الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(48)
14/ 5
الأذكار (جواب على بعض الأحاديث المتعارضة فيها)
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 -
عنوان الرسالة: (الأذكار: جواب على بعض الأحاديث المتعارضة فيها).
2 -
موضوع الرسالة: في " الحديث ".
3 -
أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قال حين يصبح. . .
4 -
آخر الرسالة:. . . وفي هذا كفاية، والله ولي التوفيق، كتب من خط المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله له، حرر في النصف من شهر شعبان الكريم سنة 1243، تمت بحمد الله.
5 -
نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 -
عدد الصفحات: (2) صفحة.
7 -
عدد الأسطر في الصفحة: (29 - 32) سطرا.
8 -
عدد الكلمات في السطر: (17 - 20) كلمة.
9 -
الرسالة من المجلد الخامس من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه " رواه مسلم (1)، وأبو داود (2)، والترمذي (3)، والنسائي (4)، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا (5) من الشيطان الرجيم يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك " رواه الجماعة (6) إلا أبا داود، كثر الله فوائدكم، ونفع المسلمين والإسلام بعلومكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أشكل على محبكم تعارض هذين الحديثين في الأفضلية، فأفشوا الغليل بما سنح من الجواب الشافي - كتب الله ثوابكم -، وإذا بسطتم الجواب لتتم الفائدة ويزول الإشكال فالأجر مضاعف - كتب الله ثوابكم -.
(1) في صحيحه رقم (28/ 2691).
(2)
في " السنن " رقم (5091).
(3)
في " السنن " رقم (3469).
(4)
في " عمل اليوم والليلة " رقم (568)، كلهم من حديث أبي هريرة، وهو حديث صحيح.
(5)
يعني: أن الله تعالى يحفظه من الشيطان في ذلك اليوم، فلا يقدر منه على زلة ولا وسوسة ببركة تلك الكلمات.
(6)
أخرجه البخاري رقم (3293)، ومسلم رقم (29/ 2692)، والترمذي رقم (3468)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " رقم (826)، وابن ماجه رقم (3789).
الجواب من سيدنا العلامة شيخ الإسلام وشفاء الأوام العالم الرباني محمد بن علي الشوكاني - مد الله مدته، وأكثر إفادته -:
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب - وبالله الاستعانة، وعليه التوكل -: إن الحديثين صحيحان، وقد دل كل واحد منهما على أن فاعل أحدهما قد جاء بما يعظم أجره ويكثر ثوابه، حتى أنه لا يؤجر أحد من العباد فيما جاء به من الأذكار أو سائر القربات التي شرعها الله سبحانه لعباده بمثل أجره إلا من جاء بما جاء به، وهو أن يقول كما قال، فالذي ذكر الله سبحانه فقال: لا إله (1) إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء
(1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 17 - 18): هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة، ويكون له ثواب آخر على الزيادة، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة.
ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة، سواء كانت من التهليل أو من غيره أو منه ومن غيره، وهذا الاحتمال أظهر، والله أعلم.
وظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه، سواء قاله متوالية أو متفرقة، في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزًا له في جميع نهاره.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث التهليل: ومحيت عنه مائة سيئة، وفي حديث التسبيح: حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، ظاهره أن التسبيح أفضل، وقد قال في حديث التهليل: ولم يأت أحد أفضل مما جاء به.
قال القاضي عياض في " إكمال المعلم بفوائد مسلم "(8/ 192): ويحتمل الجمع بينهما أن حديث التهليل أفضل، وأنه إنما زيد في الحسنات ومحي من السيئات المحصورة، ثم جعل له من فضل عتق الرقاب ما قد زاد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا؛ لأنه قد جاء أنه " من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار "، أخرجه البخاري رقم (2517)، ومسلم رقم (1509) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فهنا قد حصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعد حصر ما عد منها خصوصًا مع زيادة مائة درجة، وما زاده عتق الرقاب الزائدة عن الواحدة.
وقد جاء في الحديث (أ)(يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم رقم (32/ 2695) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خير مما طلعت عليه الشمس ".) هنا أيضًا: أفضل الذكر التهليل، وأنه أفضل ما قاله عليه السلام والنبيون من قبله، وقد قيل إنه اسم الله الأعظم، وهي كلمة الإخلاص.
قدير، مائة مرة لا يؤجر أحد من العباد بمثل أجره، إلا من قال كما قال، والذي ذكر الله سبحانه (1) فقال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لا يؤجر أحد من العباد بمثل أجره إلا من قال كما قال، ولا إشكال في ذلك بالنسبة إلى من لم يذكر الله تعالى بأحد الذكرين؛ لأنه لم يأت بما وقع النص عليه في الحديثين أن الذاكر بأحدهما لا يؤجر أحد من العباد بمثل أجره؛ لأنه خارج عن الأحد الذي ذكر الله سبحانه بأحد الذكرين، فلم يقل كما قال الذاكر بأحد الذكرين، فلا يستحق مثل أجره، وأما باعتبار الشخصين الذاكر كل واحد منهما بأحد الذكرين دون الآخر، فقد جاء كل واحد منهما بما يستحق به من الأجر أن لا يعطى أحد مثلما أعطي من الثواب إلا من قال مثل قوله، فالذاكر بقوله: سبحان الله وبحمده حين يصبح وحين يمسي مائة مرة، لم يذكر بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
(1) التسبيح بمعنى التنزيه عما لا يليق به جل جلاله من الشريك والصاحبة والولد والنقائص مطلقًا، وسمات الحدوث مطلقًا.
وقال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "(1/ 276): عن طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله فقال: " هو تنزيه الله عز وجل عن كل سوء "، وهو مشتق من السبح وهو الجري والذهاب، قال تعالى:(إن لك في النهار سبحًا طويلا)، فالمسبح جار في تنزيه الله تعالى وتبرئته من السوء.
وقال الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن (ص 392): والتسبيح: تنزيه الله تعالى، وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل الإبعاد في الشر، فقيل: أبعده الله، وجعل التسبيح عاما في العبادات قولا كان أو فعلا أو نية.
والذاكر بقوله: لا إله إلا الله إلخ، لم يذكر بقوله: سبحان الله وبحمده إلخ، مع استحقاق كل واحد منهما لأجر لا يظفر به إلا من قال مثل قوله، ولم يقل أحدهما بما قاله الآخر، بل قال بما يساويه في المبالغة في الثواب إلى حد لا يماثله أحد، ولا يحصل لغيره إلا من قال مثل قوله، فلا بد من الجمع بين الحديثين بأن يقال: الذاكر بأحد الذكرين مخصص من عموم الحديث الآخر، فالذاكر بأحدهما قد حصل له من الأجر بالنسبة إلى جميع الذاكرين من العباد ما لا يحصل لواحد منهم إلا من قال مثل قوله، فيدخل كل فرد من أفراد العباد تحت هذا العموم الشمولي إلا من قال بالذكر المذكور، أو بما يساويه، وهو الذكر الآخر.
فعرفت أن كل واحد من الذاكرين شامل لجميع الذاكرين مخصص تخصيصا متصلا بمن قال مثل قوله، ومخصص تخصيصا منفصلا بمن قال بالذكر الآخر المساوي له، وهو أن يعطى أجرًا [1 أ] لا يناله إلا من قال مثل قوله، وإيضاح هذا التخصيص أن يقال بأحد الذكرين قد تساوى القائل بالذكر الآخر في حصول المزية له، وهي أنه لا ينال مثل أجره إلا من قال مثل قوله، فيكون كل واحد منهما مستثنى من العموم الآخر، فالذاكر بالتسبيح خارج عن العموم المذكور في التوحيد، والذاكر بالتوحيد خارج عن العموم المذكور في التسبيح، وعموم حديث كل واحد منهما إنما هو بالنسبة إلى غيرهما، وهما مخصصان بخروج كل واحد منهما عن عموم الحديث الآخر، فيقال: الذاكر هذا التسبيح قد فضل على كل ذاكر إلا على الذاكر هذا التوحيد، والذاكر بهذا التوحيد قد فضل على كل ذاكر إلا على الذاكر بهذا التسبيح، فلم يبق حينئذ بين الحديثين (1) تعارض بالنسبة إلى
(1) قال القرطبي في " المفهم "(7/ 20): ثم لما كان الذاكران في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كانت أجورهم على ذلك بحسب ما أدركوا، وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الأجور والثواب المذكور في أحاديث الأذكار، فإنك تجد في بعضها ثوابًا عظيمًا مضاعفًا، وتجد تلك الأذكار بأعيانها في رواية أخرى أكثر أو أقل كما اتفق هنا في حديث أبي هريرة المتقدم، فإن فيه ما ذكرناه من الثواب، وتجد تلك الأذكار بأعيانها، وقد علق عليها من ثواب عتق الرقاب أكثر مما علقه على حديث أبي هريرة، وذلك أنه قال في حديث أبي هريرة:" من قال ذلك في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب "، وفي حديث أبي أيوب عند مسلم رقم (29/ 2692): من قالها عشر مرات كانت له عدل أربع رقاب "، وعلى هذا فمن قال ذلك مائة مرة كانت له عدل أربعين رقبة "، وكذلك تجده في غير هذه الأذكار، فيرجع الاختلاف الذي في الأجور لاختلاف أحوال الذاكرين، وبهذا يرتفع الاضطراب بين أحاديث الباب.
فائدة:
وهذه الأجور العظيمة والعوائد الجمة إنما تحصل كاملة لمن قام بحق هذه الكلمات، فأحضر معانيها بقلبه، وتأملها بفهمه، واتضحت له معانيها، وخاض في بحار معرفتها، ورتع في رياض زهرتها، ووصل فيها إلى عين اليقين، فإن لم يكن فإلى علم اليقين، وهذا هو الإحسان في الذكر، فإنه من أعظم العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم:" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
أخرجه مسلم رقم (8)، وأبو داود رقم (4695)، والترمذي رقم (2613)، والنسائي (8/ 97) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.
كل ذاكر بهما لخروجه من عمومه بالتخصيص المنفصل الواقع في الحديث الآخر.
هذا على تقدير أن المبالغة في كل واحد منهما إلى حد لا يأتي بمثل أجره لا من قال مثل قوله يوجب الاشتراك بينهما في أن أجر كل واحد منهما بمنزلة عظيمة، ومزية جليلة محدودة هذا الحد، وقد فعل كل واحد منهما ما يقتضي ذلك، فالمصير إلى التخصيص لا بد منه، أما لو فرضنا أن اتحادهما في تلك المزية لا توجب تساويهما، بل أجر كل واحد منهما مختص بالذكر الذي جاء به، فتكون مزية المسبح بالنسبة إلى المسبحين، ومزية الموحد بالنسبة إلى الموحدين، فلا تعارض بين الحديثين، بل أجر ذلك المسبح بذلك التسبيح قد فضل كل متعرب، ويدخل في ذلك الموحد؛ لأنه لم يأت بذكر التسبيح، وأجر الموحد قد فضل كل متعرب، ويدخل في ذلك المسبح بذلك التسبيح؛ لأنه لم يأت بذكر التوحيد، فعرفت بهذا أن لك في الكلام على الجمع بين الحديثين وجهين يزول الإشكال بكل واحد منهما.
ونوضح هذا من الوجهين بمثال يرتفع عنده الإشكال، فنقول مثلا: لو خرج على السلطان خارجان، كل واحد منهما في جيش، فبعث لحربه أميرين، مع كل واحد منهما
جيش، فقال السلطان لكل طائفة من طائفتي الجيشين المبعوثين مع الأميرين: من جاء منكم برأس أحد الخارجين علينا أعطيه من الجائزة ما لا أعطيه أحدًا، فهذا الكلام يحتمل أن يريد السلطان أن من جاء برأس واحد من الخارجين أعطاه من الجائزة ما لا يعطيه أحدا من الناس الخارجين مع الأميرين، ويحتمل أن يريد ما لا يعطيه أحدا من الناس الخارجين مع كل أمير من الأميرين خطابا لكل واحد من الرجلين المرغبين في العطية.
وعلى المثال الأول يحصل التعارض بين الرجلين، ويجمع بين الكلامين بأن المراد في ترغيب كل واحد منهما بالنسبة إلى من عدا الآخر الذي رغب بمثل ترغيبه، وعلى المثال الثاني لا تعارض؛ لأن كل واحد من الرجلين وعد بأن يعطى من الجائزة ما لا يعطى أحد من القوم الذي هو منهم مع أميره وجيشه، وفي هذا كفاية، والله ولي التوفيق.
كتب من خط المجيب محمد بن علي الشوكاني - غفر الله له -، حرر النصف من شهر شعبان الكريم سنة 1243، تمت بحمد الله [ا ب].