فزدنا، فقال:"لكم حق ولجيراني حقوق، هؤلاء- يعني من حوله من أهل بغداد- إن مرضت عادوني، وإن مت حضروني وإن مروا بقبري ترحموا علي، وأنتم تفارقوني، ولا أعلم ما يكون منكم"2.
وقد بلغ المؤلف من علمه في الحديث أن أصبح مقصد طلاب العلم ورواة الحديث حتى ازدحم بهم مجلسه، وأصبحوا يتنافسون في السماع منه، والقصة التي أوردناها قبل قليل هي أصدق دليل على ذلك.
1"تاريخ بغداد": (3/ 46) .
2"تاريخ بغداد": (3/ 42) .
ولم يقتصر علم المؤلف على جانب رواية الحديث وحفظه فقط، بل كان ذا معرفة وفهم بأحوال الرجال جرحا وتعديلا، حتى صار إماما من أئمة هذا الشأن، وله مؤلفات فيه، قال عنه الذهبي1، والسخاوي2:"وهو مع ضعفه من أئمة هذا الشأن"، وقد تتلمذ محمد بن عثمان في هذا المجال على يد عالمين لهما باع طويل وخبرة واسعة في هذا الفن، وهما، علي بن المديني، ويحي بن معين.
وإلى هذين الجانبين من جوانب العلم، كان للشيخ دراية ومعرفة بعلوم القرآن، والعقيدة، والفقه، والتاريخ، حيث إنه ألف في كل فن من هذه الفنون مؤلفا مستقلا، وسيأتي الكلام عليها في مبحث مؤلفاته.
شيوخه:
يتبين لي من أسانيد الأحاديث والآثار المذكورة في هذا الكتاب الذي أقوم بتحقيقه، أن المؤلف- رحمه الله روى عن الكثير من العلماء، وقد بلغ عدد الأشخاص الذين روى عنهم في هذا الكتاب ثلاثة وخمسين شخصا، ولا شك أن هذا عدد كبير إذا ما قورن بحجم الكتاب، وهو يدل على كثرة شيوخه الذين تلقى العلم على أيديهم.
وقد أشار العلماء الذين ترجموا لحياة المؤلف- رحمه الله إلى كثرة شيوخه، وسعة سماعه، قال الخطيب البغدادي:"وحدث عن
1 كتاب"ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل": ص 178.
2 كتاب"المتكلمون في الرجال": ص 100.
أبيه، وعمه، وعلي بن المديني، ونحوهم، وكان كثير الحديث، واسع الرواية"1.
وقال الذهبي:"سمع أباه، وعميه..، وخلقا سواهم"2.
وسنورد في هذا المبحث بعضا من شيوخه:
1-
أبوه.
2-
عمه أبو بكر.
3-
عمه القاسم.
وقد سبقت ترجمة كل واحد من هؤلاء عند الحديث عن أسرته.
4-
أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس التميمي، اليربوعي، الكوفي، روى عن إبراهيم بن سعد، وإسرائيل بن يونس. وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وصفه الإمام أحمد بأنه: شيخ الإسلام.
وقال ابن حجر: ثقة، حافظ، توفي سنة سبع وعشرين ومائتين3.
5-
الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عبد الله المديني، سمع أباه، وحماد بن يزيد، وابن عيينة، وعبد الرزاق، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم.
1"تاريخ بغداد": (3/ 42) .
2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) .
3 له ترجمة في"تذكرة الحفاظ": (1/400)،"العبر":(1/398)،"تهذيب التهذيب":(1/ 50)،"ميزان الاعتدال":(3/ 138) .
روى عنه البخاري، وأبو داود، وروى عنه أبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير بواسطة الحسن بن الصباح البزار الزعفراني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وخلق كثير.
قال عنه الذهبي: إليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي، مع كمال المعرفة بنقد الرجال، واسع اللفظ والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه1.
وقد استفاد محمد بن عثمان من علم هذا الإمام، وبخاصة فيما يتعلق بالرجال، والدليل على ذلك كتابه المسمى"سؤالات محمد بن عثمان لعلي بن المديني في الرجال".
6-
الحافظ أبو محمد منجاب بن الحارث بن عبد الرحمن، التميمي، الكوفي، روى عن علي بن مسهر، وبشر بن عمارة الخثعمي، ويزيد بن مقدام. وعنه مسلم، وابن ماجه في"التفسير"، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم.
قال عنه ابن حجر: ثقة2.
7-
الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن معين بن عون، الغطفاني، مولاهم، البغدادي، روى عن ابن عيينة، أبي أسامة، وعبد الرزاق، وعفان، وغندر.
1 انظر:"العبر": (1/ 418)،"تهذيب التهذيب":(7/ 349) .
2"الجرح": (4/ 1/ 433)،"تهذيب التهذيب":(10/ 297)،"تقريب التهذيب":(2/ 274) .
وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وعبد الله بن الإمام أحمد، وهناء بن سعد، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم.
قال الخطيب: كان إماما ربانيا، عالما، حافظا، ثبتا، متقنا، توفي بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وحمل على سرير النبي صلى الله عليه وسلم وله نحو سبع وسبعين سنة1.
8-
الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث، الكندي، الأشعثي، الكوفي، روى عن أبي زيد عبثر بن القاسم، وعبد الله بن المبارك، وعنه مسلم، والنسائي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأبو زرعة، وغيرهم. وقال عنه أبو زرعة: ثقة2.
9-
الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، الأنصاري، الكوفي، روى عن أبيه، وأيوب بن جابر.
وروى عنه البخاري في"كتاب الأدب"، والترمذي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم.
قال أبو حاتم: كوفي، صدوق، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة"3.
1"تاريخ بغداد": (14/177)،"طبقات الحنابلة":(1/ 204)،"وفيات الأعيان":(6/ 139) .
2 له ترجمة في"تهذيب التهذيب": (4/ 468)، و"التقريب": ص 124.
3 له ترجمة في"تهذيب التهذيب": (9/ 381)،"تقريب التهذيب": ص 314.
10-
الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحماني الكوفي، روى عن أبيه، وسليمان بن بلال، وقيس بن الربيع. وروى عنه مسلم، وأبو حاتم، ومطين، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيرهم.
قال ابن حجر: حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث1.
طائفة من تلاميذه:
1-
الحافظ الأوحد، أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن، الأزدي، الواسطي، المعروف بابن الباغندي، سمع محمد بن عبد الله بن نمير، وأبا بكر عثمان ابنا أبي شيبة، وشيبان ابن فروخ، وعلي بن المديني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. وروى عنه الحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري، وأبو بكر الشافعي، وغيرهم.
قال عنه الخطيب: عامة ما رواه حدث به من حفظه، وقال إسماعيل: لا أتهمه بالكذب، لكنه خبيث لتدليس، ومصحف - أيضا-، وقال ابن عبدان: هو أحفظ من أبي بكر بن داود، توفي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة2.
1 له ترجمة في"تهذيب التهذيب": (9/ 381)،"تقريب التهذيب": ص 377، وغير ذلك من المراجع.
2"تاريخ بغداد": (3/ 209)،"تذكرة الحفاظ":(2/ 736)،"العبر":(2/152) .
2-
الإمام أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، كاتب مولى ابن جعفر المنصور، الهاشمي، البغدادي، كان مولده سنة ثمان وعشرين ومائتين، سمع ابن منيع، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة.
وروى عنه البغوي، والدارقطني، وقال عنه: ثقة، ثبت، حافظ، توفي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة1.
3-
أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، بن محمد بن إسماعيل بن سعيد ابن آبان الضبي، القاضي، المحاملي، سمع يوسف بن موسى القطان، وأبا هاشم الرفاعي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم.
وعنه دعلج بن أحمد، وأبو الحسن الدارقطني، قال عنه الخطيب: كان فاضلا، صادقا، دينا، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة2
4-
الحافظ الإمام الحجة أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، اللخمي، الشامي، الطبراني. روى عن هاشم بن مرثد الطبراني، وأبي زرعة الثقفي، وبشر بن موسى، وأبي عبد الرحمن النسائي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهم.
وعنه أبو خليفة الجمحي، وابن عقده، وأحمد بن محمد الصحاف، وهم من شيوخه، وأبو بكر بن مردويه، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم.
1"تذكرة الحفاظ": (2/ 776)،"العبر":(2/ 173) .
2"تاريخ بغداد": (8/ 19)،"العبر":(2/ 222) .
أثنى عليه العلماء، ووصفوه بالحفظ، وسعة الاطلاع، وبالصدق، والثقة، والأمانة.
وكانت وفاته في ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة1.
5-
الإمام المفيد أبو عبد الله محمد بن مخلد بن حفص الدوري، العطار، الخطيب، مسند العراق، سمع مسلم بن الحجاج، والحسن بن عرفة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، صنف، وخرج، وكان معروفا بالثقة والصلاح روى عنه الدارقطني، وقال: ثقة، مأمون، توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة2.
6-
أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد، الفقيه، الحنبلي.
روى عن هلال بن العلاء، وأبي قلاب، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ورحل، وصنف السنن.
روى عنه ابن مردويه، والدارقطني، قال الخطيب: كان صدوقا، عارفا، توفي سنة ثمان وأربعين وثلاثه سائة3.
7-
أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي، أحد أصحاب
1"أخبار أصبهان": (1/335)،"المنتظم" لابن الجوزي:(7/54)،"تذكرة الحفاظ":(3/ 913) .
2"تاريخ بغداد": (3/ 310)،"المنتظم":(6/ 334) ،"سير أعلام النبلاء".
3"تاريخ بغداد": (4/ 198)،"طبقات الحنابلة":(2/ 7)،"تذكرة الحفاظ":(3/ 868) .
محمد بن جرير الطبري، تقلد قضاء الكوفة، وكان من العلماء بالأحكام، وعلوم القرآن، والنحو، والشعر، وأيام الناس، وتواريخ أصحاب الحديث، وله مصنفات في ذلك.
حدث عن محمد بن سعيد العوفي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن الجهم السمري، وغيرهم.
وروى عنه أبو الحسن الدارقطني، وغيره، قال أبو الحسن زرقويه: لم تر عيناي مثله، ولينه الدارقطني، ومشاه غيره، توفي سنة خمسين وثلاثمائة1.
8-
أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن يحيى بن بيان، الخطبي، سمع الحارث بن أبي أسامة التميمي، وبشر بن موسى الأسدي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما.
وكان فاضلا، فهما، عارفا بأيام الناس، وأخبار الخلفاء، قال الدارقطني: ما أعرف إلا خيرا، كان يتحرى الصدق، وقال - أيضا-: ثقة. توفي سنة خمسين وثلاثمائة2.
9-
الإمام الحجة المفيد أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدوية، الشافعي، البغدادي، البزار، ولد سنة ستين ومائتين. سمع موسى بن سهل الوشاء، ومحمد بن شداد المسيجي، ومحمد
1"تاريخ بغداد": (4/ 257)،"العبر":(2/ 285) ،"سير أعلام النبلاء".
2"تاريخ بغداد": (6/ 304)،"اللباب":(1/ 453) .
ابن عثمان بن أبي شيبة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، قال الخطيب: ثقة، ثبت، حسن التصنيف، جمع أبوابا، وشيوخا، توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة1.
10-
أبو الحسن شعبة بن الفضل بن سعيد بن سلمة التغلبي، اسمه سعيد، وغلب عليه شعبة، حدث بمصر عن بشر بن موسى، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، روى، عنه جماعة، وكان ثقة.
توفي بمصر سنة إحدى وأربعين ومائة2.
عقيدته:
تتبين عقيدة المؤلف- رحمه الله تعالى - من كتابه هذا الذي نقوم بتحقيقه، فهو سلفي العقيدة، على طريقة أهل الحديث.
وقد ألف كتابه هذا ناصرا لمذهب السلف القائلين بعلو الله واستوائه على عرشه، متبعا لطريقة أهل الحديث أن الاستدلال بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين.
وقد رد المؤلف في كتابه هذا على أكبر الطوائف المخالفة للسلف في مسألة الصفات، وهم الجهمية، والمعتزلة المنكرين لصفات الله، وقد تكلم في بداية كتابه عن مذهب هؤلاء، كلام خبير بأقوالهم وأدلتهم، ورد تلك الأقوال بطريقة السلف ومنهجهم.
1"تذكرة الحفاظ": (3/ 880)،"العبر":(3/ 301)،"الشذرات":(3/ 16) .
2"المنتظم": (6/ 372) .
ولقد كان محمد بن عثمان- كما كان أبوه وعمه أبو بكر- منافحا عن مذهب السلف، ناصرا لأقوالهم، رادا على المعتزلة، والجهمية، وأقوالهم وأكاذيبهم، فقد كان أبوه وعمه وأبو بكر ممن أشخصهم المتوكل في سنة أربع وثلاثين ومائتين لكي يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور، واجتمع عليه نحو ثلاثين ألفا، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدما من أخيه، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا1.
ومن هذا وذاك يتبين لنا اعتقاده السلفي، ومناصرته لمذهب السلف واتباعه لمنهجهم.
مؤلفاته:
قال عنه الذهبي:"جمع وصنف
…
"2، وقال في موضع آخر:"له تواليف مفيدة
…
"3.
وقد ذكرت المراجع التاريخية سبعة من مؤلفاته، غالبها يدور حول الحديث والرجال.
وهذه هي أسماؤها:
1-
"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني":
وهي عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، تقع في سبع ورقات، وهي
1"سير أعلام النبلاء": (11/ 125) .
2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) .
3"ميزان الاعتدال": (3/ 642) .
موجودة ضمن مجموعة في سراي أحمد الثالث، برقم 624/ 21"من 220- 226 ب"، وقد ذكرها السخاوي في"الإعلان بالتوبيخ": ص 231. وذكرها فؤاد سزكين في كتابه"تاريخ التراث العربي"1.
وموضوع الرسالة هو: في الجرح والتعديل، حيث إنها اشتملت على ستين ومائتي ترجمة مع التراجم المكررة، وهي عبارة عن أجوبة أجابها علي بن المديني عن سؤالات سأله عنها محمد بن عثمان بن أبي شيبة في الرجال.
وقد طبعت هذه الرسالة بتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ونشرتها مكتبة المعارف بالرياض.
2-
"سؤالات محمد بن عثمان لطائفة من شيوخه في الجرح والتعديل": وهي- أيضا- عبارة عن رسالة صغيرة الحجم، تقع في خمس ورقات، وهي موجودة في المكتبة الظاهرية ضمن مجموع برقم"مجمع 40/9 من 206أ- 221أ) سنة 520 وموضوعها في الجرح والتعديل، حيث إنها عبارة عن سؤالات، سأل فيها طائفة من شيوخه، أمثال علي بن المديني، ويحيى بن معين، ووالده عثمان ابن أبي شيبة عن أحوال الرجال جرحا وتعديلا.
وقد وعد محقق الرسالة السابقة بنشرها قريبا2.
(1/294)
2 انظر:"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني في الجرح والتعديل: تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر: ص 20.
3-
"كتاب في خلق آدم، وخطيئته، وتوبته":
هكذا ورد اسمه في فهرس الظاهرية"مجمع 19/ الأوراق 46-57"1.
وكذلك فؤاد سزكين في"تأريخ التراث العربي": (1/ 415) .
وقد اطلعت على مصورة له في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، فاتضح لي أنها ليست كتابا مستقلا، وإنما هي جزء من كتاب، ويغلب على ظني أنها قطعة من كتاب"التاريخ" للمؤلف، لأنه قال في الورقة 53/ ب باب في نبوة النبي، وما كان من ذكره قبل أن يخلق، وقال في نهاية هذه الأوراق:"آخر الجزء الثاني": وقد حوت هذه القطعة آثارا عن خلق آدم، وإدخاله الجنة، وخطيئته، وإخراجه من الجنة، وكذلك عن مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذكره قبل أن يولد.
4-
"كتاب التاريخ":
وقد وصفه الخطيب بأنه"تاريخ كبير"2.
ولم أقف على نسخة له، وإن كان يغلب على ظني أن الكتاب السابق ذكره هو قطعة من هذا الكتاب. والله أعلم.
5-
"كتاب العرش":
وهو الكتاب الذي أقوم بتحقيقه.
6-
"السنن في الفقه":
1 انظر: فهرس الظاهرية. قسم المنتخب من مخطوطات
…
2"تاريخ بغداد": (3/ 42) .
وقد ذكره ابن النديم في"الفهرست"1.
7-
"فضائل القرآن":
وقد ذكره الداودي في"طبقات المفسرين" حيث قال:"له تصانيف مفيدة منها كتاب"فضائل القرآن""2.
وفاته:
كانت وفاته- رحمه الله تعالى- ببغداد في يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين ومائتين.
وهذا ما أورده الخطيب في تاريخ وفاته3، وقد اتفقت المصادر الأخرى التي ترجمت له مع ما ذكره الخطيب على سنة وفاته، ولكن بعضها قد خالفه في تحديد الشهر الذي توفي فيه، فقالوا: إنه توفي في جمادى الأولى كما بين ابن الحماد في"شذرات الذهب"4، والذهبي في"العبر"5، و"سير أعلام النبلاء"6، والسيوطي في"طبقات الحفاظ"7، ولعل الأقرب للصواب هو ما ذكره الخطيب، لكونه قد
1"الفهرست" لابن النديم: ص 320.
(2/194) .
3"تاريخ بغداد": (3/ 47) .
(2/226) .
(1/108) .
(14/21) .
7 ص 291-292.
روى ذلك بسنده عن إسماعيل بن علي، وحدد فيه بدقة اليوم والشهر والسنة.
وقد ذكر ابن المنادي وفاته ثم قال، كنا نسمع شيوخ الحديث وكهولهم يقولون مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق ومحمد ابن عثمان وأبي جعفر الحضرمي وعبيد بن غنام1.
مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه:
بالرغم مما يكتنف الجزء الأكبر من حياة الحافظ محمد بن عثمان ابن أبي ثييبة- رحمه الله من الغموض، وعدم إحاطة الكتب التاريخية بها، إلا أن هناك إشارات وعلامات متناثرة في بطون الكتب، تدل على حفظه وعلى شأنه، وبخاصة في الحديث وعلومه.
وقد شهد العلماء له بذلك، فوصفوه تارة بالحفظ وسعة الرواية، وتارة بالمعرفة والفهم، وتارة أخرى بالإمامة والجمع والتصنيف.
ومن تلك الشهادات قول الخطيب:"وكان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم...."2.
وقول الذهبي:"الإمام الحافظ المسند..، جمع وصنف..، وكان من أوعية العلم"3.
1"تاريخ بغداد": (3/ 47) .
2"تاريخ بغداد": (3/ 42) .
3"سير أعلام النبلاء".
وقال عنه السيوطي:"الحافظ البارع، محدث الكوفة..، صنف وجمع
…
"1.
فهو على هذا كان يتمتع بالحفظ والفهم وسعة الرواية إلى جانب الإمامة في الجرح والتعديل، وهذه مميزات كبيرة قل أن يجمع عالم بينها، ولعل هذه المميزات هي التي يسرت، الجمع في التأليف بين عدة علوم كما تبين لنا عند سرد مؤلفاته.
ولكنه مع هذا العلم وهذه الجلالة لم يكن له حظ كما قال عنه الذهبي:"لم يرزق حظا، بل نالوا منه"2.
وقد تضاربت أقوال العلماء فيه، فمنهم من وثقه وأثنى عليه، واعترف بفضله وعلمه وإمامته، ومنهم من ذمه وشانه وطعن فيه.
أقوال من أثنى عليه:
سئل أبو علي صالح بن محمد جزره3 عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة فقال: ثقة4.
1"طبقات الحفاظ" للسيوطي: ص 291.
2"سير أعلام النبلاء": (14/ 21) .
3 هو أبو علي صالح بن محمد البغدادي، نزيل بخارى، ولد بالكوفة سنة 205 هـ، ومات ببخارى سنة 293 هـ، إمام حافظ ثقة ذكره الذهبي في الطبقة السادسة في كتابه،"ذكر من يعتمده قوله في الجرح والتعديل": ص 185.
والسخاوي في:"المتكلمون في الرجال": ص 99. وله ترجمة في"تاريخ بغداد": (9/ 322) ، و"تهذيب التهذيب" لابن عساكر: (6/ 381) .
4"تاريخ بغداد": (3/ 43)،"الوافي بالوفيات":(4/ 82) .
وسئل عنه عبدان1: فقال ما علمنا إلا خيرا، كتبنا عن أبيه المسند بخط ابنه2.
وسئل ابن عدي عبدان: وكان إذ ذاك رجلا، قال: نعم3.
وقال ابن عدي4:"ومحمد بن عثمان هذا على ما وصفه عبدان،
لا بأس به.. ولم أر له حديثا منكرا فأذكره"5.
وقال ابن المنادي:"كنا نسمع شيوخ الحديث وكهولهم يقولون: مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبي جعفر الحضرمي، وعبيد بن غنام".
وقد ذكره ابن حبان في"الثقات" وقال:"كتب عنه أصحابنا...."6.
1 عبدان الأهوازي هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد الأهوازي الجواليقي حافظ ثقة صاحب التصانيف، وهو من شيوخ ابن عدي صاحب الكامل، مات سنة 306 هـ، وله ترجمة في"تاريخ بغداد":(9/378)، و"شذرات الذهب":(2/ 249) .
2"تاريخ بغداد".
3"الكامل في ضعفاء الرجال": (6/2297) .
4 هو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني، صاحب كتاب"الكامل في ضعفاء الرجال".
5"الكامل في ضعفاء الرجال": (6/2297) .
6"الثقات لابن حبان": (9/ 155) .
وقال مسلمة بن قاسم:"لا بأس به، كتب الناس عنه، ولا أعلم أحدا تركه"1.
ويبدو أن مكانته عند ابن معين وعلي بن المديني كانت طيبة، فقد كان من المقربين إليهما، كما يظهر ذلك، من سؤالاته لهما وإجابتهما عليها، وقد كان ابن معين يخاطبه بـ"يا ابن أخي"، وفي هذا ما يشعر أن له منزلة خاصة عنده.
والمتأمل لشيوخه وتلاميذه يشعر بمنزلته العلمية التي لا يتطرق إليها الشك، وقد كان- رحمه الله موضع تقدير، سواء في المدة التي مكث فيها بالكوفة، أو بعد ارتحاله إلى بغداد، وقد استطاع أن يكتسب هذا التقدير وهذه المنزلة في وقت كانت فيه الكوفة وبغداد تزخران بكبار الأئمة وأشهر العلماء.
أقوال من ضعفه وتكلم فيه:
لعل أشد نقاده وأكثرهم خصومة له هو محمد بن عبد الله الحضرمي الملقب بمطين2، وقد كان سيء الرأي فيه، ويقول: عصا موسى تلقف ما يأفكون.
1"لسان الميزان": (5/ 281) .
2 هو محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الحافظ مطين محدث الكوفة، ثقة توفي هو ومحمد بن عثمان في سنة واحدة. انظر:"لسان الميزان": (5/223) .
وقد كانت بين الاثنين مشاقة، ساق الخطيب البغدادي بعض خبرها عن الحافظ أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني، الذي توسط بينهما1.
وقد ذكر أبو نعيم بن عدي أن هذه الخصومة قد استمرت بينهما حتى خرج كل واحد منهما إلى حد الخشونة والوقيعة في صاحبه، وقد ساق أبو نعيم فصلا طويلا ذكر فيه ما أخذ كل واحد منهما على الآخر، وأن هذه الخصومة قد استمرت إلى ما بعد سنة تسعين ومائتين، إلى أن قال: والذي يظهر لي أن الصواب الإمساك عن القبول من كل واحد منهما في صاحبه.
وليس في القصة ما هو بين في التكذيب، فعلى هذا لا يعتد بقول مطين لأنهما كوفيان، ومن عصر واحد، وخلاف الأقران لا يعتد به.
وقد نقل ابن عقدة2 تكذيب محمد بن عثمان عن تسعة من علماء الحديث المشهورين حيث قال: سمعت عبد الله بن أسامة الكلبي يقول: محمد بن عثمان كذاب، أخذ كتب ابن عبدوس الرازي، مازلنا نعرفه بالكذب.
1 انظر:"تاريخ بغداد": (3/ 43- 46) .
2 هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عقدة الكوفي كان أبوه يلقب بعقدة، ولد سنة تسع وأربعين ومائتين، شيعي متوسط، ضعفه غير واحد، وقواه آخرون، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. انظر:"ميزان الاعتدال": (1/ 136- 137) .
وقال- أيضا- سمعت إبراهيم بن إسحاق الصواف يقول: محمد بن عثمان كذاب، يسرق حديث الناس، ويحيل على أقوام بأشياء ليست من حديثهم.
وقال داود بن يحيى يقول: محمد بن عثمان كذاب، وقد وضع أشياء كثيرة، ويحيل على أقوام أشياء ما حدثوا بها قط.
وقال سمعت عبد الرحمن بن يوسف بن خراش يقول: محمد بن عثمان كذاب، مازلنا نعرفه بالكذب منذ هو صبي.
وقال سمعت عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل يقول: محمد بن عثمان كذاب بين الأمر، يقلب هذا على هذا، ويعجب عمن يكتب عنه.
وقال: سمعت جعفر بن محمد بن أيوب عثمان الطيالسي يقول: ابن عثمان هذا كذاب، يجيء عن أقوام بأحاديث ما حدثوا بها قط، متى سمع؟ أنا عارف به جدا.
وقال: سمعت عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة يقول: ابن عثمان أخذ كتب ابن عبدوس وادعاها، مازلنا نعرفه بالتزيد.
وقال سمعت محمد بن أحمد العدوي يقول: محمد بن عثمان كذاب مذ كان، متى سمع هذه الأشياء التي يدعيها؟ وذكر كلاما غير هذا في بدئه.
وقال: حدثني محمد بن عبيد بن. حماد قال: سمعت جعفر بن هذيل يقول: محمد بن عثمان كذاب"1. اهـ.
1"تاريخ بغداد": (3/) .
وهذا التكذيب الذي نقله ابن عقدة فيه نظر، وذلك لأن هذا التكذيب قد انفرد بنقله ابن عقدة وحده، فلم يرد - فيما أعلم- من طريق آخر غير طريق ابن عقدة، بالرغم من أن الذين نقل عنهم هم من المحدثين المشهورين، وكذلك فإن محمد بن عثمان كان في بغداد بغاية الشهرة، وكثير الخصوم، فانفراد ابن عقدة بهذا النقل عن هذا الجم الغفير من العلماء، مع إضافة أن الخطيب البغدادي قد روى بسنده عن علي بن محمد بن نصر أنه قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح فهل يقبل قوله أم لا؟ قال: لا يقبل.
وهذا دليل على توهين هذا النقل وتضعيفه، حيث إنه قد جمع بين انفراد ابن عقدة بنقله، وكونه ممن لا يقبل قوله فيما ينقله من الجرح، وفوق هذا وذاك فابن عقدة مخالف لابن أبي شيبة في المذهب.
ومما جاء في تضعيفه ما نقله حمزة السهمي في سؤالاته للدارقطني حيث قال: وسألته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، فقال: كان يقال أخذ كتاب أبي أنس وكتب منه فحدث1.
وهذا القول للدارقطني ليس فيه ما هو بين الجرح، لأنه لا يدرى من القائل، وليس فيه ما يثبت أن محمدا قد أخذ الكتاب بغير حق، أو روى منه بغير حق، ومن المعلوم أن الحافظ العارف قد يشتري كتب
1"سؤالات السهمي للدارقطني": ص 136.
غيره ليطالعها، كما كان الإمام أحمد يطلب كتب الواقدي وينظر فيها1.
وقال الخطيب: سألت البرقاني عن ابن أبي شيبة فقال: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه2.
وليس في قول البرقاني هذا ما يوجب الجرح، إذ لم يبين من هو القادح، وما هو قدحه، ومن المعلوم أن الجرح لا يقبل إلا إذا كان مفصلا، وكأن ذلك إشارة إلى كلام مطين ونقل ابن عقدة، وقد مر ما في ذلك3.
وروى الخطيب- أيضا- عن ابن المنادي أنه قال:"أكثر الناس عنه على اضطراب فيه"4.
والجواب على هذا: أن اضطرابه في بعض أحاديثه ليس بموجب جرحا"5.
وبعد استعراض هذه الأقوال المتضاربة التي أثنت عليه أحيانا وقدحت فيه، وجرحته أحيانا أخرى، أرى أن في إطلاق الكذب عليه الكثير من المبالغة، كما أن الذين شنعوا عليه واتهموه هم من أقرانه،
1 انظر:"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل": (1/ 460، 461) .
2"تاريخ بغداد": (3/ 47) .
3"التنكيل": (1/461) .
4"تاريخ بغداد": (3/ 47) .
5"التنكيل": (1/461) .
وفي نظري أن أعدل الأقوال وأرجحها هو ما قاله ابن عدي ومسلمة بن القاسم من أنه لا بأس به.
هذا من حيث الحديث وروايته، أما من حيث علوم الرجال، وفنون الجرح والتعديل، فهو من أئمة هذا الشأن، كما أطلق عليه ذلك الذهبي والسخاوي، وكفاه فخرا في هذا أنه تلميذ لإمامين من أئمة الجرح والتعديل، وهما ابن معين وابن المديني.