الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات
"
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة: (بحث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات").
2 -
موضوع الرسالة: في "الحديث".
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. كثر الله فوائدكم صيغة إنما حاصره لا يخالف في ذلك من يعتد به، واستعمالات أهل اللغة في نظمهم
4 -
آخر الرسالة:
…
فهو فاسد بعدم النية، وفي هذا كفاية وإن كان البحث محتملا للتطويل انتهى نقله في خط المجيب شيخ الإسلام البدر رحمه الله وغفر له وجزاه خيرًا. آمين.
5 -
نوع الخط: خط نسخي جيد.
6 -
عدد الصفحات: (4) صفحة.
7 -
المسطرة: الأولى: 21 سطرًا.
الثانية: 20 سطرًا.
الثالثة: 19 سطرا.
الرابعة: 11 سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: (8 - 10) كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الخامس من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
بسم الله الرحمن الرحيم
- كثر الله فوائدكم - صيغة إنما (1) حاصره لا يخالف في ذلك من يعتد به، واستعمالات أهل اللغة في نظمهم ونثرهم قاضية بذلك قضاء لا يدفع، فأفاد ذلك حصر أن يكون المقدر بحيث ينطبق على هذا التركيب انطباقًا يناسب المدلول بالقصر مع ما يقتضيه من هذه الجمعية ومصيرها للجنس، وكأنه قال: إنما كل .............................
(1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1) ومسلم في صحيحه رقم (155/ 1907) والترمذي رقم (1647) وأبو داود رقم (2201) والنسائي رقم (1/ 58) وابن ماجه رقم (4227) وأحمد في "المسند"(1/ 25 - 43) والدارقطني رقم (1/ 50 رقم 1) ومالك في "الموطأ"(ص 341 رقم 983) برواية محمد بن الحسن الشيباني.
وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 342) كلهم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
منزلة الحديث:
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 11): قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم هذا الحديث قال أبو عبيد: "ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع ولا أغنى ولا أكثر فائدة من هذا الحديث، اتفق الشافعي فيما نقله البويطي عنه، وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكتاني على أنه "ثلث الإسلام" ومنهم من قال ربعه، وقال عبد الرحمن بن مهدي" يدخل في ثلاثين بابًا من العلم" وقال: "ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب وقال ينبغي لمن صنف كتابًا أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيهًا للطالب على "تصحيح النية" وقد فعل هذا البخاري في صحيحه، والنووي في الأربعين النووية، والعراقي في كتابه "التقريب" الذي شرحه ابنه أبو زرعة في كتاب "طرح التثريب" وقال الشافعي: يدخل هذا الحديث في سبعين بابًا من العلم وقال ابن رجب: "وهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها".
وعن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إنما الأعمال في النيات" وحديث عائشة رضي الله عنها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه "الحلال بين والحرام بين".
عمل بنية (1)، وهذه الصيغة لا خلاف في كونها مفيدة للقصر، وأنها أقوى صيغه المذكورة في علم البيان والأصول. إذا تقرر لك أن ههنا ثلاثة (2) تراكيب تفيد حصر الأعمال في النية، وقصرها عليها إنما والتعريف المنضم إليه، ونفي النكرة، والاستثناء بإلا علمت أنها قد تعاضدت الدلالات على حصر الأعمال في النيات (3)، وقصرها عليها، وبعد هذا
(1) قال جماهير العلماء من أهل العربية والأصول وغيرهم لفظة إنما موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما سواه فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب بنية، ولا تحسب إذا كانت بلا نية، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (13/ 255) "والأعمال أعم أن تكون أقوالا أو أفعالا فرضًا أو نفلا قليلة أو كثيرة صادرة من المكلفين المؤمنين" بالنيات جمع نية قال الحافظ: وهو من مقابلة الجمع بالجمع وورد بإفراد النية، ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها، ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له.
انظر: "فتح الباري"(1/ 14) و"عمدة القاري"(1/ 24).
وقال القرطبي في "المفهم"(3/ 744): أنه عموم مؤكد بـ (إنما) الحاصرة، فصار في القوة كقوله: لا عمل إلا بنية. فصار ظاهرًا في نفي الإجزاء والاعتداد بعمل لا نية له.
(2)
هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين، واختلف في وجه إفادته لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق، وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية، فلا عمل إلا بنية، وقيل "إنما" وحدها أفادت الحصر واختلفوا هل إفادتها للحصر بالمنطوق أو بالمفهوم أو بأصل الوضع أو بالعرف، أو إفادتها له بالحقيقة أو بالمجاز؟
والظاهر أنها تفيده بالمنطوق وضعًا حقيقيًا وهذا هو المشهور عند جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة.
انظر: "الإحكام" للآمدي (3/ 297، 298)، "عمدة القاري"(1/ 23).
(3)
قال ابن تيمية في بيان هذا الحديث من وجوه:
أحدها: أن النية المجردة من العمل يثاب عليها والعمل المجرد من النية لا يثاب عليه فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق الأئمة أن من عمل الأعمال الصالحة بغير إخلاص لله لم يقبل منه ذلك، وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة".
ثانيها: أن من نوى الخير وعمل فيه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجر كامل كما في الصحيح - عن البخاري رقم (4423) - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر".
ثالثها: أن القلب ملك البدن والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده، والنية عمل الملك بخلاف الأعمال الظاهرة فإنها عمل الجنود.
رابعها: أن توبة العاجز عن المعصية تصح عند أهل السنة كتوبة المحبوب عن الزنا، وكتوبة المقطوع اللسان عن القذف وغيره، وأصل التوبة عزم القلب وهذا حاصل عند العجز.
خامسها: أن النية لا يدخلها فساد بخلاف الأعمال الظاهرة فإن النية أصلها حب الله ورسوله وإرادة وجهه، وهذا هو بنفسه محبوب الله ورسوله، مرضي لله ورسوله، والأعمال الظاهرة تدخلها آفات كثيرة، وما لم تسلم منها لم تكن مقبولة ولهذا كانت أعمال القلب المجردة كما قال بعض السلف:"قوة المؤمن في قلبه وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه وضعفه في قلبه".
"مختصر الفتاوى المصرية"(ص 11).
يتوجه النظر إلى المقتضى المقدر، وهو في المقام لا يكون إلا عامًا كالثبوت والحصول والوجود ونحوها، وكل واحد منهما يفيد انتفاء تلك الذات بانتفاء النية، فتكون غير موجودة شرعًا، وإذا وجد عمل بلا نية فليس هو الموجود الشرعي، بل الموجود المخالف له، فلا يأتيه لوجودها.
ولو سلمنا لوجودها، وأن لها إنسيابًا إلى الشرعية بوجه ما كان بقدر ما رفع الاعتداد بها متحتمًا، كتعذر الصحة، والأخرى ونحوهما، لأن هذا المقدار وإن لم ترفع الذات كانتقادية الأدلة فإنه قريب منها باعتبار أن تلك الذات [1 أ] لاغية لا يترتب عليها شيء من الأحكام الشرعية، بخلاف ما لو قدر الكمال أو التمام أو نحوها، فإنه يفيد بقاء الذات شرعية، وهو خلاف ما في عبارة الشارع من النفي الصراح الذي يندفع عنده كل احتمال، ويرتفع لديه كل تأويل.
قال السائل - عافاه الله -: ولعمري إن ذلك مشكل لوجهين .. إلخ.
أقول: هذا القصد اللازم الضروري يمنع أولا كونه لازمًا غير منفك بالضرورة، فإن
عروض (1) الذهول للفاعلين، والغفلة والدخول في فكر ما مشوشة للذهن معلوم بالوجه أن يخبره كل عاقل من نفسه، ويعرفه من غيره، ومن كان كذلك قد يصدر منه أفعال وهو ذاهل عنها، غافل عما يريده منها، وهذا يكفي في دفع دعوى التلازم العقلي، ويدفع أيضًا دعوى الضرورة، ثم يقول السائل - كثر الله فوائده -: ما ذكرت من ملازمة القصد لكل فعل، وإن ذلك ضروري ما تريد؟ هل من الأفعال على العموم أم الأفعال الشرعية؟ إن أردت الأفعال على العموم فغير مسلم، لأن منها الأفعال الشرعية، ولا بد من قصدها، ولا ملازمة هنا لذلك، ولا ضرورة أبدًا معلوم لكل عاقل أنه لا بد من النيات إليها، واستحضار لها بجواز أن يكون الفعل الذي أوقعه غير شرعي، وإن أردت الأفعال التي ليست شرعية فتسليم دليله لا يفيد، لأنه خارج عن محل النزاع على أن في الأفعال التي ليست شرعية ما لا يقصد كالأفعال الجبلية، وأفعال الذاهل والساهي، وإن أردت الشرعية فحسب [1 ب]، فالأمر أوضح من ذاك، لأنه لا يقول أحد بالتلازم ما بين الفعل الشرعي وبين قصده شرعًا، لأن كونه شرعيًا أمر زائد على مجرد الفعل، بل هو وصف له فلا بد من قصد له من حيث كونه فعلا شرعيًا (2)، لا من حيث كونه فعلاً
(1) قال الحافظ في "الفتح"(1/ 18) واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم، لأنه فيه أن العمل يكون منتفيًا إذا خلا عن النية، ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة حكمه، وعلى أن الغافل لا تكليف عليه، لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير قاصد.
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 13): "والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل، والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية، إذا التقدير: لا عمل إلا بالنية فليس المراد نفي ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية، بل المراد نفي أحكامها كالصحة والكمال، لكن الحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه، ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع، فلما منع الدليل نفي الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة، وقال شيخ الإسلام: الأحسن تقدير أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث: "فمن كانت هجرته".
فقط، وهذا واضح. قوله: وأما الثاني إلخ.
أقول: قد عرف جوابه مما قدمنا، وأما الكلام في عموم المقتضى وعدمه فالحق أنه يقدر بحسب الحاجة، وبما يفيده الكلام الذي اقتضاه إما عمومًا، وإما خصوصًا. قوله: وتلك الحجة هي الجملة الشرطية.
أقول: ليست بشرطية، بل خبرية، لم يدخلها شيء من أدوات إنما المذكورة في الحديث، هي سور لحصر الجملة الخبرية، والجملة الشرطية (1) في الحديث هي قوله: فمن كانت (2) هجرته .. إلخ.
(1) قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله .... ".
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 16): قيل: الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا من أطاع أطاع وإنما يقال مثلا من أطاع نجا، وقد وقعا في هذا الحديث متحدين - فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرتهه - فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر، وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق، ومن أمثلة قوله تعالى:{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} . [الفرقان: 71]، وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس كقولهم أنت أنت أي الصديق، أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب، وقال بعض أهل العلم إن الشرط محذوف وتقديره: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا فهجرته إلى الله حكمًا وشرعًا.
وقيل: إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم، وإما في التحقير.
(2)
لما ذكر صلى الله عليه وسلم -أن الأعمال بالنيات وأن حظ العامل من عمله بنيته من خير أو شر وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء "ذكر بعد ذلك مثلا من الأمثال والأعمال التي صورتهما واحدة ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات وكأنه يقول سائر الأعمال على حذو هذا المثال.
ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة، ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها في دار الإسلام فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك.
فالأول تاجر والثاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر شرعًا، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: إلى ما هاجر إليه تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به حيث لم يذكره باسمه الظاهر الصريح.
وأيضًا لما كانت الهجرة إلى الله ورسوله واحدة لا تعدد فيها اتحد الجواب فيها بلفظ الشرط - فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته
…
".
ولما كانت الهجرة من الأمور الدنيا لا تنحصر فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارة، ومحرمة تارة، وإفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر لذلك قال: فهجرته إلى ما هاجر إليه يعني كائنًا ما كان. انظر: "فتح الباري"(1/ 14).
قوله: سوى التصريح بكون العمل تابعًا للقصد.
أقول: التابع غير المتبوع ذاتًا وزمانًا، وإلا لم يكن التابع تابعًا ولا المتبوع متبوعًا وهذا يفيد عدم ما ذكره من التلازم العقلي الضروري، فإنه لو كان كذلك لم يفارقه قط، بل يوجد بوجوده، ويعدم بعدمه.
وأما قوله: من دون تعرض لطلبه فهو يخالف ما جزاه به من التابعية والمتبوعية، فإنه لا بد من طلب كل واحد منهما، وإلا لم يكن من جنس أفعال العقلاء.
قوله: إنما صلاح الأعمال (1) بصلاح النية.
(1) قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(3/ 123): "والنية روح العمل ولبه وقوامه وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها. والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال، وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا ولا يعصمه من ذلك صورة البيع، وأن من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ولا يخرجه من ذلك صورة عقد النكاح".
وكون النية أساس العمل وقاعدته هو ما دل عليه الكتاب والسنة فأما الكتاب فقول الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. فحصر أمر المكلفين كله في عبادته وجعل شرط ذلك الإخلاص، ولا يميز العمل الخالص من غيره إلا النية، وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]، وهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر لجميع الأمة وإخلاص الدين والعبادة لله شرط لصحة العمل. ولهذا إذا دخل الشرك العبادة أفسدها وصار العمل مردودًا على صاحبه قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]. وإن كان فيه مراءاة للغير وطلب لمدحهم وثناءهم فإن الله يبرأ من هذا العمل ويترك العامل وعمله.
* فائدة: الإنسان في هذه الحياة مجبول على العمل والتحرك بدوافع وغايات متعددة، والأعمال التي يقوم بها قولية وفعلية كفًا وفعلا وهذه الأعمال إما من أعمال القلوب، أو أعمال الجوارح أو منهما جميعًا. والأعمال باعتبار آخر إما فطرية جبلية وإما تكليفية عبادية بأمر الله تعالى وتكليف منه. وما أمر الله به وكلف عباده قد يتشابه بما يقوم به الإنسان من العادات استجابة للغريزة والفطرة والحاجة ولا يميز بين الأمرين ويفرق بين المتشابهين إلا النية، لذلك فإن من أبرز حكمة مشروعية النية:
1 -
) تمييز العبادات عن العادات: ومثاله: دفع الأحوال مردد بين أن يفعل هبة أو هدية أو وديعة وبين أن يفعل قربة إلى الله كالزكاة والصدقات والكفارات فلما تردد بين هذه الأغراض وجب تمييز النية ما يفعل لله عما يفعل لغير الله.
2 -
) تمييز مراتب العبادات بعضها من بعض، فالنية تحدد رتب العبادات من نوافل ومفروضات فإنها كذلك تحدد رتبة العبودية ومدى قيام القلب بها.
وبالنية تتفاوت درجات الإيمان والتقوى وبها يتميز المؤمن من المنافق والمخلص من المرائي ومدى ارتباط القلب بالجوارح وارتباطها به، وإن لله عبوديتين باطنية وعبودية ظاهرة فله على قلبه عبودية وعلى لسانه وجوارحه عبودية فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنية مما لا يقربه إلى ربه، ولا يوجب له الثواب وقبول عمله، فإن المقصود امتحان القلوب وابتلاء السرائر فعمل القلب هو روح العبودية ولبها، فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح.
أقول: إن كان المراد هنا الصلاح [2 أ] المقابل لضده، وهو الفساد استلزم ذلك فساد العلم بعدم النية، وهو المطلوب. وإن كان المراد معنى آخر فهو غير ظاهر من لفظ الصلاح.
قوله: اختلفا قبولا وأداء.
أقول: هذا يستلزم رد العمل لعدم النية، وهو مطلوب من قال بتلك التقديرات، فهو يناسب بقدر الصحة المستلزمة للفساد المرادف للبطلان، لأن العمل إذا كان مردوًدا فهو غير صحيح، وكذلك إذا كان غير صالح فهو فاسد بعدم النية. وفي هذا كفاية.
وإن كان البحث ..................................................
محتملا (1) للتطويل. انتهى نقله من خط المجيب شيخ الإسلام البدر رحمه الله، وجزاه خيرا - آمين.
(1) انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" لـ (زين الدين العراقي)(2/ 7 - 20).