المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فوائد في أحاديث فضائل القرآن - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في قول أهل الحديث " رجال إسناده ثقات

- ‌القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بحث في الجواب على من قال أنه لم يقع التعرض لمن في حفظه ضعف من الصحابة

- ‌سؤال عن عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا

- ‌رفع البأس عن حديث النفس والهم والوسواس

- ‌الأبحاث الوضية في الكلام على حديث (حب الدنيا رأس كل خطية)

- ‌سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه

- ‌الأذكار (جواب على بعض الأحاديث المتعارضة فيها)

- ‌بحث في الكلام على حديث " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد

- ‌جواب عن سؤال خاص بالحديث " لا عهد لظالم " وهل هو موجود فعلا من عدمه

- ‌فوائد في أحاديث فضائل القرآن

- ‌بحث في حديث "لعن الله اليهود لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد

- ‌إتحاف المهرة بالكلام على حديث: "لا عدوى ولا طيرة

- ‌بحث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات

- ‌بحث في حديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم .. إلخ

- ‌بحث في بيان العبدين الصالحين المذكورين في حديث الغدير

- ‌بحث في حديث (أجعل لك صلاتي كلها) وفي تحقيق الصلاة على الآل ومن خصهم

- ‌تنبيه الأعلام على تفسير المشتبهات بين الحلال والحرام

الفصل: ‌فوائد في أحاديث فضائل القرآن

‌فوائد في أحاديث فضائل القرآن

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 1883

وصف المخطوط:

1 -

عنوان الرسالة: (فوائد في أحاديث فضائل القرآن).

2 -

موضوع الرسالة: في "الحديث".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وصل من الصنو العلامة عماد الإسلام محمد بن إسماعيل بن عبد الكريم بن علي من ذرية الإمام شرف الدين الساكنين في حصن كوكبان.

4 -

آخر الرسالة: غفر الله له ولآبائه ولمشايخه في الدين ولجميع إخوانه المؤمنين وصلى الله وسلم على سيد البشر، وآله الغرر وصحبه الدرر آمين.

5 -

نوع الخط: خط نسخي معتاد.

6 -

الناسخ: محمد بن محمد بن أحسن الأخفش.

7 -

عدد الصفحات: (8) صفحات.

8 -

عدد الأسطر في الصفحة: (23) سطرًا.

9 -

عدد الكلمات في السطر: (12) كلمة.

10 -

الرسالة من المجلد الخامس من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني".

ص: 1885

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وصل من الصنو العلامة عماد الإسلام محمد بن إسماعيل بن عبد الكريم بن علي من ذرية الإمام شرف الدين الساكنين في حصن كوكبان، المحروس إلى المولى العلامة الشهير المحقق الخطير الحافظ الكبير، شيخ الإسلام وبدره المشرق التام المستمد من بحر علومه القاصي والداني شمس الدين محمد بن علي الشوكاني، لا زالت بحار علومه زاخرة ولا برحت سماء تحقيقه ماطرة ولفظ السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، وزين بهم الأرض كما زين بالنجوم السماء، وجعلهم قدوة يقتدى بهم ويعمل بقولهم وأمر تعالى في محكم التنزيل بسؤالهم فقال وقوله الحق المبين:{فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (1).

نعم. أتم الله عليكم النعم. المرفوع إلى جناب سيدي عز الإسلام والقدوة لمن اقتدى من الخاص والعام، العالم العلامة، والحجة الفهامة، محمد بن علي الشوكاني نوره الله بنور المعاني وجزاه عن المسلمين خيرًا والسلام عليه ورحمة الله وبركاته وصلى الله وسلم على محمد وآله.

والمسؤول عنه حكم الأحاديث الواردة في فضائل القرآن العظيم وسوره وآيات منه، هل أحاديث ما ورد صحيحة واردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله تعالى ذكر في كتاب التنقيح (2) في باب الموضوع من الأحاديث عن زين الدين العراقي (3) تعداد الكذابين حسبة وتقربًا إلى الله تعالى فمن

(1)[النحل: 43].

(2)

(ص 172) بتحقيقنا.

(3)

في "فتح المغيث"(ص 120).

شر الضعيف الخبر الموضوع

الكذب المختلق المصنوع

وكيف كان لم يجيزوا ذكره

لمن علم ما لم يبين أمره

وأكثر الجامع فيه إذ خرج

لمطلق الضعف عنى أبا الفرج

ص: 1889

أولئك أبو عصمة نوح بن مريم المروزي (1) قيل لأبي عصمة [1 أ]: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه في فضائل القرآن سورة سورة وليس عن أصحاب عكرمة هذا؟ فقال رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومحمد بن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة، وكان يقال لأبي عصمة هذا نوح الجامع (2).

قال أبو حاتم ابن حبان "جمع كل شيء إلا الصدق"(3). قال الحاكم (4) وضع حديث فضائل القرآن. وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء عن ابن مهدي (5) قال: قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا قال وضعتها أرغب الناس فيها، وهكذا حديث أبي (6) الطويل في فضائل سور القرآن سورة

(1) نوح بن أبي مريم، واسمه حابنة، وقيل حافنة، وقيل: يزيد من جعونة المروزي أبو عصمة القرشي قاضي مرو، ويعرف بنوح الجامع.

قال البخاري منكر الحديث. وقال في موضع آخر: نوح بن أبي مريم ذاهب الحديث جدًا قال أبو حاتم، ومسلم بن الحجاج، وأبو بشر الدولابي، والدارقطني: متروك الحديث، وذكر الحاكم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ: أنه وضع حديث فضائل القرآن.

انظر: "تهذيب الكمال"(30/ 56 - 65 رقم 7095)، "الكاشف" رقم (5992)، "شذرات الذهب"(1/ 283).

(2)

قال ابن قطلوبغافي تاج التراجم (ص 76): لقب بذلك لأنه أول من جمع فقه أبي حنيفة.

وقيل: لأنه كان جامعًا بين العلوم، له أربعة مجالس، مجلس للشعر، مجلس للأثر، ومجلس لأقاويل أبي حنيفة، ومجلس للنحو.

(3)

انظر: "تدريب الراوي"(1/ 253).

(4)

في "المدخل"(ص 54).

(5)

أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 40) من طريق ابن حبان.

(6)

أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 239) من طريق يزيغ بن حبان عن علي بن زيد ابن جدعان، وعطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي وقال: الآفة فيه من يزيغ، ثم أوده من طريق مخلد بن عبد الواحد عن علي وعطاء وقال:(الآفة فيه من مخلد).

ص: 1890

سورة فروينا عن المؤمل بن إسماعيل: حدثني به شيخ بكذا، فسرت إليه فقلت من حدثك قال حدثني شيخ بالبصرة وهو حي فسرت إليه فقال حدثني شيخ ببغداد فسرت إليه فأخذ بيدي وأدخلني بيتًا فإذا فيه قوم من المتصوفة فيهم شيخ فقال هذا حدثني. فقلت يا شيخ من حدثك؟ قال لم يحدثني به أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث فيصرفون قلوبهم إلى القرآن.

قال زين الدين (1): وكل من أودع حديث أبي المذكور تفسيره كالثعلبي والواحدي والزمخشري مخطٍ انتهى.

قال وذكر عن بعض الثقات أنه قال: لم أعجب من فلان وفلان - يعدد المفسرين - ولا الزمخشري إذ لم يكونوا من أهل الحديث، إنما عجبت من أبي بكر بن داود (2) حيث أودع كتابه حديث فضائل القرآن وهو يعلم أنه حديث محال لكن شره المحدثين حملهم على تنفيق أحاديثهم ولو بالأباطيل انتهى.

فتحققوا نوركم الله هل هذا يقدر مع ما هم عليه من المعرفة لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما جاء في الكذب وسيما للزمخشري فهل يقدر هذا مع أن ابن خلكان قد ذكر من مصنفاته ما عدده ومن جملتهن كتاب الغريب في الحديث (3) فهل يقدر كذبهم في هذه المواضع [1 ب] فهذا مشكل وبتنويركم إن شاء الله تعالى ينجلي وهل يلتفت إلى هذا مع نسبة زين الدين لأن ذلك يقتضي القدح في جناب بعضهم البعض من جهة أن الآخر لم يصح عنده ما قال الآخر، لا من جهة كونه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. نعم نوركم الله وكيف يكون حكم الحديث المورد في كتاب إرشاد الغبي الذي لفظه وسمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) انظر التعليقة السابقة.

(2)

في "فتح المغيث"(ص 125).

(3)

وهو "الفائق في غريب الحديث" أربع مجلدات.

ص: 1891

أنه قال من بلغه عن الله تبارك وتعالى ما فيه ثواب فعمل به أعطاه الله تعالى. ولكن هذا الحديث لم يسند إلى أحد الرجال الثقات، ولا إلى أحد الكتب المصححة فهل هذا من الأحاديث الصحاح أو يكون من جملة المكذوب فيهن؟ نعم.

وإذا كان صحيحًا فهل يقدر ما أورد محمولا عليه؟ وإذا قد صح فما يكون حكم الراوي هل يروي ما كان محمولا على هذا الحديث إذا قد صح وجائز له أن يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا يسنده بل يطلق. ومما يلحق بهذا سؤال عن الأحاديث الواردة في طلب العلم الشريف، وفي العلم هل هي صحيحة لا ريب في صحتها أم هي من جملة المكذوب فيهن، وعن الأحاديث الواردة فيمن قرأ سورة البقرة أو آية الكرسي (1) في بيت لا يدخله شيطان ثلاثة أيام إذا صحت على ما صحت على ما يحمل الشيطان يراد به كل شيطان أو مخصوصين لأن الأحاديث التي وردت أنه حال قيام العبد إلى الوضوء يقوم ملك وشيطان وكذا حال الصلاة لأنه إذا الوضوء في البيت أو الصلاة يقدر امتناعهم، وكذا الأحاديث الواردة في التفكر هل هي صحيحة؟ وأن تفكر ساعة خير من عبادة ألف سنة، وإذا هي صحيحة فعلام تحمل هل يراد بها الساعة الفلكية أم ساعة عرفية التي تطلق على اللحظة نعم حماكم الله تعالى كيف يكون تقدير الحديث الذي ذكر في عدة الحصن الحصين الذي هو:"لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم"(2) على ما [2 أ] يحمل لأن ظاهره الإغراء من الله تعالى بالذنوب أو كيف يحمل حماكم الله تعالى وكيف يكون حكم العوام والنساء الذين يقرؤن القرآن من غير معرفة حله وحرامه ولا معانيه ولا تأمل، بل قد لا تحصل معهم لذة لتلاوته، فهل لهم الأجر الوارد في جميعه من غير نقص شيء مما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم لا يكون لهم شيء فهل يكون لهم أجر على مجرد درسه أم لا، وهل يأثم من كان هكذا

(1) سيأتي في الجواب.

(2)

انظره في الرسالة رقم (55) من مجلدنا هذا "القرآن - الحديث".

ص: 1892

وهجره عن الدرس من غير أنه ينساه بل يقلل في درسه أم لا لأنه لا يخفاكم ما قاله في النهاية لفظه وفي الحديث: "لا يعذب الله سبحانه قلبًا وعى القرآن" إيمانًا به وعملاً، وأما من حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واع له.

وعن الحسن قال قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، وإنما حفظوا حروفه وضيعوا حدوده حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفًا، وقد والله أسقطه كله ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل، والله ما هو إلا يحفظ حروفه وأضاع حدوده لا كثر الله تعالى في الناس من هؤلاء هذا لفظه فأحسنوا بجواب حاوٍ لكل مسألة إلى رأسها لتكمل الفائدة، وحاو لجميع المسئولين عنه جزاكم الله تعالى خير الدارين ويكون من غير عجل ليحصل جواب شافٍ يعمل به ويعتمد عليه، ويكون حجة على من أراد فعل ما جزمتم بعدم صحته من غير عجل، ومن غير إهمال ولا أن يحتاج السائل إلى معاودتكم للجواب بل ميعاد لا اختلاف فيه فالمؤمن إذا قال صدق، وليكمل لكم الأجر إن شاء الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والله الهادي إلى الصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انتهى السؤال بلفظه وحروفه [2 ب].

ويتلوه الجواب النافع الحاسم القاطع مع المولى البدر الطالع المشرق الصادع الجدل البارع الموجز الجامع كثر الله علومه ووسع منطوقه ومفهومه، وأعاد على العالمين من بركات أياديه ما ينتفع به الأولون، ويكشف به أعاديه، ولفظ الجواب منقول بحروفه من خط يده الكريمة:

ص: 1893

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وصحبه المكرمين.

وبعد:

فإنها وصلت هذه الأسئلة من السائل - كثر الله فوائده -، فأقول: أما أحاديث فضائل القرآن سورة سورة فلا خلاف بين من يعرف الحديث أنها موضوعة مكذوبة وقد أقر واضعها أخزاه الله بأنه الواضع لها، وليس بعد الإقرار شيء. ولا اغترار لمثل ذكر الزمخشري (1) رحمه الله لها في آخر كل سورة فإنه - وإن كان إمام اللغة والآلات على اختلاف أنواعها - فلا يفرق في الحديث بين أصح الصحيح، وأكذب الكذب، ولا يقدح ذلك في علمه الذي بلغ فيه غاية التحقيق، ولكل علم رجال وقد وزع الله سبحانه الفضائل بين عباده، والزمخشري (2) نقل هذه الأحاديث من تفسير الثعلبي (3) وهو مثله في عدم المعرفة بعلم السنة وقد أوضحت الكلام على هذا في مؤلفي الذي سميته الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (4)، وما ذكره السائل من أن للزمخشري مؤلفًا في غريب (5) الحديث فليس ذلك بمناف لما ذكرناه من عدم علمه بفن الحديث لأن المعرفة بفن الحديث هي تمييز الحديث الصحيح من الحسن من الضعيف من الموضوع، وقد صنف في علم غريب الحديث جماعة من أهل العلم [3 أ] من أولهم الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام وهو إمام كبير في علم السنة من أقران ابن معين وابن مهدي وعلي بن المديني، وهكذا صنف جماعة ممن بعده في ذلك، والزمخشري رحمه الله هو إمام اللغة الذي لا

(1) في "الكشاف". انظر فهو يذكر فضل السورة في نهايتها.

(2)

في "الكشاف". انظر فهو يذكر فضل السورة في نهايتها.

(3)

انظر تفسيره.

(4)

(ص 296).

(5)

"الفائق في غريب الحديث" للزمخشري.

ص: 1894

يجارى ولا يبارى، فتصنيفه في غريب الحديث (1) واقع من الخبير به فقد يشتمل تصنيفه في هذا على ما لا يشتمل عليه تصانيف من تقدمه ولا سيما وهو ممن تكلم في تمييز حقائق اللغة من مجازاتها، وجعل في ذلك مصنفًا (2) لا يقدر عليه غيره، والحديث الذي ذكره العنسي في إرشاده بلفظ من بلغه عن الله سبحانه ما فيه ثواب إلخ. في إسناده متروك وقد رواه ابن عبد البر وصرح بضعفه، وكذلك رواه البغوي، وأقول ليس هذا الحديث ضعيفًا فقط بل موضوع مكذوب لا يحل لمسلم أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا لبيان أنه موضوع فقد أخطأ من قال إنه يجوز التساهل في الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال، وذلك لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام لا فرق بين واجبها ومحرمها ومسنونها ومكروهها ومندوبها فلا يحل إثبات شيء منها إلا بما تقوم به الحجة وإلا فهو من التقول على الله بما لم يقل، ومن التجري على الشريعة المطهرة بإدخال ما لم يكن فيها، وقد صح تواترًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"(3).

فهذا الكذاب الذي كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتسبًا للناس بحصول الثواب لم يربح إلا كونه من أهل النار، فإن أبا معمر عباد .......................

(1) الفائق في غريب الحديث للزمخشري.

(2)

"أساس البلاغة" من مجلدين ط 3 الهيئة العامة للكتاب\ مصر 1985 م. كما طبع عدم طبعات.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (3/ 3) من حديث أبي هريرة.

وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (108) ومسلم في صحيحه رقم (2/ 2) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعمد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار".

* وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (106) ومسلم في صحيحه رقم (1/ 1) من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار".

وأخرجه البخاري رقم (1291) ومسلم في صحيحه رقم (4/ 4) من حديث المغيرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".

ص: 1895

ابن عبد الله (1) المذكور في إسناد هذا الحديث متروك لا تحل الرواية عنه بحال.

وأما سؤال السائل عافاه الله تعالى عن الأحاديث الواردة في طلب العلم فمنها الصحيح (2) ومنها الحسن (3) ومنها الضعيف (4) مرة، وأشمل كتاب في ذلك كتاب العلم لابن عبد البر، وقد ذكرت في كتابي (5) المشار إليه جميع ما فيه ضعف منها، وما ليس

(1) انظر: "الميزان"(4/ 31). ط: دار الكتب العلمية.

(2)

منها ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2699) وأبو داود رقم (4946) والترمذي رقم (1930) وابن ماجه رقم (225).

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " .... ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة .... ". وهو حديث صحيح.

(3)

منها ما أخرجه ابن ماجه رقم (226) والحاكم (1/ 100) وابن حبان في صحيحه رقم (85، 1322) وأحمد (4/ 239) وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 131) رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح.

من حديث صفوان بن عسّال المرادي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، فقلت له: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، فقال:"مرحبًا بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضًا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب". وهو حديث حسن.

(4)

منها ما أخرجه ابن ماجه رقم (224) وفيه حفص بن سليمان البزار ضعيف وقال البخاري: تركوه، انظر:"ميزان الاعتدال"(1/ 558).

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب". وهو حديث ضعيف.

وانظر شواهد ومتابعات هذا الحديث في "جامع بيان العلم"(1/ 23 - 68).

ومنها ما أخرجه الترمذي رقم (2648) وأورده الهيثمي في "المجمع"(1/ 123) وقال: رواه الطبراني، وفيه أبو داود الأعمى وهو كذاب.

من حديث سخبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يطلب العلم إلا كان كفارة ما تقدم". وهو حديث ضعيف جدًا.

(5)

في "الفوائد المجموعة"(ص 272 - 295).

ص: 1896

بصحيح فمن [3 ب] أراد استيفاء ذلك نظر فيه.

وأما سؤال السائل عافاه الله عن الأحاديث الواردة فيمن قرأ سورة البقرة إلخ. فأقول قد ورد في بعض السور وبعض الآيات ما هو صحيح (1) وما هو حسن (2) وما هو ضعيف (3) واستوفيت ذلك في ..............................................

(1) منها ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (780) والترمذي رقم (2877) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (965) في "عمل اليوم والليلة".

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".

وهو حديث صحيح.

ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (806) والنسائي (2/ 138) والحاكم (1/ 558) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه فرفع رأسه، فقال:"هذا باب من السماء فتح لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته". وهو حديث صحيح.

ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (804) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تسطيعها البطلة". وهو حديث صحيح.

(2)

ما أخرجه الحاكم موقوفًا (2/ 260) ومرفوعًا (1/ 561).

من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتًا يقرأ فيه سورة البقرة.

وهو حديث حسن بشواهده.

(3)

(منها) ما أخرجه الترمذي (2878) والحاكم (2/ 259) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن". وهو حديث ضعيف.

ص: 1897

تفسيري (1) في أوائل السور التي ورد فيها ذلك.

وأما التي لم يرد فيها شيء فلم أذكر في أوائلها شيئًا، فمن أحب معرفة ذلك راجعه فإن استيفاءه يحتاج إلى مؤلف.

وكذلك استيفاء ما ورد في طلب العلم وما ذكره السائل عافاه الله من السؤال الوارد في آية الكرسي (2) وأنه لا يدخل البيت الذي تقرأ فيه شيطان فهو حديث صحيح من دون تقييد بقوله ثلاثًا، وهو من أحاديث عدة الحصن (3) وقد تكلمت عليه في شرحها وظاهره العموم فلا يدخل البيت شيطان لا من الموسوسين في صدور الناس ولا من الموسوسين في الطهارات ولا من غيرهم.

وأما سؤال السائل عافاه الله عن أحاديث التفكر فحديث: "فكر ساعة خير من

(1)(1/ 79 - 81)

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2311) وطرفاه (3275 و5010) عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل: " ....

فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب

".

وأخرج مسلم في صحيحه رقم (258/ 810) من حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم". قال قلت: الله ورسوله أعلم قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك الله أبا المنذر".

(3)

وهو: "تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين"(ص 370 - 371).

ص: 1898

عبادة ستين سنة". رواه أبو الشيخ (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا وفي إسناده عثمان بن عبد الله (2) القرشي وإسحاق بن نجيح (3) الملطي وهما كذابان والمتهم به أحدهما وقد رواه الديلمي (4) من حديث أنس من وجه آخر ولا يصح ويغني عن هذا الكذب ما في الكتاب العزيز (5) من الإرشاد إلى التفكر.

وما سأل عنه السائل عافاه الله عن المراد بالساعة في الحديث فالمراد بها في اللغة (6) والشرع اللحظة لا الساعات التي اصطلح غير أهل الشرع المقدرة لليوم والليلة بأربع

(1) في "العظمة"(ص 48 رقم 44).

(2)

قال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار. انظر:"المجروحين"(2/ 102)، "ميزان الاعتدال"(3/ 41).

(3)

قال ابن حجر في "التقريب"(1/ 62 رقم 440) إسحاق بن نجيح الملطي، أبو صالح، أو أبو زيد، نزيل بغداد كذبوه، من التاسعة. وانظر:"المجروحين"(2/ 134). وفي سنده عطاء الخراساني، وهو صدوق يهم كثيرًا ويرسل، ويدلس وقد رواه هاهنا بالعنعنة. انظر:"التقريب"(2/ 23). و"التهذيب"(7/ 212). والخلاصة أن الحديث ضعيف جدًا.

(4)

في "الفردوس بمأثور الخطاب"(2/ 70 رقم 2397).

وقال الفتني في "تذكرة الموضوعات"(ص 188): فيه كذابان وضعه أحدهما.

(5)

منها قوله تعالى: {

ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} [آل عمران: 191].

وقوله تعالى: {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} [النحل: 11].

وقوله تعالى: {ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} [النحل: 69].

(6)

انظر: "لسان العرب"(6/ 431).

ص: 1899

وعشرين ساعة.

وأما سؤال السائل عافاه الله عن حديث لو لم تذنبوا إلخ. فهو حديث صحيح (1) ووجه تفسيره صبيح فإن المراد [4 أ] أن هذا النوع الإنساني ليس بمعصوم عن (2) مقارفة الذنوب ولهذا جعل الله سبحانه في الآخرة دار نعيم وهي الجنة ودار عذاب وهي النار، فلو فرضنا أن هذا النوع لا يذنب منهم أحد لكانوا غير بني آدم، ولجاء الله سبحانه بقوم يطيعون ويعصون كما سبق به قدر الله عز وجل، وخلق لهم الجنة والنار لكن هؤلاء بنو آدم هم الذين يطيعون ويعصون فلم يخلق الله سبحانه خلقًا يكونون في الدنيا غيرهم وفاءً بما جرى به قلم القضاء الرباني.

وأما سؤاله عافاه الله عن الذي يقرأ القرآن ولا يعرف معناه كالعوام فنقول: الأجر على تلاوة القرآن ثابت، لكنه إذا كان يتدبر معانيه ويمكنه فهمه فأجر مضاعف، وأما أصل الثواب لمجرد التلاوة (3) فلا شك فيه والله سبحانه لا يضيع عمل عامل (4) وتلاوة كتابه سبحانه من أشرف الأعمال لفاهمٍ وغير فاهمٍ، وإذا أضاع أحدٌ ما اشتمل عليه القرآن من الأحكام أثم من جهة الإضاعة لا من جهة التلاوة.

(1) انظر الرسالة رقم (55) من مجلدنا هذا.

(2)

انظر "المرجع السابق".

(3)

منها: ما أخرجه الترمذي رقم (2910) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".

وهو حديث صحيح.

ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (804). عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه".

وهو حديث صحيح.

(4)

يشير إلى قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض .... } [آل عمران: 195].

ص: 1900

حرره المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله له صبح يوم الثلاثاء خاتمة شهر جمادى الآخرة من شهور سنة 1244 انتهى لفظ الجواب بحروفه المنقولة من خط اليد الطولى التي لم تشب بقصر، ولكنها صاغت الدرر ونظمتها في سلك من الذهب الأحمر، وقلدها سوالف الجيد الأنور، والعنق الأزهر، فتزينت بهذه الحلية فرائد المعاني وتساجلن الثناء شكرًا للحافظ الشوكاني برغم أنف كل حاسد وشاني، بقلم الناقل الحقير أخي القصور والتقصير محمد بن محمد بن أحسن الأخفش غفر الله له ولآبائه ولمشائخه في الدين، ولجميع إخوانه المؤمنين وصلى الله وسلم على سيد البشر وآله الغرر وصحبه الدرر آمين.

ص: 1901