الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: تعريف العرش والأدلة عليه
الفصل الأول: تعريف العرش
المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش
…
قال ابن فارس: ""عرش " العين والراء والشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك"1.
والعرش في كلام العرب يطلق على عدة معان منها:
ا- سرير الملك:
قال الخليل: "العرش: السرير للملك"2.
وقال الأزهري: "والعرش في كلام العرب: سرير الملك، يدلك على ذلك سرير ملكة سبا، سماه الله- جل وعز- عرشا فقال:{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل، آية: 21]3.
وقال ابن منظور- بعد أن نقل كلام الأزهري-: "وقد يستعار لغيره
…
والجمع أعراش، وعروش، وعرشة، وفي حديث بدء الوحي:"فرفعت رأسي فإذا هو قاعد على عرش في الهواء"، وفي رواية:"بين السماء والأرض" يعني: جبريل على سرير"4.
1"معجم مقاييس اللغة": (4/ 264) .
2 "كتاب العين": (4/ 291) .
3 "تهذيب اللغة": (4/ 413) .
4 "لسان العرب": (4/ 2880) .
2-
سقف البيت:
قال الخليل: "عرش البيت: سقفه"1.
وقال الزبيدي: "والعرش من البيت سقفه ومنه الحديث: "أو كالقنديل المعلق بالعرش"، يعني: السقف، وفي حديث آخر: "كنت أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرشي" أي: سقف بيتي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة، آية: 259] ، أي: صارت على سقوفها، كما قال عز من قائل: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أراد أن حيطانها قائمة وقد تهدمت سقوفها، فصارت في قرارها، وانقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدمة قبلها، ومعنى الخاوية والمنقعرة واحد، وهي: المنقلعة من أصولها"2.
3-
ركن الشيء:
قال الزبيدي: "والعرش: ركن الشيء، قاله الزجاج والكسائي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي: وخرت على أركا نها"3.
4-
الملك:
قال الأزهري: "والعرش: الملك، يقال: ثل عرشه، أي: زال ملكه وعزه".
1"كتاب العين": (4/ 291)، "الصحاح": ص 722.
2 "تاج العروس": (4/ 321) .
3 "تاج العروس": (4/ 321) .
قال زهير:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها
…
وذبيان إذ زلت باقدامها النعل1
قال الزبيدي: "قال ابن الأعرابي: العرش: الملك بضم الميم، وهو كناية...."2.
5-
قوام أمر الرجل:
قال ابن فارس: "استعيرت كلمة عرش هنا، فقيل لأمر الرجل وقوامه: عرش، وإذا زال ذلك عنه قيل: ثل عرشه، قال زهير:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل"3
قال الزبيدي: "قولهم: ثل عرشه أي: عدم ما هو عليه من قوام أمره، وقيل: وهى أمره، وقيل: ذهب عزه، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل بك ربك، قال: لولا أن تداركني لثل عرشي"4.
6-
عرش السماك:
قال ابن فارس: "ويقال: إن عرش السماك: أربعة كواكب أسفل من العواء على صورة النعش، ويقال: هي عجز الأسد، قال ابن أحمر:
1 "تهذيب اللغة": (4/ 414) .
2 "تاج العروس": (4/ 321) .
3 "معجم مقاييس اللغة": (4/ 264) - بتصرف.
4 "تاج العروس": (4/ 321) .
باتت عليه ليلة عرشية
…
شربت وبات إلى نقا متهدم"1
7-
عرش البئر:
قال الأزهري: "وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: بئر معروشة: وهي التي تطوى قدر قامة من أسفلها بالحجارة، ثم يطوى سائرها بالخشب، فذلك الخشب هو العرش، يقال: منه عرشت البئر أعرشها، فإذا كانت كلها بالحجارة فهي مطوية وليست بمعروشة.
وقال غيره: المثاب: مقام الساقي فوق العروش، ومنه قول الشاعر:
وما لمثابات العروش بقية
…
إذا استل من تحت العروش الدعائم
وقال ابن الأعرابي: العرش: بناء، فوق البئر يقوم عليه الساقي، وأنشد:
أكل يوم عرشها مقيلي"2.
8-
عرش القدم:
قال الخليل: "العرش في القدم كل ما بين الحمار والأصابع من ظهر القدم، والحمار: المرتفع من ظهر القدم، وجمعه: عرشة وأعراش"3.
وقال بن الأعرابي: "ظهر القدم: العرش، وباطنه: الأخمص"4.
1"معجم مقاييس اللغة": (267/4) .
2"كتاب العين": "1/ 293) .
3 "لسان العرب": (4/ 2882) .
4 "تهذيب اللغة": "1/ 416) .
قلت: من المعلوم أن معرفة كل معنى من تلك المعاني إنما يتحدد بحسب ما أضيف إلى الكلمة، والمعنى المقصود في عرش الرحمن من تلك المعاني السابقة، هو سرير الملك، ذلك لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قد جاءت معينة لهذا المعنى وحده دون غيره من المعاني، وهذا ما سياتي بيانه.
أما زعم الجهمي بان معنى العرش في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، يحتمل عدة معاني، فلا يعرف أي هذه المعاني هو المراد،
فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله: "هذا تلبيس منك على الجهال، وكذب ظاهر، فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معاني، فاللام: للعهد، وقد صار بها العرش معينا، وهو عرش الرب- تعالى- الذي هو سرير ملكه الذي اتفقت عليه الرسل، وأقرت به الأمم، إلا من نابذ الرسل
…
"2.
1 سورة طه، الآية:5.
2"مختصر الصواعق المرسلة": (1/ 17، 18) .