الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في الجواب على من قال أنه لم يقع التعرض لمن في حفظه ضعف من الصحابة
تأليف محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة: (بحث في الجواب على من قال أنه لم يقع التعرض لمن في حفظه ضعف من الصحابة).
2 -
موضوع الرسالة: في مصطلح الحديث.
3 -
أول الرسالة: بحمد الله. ورد سؤال معناه أن أهل الحديث جزموا بعدالة جميع الصحابة
…
4 -
آخر الرسالة: لما أنكر عليه التفرد ببعض الأحاديث: إن أصحابي كان شغلهم الصفق بالأسواق ونحو ذلك كثير.
5 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 -
الناسخ: محمد بن علي الشوكاني.
7 -
الرسالة صفحة واحدة فقط، تحتوي على (23) سطرًا، وكل سطر يحتوي على (8 - 9) كلمة.
8 -
الرسالة من المجلد الخامس من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني".
بسم الله الرحمن الرحيم
بحمد الله:
ورد سؤال معناه أن أهل الحديث جزموا بعدالة جميع الصحابة بالأدلة الدالة على المزايا كتابًا وسنة، ولكنه قد نسب إلى بعضهم ضعف الحفظ والنسيان، والصحبة لا تعصم عن مثل ذلك، فما بال المحدثين لم يتعرضوا لذلك؟ وأجبت بأن هذا السؤال أخذه السائل من كونه لم يقع الكلام في ذلك في كتب الجرح والتعديل، ونحن نقول أن الصحابة رضي الله عنه ما كانوا يقبلون حديث من تعرض له منهم سهو، أو نسيان، أو ضعف حفظ، أو نحو ذلك.
وقد وقع بينهم ذلك في أحاديث معروفة، وقصص مذكورة كحديث قليب بدر (1) وحديث: «إن الميت يعذب ببكاء أهله ....................
(1) أخرجه البخاري رقم (3976) ومسلم رقم (2875) من حديث أنس بن مالك. وفيه "
…
فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا"، قال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".
قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيرًا ونقيمة وحسرة وندما.
روت عائشة رضي الله عنها هذه الرواية بعد موت عمر وتمسكت بقوله الله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} [فاطر: 22].
وفي المسألة قولان:
1 -
): أنهم لا يسمعون وهو مذهب الحنفية.
ومن أدلتهم على ذلك:
1 -
): قوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} ، [فاطر: 22].
2 -
): قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} [النمل: 80].
وأجاب الآخرون بأن الآيتين مجاز، وأنه ليس المقصود بـ (الموتى) وبـ (من في القبور) الموتى حقيقة في قبورهم، وإنما المراد بهم الكفار الأحياء، شبهوا بالموتى، والمعنى من هم حال الموتى أو في حال من سكن القبر".
3 -
): وقوله تعالى: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما ااستجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} [فاطر: 13 - 14].
فهذه الآية صريحة في نفي السمع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى، وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلون في تماثيل وأصنام لهم، يعبدونها فيها، وليس لذاتها.
4 -
): حديث قليب بدر - تقدم تخريجه.
ووجه الاستدلال بهذا الحديث:
1 -
): ما في إحدى الروايات - عند البخاري رقم (3980، 3981) والنسائي (1/ 693) من حديث ابن عمر - من تقييده صلى الله عليه وسلم سماع موتى القليب بقوله: "الآن" فإن مفهومه أنهم لا يسمعون من غير هذا الوقت، وهو المطلوب.
وقد نبه على ذلك العلامة الألوسي في كتابه "روح المعاني"(6/ 455) ففيه تنبيه قوي على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون، ولكن أهل القليب في ذلك الوقت قد سمعوا نداء النبي صلى الله عليه وسلم، وبإسماع الله تعالى إياهم خرقًا للعادة ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
2 -
): أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرًا في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون.
وأقرهم صلى الله عليه وسلم على فهمهم للآية على ذلك الوجه العام الشامل لموتى القليب، وغيرهم لأنه لم ينكره عليهم، ولا قال لهم: أخطأتم، فالآية لا تنفي مطلقًا سماع الموتى بل إنه أقرهم على ذلك، ولكن بين لهم ما كان خافيًا عليهم من شأن القليب، وأنهم سمعوا كلامه حقًا، وأن ذلك أمر خاص مستثنى من الآية، معجزة له صلى الله عليه وسلم.
5 -
): قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام" وهو حديث صحيح.
ووجه الاستدلال به: أنه صرح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه إذا لو كان يسمعه بنفسه، لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.
وإذا كان الأمر كذلك فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام. وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى.
أدلة المخالفين وهم القائلين بأن الموتى يسمعون:
1 -
): الدليل الأول وهو حديث قليب بدر وقد تقدم.
وقد عرفت مما سبق أنه خاص بأهل قليب بدر من جهة، وأنه دليل على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون من جهة أخرى، وأن سماعهم كان خرقًا للعادة.
2 -
): قوله: صلى الله عليه وسلم: "إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا" وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم (1338) ومسلم رقم (2870) من حديث أنس رضي الله عنه. وهذا خاص بوقت وضعه في قبره ومجيء الملكين إليه لسؤاله فلا عموم فيه.
والخلاصة:
أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم - على أن الموتى لا يسمعون.
وأن هذا هو الأصل: فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال. كما في حديث خفق النعال، أو أن بعضهم سمع في وقت ما، كما في حديث القليب، فلا ينبغي أن يجعل ذلك أصلًا، فيقال: إن الموتى يسمعون كما فعل بعضهم كلا فإنها قضايا جزئية، لا تشكل قاعدة كلية، يعارض بها الأصل المذكور، بل الحق أنه يجب أن تستثنى منه، على قاعدة استثناء الأقل من الأكثر أو الخاص من العام كما هو مقرر في علم أصول الفقه.
وقال الحافظ في "الفتح"(7/ 307): لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية لأن الموتى لم تمتنع كقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة} الآية، {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا} الآية - وقد جاء في المغازي - قول قتادة إن الله أحياهم حتى سمعوا كلام نبيه عليه الصلاة والسلام توبيخًا وحسرة وندمًا.
انظر: "روح المعاني" للألوسي (6/ 454 - 456)، "الدر المنثور"(5/ 191).
عليه» (1)، وحديث ........................................
(1) قالت عائشة رضي الله عنها لما بلغها رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" فقالت: يرحم الله عمر، ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت ليعذب ببكاء أهله، ولكن قال:"إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله" ثم قالت حسبكم القرآن {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164].
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1288) ومسلم رقم (929).
وفي رواية أنه ذكر لها أن عمر يقول: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها، فقال:"إنها ليبكى عليها وإنها لتعذب في قبرها".
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1289) ومسلم رقم (27/ 932).
وقد ثبت الحديث - "إن الميت ليعذب ببكاء أهله"- في صحيح البخاري أيضًا رقم (1281) ومسلم رقم (28/ 933) من طريق المغيرة بلفظ: "من ينح عليه يعذب بما نيح عليه".
فهذا الحديث قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ثلاثة من الصحابة، ثم إن عائشة رضي الله عنها ردت ذلك متمسكة بما تحفظه، وبعموم القرآن، وأنت تعلم أن الزيادة مقبولة بالإجماع إن وقعت غير منافية، والزيادة هاهنا في رواية عمر وابنه، والمغيرة غير منافية لأنها متناولة بعمومها للميت من المسلمين، ولم تجعل عائشة روايتها مخصصة للعموم أو مقيدة الإطلاق حتى يكون قولها مقبولًا من وجه، بل صرحت بخطأ الراوي أو نسيانه، وجزمت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، وأما تمسكها بقول الله تعالى:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]. فهو لا يعارض الحديث لأنه عام والحديث خاص.
فاطمة (1) بنت قيس في السكنى والنفقة، وحديث .....................................
(1) عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (في المطلقة ثلاثًا): "ليس لها سكنى ولا نفقة". أخرجه مسلم في صحيحه رقم (44/ 1480).
قالوا: وحديث فاطمة بنت قيس فيه مطاعن بضعف الاحتجاج به وحاصلًا أربعة مطاعن:
1 -
كون الراوي امرأة ولم تقترن بشاهدين عدلين يتابعانها على حديثها.
2 -
أن الرواية تخالف ظاهر القرآن.
3 -
أن خروجها من المنزل لم يكن لأجل أنه لا حق لها في السكن بل لإيذائها أهل زوجها بلسانها.
4 -
معارضة روايتها برواية عمر.
وأجب بأن كون الراوي امرأة غير قادح، فكم من سنن ثبتت عن النساء يعلم ذلك من عرف السير وأسانيد الصحابة.
وأما قول عمر: "لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت" - أخرجه مسلم رقم (46/ 1480) - فهذا تردد منه في حفظها، وإلا فإنه قد قيل عن عائشة وحفصة عدة أخبار، وتردده في حفظها عذر له في عدم العمل بالحديث، ولا يكون شكه حجة على غيره.
وأما قوله: إنه مخالف للقرآن وهو قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} [الطلاق: 1]، فإن الجمع ممكن بحمل الحديث على التخصيص لبعض أفراد العام، وأما رواية عمر فأرادوا بها قوله: وسنة نبينا وقد عرف من علوم الحديث أن قول الصحابي من السنة كذا يكون مرفوعًا.
فالجواب: أنه أنكر أحمد بن حنبل هذه الزيادة من قول عمر، وجعل يقسم ويقول: وأين كتاب الله إيجاب النفقة والسكنى للمطلقة ثلاثًا، وقال: هذا لا يصح عن عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لها السكنى والنفقة"، فإنه من رواية إبراهيم النخعي عن عمر، وإبراهيم لم يسمعه من عمر، فإنه لم يولد إلا بعد موت عمر بسنين.
وأما القول بأن خروج فاطمة من بيت زوجها كان لإيذائها لأهل بيته بلسانها، فكلام أجنبي عما يفيده الحديث الذي روت، ولو كانت تستحق السكنى لما أسقطه صلى الله عليه وسلم لبذاءة لسانها، ولوعظها وكفها عن إيذائة أهل زوجها. ولا يخفى ضعف هذا المطاعن في رد الحديث.
فالحق: ما أفاده الحديث أن المطلقة ثلاثًا ليس لها سكنى ولا نفقة. وانظر: "زاد المعاد"(5/ 675).
مس (1) الذكر، وحديث ............................
(1) عن بسرة بنت صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ".
أخرجه أحمد (6/ 406 - 407) وأبو داود رقم (181) والترمذي رقم (82) والنسائي (1/ 100) وابن ماجه رقم (479) وهو حديث صحيح.
عن طلق بن علي رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا نبي الله أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره؟، فقال صلى الله عليه وسلم:"هل هو إلا بضعة منك أو من جسدك" وهو حديث صحيح.
أخرجه أبو داود رقم (182) والترمذي رقم (85) والنسائي (1/ 101) وابن ماجه رقم (483) والطيالسي رقم (1096) وأحمد (4/ 23).
وقد ادعى قوم نسخ حديث طلق بهذا، وعللوا بأن طلقًا قدم على رسول الله وهم يؤسسون المسجد، وأبو هريرة أسلم متأخرًا وهو قول محتمل النسخ.
قلت: لكن المحققين من أئمة الأصول لا يرون هذا دليلًا على النسخ.
مذاهب أهل العلم في ذلك:
1 -
ذهب بعضهم إلى ترك الوضوء من مس الذكر، وهم علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، وأبي الدرداء،
…
".
2 -
وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء من مس الذكر، وهم: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن خالد، وأبو هريرة، وجابر وعائشة.
الخلاصة:
قال المحدث الألباني في "تمام المنة"(ص 103): قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو بضعة منك"، فيه إشارة لطيفة إلى أن المس الذي لا يوجب الوضوء، إنما هو الذي لا يقترن معه شهوة، لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس العضو بمس عضو آخر من الجسم، بخلاف ما إذا مسه بشهوة، فحينئذ لا يشبه مسه مس العضو الآخر، لأنه لا يقترن عادة بشهوة، وهذا أمر بين كما ترى.
وعليه فالحديث ليس دليلًا للحنفية -ومن وافقهم- الذين يقولون بأن المس مطلقًا لا ينقض الوضوء، بل هو دليل يقول بأن المس بغير شهوة لا ينقض، وأما المس بالشهوة فينقض بدليل حديث بسرة. وبهذا يجمع بين الحديثين وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه على ما أذكر. والله أعلم" اهـ.
الإصباح جنبا للمجامع في ليل رمضان (1). وكذلك أحاديث .........................
(1) روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدركه الصبح وهو جنب فلا صوم له".
وهو حديث صحيح: أخرجه ابن ماجه رقم (1702) وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 303 رقم 622): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه النسائي في الكبرى عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة به".
ورواه الإمام أحمد في مسنده - (2/ 314) - عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "إذا نوى للصلاة -صلاة الصبح- وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ .. " وذكره البخاري تعليقًا.
وفي الصحيحين - البخاري رقم (1925، 1926) ومسلم رقم (75/ 1109) - أن أبا هريرة سمعه من الفضل زاد مسلم ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما بلغ هذا عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا فيقوم فيغتسل ويخرج والماء يتحدر على جلده فيصوم ذلك اليوم"
وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم (1926) ومسلم رقم (75/ 1109).
وأجاب الجمهور: بأنه منسوخ وأن أبا هريرة رجع عنه لما روي له حديث عائشة وأم سلمة، وأفتى بقولهما.
عن أبي بكر، قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقص يقول: في قصصه: من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم. فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث (لأبيه) فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال فكلتاهما قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم" قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول، قال فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر حاضر ذلك كله، قال فذكر له عبد الرحمن فقال أبو هريرة: أهما قالتاه؟ قال نعم. قال: هما أعلم.
ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس. فقال أبو هريرة سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك.
قلت لعبد الملك: أقالت: في رمضان؟ قال كذلك، "كان يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم". ورد البخاري حديث أبي هريرة: بأن حديث عائشة أقوى سندًا.
انظر "صحيح البخاري"(4/ 143) في آخر حديث رقم (1926).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(17/ 418 - 427): إنه صح وتواتر، وأما حديث أبي هريرة فأكثر الروايات أنه كان يفتي به. ورواية الرفع أقل. ومع التعارض يرجح لقوة الطريق.
من جامع ولم ينزل (1)، ونحو هذه الواقعات.
(1) روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الماء من الماء".
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (81/ 343) وأبو داود رقم (217) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 54).
هذا الحديث كان معمولًا في أول الإسلام ثم نسخ بأحاديث صحيحة.
(منها): ما أخرجه البخاري رقم (291) ومسلم رقم (348) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل".
(ومنها): ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (88/ 349) والترمذي رقم (108، 109) وأحمد (6/ 47) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 56).
عن أبي موسى الأشعري قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي.
فقلت لها: يا أماه (أو يا أم المؤمنين) إن أريد أن أسألك عن شيء، وإني أستحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلًا عنه أمك التي ولدتك. فإنما أنا أمك. قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل".
وقد نقل ما وقع بينهم من ذلك علماء الإسلام، وتعرضوا للترجيح في كثير من المواطن لحديث قوي الحفظ على ضعيفه، وحديث من كثرت منه الملازمة على من لم تكثر منه كما في قول أبي هريرة (1) رضي الله عنه في بعض المواطن لما أنكر عليه التفرد ببعض الأحاديث: إن أصحابي كان شغلهم الصفق بالأسواق، ونحو ذلك كثير.
(1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (7354) ومسلم في صحيحه رقم (2492) من حديث أبي هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد، إني كنت امرءًا مسكينًا، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقال:"من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه، فلن ينسى شيئًا سمعه مني"، فبسطت بردة كانت علي، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت شيئًا سمعته منه.