المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأصل الرابع عشر: من استطال الطريق ضعف مشيه - أصول الوصول إلى الله تعالى

[محمد حسين يعقوب]

فهرس الكتاب

- ‌ ومضات على طريق السير إلى الله

- ‌الومضة الأولى: شروط الطريق:

- ‌أولا الدليل

- ‌طبيعة الطريق:

- ‌ثانيا: الصاحب

- ‌رفقة الطريق:

- ‌الومضة الثانية: حدد هدفك:

- ‌الومضة الثالثة: مقومات السفر:

- ‌الومضة الرابعة: وتزودوا:

- ‌سبيل التزود:

- ‌1 - التوحيد والايمان:

- ‌2 - اليقين:

- ‌3 - التقوى:

- ‌4 - الإخلاص:

- ‌5 - الخبيئة:

- ‌6 - الصبر:

- ‌آفات على الطريق

- ‌الآفة الأولى: الخوف من وحشة التفرد:

- ‌الآفة الثانية: فضول الكلام والخلطة:

- ‌الآفة الثالثة: النفق المظلم:

- ‌الآفة الرابعة: جسر على الطريق:

- ‌استراحة المسافر

- ‌المقدمة:

- ‌ترويحة على الطريق: علوم ليست في الكتب:

- ‌ترويحة على الطريق: اختبارات:

- ‌ترويحة على الطريق: المدارأة .. والستر:

- ‌ترويحة على الطريق: البلاء موكل بالمنطق:

- ‌ترويحة على الطريق: التملق:

- ‌ترويحة على الطريق: " ولتكون من المحسنين

- ‌ترويحة على الطريق: ويحك .. ويحك:

- ‌ترويحة على الطريق: من أقوال ابن تيميّة:

- ‌ترويحة على الطريق: مجلسنا:

- ‌ترويحة على الطريق: " ألكم الذكر وله الأنثى تلك اذا

- ‌ترويحة على الطريق: أدمى دينه بأظفار شكواه:

- ‌ترويحة على الطريق: لا تنازعوا أهل الدنيا

- ‌ترويحة على الطريق: ما أسوأ السوء

- ‌ترويحة على الطريق: سياط المواعظ

- ‌ترويحة على الطريق: عجبت لهذا الذي

- ‌ترويحة على الطريق: اطلبونى في المقابر

- ‌ترويحة على الطريق: أصناف الناس

- ‌ترويحة على الطريق: درجات الزلل

- ‌ترويحة على الطريق: من شعر العصر الذهبى

- ‌ترويحة على الطريق: علامات السعادة

- ‌ترويحة على الطريق: الأخطر

- ‌ترويحة على الطريق: قصة الحية والسكران

- ‌ترويحة على الطريق: ديك سهل بن هارون

- ‌تعقيب:

- ‌كلمة أخيرة:

- ‌أصول الوصول إلى الله تعالى

- ‌الأصل الأول: عليك البداية وعليه التمام

- ‌الأصل الثانى: كن واحدا لواحد على طريق واحد

- ‌الأصل الثالث: ما لا يكون بالله لا يكون وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم

- ‌الأصل الرابع: الشكر أساس المزيد:

- ‌الأصل الخامس: املك عصا التحويلة

- ‌الأصل السادس: يومك يومك

- ‌الأصل السابع: وليسعك بيتك

- ‌الأصل الثامن: الصادق حبيب الله

- ‌الأصل التاسع: دوما فى المعاملة السحب من الرصيد

- ‌الأصل العاشر: القرآن قائد وسائق وحاد

- ‌الأصل الحادى عشر: لا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل

- ‌الأصل الثانى عشر: فى الطريق مواقف للتمييز

- ‌الأصل الثالث عشر: الاعتصام بالله عقيدة وعمل ودعاء

- ‌الأصل الرابع عشر: من استطال الطريق ضعف مشيه

- ‌الأصل الخامس عشر: السر الدفين لعدم القبول وجود حظ للنفس فى العمل

- ‌الأصل السادس عشر: الأمر كله بيد الله ، فسلّم تسلم

- ‌الأصل السابع عشر: دليل عدم رضاه عنك عدم رضاك عنه

- ‌الأصل الثامن عشر: إياك أن تمكر به فيمكر بك

- ‌الأصل التاسع عشر: اجن العسل ولا تكسر الخلية

- ‌الأصل العشرون: " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله

- ‌الأصل الحادى والعشرون: من صفّى صفى له ، ومن كدّر كدر عليه

- ‌الأصل الثانى والعشرون: لا تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين

- ‌الأصل الثالث والعشرون: أنجز كل يوم شيئا جديدا

- ‌الأصل الرابع والعشرون: كف عن الشكوى وابدأ العلاج

- ‌الأصل الخامس والعشرون: ليس الشأن أن تحبه ، إنما الشأن أن يحبك

- ‌الأصل السادس والعشرون: كل متاع فى الدنيا يسحب من رصيدك فى نعيم الآخرة

- ‌الأصل السابع والعشرون: المرء مع من أحب ، فاختر حبيبك من ها هنا

- ‌الخاتمة

- ‌مسك الختام

الفصل: ‌الأصل الرابع عشر: من استطال الطريق ضعف مشيه

‌الأصل الرابع عشر: من استطال الطريق ضعف مشيه

الطريق إلى الله طويلة جدا ، بعيدةجدا ، ولذا تحتاج إلى همة وعمل دائم وعدم التفات لكى تقطعها وتصل بسلام ، وإلا فلو ظللت تقول: الطريق طويلة وبعيدة وأنت مكانك ، فلن تصل .. فاستعن بالله واترك الشكوى .. اعمل واجتهد واتعب حتى الموت ، قال - تعالى -:" واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "(الحجر: 99) ، اى الموت.

وقال - تعالى -: " فإذا فرغت فانصب "(الشرح: 7). قال ابن كثير: " وقال زيد بن أسلم والضحاك: فإذا فرغت أى من الجهاد ، فانصب أى: فى العبادة: " وإلى ربك فارغب " (الشرح: 8). قال الثورى: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل ".

" فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الارض ، ومع شواغل الحياة .. إذا فرغت من هذا كله ، فتوجه بقلبك كله إذا إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد .. العبادة والتجرد والتطلع والتوجه .. " وإلى ربك فارغب " .. إلى ربك وحده خاليا من كل شىء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم إنه لابد من الزاد للطريق. وهنا الزاد. ولابد

ص: 166

من العدة للجهاد. وهنا العدة وهنا ستجد يسرا مع كل عسر وفرجا مع كل ضيق هذا هو الطريق! ".

هذا هو الطريق إلى الله ، فجد ولا تنم ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالت له خديجة: ألا تنام يا رسول الله؟! ، قال:" مضى عهد النوم يا خديجة " .. وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة لما تعجبت من عبادته وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه: " أفلا أكون عبدا شكورا "[متفق عليه].

أخى فى الله ، اثبت فى الطريق على الطاعة ولا تيأس من طول الطريق ، فما عليك إلا أن تجد السير وتسرع الخطا ولا تلتفت وستصل بإذن الله .. صبر نفسك واصطبر ، واعلم أن الصبر على الطاعة هو الصبر الاعلى ، وأكمل الناس صبرا على الطاعة أولوا العزم من الرسل ، وذلا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصبر صبرهم ، فقال - تعالى -:" فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل "(الاحقاف: 35) ، ومعلوم أن الامر للقدوة أمر لأتباعه .. ونهاه أن يتشبه بصاحب الحوت ، حيث لم يصبر صبر أولى العزم ، فقال - تعالى -:" فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم "(القلم: 48).

ولقد جعل الله الوصول إليه والفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون ، فقال - تعالى -:

" إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون "(المؤمنون: 111).

ص: 167

وفى الصحيح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم " وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ". وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصبر ضياء.

وقال على بن أبى طالب: الصبر مطية لا تكبو.

وقال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ، قال - تعالى -:" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "(الزمر: 10)، قال: كالماء المنهمر.

أخى فى الله ، اصبر فى السير إلى الله ولا تستطل الطريق ، فلقد صبر نوح فأوقف أنفاسه على الدعوة إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما .. لم يستطل الطريق ، بل ظل مع الله فى أطول صبر عرفه تاريخ البشرية .. وأكرم صبر.

قال ابن كثير فى قصص الانبياء: " وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الايمان به - أى بنوح - ومحاربته ومخالفته ، وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه ، وصاه فيما بينه وبينه ألا يؤمن بنوح .. أبدا ما عاش ودائما ما بقى " اهـ.

قال - تعالى -: " قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائى إلا فرارا * وإنى كلما دعوتهم تغفر لهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا * ثم إنى دعوتهم جهارا * ثم إنى أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم

ص: 168

مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * ما لكم لا ترجون لله وقارا " (نوح: 5 - 13).

قال أبو القاسم الغرناطى فى التسهيل لعلوم التنزيل: "ذكر أولا أنه دعاهم بالليل والنهار ، ثم ذكر أنه دعاهم جهارا ، ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار ، وهذه غاية الجد فى النصيحة وتبليغ الرسالة " اهـ.

وقال القاسمى فى محاسن التأويل: " بذل نوح غاية الجهد دائما بلا فتور ولا توان ، وضاقت عليه الحيل فى تلك المدد الطوال " اهـ.

ويقول أخى فضيلة الشيخ سيد بن حسين العفانى - حفظه الله تعالى -:

" كفاح نبيل طويل: سلك نوح إلى آذان قومه وقلوبهم وعقولهم شتى الاساليب ومتنوع الوسائل فى دأب طويل ، وفى صبر جميل ، وجهد نبيل ، ألف سنة إلا خمسين عاما .. ثم عاد إلى ربه ليقدم حسابه ، ويبث شكواه ، فى هذا البيان المفصل وفى هذه اللهجة المؤثرة.

وصورة نوح فى دعوته ،وهو لا يمل ولا يفتر ، ولا ييأس أيام الاعراض والاصرار ، صورة لاصرار الداعية على الدعوة ، وتحين كل فرصة ليبلغهم إياها ، واصرارهم هم على الضلال.

ولم ينس نوح عليه الصلاة والسلام الدعوة حتى حين حضرته الوفاة ، فقد وصى ابنيه بـ " لا إله إلا الله " ونهاهما عن الشرك ، وأمرهما بسبحان الله وبحمده.

وإن الانسان ليأخذه الدهش والعجب ، كما تغمره الروعة والخشوع ، وهو يستعرض هذا الجهد الموصول من الرسل - عليهم صلوات الله

ص: 169

وسلامه - لهداية البشرية الضالة المعاندة ، ويتدبر إرادة الله المستقرة على إرسال هؤلاء الرسل ، واحدا بعد واحد لهذه البشرية المعرضة العنيدة.

وقد يعن للانسان ان يسأل: ترى هل تساوى الحصيلة هذا الجهد الطويل ، وتلك التضحيات النبيلة ، من لدن نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ما كان بينهما وما تلاهما من جهود المؤمنين بدعوة الله وتضحياتهم الضخام ، ترى: هل تساوى هذا الجده الذى وصفه نوح عليه السلام ، وقد استغرق عمرا طويلا بالغ الطول ، لم يكتف قومه فيه بالاعراض ، بل اتبعوه بالسخرية والاتهام ، وهو يتلقاها بالصبر والحسنى ، والادب الجميل والبيان المنير؟!!.

ثم تلك الجهود الموصولة منذ ذلك التاريخ ، وتلك التضحيات النبيلة التى لم تنقطع على مدار التاريخ من رسل يستهزأ بهم ، أو يحرقون بالنار ، أو ينشرون بالمنشار ، أو يهجرون الاهل والديار .. حتى تجىء الرسالة الاخيرة ، فيجهد فيها محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الجهد المشهود المعروف ، ثم تتوالى الجهود المضنية والتضحيات المذهلة من القائمين على دعوته فى كل أرض وفى كل جيل؟؟ ..

ترى تساوى الحصيلة كل هذه الجهود ، وكل هذا الجهاد الشاق المرير؟!

ثم ترى هذه البشرية كلها تساوى تلك العناية الكريمة من الله ، المتجلية فى استقرار إرادته - سبحانه - على إرسال الرسل تترى ، بعد العناد والاعراض والاصرار والاستكبار من هذا الخلق الهزيل الصغير المسمى بالانسان؟!. والجواب بعد التدبر: أن نعم: وبلا جدال!!

إن استقرار حقيقة الايمان بالله فى الارض بساوى كل هذا الجهد ،

ص: 170

وكل هذا الصبر ، وكل هذه المشقة ، وكل هذه التضحيات النبيلة المطردة من الرسل وأتباعهم الصادقين فى كل جيل!

الدعوة إلى الله لابد أن تمضى فى طريقها كما أراد الله ، لأن الحصيلة تستحق الجهود المضنية والتضحيات النبيلة ، ولو صغرت فانحصرت فى قلب واحد ، يقرب من الله ويحبه ويشتاق إليه. قال صلى الله عليه وسلم:" عرضت علىّ الامم ، فرأيت النبى ومعه الرهط ، والنبى ومعه الرجل والرجلان ، والنبى وليس معه أحد "[متفق عليه] اهـ.

حبيبى فى الله ، لا تستطل الطريق إلى الله ، فمن استطال الطريق ضعف مشيه ، فواصل العمل .. واصل ، فالله معك .. واعلم أن الشرط فى السير أن تجهد وتتعب .. فواصل العمل وى تنقطع .. وتذكر دائما نوحا عليه السلام .. أخى فى الله ، اعمل بلا انقطاع ، وعند الله المستراح.

إخوتاه ، زنوا حلو المشتهى بمر العقاب يبن لكم التفاوت .. لما عرف القوم قدر الحياة ، أماتوا فيها الهوى فعاشوا ، جمعوا بأكف الجد من الزمن ما نثره زمن البطالة .. هان عليهم طول الطريق لعلمهم أين المقصد ، وحلت له مرارات البلى حبا لعواقب السلامة ، فيا بشراهم يوم يقال:" هذا يومكم "

* *

*

ص: 171