الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس: قسم التحقيق
…
قسم التحقيق: كتاب العرش وما روي فيه
تأليف: محمد بن عثمان بن أبي شيبة (ت 297)
(ق 50/ ب) تأليف محمد بن عثمان بن أبي شيبة- رحمه الله.
رواية أبي علي محمد بن أحمد بن الحسن الصوف عنه.
رواية أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس عنه.
رواية أبي طالب1 محمد بن علي العشاري، وأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا كلاهما عنه.
رواية أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش عنهما.
رواية أبي إسحاق إبراهيم بن بركة بن طاقويه وأبي القاسم هبة الله ابن الحسن بن المظفر بن السبط كليهما عنه.
رواية يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي عنه2.
سماع لصاحبه الشيخ الصالح أبي محمد محمود بن القاسم ابن بدران الدشتي- نفعه الله به-.
1 في "الأصل": "أبي الفتح، وهو خطأ، والصواب ما أثبته، ولعله وهم من الناسخ.
2 هكذا في "الأصل" والصواب: "عنهما".
رواية الإمام فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، عن أبي القاسم هبة الله بن المظفر بن الحسن ابن السبط كتابة1.
رواية مالكه يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي، بحق إجادته من الشيخ المسند فخر الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي البخاري بسنده المذكور أعلاه.
1 حصل هنا تقديم وتأخير في اسم أبي القاسم، والصواب هو:"هبة الله بن الحسن بن المظفر بن السبط".
بسم الله الرحمن الرحيم
(ق 51/ أ) أَخْبَرَنَا1 شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ يَوسُفُ بْنُ خَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ- رحمه الله، وَرَحِمَ وَالِدَيْهِ-، قِرَاءَةً وَأَنَا أسمع في جماد الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِجَامِعِ حَلَبٍ2 قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَرَكَةَ بْنِ طَاقُويَه، وَأَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ السَّبْطِ بِقِرَاءَتِكَ عَلَيْهِمَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَقَرَّ بِهِ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِشَ الْعُكْبَرِيُّ، قِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْعُشَارِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ الْبَنَّا، قَالَا: أَخْبَرَنَا
1 القائل هنا هو: محمد بن القاسم بن بدران الدشتي.
2 حلب: بالتحريك، مدينة عظيمة واسعة تقع في بلاد الشام، ويقع مسجد جامعها داخل المدينة، وقد قال ابن جبير في وصف هذا الجامع: "وجامعها من أحسن الجوامع وأجملها، وفي صحنه بئران معينان
…
، وقد استفرغت الصنعة القرنصية جهدها في منبره، فلم أر في بلد من البلاد منبرا على شكله وغرابة صنعه، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب، فتخللت صفحاته كلها حسنا على تلك الصفة الغريبة..، وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس، وحسن هذا الجامع المكرم أكثر من أن يوصف".
انظر: "رحلة ابن جبير": ص 204، ط. دار مكتبة الهلال، بيروت، و"معجم ما استعجم":(464/2) .
أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّوَّافِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ1
1 الجهمية: فرقة من الفرق التي ظهرت في بداية القرن الثاني وانتحلت مذهب الجهم في مسائله المدونة في كتب المقالات والكلام. والجهم هو: ابن صفوان، ويكنى أبا محرز، وهو من أهل خراسان، وينسب إلى سمرقند وترمذ، ويقال: إن أصله من الكوفة، وكان جهم مولى لبني راسب من الأزد.
وقد أخذ الكلام عن الجعد بن درهم حين لقيه بالكوفة بعد هرب الجعد إليها من دمشق، وكان جهم فصيحا وصاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله تعالى.
وأول ظهور مذهب جهم كان بترمذ، حيث أظهره فيها للملأ وأشاعه وحاور فيه ثم أقام ببلخ، فكان يصلي مع مقاتل بن سليمان البلخي المفسر المشهور، وكان مقاتل يقص في الجامع بمرو، فقدم جهم فجلس إلى مقاتل، فوقعت الخصومة بينهما، فوضع كل منهما على الآخر كتابا ينقض عليه، ثم بعد ذلك نفي الجهم إلى ترمذ، وهناك اتصل بالحارث بن سريج الذي خرج على أمراء خراسان، وقد زعم الجهم أن الحارث قد خرج داعيا للكتاب والسنة والشورى، فاتخذه الحارث كاتبا له، وكان يقص في بيت الحارث في عسكره، وكان يخطب بدعوته وسيرته فيجذب الناس إليه، وكان يحمل السلاح ويقاتل معه، وكان مقتل جهم في سنة ثمان وعشرين ومائة على يد نصر بن سيار.
وقد توسع مذهب الجهم بعد مقتله شأنه في ذلك شأن المذاهب كلها التي استفحل أمرها وكثرت رجالها، وتفرعت مسالكها، وتنوعت مصنفاتها، وقد يظن أنها أمست أثرا بعد عين، مع أن المعتزلة فرع منها، وكذلك المتكلمون المتأخرون من الأشاعرة يرجعون في كثير من مسائلهم إلى مذهب الجهمية، فمن ظن أن الجهمية لا وجود لها فهو مخطئ وإطلاق المؤلف لفظ الجهمية هنا يدخل فيه المعتزلة- أيضا-، فإن أئمة السلف كالإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية"، والبخاري في "الرد على الجهمية" ومن بعدهما إنما يعنون بالجهمية هنا المعتزلة وغيرهم، ويعود السبب في ذلك إلى ما يجمع بين الفرقتين من مسائل تتفقان عليها، فإن المعتزلة قد أخذت عن الجهمية القول بنفي الرؤية والصفات، وخلق الكلام، ووافقتها عليها، وإن كان لكل فروع واختيارات غير ما للأخرى، إلا أن ما توافقوا فيه من هذه المسائل الكبيرة جعلهم كأهل المذهب الواحد، فلذلك أطلق أئمة السلف لفظ الجهمية على المعتزلة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"لما وقعت محنة الجهمية- نفاة الصفات- في أوائل المائة الثالثة، على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق، دعوا الناس إلى التجهم، وإبطال صفات الله تعالى، وطلبوا أهل السنة للمناظرة، ولم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط، بل كانت مع جنس الجهمية من المعتزلة والنجارية والضرارية، وأنواع المرجئة، فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا، ولكن جهما أشد تعطيلا لأنه ينفي الأسماء والصفات، وبشر المريسي كان من المرجئة ولم يكن من المعتزلة، بل كان من كبار الجهمية".
وقد ذكر شيخ الإسلام أن الجهمية ثلاث درجات:
فشرها: "الغالية": الذين ينفون أسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من أسمائه الحسنى، قالوا هو مجاز، فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم ولا يتكلم.
و"الدرجة الثانية": من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله في الجملة لكن ينفون صفاته، وهم- أيضا- لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون.
و"الدرجة الثالثة": هم الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية لكن فيهم نوعا من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية وغير الخبرية، ويتأولونها، كما تأول الأولون صفاته كلها.
ومن هؤلاء من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه وطائفة من أهل الحديث.
ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار- أيضا- في الجملة، لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه، وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري، وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، فإن هؤلاء ينازعون المعتزلة نزاعا عظيما فيما يثبتونه من الصفات أعظم من منازعتهم لسائر أهل الإثبات فيما ينفونه.
وأما المتأخرون فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر، وقدموهم على أهل السنة والإثبات، وخالفوا أوائلهم.
ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته، وأكثر الناس يقولون: إن هؤلاء يتناقضون فيما يجمعونه من النفي والإثبات. اهـ.
انظر: "الرد على الزنادقة والجهمية" للإمام أحمد: ص 65، و"الرسالة التسعينية": ص 40، 42، ط. دار الفكر، و"تاريخ الجهمية والمعتزلة": ص 59، 60.
يَقُولُونَ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَبَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ1 وَأَنْكَرُوا
1 ينكر الجهمية أن يكون بين الله وبين خلقه حجاب، لأن الله على قولهم ليس فوق العرش، وهم إنما ينفون الحجاب وعلو الله فوق عرشه بدعوى أن هذه الأمور تستلزم الجهة والمحايثة والمكان وهذه من صفات الأجسام، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، فلذلك هم يقولون بأن الله بذاته في كل مكان، وليس عندهم للحجاب أي معنى، وقد حكى الدارمي عنهم إنكارهم للحجاب في كتابه "الرد على الجهمية": ص 37، حيث قال:"وليس كما يقول هؤلاء الزائغة: إنه في كل مكان، ولو كان كذلك ما كان للحجب هناك معنى، لأن الذي هو في كل مكان لا يحتجب بشيء من شيء، فكيف يحتجب من هو خارج الحجاب كما هو من ورائه؟ فليس لقول الله عز وجل: {مِنْ وَرَاءِ حِجَاب} عند القوم مصداق".
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(6/ 10) : "والجهمية لا تثبت له حجابا أصلا، لأنه عندهم ليس فوق العرش".
وأما السلف فإنهم يثبتون الحجاب لله تبارك وتعالى كما دلت على ذلك نصوص القرآن والسنة، قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [سورة الشورى، الآية: 51] .
ومن السنة ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي موسى قال: قام فينا رسوله الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرقع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور- وفي رواية لأبي بكر: النار- لو كشفه لأحرقت سبخات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". انظر "صحيح مسلم بشرح النووي": (3/ 12- 13) .
فهذا الحديث فيه ذكر لحجاب الله تعالى الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وقد قام المعطلة بتأويل هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على إثبات الحجاب لله سبحانه وتعالى فصرفوا الحجاب الذي أثبته الله تعالى لنفسه إلى المخلوقين فقالوا: إن معنى الحديث: أنه لو كشف الحجاب الذي على أعين الناس ولم يثبتهم لاحترقوا. مع أن الحديث فيه تصريح بأن حجابه النور.
وقد عقد الدارمي في كل من كتابيه "الرد على الجهمية": ص 31، و"الرد على بشر المريسي": ص 526، بابين لذلك فقال في الأول:"باب الاحتجاب" وأورد تحت هذا الباب بعض الأحاديث والآثار الدالة على الحجب، ثم قال:"من يقدر قدر هذه الحجب التي احتجب الجبار بها، ومن يعلم كيف هي، غير الذي أحاط بكل شيء علما؟ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [سورة الجن، الآية: 28] ، ففي هذا أيضا دليل على أنه بائن من خلقه محتجب عنهم لا يستطيع جبريل مع قربه إليه الدنو من تلك الحجب".
وقال في الثاني: "الحجب التي احتجب الله بها عن خلقه"، ثم أورد تحته النصوص الدالة عليه، كما تعرض لبعض تأويلات الجهمية ورد عليها.
وكذلك عقد ابن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة": ص 318، بابأ باسم:"باب الإيمان بالحجب" وقال: "ومن قول أهل السنة إن الله عز وجل بائن من خلقه، محتجب عنهم بالحجب. فتعالى الله عما يقول الظالمون، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلا كذبا" اهـ.
الْعَرْشَ1 وأن يكون الله هُوَ فَوْقَهُ، وَفَوْقَ
1 ينكر بعض الجهمية عرش الرحمن تبارك وتعالى، ويدعون أن معنى العرش في قوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، إنما هو الملك، فهم لا يقرون بأن لله عرشا معلوما موصوفا فوق السماء السابعة تحمله الملائكة، بل يقولون: إن الله لما خلق الخلق- يعني السموات والأرض وما فيهن- سمى ذلك كله عرشا له، وهذا القول يقول به- أيضا- بعض المعتزلة وعامة متأخري الأشاعرة، وقد بينت هذا كله في قسم الدراسة، وذكرت ردود السلف على زعمهم هذا وإبطالهم له.
السَّمَاوَاتِ1، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ2، وَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْ
1 ينكر الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة والفلاسفة النفاة وعامة متأخري الأشاعرة والقرامطة الباطنية علو الله وارتفاعه فوق خلقه واستوائه على عرشه، تحت دعوى التوحيد والتنزيه ونفي التشبيه والتأويل، وذلك لأنهم يقولون: إن إثبات العلو يستلزم الجهة والمحايثة والحد والحركة والانتقال، وهذه الأمور على زعمهم تستلزم الجسمية لأنها أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، فقاموا تحت هذه الدعوى بتأويل النصوص الثابتة في إثبات العلو، فزعموا أن المراد بها علو القهر والغلبة، وأولوا نصوص الاستواء بالاستيلاء، وهم في كل ذلك إنما استندوا على حجج عقلية- على حسب زعمهم- ابتدعوها وأسسوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهم في دعواهم هذه أي دليل من القرآن والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وجميع أهل البدع فد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية، فإنه ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي""الفتاوى": (5/ 122) ، وقد تقدم في قسم الدراسة ذكر أقوالهم وأدلتهم والرد عليهم.
2 ينقسم الجهمية المنكرون لعلو الله إلى قسمين:
القسم الأول: وهم الذين ذكر المؤلف مذهبهم هنا وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان وهذا هو قول النجارية وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم وصوفيتهم ومتكلموهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم، كما يقول به "أهل الوحدة" القائلون بوحدة الوجود، ومن كان قوله مركبا من الحلول والاتحاد.
ويحتج هؤلاء لقولهم هذا بمقدمات وحجج عقلية مبتدعة، بنوها على أصول فلسفية كانوا قد تأثروا بها من غير أساس يعتمد عليه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما أنهم- أيضا- يحتجون ببعض النصوص من القرآن، كنصوص "المعية" و"القرب". وقد تقدم في قسم الدراسة ذكر أدلتهم والرد عليها.
أما القسم الثاني: فهم نفاة المعطلة القائلون بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا هو مباين له، ولا محايث له، فهم ينفون بذلك الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما.
وهذا القول هو ما يذهب إليه النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة الجهمية، ويرجع السبب في قولهم هذا أنهم بالغوا في نفي التشبيه حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية خشية أن يشبهوا، فهم يقولون بهذه المقالة هربا- على حد زعمهم- من إثبات الجهة والمكان، لأن في ذلك تجسيما وهو تشبيه عندهم، فلذلك هم يقولون:"إنه يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية".
وقد استند هؤلاء المعطلة على حجج عقلية مزعومة، وليس لهم على قولهم هذا أي مستند أو شبهة في القرآن أو السنة.
كما أن كثيرا من هؤلاء الجهمية المعطلة من يجمع بين كلا المذهبين فتجدهم في حالة نظرهم وبحثهم يقولون بسلب الوصفين المتقابلين فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، وفي حالة تعبدهم وتألههم يقولون بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء، وقد تقدم تفصيل المسألة في الباب الثالث من قسم الدراسة.
خَلْقِهِ، وَلَا يَتَخَلَّصُ الْخَلْقُ مِنْهُ إِلَّا أن يفنيهم أجمع، فَلَا يَبْقَى مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مع الآخر، الْآخَرِ مِنْ خَلْقِهِ مُمْتَزِجٌ بِهِ، فَإِذَا أَفْنَى خَلْقَهُ تَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَتَخَلَّصُوا
مِنْهُ1 تبارك وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
1 هذا القول هو مذهب طوائف من الجهمية كالقرامطة والاتحادية والحلولية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأتباعهم الذين يبنون مذهبهم على الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، كما أن هذا القول وقع فيه كثير من متأخري الصوفية، وهو لازم قول الفلاسفة والمعتزلة.
فالحلولية والاتحادية يقولون: إن الوجود واحد، فالوجود الواجب للخالق هو الوجود الممكن للمخلوق، ويظهر قولهم جليا عند تفسيرهم لقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ} ، فيقولون: إن ذلك الوجه هو وجود الكائنات، ووجه الله هو وجوده، فيكون وجوده وجود الكائنات دون تميز بين الوجود الواجب والوجود الممكن، وهذا عندهم هو غاية التحقيق والعرفان. أما بيان كون هذا القول لازم لقول الفلاسفة فإن ابن سينا وأمثاله يجعلون وجود الله وجودا مطلقا بشرط الإطلاق- أي أن وجوده في الذهن لا في الأعيان- فلا يتميز بحقيقة تخصه.
وهذا هو النوع الأول من أنواع الحلول، ويسمى الحلول المطلق وقول الجهمية من المتقدمين والمتأخرين لا يخرج عن هذا.
والنوع الثاني من الحلول: هو الحلول الخاص، وهو قول النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول: إن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء، وهؤلاء حققوا كفر النصارى بسبب مخالطتهم للمسلمين، وكان أولهم في زمان المأمون، وهو قول من وافق هؤلاء النصارى من غالية هذه الأمة، كغالية الرافضة الذين يقولون: إنه حل بعلي ابن أبي طالب وأئمة أهل بيته، وغالية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية، أو في بعضهم: كالحلاج ويونس والحاكم ونحو هؤلاء. "الفتاوى": (2/ 25- 26، 171- 172، 294- 296) .
وَمَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فَإِلَى التَّعْطِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُمْ.
وَقَدْ عَلِمَ الْعَالِمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ قَدْ كَانَ مُتَخَلِّصًا مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، فَكَيْفَ دَخَلَ فِيهِمْ1؟
1 بعد أن بين المؤلف مذهب هؤلاء الجهمية في إنكارهم لعلو الله واستوائه على عرشه، وإنكارهم للعرش، وقولهم بأن الله حال بذاته في كل مكان، شرع بعد ذلك في بيان مذهب السلف في هذه الأمور وأدلتهم عليها، والرد على زعم هؤلاء المعطلة فيما ذهبوا إليه، وبدأ هنا بالإشارة إلى الدليل العقلي الذي يثبت علو الله على خلقه وبينونته عنهم، وقد ورد تفصيل هذا الدليل في كلام الإمام أحمد- رحمه الله الذي أورده في كتابه "الرد على الزنادقة والجهمي": ص 95 - 96، حيث قال: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أليس كان الله ولا شيء، فيقول: نعم.
فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا من نفسه؟
فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل، لابد له من واحد منها:
إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين في نفسه.
وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه، ثم دخل فيهم، كان هذا كفرا أيضا حين زعم أنه دخل في مكان وحش قذر رديء.
وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله أجمع، وهو قول أهل السنة والجماعة.
ولعل المؤلف أراد بالبدء بالدليل العقلي قبل غيره من الأدلة- الإشارة إلى فساد هذا القول من حيث العقل الذي له الدرجة العالية عند الجهمية بحيث إنهم يقدمونه على الكتاب والسنة.
وقد أورد الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 18 هذا الدليل العقلي في معرض رده على هؤلاء الجهمية حيث قال: "أرأيتم إذا قلتم: هو في كل مكان، وفي كل خلق، كان الله إلها واحدا قبل أن يخلق الخلق والأمكنة، قالوا: نعم.
قلنا: فحين خلق الخلق والأمكنة أقدر أن يبقى كما كان في أزليته في غير مكان، فلا يصير في شيء من الخلق والأمكنة التي خلقها بزعمكم، أولم يجد بدا من أن يصير فيها ولم يستغن عن ذلك قالوا: بلى.
قلنا: فما الذي دعا الملك القدوس إذ هو على عرشه في عزه وبهائه بائن من خلقه أن يصير في الأمكنة القذرة، وأجواف الناس والطير والبهائم، ويصير بزعمكم في كل زاوية وحجرة ومكان منه شيء، لقد شوهتم معبودكم إذا كانت هذه صفته، والله أعلى وأجل من أن تكون هذه صفته فلا بد لكم أن تأتوا ببرهان بين على دعواكم من كتاب ناطق أو سنة ماضية أو إجماع من المسلمين، ولن تأتوا بشيء منه أبدا.
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُوصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ كَمَا قَالَ1، مُحِيطٌ بِالْعَرْشِ2،
1 جاء ذكر استواء الله- سبحانه وتعالى على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وفي كل هذه المواضع تمدح رب السموات والأرض نفسه بهذه الصفة التي هي صفة الاستواء، وقد جاء ذكر الاستواء في هذه المواضع مصحوبا بما يبهر العقول من صفات جلاله وكماله التي هي منها، وفى ذلك أعظم رد على المعطلة الذين نفوا علو الله واستواءه على عرشه.
2 الله سبحانه وتعالى كما أخبر عن نفسه في كتابه العزيز- محيط بعلمه وقدرته بالعرش وبكل شيء في هذا الوجود قال تعالى: {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [سورة فصلت، الآية: 54]، وقال تعالى:{وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [سورة البروج، الآية: 25]، وقال تعالى:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} [سورة النساء، الآية: 126] .
فهذه الإحاطة الواردة في هذه الآيات المراد بها إحاطة عظمته وسعة علمه وقدرته سبحانه وتعالى، فعلمه سبحانه وتعالى نافذ في جميع المخلوقات فلا تخفى عليه خافية من عباده، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وليس المراد بالإحاطة هنا إحاطة ذاته سبحانه وتعالى، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والله أعلم.
مُتَخَلِّصٌ مِنْ خلقه، بائن منه1.
عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا عز وجل أَنَّ الْعَرْشَ كان قبل خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى الماء، وأخبرنا عز وجل أَنَّهُ صَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْعَرْشِ فَاسْتَوَى على العرش2، قال عز جَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
1 لفظة "بائن" لم تكن معروفة على عهد الصحابة- رضوان الله عليهم- ولم يتلفظوا بها في أقوالهم عند الكلام على مسألة العلو، وقد كان السبب في استعمال السلف لها هو ابتداع الجهمية لقولهم بأن الله بذاته في كل مكان، فاقتضت ضرورة البيان والإيضاح أن يتلفظ أئمة السلف بهذه اللفظة، وقد تتابع استعمالها منهم دون أن ينكر أحد منهم ذلك.
2 تعبير المؤلف بكلمة "صار" قد يفهم منه أن الله قبل استوائه على العرش كان شيء من المخلوقات فوقه، والمؤلف لا يقصد هذا المعنى ولكن لو كان تعبيره بما ورد كلفظة "استوى" لكان أولى.
وخلاصة مذهب السلف في هذه المسألة أن الله لم يزل ولا يزال عاليا على مخلوقاته، وصعوده سبحانه وتعالى وارتفاعه إلى السماء إنما هو من جنس نزوله إلى السماء الدنيا، فإذا كان سبحانه وتعالى في نزوله لم يصر شيء من المخلوقات فوقه، فهو- سبحانه- يصعد إلى السماء وإن لم يكن منها شيء فوقه، واستواءه- سبحانه وتعالى على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام إنما هذا الاستواء هو:- علو خاص-، ذلك لأن من المعلوم أن كل مستو على شيء هو عال عليه، وليس كل عال على شيء مستويا عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره أنه مستو عليه، ولكن كل ما قيل فيه: إنه استوى على غيره، فإنه عال عليه.
والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السموات والأرض "الاستواء" لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويا على العرش قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه، وبعد الانتهاء من خلق هذا العالم استوى على العرش.
فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال فيها {ثُمَّ اسْتَوَى} ومن أجل ذلك كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع.
انظر: "الفتاوى": (5/ 521- 523) بتصرف.
الْمَاءِ} 1، وقال:{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
…
1 سورة هود، الآية:7.
2 سورة فصلت، الآيات: 9- 11.
ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} 1.
"ق 51/ ب" وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} 2.
ففسرت الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يَعْنِي: عِلْمَهُ3.
1 سورة المجادلة، الآية:7.
2 سورة الحديد، الآية:4.
3 ذكر المؤلف هنا أن السلف يجمعون على تفسير المعية في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} بمعية العلم، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد. قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "التمهيد" (138/7) :"إن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله".
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(5/ 193) - بعد أن نقل كلام ابن عبد البر هذا وأقره-: "فهذا ما تلقاه الخلف عن السلف إذ لم ينقل عنهم غير ذلك، إذ هو الحق الظاهر الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية" اهـ. وقال- أيضا-: "وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه. وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ثم ذكر الشيخ ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس- رضي الله عنهما في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، قال: هو على العرش، وعلمه معهم. وروى- أيضا- عن سفيان الثوري أنه قال: علمه معهم. وروى- أيضا- عن الضحاك بن مزاحم في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم} إلى قوله: {أَيْنَ مَا كَانُوا} قال: هو على العرش، وعلمه معهم.
وقال أبو عمرو الطلمنكي: وأجمعوا- يعني أهل السنة والجماعة- على أن لله عرشا، وعلى أنه مستو على عرشه، وعلمه وقدرته وتدبيره بكل ما خلقه قال: فأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء. انظر:"مجموع الفتاوى": (5/519) .
وقد استدل حلولية الجهمية بهذه الآية على قولهم بأن الله بذاته في كل مكان فادعوا أن المراد بالمعية في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} معية الذات وقد تقدم الرد على زعمهم هذا وإبطاله.
وَقَالَ عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1، فَاللَّهُ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَرَى كُلَّ شيء في السموات والأراضين، وَيَعْلَمُ وَيَسْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ، لَا الْحُجُبُ الَّتِي احتجب بها عن خَلْقِهِ تَحْجُبُهُ مِنْ أنْ يَرَى وَيَسْمَعَ مَا فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى2، وَلَكِنَّهُ خَلَقَ الْحُجُبَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ كَمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِمَا
1 سورة طه، الآية:5.
2 إن الله سبحانه وتعالى مع استوائه على عرشه واحتجابه عن خلقه فهو لا يخفى عليه مثقال ذرة، قال تعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة يونس، الآية: 61]، وقال تعالى:{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة سبأ، الآيتان: 2- 3] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(6/ 15) في معرض كلامه على الحجب: "وأما حجبها لله عن أن يرى ويدرك فهذا لا يقوله مسلم، فإن الله لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهو يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة السوداء، ولكن يحجب أن تصل أنواره إلى مخلوقاته كما قال صلى الله عليه وسلم: "لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه" فالبصر يدرك الخلق كلهم، وأما السبحات فهي محجوبة بحجابه النور أو النار".
شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَمَا يَحْمِلُهُ إِلَّا عَظَمَتُهُ1 فَقَالَ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} 2، وَقَالَ
1 إن السلف ومن وافقهم في إثبات استواء الله على العرش يقولون بأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه، وأنه سبحانه لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو سبحانه مع استوائه على العرش فهو يحمل العرش وحملة العرش بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين، ومن قال: إنه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنه كافر، لأن الله غني عن العالمين حي قيوم، وهو الغني المطلق وما سواه فقير إليه، واستواؤه سبحانه ثابت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأئمة، فيجب إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، وأن ينفى عنه مماثلة المخلوقات، ويعلم أن ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا أفعاله.
انظر: "مجموع الفتاوى": (2/ 188) ، (5/ 262- 263) .
2 سورة السجدة، الآية:5.
جَلَّ وَعَزَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 1، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2، وَقَالَ:{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 3.
وَأَجْمَعَ الْخَلْقُ جَمِيعًا أَنَّهُمْ إِذَا دَعَوُا اللَّهَ جَمِيعًا رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ عز وجل فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى مَا كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ4.
ثُمَّ تَوَافَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ بِذَاتِهِ ثُمَّ خلق الأرض والسموات، فَصَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِنَ السَّمَاءِ إلى العرش.
(52/ أ) فَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ5 مُتَخَلِّصًا
1 سورة فاطر، الآية:10.
2 سورة آل عمران، الآية:55.
3 سورة النساء، الآيتان: 157- 158.
4 ما ذكره المؤلف هنا هو من دليل الفطرة، وقد تقدم الحديث عليه في قسم الدراسة صر،155.
5 لفظة "بذاته" لم تكن معروفة في عهد الصحابة- رضوان الله عليهم-، ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان- ذكرها بعض المتأخرين من السلف للتوضيح والتفرقة بين كونه تعالى معنا، وبين كونه تعالى فوق العرش، فهو كما قال سبحانه وتعالى معنا بعلمه، وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقد تلفظ بهذه الكلمة جماعة من العلماء منهم عثمان بن سعيد الدارمي، ويحيى بن عمار - واعظ سجستان- في رسالته، والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي في كتاب "الإبانة" له، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر الطلمنكي، وأبو إسماعيل الأنصاري الهروي، وعبد القادر الجيلي، وذكر ابن القيم أن أكثر من صرح باستعمال كلمة بذاته أئمة المالكية، ومنهم أبو محمد بن أبي زيد القيرواني، والقاضي عبد الوهاب، وأبو بكر الباقلاني، وأبو عبد الله القرطبي وغيرهم.
وقد أنكر الذهبي استعمال هذه العبارة ولعل السبب في ذلك يرجع لكون أوائل السلف لم يقولوا بها، ولم ترد في أقوالهم، وإنما قالها بعض المتأخرين منهم، فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف. والكلمة معناها سليم، وليس فيها إثبات ما لم يرد، واستعمال بعض السلف لها إنما هو من باب تأكيد على أن الاستواء حقيقة وليس مجازا كما يزعم الجهمية وأتباعهم. والله أعلم.
انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 134)، "مختصر العلو" للذهبي: ص 2560255.
مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ.
1-
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ1، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ2، عَنِ الْأَعْمَشِ3، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ4، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ
1 هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي التميمي اليربوعي: ثقة حافظ من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 50)، "تقريب التهذيب": ص 14.
2 هو أبو بكر بن عياش "بتحتانية ومعجمة" بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط "بمهملة ونون" مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه، وقيل: اسمه محمد أو عبد الله أو شعبة أو روبة أو مسلم أو خداش أو مطرف أو حماد أو حبيب، عشرة أقوال، ثقة، عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب":(12/ 34)، "تقريب التهذيب": ص 396.
3 هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي الأعمش، يقال: أصله من طبرستان وولد بالكوفة، ثقة، حافظ، عارف بالقراءة، ورع، لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين ومائة أو ثمان وأربعين ومائة، وكان مولده سنة إحدى وستين.
قال الذهبي: متى قال "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال "عن" تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم.
"ميزان الاعتدال": (2/ 224)، "تهذيب التهذيب":(4/ 222)، "تقريب التهذيب": ص 136.
4 هو جامع بن شداد المحاربي، أبو صخرة الكوفي.
روى عن صفوان بن محرز وغيره، وعنه الأعمش وغيره، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع ومائة، ويقال ثمان وعشرين ومائة، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب ":(2/ 56)، "تقريب التهذيب": ص 53.
مُحْرِزٍ1، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ2 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ، ثم خلق السموات".
قَالَ: قِيلَ لِي: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، قَالَ: فَقُمْتُ فَإِذَا السَّرَابُ يُنْقَطِعٌ دُونَهَا، فَلَيْتَهَا ذَهَبَتْ، قَالَ: يَقُولُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.
1 هو صفوان بن محرز (بمضمومة وسكون مهملة وكسر راء فزاي، "المغني": ص 223) بن زياد المازني، وقيل الباهلي، قال الأصمعي: كان نازلا في بني مازن وليس منهم.
روى عن عمران بن حصين وغيره، وعنه أبو صخرة جامع بن شداد وغيره، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة أربع وسبعين.
روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (4/ 435)، "تقريب التهذيب": ص 153.
2 هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم الخزاعي أبو نجيد (بنون وجيم مصغرا) ، أسلم عام خيبر سنة سبع، وشهد ما بعدها من غزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من فضلاء الصحابة، وقض بالكوفة، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
"الإصابة": (3/ 27)، "تقريب التهذيب": ص 264.
3 هكذا أورده ابن أبي شيبة مختصرا.
والحديث أخرجه من طريق الأعمش:
البخاري في "صحيحه"، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية:27]، انظر:"فتح الباري": (6/286، حديث 3190) عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه.
وأيضا في كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . انظر:"فتح الباري": (13/ 403، حديث 7418) عن عبدان عن ابن حمزة.
والإمام أحمد في "مسنده": (4/ 431، 432) عن أبي معاوية.
والفريابي في "القدر": ص 18 عن يعقوب بن إبراهيم عن أبي معاوية.
كلهم عن الأعمش به، وبعضهم يزيد على بعض في الحديث.
وروى هذا الحديث عن جامع بن شداد سفيان الثوري- أيضا-.
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، عن محمد بن كثير، وأيضا في كتاب المغازي، باب وفد بني تميم، انظر:"فتح الباري": (9/83، حديث 4365) عن أبي نعيم، وأيضا في باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، انظر:"فتح الباري": (8/96، حديث 4386) عن عمرو بن علي بن أبي عاصم.
والترمذي في "سننه"، كتاب المناقب، باب مناقب في ثقيف وبني حنيفة:(5/732، حديث 3951) عن محمد بن بشار بن عبد الرحمن بن مهدي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والإمام أحمد في "مسنده": (4/426) عن وكيع وعبد الرحمن، و (4/ 433) عن عبد الرزاق، و (4/ 436) عن وكيع.
كلهم عن سفيان الثوري به، بعضهم مختصرا وبعضهم مطولا.
وأيضا رواه عن جامع بن شداد عبد الرحمن المسعودي.
أخرجه النسائي في "الكبرى"، كتاب التفسير، انظر:"تحفة الأشراف": (8/183) عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن عبد الرحمن المسعودي عن جامع بن شداد به.
وأورد الحديث ابن كثير في "تفسيره": (2/ 437) من رواية الإمام أحمد عن أبي معاوية، وقال:"هذا حديث مخرج في صحيحي البخاري، ومسلم، بألفاظ كثيرة، فمنها قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله"، وفي رواية: "غيره"، وفي رواية: "معه، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض".
وقوله: "إنه" مخرج في "صحيح مسلم" لم أقف عليه.
التعليق:
الحديث جاء بألفاظ مختلفة فمنها قوله: "كان الله ولم يكن شيء قبله"، وفي رواية:"غيره"، وفي رواية:"معه"، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال أحد هذه الألفاظ الثلاثة، والآخران قد رويا بالمعنى، لأن المجلس كان واحدا، وسؤالهم وجوابهم كان في ذلك المجلس، وقد اختلف في ترجيح إحدى هذه الروايات على الأخرى.
وقد ذهب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إلى ترجيح رواية "ولا شيء قبله"، واستدلوا على ذلك بما ثبت في "صحيح مسلم":(4/2084، حديث 2713) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: "أنت الأول فليس قبلك شيء" الحديث.
كما أن أكثر أهل العلم إنما يرويه بهذا اللفظ، كالحميدي، والبغوي، وابن الأثير، وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث هو إخباره عن خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه في ستة أيام، وهذا ما يشهد له سياق الحديث من عدة وجوه هي:
أولا: أن قول أهل اليمن "جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر" إما أن يكون الأمر المشار إليه هذا العالم، أو جنس المخلوقات.
فإن كان المراد هو الأول كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أجابهم.
وإن كان المراد هو الثاني لم يكن قد أجابهم لأنه لم يذكر إلا خلق السموات والأرض.
وهذا لا يجوز في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو منزه عنه، فمن هذا نستدل على أن قوله "جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر" كان مرادهم خلق هذا العالم، والله أعلم.
ثانيا: أن قولهم "هذا الأمر" إشارة إلى حاضر موجود، ولو سألوه عن أول الخلق لم يشيروا إليه بهذا، لأنه أمر لم يشهدوه ولم يعلموه أيضا، والرسول لم يخبرهم عنه، فعلم أن سؤالهم كان عن أول هذا العالم المشهود.
ثالثا: أن قوله: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء" ليس في هذا ذكر لأول المخلوقات مطلقا، بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش والماء، وإن كان ذلك كله مخلوقا كما أخبر عن ذلك في مواضع آخر، ولكن هنا في جوابه لأهل اليمن إنما. كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما، لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك.
رابعا: أنه يثق ذكر تلك الأشياء: التي هي العرش والماء- بما يدل على كونها ووجودها، ولم يتعرض لابتداء خلقها، وذكر السموات والأرض بما يدل على خلقها. اهـ.
وابن تيمية- رحمه الله تعالى- يقرر بكلامه هذا أن الله لم يزل فعالا لما يريد، ويرد على من يقول المعنى: كان الله ولا شيء معه أي لا مخلوق، ولا فعل، ولا مفعول، ثم صار يخلق ويفعل بعد أن لم يكن يخلق أو يفعل، وهذا هو قول الجهمية والمعتزلة.
ولما كان ابن تيمية يقرر هذه المسألة، ويرد على الجهمية والمعتزلة ظن كثير ممن لم يفهم مراده ولم يعرف مذهب السلف في هذه المسألة ظن أنه يقول بقدم العالم، لأنه يقول بحوادث لا أول لها، لأنهم يسمون أفعال الله الاختيارية، التي يفعلها بإرادته حوادث.
ولم يعلم هؤلاء أن لازم قولهم أشنع وأفظع، وهو أن الرب تعالى كان معطلا عن الفعل ثم صار فاعلا لأفعاله بعد أن لم يكن كذلك.
مع أن ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية هو ما قال به السلف:
كالإمام أحمد في "الرد على الجهمية": ص 90، 92.
والدارمي في "نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي".
والبخاري في "خلق أفعال العباد".
أما الحافظ ابن حجر فقد اختار في مسألة الترجيح بين الألفاظ الثلاثة الجمع بين الروايات، وقال إن قضية الجمع تقتضي حمل رواية:"ولم يكن شيء قبله" على رواية: "ولا شيء غيره" لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح باتفاق.
والجواب على هذا الترجيح: ممكن لو احتمل أن يكون الحديث صدر منه صلى الله عليه وسلم في مقامين، أما إذا كان في مجلس واحد، والراوي واحدا، وقد أخبر أنه لم يبق إلى نهاية المجلس، بل قام لما سمع هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم ولحق براحلته، فلا بد أن اللفظ الذي سمعه أحد هذه الألفاظ الثلاثة، والآخرين قد رويا بالمعنى، فأصبح الجمع لا وجه له.
وحمل هذه الرواية على رواية: "ولا شيء غيره" تحكم بلا دليل، حمل عليه التعصب للمذهب، وإلا فالواجب حملها على المعروف من كلام النبي صلى الله عليه وسلم الموافق لكلام الله تعالى.
وأما قول الحافظ: إن هذه المسألة من مستشنع ما ينسب إلى ابن تيمية، فقد تقدم أن هذا هو مذهب السلف، وأن ما يريد ترجيحه الحافظ هو مذهب الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، وأهل البدع. وقد أورد بعض الاتحادية الملاحدة زيادة على هذا الحديث وهي "وهو الآن على ما عليه كان".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه الزيادة كذا مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتفق أهل العلم بالحديث على أن هذا اللفظ موضوع مختلق، وليس هو في شيء من دواوين الحديث لا كبارها ولا صغارها، ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد، لا صحيح ولا ضعيف، ولا بإسناد مجهول، وإنما تكلم بهذه الكلمة بعض متأخري متكلمي الجهمية، فتلقاها منهم هؤلاء الاتحادية الذين وصلوا إلى آخر التجهم وهو التعطيل والإلحاد.
وقد قصد الجهمية بهذه الزيادة نفي الصفات التي وصف الله بها نفسه، من الاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، وغير ذلك، فقالوا: كان في الأزل وليس مستويا على العرش، وهو الآن على ما عليه كان، فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير.
انظر: "مجموع الفتاوى": (2/ 272) ، (18/ 210، 242)، "مدارج السالكين ":(3/ 391)، "فتح الباري":(6/ 289) ، (13/410) ، "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" للشيخ عبد الله الغنيمان، ص 379- 382.
والأحاديث كلها مدرجة على شيوخ المصنف محمد بن عثمان بن أبي شيبة1
1 هكذا في "الأصل"، والذي يتضح من سياق هذه العبارة أنها ليست من كلام المؤلف، ولعلها كانت تعليقا من أحد الرواة أو القراء ثم أدخلها بعض النساخ في "الأصل"، وقوله بأنها مدرجة على شيوخ المصنف لا صحة له.
2-
حَدَّثَنَا أَبِي1 وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ2 قَالَا،. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ 3 عَنْ سُفْيَانَ4، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
1 هو عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُواستي (بضم معجمة فخفة واو فألف مهملة فسين ساكنة فمثناة فوق فتحته، "المغني": ص 96) العبسي مولاهم أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي صاحب المسند والتفسير. ثقة، حافظ، شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة.
أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (7/ 148)، "تقريب التهذيب": ص 235.
2 هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستي، الواسطي الأصل أبو بكر بن أبي شيبة. ثقة، حافظ، صاحب تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين.
أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (6/ 2)، "تقريب التهذيب": ص 187.
3 هو وكيع بن الجراح بن مليح (بمفتوحة وكسر لام وبحاء مهملة، "المغني": ص 240) الرؤاسي (بضم الراء وهمزة ثم مهملة) أبو سفيان الكوفي، ثقة، حافظ، عابد، من كبار التاسعة.
مات سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبعون سنة.
أخرج له الجماعة. "تقريب التهذيب": ص 369.
4 هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي.
ثقة حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب":(4/ 111)، "تقريب التهذيب": ص 128.
عَمْرٍو1، عْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ2 قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ:"عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ"3.
1 هو المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي.
روى عن سعيد بن جبير وغيره، وعنه الأعمش وغيره.
صدوق ربما وهم، من الخامسة.
روى له البخاري والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 319)، "تقريب التهذيب": ص 348.
2 هو سعيد بن جبير الأسدي، مولاهم الكوفي.
ثقة، ثبت، فقيه، من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين.
"تقريب التهذيب": ص 130.
3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (15/ 249)، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 445، وابن أبي عاصم في "السنة":(1/ 258)، والحاكم في "المستدرك":(2/ 341)، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 480. كلهم بإسنادهم عن سفيان عن الأعمش بنحوه.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وإسناده جيد موقوف.
التعليق:
إن أمور العرش وما يتعلق به هي من الأمور الغيبية التي يجب أن يتوقف علم الإنسان وإحاطته بها على ما جاء به الخبر من الكتاب أو السنة، لأن هذا هو السبيل الوحيد إلى ذلك، كما قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ}
ومما جاء ذكره في القرآن عن عرش الرحمن تبارك وتعالى أنه كان على الماء قبل خلق السموات والأرض قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
وبمثل ذلك جاء الخبر من السنة، كما في حديث عمران بن حصين الذي تقدم، ففي ذلك إخبار عن مكان العرش قبل أن يخلق الله السموات والأرض وما فيهما، وحين البدء في خلقهما، فهذا ما ورد به الخبر عن مكان العرش قبل خلق السموات والأرض، وأما مكانه قبل أن يكون على الماء، فهذا ما لم يرد به خبر من الكتاب والسنة، ولذلك قال سليمان التيمي- رحمه الله تعالى-:"لو سئلت أين الله؟ لقلت في السماء، فإن قال: أين كان عرشه قبل السماء، لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل خلق الماء، لقلت: لا أعلم". "خلق أفعال العباد": ص 127.
وإن كان ما يشير إليه حديث أبي رزبن الذي جاء فيه: "كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء" أن العرش من حين ابتدأ خلقه كان على الماء.
وأما الماء المذكور أنه تحت العرش فليس المراد به ماء البحر، لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا هو ماء آخر تحت العرش، والله أعلم بكيفيته، وهذا الماء الذي تحت العرش ورد ذكره في حديث الأوعال عند قوله:"ثم فوق ذلك بحر ما بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض" وفي ذلك إشارة إلى بقاء هذا الماء بعد خلق السموات والأرض وأن الذي اختلف إنما هو كون العرش تحمله الملائكة بعد أن كان محمولا على الماء.
وأما ما روي عن ابن عباس من أن هذا الماء على متن الريح، فلعل المراد بهذه الريح الهواء الذي جاء ذكره في حديث أبي رزين عند قوله صلى الله عليه وسلم:" كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء"، وأما كيفية هذه الريح وخلقها فالله أعلم به.
3-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ1، حَدَّثَنَا مَيْمُونٌ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّكُونِيُّ2، حَدَّثَنِي شَيْخٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: مِنْ أهل الكوفة (52/ ب) قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكَ وَلَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، كَانَ الْمَاءُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ وَكَانَتِ الرِّيحُ عَلَى الْهَوَاءِ3.
1 هو عقبة بن خالد بن عقبة السكوني، (بمفتوحة وضم كاف وبنون، "المغني": ص 138) أبو مسعود الكوفي المجدر (بفتح الجيم) .
صدوق، صاحب حديث، من الثامنة، مات سنة ثمان وثمانين ومائة.
أخرج له ابن ماجه في "التفسير. "تقريب التهذيب": ص 241.
2 لم أقف على ترجمته.
3 تقدم تخريجه وإسناده ضعيف لإبهام من روى عنه ميمون، وميمون أبو محمد السكوني لم أقف على ترجمته.
التعليق:
جاء في هذه الرواية زيادة وهي قوله: "وكانت الريح على الهواء" ولم أجد هذه الزيادة في الروايات الأخرى، بل إن باقي الروايات اقتصرت على قوله:"وكان الماء على متن الريح" ولا يخفى ضعف سند هذه الرواية، فلعل هذه العبارة زيادة من أحد الرواة. والله أعلم.
4-
حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ1، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ2 عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ3 عَنِ أبن عباس و {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ثُمَّ رُفِعَ بُخَارُ الْمَاءِ ففتقت منه السموات، ثُمَّ خُلِقَ النُّونُ فُدُحِيَتِ4 الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ5 فَتَحَرَّكَ فَمَادَتِ (6) ، فَأُثْبِتَتْ
1 هو: منجاب (بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم ثم موحدة) بن الحارث بن عبد الرحمن التميمي أبو محمد الكوفي.
ثقة، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين، أخرج له مسلم، وابن ماجه في "التفسير".
"تهذيب التهذيب": (1/297)، "تقريب التهذيب": ص 347.
2 هو علي بن مسهر (بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء) القرشي الكوفي، قاضي الموصل، روى عن الأعمش وغيره.
ثقة، له غرائب بعد ما أضر، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومائة.
أخرخ له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 383)، "تقريب التهذيب": ص 249.
3 هو حصين بن جندب بن الحارث بن وحشي بن مالك الجنبي (بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة، "المغني": ص 67) أبو ظبيان (بفتح المعجمة وسكون المعجمة) الكوفي.
ثقة، من الثانية، مات سنة تسعين، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 379)، "تقريب التهذيب": ص 76.
4 هو من الدحو، وهو البسط. "لسان العرب":(2/ 1338) ، مادة. دحا.
5 المراد بالنون هنا هو الحوت الذي يزعم أن الأراضين عليه.
بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ عَلَيْهَا1.
1 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (29/ 14)، والآجري في "الشريعة": ص 178، 179، والحاكم في "المستدرك ":(2/498)، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 127.
كلهم بإسنادهم عن الأعمش عن أبي ظبيان به.
وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وإسناد المؤلف جيد ورجاله ثقات.
التعليق:
ما ذكره ابن عباس في هذا الأثر يتضمن مسألتين:
الأولى: هي مسألة ترتيب خلق السموات، والأرض بالنسبة لخلق العرش، وهذه المسألة هي الشاهد من إيراد المؤلف لهذا الأثر في هذا الكتاب، وقد بين ابن عباس- رضي الله عنهما مذهب السلف في هذا الشأن وذلك بأنهم يقولون بما دلت عليه النصوص الواردة في القرآن والسنة الدالة على أن خلق العرش سابق لخلق السموات والأرض، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، ومن السنة ما تقدم في حديث عمران الذي جاء فيه:"كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض".
وفي "صحيح مسلم"(8/ 51) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء".
وقد أجمع على هذا سلف الأمة وأئمتها،، ولم يخالفهم في ذلك سوى طوائف من المتكلمين زعموا أن السموات والأرض كانتا مخلوقتين قبل العرش، وهذا زعم باطل لا دليل لهم عليه، بل إن نصوص القرآن ترده. والله أعلم.
وأما المسألة الثانية: التي جاء ذكرها في هذا الأثر فهي مسألة خلق السموات والأرض، وقد دلت الآيات القرآنية على أن خلق الأرض سابق لخلق السموات، قال تعالى:{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [سورة فصلت، الآيات: 9- 12] ،.
وقد مر خلق السموات والأرض بمراحل:
وقد كانت المرحلة الأولى هي مرحلة خلق الأرض كما تقدم في الآيتين السابقتين، وقد كان ذلك مقدرا فيها بالقوة كما قال تعالى:{وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} أي: هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار.
وأما المرحلة الثانية: فهي خلق السموات، قال تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} ، فالسموات خلقت من بخار الماء كما قال ابن عباس:"ثم رفع بخار الماء ففتقت منه السموات"، وفي ذلك رد على بعض المتكلمين الذين يزعمون أن السموات خلقت. من العدم المحض، وفي هذه المرحلة تم بناء السماء كما قال تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} ، وقال تعالى:{فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} ، وقال تعالى:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات، الآيات: 27- 29] ،.
وأما المرحلة الثالثة: فهي دحي الأرض كما قال تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [سورة النازعات، الآيات: 30- 33] .
فدحى الأرض فأخرج منها ما كان مودعا فيها، فخرجت العيون، وجرت الأنهار، وهذه المرحلة هي التي أشار إليها ابن عباس بقوله:"فدحيت الأرض".
وأما قول ابن عباس: "فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال" فهذا ما يشهد له قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [سورة الأنبياء، الآية: 31] .
وجاء في "مسند" الإمام أحمد بن حنبل (3/124) عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الله الجبال فألقاها عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال...." الحديث.
وأما قول ابن عباس: "فدحيت الأرض على ظهر النون" فالمراد بالنون هنا هو الحوت الذي يزعمون أن الأرض على ظهره، وأمر الحوت هذا لا أصل له في القرآن والسنة، وإنما هو من الإسرائيليات التي أخذها ابن عباس عن كعب الأحبار وغيره.
5-
حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ1، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ2 عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ3، عَنْ
1 هو القاسم بن محمد أبو عامر "الأسدي".
سمع سفيان الثوري وعبد الله بن عمر، وروى عنه أبو ثميلة ومنجاب بن الحارث.
"الجرح والتعديل": (7/ 119) .
2 هو سفيان الثوري، وتقدم ترجمته في.
3 هو إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي (بمفتوحة وسكون جيم، "المغني ": ص 45) أبو إسحاق الكوفي.
روى عن مجاهد بن جبر وغيره.
وعنه سفيان الثوري وغيره.
صدوق لين الحفظ من الخامسة.
أخرج له مسلم والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 167)، "تقريب التهذيب": ص 23.
مُجَاهِدٍ1 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"2.
1 هو مجاهد بن جبر (بفتح الجيم وسكون الموحدة) المكي أبو الحجاج المخزومي، مولاهم المقرئ مولى السائب بن أبي السائب.
ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة وله أربع وثمانون سنة.
"تهذيب التهذيب":. (10/ 45)، "تقريب التهذيب": ص 328.
2 أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 15، 16، وابن جرير في "تفسيره":(17/29)، والآجري في "كتاب الشريعة": ص 179، واللالكائي في "السنة":(3/ 396) .
كلهم بإسنادهم عن مجاهد به، بنحوه.
وقد ورد هنا مختصرا عن الباقين بلفظ أتم من هذا وهو: "قيل لابن عباس إن ناسا يقولون بالقدر، فقال: يكذبون بالكتاب، لإن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه، إن الله- عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا، ثم خلق القلم فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه".
وفي سند ابن أبي شيبة ضعف، وذلك لجهالة أبي عامر الأسدي إلا أنه قد توبع، فقد رواه الباقون من طرق أخرى يصح باجتماعها سند الحديث، وللحديث شاهد من حديث مرفوع في كتابة المقادير أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في القدر:(5/76) ، والترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، تفسير سورة نون:(5/ 424، الحديث 3319) بسندهما عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا كتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة...." الحديث.
التعليق:
في قول ابن عباس: "كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا" إثبات أن الله مستو على عرشه قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، وهذا لا يتعارض مع الاستواء الذي كان بعد خلق السموات والأرض، فإن الله كان على عرشه قبل خلق السموات والأرض وفي فترة خلق السموات والأرض كان عاليا على خلقه، ولم يكن مستويا على عرشه، ثم بعد خلق السموات والأرض استوى على عرشه بدليل قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} .
وأما مسألة خلق العرش والقلم وأيهما أسبق خلقا فقد تقدم ذكر الخلاف على ذلك في قسم الدراسة.
6-
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ1، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
1 هو عبد الله بن عمران بن أبي علي الأسدي أبو محمد الأصبهاني ثم الرازي.
صدوق، من كبار الحادية عشرة، أخرج له ابن ماجه.
قال أبو نعيم: حدث بأصبهان سنة خمس وعشرين ومائتين.
"تهذيب التهذيب": (5/343)، "تقريب التهذيب": ص 183، "أخبار أصبهان":(2/ 46) .
بْنُ سُلَيْمَانَ1، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ2 (6) عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى3 وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ4 حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى5 عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
1 هو إسحاق بن سليمان الرازي أبو يحيى العبدي، كوفي نزيل الري.
روى عن عنبسة بن سعيد وغيره.
ثقة فاضل، من التاسعة، مات سنة مائتين، وقيل قبلها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب":(1/ 234)، "تقريب التهذيب": ص 28.
2 هو عنبسة (بفتح أوله ثم نون ساكنة ثم موحدة ومهملة مفتوحتين) بن سعيد ابن الضريس (بضاد معجمة مصغرا) الأسدي أبو بكر الكوفي، قاضي الري، يقال له الرازي.
ثقة، من الثامنة، أخرج له البخاري- تعليقا والترمذي والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (8/ 155)، "تقريب التهذيب": ص 266.
3 قوله: "عن ابن أبي ليلى" خطأ من الناسخ، والصواب: حدثنا عنبسة ابن سعيد وعمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى، وهذا ما تشهد له المصادر الأخرى للحديث حيث إن بعضها روى الحديث من طريق عنبسة، والبعض الآخر من طريق عمرو بن أبي قيس، وجمع البعض بين الطريقين.
4 هكذا في "الأصل"، والصواب هو: عمرو بن أبي قيس الرازي الأزرق الكوفي نزيل الري.
صدوق له أوهام، من الثامنة، أخرج له البخاري تعليقا.
"تهذيب التهذيب": (8/ 93) ، "تقريب، التهذيب": ص 262.
5 هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة، روى عن المنهال بن عمرو وغيره، صدوق سيء الحفظ جدا، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة، من رواة الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 301)، "تقريب التهذيب": ص
عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} قَالَ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} 1 وَهِيَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهِمَا، وَهِيَ الَّتِي قَالَ:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 2 تَأْتِيهِمْ3 مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةٌ4"5.
1 سورة الرحمن، الآية:62.
2 سورة السجدة، الآية:17.
3 في "الأصل": "تأتيها"، والصواب:"تأتيهم" كما جاء في "تفسير" ابن جرير و" المستدرك" للحاكم.
4 في المصادر الأخرى: "تحفة" بدل: "تحية".
5 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (21/ 105)، والحاكم في "مستدركه":(2/ 475)، وأبو الشيخ في "العظمة":(ق 35/أ)، وابن بطة في "الإبانة":(ق 195/ ب)، والبيهقي في "البعث":(ق 46/ 1) مصورة الجامعة برقم 504 بنحوه.
جميعهم من طريق إسحاق بن سليمان الرازي.
وقد جاء في سند الحديث هنا "إسحاق بن سليمان نا عنبسة بن سعيد عن ابن أبي ليلى وعمرو بن قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس".
وعند ابن جرير، وابن بطة: ثنا إسحاق بن سليمان قال ثنا عمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو به.
وعند الحاكم والبيهقي: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ثنا عنبسة بن سعيد وعمرو بن أبي قيس وغيره عن المنهال بن عمرو به، فأسقط الحاكم والبيهقي ابن أبي ليلى من إسنادهما ولم يبد لي وجه الصواب من هذا الخلاف.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ولكن ابن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ، وإذا كان سند الحاكم والبيهقي سالما من السقط ففيه متابعة من عمرو بن أبي قيس له.
التعليق:
الشاهد من إيراد هذا الأثر هنا هو معرفة مكان الجنة بالنسبة إلى عرش الرحمن، والذي دل عليه هذا الأثر ودلت عليه الأحاديث الصحيحة أن عرش الرحمن- تبارك وتعالى هو سقف الجنة.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن".
فالخبر يصرح بأن عرش الرحمن- عز وجل فوق جنته- تبارك وتعالى وأما الجنتان اللتان جاء ذكرهما في الخبر فهما دون الجنتين الأخريين، وقد جاء ذكرها جميعا في سورة الرحمن قال تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الآيات: 46- 77.
وقد جاء وصف هذه الجنة في حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"، "فتح الباري":(13/423) "كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
7-
حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ1 أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ2 عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ 3
1 هو يزيد بن هارون بن وادي ويقال: "زاذان" بن ثابت المدني مولاهم أبو خالد الواسطي، أحد الأعلام الحفاظ المشاهير. ثقة، عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 366)، "تقريب التهذيب": ص 385.
2 هو حماد بن سلمة (بفتح اللام، "المغني ": ص 131) بن دينار البصري أبو سلمة مولى تميم، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومائة، روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 11)، "تقريب التهذيب": ص 82.
3 هو يعلى بن عطاء العامري الليثي الطائفي، روى عن وكيع بن عدس، وغيره، وعنه حماد بن سلمة وغيره، ثقة، من الرابعة، مات سنة عشرين ومائة أو بعدها. أخرج له مسلم في المقدمة، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (11/403)، "تقريب التهذيب": ص 387.
عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ1 وَهُشَيْمٌ2 يَقُولُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ نُسَمِّيهِ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ3 عنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ4 قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ"5.
1 هو وكيع بن عدس (بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه) ويقال: بالحاء بدل العين، أبو مصعب العقيلي، (بفتح العين) الطائفي.
روى عن عمه أبي رزين العقيلي، وعنه يعلى بن عطاء العامري، مقبول من الرابعة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 131)، "تقريب التهذيب": ص 369.
2 هو هشيم بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي أبو معاوية.
"تقريب التهذيب": ص 36.
3 وقع خلاف في اسم والد وكيع: هل هو بالعين أم بالحاء، قال الترمذي في "سننه "، كتاب التفسير، تفسير سورة هود (5/288) :"روى حماد بن سلمة وكيع بن حدس، ويقول شعبة وأبو عوانة وهشيم وكيع بن عدس وهو أصح".
4 هو لقيط بن عامر بن المنتفق أبو رزين العقيلي وافد بني المنتفق، روى عنه ابن أخيه وكيع بن عدس وغيره، كذا في "الإصابة".
وقال في "التقريب ": لقيط بن صبرة (بفتح المهملة وكسر الموحدة) صحابي مشهور، ويقال: إنه جده، واسم أبيه عامر وهو أبو رزين العقيلي، والأكثر أنهما اثنان.
"الإصابة": (3/ 330)، "تقريب التهذيب": ص 287.
5 أخرجه الترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، باب سورة هود:(5/288، حديث 3109) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية:(1/ 64)، والإمام أحمد في "مسنده":(4/ 11، 12)، وأبو الشيخ في "كتاب العظمة":(ق 14/ ب)، وابن أبي عاصم في "السنة":(1/ 271)، وابن بطة في "الإبانة":(ق 195/ أ) من طريق المؤلف، وابن جرير الطبري في "تفسيره":(12/ 4)، وفي "تاريخه":(1/ 19) .
كلهم من طريق حماد بن سلمة به.
قال الترمذي: حديث حسن، والحديث أورده الذهبي في "العلو" وحسن إسناده.
وقال الألباني: في تصحيحه نظر، فإن مداره على وكيع بن حدس، ويقال:"عدس" وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولذلك قال المؤلف في "الميزان": لا يعرف. انظر: "مختصر العلو": ص 186.
وقال في "ظلال الجنة"(1/ 271) : "إسناده ضعيف، وكيع بن عدس، ويقال حدس، وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولا وثقه غير ابن حبان".
التعليق:
ورد في الحديث السؤال عن الله تعالى بأين عند قول أبي رزين "أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه"، والمعلوم أن مذهب عامة أهل السنة وسلف الأمة وأئمتها أنهم يرون إثبات السؤال عن الله تعالى بأين ولا ينفون ذلك عنه مطلقا، وذلك لثبوت النصوص الصريحة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سؤالا وجوابا.
ومن ذلك حديث أبي رزين الذي معنا، وأيضا ما ثبت في "صحيح مسلم":(2/ 70- 71) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجارية:"أين الله؟ "، قالت: في السماء.
والسلف يقولون إن من نفى السؤال بأين لا بد له من دليل يستدل به على انتفاء ذلك، ولا دليل لهم، ذلك لأنها مسألة أثبتها الشرع فمن أنكرها فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وقد خالف السلف في قولهم هذا الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشاعرة، الذين يزعمون أنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأن في ذلك سؤالا عن المكان، وهم يزعمون أن الله ليس في مكان، لأن المكان لا يكون إلا للجسم، والله ليس بجسم، لأن الجسم لا يكون إلا محدثا ممكنا.
ويظهر توضيح هذا المذهب في قول ابن الأثير فيا النهاية": "ولا بد في قوله "أين كان ربنا؟ " من تقدير مضاف محذوف كما حدث في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} ونحوه، فيكون التقدير أين كان عرش ربنا، ويدل عليه قوله:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
فقول ابن الأثير: "إنه لا بد من تقدير مضاف محذوف" الذي دفعه إليه هو اعتقاد بأنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأنه يترتب على ذلك إثبات الجهة والمكان إلى الله تعالى، وهي، منفية عنه كما هو مذهب الأشاعرة المتأخرين الذين يعد ابن الأثير واحدا منهم.
ومما يجدر ذكره أن ما هرب إليه ابن الأثير من تقدير المضاف لا ينجيه مما هرب منه، لأنه إذا أثبت الجهة لعرشه سبحانه وتعالى ثبتت له- أيضا- لكونه مستويا عليه.
والأمر الآخر الذي دل عليه حديث ابن رزين هذا هو الإخبار عن خلق العرش، ولفظ الحديث فيه دلالة على أن بدء خلق العرش كان على الماء، وأن العرش سابق في الخلق على السموات والأرض، وفي ذلك رد على زعم الفلاسفة القائلين بأن العرش هو الخالق الصانع أو أنه لم يزل مع الله تعالى.
انظر: "الاستقامة لابن تيمية": (1/ 126- 127) .
8-
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ1، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ2 يَقُولُ: وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: "الْعَمَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّحَابُ الْأَبْيَضُ الْمَمْدُودُ، وَأَمَّا العمى المقصور قالبصر، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعْنَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ قَدِيرُ الْعَمَاءِ فِي مَبْلَغِهِ وَكَيْفَ كَانَ"3.
1 هو عبد الله بن مروان بن معاوية الفزاري من أهل الكوفة.
ثقة مستقيم الحديث، روى عن أبيه والكوفيين.
"الثقات" لابن حبان: (8/ 350)، "تاريخ بغداد":(10/ 151، 152) .
2 هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري، اللغوي، الأخباري، أحد الأعلام.
صدوق، سني، مات سنة ست عشرة ومائتين، وقيل غير ذلك، وقد قارب التسعين.
أخرج له مسلم مقرونا، وأبو داود، والترمذي.
انظر: "تهذيب التهذيب": (6/415)، "تقريب التهذيب": ص. 220، "طبقات النحويين": ص 167، "سير أعلام النبلاء":(10/ 175) .
3 ذكر هذا المعنى عن الأصمعي أبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 15/1) . وأورده الدشتي في كتاب الحد من طريق ابن بطة عن أبي بكر بن سليمان
عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة به: (ق 15/ ب) .
التعليق:
اختلف في لفظة "عماء" من حيث الشكل ومن حيث المعنى المراد به.
قالأصمعي وأبو عبيد القاسم بن سلام والأزهري وغيرهم يرون أن لفظة "عماء" وهي من حيث الشكل بالمد وليست بالقصر، وأن معناها المراد في الحديث هو السحاب الأبيض، لأن هذا هو معنى الكلمة في كلام العرب المعقول عنهم، ومما يشهد لذلك قول الحارث بن حلزة اليشكري:
وكأن المنون تردي بنا أعصـ
…
ـم جون ينجاب عنه العماء
ومعنى البيت: أن الشاعر يقول هو في ارتفاعه، قد بلغ السحاب ينشق عنه ويقول: نحن في عزنا مثل الأعصم، فالمنون إذا أرادتنا فكأنما تريد أعصم. وقال الأزهري: "ولا يدرى كيف ذلك العماء بصفة تحصره ولا نعت يحده، ويقوي هذا القول قول الله- جل وعز-:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام} [سورة البقرة، الآية: 215] .
فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله عز وجل يوم القيامة في ظلل منه، فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته، وكذلك سائر صفات الله عز وجل".
"تهذيب اللغة": (3/ 246) .
وهذا القول ليس فيه دليل على قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم، وأن مادة السموات والأرض ليست مبتدعة، وذلك أن الله- سبحانه- أخبرنا في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده، وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع، وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة، وأخبر- أيضا- أنه يغير هذه المخلوقات.
ويرى يزيد بن هارون وأقره على ذاك الترمذي: أن لفظة عماء هي من حيث الشكل بالمد، ولكن معناها في هذا الحديث هو: أي ليس مع الله شيء، وعلى هذا يكون معنى الحديث: أن الله تعالى كان ولم يكن شيء معه، ويشهد لهذا المعنى ما جاء في حديث عمران من قوله صلى الله عليه وسلم:"كان الله ولم يكن شيء معه".
وهناك رأي ثالث في المسألة يخالف القولين الأولين في الشكل والمعنى، فمن حيث اللفظ يرى أنه بالقصر وليس بالمد، وعلى هذا يكون المعنى أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه وصف، وذلك لأن كل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمى.
انظر: "غريب الحديث" لابن عبيد: (2/8، 9)، "تهذيب اللغة":(3/ 246)، "نقض تأسيس الجهمية":(1/ 591) .
9-
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بن أبي القغراء1، وَأَبُو صُهَيْبٍ النَّضْرُ بْنُ سَعِيدٍ2 وَعَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ3، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ
1 هو فروة بن أبي المغراء (بفتح الميم والمد) واسم أبيه معدي كرب الكندي، أبو القاسم الكوفي، روى عن الوليد بن أبي ثور وغيره، وروى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
أخرج له البخاري، والترمذي.
"تهذيب التهذيب": (8/ 265)، "تقريب التهذيب": ص 27.
2 هو النضر بن سعيد أبو صهيب، ضعفه ابن قانع، روى عن الوليد بن أبي ثور وجماعة، وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة ومطين. قال أبو حاتم: من عتق الشيعة.
"لسان الميزان": (6/ 160) .
3 هو عباد بن يعقوب الرواجني (بفتح راء وخفة واو وكسر جيم وبنون، "المغني": ص 116) الأسدي، أبو سعيد، الكوفي، روى عن الوليد بن أبي ثور وغيره.
صدوق، رافضي، من العاشرة، مات سنة خمسين ومائتين.
أخرج له البخاري حديثا واحدا مقرونا، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (5/ 109)، "تقريب التهذيب": ص 164.
الْهَمْدَانِيُّ1 عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ2، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ3 عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ
1 هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني المرهبي (بضم المهملة) ، الكوفي وقد ينسب إلى جده.
روى عن سماك بن حرب وغيره، وعنه عباد بن يعقوب وغيره.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. ضعيف، من الثامنة، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 137)، "تقريب التهذيب": ص 370.
2 هو سماك (بكسر أوله وتخفيف الميم) بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار ابن معاوية بن حارثة الذهلي، البكري، الكوفي، أبو المغيرة.
روى عن عبد الله بن عميرة صاحب الأحنف بن قيس وغيره، وعنه الوليد ابن أبي ثور وغيره.
صدوق، روايته عن عكرمة- خاصة.- مضطربة، وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن. من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة.
روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 232)، "تقريب التهذيب": ص 137.
3 هو عبد الله بن عميرة (بفتح أوله) كوفي، روى عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث الأوعال، وعنه سماك بن حرب.
مقبول، من الثانية. روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وقال الذهبي: له عن الأحنف حديث، المزن والعنان، رواه عنه سماك بن حرب، ورواه عن سماك الوليد بن أبي، ثور وجماعة.
"ميزان الاعتدال": (2/ 469)، "تهذيب التهذيب":(5/ 344)، "تقريب التهذيب": ص 184.
قَيْسٍ1 عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: كُنَّا بِالْبَطْحَاءِ2 فِي عِصَابَةٍ3 فِيهِمْ رسول الله خير، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ:"تَدْرُونَ مَا هَذِهِ، " قَالُوا: سَحَابٌ، قال:"والمزن"4، قا لوا: وَالْمُزْنُ، قَالَ:"وَالْعَنَانُ"، ثُمَّ قَالَ:"تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بين السماء والأراضين"، (53/ أ) قَالُوا: لَا، قَالَ:"إِمَّا وَاحِدَةً أَوِ اثنتين أو ثلاث وَسَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَ ذَلِكَ، حَتَّى عد سبع سموات، ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ [بَيْنَ] 5 "" أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَمَانِيَةُ أَمْلَاكٍ أَوْعَالٍ6 (6) ، مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ إِلَى
1 هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين التميمي السعدي، أبو بحر، اسمه الضحاك، وقيل: صخر، والأحنف لقب، مخضرم، ثقة، قيل: مات سنة سبع وستين، وقيل: اثنتين وسبعين، أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 191)، "تقريب التهذيب": ص 25.
2 البطحاء: هو مسيل واسع فيه دقاق الحصى، وهو موضع معروف بمكة. انظر:"لسان العرب": (1/ 299) .
3 العصابة: جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين.
انظر: "لسان العرب": (4/ 2965) .
4 هو الغيم والسحاب، واحدته: مزنة، وقيل: هي السحابة البيضاء. "النهاية": (4/ 325) .
5 ما بين قوسين غير موجود في "الأصل"، وقد أثبته لوروده في المصادر التي روت الحديث.
6 الأوعال: جمع وعل بكسر العين، وهو تيس الجبل.
"النهاية": (5/ 207) .
رُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ،، ثُمَّ فَوْقَ ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ [بَيْنَ] 1 أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ"2.
1 ما بين قوسين غير موجود في "الأصل"، وقد أثبته لوروده في المصادر التي روت الحديث.
2 أخرجه من هذا الطريق- أي من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب-: ابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية:(1/ 69)، والإمام أحمد في "مسنده":(1/ 257) ، وأبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية:(5/ 93، حديث 4723)، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 448، والآجري في "الشريعة": ص 292، واللالكائي في "السنة":(3/ 390)، وقال الترمذي:"حديث حسن غريب" اهـ.
والوليد بن أبي ثور متكلم فيه، قال العقيلي:"يحدث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها". "التهذيب": (11/137- 138) ، وهو ضعيف، ولكنه توبع، فإن الحديث قد رواه عن سماك جماعة منهم عمرو بن أبي قيس، انظر حديثه في "سنن الترمذي"، كتاب التفسير، باب سورة الحاقة:(5/ 424، 425، حديث 3320) ، وأبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية:(5/94، حديث 4724)، وابن أبي عاصم في "السنة":(1/253)، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 101، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة":(3/389)، وابن منده في "التوحيد":(1/117) .
وعند الجميع التصريح بأن بعد ما بين السماء والأرض "إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة"، وعمرو بن أبي قيس صدوق له أوهام.
ورواه عن سماك شعيب بن خالد وسيأتي تخريج حديثه في الحديث التالي، ولكن في التصريح بأن بعد ما بين السماء والأر ض مسيرة خمسمائة عام.
ورواه عن سماك- أيضا- إبراهيم بن طهمان، انظر حديثه في "مشيخته": ص 70، و"سنن أبو داود":(5/ 94)، و"الشريعة" للآجري: ص 292، ورواه عنه آخرون- أيضا-.
ولكن في الحديث علة أخرى، وهي أن مدار الحديث من جميع طرقه على "عبد الله بن عميرة"، وعبد الله فيه جهالة، لذلك. قال الألباني في "تخريج السنة":(1/ 254) : "إسناده ضعيف، وعبد الله بن عميرة، قال الذهبي: فيه جهالة، وقال البخاري: لا نعلم له سماعا من الأحنف بن قيس" اهـ.
ولكن الجوزقاني صرح في "الأباطيل": (1/ 79) بصحة الحديث، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى":(3/192) حيث قال: "إن هذا الحديث قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف، ولم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد، كانت معرفته وإثباته مقدما على نفي غيره وعدم معرفته" اهـ.
وكذلك مال تلميذه ابن القيم إلى تصحيحه، انظر:"تهذيب التهذيب": (7/ 92، 93) .
التعليق:
حديث الأوعال هذا وحديث الأعرابي الذي سيأتي بعده قد أوردهما عامة من جمعوا أحاديث الصفات من السلف إن لم يكن جميعهم، وهم في إيرادهم لهذه الأحاديث وأمثالها مما في إسنادها مقال، إنما يوردونها من باب التأكيد لا من باب التأييد، وذلك لكون تلك الصفات التي جاء ذكرها في هذه الأحاديث قد ورد فيها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة ما يدل على ثبوتها من غير حاجة إلى الاستدلال بما دونها من الأحاديث التي في إسنادها مقال.
وحديث الأوعال هذا مع ما فيه من الغرابة وما في إسناده من مقال إلا أن فيه من الدلالة على علو الله وارتفاعه فوق عرشه مما يوافق ما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، فقد جاء في الحديث الكلام على السموات السبع وارتفاعها فوق بعضها البعض ووجود فاصل بين كل سماء والسماء التي تليها، وأن فوق السماء السابعة بحرا وفوقه حملة العرش الذين يحملون عرش الرحمن تبارك وتعالى، وأن الله فوق عرشه، مستو عليه، عال على خلقه.
وكل هذه الأمور قد جاء في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل عليها ويشهد لها، فوصف السموات بهذا الوصف هو ما دل عليه قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} [سورة الملك، الآية: 3] .
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "أي بعضها فوق بعض": (29/ 2) .
وهو أيضا ما دلت عليه السنة، فما جاء في قصة الإسراء والمعراج من صعود النبي صلى الله عليه وسلم من سماء إلى سماء، واستفتاح جبريل له عند كل سماء، ولقائه لبعض الأنبياء في كل سماء دليل على أن هناك فاصلا بين كل سماء والتي تليها، وفي هذا تأكيد لما جاء في الحديث الذي معنا.
وكذلك- أيضا- ما جاء في الحديث، عند قوله:"ثم فوق السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء" فلعل المراد بهذا البحر الماء الذي جاء ذكره في قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ومما يؤيد ذلك أن العرش كان محمولا عليه قبل خلق السموات والأرض، وبعد خلقهما أصبحت الملائكة تحمله.
كما دل على ذلك القرآن، وأيضا- ما جاء في السنة، ومنها هذا الحديث الذي ورد فيه:"ثم فوق ذلك ثمانية أملاك"، وإن كان الخلاف واقعا في أمر عدد الملائكة الذين يحملون العرش في هذه الحياة الدنيا هل هم أربعة أم ثمانية، وقد تقدم عرض ذلك في قسم الدراسة.
وأما ما جاء في الحديث من وصف الملائكة الذين يحملون العرش بأنهم على صورة الأوعال، فهذا لم أقف فيه على نص ثابت يبين هيئة هؤلاء. فعلى ذلك ليس لنا إلا التوقف في هذه المسألة لعدم ورود النص الثابت فيها.
وأما قوله: "والله تعالى فوق ذلك" فهذا هو الشاهد من الحديث وهو الحق الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو مذهب السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
10 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ
1 هو محمد بن أبان بن وزير البلخي أبو بكر بن إبراهيم المستملي الحافظ، ويعرف بحمدويه، روى عن عبد الرزاق وغيره.
ثقة، حافظ، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين، وقيل: بعدها. أخرج له الجماعة سوى مسلم فروى عنه في غير الجامع.
"تهذيب التهذيب": (9/ 3، 4)، "تقريب التهذيب": ص 288.
1 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ2 عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ3، قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي حَديثِهِ الْأَحْنَفَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَطْحَاءِ فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ " قُلْنَا: السَّحَابُ، قَالَ:"وَالْمُزْنُ"، قُلْنَا: والمزن، قال:"وَالْعَنَانُ"، قَالَ: فَسَكَتْنَا، فَقَالَ:"فَهَلَّا تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ4 السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِمْ وَأَظْلَافِهِمْ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ
1 هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني.
روى عن يحيى بن العلاء وغيره. وعنه محمد بن أبان وغيره.
ثقة، حافظ، مصنف، شهير، عمى في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع. من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين وله خمس وثمانون سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 310)، "تقريب التهذيب": ص 313.
2 هو يحى بن العلاء البجلي، أبو سلمة، ويقال: أبو عمرو الرازي.
روى عن عمه شعيب بن خالد وغيره، وعنه عبد الرزاق بن همام وغيره. رمي بالوضع، من الثامنة، مات قرب الستين.
أخرى له أبو داود، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (11/ 261)، "تقريب التهذيب": ص 378.
3 هو شعيب بن خالد البجلي، الرازي، كان قاضيا بالري، ليس به بأس، من السابعة.
أخرى له أبو داود.
"تهذيب التهذيب": (4/ 352)، "تقريب التهذيب": ص 146.
4 في "الأصل": "السموات"، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
وَالْأَرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عز وجل فَوْقَ ذَلِكَ لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ شَيْءٌ"1.
11-
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ2 حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
1 أخرجه من هذا الطريق- أي من طريق شعيب بن خالد عن سماك بن حرب - الإمام أحمد في "مسنده": (1/ 206، 207)، وأبو يعلى في "مسنده": ص 605، نسخة استانبول.
وسند الحديث ضعيف لأن الراوي عن شعيب بن خالد هو يحيى بن العلاء، وهو متهم بالوضع، وقد تقدم الكلام على الحديث في الذي قبله.
التعليق:
وقد جاء التصريح في هذه الرواية بأن بعد ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وباقي الروايات جاء فيها التصريح بأن بعد ما بين السماء والأرض إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة. ولا تعارض بين الروايتين، والجمع بينهما ممكن، لأن المسافة يختلف في تقديرها بحسب اختلاف السير الواقع فيها، فسير البريد- مثلا- يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات، وهذا معلوم بالواقع، فما تسيره الإبل سيرا قاصدا في عشرين يوما، يقطعه البريد في ثلاثة، فحيث قدر النبي صلى الله عليه وسلم بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد، وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب، فكل منهما يصدق الآخر، ويشهد بصحته.
"تهذيب السنن": (7/ 94) .
2 هو عبد الأعلى بن حماد بن نصر الباهلي مولاهم، البصري، أبو يحيى المعروف بالنرسي (بفتح النون وسكون الراء وكسر السين المهملة، وهذه النسبة إلى النرس وهو نهر من أنهار الكوفة. "الأنساب": (12/ 74) .
لا بأس به، من كبار العاشرة، مات سنة ست أو سبع وثلاثين بعد المائتين.
أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (6/ 93)، "تقريب التهذيب": ص 195.
جَرِيرٍ1 حَدَّثَنَا أَبِي2 قَالَ: سَمِعْتُ، مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ3 يُحَدِّثُ
1 هو وهب بن جرير بن حازم بن زيد الأزدي، أبو العباس البصري، الحافظ.
روى عن أبيه وعكرمة وغيرهما، وعنه عبد الأعلى بن حماد وغيره.
ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومائين، من رواة الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 161)، "تقريب التهذيب": ص 372.
2 هو جرير بن حازم بن عبد الله بن شجاع الأزدي ثم العتكي، وقيل: الجهضمي (بفتح الجيم والضاد المنقوطة وسكون الهاء، وهذه النسبة إلى الجهاضمة وهي محلة بالبصرة، "الأنساب": (3/ 436) ، أبو النضر البصري والد وهب روى عن ابن إسحاق وغيره، وعنه ابنه وهب وغيره.
قال الذهبي: أحد الأئمة الكبار الثقات،، لولا ذكر ابن عدي له لما أوردته، ونقل عن ابن مهدي أنه قال: واختلط - يعني جرير- فحجبه أولاده، فلم يسمع منه أحد في حال اختلاطه. و. قال ابن حجر: ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، له أوهام إذا حدث من حفظه، وهو من السادسة، مات سنة سبعين ومائة بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه.
"ميزان الاعتدال": (1/ 393)، "تهذيب التهذيب":(2/ 69)، "تقريب التهذيب": ص 54.
3 هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، ويقال: كومان المدني، أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله المطلبي، مولاهم، نزيل العراق، إمام المغازي.
روى عن يعقوب بن عتبة، وعنه جرير بن حازم وغيره.
صدوق يدلس، ورمي بالتشيع، من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومائة، أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 38)، "تقريب التهذيب": ص 290.
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ1، وَجُبَيْرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ جَدِّهِ4 قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام:"وَيْحَكَ تَدْرِي مَا تَقُولُ"؟
1 هو يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي.
روى عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن جبير بن مطعم على خلاف فيه. وعنه محمد بن إسحاق بن يسار وغيره.
ثقة، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة.
روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب الكمال": (3/1553)، "تهذيب التهذيب":(11/ 392)، "تقريب التهذيب": ص 387.
2 هو جبير بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي، ذكره ابن حجر في "تقريب التهذيب".
روى عن أبيه عن جده، وعنه يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس. مقبول، من السادسة، أخرج له أبو داود حديثا واحدا.
"تهذيب التهذيب": (2/ 63)، "تقريب التهذيب": ص 54.
3 هو محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل أبو سعيد المدني.
ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، مات على رأس المائة، أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب":(9/ 91)، "تقريب التهذيب": ص 292.
4 هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين.
انظر: "الإصابة": (1/ 225)، "تقريب التهذيب": ص 54.
فَسَبَّحَ رسول الله، فمازال يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوِهِ أصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ:"وَيْلَكَ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ مَا تُدْري مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ هَكَذَا"، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَصَفَ ذَلِكَ وَهْبٌ، وَأَمَالَ كَفَّهُ وَأَصَابِعَهُ الْيُمْنَى، وَقَالَ هَكَذَا، وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ"1.
1 أخرجه من هذا الوجه: ابن أبي عاصم في "السنة": (1/252) عن عبد الأعلى ومحمد بن المثنى، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 447، عن ابن بشار مختصرا، وأبو الشيخ في "العظمة":(ق 33/ 1) عن محمد بن المثنى.
كلهم عن وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده. وقد جاء عند ابن أبي عاصم "ونهكت الأبدان" بدل "هلكت الأنعام".
وقد أشار إلى هذه الرواية أبو داود في "سننه": (5/ 95، 96) .
وقد روي الحديث من وجه آخر: أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية:(5/94- 96، حديث 4726) عن أحمد بن سعيد الرباطي، وابن أبي عاصم في "السنة":(1/253) عن أبي الأزهر النيسابوري، وابن خزيمة في "التوحيد": ص 103، عن محمد بن بشار، والطبراني في "المعجم الكبير":(2/132، حديث 1547) بسنده عن عبد الأعلى وابن معين وابن المديني، والدارقطني في "الصفات": ص 52، بسنده عن ابن معين وابن المديني، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 526، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة":(2/ 394) ، كلاهما بسندهما عن أبي الأزهر، وابن منده في "التوحيد":(ق 117/ 1) بسنده عن يحى بن معين.
كلهم عن وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده- بنحوه بعضهم مختصرا وبعضهم مطولا.
وهذا هو الصواب من الوجهين.
كما صرح به أبو داود فإنه قال: "والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة، منهم يحيى بن معين وعلى ابن المديني".
وقد تكلم بعض الأئمة على هذا الحديث.
فقال الذهبي في "العلو": ص 39: (هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم. أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ وأما الله- عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره.
واستغربه الحافظ ابن كثير في تفسير آية الكرسي من "تفسيره": (1/ 310) ثم إن في إسناده اختلافا.
هذا، وقد تكلم ابن القيم في "تهذيب السنن":(7/95، 117) بكلام طويل، نصر فيه تصحيح الحديث، ورد المطاعن التي، طعن بها هذا الحديث وبخاصة عن ابن إسحاق.
والصواب أن هذا الإسناد ضعيف كما تقدم نقلا عن الأئمة، ولا سيما جبير بن محمد قال فيه الحافظ ابن حجر:"مقبول" يعني إذا توبع، ولم يتابع هنا.
التعليق:
تقدم الكلام في التعليق على حديث الأوعال أن منهج السلف في إيراد مثل هذه الأحاديث التي في إسنادها مقال إنما هو من باب التأكيد لا من باب التأييد، وهذا الحديث إنما ساقه الكثير من السلف لما فيه من تواتر علو الله - تعالى- فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب.
والحديث يتضمن عدة أمور لها تعلق في مسائل العقيدة منها: عدم جواز الاستشفاع بالله على أحد من خلقه، فهذا ما أنكره الرسول صلى الله عليه وسلم على الأعرابي، وهذا القول لا يليق بالخالق سبحانه وتعالى لأن شأنه أعظم من ذلك، فهو- سبحانه- رب كل شي، ومليكه، والخير كله بيده- سبحانه وتعالى فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو كما قال عن نفسه:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [سورة فاطر، الآية: 44]، وقال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} الآية، فالخلق وما في أيديهم ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، وهو الذي يشفع الشافع إليه.
وأما الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم على الله فهذا جائز في حياته صلى الله عليه وسلم بدليل عدم إنكاره على الأعرابي، أما بعد مماته فهذا ما لم يفعله أحد من الصحابة.
وأما الأمر الآخر فهو قوله صلى الله عليه وسلم: "شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله، إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا".
قالنبي صلى الله عليه وسلم استدل على الله وعظم شأنه-. سبحانه وتعالى ببعض آياته الكونية، وهذا هو منهج الرسل ومن تبعهم في معرفة الله- سبحانه وتعالى، فهم يستدلون على ذلك بالآيات الكونية الدالة على وحدانية الله وأنه سبحانه هو وحده المتصرف في هذا الكون والمدبر له، ولذلك جاء الأمر في القرآن بالتفكر في مخلوقات الله وآياته الكونية والسمعية والتدبر فيها لما فيها من الأثر البليغ في الدلالة على وحدانية الخالق ووجوده- سبحانه وتعالى.
والأمر الثالث الذي دل عليه الحديث، هو وصف عرش الرحمن- تبارك وتعالى بأنه مقبب الشكل، وأنه على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيها كهيئة القبة، ومما يؤيد وصف العرش بهذه الصفة ما جاء في الحديث الآخر الذي رواه البخاري في "صحيحه":"إذاسألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة أعلاها، وفوقه عرش الرحمن".
فالحديث دل على أن الفردوس وسط الجنة وأعلاها، ومن المعلوم أن الجنة كما جاء في الحديث مائة درجة ما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، فكون العرش سقفا للفردوس الذي هو أوسط الجنة وأعلاها، يدل على أنه مقبب لأن الشيء لا يكون وسط أعلاه إلا إذا كان مستديرا والعرش هو على هذه الصفة.
وفي هذا رد على الفلاسفة الذين يزعمون أن العرش فلك من الأفلاك وأنه هو الفلك التاسع، كما أن في هذا ردا على من أنكر العرش وزعم أن المراد به الملك.
وقوله: " إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب" فهو كما قال الذهبي- رحمه الله تعالى-: "الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله- عز وجل، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت".
12-
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ1، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَعْنَى2،
1 هو عبيد بن يعيش (بكسر المهملة) المحاملي (بالفتح وكسر الميم) أبو محمد الكوفي العطار، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين، وقيل: تسع وعشرين ومائتين.
أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (7/ 78، 79)، "تقريب التهذيب": ص 23.
2 هو عبد الرحمن بن مصعب بن يزيد الأزدي ثم المعني (بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون ثم ياء النسبة)، ويقال: الشيباني، أبو زيد القطان الكوفي نزيل الري.
روى عن إسرائيل بن يونس وغيره.
مقبول، من التاسعة، أخرج له الترمذي، والنسائي في "مسند علي "، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب ": (6/ 270)، "تقريب التهذيب ": ص 209.
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ2، عَنِ الْقَاسِمِ3، عن أبي أسامة4، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَلُوا اللَّهَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ، فَإِنَّهَا
1 هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني، أبو يوسف الكوفي، ثقة، تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين، وقيل: بعدها.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب ": (1/ 261)، "تقريب التهذيب": ص 31.
2 هو جعفر بن الزبير (بضم الزاي، "المغني ": ص 118) ، الحنفي، وقيل: الباهلي الدمشقي، نزيل البصرة، روى عن القاسم بن عبد الرحمن وغيره.
متروك الحديث، وكان صالحا في نفسه، من السابعة، مات بعد الأربعين، أخرج له ابن ماجه.
"تهذيب التهذيب ": (2/ 90)، "تقريب التهذيب ": ص 55.
3 هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي، مولى آل أبي ابن حرب الأموي صاحب أبي أمامة.
صدوق، يرسل كثيرا، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة.
"تهذيب التهذيب ": (8/ 322)، "تقريب التهذيب ": ص 279.
4 واسمه صدي (بالتصغير) بن عجلان أبو أمامة الباهلي، صحابي مشهور. "تقريب التهذيب": ص 152.
صُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ1 الْعَرْشِ" 2.
1 الأطيط: نقيض صوت المحامل والرحال إذا ثقل عليها الركبان، وأط الرحل والنسع يئط أطا وأطيطا: صوت، وكذلك كل شيء أشبه صوت الرحل الجديد. "لسان العرب":(1/ 92)، مادة: أطط.
2 أخرجه ابن بطة في "الإبانة": "ق (195/ ب) ، والحاكم في "المستدرك": (2/ 371) ، والطبراني في "المعجم الكبير": ص 7966.
كلهم عن طريق إسرائيل عن جعفر بن الزبير به.
وإسناده ضعيف، لأن فيه جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث.
والحديث أورده السيوطي في "الدر المنثور"، تفسير سورة الكهف:(4/ 254) من طريق عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والحاكم وصححه.
التعليق:
على الرغم من ضعف الحديث من حيث إسناده إلا أن ما جاء فيه من قوله: "سلوا الله جنة الفردوس فإنها صرة الجنة" له شاهد من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".
واسم الفردوس: قد يطلق ويراد به جميع الجنة، وقد يطلق" ويراد به أفضل الجنة وأعلاها، كما في هذا الحديث، وكأنه بهذا المعنى أحق وأصوب، قال تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة المؤمنون، الآيات: 10- 11]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [سورة الكهف، الآية: 1. 10] .
والفردوس في اللغة: البستان، قال الفراء: أصل اللفظ عربي، وقال مجاهد: هو البستان بالرومية، واختاره الزجاج، وقال ابن سيده:"الفردوس الوادي الخصيب عند العرب، وهو بلسان الروم البستان".
وقال الزجاج: "وحقيقة الفردوس: هو البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين".
وأما ما جاء في وصف الفردوس من كونه "وسط الجنة وأعلى الجنة". فالحافظ ابن حجر يقول: "المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل: كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا} [سورة البقرة، الآية: 143] ، فعلى هذا عطف الأعلى عليه للتأكيد..
وقال الطيبي: "المراد بأحدهما العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي.
وقال ابن حبان: "المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية
…
".
والصواب أن تفسير الأوسط على المعنى المعنوي لا المكاني لا يساعد عليه ظاهر النص، ذلك أن ظاهر النص ينص على أن الفردوس هو وسط الجنة وأعلاها بمعنى أن الفردوس هو ربوة الجنة وأن الجنان الأخرى عن جوانبه، ومن تحته، وهو أعلاها، قال قتادة:"الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأعلاها وأفضلها وأرفعها".
ويدل على ذلك قوله في الحديث: "وفوقه عرش الرحمن"، فليس فوق الفردوس إلا عرش الرحمن سبحانه وتعالى، كما يدل عليه- أيضا- قوله:"ومنه تفجر أنهار الجنة"، لأن الأنهار عادة تنبع من الأعلى. والله أعلم. وهذه الصفة أي: كون وسط الشيء أعلاه- لا تتصور إلا في المقبب، فإن أعلى القبة هو أوسطها، فالجنة والله أعلم تكون كذلك.
انظر: "فتح الباري": (6/ 13)، "حادي الأرواح": ص 74، 75، "لسان العرب":(2/ 1069)، "النهاية" لابن كثير:(2/ 233) .
وقوله: "وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش" فهذه الجملة هي الشاهد من سياق الحديث، وهي دالة على كون عرش الرحمن سقف الجنة، وأنه هو أعلى المخلوقات، وهذا دل عليه حديث البخاري.
وأما مسألة الأطيط كما سبق أن ذكرنا فإنه لم يثبت في المسألة نص صحيح، والله أعلم.
(ق 54/ ب) 13- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ1، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ2، عَنْ خُصَيْفٍ3 عَنْ
1 هو عبد الحميد بن صالح بن عجلان البرجمي (بضم باء وسكون راء وضم جيم، "المغني": ص 45) أبو صالح الصوفي، روى عن زهير بن معاوية وغيره، وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاثين ومائتين.
أخرى له النسائي.
"تهذيب التهذيب": (6/ 117)، "تقريب التهذيب": ص 196.
2 هو زهير بن معاوية بن خديج (بضم المهملة وفتح دال مهملة وبجيم، "المغني ": ص 90) بن الرحيل "براء ومهملة مصغرا، "المغني": ص 110) ، الجعفي أبو خيثمة الكوفي سكن الجزيرة.
روى عن خصيف وغيره، وعنه عبد الحميد بن صالح وغيره.
ثقة، ثبت، إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره- أي بعد اختلاط-، من السابعة، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين ومائة. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب":(3/ 351)، "تقريب التهذيب": ص 109.
3 هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري (بفتح جيم وزاي وبراء، منسوب إلى الجزيرة، وهي بلاد بين الفرات ودجلة، "المغني": ص 66) أبو عون الحضرمي، الحرافي، الأموي، مولاهم، روى عن عكرمة وغيره.
صدوق، سيء الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة سبع وثلاثين ومائة، وقيل: بعد ذلك. روى له الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 143)، "تقريب التهذيب": ص 92.
عِكْرِمَةَ1، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} 2، قَالَ:"مِمَّنْ فَوْقِهِنَّ مِنَ الثِّقَلِ"3، قَالَ: وقرأها خصيف يتفطرن4.
1 هو عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة، ثبت، عالم بالتفسير ولم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة سبع ومائة، وقيل: بعد ذلك. أخرج له الجماعة.
"تقريب التهذيب": ص 243.
2 سورة الشورى، الآية:5.
3 أخرجه الحاكم في "مستدركه": (2 / 442) بسنده عن عبيد الله بن موسى به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره": (25/7) من طريق آخر عن ابن عباس، ولفظه:"يعني من ثقل الرحمن وعظمته- تبارك وتعالى".
وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ت 39/ ب) بسنده عن عبد الله بن موسى وإسناده ضعيف، لأن خصيفا سيء الحفظ، خلط بآخره.
4 ذكر السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 3) أن خصيفا قرأها بالتاء المشددة.
التعليق:
إيراد المصنف لهذا الأثر والأثرين اللذين سيأتيان من بعده إنما هو لأمرين:
الأمر الأول: لما فيهما من الدلالة على علو الله- سبحانه وتعالى وذلك لأن فيها إثبات علو الله وارتفاعه فوق سمواته.
الأمر الثاني: أنه أوردهما لما فيهما من التأييد لمسألة الأطيط الواردة في الحديثين السابقين، فكأنما مقصد المؤلف أن يبين أن أطيط العرش هو من جنس تشقق السموات وتفطرها، إذ الحل يتشقق من عظمة الله وجلاله- سبحانه وتعالى.
وأما ما ورد في الأثر من أن تشقق السموات إنما هو من الثقل، فإن كان المقصود بالثقل ثقل من في السموات من الملائكة ومن فوق السموات كالعرش، فهذا يؤيده حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضحا جبهته ساجدا". انظر: "سنن الترمذي"، كتاب الزهد، باب 9:(5/556)، و"مسند الإمام أحمد":(5/ 173) .
وأما إذا كان المقصود ثقل الرحمن، فإن الوارد عن أهل التفسير كالطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم أن التشقق من عظمة الله وجلاله، وهذا ما ورد عن ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، وكعب الأحبار. والله أعلم.
14-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ1، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
1 هو محمد بن عبد الله بن نمير (بضم النون كما في الخلاصة) الهمداني (بسكون. الميم) الخازفي (في الخلاصة بمعجمة) أبو عبد الرحمن، الكوفي، الحافظ.
روى عن يحى بن يمان وغيره.
ثقة، حافظ، فاضل، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين.
أخرى له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1227)، "تهذيب التهذيب":(9/ 282)، "تقريب التهذيب": ص 306، "خلاصة التذهيب": ص 346.
يَمَانٍ1، عَنْ شَرِيكٍ2، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} 3، قَالَ:"بِاللَّهِ عز وجل"4.
1 هو يحى بن يمان العجلي أبو زكريا الكوفي.
صدوق عابد، يخطئ كثيرا، وقد تغير، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 306)، "تقريب التهذيب": ص 380.
2 هو شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي، أبو عبد الله الكوفي، القاضي بواسط ثم بالكوفة.
روى عن خصيف وغيره.
صدوق، يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع.
من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة.
روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 333)، "تقريب التهذيب": ص 145.
3 سورة المزمل، الآية:18.
4 لم أجد من أخرجه بهذا اللفظ في تفسير هذه الآية غيره، وإن كان قد ورد نحوه في تفسير قوله تعالى:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِن} .
قال: ممن فوقهن، يعني: الرب تبارك وتعالى.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 39/ ب) ، من طريق شريك عن خصيف به.
وفي سند المؤلف يحيى بن يمان وشريك، وكلاهما صدوق يخطئ كثيرا، وخصيف سيء الحفظ، فلذلك إسناده ضعيف.
التعليق:
اختلف في مرجع الضمير في الآية على قولين:
القول الأول: أن مرجع الضمير يعود على ذلك اليوم الذي ورد ذكره ووصفه في الآيات السابقة لهذه الآية، فالسماء مثقلة ومتصدعة ومتشققة به، لشدته وعظيم هوله، وهذا القول هو ما روي عن الحسن وقتادة، وهو ما اختاره ابن جرير وابن كثير والشوكاني عند تفسير هذه الآية.
القول الثاني: وهو ما ورد ذكره في هذا الأثر من أن مرجع الضمير يعود إلى الله عز وجل، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد، وقد ذكر ابن كثير أن هذا القول هو قول مرجوح، وذلك لأن الله- سبحانه- لم يجر له ذكر هنا. اهـ. والضمير يعود لأقرب مذكور.
انظر: "تفسير الطبري": (29/137)، و"تفسير ابن كثير":(4/438)، "فتح القدير":(5/ 319) .
15-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ2، عَنْ مَعْمَرٍ3، عَنْ
1 لم أقف على ترجمته.
2 هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تقدم ترجمته في (10) .
3 هو معمر بن راشد. الأزدي الحداني (بمهملتين مضمومة فدال مشددة ونون، "المغني": ص 86) أبو عروة بن أبي عمرو البصري نزيل اليمن.
ثقة، ثبت، فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، كذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب ": (10/ 243)، "تقريب التهذيب": ص 344.
قَتَادَةَ1 {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: "يَنْفَطِرْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ"2.
16-
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ3، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ4،
1 هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة، ثبت، يقال: ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (8/ 351)، "تقريب التهذيب": ص 281.
2 أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره": (ق 259/ 1) عن معمر عن قتادة بنحوه.
وابن جرير في "تفسيره": (25/ 7)، وأبو الشيخ في "العظمة":(ق 32/ ب)، كلاهما عن محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور به- بمثله.
وأخرجه ابن جرير- أيضا- من طريق بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة، وفي سند المؤلف الحسن بن صالح ولم أقف على ترجمته، وباقي رواته ثقات.
وقد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ بأسانيد صحيحة.
3 هو وهب بن بقية بن عثمان بن شابور الواسطي، أبو محمد المعروف بوهبان.
روى عن خالد بن عبد الله الواسطي وغيره.
ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وله خمس أو ست وتسعون سنة.
أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (11/ 159)، "تقريب التهذيب": ص 371.
4 هو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، أبو الهيثم، ويقال: أبو محمد المزني، مولاهم الواسطي، وقد ينسب لجده.
ثقة، ثبت، من الثامنة، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان مولده سنة عشر ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 100)، "تقريب التهذيب": ص 89.
عَنْ عَطَاءٍ1، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما قال:"فكروا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ، فَإِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى كُرْسِيِّهِ أَلْفَ نُورٍ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ"2.
1 هو عطاء بن السائب بن زيد الثقفي، أبو زيد الكوفي، أحد علماء التابعين، واختلف في كنيته واسم جده، وهو صدوق اختلط، من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة.
أخرج له البخاري متابعة، والأربعة.
"ميزان الاعتدال": (3/70، 73)، "تهذيب التهذيب":(7/303)، "تقريب التهذيب": ص 239.
2 أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب": (2/173)، وأبو الشيخ في "العظمة":(ق 1/أ – ب)، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 530.
جميعهم عن عاصم بن علي عن أبيه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا.
وعندهم بلفظ: "تفكروا"، بدل:"فكروا"، و"سبعة آلاف سنة نور"، بدل:"ألف نور".
وأورده السيوطي فى "الجامع الصغير": (1/ 132)، وسكت عنه كما سكت عنه المناوي في "فيض القدير":(3/ 292) .
وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة": ص 159- بعد أن ذكر من أخرج الحديث-: "وأسانيدها ضعيفة، لكن اجتماعها يكتسب قوة، والمعنى صحيح"، ففي "صحيح مسلم":(2/153) عن أبي هريرة مرفوعا: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله".
وقد أورده الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (4/ 396) من رواية البيهقي وقال: هذا إسناد ضعيف، عطاء كان اختلط.
وسند المؤلف رجاله ثقات إلا أن عطاء كان اختلط، والراوي عنه خالد بن عبد الله- ليس ممن روى عنه قبل تغيره، فقد نقل ابن كيال عن الطحاوي أنه قال:"إنما حديث عطاء الذي كان منه قبل تغيره يؤخذ من أربعة لا من سواهم، وهم: شعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد". "الكواكب النيرات": ص 325، تحقيق: عبد القيوم بن عبد النبي. وقد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق ا/ ب) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الصواب أنه موقوف.
وقد أورده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (13/383)، وقال: موقوف، وسنده جيد.
التعليق:
الحديث وإن كان في إسناده مقال إلا أن بعض الأئمة قد حسنه، ومعناه صحيح، ولا سيما أنه يشهد له ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ". انظر: "صحيح البخاري": (6/336) ، و"صحيح مسلم"(2/153) .
فالحديث دال على النهي عن التفكر بذات الله عز وجل، وذلك لأن ذاته أعظم وأجل من أن يدخل فيها التفكير لأن التفكر والتدبر والتقدير إنما يكون في الأمثال والمقاييس والأمور المتشابهة التي هي المخلوقات.
والسبيل إلى معرفة الله على مذهب السلف الصالح هو بالتفكر في مخلوقات الله وآياته الكونية والشرعية بالطرق العقلية الصحيحة على حسب ما جاء في القرآن والسنة.
والشاهد من إيراد الأثر في هذا الكتاب هو ما ورد عند قوله: "وهو فوق ذلك" حيث إنه قد دل على علو الله وارتفاعه فوق سمواته وبينونته من خلقه وهذا هو الثابت بالأدلة الصحيحة من القرآن والسنة.
انظر: "مجموع الفتاوى": (4/ 39، 40)، "تفسير ابن كثير":(1438، 439) .
17-
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ1، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ2
1 هو إبراهيم بن محمد بن خازم (بمعجمتين) السعدي، مولاهم، أبو إسحاق ابن أبي معاوية الضرير الكوفي.
روى عن أبيه وغيره.
صدوق، ضعفه الأزدي بلا حجة، من العاشرة، مات سنة ست وثلاثين ومائتين.
أخرى له أبو داود.
"تهذيب التهذيب": (1/ 153)، "تقريب التهذيب": ص 22.
2 هو هناد بن السري (بفتح المهملة، وكسر راء خفيفة، وشدة مثناة تحت، "المغني ": ص 127) ابن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي.
روى عن أبي معاوية الضرير وغيره.
ثقة من الحاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وله إحدى وتسعون سنة.
أخرج له البخاري في "خلق أفعال العباد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 70)، "تقريب التهذيب": ص 365.
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ1، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ نَصْرٍ2، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، غِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَة سَنَةٍ،
1 هو محمد بن خازم (بمعجمتين) التميمي السعدي، مولاهم أبو معاوية الضرير الكوفي، عمي وهو صغير، روى عن الأعمش وغيره، وعنه ابنه إبراهيم وهناد بن السري وغيرهما.
ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره.
من كبار التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائة، وله اثنتان وثمانون سنة، وقد رمي بالإرجاء، وهو من رواة الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 137)، "تقريب التهذيب": ص 395.
2 هكذا في "الأصل"، والصواب:"أبو نصر" وهو حميد بن هلال بن هبيرة، ويقال: ابن سويد بن هبيرة العدوي، أبو نصر البصري.
ثقة، عالم، توقف فيه ابن سيرين لدخوله عمل السلطان.
من الثالثة، أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 55)، "تقريب التهذيب": ص 85.
وفرق الذهبي بين أبي نصر راوي هذا الحديث وبين أبي نصر عن أبي برزة، وعنه عمرو بن مرة، فقال: الأول لا يدرى من هو، وأما الثاني فقال فيه: هو حميد بن هلال، وقد قيل: إنه الذي قبله، فإن خبر "لو دليتم" قد رواه محاضر بن المورع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي نصر عن أبي ذر "ميزان الاعتدال":(4/ 579) .
وَالْأَرَضِينَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْعَرْشِ مِثْلُ جَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ"1.
1 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 1/33) عن محمد بن العباس عن أبي كريب.
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات": ص 506، بسنده عن أحمد بن عبد الجبار.
كلهم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي نصر عن أبي ذر بنحوه.
وعند أبي الشيخ والبيهقي بزيادة "لو حفرتم لصاحبكم فيها لوجدتموه" يعني علمه.
كما أنه لم ترد عند أبي الشيخ عبارة: "غلظ كل سماء خمسمائة سنة" بعد قوله: "ما بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة سنة".
أما في رواية البيهقي فجاءت بلفظ: "وغلظ السماء الدنيا خمسمائة عاما". وقد سقط من السند في "الأسماء والصفات" ذكر "أبي نصر".
قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 11، 12) : "هذا حديث منكر رواه عن الأعمش محاضر فخالف فيه أبا معاوية فقال: عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي نصر، وكان الأعمش يروي عن الضعفاء ويدلس". وهكذا ذكر الجوزقاني- أيضا- في "الأباطيل": (1/ 68) فإنه قال: "هذا حديث منكر، رواه عن الأعمش محاضر فخالف فيه أبا معاوية".
قال ابن كثير في "تفسيره"(4/303) : "في إسناده نظر وفي متنه غرابة ونكارة، والله سبحانه وتعالى أعلم".
وقوله: "في إسناده نظر" ذلك لأن أبا نصر لم يسمع من أبي ذر.
كما قال البزار في "مسنده" ص 200: "أحسبه حميد بن هلال ولم يسمع من أبي ذر".
وأيضا لم يسمع الأعمش من أبي نصر، ففيه انقطاعات، ولذلك وصفه البيهقي بالانقطاع فقال: روي من وجه آخر منقطع عن أبي ذر- رضي الله عنه مرفوعا. ووافقه الألباني في "تخريج السنة": (1/ 255) .
وقول ابن كثير: "في متنه غرابة ونكارة" يقصد بذلك الزيادة التي وردت عند غير ابن أبي شيبة وهي قوله: "لو حفرتم لصاحبكم فيها لوجدتموه"
…
" الخ.
(ق 55/ أ) 18- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ1، عَنْ سُفْيَانَ2، عَنْ جَابِرٍ3، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى4، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} قَالَ:"مُمْتَلِئَةٌ"5.
1 هو وكيع بن الجراح وتقدم ترجمته في (2) .
2 هو سفيان الثوري، وتقدم ترجمته في (2) .
3 هو جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي أبو عبد الله ويقال: أبو يزيد، الكوفي، ضعيف، رافضي، من الخامسة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين.
أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (2/ 46، 47)، 9 تقريب التهذيب": ص 53.
4 هكذا في "الأصل"، والصواب هو:"عبد الله بن نجي"(بنون وجيم مصغرا) ابن سلمة بن جشم الكوفي، الحضرمي، روى عنه جابر الجعفي وغيره، صدوق، من الثالثة.
أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب،: (6/ 55) ، "تقريب التهذيب": ص 192.
5 أخرجه الطبري في "تفسيره": (29/138)، وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "السنة": ص 143.
وكلاهما من طريق جابر عن عبد الله بن نجي به، ولفظ ابن جرير "ممتلئة به، بلسان الحبشة".
وأخرجه ابن جرير من وجه آخر عن سفيان عن جابر عن عكرمة، ولم يسمعه عن ابن عباس، قال: ممتلئة به.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 280) عن الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس به.
إسناده ضعيف، جابر بن يزيد ضعيف، والحديث كل طرقه مدارها عليه، ولم أقف على من رواه من طريق آخر.
19-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ1، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ الْأَشْعَثِ السُّلَمِيُّ2، حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ الْيَمَامِيُّ الْأَنْصَارِيُّ3، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ
1 هو الحسن بن علي بن محمد الهذلي (بمضمومة وفتح ذال معجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة، "المغني،: ص 272) أبو علي الخلال الحلواني (بضم المهملة) نزيل مكة.
ثقة، حافظ، له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (2/ 302)، "تقريب التهذيب": ص 71.
2 هو الهيثم بن الأشعث أبو محمد السلمي.
روى عنه الحسن بن علي الحلواني، وعثمان بن الهيثم.
مجهول، وقال العقيلي في "الضعفاء،: "يخالف حديثه ولا يصح إسناده". "ميزان الاعتدال": (4/ 319) ، "لسان الميزان": (6/ 203) .
3 ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" في الكنى: ص 25 "أبو حنيفة اليمامي، روى عنه ابن المبارك وابنه إبراهيم بن أبي حنيفة اليمامي".
عَبْدِ اللَّهِ1، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ قَالَ: كُنْتُ إِذَا أَمْسَكْتُ2 عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْتَدَأَنِي، وَإِنْ سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَبَرِ أَنْبَأَنِي، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ:"قَالَ الرَّبُّ- جَلَّ وَعَزَّ-: وَارْتِفَاعِي فَوْقَ عَرْشِي، مَا مِنْ أَهْلِ، قَرْيَةٍ وَلَا مِنْ أَهْلِ بِيتٍ كَانُوا عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ مَعْصِيَتِي، ثُمَّ تَحَوَّلُوا عَنْهَا إِلَى مَا أحْبَبْتُ مِنْ طَاعَتِي، إِلَّا تَحَوَّلْتُ لهم عما يكرهم من مِنْ عَذَابِي إِلَى مَا يُحِبُّونَ مِنْ رَحْمَتِي"3.
1 هكذا في "الأصل"، وفي "العلو" للذهبي: ص 53، و"الإبانة" لابن بطة:(ق هـ 19/ ب) : عمر بن عبد الملك. وفي "تفسير ابن كثير": عمير بن عبد الملك.
وفي "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص 33: عدي بن عميرة الكندي.
وجميعهم أورده من طريق ابن أبي شيبة في كتاب "العرش"، ولعل الصواب أنه: عدي بن عميرة (بفتح أوله) بن فروة بن زرارة بن الأرقم الكندي، أبو زرارة، صحابي معروف، وقد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه شيئا يسيرا، قال أبو عروبة الحراني: كان عدي بن عميرة قد نزل بالكوفة، ثم خرج عنها، وقال الواقدي: توفي بالكوفة سنة أربعين.
"الإصابة": (2/ 463، 464)، "تهذيب التهذيب":(7/ 169)، "تقريب التهذيب": ص 237.
2 في "الأصل": "سكت"، والصواب هو ما أثبته، لوروده في "تفسير ابن كثير":(2/ 504) وبذلك يستقيم الكلام.
3 أخرجه ابن بطة في "الإبانة": (ق 195/ ب) .
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (2/ 504) .
وأورده الذهبي في "العلو": ص 53.
وابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 73.
جميعهم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة به.
وقال الذهبي: رواه العسال في كتاب "المعرفة" عن أحمد بن الحسن الطائي الحلواني.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (4/48) عن ابن أبي شيبة في كتاب "العرش"، وأبو الشيخ، وابن مردويه.
وجاء عند ابن بطة، وابن كثير، والذهبي، وابن القيم، والسيوطي لفظ:"وعزتي وجلالي" قبل قوله: "وارتفاعي فوق عرشي"، وأيضا- جاء عند ابن بطة، والذهبي، وابن القيم، والسيوطي لفظ:"ولا رجل ببادية" بعد قوله: "ولا من أهل بيت".
قال الذهبي: "إسناده ضعيف".
وعلة ضعفه جهالة ابن الأشعث السلمي، وأبي حنيفة اليمامي.
25-
حَدَّثَنَا عَمِّي أبو بكر، حدثثا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ1، عَنْ
1 هو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري، أبو عبد الله الكوفي، سكن مكة ودمشق وهو ابن عم أبي إسحاق الفزاري.
ثقة، حافظ، وكان يدلس أسماء الشيوخ.
روى عن عوف الأعرابي وغيره.
وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وغيره.
من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 96)، "تقريب التهذيب": ص 333.
عَوْفٍ1 عَنْ عَبَّاسٍ الْقَمِّيِّ2 قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ دَاوُدَ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعَالَيْتَ، فَوْقَ عَرْشِكَ، وَجَعَلْتَ خَشْيَتَكَ عَلَى من في السموات وَالْأَرْضِ، فَأَقْرَبُ خَلْقِكَ مِنْكَ أَشَدُّهُمْ لَكَ خَشْيَةً، وَمَا عِلْمُ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ، وَمَا حِكْمَةُ مَنْ لَمْ يُطِعْ أمْرَكَ"3.
1 هو عوف بن أبي جميلة (بفتح الجيم) العبدي الهجري، أبو سهل البصري، المعروف بالأعرابي واسم أبي جميلة بندويه ويقال: بل بندويه اسم أمه، واسم أبيه رزينة. ثقة، رمي بالقدر، والتشيع، من السادسة، مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة وله ست وثمانون سنة.
"تهذيب التهذيب": (8/ 166)، "تقريب التهذيب": ص 267.
2 هكذا في "الأصل"، وفي "اجتماع الجيوش الإسلامية":"القمي"، وفي "المصنف" لأبي بكر بن أبي شيبة، و"الدر المنثور" للسيوطي:"العمي" بالعين. قال يحيى بن معين: "قد روى عوف عن شيخ بصري يقال له: عباس العمى وليس به بأس". "التاريخ" لابن معين: ص 4602، "ثقات ابن شاهين": ص 149.
3 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه "المصنف"، كتاب الدعاء، باب دعاء داود عليه السلام:(10/ 277، حديث 9430) من طريق مروان بن معاوية عن عوف عن عباس العمي به ولفظه: "سبحانك اللهم أنت ربي، تعاليت فوق عرشك، وجعلت على من في السموات والأرض خشيتك فأقرب خلقك منك منزلة أشدهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك". وأخرجه الدارمي في "مسنده": (1/ 97) من طريق شيخ المصنف وبإسناده، وقد وقع في إسناد الدارمي خطئين،. أحدهما: قوله عن عون، والصواب هو "عوف"، وهو الذي يروي عن مروان بن معاوية. والثاني: عن ابن عباس العمي، والصواب:"عباس القمي"، كما تقدم.
وأورده ابن القيم في "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 211)، و"اجتماع الجيوش الإسلامية": ص 103 مختصرا عن المؤلف في كتابه "العرش"، وقال في "اجتماع الجيوش":"قول: عباس القمي وإن لم يكن من المشهورين بالتفسير، روى ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" بإسناد صحيح عنه قال: بلغني أن داود كان يقول في دعائه: "اللهم أنت ربي تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السموات والأرض".".
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 250) من طريق ابن أبي شيبة، وأحمد في "الزهد".
21-
حَدَّثَنَا مُلَيْحُ بْنُ وَكِيعٍ1، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى2، قالا: حدثنا الزايد بْنُ مسلم3، حدثني (ق 55/ ب) أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ
1 هو مليح (بفتح الميم وكسر اللام وبحاء مهملة، "المغني": ص 240) بن الجراح بن مليح الرؤاس، روى عن أبيه وكيع بن الجراح، وجرير بن عبد الحميد، والوليد بن مسلم، وصفوان بن عيسى.
"الجرح والتعديل": (8/ 367) .
2 هو إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى الأنصاري الخطمي أبو موسى المدني.
روى عن الوليد بن مسلم وغيره.
ثقة، متقن، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين.
أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب".: (1/ 251)، "تقريب التهذيب": ص 30.
3 هو الوليد بن مسلم القرشي مولى بني أمية، وقيل: مولى بني العباس، أبو العباس الدمشقي عالم الشام.
روى عن الأوزاعي وغيره.
ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 151)، "تهذيب التهذيب": ص 371.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو1، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ2، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ3،، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
1 هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو، واسمه يحمد الشامي، أبو عمرو الأوزاعي الفقيه، نزل بيروت في آخر عمره فمات بها مرابطا، روى عن الزهري وغيره.
ثقة، جليل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 238)، "تقريب التهذيب": ص 207.
2 هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري، الفقيه أبو بكر الحافظ المدني، أحد الأئمة الأعلام، عالم الحجاز والشام. قال في "التقريب": متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة.
مات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين.
"تهذيب التهذيب": (9/ 445)، "تقريب التهذيب": ص 319.
3 هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو الحسين، ويقال: أبو عبد الله وغير ذلك، المدني زين العابدين.
ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه، من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 304)، تهذيب التهذيب": ص 245.
- رضي الله عنهما عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِليَّةِ؟ " قَالُ: كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا- تبارك وتعالى إِذَا قَضَى فِي السَّمَاءِ أَمْرًا، سَبَّحَتْهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَ حملة الْعَرْشَ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السماء أهل السموات بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَخْطَفُ الْجِنُّ السمع، فما جاؤا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يفْرقُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ"1.
1 أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان:(14/ 225) ، والترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، باب سورة سبأ:(5/ 362، حديث 2324)، والإمام أحمد في "مسنده":(1/218)، والدارمي في "الرد على الجهمية": ص 78، وابن منده في "التوحيد":(ق 16/ ب)، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 264، 265، والطحاوي في "المشكل":(3/ 113)، وأبو نعيم في "الحلية":(3/ 143)
كلهم بإسنادهم عن الزهري عن علي بن الحسين به، وبألفاظ متقاربة.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وسند المؤلف من جهة مليح فيه ضعف، لجهالة مليح بن وكيع، ولكنه توبع، وسنده عن إسحاق بن موسى جيد ورجاله ثقات.
التعليق:
الحديث متضمن لعدة أمور:
الأمر الأول: هو موطن الشاهد هنا حيث إن الحديث قد دل على علو الله وارتفاعه فوق عرشه وبينونته من خلقه تبارك وتعالى، وهو سبحانه مع هذا الاستواء على العرش لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وإذا أراد قضاء أي أمر أوحى إلى ملائكته، فيكون أولهم سماعا لكلامه حملة العرش الذين يسبحون تعظيما وإجلالا لكلام رب العالمين، ثم يتتالى تسبيح الملائكة حتى يصل تسبيحهم إلى ملائكة السماء الدنيا فيسبحون لتسبيح من فوقهم، ومن ثم يستخبر الملائكة بعضها بعضا عن كلام الله وما قضاه.
وفي هذا النزول والصعود وكون حملة العرش هم أول من يسمع كلام الله، وأنهم يخبرون من بعدهم بأمر الله من أبلغ الأدلة على علو الله وارتفاعه على عرشه، وأنه بائن من خلقه غير مختلط بهم، ورد على الجهمية الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان، ولو كان الأمر كما يزعمون لكان الملائكة جميعا متساوين في السماع لكلام الله.
الأمر الثاني: في قوله: "إذا قضى أمرا سبحته حملة العرش" فكون حملة العرش هم أول من يسمع كلام الله وما قضاه في شأن الخلق وأول الملائكة تسبيحا لكلامه- دليل على أن العرش الذي يحمله هؤلاء الملائكة هو أقرب المخلوقات إليه، ومن ثم يليه في القرب حملة العرش الذين يسمعون كلام الله فيبلغونه لمن دونهم من الملائكة.
الأمر الثالث: ما دل عليه الحديث من إثبات صفة الكلام لله تعالى عند قوله: "ماذا قال ربكم" ففي هذا دليل على أن الله يتكلم بما شاء متى شاء وأن كلامه- سبحانه وتعالى مسموع تسمعه الملائكة، وهذا هو مذهب السلف في مسألة الكلام خلافا للجهمية وغيرهم.
22-
حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ1، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ2، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ3، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ4، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ5، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ6 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي
1 هو منجاب (بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم موحدة) بن الحارث بن عبد الرحمن التميمي أبو محمد الكوفي.
ثقة، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
أخرج له مسلم، وابن ماجه في التفسير.
2 لم أقف على ترجمته.
3 هو زياد بن عبد الله بن الطفيل (بمضمومة وفتح فاء مصغرا "المغني": عن158) البكائي العامري، أبو محمد، ويقال: أبو يزيد الكوفي، روى عن محمد بن إسحاق وغيره.
صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين.
من الثامنة، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة.
أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (3/ 375)، "تقريب التهذيب": ص. 110.
4 تقدم ترجمته في (11) .
5 تقدم ترجمته في (21) .
6 تقدم ترجمته في الذي قبله (21) .
يُرْمَى بِهَا؟ " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا نَقُولُ حِينَ رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ، هَلَكَ مَلِكٌ، وُلِدَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ فَسَبَّحُوا، فَسَبَّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ بِتَسْبِيحِهِمْ، فَسَبَّحَ مَنْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلِ التَّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسَبِّحُونَ، ثُمَّ يَقُولُ بعضهم لبعض: مما سَبَّحْتُمْ، فَيَقُولُونَ: سَبَّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبَّحْنَا بِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَفَلَا1 تَسْأَلُونَ من فوقكم مما سَبَّحُوا، فَيَقُولُونَ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فيقال لهم مما سَبَّحْتُمْ، فَيَقُولُونَ: قَضَى اللَّهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ قَدْ هَبَطَ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَتَحَدَّثُونَ بِهِ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ بِالسَّمْعِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ ثُمَّ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِهِ، فَيُخْطِئونَ وَيُصيبُونَ، فَيَتَحَدَّثُ بِهِ الْكُهَّانُ، فَيُصِيبُونَ بَعْضًا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ حَجَبَ الشَّيَاطِينَ بِهَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُقْذَفُونَ بِهَا، فَانْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ فَلَا كِهَانَةَ"2.
1 في "الأصل": "فلا"، والصواب ما أثبته وبذلك يستقيم الكلام.
2 أخرجه من طريق محمد بن إسماعيل عن الزهري: ابن جرير في "تفسيره"، في تفسير سورة الصافات:(23/37) بنحوه.
وهو كالحديث الذي قبله، وفيه متابعة ابن إسحاق للأوزاعي.
وفي المتن زيادة وهي قوله: "ثم إن الله حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها، فانقطعت الكهانة فلا كهانة"، ولم أجدها في المصادر الأخرى التي اطلعت عليها إلا في "دلائل النبوة" للبيهقي:(2/237)، حيث ذكره معلقا عن محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري فقال في آخره:"ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين عن السمع بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة" في رواية ابن جرير عن ابن إسحاق عبارة تشبهها وهي قوله: "فلم تزل الجن كذلك حتى رموا بالشهب". وقد أورد المصنف هذا الحديث لما فيه من الدلالة على إثبات علو الله واستوائه فوق عرشه.
وفي الحديث فوائد:
الأولى: إثبات أن الرمي بالشهب كان موجودا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو قول كثير من أهل العلم كما ذكر ذلك الشوكاني في "فتح القدير":(3/125- 126) حيث قال: "وفي الحديث شاهد على أن الرمي كان موجودا قبل البعثة، وقد زيد بعد البعثة".
وقد قيل: إن الرمي إنما كان بعد المبعث، وهو قول الزجاج حيث قال: إن الرمي بالشهب من آيات النبي صلى الله عليه وسلم مما حدث بعد مولده، لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم، وهو قول ضعيف يرده ما جاء في الحديث.
الثانية: إبطال كون النجوم لها علاقة بما يحدث في هذه الدنيا من الأمور والأحداث، ففي الحديث إبطال لهذا المعتقد الجاهلي، هذا، وقد بين القرآن وظائف النجوم وهي منحصرة في ئلائة أمور:
الأول: كونها زينة للسماء، قال تعالى:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [سورة الملك، الآية: 5] .
الثاني: كونها علامات يهتدى بها في البر والبحر لمعرفة الجهات والأماكن، قال تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [سورة النحل، الآية: 16] .
والثالث: كونها رجوما للشياطين الذين يحاولون استراق السمع قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [سورة الملك، الآية: 5] ، كما أن في الحديث دلالة على هذه الوظيفة التي هي حراسة السماء.
الثالث: جاء في آخر الحديث قوله: "ثم إن الله حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها فانقطعت الكهانة فلا كهانة".
فالحديث يدل على انقطاع نوع من أنواع الكهانة، وذلك لأن الكهانة في العرب ثلاثة أضرب:
الأول: أن يكون للإنسان ولي من الجن، يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا النوع موجود، وقد نفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذا النوع وقالوا باستحالته. والجواب: أنه لا استحالة في ذلك، وهو موجود، ولكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام.
الثاني: المنجمون: وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها يسمى عرافا، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة.
الثالث: أن يكون لإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم هو الذي دل عليه الحديث على أنه بطل بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دل على ذلك القرآن، قال تعالى:{إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [سورة الشعراء، الأية: 212]، وقال تعالى حكاية عن الجن:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} [سورة الجن، الآيتان: 8- 9]، وقال تعالى:{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [سورة الحجر، الآية: 17] .
وقد قيل: إن المنع إنما كان زمن الوحي بدليل قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [سورة الصافات، الآيات: 6- 15]،. فقالوا: الاستثناء راجع إلى غير الوحي، فيخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة ويدور بينهم مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض، أما آيات المنع فهي راجعة إلى الوحي، والراجح هو القول الأول، وهو أنهم منعوا بعد البعثة.
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي": (14/223)، "فتح القدير":(3/ 125- 126) ، (4/ 376) .
(ق 56/ أ) 23- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ1، حَدَّثَنَا أَبِي فُدَيْكٍ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ3، عَنْ هِشَامِ
1 هو يوسف بن يعقوب الصفار، أبو يعقوب الكوفي، مولى بني هاشم، ويقال: مولى بني أمية، ثقة، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
أخرج له البخاري، ومسلم.
"تهذيب التهذيب": (11/ 432)، "تقريب التهذيب": ص 390.
2 هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك (بالفاء مصغرا) ، واسمه دينار (بكسر المهملة وسكون ياء، "المغني": ص 105) مولاهم أبو إسماعيل المدني، روى عن عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي وغيره.
صدوق، من صغار الثامنة، مات سنة مائتين. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 61)، "تقريب التهذيب": ص 290.
3 هو عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي.
روى عن هشام بن الغاز، وعنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك.
مجهول، من السابعة.
أخرج له أبو داود حديثا واحدا وهو هذا الحديث.
ويقال: هو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم أبي رحاء المكفوف قال ابن حجر: وقع في نسخة الخطيب عبد الرحمن بن عبد الحميد وكذا في "التذكرة" للفريابي. ثقة من التاسعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 220) ، "تقريب، التهذيب": ص 206.
بْنِ الْغَازِ1، عَنْ مَكْحُولٍ2، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي اللَّهُمَّ إني أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ 3 وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ
1 هو هشام بن الغاز (بمعجمتين بينهما ألف) بن ربيعة الخرشي (بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة) أبو عبد الله، ويقال: أبو العباس الدمشقي، نزيل بغداد.
روى عن مكحول الشامي وغيره.
ثقة، من كبار السابعة، مات سنة ثلاث أو ست أو تسع وخمسين ومائة. أخرج له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (11/ 55)، "تقريب التهذيب": ص 364.
2 هو مكحول الشامي، أبو عبد الله، روى عن أنس بن مالك وغيره.
ثقة، فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة.
أخرج له البخاري في القراءة خلف الإمام، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (11/ 289)، "تقريب التهذيب": ص 347.
3 في "الأصل": "وملائكته"، وهو خطأ لا يستقيم معه سياق الكلام، والصواب ما أثبته.
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أُعْتِقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ" 1.
1 أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح:(5/ 310، حديث 5067) .
وأبو بكر بن السني في "عمل اليوم والليلة": ص 268.
كلاهما من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك بن عبد الرحمن بن عبد المجيد أو عبد الحميد عن هشام بن الغاز عن مكحول عن أنس بن مالك به مرفوعا بنحوه.
وجاء عند أبي داود وابن السني بلفظ: "ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار".
وقد روي الحديث من وجه آخر.
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد": ص 176، والترمذي في وسننه"، كتاب الدعوات: (5/527، حديث 3501) ، وقال، هذا حديث غريب، والنسائي في "عمل اليوم والليلة": ص 138.
جميعهم عن بقية بن الوليد عن مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك به، بنحوه. إلا أنه جاء في رواية الترمذي في آخره بلفظ:"إلا غفر له ما أصاب في يومه ذلك، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك الليلة من ذنب" بدل قوله: "أعتق الله ربعه من النار
…
" الخ.
في سند المؤلف عبد الرحمن بن عبد المجيد أو عبد الحميد، فإن كان هو عبد الرحمن عن عبد المجيد فهو مجهول، ولكنه قد توبع، وإن كان المقصود به عبد الرحمن بن عبد الحميد فالحديث إسناده حسن.
وقد جود النووي إسناده في "أذكاره": ص 74، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأبكار" فقال:"حسن غريب".
التعليق:
الشاهد من إيراد الحديث هنا هو ما جاء عند قوله: "وحملة عرشك"، وحملة العرش قد ورد ذكرهم في القرآن، في موضعين.
والثاني: في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} .
وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي جاء فيها ذكر حملة العرش، وقد أورد المصنف هنا تسعة عشر دليلا ما بين حديث وأثر، دلت جميعها على أن لله ملائكة قد اختصهم بحمل عرشه في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة، كما ذكر فيها بعض صفاتهم ووعددهم ووظائفهم.
ومراد المصنف- رحمه الله تعالى- من إيراد هذه الأدلة الرد على زعم الجهمية الذين ينكرون أن يكون العرش حقيقة ويؤولونه بمعنى الملك وبالتالي ينكرون أن يكون له حملة يحملونه، ولذلك يقول بعضهم: إن المراد بالثمانية في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} هي السموات السبع والأرض.
فكأن المصنف يريد أن يقول: هذه نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وتفاسيرهم تدل دلالة قاطعة على أن العرش حقيقة، وأنه مخلوق عظيم خلقه الله، وخص بعض الملائكة بحمله فهم يحملونه حملا حقيقيا بقدرة الله وإرادته، فمن أين جئتم أيها الجهمية بهذا الزعم الباطل الذي لا دليل عليه، بل إن نصوص القرآن والسنة ترده وتبطله.
والحديث الذي نحن بصدد التعليق عليه هو من الأحاديث الدالة على فضل لا إله إلا الله وعظم أجرها وجزيل ثوابها عند الله، وقد ورد في فضل لا إله إلا الله الكثير من الأحاديث، وهذه الأحاديث بمجموعها يمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول: أحاديث ورد فيها أن من أتى بالشهادتين أدخل الجنة ولم يحجب عنها، ومن هذه الأحاديث ما جاء في "صحيح مسلم":(1/42) عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه أنه قال عند موته: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
وهذا النوع من الأحاديث معناه ظاهر، فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وإن عذب بعضهم على قدر ذنبه في النار ثم يخرج منها ويدخل الجنة، لأن عاقبة أهل التوحيد الذين خلصوا من الشرك هي دخول الجنة والخلود فيها.
وأما القسم الثاني من هذه الأحاديث فهي التي ورد فيها التحريم على النار لمن قال لا إله إلا الله.
ومن هذا القسم الحديث الذي معنا، ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين" عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار".
وهذا القسم ليس عاما كالقسم الأول الذي شمل أهل التوحيد جميعهم، بل هو خاص بطائفة معينة من أهل التوحيد، وهم الذين قالوا هذه الكلمة بإخلاص ويقين، وخلصوا من الشرك واجتنبوا: كبائر الذنوب، وماتوا على الإخلاص، ولم يصروا على ذنب أصلا، فهؤلاء هم المستحقون للتحريم على النار لاجتنابهم ما يوجب دخولها، وأما صغائر الذنوب التي لا يسلمون منها فإن اجتنابهم للكبائر يكفرها كما قال تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [سورة النساء، الآية: 31] .
وعلى هذا التفسير لهذه الأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله لا يكون هناك تعارض بينها وبين أحاديث أخرى جاء فيها أن هناك طائفة ممن يقولون لا إله إلا الله يدخلون النار بسبب ذنوبهم ثم يخرجون منها، لأن كل قسم من هذه الأحاديث يخص طائفة معينة.
فالأحاديث التي دلت على دخول الجنة هي عامة لأهل التوحيد بشرط خلوصهم من الشرك، وليس في هذه الأحاديث ما يمنع دخول بعضهم النار ثم يخرجون منها، فهي على هذا دالة على تحريم الخلود لا على تحريم الدخول.
وأما أحاديث التحريم على النار فهي خاصة لطائفة معينة وهي التي اتصفت بالصفات التي سبق ذكرها.
وأما الأحاديث التي دلت على دخول النار ثم الخروج منها فهي لمن ارتكب ذنبا يوجب دخول النار والتعذيب فيها على قدر ذلك الذنب ثم يخرج منها ويدخل الجنة ويخلد فيها والله أعلم.
24-
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ هَارُونَ1، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ2،
1 لم أقف على ترجمته.
2 هو محمد بن إسماعيل بن سمرة (بمفتوحة وضم ميم، "المغني": ص 133) الأحمس (بمهملتين) أبو جعفر الكوفي السراج، وروى عن زيد بن الحباب وغيره.
ثقة، من العاشرة، مات سنة ستين ومائتين وقيل قبلها.
أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (9/ 58، 59)، "تقريب التهذيب": ص 290.
قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ1، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ2، حَدَّثَنَا هارون بن رياب3، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ4 قَالَ: "حَمَلَةُ
1 هو زيد بن الحباب (بضم المهملة وموحدتين) بن الريان، ويقال: رومان التميمي، أبو الحسين العكلي (بضم المهملة وسكون الكاف، "لب اللباب": ص 181) وهو اسم بطن من تميم، (وفي "المغني": ص 186، بضم عين وسكون كاف نسبة إلى عكل، اسم امرأة) ، أصله من خراسان وكان بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين. أخرج له الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 402)، "تقريب التهذيب": ص 112.
2 هو جعفر بن سليمان الضبعي (بضم الضاد المعجمة، وفتح الموحدة) أبو سليمان البصري، صدوق، زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 95)، "تقريب التهذيب": ص 55.
3 هو هارون بن رياب (بكسر الراء والتحتانية مهموز ثم موحدة) التميمي ثم الأسيدي، أبو بكر، ويقال: أبو الحسن العابد، البصري، روى عنه جعفر ابن سليمان وغيره. ثقة، عابد، من السادسة، اختلف في سماعه عن أنس. أخرج له مسلم، والنسائي، وأبو داود.
"تهذيب التهذيب": (11/ 4)، "تقريب التهذيب": ص 361.
4 هو شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد الشامي، مولى أسماء بنت يزيد ابن السكن.
صدوق، كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ"، قَالَ: "وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذُنُوبَ بَنِي آدَمَ1"2.
1 هكذا في "الأصل"، ولعل الصواب:"وكانوا يدعون، لأنهم يرون ذنوب بني آدم ".
2 أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره": (ق 284/ ب)، والطبري في "تفسيره":(19/7) .
وكلاهما من طريق جعفر بن سليمان عن هارون بن رياب عن شهر بن حوشب من قوله.
وعند عبد الرزاق زيادة في آخره "كلهم ينظرون إلى أعمال بني قدرتك" بدل قوله: "كانوا يرون أنهم يرون ذنوب بني آدم".
أما في تفسير ابن جرير فوقف على قوله: "على عفوك بعد قدرتك".
وقد روي الحديث من وجه آخر عن هارون بن رياب.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 85/ ب) بسنده عن رواد بن الجراح عن الأوزاعي عن هارون بن رياب نحوه، والبيهقي في "شعب الإيمان":(1/ 1/ 91/ ب) ، نسخة الشيخ حماد الأنصاري، بسنده عن العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي، قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رياب بنحوه.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 346)، و"الحبائك": ص 47، وعزاه إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وجاء عندهم جميعا زيادة: "يتجاوبون بصوت حزين رخيم".
وروي أيضا من وجه آخر عن حسان بن عطية.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (6/ 74) عن أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله ثنا عباس بن الوليد أخبرني أبي ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية بنحوه.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 58، قال: الوليد بن مزيد العذري حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية ثم ذكر نحوه، وقال: إسناده قوي.
التعليق:
ما ورد في هذا الأثر من وصف حملة العرش بكونهم يسبحون بحمد ربهم ويعظمونه يؤيده ما جاء ذكره في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} .
25-
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ1، حَدَّثَنَا ابْنُ الْحُبَابِ2، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ الْمَكِّيُّ3، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ4،
1 تقدم في رقم (12) .
2 هو زيد بن الحباب وتقدمت ترجمته في الذي قبله.
3 هو حميد المكي، مولى ابن علقمة، روى عن عطاء بن أبي رباح وعنه زيد ابن الحباب، مجهول، قال البخاري: وروى عنه زيد ثلاثة أحاديث زعم أنه
سمع عطاء عن أبي هريرة عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثين آخرين لا يتابع فيهما. "التاريخ الصغير" للبخاري: ص 179، "تهذيب التهذيب":(3/ 54)، "تقريب التهذيب": ص 85.
4 هو عطاء بن أبي رباح (بفتح الراء والموحدة) واسمه أسلم القرشي، مولاهم، أبو محمد المكي.
روى عن أبي هريرة- رضي الله عنه وغيره.
ثقة، فقيه، فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور، وقيل: إنه تغير بآخره، ولم يكن ذلك منه.
"تهذيب التهذيب": (7/199)، "تقريب التهذيب": ص 239.
حَدَّثَنِي سَلْمَانُ ابْنُ الإسلام1، قال- قالا رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ، وَأُشْهِدُ الْمَلَائِكَةَ وحملة العرش، والسموات وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَأُشْهِدُ جَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأُكَفِّرُ مَنْ أَبَى ذَلِكَ2 مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، مَنْ قَالَهَا مَرَّةً أَعْتَقَ ثُلُثَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أعتق الله ثلثاه3، مِنَ قَالَهَا ثَلَاثًا أُعْتِقَ مِنَ النَّارِ"4.
1 هو سلمان أبو عبد الله الفارسي- رضي الله عنه، ويقال له: سلمان بن الإسلام، وسلمان الخير. "الإصابة":(2/ 60) .
2 في "الأصل" بياض مقدار كلمتين ولكن الكلام تام وليس فيه نقص.
3 في "الأصل": "ثلثه" وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
4 أخرجه ابن عدي في "الكامل ": (2/ 689) بسنده عن زيد بن الحباب عن علقمة المكي عن عطاء عن أبي هريرة، عن سلمان الفارسي مرفوعا بنحوه.
وكذا الطبراني في "الكبير": (2062) .
وأخرجه الحاكم في "المستدرك ": (1/523) من طريق حميد بن مهران عن عطاء عن أبي هريرة عن سلمان الفارسي مرفوعا بنحوه، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وعند ابن عدي والحاكم بلفظ: "وأشهد من في السموات ومن في الأرض".
وأورده السيوطي في "جمع الجوامع": (1/ 811) من طريق الضياء المقدسي في "الجنان".
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (9/ 87) ، كتاب الدعاء، باب فيمن أشهد الله وملائكته على التوحيد.
وعزاه إلى الطبراني وقال: "رواه بإسنادين وفي أحدهما أحمد بن إسحق الصوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه حميد المكي وهو مجهول، ولم يتابع".
26-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ1، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ2، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ
1 هو كثير بن هشام الكلابي أبو سهل الرقي، نزل بغداد، روى عن جعفر بن برقان وغيره، ثقة، من السابعة، كذا في "التقريب"، والظاهر أنه من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين وقيل ثمان.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (8/ 429)، "تقريب التهذيب": ص 285.
2 هو جعفر بن برقان (بضم الموحدة،- سكون الراء بعدها قاف) الكلابي، مولاهم، أبو عبد الله الجزري، الرقي.
صدوق، يهم في حديث الزهري، من السابعة، مات سنة خمسين ومائة وقيل بعدها.
روى له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"ميزان الاعتدال": (1/3 4)، "تهذيب التهذيب":(2/ 84)، "تقريب التهذيب": ص 55.
3 هو يزيد بن الأصم، واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية التكائي (بفتح الموحدة والتشديد) أبو عوف، كوفي نزل الرقة- وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين- يقال له رؤية ولا يثبت. وهو ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاث ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد": (11/313)، "تقريب التهذيب": ص 381.
عَنْهُمَا- قَالَ: "حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ أحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ خُطْوَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"1.
1 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 82/ ب) مختصرا عن علي بن رستم عن عبد الله بن عمر الزهري.
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفادت": ص 505، بسنده عن محمد بن إسحاق.
وكلاهما عن كثير بن هشام به.
وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 49، من طريق عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في "الأسماء والصفات".
وهو موقوف، ورجال إسناده ثقات، وفي جعفر بن برقان كلام، قال فيه الحافظ: صدوق، يهم في حديث الزهري، والذي معنا ليس من حديث الزهري.
التعليق:
جاء وصف حملة العرش في كثير من الأحاديث والآثار بعظم الخلق في الهيئة والقوة وكبر الحجم، ولا غرابة في ذلك فهم يحملون أعظم المخلوقات وأكبرها على الإطلاق ألا وهو العرش، الذي يعتبر هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما عنده كحجم الحلقة الملقاة بالصحراء الواسعة، فما دام هذه صفة العرش، فما بالك بصفة من يحمله فهم- لابد- وأن يكونوا على هيئة تناسب ذلك المحمول العظيم الذي هو العرش.
وإن من أصح ما ورد في وصف الملائكة الذين يحملون العرش ما جاء في حديث جابر- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش: ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام".
وهم مع هذه الصفات ما كانوا يستطيعون حمل العرش لولا أن الله سبحانه وتعالى أقدرهم على حمله، فالعرش محمول بعظمته وقدرته، وكونه جعل له حملة إنما هو لحكمة الله أعلم بها.
وأما ملك الموت الذي ورد ذكره في الأثر عند قول ابن عباس: "وزعموا أن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب"، فقد جاء ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [سورة السجدة، الآية: 11] .
وأيضا ورد ذكره في السنة الصحيحة، فقد جاء في "صحيح البخاري":(6/ 440، حديث 3407) عن أبي هريرة- رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا قال: "أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت
…
" الحديث.
وورد ذكره- أيضا- بشيء من التفصيل عن وظيفته في حديث البراء بن عازب الطويل الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (4/287، 295) من طريق الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عنه مرفوعا، وفيه:"أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ومعهم كفن من كفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت- عليه السلام. حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.." الحديث.
ولم يرد التصريح باسمه في الأحاديث الصحيحة، وإنما ورد في بعض الآثار تسميته بعزرائيل وهذا هو المشهور.
وكون ملك الموت شخصا معينا يتولى قبض الأنفس لا يتعارض مع ما جاء في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 61]، ولا مع قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر، الآية: 42] .
وأما بيان عدم تعارض ذلك مع الآية الأولى فقد روي في الحديث أن المراد بالرسل هم أعوانه الذين ينتزعون الأرواح من سائر الأجساد، حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت.
وأما الآية الثانية فمعناها أنه لما كان ذلك القبض للروح الذي فعله ملك الموت هو من أمر الله وقضائه وقدره وحكمته صحت إضافة التوفي إليه. والإيمان بملك الموت داخل ضمن الركن الثاني من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان بالملائكة، لكونه واحدا منهم، وقد ذكر ابن بطة في "الشرح والإبانة": ص 222- أثناء تعداده لما يجب الإيمان به- الإيمان بملك الموت فقال: "ثم الإيمان بملك الموت عليه السلام وأنه يقبض الأرواح، ثم ترد في الأجساد في القبور".
وهو يتصف بصفات من القدرة والسلطان وعظم الخلق وغيرها من الصفات التي جعلته قادرا على قبض أرواح كثيرة في أماكن مختلفة بعيدة الأطراف في لحظة واحدة. انظر: "تفسير ابن كثير": (3/458)، و"البداية والنهاية":(1/ 47)، و"شرح العقيدة الطحاوية": ص. 440، و"التذكرة" للقرطبي:(1/ 88)، و"تفسير القرطبي":(14/ 94) .
27-
حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بن الحارث، أحبرنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ1، عَنْ أَبِي رَوْقٍ2، عَنِ الضَّحَّاكِ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.رضي الله عنهما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 4،
1 هو بشر بن عمارة الخثعمي المكتب الكوفي، روى عن أبي روق عطية بن الحارث وغيره، وعنه منجاب بن الحارث وغيره.
قال الحافظ في "التقريب": ضعيف، من السابعة.
وقال ابن عدي: حديث بشر عندي إلى الاستقامة أقرب، نقله الذهبي.
أخرج له ابن ماجه في "التفسير".
"ميزان الاعتدال": (1/ 321)، "تهذيب التهذيب":(1/ 455)، "تقريب التهذيب": ص 45.
2 هو عطية بن الحارث أبو روق (بفتح الراء وسكون الواو بعدها قاف) الهمداني، الكوفي، صاحب التفسير، روى عن الضحاك بن مزاحم وغيره وعنه بشر بن عمارة وغيره.
صدوق، من الخامسة.
أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (7/ 224)، "تقريب التهذيب": ص 240.
3 هو الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني.
صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة.
قال ابن عدي: الضحاك بن مزاحم إنما عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه، ففي ذلك كله نظر، وإنما اشتهر بالتفسير.
"الكامل": (4/ 1415)، "تقريب التهذيب": ص 155.
4 سورة الحاقة، الآية:18.
قَالَ: الثَّمَانِيَةُ، يَقُولُ: ثَّمَانِيَةُ أَجْزَاءٌ مِنْ تِسْعَةٍ، قَالَ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَالْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ إِلَّا الْكَرُوبِيِّينَ1 حَمَلَةُ الْعَرْشِ جُزْءٌ، وَالْكَرُوبِيُّونَ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ، كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمْ بِعُدَّةِ هَؤُلَاءِ2 الْأَرْبَعَةِ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 3.
1 قال ابن الأثير في معنى الكروبيين: هم المقربون، ويقال لكل حيوان وثيق المفاصل أنه لمكرب الخلق، إذا كان شديد القوى، والأول أشبه.
انظر: "النهاية": (4/ 161) .
2 في "الأصل": "تعده" بالتاء، وهو- خطأ لا يستقيم معه سياق الكلام ولعل الصواب ما أثبته.
3 لم أجد من أخرجه غير المؤلف.
وقد أورد ابن كثير في "تفسيره": (4/ 414) سورة الحاقة نحوه مختصرا عن الضحاك عن ابن عباس قال: "الكروبيين ثمانية أجزاء، كل جزء منهم بعدة الإنس والشياطين والملائكة" د وإسناده ضعيف، لأن فيه بشر بن عمارة وهو ضعيف، وأيضا الضحاك لم يلق ابن عباس.
التعليق:
فسر ابن الأثير كلمة الكروبيين الواردة في الأثر بأن معناها المقربين، ووصف القرب يطلق على الملائكة جميعا كما في قوله تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [سورة النساء، الآية: 172] ، ولكن المراد بالقرب هنا هو كونهم أقرب الملائكة إلى الله، وذلك بحكم وظيفتهم التي هي حمل عرش الرحمن الذي يعتبر أعلى المخلوقات وأقربها إلى الله تعالى.
وأما تفسير الثمانية بهذا التفسير فهذا هو قول مقاتل والكلبي وهو قول ضعيف وذلك لضعف دليله.
28-
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ2، عَنْ سِمَاكٍ3، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَمْلَاكٍ فِي صورة الأوعال (ق 56/ ب) قَالَ: مَا بَيْنَ ظِلْفِ قَدَمِهِمْ4 إِلَى رُكْبَتِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ خَرِيفًا"5.
1 هو يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون الحماني (بكسر المهملة وتشديد الميم) الحافظ أبو زكريا الكوفي، روى عن شريك بن عبد الله النخعي وغيره، وكان هو مستملي شريك، حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له مسلم. "تهذيب التهذيب":(11/ 243)، "تقريب التهذيب": ص 377.
2 هو شريك بن عبد الله النخعي، تقدم في (14) .
3 هو سماك بن حرب تقدم في (9) .
4 هكذا في "الأصل"، ولعل الصواب:"ما بين ظلف قدم أحدهم إلى ركبته".
5 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 449 مختصرا، ولفظه:"وثمانية أملاك في. صورة الأوعال". اهـ.
وأخرجه ابن خزيمة في "التوحيد": ص 109 من طريقين:
الأول: مختصرا كما ورد عند الدارمي، والثاني: مطولا، ولكن بلفظ:"ما بين أظلافهم إلى ركبهم ثلاث وستون سنة".
وأخرجه الحاكم في "المستدرك": (2/378) مطولا ولفظه: "ما بين أظلافهم إلى ركبهم مسيرة ثلاث وستين سنة أو خمس وستين سنة"، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وجميعهم من طريق شريك عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس موقوفا.
وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 46، من طريق عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن مردويه، والحاكم وصححه، وإسناده ضعيف، لجهالة عبد الله بن عميرة، وقد تقدم الكلام عنه في حديث الأوعال.
29-
حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ1، عَنْ جَعْفَرٍ2 عَنِ الْقَاسِمِ3، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رضي الله عنه قَالَ:"إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْفَارِسِيَّةِ الدَّرِيَّةِ4"5.
1 هو معتمر بن سليمان بن طرخان (بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء معجمة وراء ونون، "المغني": ص 157) ، أبو محمد التيمي البصري، قيل إنه كان يلقب بالطفيل.
ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، رقد جاوز الثمانين. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 227)، "تقريب التهذيب": ص 342.
2 هو جعفر بن الزبير، تقدم في (12) .
3 هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي، تقدم في (12) .
4 الدرية: قال الأصفهاني (بفتح الدال وكسر الراء المخففة) لغة مدن المدائن، وبها يتكلم من بباب الملك، فهي منسوبة إلى حاضرة الباب. "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة": ص 277.
5 أخرجه ابن عدي في "الكامل": (2/559) بنحوه مطولا، بسنده قال: حدثنا إبراهيم بن علي العمري حدثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير حدثنا العباس بن فضيل حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا: "إن كلام الذين حول العرش بالفارسية، وإن الله إذا أوحى أمرا فيه يسر أوحاه بالفارسية، وإذا أوحى أمرا فيه شدة أوحاه بالعربية".
وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 55 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة في "المصنف".
كما أورده في "اللآلئ المصنوعة": (1/ 10، 11) وعزاه لابن عدي.
وهو حديث موضوع، آفته جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث، وكذبه شعبة وقال: إنه وضع أربعمائة حديث كذب.
انظر: "اللآلئ المصنوعة": (1/ 10، 11)، و"تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة":(1/ 136)، و"الموضوعات" لابن الجوزي:(1/110) .
30-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، عَنْ عَطَاءٍ2 عَنْ مَيْسَرَةَ3، فِي قَوْلِهِ:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}
1 هو جرير بن عبد الحميد بن قرط (بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة) الضبي، أبو عبد الله الكوفي، نزيل الري وقاضيها، روى عن عطاء بن السائب وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره.
ثقة، صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه، مات سنة ثمان وثمانين ومائة، وله إحدى وسبعون سنة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 75)، "تقريب التهذيب": ص 54.
2 هوعطاء بن السائب، تقدم في (16) .
3 هو ميسرة أبو صالح مولى كندة، الكوفي، روى عنه عطاء بن السائب وغيره. مقبول، من الثالثة.
أخرج له أبو داود، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (10/ 387)، "تقريب التهذيب": ص 353.
قَالَ: أرْجُلُهُمْ فِي التُّخُومِ1، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْفَعُوا أبْصَارَهُمْ مِنْ شُعَاعِ النُّورِ"2.
31-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى3، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ4، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
1 واحدها: تخم، والتخم: منتهى كل قرية أو أرض، يقال فلان على تخم من الأرض، والجمع تخوم مثل قفس وقفوس.
وقال الفراء: تخومها حدودها.
"لسان العرب": (12/ 64) .
2 أخرجه عن ميسرة ابن جرير في "تفسيره": (29/59) بسنده عن جرير عن عطاء عن ميسرة، مثله.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 261)، وفي "الحبائك": ص 50 عن عبد بن حميد وابن المنذر.
وإسناد المؤلف منقطع، ورجاله عن ميسرة ثقات.
وقد روي من وجه آخر عن ميسرة عن زاذان من قوله: أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق هـ 8/ ب) .
3 هو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار، واسمه باذام العبسي (بمفتوحة وسكون موحدة وبسين مهملة، "المغني":ص 184) ، روى عن جعفر الرازي وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره.
ثقة، كان يتشيع، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين.
أخرى له الجماعة..
"تهذيب التهذيب": (7/ 50)، "تقريب التهذيب": ص 253.
4 هو أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم.
يقال: عيسى بن أبي عيسى ماهان، وقيل: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، مروزي الأصل سكن الري، قال في "التقريب": مشهور بكنيته، واسمه: عيسى بن أبي عيسى بن ماهان، وأصلة من مرو، وكان يتجر إلى الري، روى عن الربيع بن أنس وغيره، وعنه عبيد الله بن موسى وغيره.
صدوق، سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة، من كبار التاسعة، مات في حدود ستين ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (12/ 56)، "تقريب التهذيب": ص 399.
أَنَسٍ1، فِي قَوْلِهِ:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، قَالَ: ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ2.
32-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ3، عَنْ أَشْعَثَ4، عَنْ
1 هو الربيع بن أنس البكري، ويقال: الحنفي، البهري، الخراساني، صدوق، له أوهام، رمي بالتشيع، من الخامسة، مات سنة أربعين ومائة. أخرى له الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 238)، "تقريب التهذيب": ص 100.
2 أورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 261) من طريق عبد بن حميد عن الربيع بن أنس مثله.
إسناده منقطع، وفيه ضعف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي.
3 هو جرير بن عبد الحميد، وقد تقدم في (30) .
4 هو أشعث بن إسحاق بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر الأشعري القمي، ابن عم يعقوب القمي، روى عن جعفر بن أبي المغيرة وغيره. وعنه جرير بن عبد الحميد وغيره. صدوق، من السابعة.
"تهذيب الكمال": (1/ 115)، "تهذيب التهذيب":(1/ 350)، "تقريب التهذيب": ص 37.
جَعْفَرٍ1، عَنْ سَعِيدٍ2، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ3.
33-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ4، عَنِ
1 هو جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي (بضم القاف)، قيل: اسم أبي المغيرة: دينار.
روى عن سعيد بن جبير وغيره، قال الذهبي: صاحب سعيد بن جبير، رأى ابن عمر، كان صدوقا. وقال ابن حجر: صدوق يهم، من الخامسة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.
"ميزان الاعتدال": (1/ 417)، "تهذيب التهذيب":(2/ 108)، "تقريب التهذيب": ص 56.
2 هو سعيد بن جبير تقدم في.
3 أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 166 بسنده من طريق عبد الأعلى بن حماد عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 88، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 214) من طريق ابن أبي حاتم بسنده عن جرير عن أشعث عن جعفر بن سعيد بن جبير بمثله مقطوع، وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات وصدوق سوى جعفر بن أبي المغيرة فإنه صدوق يهم.
4 هو الحكم بن ظهير (بالمعجمة، مصغرا) الفزاري (بفتح فاء فزاي خفيفة فألف فراء، المغني": ص 198) أبو محمد بن أبي ليلى الكوفي، وقال بعضهم الحكم بن أبي خالد.
روى عن السدي وغيره.
متروك، رمي بالرفض، واتهمه ابن معين، من الثامنة، مات قريبا من سنة ثمانين ومائة.
روى له الترمذي حديثا واحدا في القول عند الأرق.
"تهذيب التهذيب": (2/ 428)، "تقريب التهذيب": ص 79.
السُّدِّيِّ1 عَنْ أَبِي مَالِكٍ2 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قَالَ: ثَمَانِيَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ3.
1 هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة (بفتح الكاف وكسر الراء) السدي (بضم المهملة وتشديد الدال) أبو محمد القرشي، مولاهم الكوفي الأعور، وهو السدي الكبير.
صدوق يهم، رمي بالتشيع، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومائة.
أخرج له مسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 313)، "تقريب التهذيب": ص 34.
2 هو غزوان أبو مالك الغفاري (بمكسورة وخفة، نسبة إلى غفار بن مليل، "المغني": ص 193) الكوفي، مشهور بكنيته، روى عن ابن عباس وغيره، وعنه إسماعيل السدي وغيره.
ثقة، من الثالثة، أخرج له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (29/ 58) تفسير سورة الحاقة.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 88.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 414) مختصرا.
جميعهم من طريق الحكم بن ظهير عن السدي عن أبى مالك عن ابن عباس بمثله.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 261)، وفي "الحبائك": ص 50، عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس من طرق بمثله.
وأخرجه من طريق آخر ابن جرير في "تفسيره": (29/58) بسنده عن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس مختصرا ولفظه: "ثمانية صفوف من الملائكة".
موقوف، وسند المؤلف ضعيف لأن فيه الحكم بن ظهير وهو متروك.
34-
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْكَاهِلِيُّ1، حَدَّثَنَا مُهَاجِرُ بْنُ كَثِيرٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو عَامِرٍ2، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مَصْقَلَةَ3، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ بِسِرَاجٍ لَمْ يزل الملائكة (ق 56/ أ) وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ يستغفرون له مادام فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ضَوْءٌ مِنْ ذَلِكَ السِّرَاجِ"4.
1 هو إسحاق بن بشر بن مقاتل، أبو يعقوب الكاهلي الكوفي.
متروك، يضع الحديث، قيل: مات سنة ثماني عشرة ومائتين.
"لسان الميزان": (1/ 355) .
2 هو مهاجر بن كثير، أبو عامر الأسدي.
قال ابن حجر: روى عن الحكم بن مصقلة، وقال أبو حاتم والأزدي هو متروك الحديث. "لسان الميزان":(6/ 104) .
3 هو الحكم بن مصقلة العبدي.
روى عن أنس بن مالك- رضي الله عنه.
قال الذهبي: قال الأزدي: كذاب، وقال البخاري: له عجائب.
4 أورده الذهبي في "ميزان الاعتدال": (1/ 580)، وابن حجر في "لسان الميزان":(2/ 339) .
كلاهما عن البخاري بسنده، قال: حدثني عبد الله، حدثنا إسحاق بن بشر، حدثنا مهاجر بن كثير عن الحكم عن أنس مرفوعا:"من أسرج في مسجد لم تزل حملة العرش يستغفرون له، ومن أذن سبع سنين محتسبا حرم الله لحمه ودمه على دواب الأرض أن تأكله في القبر". والحديث موضوع وآفته إسحاق بن بشر، وكان يضع الحديث، وباقي رواته متروكون.
35-
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ1 حَدَّثَنَا سَيَّارٌ2، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ3، حَدَّثَنَا هِلَالٌ أَبُو جَبَلَةَ4، عَنْ أَبِي
1 هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني (بقاف وطاء مفتوحتين، "المغني": ص 209) أبو عبد الرحمن الكوفي الدهقان، و. اسم أبي زياد: سليمان. روى عن سيار بن حاتم وغيره.
صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (5/ 190)، "تقريب التهذيب": ص 171.
2 هو سيار (بتحتانية مثقلة) بن حاتم العنزى (بفتح المهملة والنون ثم الزاي) أبو سلمة البصري. روى عن جعفر بن سليمان الضبعي فأكثر، وغيره.
وعنه عبد الله بن الحكم القطواني.
صدوق له أوهام، من كبار التاسعة، مات سنة مائتين أو قبلها بسنة.
أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (4/ 290)، "تقريب التهذيب": ص 142.
3 لم أقف على ترجمته.
4 هو هلال أبو جبلة روى عن عطاء بن أبي ميمونة وأبي عبد السلام، وروى عنه جعفر بن سليمان بن ثور العتكي، مجهول.
"الجرح والتعديل": (9/ 77) .
عَبْدِ السَّلَامِ1، عَنْ أَبِيهِ2، عن كعب (ح) 3 قَالَ سَيَّارٌ: وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ4 عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ5 عَنْ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: يَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ إِنِّي آمُرُ حَمَلَةَ الْعَرْشِ أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ الْعِبَادَةِ6 إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنْ كلما دعا صائم شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقُولُوا آمِينَ، فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَرُدَّ دَعْوَةَ صَائِمِ شَهْرِ رَمَضَانَ7.
1 لم أقف على ترجمته.
2 لم أقف على ترجمته.
3 هو كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار. ثقة، من الثانية، مخضرم، كان من أهل اليمن فسكن الشام، مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة، وليس له في البخاري رواية، وفي مسلم رواية لأبي هريرة عنه من طريق الأعمش عن أبي صالح.
"تقريب التهذيب": ص 286.
4 هو جعفر بن سليمان الضبعي (بضم الضاد، المعجمة وفتح الموحدة) أبو سليمان البصري، روى عن سيار بن حاتم وغيره.
صدوق، زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة، مات سنة ثمان وسبعين ومائة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 95)، "تقريب التهذيب": ص 55.
5 لم أقف على ترجمته.
6 في "الأصل": "العباد" بدون التاء المربوطة، وهو خطأ، والصواب ما أثبته كما ورد في "شعب الإيمان" للبيهقي.
7 أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، شعبة الصيام، باب ما يقال في ليلة العيد ويومها، بسنده عن موسى بن سعيد الراسبي عن هلال بن عبد السلام الوزاني عن كعب الأحبار من قوله بأطول من هذا، ولفظه:"قال أوحى الله - تعالى- إلى موسى- عليه السلام: إني افترضت على عبادي الصيام، وهو شهر يا موسى من وافى يوم القيامة وفي صحيفته عشر رمضانات فهو من الأبدال، ومن وافى يوم القيامة وفي صحيفته عشرون رمضانا فهو في المجتبين، ومن وافى يوم القيامة وفي صحيفته ثلاثون رمضانا فهو من أفضل الشهداء عندي ثوابا، يا موسى إني آمر حملة العرش إذا دخل شهر رمضان أن يمسكوا عن العبادة، فكلما دعا صائمو رمضان بدعوة أن يقولوا آمين، وإني أوجبت على نفسي ألا أرد دعوة صائمي رمضان" انظر: نسخة دار الكتب المصرية: (ق 175/ ب) .
وكذا أخرجه أبو نعيم مطولا في "الحلية": (6/ 16، 17) .
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/187) من طريق البيهقي في "الشعب".
إسناده ضعيف، لجهالة هلال أبي جبلة.
وهو من الإسرائيليات التي يرويها كعب الأحبار.
وقد ثبت بنص القرآن أن الحملة يدعون للمؤمنين ويستغفرون لهم، قال تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} .
36-
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ1،
1 في "لسان- الميزان": (4/ 371)، قال: وأخرج الطبراني في "الأوسط" من طريق عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي ثمامة عن عمرو بن عطية عن أبيه
…
الخ، ولم أقف على ترجمته.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَطِيَّةَ1، عَنْ أَبِيهِ2، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ فِكَاكًا مِنَ النَّارِ"4.
1 هو عمرو بن عطية بن سعد بن جنادة (بضم الجيم) العوفي.
روى عن أبيه عطية وغيره، وعنه عبد الله بن يحيى بن الربيع بن أبي ثمامة. ضعفه الدارقطني، وقال العقيلي: في حديثه نظر.
"لسان الميزان": (4/ 371) .
2 هو عطية بن سعد بن جنادة (بضم الجيم بعدها نون مخففة) العوفي (في الخلاصة بفتح المهملة وإسكان الواو بعدها فاء) الجدلي (بفتح الجيم والمهملة) القيسي أبو الحسن.
صدوق، يخطئ كثيرا، كان شيعيا مدلسا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشر ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب":(7/ 224)، "تقريب التهذيب": ص 240، "خلاصة التذهيب": ص 267.
3 هو أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه.
4 أورده ابن حجر في "لسان الميزان": (4/ 371) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط".
وإسناده ضعيف، عمرو بن عطية وأبوه ضعيفان، قال ابن حبان: أما عطية فقد ضعفه الجماعة، كان قد سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي، فإذا قال الكلبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظ ذلك، ورواه عنه وكناه أبا سعيد، فيظن أنه أراد الخدري وإنما أراد الكلبي.
37-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بَكَّارٍ1، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ2، عَنْ نَافِعٍ مَوْلًى لِآلِ الزُّبَيْرِ3، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ سَعِيدٍ4، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
1 هو محمد بن بكار (بمفتوحة وشدة كاف، "المغني": ص 41) ابن الريان (بتختانية) الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله البغدادي الرصافي.
روى عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن وغيره.
ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وقيل قبلها.
روى عنه مسلم، وأبو داود.
"تهذيب التهذيب": (9/ 75)، "تقريب التهذيب": ص 291.
2 هو نجيح (بمفتوحة وكسر جيم وبحاء مهملة، "المغني":ص 253) ابن عبد الرحمن السندي (بكسر المهملة وسكون النون) أبو معشر المدني، مولى بني هاشم، يقال: إن أصله من حمير، وهو مشهور بكنيته.
ضعيف من السادسة، أسن واختلط، مات سنة سبعين ومائة، ويقال كان اسمه عبد الرحمن بن الوليد بن هلال. أخرج له الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 419)، "تقريب التهذيب": ص 356.
3 هو نافع مولى الزبير بن العوام، روى عن أبي هريرة. وروى عنه أبو معشر ومصعب بن ثابت، مجهول. "الجرح والتعديل":(8/ 454) .
4 هو سعيد بن أبي سعيد، واسمه: كيسان (بفتح كاف وسكون تحتية وبسين مهملة، "المغني": ص 214) المقئبري (بمفتوحة وسكون قاف وضم موحدة وبفتح وبكسر، "المغني": ص 249) أبو سعيد المدني.
ثقة، من الثالثة، تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات في حدود العشرين والمائة، قيل قبلها، وقيل بعدها. "تهذيب التهذيب":(4/ 38)، "تقريب التهذيب": ص 122.
- رضي الله عنه قَالَ: "لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أن يخلق (ق 56/ ب) آدَمَ، بَعَثَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَلَّا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يَكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، قَالَ: فَتَرَكَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ سَأَلَتْنِي بِكَ أَلَّا آخُذَ مِنْهَا شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ غَدًا مِنْهُ نَصِيبٌ، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا سَأَلْنِي بِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ آخَرَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا قَالَتْ له الأرض: أسألت بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَلَّا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يَكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ، قَالَ: فَتَرَكَهَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، قَالَ: يَا رَبِّ سَأَلَتْنِي بِكَ أَلَّا آخُذَ مِنْهَا شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، فَأَعْظَمْتُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا سَأَلَْنِي بِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ آخَرَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لِلْأَوَّلِ فَتَرَكَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ، حَتَّى أَرْسَلَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ كُلَّهُمْ، كُلُّ ذَلَكٍ تَقُولُ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيْرِجُعونَ إلى ربهم فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَرْسَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَلَمَّا أَهْوَى لِيَأْخُذَ مِنْهَا قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ أَنْ
لَا تَأْخُذَ مِنِّي الْيَوْمَ شَيْئًا يكُونُ لِلنَّارِ فِيهِ نَصِيبٌ غَدًا، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: إِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ أَحَقُّ بِالطَّاعَةِ مِنْكِ"1.
38-
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُكتفِ بْنِ بَكْرٍ التَّمِيمِيِّ2، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ3، عَنْ أَبِيهِ4، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
1 أورده الذهبي في "العلو": ص 86، مختصرا من طريق أبي معشر نجيح عن نافع مولى آل الزبير وسعيد المقبري عن أبي هريرة موقوفا بلفظ: "لما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش إلى الأرض ليأخذ منها، فقالت: أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئا يكون للنار فيه نصيب غدا.
وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 30 عن سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة موقوفا بنحوه.
وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه أبا معشر وهو ضعيف، ونافع مولى آل الزبير مجهول وقد توبع من طريق سعيد المقبري.
والذي يظهر من هذا الحديث أنه من الإسرائيليات، والمعروف عن الملائكة أنهم كما قال تعالى:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم، الآية: 16] .
2 لم أقف على ترجمته.
3 هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني، نزيل بغداد. روى عن أبيه وغيره.
ثقة، فاضل، من صغار التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين.
أخرى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 380)،"تقريب التهذيب": ص 386.
4 هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد.
روى عن محمد بن إسحاق وغره. وعنه ابنه يعقوب وغره.
ثقة، حجة، تكلم فيه بلا قدح، من الثامنة، ومات سنة خمس وثمانين قيل قبلها. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 121)، "تقريب التهذيب ": ص 20.
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ2 قَالَ: أَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما يَسْأَلُهُ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ نَعَمْ، قَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رَسُولَهُ: أَنْ كَيْفَ رَآهُ، قَالَ: رَآهُ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ3 رَوْضَةٍ مِنَ الْفِرْدَوْسِ
1 هو عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش (بتحتانية ثقيلة ومعجمة) ابن أبي ربيعة، واسمه: عمرو بن المغيرة بن عبد الله المخزومي، أبو الحارث المدني.
صدوق، له أوهام، من السابعة، مات سنة ثلاث وأربعين، وله ثلاث وستون سنة. أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 155)، "تقريب التهذيب": ص 200.
2 هكذا في "الأصل"، والصواب هو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (بكسر الجيم بعدها شين معجمة) التميمي، مولى آل المنكدر. روى عن ابن عمر وغيره.
ثقة، من الثالثة، مات سنة ست ومائة.
أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (5/ 343)، "تقريب التهذيب": ص 176.
3 في "الأصل" تكررت كلمة "روضة خضراء" مرتين فحذفت إحداهما لأنها زائدة.
دُونَهُ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ ثَوْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ أَسَدٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ نَسْرٍ1.
1 أخرجه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 198، والآجري في "الشريعة": ص 494، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 35، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 557- 558.
وجميعهم من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الله بن أبي سلمة به، بنحوه.
وقد جاء عندهم بلفظ: "روضة خضراء، دونه فراش من ذهب، على كرسي من ذهب".
إسناده ضعيف. قال البيهقي: هذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه، وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس- رضي الله عنهما وبين الراوي عنه، وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما.
وقال حامد الفقي في تعليقه على "كتاب السنة" ص 495: الزيادة في كيفية الرؤية زيادة غريبة، ولو كان بإسناد له قيمة لساقها الحافظ ابن حجر فيما رواه في مسألة ابن عمر لابن عباس فيما نقلت عنه، والآية في سورة الحاقة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، تكذب هذه الزيادة.
التعليق:
هذه المسألة: "مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه- عز وجل في الدنيا من المسائل الخلافية بين أهل السنة والجماعة، والخلاف فيها قد وقع بين الصحابة أنفسهم.
فقد روي إثباتها عن ابن عباس- رضي الله عنهما وسائر أصحابه وعن أبي ذر وأبي هريرة في رواية عنه، وعن كعب الأحبار وعروة بن الزبير.
وروي نفيها عن: عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في أحد قوليه.
وقد انقسم العلماء بعد ذلك إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: أثبتت الرؤية البصرية، ومن هؤلاء ابن خزيمة وقد أطنب في الاستدلال لها.
الطائفة الثانية: توقفت بحجة أنه ليس في الباب دليل قطعي، وأن غاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، ولأنها من المسائل الاعتقادية التي لا بد فيها من الدليل القطعي، وإلى هذا القول ذهب القرطبي وعزاه إلى جماعة من المحققين.
الطائفة الثالثة: نفت الرؤية البصرية وأثبتت الرؤية القلبية.
وهذا القول هو إحدى الروايتين عن أحمد، وقد ذهب إليه ابن حجر للجمع بين القولين حيث قال:"وقد جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها".
وعلى هذا يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب.
ثم إن المراد برؤية الفؤاد لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط فيها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين.
"فتح الباري": (6/ 606، 609) .
انظر: "الفتاوى": (3/ 386) ، و (6/ 509، 511)، "البداية والنهاية":(3/ 112)، "فتح الباري":(6/606، 609)، "كتاب التوحيد" لابن خزيمة: ص 129، 150، و"الشريعة" للآجري: ص 492، 495، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي:(3/ 512) .
39-
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ خليفة1، حدثنا عمر بْنُ مُحَمَّدٍ2، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ3، عَنْ عَطَاءٍ4، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ كَانَ رَأْسُهُ فِي السماء ورجلاه (ق 1/57) فِي
1 هو القاسم بن خليفة الكوفي، روى عن عمرو بن محمد العنقزي. قال أبو حاتم: نا عبد الرحمن قال سمعت علي بن الحسين يقول: كتبت عنه مع جريج وكان شيعيا من أصحاب حسن بن صالح.
"الجرح والتعديل": (7/ 109) .
2 هكذا في "الأصل"، والصواب هو عمرو بن محمد العنقزي (بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاي، كذا في "التقريب" و"المغني": ص 187)، وقال في "الخلاصة":(بفتح العين وسكون النون وكسر القاف ثم الزاي) القرشي مولاهم، أبو سعيد الكوفي. ثقة من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (8/98)، "تقريب التهذيب": ص 262، "خلاصة التذهيب": ص 293.
3 هو طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي.
روى عن عطاء بن أبي رباح وغيره.
متروك، من السابعة، مات سنة خمس وخمسين ومائة.
روى له ابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (5/ 23)، "تقريب التهذيب": ص 157.
4 هو عطاء بن أبي رباح تقدم ترجمته في (25) .
الْأَرْضِ، فَوَضَعَ اللَّهُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فطأطأه سبعين بدعا1 قَالَ: يَا رَبِّ مَا لِي لَا أَسْمَعُ صَوْتَ مَلَائِكَتِكَ وَلَا أُوجِسُهُمْ2، فَقَالَ اللَّهُ: خَطِيئَتُكَ يَا آدَمُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ فابْنِ لِي بَيْتًا وَطُفْ بِهِ وَاذْكُرْنِي حَوْلَهُ كَمَا رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَصْنَعُونَ حَوْلَ عَرْشِي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَقْبَلَ آدَمُ يَتَخَطَّى الْأَرْضَ، فَمَوْضِعُ كُلِّ قَدَمٍ قَرْيَةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا مَفَازَةٌ3، حَتَّى وَضَعَ الْبَيْتَ4.
1 الباع: هو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن.
"لسان العرب": (8/ 21)، مادة: بوع.
2 التوجس: هو التسمع للصوت الخفي.
"لسان العرب": (6/ 4772)، مادة: وجس.
3المفازة: البرية القفر، وسميت الصحراء مفازة لأن من خرج منها وقطعها فاز.
"لسان العرب": (5/ 3485)، مادة: فوز.
4 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق. 200/أ) .
وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 36) مطولا.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 90.
جميعهم من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفا بنحوه، ولكن بلفظ "ستين ذراعا" بدل "سبعين ذراعا".
وإسناد المؤلف فيه القاسم بن خليفة وهو مجهول، وفيه طلحة وهو متروك وعليه فإسناده ضعيف جدا.
والحديث روي عن عطاء مرسلا من طرق أخرى.
فقد أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/ 546) ، تفسير سورة البقرة بسنده عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن سوار عن عطاء بن أبي رباح مرسلا بنحوه.
وأخرجه ابن إسحاق في "المغازي": ص 72 بسنده من طريق أحمد بن يونس عن ثابت بن دينار عن عطاء مرسلا بنحوه.
وأيضا روي نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأخرجه الطبري في "تفسيره": (1/547) بسنده عن أبي قلابة عن عبد الله بن عمرو موقوفا بنحوه.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 127) ونسبه إلى الطبري، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد": (3/ 288) وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" موقوفا، ورجاله رجال الصحيح"، قال أحمد شاكر في تعليقه (3/59) : ولكن ليس فيه حجة، ولعله مما كان يسمع عبد الله بن عمرو من أخبار أهل الكتاب.
وأيضا روي عن قتادة مرسلا. أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/547) بسنده عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا بنحوه، والأزرقي في "أخبار مكة":(1/ 42) عن معمر عن قتادة مرسلا.
قلت: وقد أورده الطبري وغيره للدلالة على أن أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام حيث أمره الله بذلك، ثم إن البيت قد درس مكانه وتعفى أثره بعد الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم عليه السلام فبناه قال تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة، الآية: 127] . اهـ.
وقد جاء في الحديث قوله: "وكان رأسه في السماء"، وهذا يدل على أن آدم كان مفرطا في الطول في ابتداء خلقه، ولكن هذا الكلام تنقضه أحاديث أخرى، تدل على أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا، منها ما جاء في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك" الحديث.
انظر: "فتح الباري": (6/ 362، حديث 3326) .
والذي يظهر أن هذا الحديث إنما هو من الإسرائيليات. والله أعلم.
40-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ1، عَنْ أَيُّوبَ2،
1 هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم (بمكسورة وسكون قاف وفتح سين مهملة، "المغني": ص 239) الأسدي مولاهم، أبو بشر (بكسر موحدة وسكون معجمة) البصري المعروف بابن علية (بضم مهملة وفتح لام وشدة تحتية)
روى عن أيوب بن أبي تميمة وغيره.
ثقة، حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 275)، "تقريب التهذيب": ص 32.
2 هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني (بفتح المهملة وسكون المعجمة ثم مثناة تحتانية بعد الألف ونون) أبو بكر البصري، مولى عنزة، ويقال: مولى جهينة.
روى عن أبي قلابة وغيره.
ثقة، ثبت، حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون سنة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 397)، "تقريب التهذيب": ص 41.
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ1، قَالَ: لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ،: يَا آدَمُ2 إِنِّي مُهْبِطٌ مَعَكَ بَيْتًا يُطَافُ حَوْلَهُ كَمَا يُطَافُ حَوْلَ عَرْشِي، وَيُصَلَّى عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ عَرْشِي، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ الطُّوفَانُ رُفِعَ، فَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَحُجُّهُ، فَيَأْتُونَهُ وَلَا يَعْرِفُونَ مَوْضِعَهُ، حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ3.
1 هو عبد الله بن زيد بن عمرو، ويقال عامر بن نابل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد، أبو قلابة الجرمي (بجيم) البصري، أحد الأعلام.
ثقة، فاضل، كثير الإرسال، قال العجلي فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هاربا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل: بعدها. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب": (5/ 224)، "تقريب التهذيب": ص 174.
2 في "الأصل": "لما أهبط آدم إلى الأرض قال يا آدم"، وهذا الكلام لا يستقيم معه النص، والصواب ما أثبته. والله أعلم.
3 أخرجه الطبري في "تفسيره": (1/ 547) .
وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة": (1/ 63) .
وأورده الذهبي في "العلو": ص 94، ولم يعزه.
وجميعهم من طريق أيوب عن أبي قلابة مرسلا نحوه.
وقال: الذهبي وهو ثابت عن أبي قلابة.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 130) من طريق الأزرقي عن أبي قلابة مرسلا.
وإسناد المؤلف جيد ورجاله ثقات، ولكن ليس فيه حجة، وقد رواه أبو قلابة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولعل هذا مما كان يسمع عبد الله بن عمرو من أخبار أهل الكتاب، وقد تقدم الكلام على طرق الحديث في الذي قبله.
41-
حَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ1، وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعِجْلِيُّ2، جَمِيعًا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ3، عَنْ حُجْرٍ الْيَشْكُرِيِّ4، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
1 هو بشر بن المفضل (بمضمومة وفتح فاء وشدة ضاد معجمة مفتوحة، "المغني": ص 238) بن لاحق الرقاشي (بالفتح وتخفيف القاف وشين معجمة، "المغني": ص 116) مولاهم، أبو إسماعيل البصري.
ثقة، ثبت، عابد، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 458)، "تقريب التهذيب": ص 45.
2 هو محمد بن مروان بن قدامة العقيلي (بمضمومة) وفتح قاف، "المغني": ص 186) أبو بكر البصري، المعروف بالعجلي، (بمكسورة وسكون جيم، "المغني": ص 184) . روى عن عمارة بن أبي حفصة وغيره.
صدوق، له أوهام، من الثامنة، روى له أبو داود في المراسيل، وابن ماجه. "تهذيب التهذيب":(9/ 435)، "تقريب التهذيب": ص 318.
3 هو عمارة بن أبي حفصة، واسمه: نابت (بالنون، وقيل بالثاء) الأزدي العتكي (بعين مثناة فوق مفتوحتين وبكاف، "المغني": ص 184) مولاهم، أبو روح، وقيل: أبو الحكم.
ثقة، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
روى له البخاري، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 415)، "تقريب التهذيب": ص 251.
4 هكذا في "الأصل"، والصواب هو حجر الهجري (بهاء وجيم مفتوحتين، "المغني": ص 272) ، ويقال الأصبهاني.
روى عن سعيد بن جبير. وروى عنه عمارة بن أبي حفصة.
قال أبو حاتم: حدثنا عبد الرحمن قال: سئل أبو زرعة عن حجر هذا فقال: هو رجل من أهل هجر لا أعرفه. "الجرح والتعديل": (3/267) .
جُبَيْرٍ {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} 1 قَالَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ ثَنِيَّةُ اللَّهِ حَوْلَ الْعَرْشِ مُتَقَلِّدِي السُّيوفِ2.
1 سورة الزمر، الآية:68.
2 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": (5/298) عن بشر ابن المفضل عن عمارة بن أبي حفصة به بمثله.
أخرجه الطبري في "تفسيره": (24/ 30) تفسير سورة الزمر، من طريق شعبة عن عمارة عن ذي حجر اليحمدي عن سعيد بن جبير موقوفا مثله. وأورده السيوطي في "الدر المنثور":(5/336) ، ونسبه إلى سعيد بن منصور وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير موقوفا.
والبخاري في "التاريخ الكبير": (2/ 1/ 73) .
وأورده القرطبي في "التذكرة": ص 207، ونسبه إلى النحاس في كتابه "معاني القرآن".
سند المؤلف فيه ضعف، فإن حجر الهجري مجهول، وطرق الحديث مدارها عليه، وللحديث شاهد من حديث آخر مرفوع.
أورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 64) ، سورة الزمر، الآية 68، ونسبه إلى أبي يعلى بسنده قال: حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل ابن عياش عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وسألت جبريل عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} من الذين لم يشاء الله تعالى أن يصعقهم، قال: هم الشهداء يتقلدون أسيافهم حول عرشه تتلقاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت...." الحديث.
قال ابن كثير: "رجاله كلهم ثقات إلا شيخ إسماعيل بن عياش فإنه غير معروف". اهـ.
42-
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ سُهَيْلٍ1 (11) ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ زَائِدَةَ2، عَنْ عَاصِمٍ3، عَنْ عِيسَى الْمَدَنِيِّ4 قَالَ: سَمِعْتُ
1 هو صالح بن سهيل النخعي أبو أحمد الكوفي مولى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة.
روى عن مولاه وغيره، وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
مقبول، من كبار الحادية عشرة. أخرج له أبو داود.
"تهذيب التهذيب": (4/ 393)، "تقريب التهذيب": ص 149.
2 هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة واسه خالد بن ميمون بن فيروز الهمداني (بسكون الميم) الوادعي مولاهم أبو سعيد الكوفي، روى عن عاصم الأحول وغيره. وعنه صالح بن سهل، وغيره.
ثقة، متقن، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومائة وله ثلاث وتسعون سنة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/208)، "تقريب التهذيب":ص 275.
3 هو عاصم بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري، مولى بني تميم، ويقال: مولى عثمان، ويقال آل زياد.
ثقة، من الرابعة، لم يتكلم فيه إلا القطان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، مات سنة أربعين ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (5/ 43)، "تقريب التهذيب": ص 159.
4 لم أقف على ترجمته.
عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ1، سَألَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قَالَ: "الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ جِبْرِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ: فَيَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقْبِضُ أَرْوَاحَ هَؤُلَاءِ حَتَّى لَا يَبْقَى غَيْرُهُ وَرَبُّ الْعِزَّةِ جَلَّ فَيَقُولُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مُتْ فَيَمُوتُ، فذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} 2، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} 3"4.
1 هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
2سورة الرحمن، الآيتان: 26- 27.
3سورة القصص، الآية:88.
4 لم أجد على أن الذين يستثنون من الصعق هم: جبريل، وميكائيل، وحملة العرش، وملك الموت، وله شاهد في حديث الصور المشهور الذي رواه أبو هريرة مرفوعا، وجاء فيه:"فيقول يا رب مات أهل السموات والأرض إلا من شئت" فيقول الله – وهو أعلم بمن بقي -: فمن بقي؟ يقول: يا رب بقيت أنت الحق الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل، وميكائيل، وبقيت" الحديث أخرجه الطبري في "تفسيره":(24/30) .
التعليق:
اختلف المفسرون في المستثنين من نفخة الصعق الواردة عند قوله تعالى: {إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} على عدة أقوال، وأرجحها قول من قال: إن نفخات الصور ثلاث هي نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث.
فالمستثنون من نفخة الفزع الواردة في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [سورة النمل، الآية: 87] هم الشهداء.
والمستثنون من نفخة الصعق الواردة في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} هم: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وحملة العرش، وملك الموت.
ويستدل لهذا القول بما ورد في حديث الحشر الطويل الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء فيه: "ينفخ في الصور ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين- تبارك وتعالى، فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: "انفخ نفخة الفزع"، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله، قال أبو هريرة: يا رسول الله: فمن استثنى حين يقول: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قال: أولئك هم الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم، ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فيقول: "انفخ نفخة الصعق " فيصعق أهل السموات والأرض إلا من شاء الله فإذا هم خامدون، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار- تبارك وتعالى فيقول: يا رب قد مات أهل السموات والأرض إلا من شئت، فيقول له- وهو أعلم- فمن بقي، فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت،، وبقي حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل
…
" الحديث.
وهذا القول هو أولى الأقوال بالصحة لوروده عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن الاستثناء من صعقة الموت لا يدخل فيها الشهداء لكونهم ذاقوا الموت قبل ذلك. والله أعلم.
انظر: "تفسير الطبري": (24/ 29، 31)، "التذكرة" للقرطبي:(1/ 206، 209) .
34 -
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ 1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ 2 قَالَ: حَدَّثَنِي كَعْبٌ " أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أكْبَرُ لَهُنَّ دَوِيُّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْخَزَائنِ " 3
1 هو سعيد بن إياس الجريري (بضم الجيم) أبو مسعود البصري، روى عنه ابن علية وغيره.
ثقة من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين ومائة. أخرج له الجماعة
"تهذيب التهذيب": (4/ 5)، "تقريب التهذيب": ص 120.
2 هو عبد الله بن شقيق العقيلي (بمضمومة وفتح قاف، "المغني": ص 186) أبو عبد الرحمن، ويقال أبو محمد البصري.
ثقة، فيه نصب، من الثالثة، مات سنة ثمان ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (5/ 253)، "تقريب التهذيب": ص 177.
3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (22/ 120) تفسير سورة فاطر، عن يعقوب بن إبراهيم.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 93، ولم يعزه لأحد.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (3/ 549) ، وعزاه إلى ابن جرير.
وجميعهم من طريق ابن علية به.
وقال الذهبي: هو ثابت عن كعب الأحبار.
وقال ابن كثير: هذا إسناده صحيح إلى كعب الأحبار.
قلت: وإسناد المؤلف جيد ورجاله ثقات إلى كعب الأحبار.
وله شاهد من حديث مرفوع عن النعمان بن بشير.
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": (10/289) بسنده، قال حدثنا ابن نمير عن موسى بن سالم عن عون بن عبد الله عن أبيه أو أخيه عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذين يذكرون من جلال الله وتسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله يتعاطفون حول العرش، لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن أو لا يحب أحدكم أن لا يزال عند الرحمن شيء يذكر به".
وأخرجه أحمد في "مسنده": (4/ 271) ، وابن ماجه في "سننه"، كتاب الأدب، باب فضل التسبيح:(2/1253)، والحاكم في "المستدرك":(1/500) .
وجميعهم من طريق عون بن عبد الله به بنحوه.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (3/ 549) ، وعزاه إلى الإمام أحمد وابن ماجه.
وقال البوصيري في "زوائده"(235/ أ) : إسناده صحيح ورجاله ثقات.
44-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ1، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ2، عَنْ ثَابِتٍ3، عَنْ
1 هو وكيع بن الجراح، وتقدم ترجمته في.
2 تقدم ترجمته في.
3 هو ثابت بن أسلم البناني (بضم الموحدة وبنونين مخففتين) أبو محمد البصري.
ثقة، عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة، وله ست وثمانون سنة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 2)، "تقريب التهذيب": ص 50.
مُطَرِّفٍ1، عَنْ كَعْبٍ2 قَالَ:"إِنَّ لِلْكَلَامِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يذكر بصاحبه"3.
(ق 57/ ب) 45- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَزْوَانَ4، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ5، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ
1 هو مطرف بن عبد الله بن الشخير (بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء) الحرشي (بمهملتين مفتوحتين ثم معجمة) .
ثقة، عابد، فاضل، من الثانية، مات سنة خمس وتسعين.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 173)، "تقريب التهذيب": ص 339.
2 تقدم ترجمته في (35) .
3 أورده الذهبي في "العلو": ص 93، من. حديث حماد بن سلمة عن مطرف بن عبد الله عن كعب مثله، وقال: هذا ثابت عن كعب الأحبار.
إسناده جيد، ورجاله ثقات، وهو كالذي قبله.
4 لم أقف على ترجمته.
5 هو هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي مولاهم البغدادي، أبو النضر، الحافظ، خراساني الأصل، مشهور بكنيته، ولقبه قيصر.
ثقة، ثبت، من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين، وله ثلاث وسبعون.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 18)، "تقريب التهذيب": ص 362.
الرَّبِيعِ1، عَنْ لَيْثٍ2، عَنْ مُجَاهِدٍ3 {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} 4 قَالَ:"مَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي الْعَرْشِ إِلَّا مِثْلُ حَلْقَةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ"5.
1 هو قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد من ولد قيس بن الحارث.
صدوق، تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين ومائة.
أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (8/ 391)، "تقريب التهذيب": ص 283.
2 هو الليث بن أبي سليم بن زنيم (بالزاي والنون مصغرا) القرشي مولاهم، أبو بكر الكوفي، واسم أبي سليم: أيمن، ويقال: أنس، ويقال غير ذلك. صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. أخرج له البخاري، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (8/ 465)، "تقريب التهذيب": ص 287.
3 هو مجاهد بن جبر (بفتح الجيم وسكون الموحدة) المكي، أبو الحجاج المخزومي، مولاهم، المقرئ مولى السائب بن أبي السائب.
ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله أربع وثمانون سنة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 42)، "تقريب التهذيب": ص 328.
4 سورة البقرة، الآية:255.
5 أخرجه أبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 35/ ب) بسنده عن المعتمر بن سليمان.
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "السنة": ص 71 بسنده عن سفيان. وأورده الذهبي في "العلو": ص 94،- قال: حديث المعتمر بن سليمان.
وجميعهم عن ليث عن مجاهد بنحوه.
وفي إسناد المؤلف قيس بن الربيع الأسدي، صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به.
وفي الإسناد ليث بن أبي سليم، قال فيه الحافظ: صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك. "تقريب التهذيب": ص 287.
ولكن تابعه الأعمش عن مجاهد.
أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 74 عن يحيى الحماني.
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات": ص511 بسنده عن يحيى بن منصور، وكلاهما عن الأعمش به، ولكن بلفظ:"الكرسي" بدل:"العرش".
وأورده ابن حجر في "فتح الباري": (13/ 411)، وقال: أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره بسند صحيح عنه.
وباجتماع الطريقين يصح الأثر من قول مجاهد. والله أعلم.
46-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شَاذَانُ1، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ2، عَنْ
1 هو الأسود بن عامر، أبو عبد الرحمن الشامي، ولقبه شاذان.
روى عن حماد بن سلمة وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره.
ثقة، من التاسعة، مات في أول سنة ثمان ومائتين. أخرج له الجماعة. "تهذيب التهذيب":(1/ 340)، "تقريب التهذيب": ص 36.
2 هو علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان (بمضمومة وسكون دال وعين مهملتين، "المغني": ص 58) التيمي، أبو الحسن البصري، أصله من مكة، وفي "التقريب": هو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده.
ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وقيل قبلها.
روى له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 322)، "تقريب التهذيب": ص 246.
أَبِي النَّضْرَةِ1 قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ؟ فَيُفْتَحُ لِي، فَيَتَجَلَّى لِي رَبِّي عز وجل فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ أَوْ عَلَى كُرْسِيِّهِ- شَكَّ حَمَّادٌ-"2.
1 هو منذر بن مالك بن قطعة (بضم القاف وفتح المهملة) ، أبو نضرة العبدي ثم العوفي (بفتح المهملة والواو ثم القاف) البصري، مشهور بكنيته.
روى عن ابن عباس وغيره.
ثقة من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومائة.
أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
تهذيب التهذيب: (10/ 302)، "تقريب التهذيب: ص 347.
2 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 347 بنحوه.
وأخرجه أحمد في "مسنده": (1/ 281- 282، 295- 296) مطولا. وكلاهما من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن ابن عباس مرفوعا بنحوه.
رجاله ثقات إلا علي بن زيد ففيه ضعف، ولكن الحديث له شواهد:
فله شاهد في حديث أبي هريرة الطويل الذي فيه ذكر الحشر أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 66/ 1، 72/ 1) وفيه: "حتى آتي الجنة فأخذ بحلقة الباب، فأستفتح، فيفتح لي وأحيا ويرحب بي؟ فإذا دخلت الجنة نظرت إلى ربي- عز وجل على عرشه فخررت ساجدا" الحديث.
أورده ابن كثير في "النهاية": (172/1- 179) عن الحافظ أبي يعلى الموصلي في "مسنده" بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه.
وأيضا، للحديث طريق آخر عن أنس- رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بسنده عن أنس مرفوعا، وفيه:"فيأتون فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه" الحديث. انظر: "فتح الباري": (13/422) .
التعليق:
دل الحديث أولا على إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه- عز وجل يوم القيامة. والرؤية ثابتة له صلى الله عليه وسلم ولأمته ولكافة المؤمنين يوم القيامة، وهي أعظم النعم التي أعطاها الله لعباده المؤمنين في الجنة وأكملها، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أول الخلق رؤية للبارئ عز وجل يوم القيامة.
ومما يدل على ذلك هذا الحديث الذي معنا، ذلك لأن استئذان النبي صلى الله عليه وسلم على ربه إنما هو من أجل الشفاعة في أهل الموقف ليقضى بينهم فهذا يدل على أنه يرى ربه قبل رؤية المؤمنين لربهم الذين قد ثبت أنهم يرونه في عرصات القيامة وبعد دخولهم إلى الجنة، ونزولهم في منازلها.
وخلاصة مذهب السلف في مسألة الرؤية هي أنهم يثبتون رؤية المؤمنين لربهم- عز وجل في الآخرة رؤية بصرية، وذلك لثبوتها في الكتاب والسنة.
فأما دلالة القرآن على إثباتها ففي قوله! وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة، الآية: 22- 23] .
وقال- عز وجل مخبرا عن الكفار أنهم امحجوبون عن رؤيته: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين، الآية: 15] ، فدلت هذه الآية أن المؤمنين ينظرون إلى الله- عز وجل وأنهم غير محجوبين عن رؤيته كرامة منه لهم.
وقال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [سورة يونس، الآية: 26] ، فروي أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل.
وقال عز وجل: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ، قال الآجري في كتاب "الشريعة" ص 252:"اعلم رحمك الله أن عند أهل العلم باللغة أن اللقى هاهنا لا يكون إلا معاينة، يراهم الله عز وجل ويرونه، ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه" اهـ.
وقد دلت السنة الصحيحة على ما د ل عليه القرآن، فقد وردت الأحاديث المتواترة الكثيرة الدالة على أن المؤمنين يرون ربهم- عز وجل حقيقة، وحددت موعد تلك الرؤية بأنه بعد دخول المؤمنين إلى الجنة ونزولهم في منازلهم.
ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟ " قلنا: لا، قال:"فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما...." الحديث.
"فتح الباري": (13/ 421، 422)، و"صحيح مسلم":(1/ 115) ، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم- سبحانه وتعالى.
وأما المسألة الثانية التي دل عليها الحديث هي "كون عرش الرحمن فوق الجنة"، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث:"قرع باب الجنة ففتح له فتجلى له ربه- سبحانه وتعالى فرآه وهو على كرسيه أو على سريره"، فالجنة على هذا هي التي دون عرش الرحمن في الارتفاع، وعرش الرحمن سقفها كما جاء في الحديث الآخر "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن" ومن خلال الحديثين نستطيع أن نعرف ترتيب الجنة والعرش من حيث العلو، فالجنة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة هي فوق السموات السبع، وفوق الجنة عرش الرحمن، وفوق العرش الرحمن- تبارك وتعالى فلا سبيل إلى الوصول إلى العرش إلا بدخول الجنة؟ فمن أجل ذلك قرع النبي صلى الله عليه وسلم باب الجنة وفتح له. والله أعلم.
47-
حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ1، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ2 قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ الْعَرْشَ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ3.
1هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي مولاهم، أبو أسامة الكوفي، مشهور
بكنيته.
روى عن إسماعيل بن أبي خالد وغيره.، عنه ابنا أبي شيبة وغيرهما.
ثقة، ثبت، ربما دلس، وكان بآخره يحدث من كتب غيره، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين.
أخرج له الجماعة
"تهذيب التهذيب": (3/ 2)، "تقريب التهذيب": ص 81.
2 هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمس (بمفتوحة فسكون حاء مهملة وفتح ميم وبسين مهملة، "المغني": ص 29) مولاهم.
ثقة، ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وأربعين ومائة.
أخرج له الجماعة.
3 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 35/ ب) عن إبراهيم عن أبي سعيد الأشج ومحمد بن سنجر عن ابن أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعد الطائي يقول: "العرش ياقوتة حمراء".
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (2/437)، وقال: قال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت الطائي يقول ثم ذكره.
وأورده أيضا في (البداية) : (1/ 11)، وعزاه إلى المؤلف وزاد فيه:"بعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة".
وأورده الذهبي في "العلو": ص 58، وقال: قال أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد قال ثم ذكره، وقال هذا ثابت، عن هذا التابعي الإمام.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (3/ 297) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في "العظمة" عن سعد الطائي مثله.
وروي ذلك عن قتادة أيضا.
أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" كما في "فتح الباري": (13/ 405، 415) - عن معمر في قوله: "وكان عرشه على الماء" قال: هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء.
قال الحافظ ابن حجر: وله شاهد عن سهل بن سعد مرفوعا لكن سنده ضعيف.
وروي كذلك من طريق آخر عن عبد الله بن عمر.
أورده الذهبي في "العلو": ص 58، ولم يعزه إلى أحد، قال: وقال مكي ابن إبراهيم حدثنا موسى بن عبيدة عن عمر بن الحكم عن عبد الله بن عمر، وذكره. قال: موسى واه.
وكذلك- أيضا- له شاهد آخر من طريق الشعبي مرسلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 42/ ب) بسنده عن عمرو بن جرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي مرسلا وفيه: "العرش من ياقوتة حمراء" الحديث.
وسند المؤلف مقطوع ورجاله ثقات.
وجميع هذه الطرق مقطوعة الإسناد، ولم يثبت شيء من ذلك فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما المقاطيع فليست حجة في مسائل عقدية، ولا يثبت بها حكم عقدي والله أعلم.
48-
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ1، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ2، عَنْ جَابِرٍ3 قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اهتز العرش لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ"4.
1 هو محمد بن خازم، وقد تقدمت ترجمته في (17) .
2 هو طلحة بن نافع القرشي مولاهم، أبو سفيان الواسطي، ويقال المكي الإسكافي. روى عن جابر بن عبد الله وغيره. وعنه الأعمش وهو راويه.
صدوق، من الرابعة.
أخرى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (5/ 26)، "تقريب التهذيب": ص 157.
3 هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي- رضي الله عنه.
4 أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب سعد ابن معاذ- رضي الله عنه، مثله.
انظر: "فتح الباري": (7/ 122، 123) .
ومسلم في "صحيحه"، كتاب فضائل الصحابة:(7/ 150) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة:(1/ 56)، وأحمد في "مسنده":(3/ 316)، وفي "فضائل الصحابة":(8/818)، وسعيد بن منصور في "سننه":(2/ 371) . كلهم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا.
إسناده صحيح على شرط البخاري.
وللحديث شواهد من طرق أخرى:
فقد رواه عن جابر من طريق أبي الزبير مسلم في "صحيحه"، كتاب مناقب الصحابة:(7/ 150)، وأحمد في "مسنده":(3/ 295، 296)، والحاكم في "المستدرك":(3/ 206، 207) .
ورواه عن أنس: مسلم في "صحيحه": (7/ 150)، وأحمد في "مسنده":(3/ 234) .
ورواه عن أبي سعيد الخدري: أحمد في "مسنده": (3/ 24) .
وعن ابن عمر: الحاكم في "المستدرك": (3/ 206) .
وعن رميثة: أحمد في "مسنده": (6/ 329) .
قال الذهبي في "العلو" ص 71: "فهذا متواتر أشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله"، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/ 28) :"وهو حديث روي من وجوه كثيرة متواترة، رواه جماعة من الصحابة".
49-
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ2 (ح) ، وَحَدَّثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
1 تقدمت ترجمته في (28) .
2 هو عبد السلام بن حرب بن مسلم النهدي (بالنون، قال في "المغني": ص 262: بمفتوحة وهاء ساكنة ودال مهملة نسبة إلى نهد بن زيد) الملائي (بضم الميم وتخفيف اللام) أبو بكر الكوفي أصله بصري.
روى عن عطاء بن السائب وغيره.
ثقة، حافظ، له مناكير، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة وله ست وتسعون سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 316)، "تقريب التهذيب": ص 213.
فُضَيْلٍ1، جَمِيعًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ سَعْدًا"2.
55-
حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ3 عَنِ
1 هو محمد بن فضيل بن غزوان (بفتح المهملة وسكون الزاي) ابن جرير الضبي (بفتح الضاد وشدة موحدة، "المغني":ص 156) مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي.
روى عن عطاء بن السائب وغيره.
صدوق، عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائتين. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 405)، "تقريب التهذيب": ص 315.
2 أخرجه من هذا الطريق عن ابن عمر: ابن أبي شيبة في "المصنف": (12366)، وابن سعد في "الطبقات":(3/433)، والحاكم في " المستدرك":(3/ 206) .
وأورده الذهبي في "العلو": ص71.
وإسناده جيد، ورجاله ثقات سوى محمد بن فضيل فإنه صدوق، وقد توبع.
وقد تقدم الكلام على طرق الحديث في الذي قبله.
3 إسحاق بن راشد شيخ يروي عن أسماء بنت يزيد، وعنه إسماعيل بن أبي خالد، وليس هو الجزري وهو أقدم طبقة من الجزري. قال في "التقريب": مقبول من الثالثة.
"تهذيب التهذيب": (1/231)، "تقريب التهذيب": ص 28.
امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أسماء بنت قيس بْنِ السَّكَنِ1 قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَرْقَأُ 2 دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ لَهُ وَاهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ"3.
1 هكذا في "الأصل": "أسماء بنت قيس"، وكذلك في "العلو" للذهبي: ص 70، وقال:"أسماء تابعية، وهذا مرسل"، وعند باقي من أخرج الحديث أسماء بنت يزيد، ولعل هذا هو الصواب، وهي أسماء بنت يزيد ابن السكن ابن رافع الأنصارية الأشهلية أم سلمة- رضي الله عنها.
"الإصابة": (4/ 229)، "تهذيب التهذيب":(12/ 399) .
2 رقأت: الدمعة ترقأ، رقأ، ورقوء: جفت وانقطعت.
"لسان العرب": (3/ 1699)، مادة:"رقأ".
3 أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد": ص 237، والإمام أحمد في "المسند":(6/ 456)، وفي "فضائل الصحابة":(1500)، وابن سعد:(3/ 434)، وابن أبي شيبة في "المصنف":(12368)، والحاكم في "المستدرك":(3/306)، والطبراني في "الكبير":(6/14)، وابن أبي عاصم في "السنة":(2/246) . كلهم من طريق يزيد بن هارون به.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"! (9/ 309)، وقال الطبراني: ورجاله رجال الصحيح.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
إسناده ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير إسحاق بن راشد فإنه مجهول لا يعرف.
التعليق:
اختلف في تأويل اهتزاز العرش الوارد في الحديث على عدة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالعرش هنا هو السرير الذي كان عليه سعد واهتزازه تحركه.
وقد ذهب إلى هذا القول البراء بن عازب، كما جاء في رواية البخاري عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث
…
فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير، فدل هذا على أن البراء أنكر أن يكون المراد بالعرش عرش الرحمن، وقد أنكر ابن عمر ما أنكره البراء فقال:"إن العرش لا يهتز لأحد"، ووقع ذلك من حديثه عند الحاكم بلفظ:"اهتز العرش فرحا به" لكنه تأوله كما تأوله البراء بن عازب فقال: "اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا، قال ابن عمر: "يعني عرش سعد الذي حمل عليه"، ولكن ابن عمر رجع عن ذلك، وجزم بأنه اهتزاز عرش الرحمن، أخرج ذلك ابن حبان من طريق مجاهد عنه".
وقد أجاب ابن حجر عن رواية الحاكم بأنها من رواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر، وفي حديث عطاء. مقال، لأنه اختلط في آخر عمره، ويعارض روايته- أيضا- ما صححه الترمذي من حديث أنس قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة كانت تحمله".
وقال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في "الصحيحين" وليس لمعارضها في الصحيح ذكر. اهـ.
فعلى هذا لا حجة لأصحاب هذا القول من الحديث، فقد ثبت أن المراد بالعرش في الحديث هو عرش الرحمن، وكذلك فإنه على هذا التأويل لا يكون لسعد في هذا القول فضيلة، كما أنه لا يكون في الكلام فائدة، لأن كل سرير من سرر الموتى لا بد أن يتحرك لتجاذب الناس إياه، فعلى هذا فالقول غير صحيح ولا حجة له.
القول الثاني: أن المراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه، ذلك لأنه يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتز له، ومنه اهتزت الأرض بالنبات، إذا اخضرت وحسنت، وقد استدل هؤلاء بما جاء في رواية ابن عصر عند الحاكم بلفظ:"اهتز العرش فرحا به".
القول الثالث: أن المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة، والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول.
وقد ذهب إلى هذا القول ابن قتيبة، وأبو الحسن علي بن محمد ابن مهدي الطبري، وابن الجوزي، وابن فورك.
وقال ابن قتيبة: الاهتزاز الاستبشار والسرور- يقال: إن فلانا ليهتز للمعروف، أي: يستبشر ويسر، وإن فلانا لتأخذه للثناء هزة، أي: ارتياح وطلاقة- ومنه قيل في المثل: إن فلانا إذا دعى اهتز، وإذا سئل ارتز، والكلام لأبي الأسود الدؤلي- يريد أنه إذا دعي إلى طعام يأكله اهتز، أي: ارتاح وسر، وإذا سئل الحاجة ارتز، أي ثبت على حاله ولم يطلق، فهذا يعني الاهتزاز في هذا الحديث.
وأما العرش: فعرش الرحمن- جل وعز- على ما جاء في الحديث، وإنما أراد باهتزازه استبشار الملائكة الذين يحملونه ويحفون حوله كما قال الله تعالى:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [سورة الدخان، الآية: 29] ، يريد ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض؟ فأقام السماء والأرض مقام أهلها، وكما قال:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [سورة يوسف، الآية 82] ، أي؟ سل أهلها، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أحد جبل يحبنا ونحبه"، يريد يحبنا أهله من الأنصار، ونحبه، أي: نحب أهله.
كذلك أقام العرش مقام حملته الحافين من حوله، وقد جاء في الحديث أن الملائكة تستبشر بروح المؤمن وأن لكل مؤمن بابا في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، وتعرج فيه روحه إذا مات ثم يرد.
ويدل على هذا التأويل- أيضا- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تبادر إلى غسله سبعون ألف ملك"، وهذا التأويل بحمد الله تعالى سهل قريب كأنه قال: لقد استبشر حملة العرش والملائكة حوله بروح سعد. انتهى من كلام ابن قتيبة.
القول الرابع: قول الحربي: أنه كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء العظيم إلى أعظم الأشياء؟ فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض وقامت له القيامة، وفي هذه منقبة عظيمة لسعد.
القول الخامس: أن الاهتزاز هو على حقيقته، وأن العرش تحرك لموت سعد فرحا بقدومه، وقد جعله الله في العرش ليكون فيه منقبة لسعد.
وهذا هو ما دل عليه ظاهر الحديث، وهو أمر لا ينكر من جهة العقل، لأن العرش إنما هو جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون.
وهذا هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول السلف.
وقد رد السلف على من تأول بأن المراد به استبشار حملة العرش وفرحهم، أو أن المراد به الكناية عن عظم الشأن أو غير ذلك من التأويلات - بأنه لا دليل لهم على ما قالوا، كما أن سياق الحديث ولفظه ينفي تلك الاحتمالات. انظر:
"فتح الباري": (7/123 - 124)، و"صحيح مسلم بشرح النووي":(16/ 22)، و"الرسالة العرشية" لابن تيمية: ص 8- 9، و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة: ص 178، و"كتاب مشكل الحديث" لابن فورك: ص 127، "الأسماء والصفات": ص 285.
والحديث قد دل على إثبات صفة الضحك لله عز وجل.
ومذهب السلف هو إثبات هذه الصفة لله عز وجل لورودها في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في الآثار الواردة عن أصحابه- رضوان الله عليهم-، فمذهبهم هو الإيمان بأن الله عز وجل يضحك متى شاء وكيف شاء ولا يكيفيون هذه الصفة، وهي من صفات الكمال، وليست من صفات النقص كما يزعم المخالفون من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، الذين ينكرون هذه الصفة تحت دعوى نفي قيام الحوادث بذات الله.
ومن الأحاديث الواردة في إثبات صفة الضحك ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" في قصة الرجل الذي هو آخر أهل النار دخولا إلى الجنة فقد جاء فيه: " ثم يقول- أي رب، أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، فيقول: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب، لا أكون أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة" الحديث.
انظر: "فتح الباري ": (13/ 419، 420، حديث 7437)، و"صحيح مسلم":(1/113، 114) ، كتاب الإيمان.
51-
حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ1، حَدَّثَنَا يونس بن كبير2، عَنْ
1 هو عقبة بن مكرم (بمضمومة وسكون كاف وفتح راء، "المغني": ص 239) ابن عقبة بن مكرم الضبي (بفتح الضاد وشدة موحدة، "المغني": ص 156) الهلالي أبو مكرم الكوفي.
روى عن يونس بن بكير وغيره. وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره. صدوق، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين.
"تهذيب التهذيب": (7/ 251)، "تقريب التهذيب": ص 242.
2 هو يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر، ويقال: أبو بكير الجمال الكوفي، الحافظ، صدوق، يخطئ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين.
أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (11/ 434)، "تقريب التهذيب": ص 390.
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ1، حَدَّثَنَا مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا2 بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ3 فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِّحَتْ لَهُ أبْوابُ السَّمَاءِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيعًا يَجُرُّ4 ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ5.
1 هو معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري الزرقي (بمضمومة وفتح راء، "المغني": ص 122) المدني.
روى عنه محمد بن إسحاق وغيره.
صدوق، من الرابعة.
أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (10/ 190)، "تقريب التهذيب": ص 340.
2 الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه. "لسان العرب": (4/ 2815) .
3 الاستبرق هو الديباج الصفيق الغليظ الحسن.
"لسان العرب": (1/ 77) .
4 في "الأصل": "تجر" بالتاء، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
5 أورده من هذا الطريق: الذهبي في "العلو": ص 71.
وأورده ابن كثير في "البداية": (4/ 127) .
كلاهما عن معاذ بن رفاعة قال: حدثني من شئت من رجال قومي بمثله.
وإسناد المؤلف ضعيف، لإيهام من روى عن معاذ بن رفاعة، ولكن الحديث قد روي من طريق أخرى عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله.
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (13/ 327) بنحوه، وسنده جيد. وللحديث طريق أخرى عن عبد الله بن أبي بكر.
أخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب": (2/29) بسنده عن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر عن عمه عبد الله بن أبي بكر بنحوه.
52-
حَدَّثَنَا عُقْبَةُ1، حَدَّثَنَا يُونُسُ2، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ3 عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ..سَمِعْنَا بِهِ إِلَّا لِسَعْدٍ أبي عمرو4.
(ق 58/ أ) 53- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ5، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ6،
1 هو عقبة بن مكرم.
2 هو يونس بكير.
3 هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص الأموي المكي.
ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع وثمانين.
أخرج له النسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (1/ 371)، "تقريب التهذيب": ص 39.
4 أخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب": (3/29) بسنده الذي تقدم ذكره في الحديث السابق، ولكن بلفظ:"علمنا" بدل: "سمعنا".
وأورده الذهبي في "العلو": ص 72، من طريق ابن إسحاق عن أمية بن عبد الله به مثله.
وأورده ابن كثير في "البداية": (4/ 130) ، وعزاه إلى ابن إسحاق بمثله.
5 تقدم في (35) .
6 هو سيار بن حاتم العنزي تقدم في (35) .
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سليمان1، حدثنا سعد الْجُرَيْرِيُّ2، قَالَ:"بَلَغَنَا أن داود عليه السلام سَألَ جِبْرِيلَ أيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّ الْعَرْشَ يَهْتَزُّ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ3"4.
1 هو جعفر بن سليمان الضبعي تقدم في (35) .
2 تقدم في (43) .
3 السحر آخر الليل قبيل الصبح والجمع أسحار، وقيل: هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر.
"لسان العرب": (3/ 1952) .
4 أخرجه الإمام أحمد في "كتاب الزهد": (136) بسنده عن سيار عن جعفر عن الجريري بمثله.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (2/ 12) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأحمد في "الزهد" عن سعيد الجريري.
التعليق:
هذا الأثر هو من الإسرائيليات التي تروى عن أهل الكتاب، وفيه دلالة على فضل الثلث الآخر من الليل، وقد ورد في السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث الدالة على فضل هذا الجزء من الليل، ومن تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". انظر: "فتح الباري": (3/29، حديث 1145) ، كتاب التهجد، باب (44)، و"صحيح مسلم":(2/ 175) ، كتاب صلاة المسافرين.
وأيضا، ما روي عن عمرو بن عنبسة- رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر" رواه الترمذي في "سننه"، كتاب الدعوات:(5/229)، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
هذا من حيث فضل ذلك الوقت من الليل.
أما ما دل عليه الأثر من اهتزاز العرش في ذلك الوقت فهذا لم أقف فيه على دليل ثابت يؤيده. والله أعلم.
54-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ1، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ2، عَنْ أبي إبراهيم3 عز ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَا مِنْ
1 هو عفان بن مسلم بن عبد الله الصفار أبو عثمان البصري مولى عزرة بن ثابت الأنصاري، سكن بغداد.
روى عن حماد بن سلمة وغيره.
ثقة، ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه وربما وهم. وقال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة ومائتين، ومات بعدها بيسير، من كبار العاشرة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 230)، "تقريب التهذيب": ص 240.
2 هو حميد بن أبي حميد الطويل أبو عبيدة الخزاعي (بمضمومة وخفة زاي معجمة) مولاهم، وقيل غير ذلك، البصري، وقد اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال. روى عنه حماد بن سلمة وغيره.
ثقة مدلس، من الخامسة، مات سنة 81اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 38)، "تقريب التهذيب": ص 84.
3 لم أقف على ترجمته، وقال الذهبي في "العلو": ص 72: لا أعرفه.
شَيْءٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُهُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كانْتَ لَهُ امْرَأَةٌ جِمِيلَةٌ، فَأُولِعَ بِهِ رَجُلٌ يُخْبِرُهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَذَا وَكَذَا بِالْفُحْشِ، قَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ وَلَهَا عَلَيَّ دَيْنٌ؟ قَالَ: فَأَنَا أُسَلِّفُكَ مَا عَلَيْكَ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا1 أخَذَهُ بِحَقِّهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ لَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى فَعَلْتُ الَّذِي فَعَلْتُ، ثُمَّ تَزَوَّجْتَ امْرَأَتِي، قَالَ: فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى أَجَرَهُ نَفْسَهُ، فَبَيْنمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَكَلَا طَعَامًا، فَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِما الْمَاءَ، فَبَكى2 فَاهْتَزَّ الْعَرْشُ، فَقَالَ تبارك وتعالى: فإن رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"3.
55-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ4 عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ5، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
1 في "الأصل": "يزوجها" بالياء، وهو خطأ.
2 تكررت كلمة "فبكى" مرتين في "الأصل".
3 لم أجد من أخرجه غير المؤلف.
وقد أورده الذهبي في "العلو": ص 72، وعزاه إلى المؤلف في كتابه "العرش"، وقال الذهبي: إسناده متصل، ولكن لا أعرف التابعي.
وإسناده جيد، ورجاله ثقات إلا أن فيه أبا إبراهيم، ولم أقف على ترجمته. وهذا من الإسرائيليات، ولعله مما سمع ابن عباس عن كعب الأحبار.
4 لم أقف على ترجمته.
5 هو الوليد بن مسلم القرشي، مولى بني أمية، وقيل: بني العباس، أبو العباس الدمشقي، عالم الشام.
روى عن سعيد بن بشير وغيره.
ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول خمس وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1474)، "تهذيب التهذيب":(11/ 151)، "تقريب التهذيب": ص 37.
بَشِيرٍ1، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} 2 قَالَ: فِي قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيَمِينِ3.
1 هو سعيد بن بشير الأزدي (بمفتوحة وسكون زاي وإهمال دال، "المغني": ص 30) ، ويقال البصري مولاهم أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سلمة الشامي أصله من البصرة، ويقال: من واسط.
روى عن قتادة وغيره. وعنه الوليد بن مسلم وغيره.
ضعيف، من الثامنة، مات سنة ثمان أو تسع وستين ومائة، وقيل غير ذلك. أخرج له الأربعة.
2 سورة المطففين، الآية:18.
3 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (30/102) من طريقين عن معمر عن قتادة بمثله.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (4/ 486) عن قتادة.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور"، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة بنحوه.
وإسناد المؤلف مرسل، وفيه ضعف، لأن فيه سعيد بن بشير، وهو ضعيف، أما الحسن بن صالح ويعلى بن الوليد فلم أقف على ترجمة لهما، ولكنه قد توبع من طريق معمر كما في "تفسير ابن جرير".
وروي من طريق آخر عن قتادة عن كعب الأحبار.
أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (30/ 102) بنحوه.
التعليق:
الشاهد من إيراده هو قوله في قائمة العرش اليمين، وكون العرش له قوائم، هذا ما دل عليه الحديث الصحيح الوارد في "الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أنا أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقته الأولى" إلا أنه لم يرد تحديد عدد قوائم العرش. والله أعلم.
56-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ1 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ2، عَنْ إِبْرَاهِيمَ3، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
1 هو محمد بن عبيد بن محمد بن واقد المحاربي الكندي، أبو جعفر النحاس الكوفي. روى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
صدوق، من العاشرة، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين وقيل قبلها.
أخرج له أبو داود، والنسائي، والترمذي.
"تهذيب التهذيب": (9/ 332)، "تقريب التهذيب": ص 310.
2 هو إسماعيل بن ابراهيم الأحول، أبو يحيى التيمي الكوفي، روى عن إبراهيم بن الفضل وغيره. وعنه محمد بن عبيد المحاربي.
ضعيف، من الثامنة. أخرج له الترمذي وابن ماجه.
"تهذيب الكمال،: (1/96) ، "تهذيب التهذيب": (1/ 280) ، "تقريب التهذيب": ص 32.
3 هو إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني أبو إسحاق، ويقال إبراهيم بن إسحاق. روى عنه إسماعيل من إبراهيم التيمي وغيره.
متروك، من الثامنة. أخرج له الترمذي وابن ماجه.
"تهذيب الكمال": (1/ 61)، "تهذيب التهذيب":(1/ 150)، "تقريب التهذيب": ص 22.
عُتْبَةَ1، عَنْ سَلْمَانَ2 أَنَّهُ قَالَ:"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: [الْإِمَامُ الْعَادِلُ] 3، ورَجُلٌ لَقِيَ رَجُلًا فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذلك، ورجل كان قلبه معلقا بِالْمَسَاجِدِ مِنْ حبها، ورجل يجعل شَبَابَهُ وَنَشَاطَهُ فِيمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَتَرَكَهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ إِذَا أعْطَى صَدَقَتَهُ بِيَمِينِهِ كَادَ أَنْ يُخْفِيَهَا مِنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ فَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى" 4
1 هكذا في "الأصل"، وفي "العلو" للذهبي:"عقبة" ولم أقف على ترجمته.
2 هو سلمان الفارسي- رضي الله عنه.
3 هذه العبارة ليست في "الأصل"، وقد أثبتها لورودها في المصادر الأخرى.
4 أورده الذهبي في "العلو": ص 67، مختصرا، بسند المؤلف هذا، ولم يعزه إلى أحد، وقال: هذا موقوف ضعيف الإسناد.
وأورده ابن حجر في "الفتح": (2/ 144) من طريق سعيد بن منصور في "سننه" عن سلمان، وحسن إسناده.
وأورده العيني في "عمدة القارئ": (5/177) من طريق سعيد بن منصور عن سلمان، وقال: إسناده حسن.
وعند الجميع بلفظ: "يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"، وقد ورد بهذا اللفظ عن أبي هريرة.
أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات": ص 470، وفي سنده جعفر بن محمد بن الليث، وقد ضعفه الدارقطني، وقال: كان يتهم في سماعه.
وقال الذهبي في "العلو": وقد بلغ في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر.
وفد جاء الحديث من طرق أخرى بلفظ: "يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".
أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل الساجد. انظر:"فتح الباري": (2/ 143) .
وأخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة:(3/ 93) .
57-
حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ1، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُوسَى الطَّائِفِيُّ2، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ عِيسَى3 قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَلَهُ فَضْلُ أجورهم، فإذا (ق 58/ ب) كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَظَلَّهُ اللَّهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ، وَأَطْعَمَهُ مِنْ ثَمَرِ
1 لم أقف على ترجمته.
2 هكذا في "الأصل"، والصواب هو: الحارث بن موسى الطائي البصري. روى عن حبيب أبي محمد، وروى عنه المعتمر بن سليمان وأحمد بن إبراهيم الدورقي.
قال أبو حاتم: سمعت أبي يقول قال الدورقي: هذا شيخ كبير يروي عنه المعتمر، وقد عمر حتى أدركته وسمعت منه. اهـ.
"الجرح والتعديل": (2/ 88) .
3 في "فضائل القرآن" لابن الضريس: حبيب بن موسى العمي من أنفسهم أبو محمد الذي يقال له الفارسي، وجاء في "الدر المنثور": حبيب أبو محمد العابد. ولم أقف على ترجمته.
الْجَنَّةِ، وَشَرِبَ مِنَ الْكَوْثَرِ وَاغْتَسَلَ مِنَ السَّلْسَبِيلِ1.
58-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى2، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسَدِيُّ3، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ غَسَّانَ الْعَبْدِيِّ4، عَنْ
1 أخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن": ص 157، (رسالة ماجستير في جامعة الملك سعود) ، عن سلمة بن شبيب عن زيد بن الحباب عن الحارث ابن موسى الطائي عن حبيب بن موسى به مثله.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (3/ 3) ، وعزاه إلى أبي الشيخ وابن الضريس عن حبيب بن عيسى.
قلت: وإسناد المؤلف منقطع، وفي، ضعف، زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري، والحارث بن موسى الطائي مجهول. أما الهيثم ابن حماد وحبيب بن عيسى فلم أقف على ترجمة لهما.
وله شاهد من حديث جابر مرفوعا بنحوه. أورده القرطبي في "تفسيره": (6/ 383) ، وعزاه إلى الثعلبي عن جابر مرفوعا مطولا.
2 هو الحسن بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبر ليلى قال ابن حبان في "الثقات": مستقيم الحديث إذا لم يكن في إسناد خبره ضعيف، وقال أبو زرعة: صدوق.
"لسان الميزان": (2/ 218) .
3 لم أقف على ترجمته.
4 هو المختار بن غسان بن مختار التمار الكوفي العبدي، روى عن إسماعيل بن مسلم وغيره، وعنه أحمد بن علي الأسدي وغيره.
مقبول، من التاسعة.
روى له ابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (10/ 68)، "تقريب التهذيب": ص 330.
إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلْمٍ1، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ2، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ- رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "آيَةُ الكرسي، ما السموات السَّبعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ"3.
1 هكذا في "الأصل"، قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (ح 1159) :"إسماعيل بن سلم لم أعرفه، وغالب الظن أنه إسماعيل بن مسلم، فقد ذكره في شيوخ المختار بن عبيد، واسمه إسماعيل بن مسلم المكي، أبو إسحاق البصري، ضعيف، من الخامسة".
روى له الترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (1/ 331)، "تقريب التهذيب": ص 35.
2 هو عائذ الله (بتحتانية ومعجمة) بن عبد الله بن عمرو، ويقال: عبد الله بن إدريس بن عائذ بن عبد الله، أبو إدريس الخولاني (بفتح خاء وبنون، منسوب إلى خولان بن مالك، "المغني": ص 99) العوذي (بمفتوحة وسكون واو بذال معجمة، "المغني": ص 187) ، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، سمع من كبار الصحابة، مات سنة ثمانين، قال سعيد بن عبد العزيز:"كان عالم الشام بعد أبي الدرداء".
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (5/ 85)، "تقريب التهذيب":162.
3 أخرجه من هذا الطريق: ابن بطة في "الإبانة": (ق 196/ أ) بسنده من طريق المؤلف.
قال الألباني: "هذا سند ضعيف، إسماعيل بن سلم لم أعرفه، وغالب الظن أنه إسماعيل بن مسلم، فقد ذكروه في شيوخ المختار بن عبيد، وهو المكي البصري، وهو ضعيف".
والمختار روى عنه ثلاثة، ولم يوثقه أحد، وفي "التقريب" أنه مقبول. وكذلك فيه الحسن بن عبد الرحمن، وقد اشترط ابن حبان في توثيقه ألا يكون في إسناد خبره ضعيف.
لكن الحديث لم يتفرد به إسماعيل بن مسلم بل تابعه يحيى بن يحيى الغساني.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 15/أ) .
وأبو نعيم في "الحلية": (1/ 166) في، سياق طويل، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 511، من قوله: قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ وكلاهما بإسنادهما عن إبراهيم بن هشام الغساني به.
وقال الألباني عن هذا الإسناد: "هذا سند واه جدا، إبراهيم هذا متروك، كما قال الذهبي، وقد كذبه أبو حاتم". "سلسلة الأحاديث الصحيحة": رقم 109.
وأيضا، تابعه القاسم بن محمد الثقفي ولكنه مجهول كما في "التقريب".
أخرجه ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير": (2/13) ، طبع المنار، من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي عن القاسم به.
وقال الألباني: العسقلاني والتميمي كلاهما ضعيف، والحديث أيضا في "البداية" لابن كثير:(1/ 13) .
وللحديث- أيضا- طرق أخرى ذكرها الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": رقم 109، وقال: وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (13/ 411) عن ابن حبان تصحيح الحديث، وقال: وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" بسند صحيح عنه.
59-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ لَيْثٍ1، عَنْ مُجَاهِدٍ قال:"ما السموات وَالْأَرْضُ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِالْفَلَاةِ، وَمَا أُخِذَتْ مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَمَا أُخِذَتْ تِلْكَ الْحَلْقَةُ مِنَ الْأَرْضِ"2.
60-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ3، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَزْوَانَ4، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ5، حَدَّثَنِي
1 هو الليث بن أبي سليم تقدم ترجمته في (45) .
2 هذا اللفظ لم أجده عند غيره، وقد تقدم تخريجه برقم (45) ، وإسناده صحيح إلى مجاهد.
3 تقدم ترجمته في (19) .
4 تقدم في (45) .
5 هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التنوري (بفتح المثناة وتثقيل النون المضمومة، "الأنساب": 3/ 97) ، أبو سهل البصري.
روى عن أبيه وغيره. وعنه الحسن بن علي الخلال.
صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 327)، "تقريب التهذيب": ص 213.
أَبِي1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ2، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ3، عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ4، عَنْ أَبِي مُوسَى5- رضي الله عنه
1 هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التنوري أبو عبيدة البصري، أحد الأعلام ثقة، ثبت، رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمان ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6 /441)، "تقريب التهذيب": ص 222.
2 هو محمد بن جحادة (بضم الجيم وتخفيف المهملة) الأزدي (بمفتوحة فواو ساكنة فدال مهملة، "المغني": ص 32) . روى عن سلمة بن كهيل وغيره، وروى عنه عبد الصمد بن عبد الوارث وغيره، ثقة من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1182)، "تهذيب التهذيب":(9/ 92)، "تقريب التهذيب": ص 292.
3 هو سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي التنعي (بكسر التاء ثالث الحروف وسكون النون وفي آخرها العين، وهذه النسبة إلى بني تنع، وهم بطن من همذان، "اللباب": 1/ 224) أبو يحيى الكوفي، ثقة، من الرابعة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 155)، "تقريب التهذيب": ص 131.
4 هو عمارة بن عمير التيمي، من بني تيم الله بن ثعلبة، كوفي.
روى عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري وغيره.
ثقة، ثبت، من الرابعة، مات بعد المائة، وقيل قبلها بسنتين.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 421)، "تقريب التهذيب": ص 251.
5 هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.
قَالَ: "الْكُرْسِيُّ (ق 59/أ) مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ"1.
61-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ2، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ3، عَنْ
1 أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة": ص 70، 142 عن أبيه، وابن جرير الطبري في "تفسيره":(3/9) عن علي بن مسلم الطوسي، وأبو الشيخ في "العظمة":(ق 42/أ) عن محمد بن العباس، وابن منده في "الرد على الجهمية": ص 46 بسنده عن علي بن مسلم، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 509، 510، بسنده عن هارون بن عبد الله.
كلهم عن عبد الصمد بن عبد الوارث به.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 84، وقال:"أخرجه البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" وليس للأطيط مدخل في الصفات أبدا، بل هو كاهتزاز العرش لموت سعد، وكتفطر السماء يوم القيامة، ونحو ذلك. اهـ.
قال الألباني في "مختصر العلو": ص 123- 124، بعد تخريجه للحديث:"رجاله كلهم ثقات معروفون، وأعله الكوثري المعروف بانحرافه عن أهل السنة والجماعة في تعليقه على "الأسماء والصفات " بأن في إسناده عمارة ابن عمير، قال: ذكره البخاري في الضعفاء".
ثم ذكر أن هذا الكلام إنما هو خطأ محض، لأن عمارة بن عمير تابعي، ثقة اتفاقا، وقد أخرج له الشيخان في "الصحيحين"، وقال الحافظ:"ثقة ثبت"، ومثله لا يمكن أن يخفى على مثل الكوثري، وليس هو في "ضعفاء البخاري" كما زعم، وإنما فيه عمارة بن جوين وهذا متروك.
2 تقدمت ترجمته في (19) .
3 هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن الضحاك الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، قيل: إنه مولى بني شيبان، وقيل من أنفسهم.
روى عن سفيان الثوري وغيره. وعنه الحسن بن علي الحلواني وغيره.
ثقة، ثبت من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين أو بعدها.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 450)، "تقريب التهذيب": ص 155.
سُفْيَانَ1، عن عمار الذهني2، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ3، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] :{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} قَالَ: "الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ"4.
1 هو سفيان الثوري.
2 هو عمار بن معاوية الذهني (بضم أوله وسكون الهاء بعدها نون) ويقال ابن أبي معاوية، ويقال غير ذلك.
روى عنه السفيانان وغيرهما.
صدوق، يتشيع، من الخامسة.
أخرج له مسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 406)، "تقريب التهذيب":ص 250.
3 هو مسلم بن عمران البطين، ويقال ابن أبي عمران، أبو عبد الله الكوفي.
روى عن سعيد بن جبير.
ثقة، من السادسة، أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 134)، "تقريب التهذيب": ص 336.
4 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 71، 73، 74، وعبد الله بن أحمد في "السنة": ص 70، 142، وابن خزيمة في "التوحيد": ص 107، 108، وأبو الشيخ في "العظمة":(ق 35/ ب)، وابن جرير الطبري في "تفسيره":(3/ 10)، وابن أبي حاتم في "تفسيره":(1/ 194/ أآيا صوفيا) مختصرا، والطبراني في "المعجم الكبير":(12/ 39، حديث 12404)، والدارقطني في "الصفات":، ص 30، تحقيق: الشيخ الغنيمان، والحاكم في "المستدرك":(2/ 282)،- البيهقي في "الأسماء والصفات": ص 354، والخطيب البغدادي في "تاريخه":(9/ 251- 252) من أوجه، والهروي في "الأربعين": ص 125.
كلهم من طريق سفيان الثوري عن عمار الذهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 3123) : "رجاله رجال الصحيح". وذكره الذهبي في "العلو": ص 61، وقال:"رواته ثقات".
وقال الألباني: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وتابعه يوسف بن أبي إسحاق عن عمار الذهني، أخرجه أبو الشيخ في "العظمة":(33/أ) وله عنده (36/ 2) شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا.
انظر: "مختصر العلو": ص 102.
62-
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَهْرَامَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ2، عَنْ مَعْمَرٍ3، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ4، عَنْ وَهْبِ بْنِ
1 لم أقف على ترجمته.
2 هو عبد الله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة.
ثقة، ثبت، عالم، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير.
من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
"تقريب التهذيب": ص 187.
3 هو معمر بن راشد.
4 هو عبد الله بن أبي نجيح يسار الثقفي أبو يسار المكي مولى الأجنس بن شريق الثقفي.
ثقة، رمي بالقدر، وربما دلس، من السادسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة أو بعدها.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 54)، "تقريب التهذيب": ص 191.
مُنَبِّهٍ1، قَالَ: الْعَرْشُ مَسِيرَةُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ2.
63-
حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ3، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ
1 هو وهب بن منبه من كامل بن شيخ اليماني الذماري (بكسر معجمة عند أكثر المحدثين وفتحها عند بعضهم، وخفة ميم، نسبة إلى قرية باليمن، "المغني": ص 157) .
قال الحافظ في "التقريب": ثقة، من الثالثة، مات سنة بضع عشرة ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 166)، "تقريب التهذيب": ص 372.
2 أورده الذهبي في "العلو": ص 61، ولم يعزه إلى أحد وقال: حديث معمر بن راشد عن ابن أبي نجيح عن وهب بن منبه قال: وذكر مثله.
وأورده ابن كثير في "البداية": (1/ 11) من طريق المؤلف.
إسناده الذي روى عنه المؤلف صحيح، ورجاله ثقات، سوى ابن أبي نجيح فإنه ثقة وربما دلس.
أما الذي روى عنه المؤلف فإني لم أجد ترجمته.
وهذا من الإسرائيليات التي اشتهر ابن منبه بروايتها.
3 هو يزيد بن أبي حبيب، واسمه: سويد الأزدي، مولاهم أبو رجاء المصري، وقيل غير ذلك في ولائه.
روى عنه ابن إسحاق وغيره.
ثقة، فقيه، وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقد قارب الثمانين.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/318)، "تقريب التهذيب": ص 381.
عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ1، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِيهَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ"3.
1 هو مرثد بن عبد الله اليزني (بفتح التحتانية والزاي بعدها نون) أبو الخير، المصري الفقيه.
روى عن عقبة بن عامر الجهني وكان لا يفارقه.
وعنه يزيد بن أبي حبيب وغيره.
ثقة، فقيه، من الثالثة، مات سنة تسعين.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 82)، "تقريب التهذيب: ص 331.
2 هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني صحابي مشهور.
ررى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا. وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.
وكان قارئا، عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان شاعرا كاتبا.
مات في خلافة معاوية.
انظر: "الإصابة": (2/ 482) .
3 أخرجه أحمد في "المسند": (4/158) عن يحيى بن إسحاق.
وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل": ص 143 عن يحيى بن خلف.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 84 عن محمد بن إسحاق، من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر بمثله.
قال الذهبي: إسناده صالح.
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم 1482: إسناده جيد.
وللحديث شاهد من حديث حذيفة مرفوعا نحوه.
أخرجه أحمد: (5/ 383)، وابن نصر في "قيام الليل": ص 142، والسراج في "مسنده":(3/47/ 1)، والبيهقي:(1/213) عن ابن مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة مرفوعا به.
قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد عزاه الحاكم في "المستدرك":(1/ 563) ولم يسق لفظه.
انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة": رقم 1482.
64-
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ1، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ2، عَنْ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ3 عَنْ
1 هو إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي أبو إبراهيم الترجماني، لا بأس به، من العاشرة مات سنة ست وثلاثين ومائتين.
أخرى له النسائي.
"تهذيب التهذيب": (1/ 271)، "تقريب التهذيب": ص 31.
2 هو سعيد بن سالم القداح أبو عثمان المكي، خراساني الأصل، ويقال كوفي سكن مكة.
صدوق يهم، رمي بالإرجاء، وكان فقيها من كبار التاسعة، مات قبل المائتين.
أخرج له أبو داود، والنسائي.
"تهذيب التهذيب": (4/ 35)، "تقريب التهذيب": ص 122.
3 هو حسان بن إبراهيم بن عبد الله الكرماني أبو هشام العنزي (بفتح النون بعدها زاي) قاضي كرمان.
صدوق، يخطئ، من الثامنة، مات سنة ست وثمانين ومائة.
أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود.
"تهذيب التهذيب": (2/ 245)، "تقريب التهذيب": ص 67.
هِشَامٍ1، عَنِ الْحَسَنِ2، قَالَ: "مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِائَةَ أَلْفٍ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَجِّ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَ فُلَانًا الْعَامَ بِالْحَجِّ، ولو أن (ق 59/ ب) لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْعُمْرَةِ حتى ينادي منادي مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَ فُلَانًا بِالْعُمْرَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ فِيمَا بَيْنَ صَفَّيْنِ فَضَرَبَ مِائَةَ أَلْفِ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ لَمْ يُرْزَقِ الشَّهَادَةَ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ فُلَانًا بِالشَّهَادَةِ3.
1 هو هشام بن حسان الأزدي القردوسي (بالقاف وضم الدال) أبو عبد الله البصري، يقال كان نازلا في القراديس، ويقال مولاهم أحد الأعلام، روى عن الحسن البصري وغيره.
ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه- قيل- كان يرسل عنهما، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 34)، "تقريب التهذيب": ص 364.
2 هو الحسن البصري.
3 لم أقف على من أخرجه غيره.
65-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ1، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ2، عَنْ أَبِي صَالِحٍ3، عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه:{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} 4، قَالَ: 5الْبَحْرُ بَحْرُ السَّمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ: الْمَحْبُوسُ عَنِ الْعِبَادِ"6.
1 هو محمد بن عبيد المحاربي، وقد تقدم ترجمته في (56) .
2 هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تقدم في (33) .
3 هو باذام (بالذال المعجمة، ويقال آخره نون) أبو صالح مولى أم هانئ.
روى عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وغيره. وعنه إسماعيل السدي وغيره.
ضعيف، مدلس، من الثالثة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 416)، "تقريب التهذيب": ص 42.
4 سورة الطور، الآية:6.
6 أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره": (27/ 20) عن حميد.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 6، ولم يعزه لأحد.
كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح عن علي بن أبي طالب موقوفا بنحوه.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 118) وعزاه إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب بنحوه.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره": (27/ 20) من طريق آخر عن أبي صالح من قوله.
وله شاهد من طريق عبد الله بن عمرو.
أخرجه الطبري في "تفسيره": (27/20) بسنده عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو موقوفا بنحوه.
وأيضا، له شاهد من طريق الربيع بن أنس.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 43/ ب) بسنده من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس نحوه.
66-
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ1، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ2، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ3، عَنْ أَبِيهِ4، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَحْتَ الْعَرْشِ الرَّحِمُ تُنَادِي
1 لم أقف على ترجمته.
2 هو كثير بن عبد الله اليشكري، روى عن الحسن بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه. وعنه مسلم بن إبراهيم وغيره.
قال العقيلي: لا يصح إسناده. وذكره ابن حبان في "الثقات".
"ميزان الاعتدال": (3/ 409)، "لسان الميزان":(4/ 483) .
3 هو الحسن بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، وليس هو بابن عبد الرحمن ابن عوف الزهري، ولكنه آخر بصري.
روى عن أبيه، وروى عنه كثير بن عبد الله اليشكري.
مجهول. "الجرح والتعديل": (3/ 23) .
4 هو عبد الرحمن بن عوف القرشي- فرق أبو حاتم الرازي بينه وبين الزهري.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقط.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس هذا عبد الرحمن بن عوف الزهري. وكذا قال الجوزجاني في "تاريخه".
"الجرح والتعديل": (3/ 23) ، "الإصابة،:(2/ 410) .
اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي وَالْأَمَانَةَ" 1.
67-
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ2، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ3 عَنْ أَبِيهِ4، عَنْ حَبَّةَ
1 أخرجه البغوي في "شرح السنة": (13/22) عن عبد الواحد بن أحمد المليحي.
وأورده السيوطي في "الجامع الصغير": (........) وعزاه إلى الحكيم الترمذي في "نوادره": ص 297، ومحمد بن نصر في "فوائده".
وأورده الذهبي في "العلو":. ص 51، وفي "ميزان الاعتدال ":(3/ 409)، وابن حجر في "الميزان":(4/ 483) ولم يعزه إلى أحد، وإنما قالوا حديث مسلم بن إبراهيم.
وجميعهم من طريق كثير بن عبد الله اليشكري عن الحسين بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه مرفوعا بنحوه.
قال الذهبي هذا حديث منكر.
وإسناد المؤلف ضعيف جدا، فإن كثير بن عبد الله لا يصح إسناده، وباقي رواته مجهولون.
وانظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة": رقم 1337.
2 لم أقف على ترجمته.
3 هو عمرو بن ثابت بن هرمز البكري أبو محمد، ويقال: أبو ثابت الكوفي، وهذا أبو عمرو بن أبي المقدام الحداد، مولى بكر بن وائل. روى عن أبيه وغيره.
ضعيف، رمي بالرفض، من الثامنة، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة.
أخرى له أبو داود، وابن ماجه في "التفسير".
4 هو ثابت بن هرمز الكوفي، أبو المقدام الحداد، مولى بكر بن وائل مشهور بكنيته.
روى عن جبه بن حوين العرني وغيره. وعنه ابنه عمرو بن ثابت وغيره. صدوق، يهم، من السادسة.
أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب الكمال": (1/173)، "تهذيب التهذيب":(2/16)، "تقريب التهذيب":ص 51.
الْعُرَنِيِّ1، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ2 لعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً قَدْ أَفْسَدَتْ عَلَيَّ قَلْبِي، وَشَكَّكَتْنِي فِي دِينِي، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنين: "ويحك يابن الْكَوَّاءِ، وَمَا هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي أَفْسَدَتْ عَلَيْكَ قَلْبَكَ وَشَكَّكَتْكَ فِي
1 هو حبة (بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة) بن جوين (بضم الجيم مصغرا) بن علي بن عبد نهم العرني (بضم مهملة وفتح راء فنون، "المغني: ص 185) البجلي، أبو قدامة الكوفي.
قال الطبراني: يقال: إن له رؤية.
روى عن علي بن أبي طالب وغيره.
صدوق، له أغلاط، وكان غاليا في التشيع، من الثانية، مات سنة ست وسبعين وقيل: تسع وسبعين.
أخرج له النسائي في خصائص علي.
"تهذيب التهذيب": (2/ 176)، "تقريب التهذيب": ص 62.
2 هو عبد الله بن الكواء، من رؤوس الخوارج، قال البخاري:"لم يصح حديثه". وقال الحافظ ابن حجر: "وله أخبار كثيرة مع علي، وكان يلزمه ويعييه في الأسئلة، وقد رجع عن مذهب الخوارج وعاود صحبة علي". "ميزان الاعتدال": (2/ 474)، "لسان الميزان":(3/ 329) .
دِينِكَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} 1، مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ وَمَا هَذِا الصَّفُّ؟ وَمَا هَذَا التَّسْبِيحُ؟ فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين: يابن الْكَوَّاءِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ فِي صُوَرٍ شَتَّى، وَإِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا فِي صُورَةِ دِيكٍ أَشْهَبَ، بَرَاثِنُهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ، وَعُرْفُهُ مُثَنًّى تَحْتَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، لَهُ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ مِنْ نَارٍ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ مِنْ ثَلْجٍ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ قَامَ عَلَى بَرَاثِنِهِ2 وَأَقَامَ عُرْفَهُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ صَفَّقَ بِجَنَاحَيْهِ كَمَا تُصَفِّقُ الدِّيَكَةُ فِي مَنَازِلِكُمْ، فَلَا الَّذِي مِنَ النَّارِ يُذِيبُ الثَّلْجَ، وَلَا الَّذِي مِنَ الثَّلْجِ يُطْفِئُ الَّذِي مِنَ النَّارِ، ثُمَّ نَادِى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ النَّبِيِّينَ، فَتَسْمَعُهُ الدِّيَكَةُ فِي مَنَازِلِكُمْ فَتُصَفِّقُ بِأَجْنِحَتِهَا فَتَقُولُ كَنَحْوٍ مِنْ قَوْلِهِ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل فِي كِتَابِهِ:{وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} 3.
1 سورة النور، الآية:41.
2 جمع برثن وهي من السباع والطير بمنزلة الأصابع من الإنسان.
"لسان العرب ": (13/ 50) .
3 لم أقف على من أخرجه غير المؤلف.
وقد ورد في هذا الملك الذي على صورة الديك الكثير من الأحاديث والآثار ذكر بعضها أبو الشيخ في كتاب "العظمة"، والسيوطي في "الحبائك في أخبار الملائك"، و"الوديك في أخبار الديك".
68-
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ1، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ2، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ3، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ4 أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أمِّ سَعْدٍ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ5 قَالَتْ:
1 لم أقف على ترجمته.
2 هو الوليد بن مسلم القرشي، تقدم ترجمته في (21) .
3 هو داود بن عبد الرحمن العطار العبدي، أبو سليمان المكي.
ثقة من الثامنة، مات لسنة أربع أو خمس وسبعين ومائة، وكان مولده سنة مائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 192)، "تقريب التهذيب": ص 96.
4 هو محمد بن زاذان المدني.
روى عن أم سعد امرأة من المهاجرات وغيرها.
وعنه داود بن عبد الرحمن العطار وغيره.
متروك، من الخامسة، روى له الترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب الكمال": (3/1198)، "تهذيب التهذيب":(9/165)، "تقريب التهذيب": ص 297.
5 أم سعد، قيل: إنها بنت زيد بن ثابت، وقيل امرأته، وقيل: إنها من المهاجرات، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عنها محمد بن زاذان.
روى لها أبو داود، وابن ماجه.
"الإصابة": (3/ 437)، "تهذيب التهذيب":(12/ 470) .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعَرْشُ عَلَى مَلَكٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ فِي صُورَةِ دِيكٍ رِجْلَاهُ فِي التُّخُومِ السُّفْلَى وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَجَنَاحَاهُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَإِذَا سَبَّحَ اللَّهَ ذَلِكَ الْمَلَكُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ إِلَّا سَبَّحَ"1.
69-
حَدَّثَنَا أَبِي، وَعَمِّي أَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ2 عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ3، قَالَ: "كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ
1 أورده السيوطي في "الحبائك": ص 59، و68، وعزاه إلى ابن مردويه والديلمي في "مسند الفردوس" عن أم سعد مرفوعا نحوه.
وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه محمد بن زاذان، وهو متروك، أما جعفر ابن محمد التميمي فلم أقف على ترجمته له.
2 هو سليمان بن حيان (في الخلاصة بتحتانية) الأزدي، أبو خالد الأحمر الكوفي الجعفري، نزل فيهم وولد بجرجان.
روى عن الأعمش وغيره.
وعنه ابنا أبي شيبة.
صدوق، يخطئ، من الثالثة، مات سنة تسعين ومائة أو قبلها، وله بضع وسبعون.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 181)، "تقريب التهذيب": ص 133.
3 هو خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة (في "الخلاصة" بفتح المهملتين بينهما موحدة ساكنة) واسمه: يزيد بن مالك بن عبد الله بن دويب الجعفي الكوفي، لأبيه ولجده صحبة.
روى عن الأعمش وغيره.
ثقة، كان يرسل، من الثالثة، مات بعد سنة ثمانين.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 178)، "تقريب التهذيب": ص 95.
صَدِيقًا لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: يَا ملك الموت مالك، تَأتِي أَهْلَ الدَّارِ فَتَأْخُذَ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ، وَتَدَعَ الدَّارَ إِلَى جَنْبِهِمْ لَا تَأْخُذَ مِنْهُمْ أحَدًا؟ قَالَ: مَا أَنَا بِأَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْكَ، إِنَّمَا أَكُونُ تَحْتَ الْعَرْشِ فيلقى إلي صكاكا1 فِيهَا أَسْمَاءٌ"2
1 مفردها صك، وهو الكتاب، فارسي معرب، وجمعه أصك وصكوك وصكاك.
"لسان العرب": (4/ 2475) .
2 أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": (13/205) .
وأحمد في "الزهد": ص 41.
وأبو نعيم في "الحلية": (4/119) من طريقين عن الأعمش عن خيثمة مثله.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 173)، وفي "الحبائك": ص 36، وعزاه إلى ابن أبي شيبة في "المصنف" عن خيثمة.
وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات إلا أبا الأحمر، فإنه صدوق، يخطئ. والذي يظهر أن الحديث من الإسرائيليات.
70-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ1، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ2، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ3، عَنِ الْحَكَمِ4، عَنْ
1 هو إسحاق بن منصور السلولي (بفتح المهملة وضم اللام) مولاهم أبو عبد الرحمن.
روى عنه ابن أبي شيبة وغيره.
صدوق، تكلم فيه للتشيع، من التاسعة، مات سنة أربع ومائتين، وقيل: بعدها.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 250)، "تقريب التهذيب": ص 30.
2 هو الحكم بن عبد الملك القرشي (بالضم والفتح نسبة إلى قريش) البصري نزل الكوفة.
روى عنه إسحاق السلولي وغيره. ضعيف، من السابعة.
روى له البخاري في رفع اليدين، والترمذي، وأبو داود في فضائل الأنصار، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (2/ 431)، "تقريب التهذيب": ص 80.
3 هو منصور بن زاذان (بزاي وذال معجمتين) الواسطي، أبو المغيرة الثقفي مولاهم.
روى عن الحكم بن عتيبة وغيره.
ثقة، ثبت، عابد، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين ومائة.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 306)، "تقريب التهذيب": ص 347.
4 هو الحكم بن عتيبة (بالمثناة ثم الموحدة مصغرا) الكندي مولاهم أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر الكوفي، وليس هو الحكم ابن عتيبة النهاس.
روى عن مجاهد وغيره.
ثقة، ثبت، فقيه إلا أنه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها، وله نيف وستون سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (2/432)، "تقريب التهذيب": ص 80.
مُجَاهِدٍ، قَالَ:"لَقِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَأتِي الْقَريَةَ فتَذْهَبَ بأَهْلِهَا، وَالْقَرْيَةُ الْأُخْرَى إِلَى جَنْبِهَا لا تذهب منهم بِأَحَدٍ؟ فَقَالَ: وَأَنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا؟ مَا لِي بِهَذَا عِلْمٌ، إِنَّمَا هِيَ رِقَاعٌ أَوْ صِكَاكٌ تَسْقُطُ إِلَيَّ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ"1.
71-
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى2، حَدَّثَنَا سَيْفٌ3، عَنِ
1 لم أجد من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف.
وإسناده جيد، ورجاله ثقات سوى الحكم بن عبد الملك، فإنه ضعيف، والأثر الذي قبله شاهد له، وهو بمعناه.
2 هو زكريا بن يحيى الكسائي الكوفي.
روى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت ابن معين عنه فقال: رجل سوء، يحدث بأحاديث سوء، وقال النسائي والدارقطني: متروك.
3 هو سيف بن محمد الثوري ابن أخت سفيان الثوري، كوفي نزل بغداد.
روى عن الأعمش وغيره.
كذبوه، من صغار الثامنة، مات في حدود التسعين ومائة.
روى له الترمذي.
"تهذيب التهذيب": (4/296)، "تقريب التهذيب": ص 142.
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَكْتُوبٌ فِي سَقْفِ الْعَرْشِ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"2.
1 هو ذكوان (بفتح معجمة وسكون كاف) أبو صالح السمان الزيات المدني مولى جورية بنت الأحمس الغطفاني.
روى عن أبي هريرة وغيره. وروى عنه الأعمش وغيره.
ثقة، ثبت، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 219)، "تقريب التهذيب": ص 98.
2 لم أجد من أخرجه بهذا اللفظ: "مكتوب في سقف العرش" غير المصنف. والحديث أخرجه من هذا الطريق، أي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا:
البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} . انظر: "فتح الباري": (13/ 384، حديث 7404) . وإسناد المؤلف ضعيف جدا، لأن فيه زكريا بن يحيى الكسائي وهو متروك، وسيف بن محمد قد كذب.
وقد ورد الحديث من طريق أخرى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بنحوه.
أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} .
وأيضا في كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} ، وباب قوله تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ، وباب قوله تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} .
انظر: "فتح الباري": (6/287) ، و (13/ 404، 440، 522) ، ومسلم في "صحيحه"، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله، وأنها سبقت غضبه:(8/ 95)، وأحمد في "مسنده":(2/ 258، 259، 358) .
72-
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ1، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ2، حَدَّثَنَا مسلمة بن حامد3، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْجُمَحِيِّ4 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَتَانِي جِبْرِيلُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا يُضْحِكُكَ؟ " قَالَ: "ضَحِكْتُ مِنْ رَحِمٍ رَأَيْتُهَا مُعَلَّقَةً بِالْعَرْشِ تَدْعُو اللَّهَ عَلَى مَنْ قَطَعَهَا"، قَالَ: "قُلْتُ: يَا
1 تقدم ترجمته في (16) .
2 هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي (بمفتوحة وشدة ميم) أبو عبد الصمد البصري الحافظ، ثقة، حافظ، من كبار التاسعة، مات سنة سبع وثمانين ومائة.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 346)، "تقريب التهذيب": ص 215.
3 سلمة بن حامد، ويقال: مسلمة بن حامد.
روى عن حبيب بن الضحاك. وعنه عبد العزيز بن عبد الصمد العمي.
قال ابن حجر: لا يعرف، وخبره منكر. وأورد ابن حجر في ترجمته هذا الحديث.
"لسان الميزان": (3/ 67) .
4 هو حبيب بن الضحاك الجهني، ويقال: الجمحي، هكذا في "الاصابة" لابن حجر.
وأورد هذا الحديث من طريق أبي نعيم، وشكك في صحبته. "الإصابة":(1/306) .
جِبْرِيلُ كَمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا؟ " قَالَ: "خَمْسَةَ عَشَرَ أَبًا" 1.
73-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ2، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ3، قَالَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ4، عَنْ
1 أورده ابن حجر في "الإصابة": (1/ 306)، "لسان الميزان":(3/ 67) ، وعزاه في "الإصابة" إلى أبي نعيم من طريق عبد العزيز العمي عن مسلمة بن خالد عن حبيب بن الضحاك مرفوعا مثله.
وأورده السيوطي في "الجامع"، وعزاه إلى أبي نعيم عن أبي موسى عن حبيب بن الضحاك مثله.
انظر: "كنز العمال": (3/ 370، حديث 6989)، وأخرجه في "أسد الغابة":(1/ 371) من طريق المؤلف.
قال ابن حجر: إسناده مجهول، وأظنه مرسلا.
وقد جاء من طريق آخر عن أنس- رضي الله عنه مرفوعا نحوه.
وأورده السيوطي في "الجامع"، وعزاه إلى الديلمي عن أنس نحوه.
انظر: "كنز العمال": (3/363، حديث 6951) .
2 لم أقف على ترجمته.
3 هو محمد بن جعفر السمناني (بكسر المهملة وسكون الميم ونونين) القومسي، أبو جعفر بن أبي الحسين الحافظ.
ثقة، من الحادية عشرة، مات قبل العشرين والمائتين.
أخرج له البخاري، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (9/ 99)، "تقريب التهذيب": ص 293.
4 هو إسحاق بن إبراهيم الحنيني (بمهملة ونونين مصغرا" أبو يعقوب المدني نزيل طرسوس.
ضعيف، من التاسعة، مات سنة ست عشرة ومائتين.
أخرى له أبو داود، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (1/ 222)، "تقريب التهذيب":ص 27.
هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ1، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ2، عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ جَاءُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:"مَا عِنْدِي وَلَكِنِ اسْتَقْرِضْ عَلَيْنَا" 4 حَتَّى يَأْتِيَنَا
1 هو هشام بن سعد المدني أبو عباد، ويقال: أبو سعد القرشي مولاهم.
روى عن زيد بن أسلم وغيره.
صدوق، له أوهام، ورمي بالتشيع، من كبار السابعة، مات سنة ستين أو قبلها.
روى له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
2 هو زيد بن أسلم العدوي، أبو أسامة، ويقال: أبو عبد الله المدني الفقيه مولى عمر.
روى عن أبيه وغيره. وعنه هشام بن سعد.
ثقة، عالم، وكان يرسل من الثامنة، مات سنة ست وثلاثين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب: (3/ 395) ، "تقريب التهذيب": ص 111.
3 هو أسلم العدوي مولاهم، أبو خالد، ويقال: أبو زيد، مولى عمر، روى عن مولاه عمر، وعنه ابنه زيد، ثقة، مخضرم، مات سنة ثمانين، وقيل: بعد الستين، وله أربع عشرة ومائة سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (1/ 266)، "تقريب التهذيب": ص 31.
4 من القرض وهو ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه، وجمعه قروض، وهو ما أسلفه من إحسان أو إساءة. "لسان العرب":(5/ 3589) .
فَنَقْضِيَكَ، قَالَ عُمَرُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [مَا كلفك الله] 1 (ق 60/ ب) هَذَا، أَعْطَيْتَ مَا عِنْدَكَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فَلَا تَكَلَّفْهُ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ حَتَّى عَرَفَ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ2، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَعْطِ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا3، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: "بِهَذَا أُمِرْتُ"4.
1 في "الأصل": "يا رسول الله هذا أعطيت"، والكلام لا يستقيم هكذا، فأثبت النقص من حديث الخرائطي.
2 هو عبد الله بن جذافة السهمي، كما جاء في رواية ابن جرير.
3 الإقلال: قلة الجدة، وقلة ماله، ورجل مقل وأقل: فقير. "لسان العرب": (5/ 3727)، مادة: قلل.
4 أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق": (ص 64، حديث 321)، طبعة مكتبة دار السلام بسنده قال: حدثنا علي بن زيد الفرائضي حدثنا أبو يعقوب الحنيني عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه مرفوعا بنحوه.
إسناده ضعيف، لأن فيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني وهو ضعيف.
ولكن الحديث قد جاء من طريق آخر عن جابر بن عبد الله.
أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (......) من طريق محمد بن عبد الله ابن الحكم المصري عن أبيه، وشعيب بن الليث عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال عن أبي سعيد أن جابر بن عبد الله أخبرهم فذكره بنحوه.
انظر: "كنز العمال": (6/ 577) .
قال السيوطي: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعلى هذا يكون الحديث صحيحا.
74-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ1، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ2، عَنْ مُحَارِبٍ3، عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولِ اللَّهِ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" أَوْ سَكَتَ، قَالَ: فَأَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قَالَ: "لَا أَدْرِي" أَوْ سَكَتَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:"لَا أَدْرِي"، قَالَ: سَلْ رَبَّكَ، قَالَ "مَا نَسْأَلُهُ عَنْ شَرٍّ"، وَانْتَفَضَ انْتِفَاضَةً كَادَ يَصْعَقُ مِنْهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا صَعِدَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ اللَّهُ عز وجل: "سَأَلَكَ مُحَمَّدٌ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ قُلْتَ: لَا أَدْرِي، وَسَأَلَكَ أيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قُلْتَ:
1 تقدمت ترجمته في (30) .
2 تقدمت ترجمته في (16) .
3 هو محارب (بضم أوله وكسر الراء) بن دثار (بكسر المهملة وتخفيف المثلثة) بن كردوس ابن قرواش بن جعوانة السدوسي (بفتح سين وضم دال مهملتين، "المغني": ص 138) أبو دثار، ويقال: أبو مطرف، وقيل غير ذلك.
روى عن ابن عمر وغيره. وعنه عطاء بن السائب وغيره. ثقة، إمام، زاهد، من الرابعة، مات سنة ست عشرة ومائة.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 49)، "تقريب التهذيب": ص 329.
لَا أَدْرِي"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَحَدِّثْهُ أَنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرَّ الْبِقَاعِ الْأَسْوَاقُ" 1.
75-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى2، حَدَّثَنَا أَبِي3،
1 أخرجه الحكيم الترمذي في "الرد على المعطلة": (ق 122/ 1)، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 278، والحاكم في "المستدرك":(1/90) .
وجميعهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا بنحوه.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 78- 79، وقال: هذا حديث غريب صالح الإسناد.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (2/ 6)، وعزاه إلى الطبراني في "الكبير":(1546)، وقال: فيه عطاء بن السائب وهو ثقة، ولكنه اختلط في آخر عمره، وبقية رجاله موثقون.
2 هو محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي.
روى عن أبيه وغيره. وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
صدوق، من العاشرة، روى عنه البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي.
"تهذيب التهذيب": (9/ 381)، "تقريب التهذيب": ص 314.
3 هو عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي.
روى عن أبيه وغيره.
وعنه ابنه محمد وغيره.
مقبول من الثامنة، روى له الترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (8/ 137)، "تقريب التهذيب": ص 265.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى1، عَنِ الْحَكَمِ2، عَنْ مِقْسَمٍ3، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَا جِبْرِيلُ مَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق 61/ أ) يُنَاجِيهِ، إِذِ انْشَقَّ أفُقُ السَّمَاءِ، فَدَخَلَ جِبْرِيلَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفٌ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ تمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ عَبْدًا نَبِيًّا، أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا، فَأَشَارَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ
1 هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة.
روى عنه ابنه عمران وغيره.
صدوق سيء الحفظ جدا، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين.
روى له الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 301)، "تقريب التهذيب": ص 308.
2 هو الحكم بن عتيبة (بالمثناة ثم الموحدة مصغرا) أبو محمد الكندي مولاهم، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر الكوفي.
ثقة، ثبت، فقيه، إلا أنه ربما دلس من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها وله نيف وستون سنة. روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 432)، "تقريب التهذيب": ص 80.
3 هو مقسم (بكسر أوله) بن بجرة (بضم الموحدة وسكون الجيم)، ويقال: نجدة (بفتح النون وبدال) أبو القاسم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، ويقال: مولى ابن عباس للزومه له.
صدوق، وكان يرسل، من الرابعة، مات سنة إحدى ومائة.
وما له في البخاري سوى حديث واحد.
وأخرج له الأربعة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 288)، "تقريب التهذيب": ص 346.
أَنْ تَوَاضَعْ، فَقُلْتُ:"عَبْدًا نَبِيًّا، فَارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ: "يَا جِبْرِيلُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا، فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا، مَا مِنْهَا نُورٌ يَكَادُ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ، بَيْنَ يَدَيْهِ لَوْحٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فَضَرَبَ جَبِينَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أمَرَهُ بِهِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيْ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ، قُلْتُ: وَعَلَى أَيْ شي مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، قُلْتُ: وعَلَى أَيْ شيء مَلَكُ الْمَوْتِ؟ [قَالَ] 1: عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ، وما ظننته (ق 61/ ب) هَبَطَ إِلَّا لِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ"2.
1 سقطت من "الأصل".
2 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 49/ ب)، وللطبراني في "المعجم الكبير":(11/ 379، حديث 12061)، والبيهقي في "شعب الإيمان":(1/109) . كلهم من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه به- نحوه-.
وأورده ابن كثير في "البداية والنهاية": (1/ 45- 46) ، وعزاه إلى الطبراني، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (1/ 91) ، وعزاه للطبراني وأبو الشيخ، والبيهقي، وقال: بسند حسن.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (1/ 19) : رواه الطبراني، وفيه محمد ابن أبي ليلى، وقد وثقه الجماعة، ولكنه سيء الحفظ، وبقية رجاله ثقات.
وأورده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (6/ 307) مختصرا، وقال: في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضعف لسوء حفظه ولم يترك. اهـ.
وقد توبع، وله شواهد، ويمكن أن يرتقي الحديث بهذه المتابعة والشواهد إلى درجة الصحة.
فقد رواه عن ابن عباس- أيضا- محمد بن علي بن عبد الله بن عباس مختصرا، بلفظ: قال: "كان ابن عباس يحدث أن الله أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة مع الملك جبريل عليه السلام، فقال له الملك: يا محمد إن الله عز وجل يخيرك بين أن تكون نبيا عبدا، أو نبيا ملكا، فالتفت رسول الله به إلى جبريل كالمستشير، فأومأ إليه أن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل نبيا عبدا" فما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم أكل متكئا حتى لحق بربه".
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير": (10/ 349، حديث 0686 1) بسنده عن بقية بن الوليد عن الزبيدي، عن الزهري عنه به، وبقية مدلس، وعنعن، وأيضا- محمد بن علي بن عبد الله ثقة، ولكن لم يثبت سماعه من جده كما في "التقريب":ص 312، ولذلك ضعفه الألباني. انظر:"الصحيحة": (4/3) .
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا.
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 231) عن محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة قال: ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة، قال: جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل
…
الحديث، بنحوه مختصرا إلى قوله:"بل عبدا رسولا".
وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد": (9/ 18- 19) إلى أحمد، والبزار، وأبي يعلى، وقال: رجال الأولين رجال الصحيح.
وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3/ 3، حديث 1552)، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأيضا، له شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعا.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير": (2 348/1، حديث 9 1335) عن أبي شعيب ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا أيوب بن نهيك، قال: سمعت محمد بن قيس المدني يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد هبط علي ملك من السماء، ما هبط على نبي قبلي، ولا هبط على أحد من بعد، وهو إسرافيل، وعندي جبريل
…
" الحديث بنحوه مختصرا.
وفي آخره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أني قلت نبيا ملكا، ثم شئت لسارت الجبال معي ذهبا".
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (19/9) : فيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف.
وله شاهد آخر عن أبي جعفر سيأتي برقم 78.
وبهذه المتابعة وهذه الشواهد يصح الحديث إن شاء الله تعالى.
76-
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ يَعْقُوبَ1، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ2،
1 لم أقف على ترجمته.
2 هو فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي، أبو علي الزاهد الخراساني.
روى عن أبان بن أبي عياش وغيره.
ثقة، عابد، إمام، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل قبلها.
أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
"تهذيب الكمال": (2/ 1103)، "تهذيب التهذيب":(8/ 294)، "تقريب التهذيب": ص 277.
عَنْ أَبَانَ1، عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنهما قَالَ:"قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "مَا مِنْ خَلْقِي أَحَدٌ أقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ"2.
1 هو أبان بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل مولى عبد القيس البصري، ويقال: دينار. روى عن أنس وأكثر عنه وغيره.
متروك، من الخامسة، مات في حدود الأربعين ومائة.
روى له أبو داود.
"تهذيب التهذيب": (1/ 97)، "تقريب التهذيب": ص 18.
2 لم أجد من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف.
وإسناده ضعيف، أبان بن أبي عياش متروك.
وله شاهد من حديث مرفوع عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما نحوه.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 46/ ب) بسنده عن الأحوص بن حكيم عن أبيه. عن عبد الرحمن بن عائذ عن، جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أقرب الخلق إلى الله تعالى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وإنهم من الله تبارك وتعالى لمسيرة خمسة آلاف سنة".
وأورده الذهبي في "العلو" ص 72، وقال: حديث يحيى بن سعيد الأموي
…
ثم ساق السند والمتن مثله، وعزاه إلى ابن منده في "الصفات" وشيخ الإسلام ني "الفاروق".
وقال: إسناده لين، لأن الأحوص ليس بمعتمد.
وأورده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة": (1/17) من رواية أبي الشيخ.
وفي "الدر المنثور"(1/94) بلفظ: "أقرب الخلق إلى الله جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وإسرافيل بينهم" وعزاه إلى أبي الشيخ عن جابر بن عبد الله مرفوعا.
وقال في "اللآلئ": عبد الرحمن بن عائذ روى له الأربعة، ووثقه النسائي، وحكيم بن عمير والد الأحوص صدوق، روى له أبو داود، وابن ماجه، وابنه الأحوص روى له ابن ماجه وضعف، ويحيى بن سعيد الأموي حافظ من رجال الشيخين، وابنه سعد ثقة، وروى عنه الأئمة الخمسة.
وأبو سعيد الثقفي كأنه عبد الغني بن سعيد، ضعفه ابن يونس، وذكره ابن حبان في "الثقات".
77-
حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ1، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ2، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
1 هو طاهر بن أبي أحمد الزبيدي، من أهل الكوفة.
يروي عن وكيع وأبي أسامة وأبي بكر بن عياش.
مستقيم الحديث.
"الجرح والتعديل": (4/499)، و"الثقات" لابن حبان:(8/328) .
2 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري، وقيل: الأزدي، مولاهم أبو سعيد البصري اللؤلؤي، الحافظ، الإمام، العلم. روى عن حماد بن سلمة وغيره. وعنه أحمد بن أبي طاهر الزبيري وغيره.
ثقة، ثبت، عارف بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة في جماد الآخرة وله ثلاث وستون سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (9/819، 820)، "تهذيب التهذيب":(6/279)، "تقريب التهذيب": ص 210.
سَلَمَةَ1، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ2، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى3 أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ [هَلْ تَرَى رَبَّكَ] 4؟ فَقَالَ: "إِنَّ
1 تقدم في.
2 هو عبد الملك بن حبيب الأزدي، ويقال: الكندي، أبو عمران الجوني (بفتح الجيم وسكون الواو وكسر النون، وهذه النسبة إلى جون بطن من أزد، "الأنساب": 3/ 425) البصري مشهور بكنيته.
روى عنه حماد بن سلمة وغيره.
ثقة من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل بعدها.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (2/ 851)، "تهذيب التهذيب":(6/389)، "تقريب التهذيب": ص 218.
3 هو زرارة (بضم أوله) بن أوفى العامري الحرشي (بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة) أبو حاجب البصري القاضي، ثقة عابد، من الثالثة، مات فجأة في الصلاة سنة ثلاث وتسعين وقد فرق ابن حجر بينه وبين زرارة بن أوفى العامري الصحابي.
روى له الجماعة.
"الإصابة": (1/ 528)، "تهذيب التهذيب":(3/ 322)، "تقريب التهذيب": ص 106.
4 هذه العبارة سقطت من "الأصل"، وقد أثبتها لورودها في المصادر الأخرى.
بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ لَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَحَدِهَا احْتَرَقْتُ" 1.
1 أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 172، و"الرد على الجهمية": ص 31، عن موسى بن إسماعيل.
وأخرجه أبو الشيخ: (ق 47/أ) من طريق موسى بن إسماعيل.
وأخرجه ابن أبي زمنين في "أصول السنة": (ص 318، حديث 40) عن أحمد بن مطرف بن العناقي عن نصر عن أسد قال: حدثنا الحسن بن بلال.
وجميعهم من طريق حماد بن سلمة عن زرارة بن أوفى مرسلا بنحوه. وعند الدارمي وأبي الشيخ زيادة: "فانتفض جبريل"، وأورده البيهقي في "الأسماء والصفات": ص 508، 509 عن ابن شقيق.
وأورده السيوطي في "اللآلئ المصنوعة": (1/17) من رواية أبي الشيخ، وقال: هذا مسند صحيح الإسناد، ورواه أبو زكريا البخاري في "فوائده" من طريق عبد الرحمن بن مهدي. اهـ.
والصحيح أن إسناده مرسل، لأن زرارة بن أوفى تابعي لم ير النبي صلى الله عليه وسلم.
وله شاهد من حديث أنس – رضي الله عنه.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 145/أ) عن محمد بن يحيى والوليد.
وأخرجه سمويه في "فوائده": (ق 145/1) ، مصور الجامعة 543) عن حسين بن حفص.
والطبراني في "الأوسط" انظر: "مجمع البحرين": (1/10) بسنده عن عمرو بن عثمان.
وجميعهم عن أبي القاسم قائد الأعمش عن الأعمش عن أنس – رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "هل ترى ربك؟ قال: إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور ومن نار، لو رأيت أدناه لاحترقت".
قال الطبراني: لم يروه عن الأعمش إلا أبو مسلم. اهـ.
وإسناده ضعيف، لأن أبا مسلم ضعيف، قال أبو داود: عنده أحاديث موضوعة، ولذا أورده الألباني في "ضعيف الجامع الصغير":(3/207)، وقال فيه: ضعيف.
انظر "اللآلئ المصنوعة": (1/15)، و"مجمع الزوائد":(1/79) .
78-
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ1، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ3، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ4، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، بَيْنَمَا
1 تقدم ترجمته في (9) .
2 هو نصر بن مزاحم العطار المنقري (بكسر ميم وسكود نون وفتح قاف وراء، "المغني": ص 249) أبو الفضل الكوفي.
روى عن قيس بن الربيع وطبقته.
رافضي جلد، تركوه، وضعفه الدارقطني، وقال أبو خيثمة: كان كذابا، وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك،.
مات سنة اثنتي عشرة ومائتين.
"الجرح والتعديل": (8/ 468)، "ميزان الاعتدال":(4/ 453)، "لسان الميزان":(6/ 157) .
3 هو عمرو بن شمر (بفتح الشين وكسر الميم، "المغني": ص 144) الجعفي الكوفي، الشيعي، أبو عبد الله، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات.
"الكامل " لابن عدي: (5/ 1779)، "ميزان الاعتدال":(3/ 268)، "لسان الميزان":(4/ 366) .
4 هو عمارة بن غزية (بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة) بن الحارث بن عمرو بن غزية بن عمرو الأنصاري المازني المدني.
لا بأس به، من السادسة، مات سنة أربعين ومائة.
أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 422)، "تقريب التهذيب": ص 251.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ حَتَّى جَاءَتْ مِنْ جِبْرِيلَ نَظْرَةٌ قِبَلَ السَّمَاءِ فَامْتَقَعَ1 لَهَا لَوْنُهُ حَتَّى صَارَ كَرَمْدَةٍ2 وَلَاذَ رَسُولُ اللَّهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ نَظَرَ جِبْرِيلُ، فَإِذَا هُوَ بِشَيْءٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ:"يَا مُحَمَّدُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ يُخَيِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا رَسُولًا أَوْ عَبْدًا رَسُولًا، فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا هُوَ قَدْ رَجَعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ ضَرَبَ رُكْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: تَوَاضَعْ وَكُنْ عَبْدًا رَسُولًا، أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَكُونُ رَسُولًا"، فَرَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، ثُمَّ رَفَعَ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَفَعَ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَوَضَعَهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ كُلَّمَا ارْتَفَعَ بَعُدَ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ
1 امتقع لونه إذا تغير من حزن أو فزع.
"لسان العرب": (6/ 4244)، مادة: مقع.
2 أي صار لونه كلون الرماد.
"لسان العرب": (3/ 727)، مادة: رمد.
لِجِبْرِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ"، وَجِبْرِيلُ يَقُولُ، لِلنَّبِيِّ:"يَا نَبِيَّ اللَّهِ"-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ:"يَا جِبْرِيلُ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ ذُعْرًا وَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أذْعَرَكَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِكَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تَلُمْنِي أَنْ أُذْعَرَ مِنْ هَذَا، إِنَّ هَذَا إِسْرَافِيلُ وَهُوَ حَاجِبُ الرَّبِّ، وَمَا يَزُولُ مِنْ مرتبته بَيْنِ يَدَيْهِ مُنْذُ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ، فلما رأيته (ق 62/ أ) رَأَيْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْتَ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنِي، فَلَمَّا رَئَيْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا اخْتَصَّكَ اللَّهُ بِهِ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، وَهَذَا الَّذِي تَرَى مِنْ أقْرَبِ خَلْقِ اللَّهِ، إِلَى اللَّهِ اللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ1، وَهُوَ مَلَكٌ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ"2.
79-
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ3، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ4، قال ذكر مطرح بْنُ
1 في "الأصل": "ياقوت حمراء"، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
2 لم أجد من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف.
وإسناده ضعيف جدا، لأن فيه نصر بن مزاحم وعمرو بن شمر، وكلاهما متروك الحديث.
وله شاهد قد تقدم في رقم (75) ، وقد تكلمت فيه على طرق الحديث.
3 عبيد بن أبي هارون، روى عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي. وروى عنه موسى بن إسحاق الأنصاري. مجهول.
"الجرح والتعديل": (6/ 7) .
4 هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي، روى عن مطرح بن يزيد وغيره، لا بأس به وكان يدلس، قاله أحمد. من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومائة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (2/ 815)، "تهذيب التهذيب":(6/ 265)، "تقريب التهذيب": ص 209.
يَزِيدَ1، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ2، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ3، عَنِ
1 هو مطرح (بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا وكسر ثالثه ثم مهملة) بن يزيد الأسدي الكناني، أبو المهلب الكوفي، عداده في الشاميين، روى عن عبيد الله ابن زحر وغيره. وعنه المحاربي وغيره.
ضعيف، من السادسة. روى له البخاري، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (10/ 171)، "تقريب التهذيب": ص 329.
2 هو عبيد الله بن زحر (بفتح الزاي وسكون المهملة) الضمري (بمفتوحة وسكون ميم، "المغني": ص 156) ، مولاهم الإفريقي، ولد بإفريقية ودخل العراق في طلب العلم، روى عن علي بن يزيد الألهاني نسخة وغيره.
صدوق، يخطئ، من السادسة. أخرج له البخاري في "رفع اليدين"، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (7/ 12)، "تقريب التهذيب": ص 224.
3 هو علي بن يزيد بن أبي هلال الألهاني (بمفتوحة وسكون لام وبنون، "المغني": ص 31) .
ويقال: الهلالي، أبو عبد الملك، ويقال: أبو الحسن الدمشقي. روى عن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة نسخة كبيرة وغيره. وعنه عبيد الله بن زحر وغيره.
ضعيف، قال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها، من السادسة مات سنة بضع عشرة ومائة.
روى له الترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (7/ 396)، "تقريب التهذيب": ص 249.
الْقَاسِمِ1، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رضي الله عنه-2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا انْتَهَى مَلَكُ الْمَوْتِ بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ لَهُ: مَرْحَبًا بِهَذِهِ النَّفْسِ الطَّيِّبَةِ وَبِجَسَدٍ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ لِشَيْءٍ: مَرْحَبًا، رَحَّبَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ الضِّيقُ، انْطَلِقُوا بِهَذِهِ النَّفْسِ الطَّيِّبَةِ فَأَرُوهَا مَقْعَدَهَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَاعْرِضُوا عَلَيْهَا مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنَ الْكَرَامَةِ، مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْخَدَمِ وَالْأَزْوَاجِ، ثُمَّ اهْبِطُوا بِهَا إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّهَا قَدْ قَضَيْتُ أنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى"3.
80-
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو4
1 هو القاسم بن عبد الرحمن. تقدم في (12) .
2 تقدم في (12) .
3 لم أقف على من أخرجه من هذا الطريق غير المؤلف.
وإسناده ضعيف جدا، عبيد بن أبي هارون مجهول، ومطرح بن يزيد وعبيد الله بن زحر ويزيد الألهاني كلهم ضعفاء، قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم. وقال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها.
4 هو سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، الأشعثي، أبو عثمان الكوفي.
روى عن سفيان بن عيينة وغيره. وعنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث ومائتين.
روى له مسلم، والنسائي.
"تهذيب الكمال": (1/ 500)، "تهذيب التهذيب":(4/68)، "تقريب التهذيب": ص 124.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ1، عَنْ عَمْرٍو2، عَنْ عِكْرِمَةَ3، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى الْأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا- خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَصَوْتِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فذَلِكَ قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 4، قَالَ: وَيُسْتَرَقُ السَّمْعُ
1 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي. روى عن عمرو بن دينار وغيره.
ثقة، حافظ، فقيه، إمام، حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة. أخرج له الجماعة.
"تقريب التهذيب": ص 128.
2 هو عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي، مولاهم، أحد الأعلام روى عن عكرمة وغيره.
ثقة، ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (8/ 28)، "تقريب التهذيب": ص 259.
3 تقدم في (13) .
4 سورة سبأ، الآية:23.
هَكَذَا1 - فَوَصَفَ سُفْيَانُ2 بِيَدِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ - يُسْتَرَقُ السَّمْعُ، فَرُبَّمَا أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، وَرُبَّمَا لم يدركه حتى يَرْمِي بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيَرْمِي بِهَا هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى يُلْقِيَهَا3 عَلَى فَمِ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقَ فِيهَا، فَيُقَالُ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ السَّمَاءِ "4.
1 في "الأصل": بياض بعد كلمة السمع بقدر كلمة، ولكن الكلام مستقيم وتام.
2 وهو سفيان بن عيينة.
3 في "الأصل": "تلقاها" بالتاء، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
4 أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التفسير، باب {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} . انظر:"فتح الباري": (8/ 537، 538، حديث 4800) ، والتترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، سورة سبأ:(5/ 362، حديث 3223) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية:(1/ 70)، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 147، وابن جرير في "تفسيره" سورة سبأ:(22/ 91)، والدارمي في "الرد على الجهمية": ص 91، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 261.
وجميعهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه. بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 79، وعزاه إلى البخاري.
قلت: وإسناد المؤلف جيد، ورجاله كلهم ثقات.
التعليق:
الحديث من الأدلة المثبتة لعلو الله وارتفاعه فوق سمواته- سبحانه وتعالى وهو يشابه من حيث المعنى الحديث الوارد تحت رقم (21) ، وهما في الدلالة واحد، فلذلك أكتفى بما علقته في ذلك الموضع.
81-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى1، عَنْ سَعِيدٍ2، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ3، قَالَ: "لَيْسَ يَصْعَدُ إِلَى
1 هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد، وقيل: ابن شراحيل القرشي البصري السامي (بالمهملة) أبو محمد، ويلقب أبا همام. روى عن سعيد ابن أبي عروبة وغيره.
ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (6/ 96)، "تقريب التهذيب": ص 195.
2 هو سعيد بن أبي عروبة (بفتح المهملة وضم راء خفيفة وبموحدة، "المغني":ص 173) واسمه مهران العدوي، مولى بني عدي بن يشكر، أبو النضر البصري، روى عن أبي نضرة العبدي وغيره.
ثقة، حافظ، له تصانيف، لكنه. كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة.
من السادسة، مات بعد الخمسين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 62)، "تقريب التهذيب": ص 124.
3 هو المنذر بن مالك بن قطعة (بضم القاف وفتح المهملة) أبو نضرة (بنون ومعجمة ساكنة) العبدي ثم العوقي (بفتح المهملة ثم واو ثم قاف) مشهور بكنيته، روى عنه سعيد بن أبي عروبة وغيره.
ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومائة.
"تهذيب التهذيب": (10/ 302)، "تقريب التهذيب": ص 347.
اللَّهِ1 مِنْكُمْ إِلَّا ثَلَاثَةُ خِصَالٍ"، قِيلَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "عَمَلٌ صَالِحٌ، وَقَوْلٌ صَالِحٌ، وَرُوحٌ طَيِّبَةٌ"2.
82-
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ بِشْرٍ3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ4، عَنْ لَيْثٍ5، عَنْ مُجَاهِدٍ6، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَفَّ المهاجرين والأنصار (ق 62/ ب)
1 في "الأصل": "السماء"، وفي الحاشية صححت بما أثبته.
2 لم أقف على من أخرجه غير المؤلف.
وإسناده منقطع، ورجاله ثقات.
3 لم أقف على ترجمته.
4 هو محمد بن فضيل بن غزوان، تقدمت ترجمته في (49) .
5 هو ليث بن أبي سليم، تقدمت ترجمته في (45) .
6 هو مجاهد بن جبر (بفتح الجيم وسكون الموحدة) المكي أبو الحجاج المخزومي، المقرئ، مولى السائب بن أبي السائب، روى عن ابن عباس وغيره. وعنه الليث بن أبي سليم وغيره.
ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون سنة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1305)، "تهذيب التهذيب":(10/ 42)، "تقريب التهذيب": ص 328.
صَفَّيْنِ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ عليهما السلام، فَمَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَضَحِكَ رسول الله عبيد فَقَالَ عَلِيٌّ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "هَبَطَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ بَاهَى بِي، وَبِكَ يَا عَبَّاسُ، وَبِكَ يَا عَلِيُّ حَمَلَةَ العرش، وباهى بالمهاجرين وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا"1.
83-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ2، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
1 أورده الذهبي في "العلو": ص 88، وعزاه إلى المؤلف.
وأورده صاحب "كنز العمال": (13/ 513، حديث 37316) ، وعزاه إلى ابن عساكر عن ابن عباس.
قال الذهبي: هذا حديث موضوع في نقدي، فلا أدري من آفته، وسفيان مشهور ما رأيت فيه جرحا، فيضعف برواية مثل هذا.
وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه.
أورده صاحب "كنز العمال": (13/ 544، حديث 37356) ، وعزاه إلى ابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
2 هو الفضل بن دكين وهو لقب، واسمه: عمرو بن حماد بن زهير ابن درهم التميمي مولى آل طلحة، أبو نعيم الملائي (بمضمومة وخفة لام وبمد وبياء في آخره، "المغني": ص 249) الكوفي، الأحول، روى عن يونس بن أبي إسحاق وغيره، وعنه عثمان بن أبي شيبة وغيره.
ثقة، ثبت، من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة ومائتين، وهو من كبار شيوخ البخاري.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (8/ 270)، "تقريب التهذيب": ص 275.
أَبِي إِسْحَاقَ1، عَنْ مُجَاهِدٍ2، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إن الله ليباهي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ قَالَ: يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا 3 غُبْرًا4"5.
1 هو يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي أبو إسرائيل، الكوفي.
روى عن مجاهد بن جبر المكي وغيره. وعنه الفضل بن دكين وغيره. صدوق يهم قليلا، من الخامسة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة على الصحيح.
أخرج له البخاري في القراءة خلف الإمام، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1565)، "تهذيب التهذيب":(11/ 433)، "تقريب التهذيب": ص 390.
2 هو مجاهد بن جبر المكي، تقدم (82) .
3 الشعث: المغبر الرأس، المنتف الشعر، الجاف الذي لم يدهن، "لسان العرب":(4/ 2272)، ما دة: شعث.
4 من الغبرة وهو لون الغبار، ويقال: أغبر الشيء، أي: علاه الغبار. "لسان العرب": (5/ 3206)، ما دة: غبر.
5 أخرجه أحمد في "مسنده": (2/305)، والحاكم في "المستدرك":(1/ 465)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وكلاهما من طريق يونس عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
وله شاهد من طريق آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
أخرجه أحمد في "مسنده": (2/ 224) .
وأورده صاحب "كنز العمال": (5/65، حديث 12073) ، وعزاه إلى أحمد، والطبراني في "الكبير".
84-
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ1، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ2، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ3، عَنْ أَبِي سَعْدٍ4، عَنِ الْحَسَنِ5 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ
1 تقدم ترجمته في.
2 هو إسماعيل بن عياش بن سليم (بضم المهملة وفتح اللام) العنسي (بمفتوحة وسكون نون وبسين مهملة، "المغني": 187) أبو عتبة الحمصي، روى عن محمد بن مهاجر الأنصاري وغيره.
صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة.
أخرج له البخاري في رفع العيدين، والأربعة.
"تهذيب الكمال": (1/106، 107)، "تهذيب التهذيب":(1/ 321)، "تقريب التهذيب": ص 34.
3 هو محمد بن مهاجر بن أبي مسلم واسمه دينار الأنصاري الشامي الأشهلي، أخو عمرو بن مهاجر، مولى أسماء بنت يزيد الأشهلية، روى عن أبي سعد خادم الحسن البصري وغيره. وعنه إسماعيل بن عياش وغيره.
ثقة، من السابعة، مات سنة سبعين ومائة.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1277)، "تهذيب التهذيب":(9/ 477)، "تقريب التهذيب": ص 320.
4 هو أبو سعد، خادم الحسن البصري، قال الذهبي: لا يدرى من ذا، وخبره باطل.
"ميزان الاعتدال": (4/ 529) .
5 هو الحسن البصري.
عَرَفَةَ بِالنَّاسِ عَامَّةً، وَيُبَاهِي بِعُمَرَ خَاصَّةً"1.
85-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ2، عَنْ لَيْثٍ3، عَنِ الْقَاسِمِ
1 أورده الذهبي في "ميزان الاعتدال": (4/ 529) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" بسنده عن الحسن عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وفي سند المؤلف أبو سعد، لا يدرى من هو، وخبره باطل.
وقد روي من طريق آخر عن ابن عباس:
أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 192)، وأخرجه السهمي في "تاريخ جرجان": ص 129. بسندهما عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله باهى بالناس يوم عرفة، وباهى بعمر خاصة".
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال ابن حبان: موسى بن عبد الرحمن دجال يضع الحديث.
وقد روي من طريق آخر عن عقبة بن عامر:
أخرجه ابن عدي في "الكامل": (2/ 464) .
وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية": (1/ 191) .
وكلاهما بسندهما عن بكر بن يونس الشيباني عن أبي لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله- تبارك وتعالى باهى الملائكة عشية عرفة بعمر بن الخطاب- رضي الله عنه".
قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح، أما مشرح فقد مذا فيه وأما ابن لهيعة فذاهب الحديث. قال أبو زرعة: ليس هو ممن يحتج به، وأما بكر بن يونس فقال البخاري وأبو حاتم الرازي: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. اهـ.
2 هو جرير بن عبد الحميد، تقدمت ترجمته في.
3 هو ليث بن أبي سليم تقدم في (45) .
بْنِ أَبِي بَزَّةَ1، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ:"أَمَّا مَوْقِفُكَ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إلى عِبَادِي شعثا غبرا جاءوني مِنْ كُلِّ فَجٍّ2 عَمِيقٍ، جَاءُونِي يَرْجُونَ مَغْفِرَتِي، وَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ3 وَعَدَدُ قَطْرِ السَّمَاءِ، وأيَّامَ الدُّنْيَا لَغَفَرَهَا اللَّهُ لَكَ"4.
86-
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ5، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ6، حَدَّثَنَا
1 هو القاسم بن أبي بزة (بفتح الموحدة تشديد الزاي) واسمه نافع، ويقال: يسار، ويقال: نافع بن يسار، المكي أبو عبد الله، ويقال: أبو عاصم القارئ المخزومي مولاهم، قيل: أن أصله من همدان.
ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس عشرة ومائة، وقيل قبلها.
روى له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (2/1107)، "تهذيب التهذيب":(8/ 310)، "تقريب التهذيب": ص 278.
2 الفج: هو الطريق الواسع بين جبلين.
"لسان العرب": (5/ 3350)، مادة: فجج.
3 العالج: هو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض.
"لسان العرب": (4/ 3066)، مادة: علج.
4 لم أقف على من أخرجه غيره.
5 لم أقف على ترجمته.
6 هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني (بمضمومة وفتح هاء وبنون، "المغني": ص 68) مولاهم، أبو صالح المصري، كاتب الليث، روى عن الليث بن سعد وغيره.
صدوق، كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وله خمس وثمانون سنة.
أخرج له البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (5/ 265)، "تقريب التهذيب": ص 177.
اللَّيْثُ1، قال: حدثني زياد بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ2، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ3، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ
1 هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي (بمفتوحة وسكون هاء، "المغني": 199) أبو الحارث الإمام المصري، روى عن زيادة بن محمد الأنصاري وغيره، وعنه كاتبه عبد الله بن صالح وغيره.
ثقة، ثبت، فقيه، إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة.
أخرج له الجماعة.
"تهذيب الكمال": (3/ 1152)، "تهذيب التهذيب":(8/ 459)، "تقريب التهذيب": ص 287.
2 هو زيادة بن محمد الأنصاري، روى عن محمد بن كعب القرظي وعبد بن أنس بن مالك، وعنه الليث بن سعد وابن لهيعة.
منكر الحديث، من السادسة.
روى له أبو داود والنسائي حديثا واحدا، في الرقية من حصاة البول. "تهذيب التهذيب":(3/ 292)، "تقريب التهذيب": ص 111.
3 هو محمد بن كعب بن سليم بن أسد أبو حمزة القرظي المدني، كان أبوه من سبي قريظة، وكان قد نزل الكوفة مدة.
روى عن فضالة بن عبيد وغيره.
ثقة، عالم، من الثالثة، ولد سنة أربعين على الصحيح، ووهم من قال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال البخاري أن أباه كان ممن لم يثبت من سبي قريظة، ومات محمد سنة عشرين ومائة، وقيل غير ذلك.
روى له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (9/ 420)، "تقريب التهذيب": ص 316.
عَنْهُ-1، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه -2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَفْتَحُ الذكر في (ق 63/ أ) السَّاعَةِ الْأُولَى، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَاعةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ يَسْكُنْهَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ وَلَا يَسْكُنُهَا مَعَهُ مِنَ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ
1 هو فضالة بن عبيد بن نافذ (بفاء وذال معجمة) بن قيس بن صهيبة، ويقال: صهيب بن الأصرم، أبو محمد الأنصاري شهد أحدا وما بعدها، وولاه معاوية الغزو وقضاء دمشق، واستخلفه على دمشق لما غاب عنها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمرو وأبي الدرداء وجماعة، وروى عنه محمد بن كعب القرظي وغيره.
"تهذيب التهذيب": (8/ 267)، "تقريب التهذيب": ص 175.
2 هو عويمر بن مالك، مشهور بكنيته وباسمه جميعا، واختلف في اسمه، فقيل هو: عامر وعويمر، واختلف في اسم أبيه، فقيل: ابن مالك، وقيل: ابن زيد، وقيل: ابن عبد الله، وقيل: ابن عامر، توفي في خلافة عثمان. "الإصابة":(3/ 45)، "تهذيب التهذيب":(8/ 175) .
الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُولُ: قُومِي بِعِزَّتِي ثم يطلع على عِبَادِهِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ يُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، وَهَلْ مِنْ دَاعٍ أُجِيبَهُ، حَتَّى يَكُونَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} 1 فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ" 2.
87-
حَدَّثَنَا الْمِنْجَابُ الْحَارِثِ3، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ4، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ5، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ
1 سورة الإسراء، الآية:78.
2 أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 39، وابن خزيمة في "التوحيد": ص 135، وابن جرير في "تفسيره":(15/ 139)، والدارقطني في "النزول": ص 151- 152.
وجميعهم من طريق الليث بن سعد عن زياد بن محمد الأنصاري عن محمد ابن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء مرفوعا نحوه.
وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال": (2/98) عن أبي صالح بسنده عن أبي الدرداء بنحوه.
وقال الذهبي: "فهذه الألفاظ منكرة لم يأت بها غير زيادة".
وإسناده ضعيف، لأن فيه محمد بن زيادة وهو منكر الحديث.
3 تقدمت ترجمته في رقم.
4 تقدمت ترجمته في رقم (27) .
5 هو الأحوص بن حكيم بن عمير، وهو عمرو بن الأسود العنسي (بالنون) أو الهمداني الحمصي.
روى عن المهاجر بن حبيب وغيره. وعنه بشر بن عمارة وغيره.
ضعيف الحفظ، من الخامسة، وكان عابدا. أخرج له ابن ماجه.
"تهذيب الكمال": (1/ 72)، "تهذيب التهذيب":(1/ 192)، "تقريب التهذيب": ص 25.
حَبِيبٍ1، عَنْ مَكْحُولٍ2، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ3 رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:"إِنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ"4.
1 في الأصل": المهاجر بن حبيب، والصواب هو: المهاصر بن حبيب، أبو ضمرة الزبيدي الشامي، أخو ضمرة بن حبيب الزبيدي.
روى عن الشاميين، سمع منه معاوية بن صالح والأحوص بن حكيم.
وثقه ابن حبان.
"التاريخ الكبير" للبخاري: (4/ 2/ 66)، "الثقات" لابن حبان:(7/ 525، 526) .
2 هو مكحول الشامي، أبو عبد الله. ثقة، فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة. "تقريب التهذيب": ص 347.
3 هو أبو ثعلبة الخشني (بضم المعجمة وفتح الشين المعجمة بعدها نون) صحابي مشهور بكنيته. "تقريب التهذيب": ص 398.
4 أخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة": (1/223، حديث 511)، والدارقطني في "النزول":(ص 161، حديث 81) ، والبيهقي في "الشعب".
جميعهم من طريق الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا مثله.
وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه بشر بن عمار وهو ضعيف، وفيه الأحوص ابن حكيم وهو ضعيف الحفظ.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (8/ 65) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط"، وقال: فيه الأحوص بن حكيم، وهو ضعيف.
وقال المنذري في "الترغيب": (3/ 462)، قال البيهقي: وهو بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد.
وللحديث شواهد وطرق أخرى أخرجها ابن أبي عاصم في "كتاب السنة"، والدارقطني في "النزول"، وبهذه الشواهد والطرق يرتقي الحديث إلى درجة الصحة.
وذلك لأنه روي عن جمع من الصحابة، بلغ عددهم الثمانية كما ذكر ذلك الألباني، وقد جمع هذه الأحاديث بطرقها وشواهدها الشيخ حماد الأنصاري في رسالة سماها "إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان".
وكذلك الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (حديث 1144) .
التعليق:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "قد روي في فضل ليلة النصف من شعبان من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه الأحاديث الصحيحة. ومن العلماء من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: "إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب"، وقال لا فرق بينها وبين غيرها.
ولكن الذي عليه أكثر أهل العلم- وأكثرهم من أصحابنا وغيرهم- على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها شيء آخر.
وأما صوم يوم النصف مفردا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة وتظهر فيه الزينة، وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها.
وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف من الاجتماع العام للصلاة الألفية- وهي التي يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة- في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدور والأسواق، فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيد بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب الصلاة بناء عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه، ولو سوغ أن كل ليلة لها نوع فضل تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها لكان يفعل مثل هذه الصلاة، أو أزيد، أو أنقص ليلتي العيدين، وليلة عرفة، كما أن بعض أهل البلاد يقيمون مثلها أول ليلة من رجب
…
" الخ.
انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم": ص 352- 353.
وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" ص 144: "لم يثبت قيامها وصيامها بعينها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان ابن عامر، وغيرهم أنهم كانوا يعظمون هذه الليلة، ويجتهدون فيها بالعبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، ومن ذلك طائفة من عباد البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، قالوا ذلك كله بدعة. اهـ.
وقد زعم البعض أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة المقصودة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان، الآيتان: 3- 4] .
وقد رد على هذا الزعم الطبري، وابن كثير، والقرطبي، وبينوا أن القرآن قد نص على أنها في رمضان.
قال ابن كثير: "ومن قال إن الليلة المباركة في سورة الدخان هي ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان". "تفسير ابن كثير": (4/137) .
وقال القرطبي في "تفسيره"(16/128) : "ومن العلماء من قال: إن ليلة القدر في شعبان، وهي ليلة النصف من شعبان وهو قول باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [سورة البقرة، الآية: 185] ، فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عين من زمانه الليل ههنا {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها" اهـ من كلام القرطبي.
88-
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ1، عَنْ لَيْثٍ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ3، عَنْ أَنَسِ بن مالك (ق 63/ ب) رضي الله عنه
1 هو جرير بن عبد الحميد، تقدم في (35) .
2 وهو ليث بن أبي سليم، تقدم في (45) .
3 هو عثمان بن عمير (بالتصغير) البجلي، أبو اليقظان الكوفي، الأعمى، ويقال: ابن قيس، ويقال: ابن أبي حميد.
وفي "التقريب": والصواب أن قيسا جد أبيه، روى عن أنس وغيره.
ضعيف، اختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع، من السابعة، مات في حدود الخمسين ومائة. أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (7/ 145)، "تقريب التهذيب": ص 235.
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الرَّبَّ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا مِنْ مِسْكٍ أفْيَحَ 1، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ عَنْ كُرْسِيِّهِ مِنْ عِلِّيِّينَ 2 وَحُفَّ الكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَواْهَرِ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّونَ فَيَجْلِسُونَ عَلَى تِلْكَ الْمَنَابِرِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ فَيَجْلِسُونَ عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمِ نِعْمَتِي، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي فَاسْأَلُونِي قَالَ: فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، قَالَ: فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ عز وجل"3.
1 الأفيح: هو كل موضع واسع.
"لسان العرب": (5/ 3498)، مادة: فيح.
2 هكذا في "الأصل" وفي المصادر الأخرى: "على كرسيه من عليين"، وهذا هو الصواب، وبه يستقيم سياق الكلام.
3 أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 45، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 48، 49، والذهبي في "العلو": ص 28.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 30، وعزاه إلى القاضي أبي أحمد العسال في "كتاب المعرفة"، والدارقطني من طريقين عن عثمان بن أبي حميد، عن أنس بن مالك مرفوعا بنحوه.
وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه ليث بن أبي سليم، قال فيه الحافظ: صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك، كما أن فيه عثمان بن أبي حميد، وهو ضعيف، ولكنه قد توبع، فقد رواه عن أنس عبد الله بن بريدة بنحوه.
أخرجه الذهبي في "العلو": ص 29.
وأيضآ، رواه عن أنس عمر بن عبد الله مولى غفرة بنحوه.
أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية": ص 44، وفي "الرد على بشر المريسي":ص 431 مختصرا.
وأورده الذهبي في "العلو": ص 30، وعزاه إلى الدارقطني.
ورواه- أيضا- عبد الله بن عبيد بن عمر بنحوه.
أخرجه ابن قدامة في "العلو": (ق 13/ ب) .
والذهبي في "العلو": ص 29- 30.
قال الذهبي: هذا حديث مشهور وافر الطرق.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور": (6/ 108) ، وعزاه إلى الشافعي في "الأم"، وابن أبي شيبة، والبزار، وأبو يعلى، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني في "الأوسط" وابن مردويه، والآجري في "الشريعة"، والبيهقي في "الرؤية"، وأبو نصر السجزي في "الإبانة" من طرق جيدة عن أنس.
89-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ1، حدثنا سعيد بن عَبْدِ الَرزَّاقِ2
1 هو محمد بن يزيد الحزامي (بكسر المهملة) الكوفي، البزار، روى عنه محمد ابن عثمان بن أبي شيبة وغيره.
صدوق، من العاشرة.
أخرج له البخاري.
"تهذيب التهذيب": (9/ 528)، "تقريب التهذيب": ص 324.
2 لم أجد ترجمته.
عَنْ ثَوْرٍ1، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ2، قَالَ: يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى الزَّرْعِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ نِيسَانَ، فَيَقُولُ لِيَلْحَقْ آخِرُكَ بِأَوَّلِكَ3.
90 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ4، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ5، عَنْ
1 هو ثور بن يزيد (بزيادة تحتانية في أول اسم أبيه) بن زياد الكلاعي، ويقال: الرحبي، أبو خالد الحمصي.
ثقة، ثبت، إلا أنه يرى القدر، من السابعة، مات سنة خمس، وقيل: ثلاث وخمسين ومائة. أخرج له البخاري، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (2/ 33)، "تقريب التهذيب: ص 52.
2 هو خالد بن معدان (بمفتوحة وسكون عين مهملة وخفة دال مهملة، "المغني": ص 235) بن أبي كريب الكلاعي، أبو عبد الله الشامي.
ثقة، عابد، يرسل كثيرا، من الثالثة، مات سنة ثلاث ومائة، وقيل بعد ذلك. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (3/ 118)، "تقريب التهذيب": ص 90.
3 أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (5/ 214) عن المصنف به.
وإسناده منقطع، وهو من الإسرائيليات.
4 لم أقف على ترجمته.
5 هو بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي (بفتح الكاف وفي آخرها العين المهملة، وهذه النسبة إلى قبيلة يقال لها كلاع، نزلت الشام وأكثرهم نزل حمص، "الأنساب": 11/ 186) الميتمي (بفتح الميم وسكون الياء تحتها نقطتان وبعدها تاء فوقها نقطتان، وبعدها ميم، وهذه النسبة إلى متيم قبيلة من حمير، "اللباب": 3/279) أبو يحمد (بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميبم) الحمصي، روى عن صفوان ابن عمرو وغيره.
صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبع وثمانون.
أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب الكمال": (1/ 155)، "تهذيب التهذيب":(1/473)، "تقريب التهذيب": ص 46.
صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو السَّكْسَكِيِّ1، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ2، عَنْ كَعْبٍ3 قَالَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نِيسَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ
1 هو صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي (بالكاف الساكنة بين السينين المفتوحتين المهملتين في آخرها كاف أخرى، وهذه النسبة إلى السكاسك بطن من كندة، "الأنساب": 7/ 159) أبو عمرو الحمصي، روى عن شريح وغيره، وعنه بقية بن الوليد وغيره.
ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس وخمسين ومائة أو بعدها.
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، والأربعة.
"تهذيب التهذيب": (4/ 428)، "تقريب التهذيب": ص 153.
2 هو شريح بن عبيد بن شريح بن عبد بن عريب الحضرمي المقرائي (بضم الميم- وقيل بفتحها- وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة، "الأنساب": 12/ 396) أبو الطيب وأبو الصواب الحمصي، روى عن كعب الأحبار ولم يدركه.
ثقة، من الثالثة، وكان يرسل كثيرا، مات بعد المائة.
أخرى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
"تهذيب التهذيب": (4/ 328)، "تقريب التهذيب": ص 145.
3 هو كعب الأحبار.
اللَّهُ عز وجل إِلَى الْأَرْضِ فَيَنْظُرُ إِلَى الزَّرْعِ فَيَقُولُ لِيَلْحَقْ آخِرُكَ بِأَوَّلِكَ1.
آخر كتاب العرش.
1 أخرجه أبو نعيم في "الحلية": (13/6) عن المصنف به، وهو من الإسرائيليات التي يرويها كعب الأحبار.