الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10- القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد المعافري، المعروف بابن العربي:
من أهل إشبيلية وأبوه أبو محمد من فقهائها ورؤسائها، سمع ببلده من أبي عبد الله ابن منظور وأبي محمد ابن خزرج وبقرطبة من أبي عبد الله بن عتاب وأبي مروان ابن سراج وحصلت له عند العبادية أصحاب إشبيلية مكانه ورياسة فلما انقرضت دولتهم خرج إلى الحج سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة مع ابنه القاضي أبي بكر وسنه يومئذ نحو سبعة عشر عاماً.
وقد كان أبو بكر تأدب ببلده وقرأ القراءات، فلقي أبو بكر شيوخ مصر:
أبا الحسين الخلعي وأبا الحسن ابن مشرف ومهدياً الوراق وأبا الحسن ابن داود الفارسي، ولقي بالشام أبا [الفتح] نصراً المقدسي وأبا سعيد الزنجاني وأبا حامد الغزالي وأبا سعيد الرهاوي وأبا القاسم ابن أبي الجن المقدسي والإمام أبا بكر الطرطوشي وأبا محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني وأبا الفضل ابن الفرات الدمشقي، ولقي بمكة أبا عبد الله الطبري وأبا عبد الله الجاحظ، وسمع بالعراق من أبي الحسين الطيوري وأبي الحسن علي بن أيوب البزاز وأبي بكر ابن طرخان وأبي طاهر ابن سوار والنقيب أبي الفوارس الزينبي وجعفر بن أحمد السراج وأبي الحسن ابن عبد القادر وأبي زكرياء التبريزي وأبي المعالي ثابت بن بندار في آخرين.
ودرس الفقه والأصول عند أبي بكر الشاشي وأبي بكر الطرطوشي. وقيد الحديث واتسع في الرواية وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن من هؤلاء وغيرهم.
وانصرف إلى الأندلس، فأقام بالإسكندرية عند أبي بكر الطرطوشي فمات أبوه بالإسكندرية أول سنة ثلاث وتسعين.
ثم انصرف هو إلى الأندلس سنة خمس وتسعين فسكن بلده وشوور فيه، وسمع ودرس الفقه والأصول وجلس للوعظ والتفسير ورحل إليه للسماع، وصنف في غير فن تصانيف مليحة كثيرة حسنة مفيدة. وولي القضاء مدةً ثم صرف وكان فهماً نبيلاً، فصيحاً حافظاً أديباً شاعراً كثير الخير مليح المجلس، ولكثرة حديثه وأخباره وغرائب حكاياته ورواياته ما أكثر الناس فيه الكلام وطعنوا في حديثه.
وتوفي، رحمه الله، في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وأربعين منصرفه من مراكش من الوجهة التي توجه فيها مع أهل بلده إلى الحضرة، بعد دخول مدينة إشبيلية فحبسوا بمراكش نحو عام، ثم سرحوا في هذا الحين فأدركته بطريقه منيته على مقربة من فاس بمرحلة وحمل ميتاً إلى مدينة فاس ودفن بباب الجيسة.
واجتاز ببلدنا [فكتبت عنه فوائد من حديثه] وناولني كتاب المؤتلف والمختلف للدارقطني.
وحدثني به عن أبي الحسين الطيوري عن أبي الفتح عبد الكريم بن محمد المحاملي عن الدارقطني إلا جزأين: الثامن والتاسع فإن الطيوري يرويهما عن أبي بكر محمد بن عبد الملك بن بشران عن الدارقطني.
وحدثني بكتاب الإكمال في المؤتلف والمختلف تأليف الأمير الحافظ أبي نصر ابن ماكولا عن أبي بكر محمد بن طرخان عنه. وقرأت عليه مسألة الأيمان اللازمة من تأليفه، وأجازني جميع روايته.
ولقيته أيضاً بإشبيلية وقرطبة، ومما كتبت عنه ما حدثني به سماعاً عنه بلفظه، حدثنا أبو محمد هبة الله بن محمد الأكفاني حدثنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني الدمشقي الحافظ حدثنا أبو عصمة نوح بن نصر الفرغاني قال؛ سمعت أبا المظفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مت الخزرجي وأبا بكر محمد بن عيسى البخاري يقولان: سمعنا أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي يقول:
لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمداني عن قضاء الري ورد بخارى [سنة ثمان عشرة وثلاثمائة] ، لتجديد مودة ٍكانت بينه وبين أبي الفضل البلعمي فنزل في جوارنا، فحملني إليه معلمي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الختلي، وقال له: أسألك أن تحدث هذا الصبي مما سمعت من مشايخك.
قال: ما لي سماع.
قال: فكيف وأنت فقيه فما هذا؟
قال: لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى معرفة الحديث ودراية
الأخبار وسماعها، فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في معرفة علم الحديث، وأعلمته بمرادي وسألته الإقبال علي في ذلك.
فقال لي: يا بني لا تدخل في أمرٍ إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقداره.
فقلت له: عرفني، رحمك الله، حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه.
فقال لي: اعلم أن الرجل لا يصير محدثاً كاملاً في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعاً مع أربعٍ، كأربعٍ مثل أربعٍ، في أربعٍ عند أربع، بأربع على أربع، عن أربع لأربع. وكل هذه الرباعيات لا تتم له، إلا بأربع مع أربع. فإذا تمت له هان عليه أربع وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله بأربع وأثابه في الآخرة بأربع.
قلت له: فسر لي ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات، من قلب صافٍ بشرحٍ كاف وبيانٍ شاف، طلباً للأجر الوافي.
فقال: نعم، أما الأربعة التي تحتاج إلى كتبها هي أخبار الرسول عليه السلام وشرائعه، والصحابة ومقاديرهم، والتابعين وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم، مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم، كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع الرسل، والبسملة مع السور، والتكبير مع الصلوات، مثل المسندات والمرسلات
والموقوفات والمقطوعات، في صغره وفي إدراكه وفي كهولته وفي شبابه، عند فراغه وعند شغله، وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار، والبلدان والبراري، على الأحجار والأصداف، والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه، وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره، لوجه الله تعالى، طالباً لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله تعالى منها، ونشرها بين طالبيها ومجتبيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده.
ثم لا تتم له هذه الأشياء، إلا بأربع من كسب العبد، أعني معرفة الكتابة واللغة والضبط والنحو.
مع أربع هي من إعطاء الله تعالى أعني: القدرة والصحة والحرص والحفظ.
فإذا تمت له هذه الأشياء هان عليه أربع: الأهل، والولد، والمال، والوطن
وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهلاء، وحسد العلماء.
فإذا صبر على هذه المحن، أكرمه الله في الدنيا بأربع: بعز القناعة، وبهيبة النفس، ولذة العلم، ومسرة الأبد.
وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وبسقي من أراد من حوض نبيه، وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة.