الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
وصف المخطوط (أ):
1 -
عنوان الرسالة: (القول المقبول في رد خبر المجهول).
2 -
موضوع الرسالة: في مصطلح الحديث.
3 -
أول الرسالة: بحث في رد خبر المجهول. قال رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله، ورضي الله عن الصحابة الراشدين، وبعد فإنه وقف الحقير أسير التقصير محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما على ما دار من المذاكرة. .
4 -
آخر الرسالة:. . . . والامتثال منهم في البعض الآخر وإلى هنا انتهى الكلام على هذه المسألة وفيه كفاية لمن له هداية والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الأعلام.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: (21) صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: (18 - 25) سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: (9 - 11) كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الأول من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني".
وصف المخطوط (ب):
1 -
عنوان الرسالة: (القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول) وهو الذي اعتمدناه.
2 -
موضوع الرسالة: في مصطلح الحديث.
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله، ورضي الله عن الصحابة الراشدين وبعد: وقف الحقير أسير التقصير محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما على ما دار من المذاكرة
4 -
آخر الرسالة:
…
لمن له هداية، والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الأعلام. فرغ من تحريره جامعه في نهار يوم الأحد لثلاث خلت من شهر ربيع الأول سنة (1206) وكان فراغي من نقله من نسخة المصنف ليلة الخميس ليلة رابع شهر شعبان سنة (1208) هـ.
5 -
نوع الخط: خط نسخي واضح.
6 -
عدد الصفحات: (16) صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: (24 - 29) سطرًا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: (10 - 12) كلمة.
9 -
تاريخ النسخ: يوم الخميس لعله رابع شهر شعبان سنة (1208).
10 -
الرسالة من المجلد الأول من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني".
بسم الله الرحمن الرحيم
[القول المقبول في رد خبر المجهول بحث في رد خبر المجهول
قال رضي الله عنه] (1): بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله، ورضي الله عن الصحابة الراشدين وبعد، [فإنه](2) وقف الحقير أسير التقصير محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما على ما دار من المذاكرة بين مولاي العلامة صارم الإسلام إبراهيم بن محمد بن إسحاق (3) حفظه الله وبين سيدي العلامة شرف الإسلام الحسين بن يحيى الديلمي (4) عافاه الله في قبول [خبر](5) مجهول الحال في الشهادة على رؤية
(1) زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (أ).
(3)
السيد إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن المهدي أحمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد. ولد سنة 1140 هـ ونشأ بصنعاء وأخذ العلم عن والده، قال الشوكاني في ترجمته في البدر الطالع رقم:(14) وكم تصل إلى عندي منه رسائل ونصائح فيما يتعلق بشأن الدولة، ويأخذ علي أنه لا يحل السكوت، وله رغبة في المباحثات العلمية شديدة، بحيث إنه لا يعرض البحث في مسألة من المسائل إلا وفحص عنه، وسأل وراجع. وكثيرًا ما تغد علي منه سؤالات أجيب عنها برسائل، كما يحكي ذلك مجموع رسائلي، مع أنه نفع الله به إذ ذاك عالي السن قد قارب السبعين، وأنا في نحو الثلاثين، وهذا أعظم دليل على تواضعه.
مات سنة 1241 هـ.
انظر: البدر الطالع رقم: (14) ونيل الوطر (1/ 253).
(4)
السيد الحسين بن يحيي بن إبراهيم الديلمي الذماري، ولد سنة 1149 هـ ونشأ بذمار، وأخذ عن علمائها كالفقيه عبد الله بن حسين دلامة، والفقيه حسن بن أحمد الشبيبي. ثم ارتحل إلى صنعاء، وقرأ العربية، وله قراءة في الحديث عن السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير.
وقال الشوكاني في البدر الطالع رقم: (155): وقد جرى بيننا مباحثة علمية مدونة في رسائل هي في مجموع ما لي من الفتاوى والرسائل، ولا يزال يعاهدني بعد رجوعه من ذمار، ويتشوق إلى اللقاء وأنا كذلك، والمكاتبة بيننا مستمرة إلى الآن، وهو من جملة من رغبني في شرح المنتقى.
من مصنفاته: "العروة الوثقى في أدلة مذهب ذوي القربى" وله "الإقناع في الرد على من أحل السماع ".
انظر: "نيل الوطر"(1/ 402) و"البدر الطالع" رقم: (155).
(5)
زيادة من (أ).
هلال رمضان (1) فمولانا صارم الإسلام جزم بعدم قبوله واعتذر عن حديث قبوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي قبل اختباره والعلم بعدالته بإبراز الفرق بين مجهول الصحابة وغيرهم.
وسيدي شرف الدين جنح إلى القبول ميلًا منه إلى ما ذكره العلامة الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في عواصمه (2) وتنقيحه (3) وسيأتي الكلام عليه، والذي لاح للخاطر الفاتر والنظر القاصر عدم قبول المجهول مطلقًا إلا أن يكون صحابيًا كما جزم به مولانا الصارم حفظه الله.
ولما كانت هذه المسألة أعني قبول المجهول بأقسامه، وعدم قبوله مطلقًا أو مقيدا ببعض الأقسام، والفرق بين مجهول الصحابة وغيرهم وعدمه من أهم المسائل التي يقبح جهل ما هو الحق فيها من القاصر والكامل لانبناء قناطر من قواعد الدين عليها واحتياج كل ناظر وباحث في غالب الحالات إليها، ولذلك وصى العلامة ابن الإمام في شرح الغاية بالمبالغة في البحث وإمعان النظر في قبول مجهول الصحابة وعدمه مع أن ذلك ليس من عاداته في ذلك الكتاب، فقال: وهذه المسألة تنبني عليها أكثر الأحكام الشرعية فلا ينبغي [1 أ] لمجتهد أن يقتصر على أول نظر بل يبالغ في [1] البحث والطلب حتى يدرك ما هو الحق من هذه الأقوال فإنه من سلم من داء التقليد والعصبية إذا حقق نظره في هذه المسألة علم حقها من باطلها علمًا يقينيا. انتهى.
وأنت تعلم أن الكلام هنا فيما هو أعم من مجهول الصحابة فالحاجة إلى تحقيق ما هو الحق فيه أشد وأشد، لا سيما وقد اشتهر على ألسن العامة وبعض الخاصة في هذه الأعصار أن من ظاهره الإسلام فظاهره الإيمان حتى سرى داء هذه الكلمة إلى كثير من
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
(1/ 371).
(3)
(ص 197 - 202).
أرباب القضاء والفتيا لما تلقوها وقبلوها وجعلوا عليها مدار إصدار المقبول وإيراده، ولم يفرقوا بين مجهول ومجهول، ولا بين حقوق الله وحقوق العباد، مع مخالفة ذلك لصرائح نصوص أئمتهم في مختصرات كتبهم ومطولاتها بل [مع](1) مخالفة ذلك لإجماعهم، بل لإجماع الأمة في بعض الأقسام كما سيأتيك بيانه، فكأنهم تلقنوا هذه الكلمة المخالفة لدليل العقل والنقل من أم الكتاب، ولهذا ترى كثيرًا منهم يظنها من الضروريات التي لا ينكرها إلا المكابرون، وحال بينهم وبين معرفة ما هو الحق فيها أولا ومذاهب الأئمة ثانيًا القصور عن مدارك الاجتهاد التي لا يجوز إحرازها إلا الأفراد، والتقصير عن مراجعة أقول الأئمة التي تتجلى لمن وقف عليه كل ظلمة وغمة، فقد صار العالم بهذا الشأن المحدود من فرسان ذلك الميدان عند وقوفه على ما يصدر من أرباب الولايات في هذه القضية من الخبط والخلط كما قيل [شعرًا] (2):
كأنني بينهم ضفدع
…
يصيح وسط الماء في اليم
إن نطقت أشرقها ماؤها [2]
…
أو سكتت ماتت من الغم
فلنتكلم في هذه المسألة بقدر ما تبلغ [إليه](3) الطاقة، ولعله لا يخفى بعده الصواب إن شاء الله مبتدئين بنقل [كلام](4) أئمة الأصول، فإن عليهم في مثل هذه [1 ب] المسألة تدور رحا القبول، ولنجعل البحث الأول في رد رواية المجهول مطلقًا وهو أعم من مسألة السؤال، وإبطال الأعم يستلزم إبطال الأخص تكثيرًا للفائدة إن فرضنا أن الإخبار برؤية الهلال (5) من قبيل الرواية، وإن فرضنا أنه من قبيل الشهادة كما يشهد بذلك صريح الأحاديث فلا شك أن الشروط المعتبرة ......................
(1) زيادة من [ب].
(2)
زيادة من [أ].
(3)
زيادة من [ب].
(4)
في [ب]: أقوال.
(5)
سيأتي قريبًا.
في (1) الرواية معتبرة في الشهادة بل الأمر في الشهادة أشد وسنتكلم بعد ذلك في خصوص مسألة السؤال فنقول: قال ابن الحاجب في مختصر (2) المنتهى ما لفظه: مسألة: مجهول (3) الحال لا يقبل (4) وعند أبي حنيفة (5) قبوله، وقال المحقق ابن الإمام في الغاية وشرحها ما لفظه
(1) الرواية في اصطلاح العلماء (إخبار) يحترز به عن الإنشاء (عن) أمر عام من قول أو فعل لا يختص واحد منهما بشخص معين من الأمة، ومن صفة هذا الإخبار أنه لا ترافع فيه ممكن عند الحكام.
الشهادة: فإنها إخبار بلفظ خاص عن خاص علمه مختص بمعين يمكن الترافع فيه عند الحكام.
ومن شروط الراوي عند الأداء:
1 -
العقل: إجماعًا إذ لا وازع لغير عاقل يمنعه من الكذب ولا عبادة أيضًا كالطفل.
وقال الشافعي في الرسالة: ص 372 - 375: أقبل في الحديث الواحد والمرأة ولا أقبل واحدًا منهما وحده في الشهادة.
وأقبل في الحديث: "حدثني فلان عن فلان" إذا لم يكن مدلسًا، ولا أقبل في الشهادة إلا "سمعت" أو "رأيت" أو "أشهدني"
…
ثم يكون بشر كلهم تجوز شهادته، ولا أقبل حديثه، من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الإحالة وإزالة بعض ألفاظ المعاني، وتختلف الأحاديث، فآخذ ببعضها، استدلالًا بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وهذا لا يؤخذ به في الشهادات هكذا، ولا يؤخذ فيها بحال.
وانظر الكوكب المنير (2/ 378).
2 -
الإسلام: إجماعًا؛ لتهمة عداوة الكافر للرسول صلى الله عليه وسلم ولشرعه.
3 -
البلوغ: عند الأئمة الأربعة وغيرهم. وروي عن أحمد أن رواية المميز تقبل.
4 -
الضبط: لئلا يغير اللفظ والمعنى فلا يوثق به.
5 -
العدالة: إجماعًا لما سبق من الأدلة (ظاهرًا وباطنًا).
(2)
(2/ 64).
(3)
انظر توضيح الأفكار للأمير الصنعاني (1/ 173 - 185).
(4)
قال الشافعي في الرسالة (ص 374) رواية المجهول غير مقبولة بل لا بد فيه من خبرة ظاهرة، والبحث عن سيرته وسريرته.
وانظر الكفاية (ص 149)، تدريب الراوي (1/ 316).
(5)
وظاهر مما أورده البزدوي والبخاري أن الإمام أبا حنيفة يقبل رواية المجهول - من الصحابة - لأن الأصل فيهم العدالة. كشف الأسرار (2/ 704).
وقال البزدوي في كشف الأسرار (2/ 708، 720): ولذلك جوز أبو حنيفة رحمه الله القضاء بظاهر العدالة من غير تعديل، حين إن رواية مثل هذا المجهول في زماننا لا يحل العمل به لظهور الفسق.
ثم قال: "
…
ولهذا - أي ولاشتراط العدالة: لم يجعل خبر الفاسق والمستور حجة لفوات أصل العدالة في حق الفاسق، وفوات كمالها في حق المستور".
ثم قال: "إلا أن خبر المجهول في القرون الثلاثة مقبول لغلبة العدالة فيهم، وخبر المجهول بعد القرون الثلاثة مردود لغلبة الفسق".
وانظر: مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت (2/ 146 - 147).
: فمن لا تعرف عدالته ولا مقابلها بأن يكون مجهول الحال، لا تقبل روايته على المختار، وهو قول الجمهور من العلماء، ثم قال بعد أن ذكر الدليل على عدم القبول خلافًا لأبي حنيفة.
وقال صاحب الفصول: وهو قول محمد بن منصور وابن زيد والقاضي في العمدة وابن فورك (1)، وقال الإمام المهدي (2) في المعيار (3) وشرحه ما لفظه: مسألة: الأكثر من الأصوليين - العدلية (4) والأشعرية (5) - لا يجوز أن يقبل خبر مسلم مجهول العدالة أي لم
(1) وانظر المحصول (4/ 402)، جمع الجوامع للسبكي (2/ 150).
(2)
المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى، ولد بمدينة ذمار سنة 764 هـ قرأ في علم العربية، فلبث في قراءة النحو والتصريف والمعاني والبيان قدر سبع سنين وبرع في العلوم الثلاثة.
من مصنفاته: دافع الأوهام، رياضة الأفهام في لطف الكلام، إكليل التاج وجوهرة الوهاج.
البدر الطالع رقم: (77).
(3)
"المعيار" واسمه" معيار العقول، وشرحه منهاج الوصول "وهو الكتاب السابع من موسوعته" "البحر الزخار" وهو مرتب على مقدمة وأحد عشر بابًا.
مؤلفات الزيدية (2/ 38).
(4)
العدلية: سموا بالعدلية لقولهم: الله أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعله، وهو أصل كلام القدرية الذي يعرفه عامتهم وخاصتهم وهو أساس مذهبهم وشعارهم.
منهاج السنة لابن تيمية (3/ 141).
(5)
تقدم التعريف بها (ص 151).
يعرف حال عدالته، وقالت الحنفية (1): بل يجب أن تقبل، وحكاه الحاكم عن الشافعي (2)، وحكى الفخر [3] الرازي في المحصول (3) عن الشافعي أنه لا يقبل، وهذه الحكاية هي الأظهر، ثم قال: والصحيح عندنا ما عليه الأكثر، ومن ثم قلنا: المجهول لا يؤمن من فسقه فلا يظن صدقه، وحصول الظن معتبر، ثم احتج على ذلك وطول.
وقال السبكي في جمع الجوامع (4): فلا يقبل المجهول باطنًا وهو [المستور](5) خلافًا لأبي حنيفة وابن فورك وسليم الرازي، ثم قال (6): أما المجهول باطنًا أو ظاهرًا فمردود إجماعًا وكذا مجهول العين، ولا [ينافي](7) ما قاله ابن [أبي](8) شريف في حاشيته حاكيًا عن المصنف في شرح المختصر من أن حكاية ابن الصلاح (9) ثم النووي (10) ثم العراقي في ألفيته (11) رد المجهول باطنًا وظاهرًا عن الجماهير [2أ] يتضمن إثبات خلاف فيعارض حكاية الإجماع؛ لأن غاية ذلك عدم العلم منهم بالإجماع، ومن علم حجة على من لم يعلم، وناقل الإجماع ناقل للزيادة التي لم تقع منافية للأصل فقبولها واجب وإجماعًا ودعوى أن الاقتصار على الرواية عن الجمهور تتضمن إثبات خلاف ممنوعة، والسند أن عدم العلم بالإجماع ليس علمًا بالعدم، على أنه قد سبق صاحب الجمع إلى حكاية ذلك الإجماع على رد [خبر] (12) المجهول باطنًا وظاهرًا: الأبياري بالباء الموحدة ثم التحتانية حكاه عن
(1) انظر: مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت (2/ 146 - 147).
(2)
انظر الرسالة (ص 374 - 378).
(3)
(4/ 402).
(4)
(2/ 150).
(5)
في [أ] المشهور.
(6)
(2/ 150).
(7)
في [ب] ينافيه.
(8)
زيادة من [أ].
(9)
في مقدمته (ص 144 - 145).
(10)
في التقريب (1/ 316).
(11)
(ص 158).
(12)
زيادة من [أ].
السبكي في شرحه على المختصر (1) وأيضًا جزم السبكي بحكاية الإجماع مطلقًا من غير تردد كما فعل في "جمع الجوامع"(2) مشعر بعدم صحة ذلك التضمن الذي ظنه في شرحه للمختصر (3) إذا عرفت هذا علمت أن "جمع الجوامع"(4) مقيد لإطلاق خلاف أبي حنيفة ومن معه في مجهول الحال مطلقًا كما وقع في مختصر المنتهى، وغاية السول، والمعيار وغيرها بمجهول الحال في الباطن وهو المستور فيكون هو محل الخلاف، فاتضح بهذا أنه لم يقل بقبول مجهول الحال مطلقًا أحد، وأيضًا قد قيد بعضهم قول أبي حنيفة ومن معه بقبول المجهول بمجهول الصحابة، فإن صح ذلك ارتفع الخلاف من البين وكان المجهول مطلقا سواء كان مجهول حال أو عين غير مقبول من غير الصحابة بالإجماع، إلا أنه يعكر على هذا ما وقع من السيد العلامة للإمام محمد بن إبراهيم الوزير في العواصم والقواصم (5) والتنقيح (6)[عن](7) حكاية الخلاف في المجهول مطلقًا، فإنه قال في التنقيح (8) في مجهول العين وهو من لم يرو عنه إلا راو واحد وفيه أقوال، الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لا [4] يقبل.
والثاني: أنه يقبل مطلقًا وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام.
والثالث: إن كان المتفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل قبل مثل ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان ومالك ومن ذكر بذلك معهم وإلا لم يقبل.
والرابع: إن كان مشهورًا في غير العلم بالزهد أو النجدة قبل وإلا فلا. وهو قول ابن عبد البر كما سيأتي [2 ب] إن شاء الله تعالى.
والخامس: إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا، وهو اختيار أبي الحسن بن القطان في بيان
(1)(2/ 64).
(2)
(2/ 150 - 151).
(3)
(2/ 64).
(4)
(2/ 150 - 151).
(5)
(1/ 371).
(6)
ص 198.
(7)
في [ب] من.
(8)
ص 198.
"الوهم"(1)"والإيهام".
قلت: [والسادس](2) إن كان صحابيًا قبل وهو مذهب الفقهاء وبعض المحدثين وشيوخ الاعتزال، ثم قال (3) في مجهول الحال ظاهرًا وباطنًا وفيه أقوال: الأول أنه لا يقبل حكاه ابن الصلاح (4) وزين الدين (5) عن الجماهير. والثاني يقبل مطلقًا، والثالث إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل قبل، وإلا فلا.
ثم قال في مجهول الحال باطنًا فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي (6) إلخ .. كلامه وفيه مخالفة لإطلاق أرباب الأصول وغيرهم والذي رأيناه في كتب الاصطلاح التي اعتمدها السيد رحمه الله واختصر التنقيح منها أن تلك الأقوال التي ذكرها في مجهول العين وجعلها باعتبار القبول إنما هي باعتبار رفع اسم الجهالة لا باعتبار القبول كما صنع إلا في مجهول الصحابة ولا ملازمة بين ارتفاع جهالة العين وبين القبول فإنه لا بد بعد ارتفاع جهالة العين من معرفة العدالة ظاهرًا وباطنًا أو ظاهرًا فقط كان ذلك الارتفاع مستلزمًا للقبول لما كان [الحكاية](7) الخلاف في المجهول بالمعنيين الآخرين فائدة ألا ترى أن القائلين برد مجهول الحال ظاهرًا وباطنًا وهم جميع الأمة كما حكاه صاحب الجمع (8) أو الجماهير كما حكاه ابن الصلاح (9) وزين الدين (10)
(1) في (ب) من.
(2)
في (ب) والخامس.
(3)
ابن الوزير في التنقيح (ص 200).
(4)
وانظر مقدمة ابن الصلاح (ص 144).
(5)
"فتح المغيث"(ص 160).
(6)
ذكره العراقي في "فتح المغيث".
(7)
في (ب) الحكاية.
(8)
في "جمع الجوامع" للسبكي (2/ 150).
(9)
في مقدمته (ص 144).
(10)
في "فتح المغيث"(ص 160).
والقائلين برد مجهول الحال ظاهرًا وهم من عدا [أبو] حنيفة (1) ومن معه [3 أ] يجعلون عدالة الظاهر والباطن، أو الظاهر فقط شرطًا في قبول الرواية وذلك أمر وراء ارتفاع جهالة العين، فتلك الأقوال التي ذكرها صاحب التنقيح (2) وجعلها [موجبة](3) إلى القبول لا تتم إلا أن تكون باعتبار من يقول إن جهالة الحال مطلقًا لا تقدح في قبول الرواية، وقد عرفت من الكلام السالف الإجماع على أنه غير مقبول وأن خلاف أبي حنيفة (4) ومن معه إنما هو باعتبار مجهول الحال في الباطن، وكذلك حكايته لتلك الأقوال الثلاثة في مجهول [5] الحال ظاهرًا وباطنًا، فإن ابن الصلاح (5) والزين (6) في منظومته وعليهما عول السيد رحمه الله في جمع ذلك الكتاب (7) لم يذكرا إلا أن الرد مذهب الجماهير، وقد عرفت فيما سبق أن هذه العبارة لا تستلزم إثبات خلاف وأن غايتها عدم العلم بالإجماع فيقبل ناقله.
ولا شك أن السيد (8) -رحمه الله تعالى- من بحور العلم وأوعيته فربما وقف على ما لم نقف عليه، ولكنه إذا عارض حكايته للخلاف حكاية الإجماع من مثل السبكي ومن معه؛ كان المقام من مجالات النظر ومحارات الفكر على أن المسألة من أصلها باعتبار اضطراب الأقوال والأدلة فيها من معارك الأبطال.
ثم إن السيد (9) رحمه الله قال إن ظاهر المذهب يعني مذهب الزيدية قبول هذا المسمى
(1) في (ب) أبا.
(2)
ابن الوزير (ص 200 - 201).
(3)
في (ب) موجهة.
(4)
تقدم توضيح ذلك آنفًا.
(5)
في مقدمته (144).
(6)
في ألفيته (ص 158 - 159).
(7)
ابن الوزير في "التنقيح"(ص 200).
(8)
أي ابن الوزير.
(9)
في "التنقيح"(ص 201).
عندهم بالمستور قال بل [قد](1) نص على قبوله وسماه هذه التسمية الشيخ أحمد في الجوهرة [ولا](2) أعلم أن أحدًا من الشارحين اعترضه والأدلة تناوله سواء رجعنا إلى العقل وهو الحكم بالراجح لأن [3 ب] صدقه راجح، أو إلى السمع وهو قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو كذلك كالأعرابيين في الشهادة بالفطر من رمضان (3) والأعرابي (4) بالشهادة بالصوم في أوله إلخ. كلامه.
[وأقول](5) لا نسلم أن المستور عند أصحابنا هو المستور باصطلاح المحدثين أعني مجهول الحال باطنًا بل هو بمعنى المستور من موجبات الجرح. . .
(1) زيادة من (ب).
(2)
في (ب) ولم.
(3)
أخرجه أحمد (9/ 249 رقم: 39 - الفتح الرباني) وأبو داود رقم: (2339) من حديث ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقام أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهلا الهلال أمس عشية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا.
وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود رقم: (2340) والنسائي رقم: (2113) والترمذي رقم: (691) وابن ماجه رقم: (1652) وابن خزيمة في صحيحه رقم: (1924 - 1923)، وابن حبان في صحيحه رقم:(3446).
عن ابن عباس قال: "أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: نعم، قال:"أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ " قال: نعم، قال:"فأذن في الناس يا بلال: أن يصوموا غدًا ".
وهو حديث ضعيف، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود رقم:(2342) وابن حبان رقم: (3447) والحاكم (1/ 423) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، والدارمي (2/ 4) والبيهقي (4/ 212) والدارقطني (2/ 156 رقم: 1) وقال: تفرد به مراون بن محمد، عن ابن وهب وهو ثقة فيه نظر، فقد تابعه هارون بن سعد الأيلي عن ابن وهب، عند الحاكم (1/ 423) والبيهقي (4/ 212) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام، وأمر الناس بصيامه".
وهو حديث صحيح.
(5)
زيادة من (أ).
[وأقول](1) ولو سلم أن المستور عندهم هو المستور باصطلاح المحدثين لم يستلزم نص صاحب الجوهرة على قبوله نص جميعهم عليه، ولا ترك الاعتراض عليه الرضي بقوله وعدم النص على خلافه، وكتب أهل البيت طافحة بعدم قبول مجهول الحال ومجهول العدالة وهو أعم من مجهول الظاهر والباطن فقط، فكيف يكون نص صاحب الجوهرة على قبوله دليلًا على أنه المذهب.
وأما تلك الحجة العقلية فممنوعة لأن مناط الرجحان انتفاء المانع، ولم ينتف، وأما الحجة السمعية فهي أخص من الدعوى لأن غايتها قبول مجهول الصحابة، ونحن نقول بموجبها، وقد ذكر السيد رحمه الله في آخر التنقيح (2) أن الزيدية يقبلون المجهول سواء عندهم في ذلك الصحابي وغيره. قال ذكر ذلك [السيد](3) عبد الله بن زيد (4) في "الدرر المنظومة" وهو أحد قولي المنصور بالله ذكره في (هداية [المسترشد] (5) وهو أرجح احتمالي أبي طالب (6) في (جوامع الأدلة) وأحد احتمالية في "المجزئ" وهذا المذهب مشهور عن الحنفية، والزيدية مطبقون [4أ] على قبول مراسيل (7) الحنفية فقد دخل عليهم حديث
(1) زيادة من (ب)
(2)
(ص 202).
(3)
في (ب) الفقيه.
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
في (ب) المسترشدين.
(6)
تقدمت ترجمته.
(7)
المرسل في اللغة: مشتق من الإرسال بمعنى الإطلاق تقول: أرسلت الغنم، أي أطلقتها، وقال تعالى:(ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين)[مريم: 83]، فكأن المرسل أطلق الإسناد، ولم يقيده بجميع رواته.
والمرسل في الاصطلاح: فقد اختلفت فيه العبارات، وذهب كل فريق مذهبًا إلا في صورة واحدة، فقد اتفق الجميع عليها وهي "أن قول التابعي الكبير، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، قال رسول الله كذا، أو فعل كذا، أو أقر كذا يسمى مرسلًا ".
قال ابن الصلاح "في علوم الحديث"(ص51): "والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين" أي لا فرق بين صغير وكبير.
وقيل: المرسل: هو قول غير الصحابي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المشهور عند الفقهاء ويندرج فيه: المنقطع وهو الذي سقط من إسناده رجل غير الصحابي.
والمعضل: وهو الذي سقط منه اثنان.
وقيل: المرسل: هو ما رواه الرجل عمن لم يستمع منه.
حكم العمل بالحديث المرسل: لا يعمل بالحديث المرسل المطلق، لأنه نوع من الضعيف الذي لا تقام به حجة، ولا يبنى عليه برهان.
انظر: "الكفاية في علم الرواية" ص 384.
المجهول على كل حال وإن كان المختار عند متأخريهم رده فذلك لا يغني مع قبولهم لمراسيل من يقبله. انتهى.
وأقول إن كان الدليل على أن مذهب الزيدية قول الفقيه عبد الله [6] بن زيد مقبول فهو من ذلك الجنس الذي عرفناك، وإن كان الواقع في كتابه (1) حكاية ذلك عن الزيدية فقد خالفه في ذلك سائر أئمة الزيدية بل روى عنهم السيد نفسه في هذا الكتاب (2) بعينه ما يخالف ذلك في بحث معرفة من تقبل روايته ومن ترد فقال: الذي في كتب أئمة الزيدية أنه يشترط في الراوي أربعة شروط:
الأول: أن يكون بالغًا، الثاني: أن يكون عاقلًا، الثالث: أن يكون مسلمًا، الرابع: أن يكون عدلًا مستورًا، فكيف يجوز نسبة القول بقبول المجهول مطلقًا إليهم بمجرد نص واحد منهم أو بمجرد الإلزام من جهة قبول مراسيل الحنفية؟ وكيف يحل التمسك بذلك مع تصريحهم بما يخالفه من جعلهم [العدالة](3) والستر من شوائب القوادح في العدالة شرط من شروط القبول! وأما مجرد احتمال كلام أبي طالب وأحد قولي المنصور بالله فذلك لا يسوغ جعل ذلك مذهبًا لهما فكيف يجعل مذهبًا لجميع الزيدية؟ ثم إن السيد
(1)"التنقيح"(ص 187) لابن الوزير.
(2)
"التنقيح"(ص 187) لابن الوزير.
(3)
في (ب) للعدالة.
رحمه الله تعالى ذكر تشكيكًا على القول بأنه لا بد من معرفة العدالة [الباطنة](1) فقال: (2) وقول المحدثين إنه لا بد من معرفة العدالة [الباطنة](3) مشكل إما لفظًا فقط أو لفظًا ومعنى وطول الكلام في ذلك في التنقيح وحاصل الإشكال باعتبار [4ب] اللفظ أنهم إما أن يريدوا بقولهم عدل في الباطن من رجع في عدالته إلى قول المزكين أو الخبرة وأورد على الطرفين إشكالات. باختيار الشق الثاني من شقي الترديد يلوح اندفاع ما أورده، وحاصل الإشكال باعتبار اللفظ، والمعنى أنه يلزم المعتبرين لذلك أمران ذكرهما هنالك فلا نطول بذكرهما والكلام عليهما فراجعهما.
[فائدة](4)
قال العضد في "شرح المختصر"(5) ما معناه أن الأصل الفسق، والعدالة طارئة، قلت: وهو الحق لأن العدالة (6) حصول ملكة أعني كيفية راسخة في النفس، والأصل عدم الحصول والرسوخ بلا نزاع، وفي هذا المقدار من نقل أقوال الرجال كفاية. ولنعد إلى ذكر الدليل على عدم قبول المجهول ورد ما ظنه القائلون بالقبول دليلًا، ثم نتكلم بعد ذلك في مجهول الصحابة فنقول استدل على عدم القبول بدليلين.
الأول: إن الأدلة القرآنية نحو قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (7) وقوله: {إن يتبعون إلا الظن} (8) وقوله [7]: {وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا} (9)
(1) في (أ) الباطنية.
(2)
ابن الوزير في "التنقيح"(ص 202).
(3)
في (أ) الباطنية.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
(2/ 64).
(6)
العدالة: ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة والمراد بالتقوى، اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة. "النخبة" لابن حجر (ص 55).
(7)
[الإسراء: 36].
(8)
[النجم: 23].
(9)
[النجم: 28]
دلت على منع العمل بالظن في المعلوم عدالته وفسقه والمجهول فخولف [ذلك](1) في المعلوم عدالته. قال العضد بدليل هو الإجماع.
الثاني: أن الفسق مانع من القبول قال العضد وابن الإمام في شرح الغاية بالاتفاق فوجب تحقق ظن عدمه كالصبا والكفر وهذان الدليلان المربوطان بالنصوص القرآنية وإجماع الأمة مغنيان عن غيرهما وغاية الكلام أن البراءة الأصلية كافية في سقوط [التعبد](2) بأحكام الشرع فلا [5 أ] ينقل عنها شيء من الشكوك التي لا يستفاد من إخبار المجاهيل سواها لا سيما مع أمره صلى الله عليه وسلم بترك ما يريب إلى ما لا يريب (3) وقبول خبر المجهول دخول في أعظم ريب واحتج من قال بالقبول (4) وهو أبو حنيفة ومن تبعه بثلاث حجج:
الأولى: أن الفسق سبب التثبت فإذا انتفى انتفى، وهو مندفع من طريقين.
الأولى: ذكرها العلامة [العضد](5) في شرح المختصر وهي أن انتفاء السبب المعين لا يوجب انتفاء المسبب لجواز تعدد السبب وقد ناقشه السعد بأن المراد إلزام القائلين بمفهوم الشرط وهي مناقشة واهية، ولذلك اعترف بصحة ما ذكره العلامة، فقال بعد ذلك إلا أنه يمكن تمشيته بما ذكره من أن تعدد السبب هنا معلوم؛ لأن الجهل بالعدالة والفسق أيضًا سبب التثبت يعني أن انتفاء السبب المعين لا يوجب انتفاء المسبب؛ لأن السبب هاهنا متعدد
(1) زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي (2/ 234) والترمذي رقم: (2518) وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم (4/ 99)، وأحمد (1/ 200) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 264).
عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلا ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة".
وهو حديث صحيح.
(4)
انظر "مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت"(2/ 146 - 147).
(5)
زيادة من (أ).
وهو الجهل بالعدالة والفسق، فلا يلزم من انتفاء الفسق انتفاء التثبت.
الطريقة الثانية ذكرها المحقق العضد (1) وهي عدم تسليم أن المنتفي هنا هو الفسق، بل العلم به، ولا يلزم من عدم العلم بالشيء عدمه، والمطلوب العلم بانتفائه، ولا يحصل إلا بالخير أو التركيبة.
الحجة الثانية: أن ظاهره الصدق كإخباره، فيقبل كإخباره بأن اللحم مذكاة، وبكون الماء طاهرًا أو نجسًا، ورد أولًا بأن ذلك ليس محل النزاع، إذ محله فيما يشترط فيه عدم الفسق، وذلك مما يقبله فيه الفاسق [5 ب]. قال العضد وابن الإمام اتفاقًا، وثانيًا أن الرواية أعلى مرتبة من هذه الأمور لأنها تثبت شرعًا عامًا فلا يلزم من القبول [8] في ذلك القبول في الرواية.
الحجة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم نحن نحكم (2) بالظاهر، وهذا ظاهر، إذ يوجب ظنًا، ولذلك
(1) في شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 64 - 66).
(2)
قال العراقي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في منهاج البيضاوي رقم (78): "لا أصل له، وسئل عنه المزي فأنكره ".
وكذلك قال ابن كثير والسخاوي كما في "المقاصد الحسنة" رقم (178) وأيضًا السيوطي كما في "كشف الخفاء" للعجلوني رقم (585) وانظر: "موافقة الخبر الخبر" لابن حجر (1/ 181 - 183).
قلت: وقد ورد في السنة ما يؤدي معناه:
منها: ما أخرجه البخاري رقم (6967) ومسلم رقم (4/ 1713) عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع
…
". وهو حديث صحيح.
ومنها: ما أخرجه النسائي (8/ 233) وترجم له في باب الحكم بالظاهر. ومسلم في صحيحه رقم (144/ 1064) من حديث أبي سعيد: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم".
وهو حديث صحيح.
وما أخرجه مسلم رقم (12/ 1497) من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة: " لو كنت راجمًا أحدًا من غير بينة رجمتها". وهو حديث صحيح.
أسلم أعرابي (1) فشهد بالهلال فقبل وأجيب أولًا بمنع الظاهر، قال العضد: بل يستوي فيه صدقه وكذبه ما لم تعلم عدالته، وأما قصة الأعرابي (2) فقال أيضًا: لعله صلى الله عليه وسلم عرف عدالته لأن الإسلام يجب ما قبله، ولم يحدث بعده ما ينقض العدالة، وثانيًا بالمعارضة بنحو قوله:{ولا تقف ما ليس لك به علم} (3)، {إن يتبعون إلا الظن} (4) وأقول الحديث (5) لا أصل له كما قال المزي والذهبي.
قال الحافظ ابن كثير: هذا الحديث كثيرًا ما يلهج به أهل الأصول ولم أقف [له](6) على سند، وسألت عنه الحافظ أبا الحجاج المزي فلم يعرفه، ولكن له شواهد كقوله صلى الله عليه وسلم «إنما أقضي بنحو ما أسمع» وهو في الصحيح (7).
وقال البخاري (8) في كتاب الشهادات قال عمر [رضي الله عنه](9) إن أناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن ظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء، يحاسبه الله على سريرته، ومن أظهر سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة.
ورواه أحمد في .... .....................
(1) تقدم آنفا.
(2)
تقدم تخريجه
(3)
[الإسراء: 36].
(4)
[النجم: 23].
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
زيادة من (أ).
(7)
في البخاري رقم (6967) ومسلم رقم (4/ 1713) من حديث أم سلمة. وقد تقدم أنفًا.
(8)
في صحيحه رقم (2641).
(9)
زيادة من (أ).
مسنده (1) مطولًا وأبو داود (2) مختصرًا وهو من رواية أبي فراس عن عمر، قال أبو زرعة [لا أعرفه](3). ومن الشواهد أيضًا حديث أن العباس (4) قال يا رسول الله كنت مكرهًا [6 أ] يعني يوم بدر، فقال صلى الله عليه وسلم «أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله» . على أنه لا حجة في هذا الحديث لمن قال بقول المجهول سواء قلنا بصحته أو لا.
قال العلامة محمد بن إبراهيم في العواصم (5) إن الظاهر المذكور في الحديث هو ما بدى للإنسان من الأحوال وسائر الأمور المعلومة دون البواطن الخفية كقول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس (6) كان ظاهرك علينا، يريد ما علمنا بما أضمرت إنما عرفنا ما أظهرت، وكون الراوي صادقًا أو كاذبًا في نفس الأمر ليس مما يسمى ظاهرًا في اللغة العربية والعرف المتقدم، وإنما هذا اصطلاح الأصوليين يسمونه المظنون ظاهرًا، ولم يثبت هذا في اللغة، ولا يجوز أن يفسر كلام
(1) قال الحافظ في "الفتح"(5/ 352) وفي رواية أي فراس عن عمر عند الحاكم "إنا كنا نعرفكم إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا الوحي ينزل، وإذ يأتينا من أخباركم، وأراد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد انطلق ورفع الوحي.
قوله: (فمن أظهر لنا خيرا أمناه بهمزة بغير مد وميم مكسورة ونون مشددة من الأمن أي صيرناه عندنا أمينًا)، وفي رواية أبي فراس "ألا ومن يظهر منكم خيرًا ظننا به خيرًا وأحببناه عليه".
قوله: (الله يحاسب) كذا لأبي ذر عن الحموي بحذف المفعول، وللباقين "الله محاسبه" بميم أوله وهاء آخره.
قوله: (سويًا) في رواية الكشميهني "شرًا" وفي رواية أبي فراس "ومن يظهر لنا شرًا ظننا به شرًا، وأبغضناه عليه، سرائركم فيما بينكم وبين ربكم، قال المهلب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه الريبة وهو قول أحمد وإسحاق كذا قال: وهذا إنما هو في حق المعروفين لا من لا يعرف حاله أصلًا".
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(5/ 352) وفي رواية أي فراس عن عمر عند الحاكم "إنا كنا نعرفكم إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا الوحي ينزل، وإذ يأتينا من أخباركم، وأراد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد انطلق ورفع الوحي.
قوله: (فمن أظهر لنا خيرا أمناه بهمزة بغير مد وميم مكسورة ونون مشددة من الأمن أي صيرناه عندنا أمينًا)، وفي رواية أبي فراس "ألا ومن يظهر منكم خيرًا ظننا به خيرًا وأحببناه عليه".
قوله: (الله يحاسب) كذا لأبي ذر عن الحموي بحذف المفعول، وللباقين "الله محاسبه" بميم أوله وهاء آخره.
قوله: (سويًا) في رواية الكشميهني "شرًا" وفي رواية أبي فراس "ومن يظهر لنا شرًا ظننا به شرًا، وأبغضناه عليه، سرائركم فيما بينكم وبين ربكم، قال المهلب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه الريبة وهو قول أحمد وإسحاق كذا قال: وهذا إنما هو في حق المعروفين لا من لا يعرف حاله أصلًا".
(3)
زيادة من (ب).
(4)
تقدم في المجلد الأول -العقيدة-.
(5)
(1/ 376 - 378).
(6)
تقدم في المجلد الأول -العقيدة-.
رسول الله صلى الله عليه وسلم باصطلاح الأصوليين، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [9] لم يجعل صدق عمه العباس في دعواه للإكراه ظاهرًا، وإن كان صدقه بعد إسلامه مظنونًا راجحًا، بل الظاهر أن صدقه قبل إسلامه كان مظنونًا راجحًا لأنه كان من أهل السيادة والأنفة من الكذب [في الأخبار التي لا يعلم صدقها ولا كذبها؛ لأنه ليس مسمى في اللغة ظاهرًا، فلا يكون في الحديث حجة](1).
إذا تبين لك هذا فاعلم أن مسألة السؤال أعني الإخبار برؤية الهلال إن كان من قبيل الرواية دون الشهادة [6 ب] كما يدل على ذلك قبوله صلى الله عليه وسلم للواحد في هلال رمضان كما ثبت عند أبي داود [والنسائي والترمذي](2) من حديث (3) ابن عباس أن أعرابيًا شهد أنه رأى هلال رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله» قال نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا» ، وأصرح منه ما ثبت عند أبي داود (4) من حديث ابن عمر بلفظ أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه، فالكلام الذي سلف في إبطال [مطلق](5) رواية المجهول كاف في إبطال المقيد بهذه الصورة؛ لأن إبطال الأعم [يستلزم إبطال](6) الأخص وإن كانت مسألة النزاع من قبيل الشهادة كما يدل على ذلك حديث، «عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما» ، أخرجه أبو داود (7) من حديث الحسين بن الحارث الجدلي، وأخرجه. . . . . . .
(1) زيادة من (ب).
(2)
في (ب) والترمذي والنسائي.
(3)
تقدم تخريجه، وهو حديث ضعيف.
(4)
في "السنن" رقم (2342)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم.
(5)
زيادة من (ب).
(6)
في (ب) مستلزم لإبطال.
(7)
في "السنن" رقم (2338). وهو حديث صحيح.
النسائي (1). من حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بلفظ فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا.
وفي رواية (2) قدم أعرابيان، فشهدا وفي أخرى عند أبي داود (3)[7] والنسائي (4)«أن ركبا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأو الهلال» وفي حديث الأعرابي بلفظ شهد، فلا شك أن جميع شروط قبول الرواية شروط للشهادة، بل الشهادة أخص باعتبار أن من شروط قبولها الاختبار وانتفاء كفر التأويل وفسقه مع عدم اشتراط ذلك في الرواية.
أما الاختبار فظاهر، وأما فسق التأويل فقد ذكر العلامة ابن الوزير في .... ......
(1) في "السنن"(4/ 132 رقم 2116) وهو حديث صحيح.
(2)
عند أبي داود في "السنن" رقم (2339).
(3)
في "السنن" رقم (1157).
(4)
في "السنن" رقم (1507)
قلت: وأخرجه أحمد (5/ 58) وابن ماجه رقم (1653) وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم كما في "تلخيص الخبير"(2/ 87 رقم 696).
قال الخطابي في "معالم السنن": لا أعلم اختلافًا أن شهادة الرجلين العدلين مقبولة في رؤية هلال شوال، وإنما اختلفوا في شهادة رجل واحد، فقال أكثر العلماء: لا يقبل فيه أقل من شاهدين عدلين.
وقد روي عن عمر بن الخطاب من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى (أنه أجاز شهادة رجل واحد في أضحى أو فطر) ومال إلى هذا القول بعض أهل الحديث وزعم أن باب رؤية الهلال باب الإخبار، فلا يجري مجرى الشهادات، ألا ترى أن شهادة الواحد مقبولة في رؤية هلال شهر رمضان، فكذلك يجب أن تكون مقبولة في هلال شهر شوال.
قال: لو كان ذلك من باب الإخبار لجاز فيه أن يقول: أخبرني فلان أنه رأى الهلال، فلما لم يجز ذلك على الحكاية من غيره علم أنه ليس من باب الإخبار، والدليل على صحة ذلك أنه يقول أشهد أني رأيت الهلال كما يقول ذلك في سائر الشهادات، ولكن بعض الفقهاء ذهب إلى أن رؤية هلال رمضان خصوصًا من باب الإخبار، وذلك لأن الواحد العدل فيه كاف عند جماعة من العلماء، واحتج بخبر ابن عمر أنه قال:(أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فأمر الناس بالصيام).
العواصم (1) أنه غير مانع من قبول الرواية، ونقل الإجماع على ذلك من طرق عشر مع القطع بأن [أكثر](2) منهم قائلون بعدم قبول شهادة فاسق التأويل، وقريب منه كفر التأويل، وإن قال جماعة من أهل مذهبنا [بقبولها](3) في الشهادة.
إذا عرفت هذا فما دل على عدم قبول رواية المجهول دل على عدم قبول شهادته مع ما يدل على خصوص الشهادة من قوله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} (4) وقوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (5) وقوله صلى الله عليه وسلم: «وشهد شاهد عدل» وقد نهانا رسول الله [10] صلى الله عليه وسلم عن الصيام المفروض إلى غاية للنهي هي رؤية الهلال كما يدل على ذلك: «لا تصوموا حتى تروا الهلال» (6) أو شهادة شاهدي عدل كما يدل على ذلك: "وشهد شاهدا عدل" أو كمال العدة كما يدل على ذلك: «فأكملوا العدة ثلاثين يومًا» (7) فقبل حصول واحد من هذه الثلاثة الصوم بنية الفرض منهي عنه، فالتعبدية منتف فأي ضرورة تلجئ المتدين [7 ب] إلى قبول رواية المجاهيل مع انتفاء الأسباب التي يتوقف تعلق حكم وجوب الصوم بناء عليها مع ما في ذلك من الوقوع في النهي! وهل هذا إلا من المخالفة للشريعة السمحة السهلة والوقوع في المضائق التي لم يتعبدنا الله بها؟.
(1)(1/ 373 - 374).
(2)
في (ب) كثيرًا.
(3)
زيادة من (ب)
(4)
[البقرة: 282].
(5)
[الطلاق: 2].
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
أخرجه البخاري رقم (1906) ومسلم رقم (3/ 100) وأحمد (2/ 63) والدرامي (2/ 3) والنسائي (4/ 134) والدارقطني (2/ 161 رقم 21) والبيهقي (4/ 204 - 205) من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له".
فإن قلت: من الأسباب التي يجب عندها الصوم شهادة الواحد كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم عند شهادة الأعرابي [وهو مجهول](1)، قلت: أما أولًا: فقد قدمنا لك أنه شهد بعد إسلامه والإسلام يجب ما قبله، فهو في تلك الحال لا يتصف بجهالة العين ولا الحال.
وأما ثانيًا فهو متوقف على إمكان الجمع بينه وبين حديث وشهد شاهدًا عدل وحديث فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا (2) بأن في قبول الواحد زيادة يجب قبولها، وإنه يدل على قبول الواحد بالمنطوق (3) ومقابله بالمفهوم (4) والمنطوق [أرجح](5) أو عدم إمكانه بهذا الوجه والمصير إلى التعارض وترجيح قبول الواحد في كل واحد من الطرفين نزاع طويل.
وأما ثالثًا فسيأتيك الفرق بين مجهول الصحابة وغيرهم وقبول الواحد العدل لو سلمنا أنه من الأسباب لم يكن مضرًا بمحل النزاع؛ لأن كلامنا في قبول المجهول أو المجاهيل كما سلف وإذا [قد](6) تبين لك الكلام في مطلق المجهول فلنتكلم على مجهول الصحابة، وبيانه متوقف على ذكر الخلاف في عدالة الصحابة، وفيه أربعة مذاهب:
أنهم عدول (7) مطلقًا ونسبه ابن الحاجب في ......................
(1) زيادة من (ب).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم التعريف بها.
(4)
تقدم التعريف بها.
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
قال الشيخ تقي الدين وغيره "الذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عدول بتعديل الله تعالى لهم"، المسودة (ص 292).
وقال ابن الصلاح في مقدمته ص 146 - 147: الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ولا يعتد بخلاف من خالفهم.
قال الإمام الجويني في البرهان (1/ 632) ولعل السبب في قبولهم من غير بحث عن أحوالهم أنهم نقلة الشريعة، ولو ثبت التوقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما استرسلت على سائر الأعصار. قال إلكيا الطبري: وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن فتلك أمور مبنية على الاجتهاد، وكل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد والمخطئ معذور بل مأجور، وكما قال عمر بن عبد العزيز: تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نخضب بها ألسنتنا- أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 934 رقم 1778) وابن الجوزي في سيرة عمر بن عبد العزيز ص 165 بسند لا بأس به.
قلت: وهذا القول هو الراجح والله أعلم.
مختصر (1) المنتهى وشارحه العضد والسبكي في "جمع الجوامع"(2) إلى الأكثر [وكذلك](3) الإمام المهدي في المعيار.
(1)(2/ 67).
(2)
(2/ 166).
أما القول الثاني: أن حكمهم في العدالة حكم غيرهم فيبحث عنها. "البحر المحيط"(4/ 229).
القول الثالث: أنهم كلهم عدول قبل الفتن لا بعدها، فيجب البحث عنهم، وأما بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقًا، أي من الطرفين؛ لأن الفاسق من الفريقين غير معين، وبه قال عمرو بن عبيد من المعتزلة.
وهذا القول غاية الضعف لاستلزامه إهدار غالب السنة، فإن المعتزلين لتلك الحروب هم طائفة يسيرة بالنسبة إلى الداخلين فيها، وفيه أيضًا أن الباغي غير معين من الفريقين، وهو معين بالدليل الصحيح، وأيضًا التمسك بما تمسكت به كل طائفة يخرجها من إطلاق اسم البغي عليها على تقدير تسليم أن الباغي من الفريقين غير معين.
القول الرابع: أنهم كلهم عدول إلا من قاتل عليًا، وبه قال جماعة من المعتزلة والشيعة.
وقال ابن قاضي الجبل: "وهذه الأقوال باطلة بعضها منسوب إلى عمرو بن عبيد وأحزابه، وما وقع بينهم محمول على الاجتهاد ولا قدح على مجتهد عند المصوبة وغيرهم".
"الكوكب المنير"(2/ 476 - 477)، "مقدمة ابن الصلاح"(ص 301).
القول الخامس: أن من كان مشتهرًا منهم بالصحة والملازمة فهو عدل لا يبحث عن عدالته دون من قلت صحبته ولم يلازم وإن كانت له رواية، كذا قال الماوردي.
وهو قول ضعيف لاستلزامه إخراج جماعة من خيار الصحابة الذين أقاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم قليلًا ثم انصرفوا كوائل بن جحدر، ومالك بن الحويرث وعثمان بن العاص.
انظر "الكوكب المنير"(2/ 477).
(3)
في (ب) وكذا.
قال مسألة، الأكثر والصحابة عدول. الأشعرية مطلقًا. المعتزلة إلا من ظهر فسقه ولم يتب، وكذلك ابن الإمام في شرح الغاية قال وهو قول جمهور الفقهاء وجماعة من المحدثين. قلت إلا أن أهل هذا القول لا يجعلون (1) الصحبة بمنزلة العصمة من موجبات القدح كما يظنه كثير من الناس؛ ولهذا قال المحلي في شرح الجوامع عند قول السبكي: والأكثر على عدالة الصحابة ما لفظه، ومن طرأ له منهم قادح كسرقة أو زنا عمل بمقتضاه [11] انتهى.
قال ابن أبي شريف في حاشية الجمع ما لفظه قوله: ومن طرأ له قادح منهم
…
إلخ أشار به إلى أنه ليس المراد بكونهم عدولًا ثبوت (2) العصمة [لهم واستحالة المعصية عليهم، إنما المراد ما صرح به من أنه لا يبحث عن عدالتهم ومن فوائد القول](3) بعدالتهم مطلقًا أنه إذا قيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول كذا كان حجة (4) كتعيينه باسمه انتهى بلفظه.
قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في التنقيح (5) بعد أن ذكر القول بعدالة
(1) انظر "اللمع" ص 43.
(2)
انظر "اللمع" ص43.
(3)
زيادة من (ب).
(4)
قال الأنباري: وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية عليهم، إنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا أن يثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك لله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح.
قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 263 - بتحقيقي): وإذا تقرر لك عدالة جميع من ثبتت له الصحبة علمت أنه إذا قال الراوي عن رجل من الصحابة ولم يسمه كان ذلك حجة، ولا تضر الجهالة لثبوت عدالتهم على العموم.
وانظر: المسودة (ص 292)، مقدمة ابن الصلاح (ص 301).
(5)
(ص 259).
الصحابة (1) كلهم ما لفظه إلا ما قام الدليل على أنه فاسق تصريح، ولا بد من هذا إلا الاستثناء على جميع المذاهب وأهل الحديث، وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم [فإنه](2) يستثنون من هذه صفته، وإنما لم يذكروه لندره (3) ولأنهم قد بينوا ذلك في معرفة كتب الصحابة وقد فعلوا [8ب] مثل هذا في قولهم أن المراسيل لا تقبل على الإطلاق من غير استثناء مع أنهم يقبلون مراسيل الصحابة، وبعضهم يقبل ما علقه البخاري، وما حكم بعض الحفاظ بصحة إسناده [وإن لم](4) يبين إسناده، ونحو ذلك من المسائل قال: وأنا أنقل نصوصهم على ذلك لتعرف صحة ما ذكرته من الإجماع على صحة هذا الاستثناء، ثم نقل في التنقيح (5) مادة من ذلك نفيسة، فراجعها وبهذا تعلم أن القائلين بعدالة الصحابة مطلقًا قاتلون بقبول مجاهيلهم، بل ذلك هو فائدة هذه المقالة كما [قال](6) ابن أبي شريف، وأهل هذه المقالة هم أكثر الأمة، فمجهول الصحابة مقبول عند أكثر الأمة.
المذهب الثاني أن الصحابة كلهم عدول إلا من ظهر فسقه ولم يتب، وقد رواه الإمام المهدي في المعيار وشرحه عن المعتزلة واحتج له واختاره. فقال والحجة لنا على عدالة من لم يظهر فسقه منهم
…
إلخ.
(1) قال ابن الصلاح في مقدمته (ص 301): للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.
وانظر "الإرشاد" للنووي (2/ 591).
(2)
في (ب) فإنهم.
(3)
والنادر لا حكم له، ثم إنه لم يثبت عن واحد من الصحابة كذب بصورة من الصور.
ذكره السخاوي، انظر "فتح المغيث"(3/ 106).
(4)
في (أ) وإن.
(5)
(ص 261).
(6)
في (ب) قاله.
وهكذا قال ابن بهران في الكافل بلفظ: والصحابة كلهم عدول إلا من أبا. قال ابن لقمان في شرحه أنه المختار عند الأكثر، وقال إلا من أبا العدالة منهم بأن ظهر فسقه ولم يتب. وأهل هذا القول يقبلون مجهول الصحابة، وفي عده مذهبًا مستقلًا كما وقع في بعض كتب الأصول كالغاية والمعيار نظر. لأنه عين المذهب الأول، فلا يتم جعله مخالفًا له إلا مع الإغماض عما ذكره المحلي [9 أ] وابن شريف وابن الوزير (1) كما سبق، وقد تركه ابن الحاجب (2) وصاحب جمع الجوامع (3) فأصابا، ونسب ابن الحاجب إلى المعتزلة (4) القول بأن الصحابة كلهم عدول إلا من قاتل عليًا لا كما فعله الإمام المهدي في المعيار [12].
المذهب الثالث: أنهم كغيرهم، وهذا قول القاضي أبو بكر الباقلاني.
المذهب الرابع: أنهم كلهم عدول إلى حين ظهور الفتن، وهذا قول عمرو بن عبيد (5).
إذا عرفت هذا تبين لك أن قبول مجهولهم مذهب جميع الأمة، ولم يخالف في ذلك إلا عمرو بن عبيد وأبو بكر الباقلاني على أن عمر بن عبيد من القائلين بعدالة مجهولهم قبل ذلك الوقت وبعده إذا لم يلابس الفتن فلا مخالف في ذلك على الحقيقة إلا أبو بكر الباقلاني. قال العلامة ابن الوزير في التنقيح (6) وأما القول بعدالة المجهول منهم فهو إجماع
(1) في "التنقيح"(ص 259).
(2)
في "مختصر المنتهى"(2/ 67).
(3)
(2/ 166).
(4)
تقدم آنفًا
(5)
هو عمرو بن عبيد بن باب التيمي بالولاء أو عثمان البصري، شيخ المعتزلة في عصره، ومفتيها، وأحد الزهاد المشهورين، كان جده من سبي فارس، وفيه قال المنصور:"كلكم طالب صيد غير عمرو بن عبيد" له رسائل وخطب وكتب، منها "التفسير" و"الرد على القدرية".
انظر "الأعلام للزركلي"(5/ 81).
(6)
(ص 267).
أهل السنة والمعتزلة والزيدية. وقال ابن عبد البر في التمهيد (1) إنه مما لا خلاف فيه انتهى.
وأما الدليل على ذلك فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد تولى تعديل الصحابة بنفسه، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وأقل، الأحوال أن يجعل [حكم](2) ذلك التعديل حكم تعديل العبيد بعضهم بعضًا، فإذا لم تثبت لهم هذه المزية أعني قبول مجهولهم، ولا يقبل من عرفناه عينًا وحالًا، فأي طائل وأي ثمرة لقوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس} (3) وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} (4)، قال العضد (5) أي عدولًا، قال ابن أبي شريف وأكثر المفسرين على أن الصحابة المرادون من هاتين الآيتين، ومن ذلك قوله تعالى:{والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (6) الآية.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي قرني» ، أخرجه الشيخان (7) وحديث:«لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» أخرجه الشيخان (8). وحديث: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (9) على مقال فيه. وحديث: «أوصيكم [بأصحابي] (10) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب» .
(1)(22/ 47) لابن عبد البر.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
[آل عمران: 110].
(4)
[البقرة: 143].
(5)
في "مختصر المنتهى"(2/ 67).
(6)
[الفتح: 29].
(7)
البخاري في صحيحه رقم (2652) ومسلم رقم (2533) من حديث عبد الله ابن مسعود.
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه (3673) ومسلم في صحيحه (221/ 2540) من حديث أبي سعيد الخدري.
(9)
تقدم تخريجه مطولًا -وهو حديث موضوع- انظره في المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني -العقيدة-.
(10)
في (ب) أصحابي.
ورواه أحمد (1) والترمذي (2) وأبو داود الطيالسي (3) وفي المتفق (4) عليه: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» .
ومن الأدلة [الدالة](5) على المطلوب قبوله صلى الله عليه وسلم لمجهولهم كما في حديث عقبة بن الحارث عند البخاري (6) ومسلم (7) وفيه أنه تزوج أم يحيى بنت [13] أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني، قال فتنحيت فذكرت ذلك له قال: وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما. وفي لفظ (8)"كيف وقد قيل" وفي أخرى فنهاه عنها، وفي أخرى "دعها عنك"، [وكذلك](9) قبوله للأعرابي (10) في الصيام إن سلمت جهالته، وقد سبق الكلام عليه، وكذلك حديث: «إن الناس [10أ] اختلفوا في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم
(1) في "المسند"(1/ 18 - 26).
(2)
في "السنن" رقم (2165) وقال: حديث صحيح.
(3)
في "المسند"(34) وصححه الحاكم (1/ 113 - 114) ووافقه الذهبي، وهو من حديث جابر بن سمرة عن عمر، وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه البخاري رقم (2652) ومسلم رقم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود.
(5)
زيادة من (ب).
(6)
في صحيحيه رقم (88) و (2052) و (2640) و (2659) و (5104).
(7)
لم يخرجه مسلم.
(8)
انظر التعليقة السابقة.
وانظر "فتح الباري"(9/ 153).
(9)
زيادة من (ب).
(10)
تقدم تخريجه.
بالله لأهلا الهلال أمس عشية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم [الناس](1) أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم» رواه أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4). قال الشيخ أبو الحسين في "المعتمد"(5) ما لفظه أعلم أنه إذا ثبت اعتبار العدالة وجب إن كان لها ظاهرًا أن يعتمد عليه، وإلا لزم اختبارها ولا شبهة في أن بعض الأزمان كزمن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت العدالة منوطة بالإسلام، وكان الظاهر من المسلم كونه عدلًا؛ ولهذا اقتصر صلى الله عليه وسلم على قبول خبر الأعرابي عن رؤية الهلال على ظاهر إسلامه، واقتصر الصحابة على إسلام من كان يروي الأخبار من العرب، وأما الأزمان التي كثرت فيها الخيانات ممن يعتقد الإسلام فليس الظاهر من إسلام الإنسان كونه عدلًا، فلا بد من اختباره. وقد ذكر الفقهاء هاذ التفصيل. انتهى كلامه.
وأما [ما ذكره](6) الجلال في كتابه عصام المتورعين عن مزالق المتشرعين من الجواب عن ذلك بأن خاصة للنوع، ثم قال [وتحققه](7) أن حكم المجموع ليس حكمًا للأفراد، فإن الجماعة تحمل الحجر وتغلب الجيش دون الواحد
…
إلخ [كلامه](8)
فأقول: لا شك أن لفظ أصحابي جنس مضاف، وهو من صيغ العموم على ما هو الحق وإن منعه هو وجماعة من أهل [10 ب] الأصول، ومدلول العموم من باب الكلية [أعني الحكم](9) .... .... .... .... ..
(1) زيادة من (أ).
(2)
في "المسند"(9/ 349 رقم 39 - الفتح الرباني).
(3)
في "السنن" رقم (2339).
(4)
في "السنن" رقم (1653) وهو حديث صحيح. وقد تقدم.
(5)
(2/ 136).
(6)
في (ب) ما حكاه.
(7)
في (ب) وتحقيقه.
(8)
زيادة من (أ).
(9)
في (أ)(أي محكوم).
[فيه](1) على كل فرد فرد، قال في جمع الجوامع (2) في بحث العموم ما لفظه ومدلوله كلية أي محكوم فيه على كل فرد مطابقة إثباتًا أو سلبا لا كلي، ولم يحك الخلاف في ذلك عن أحد، فلا يخرج فرد من أفراد الصحابة عن ذلك إلا بدليل أو ظهور قادح، وكذلك الخطابات القرآنية نحو [14] كنتم خير أمة، وكذلك جعلناكم [أمة وسطًا](3)، ونحوهما ظاهرة في تناول كل مخاطب إلا لمخرج، والمجهول الذي هو محل باقٍ غير مخرج. وهو المطلوب.
وأما المعارضة بنحو قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} (4)
(1) زيادة من (ب).
(2)
(2/ 167).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
[البقرة: 187].
فوائد:
من هو الصحابي: قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة"(1/ 7، 8) بتصرف، وأصح ما وقف عليه من ذلك أن الصحابي، من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ولذلك يدخل في التعريف:
كل مكلف من الجن والإنس.
وكل من لقيه مؤمنًا ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، ومات مسلمًا سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلام مرة أخرى أم لا، وهذا هو الصحيح المعتمد كالأشعث بن قيس، فإنه ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومات مسلمًا، فقد اتفق أهل الحديث على عده من الصحابة.
ويخرج من التعريف:
من لقيه كافرًا، ولو أسلم بعد ذلك، إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
من لقيه مؤمنًا بغيره، كما لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة.
من لقيه مؤمنًا به، ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله.
ثم قال: "وهذا التعريف مبني علي الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما ".
العدالة: تطلق العدالة على معان كثيرة منها: التجنب عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها. وهذا المعنى هو مراد المحدثين من قولهم: الصحابة كلهم عدول.
فقد قال السخاوي في "فتح المغيث"(3/ 106): قال ابن الأنباري: ليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلا إن ثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك ولله الحمد.
وقيل أن المقصود من عدالة الصحابة بالدرجة الأولى هو تنزههم عن الكذب، فهم عدول لا يكذبون ولم تعرف عنهم هذه الرذيلة، أما الصحابي فيمكن أن يصدر منه الذنب لأنه ليس معصومًا، إلا أن هذا الذنب لا يسقط عدالته لأن كل ابن آدم خطاء.
ومما تقدم نجد أن الجهالة أقسام ثلاثة:
(الأول): مجهول العين: وهو من لم يرو عنه إلا راو واحد وفيه أقوال:
1 -
): الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لا يقبل.
2 -
): أنه يقبل مطلقًا، وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام.
3 -
): أنه كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل قبل مثل ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان ومالك ومن ذكر بذلك معهم وإلا لم يقبل.
4 -
): إن كان مشهورًا في غير العلم بالزهد والنجدة قبل، وإلا فلا.
5 -
): إن زكاه أحد أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد من قبل وإلا فلا، وهو اختيار أبي الحسن ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام).
6 -
): إن كان صحابيًا قبل، وهو مذهب الفقهاء.
انظر: "التنقيح"(ص 198).
(الثاني) مجهول الحال: في العدالة في الظاهر والباطن مع كونه معروف العين، وفيه أقوال:
1 -
): لا يقبل، حكاه ابن الصلاح وزين الدين عن الجماهير.
2 -
): يقبل مطلقًا وإن لم تقبل رواية مجهول العين.
3 -
): إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل قبل وإلا فلا.
"مقدمة ابن الصلاح"(ص 145)، "فتح المغيث" للعراقي (ص 160).
(الثالث) مجهول العدالة الباطنة وهو عدل في الظاهر، فهذا لا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين، وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال: لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي.
ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن، وتفارق الشهادة، فإنها تكون عند الحكام، ولا ينظر عليهم ذلك فاعتبرت فيها العدالة في الباطن والظاهر.
وانظر: تفصيل ذلك: "فتح المغيث"(ص160) للزين العراقي.
ونحوها فغير منتهضة للتصريح بالتوبة عنهم في البعض والامتثال منهم في البعض الآخر، وإلى هنا انتهى الكلام على هذه المسألة وفيه كفاية [لمن له هداية، والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الأعلام](1).
[فرغ من تحريره جامعه في نهار يوم الأحد لثلاث خلت من شهر ربيع الأول سنة 1206 وكان فراغي من نقله من نسخة المصنف ليلة الخميس ليلة رابع شهر شعبان سنة 1208](2)
(1) زيادة من (أ).
(2)
زيادة من (ب).