المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في قول أهل الحديث " رجال إسناده ثقات

- ‌القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بحث في الجواب على من قال أنه لم يقع التعرض لمن في حفظه ضعف من الصحابة

- ‌سؤال عن عدالة جميع الصحابة هل هي مسلمة أم لا

- ‌رفع البأس عن حديث النفس والهم والوسواس

- ‌الأبحاث الوضية في الكلام على حديث (حب الدنيا رأس كل خطية)

- ‌سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه

- ‌الأذكار (جواب على بعض الأحاديث المتعارضة فيها)

- ‌بحث في الكلام على حديث " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد

- ‌جواب عن سؤال خاص بالحديث " لا عهد لظالم " وهل هو موجود فعلا من عدمه

- ‌فوائد في أحاديث فضائل القرآن

- ‌بحث في حديث "لعن الله اليهود لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد

- ‌إتحاف المهرة بالكلام على حديث: "لا عدوى ولا طيرة

- ‌بحث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات

- ‌بحث في حديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم .. إلخ

- ‌بحث في بيان العبدين الصالحين المذكورين في حديث الغدير

- ‌بحث في حديث (أجعل لك صلاتي كلها) وفي تحقيق الصلاة على الآل ومن خصهم

- ‌تنبيه الأعلام على تفسير المشتبهات بين الحلال والحرام

الفصل: ‌سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه

(47)

11/ 5

‌سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 1821

وصف المخطوط (أ):

1 -

عنوان الرسالة: (سؤال عن معنى " بني الإسلام على خمسة أركان " وما يترتب عليه).

2 -

موضوع الرسالة: في " الحديث ".

3 -

أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، هذا سؤال من الحقير عبد الله بن محمد الكبسي إلى مولانا المالك الندي العلامة شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، حفظه الله، وبارك لنا في إمامته. . .

4 -

آخر الرسالة:. . . فهؤلاء فرطوا فيما أوجب الله عليهم من التعليم، كما فرط الجاهلون فيما أوجب الله عليهم من التعلم، وفي هذا المقدار كفاية والحمد لله أولا وآخرا.

5 -

نوع الخط: خط نسخي معتاد.

6 -

عدد الصفحات: (6) صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: (25 - 28) سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: (9 - 11) كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الخامس من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

ص: 1823

وصف المخطوط (ب):

1 -

عنوان الرسالة: سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه.

2 -

موضوع الرسالة: في " الحديث ".

3 -

أول الرسالة: سؤال عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه، وما المراد في بناء الإسلام على خمسة أركان؟ هل يصير له حكم البناء القائم؟

4 -

آخر الرسالة: كما فرط الجاهلون فيما أوجب الله عليهم من التعلم، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والحمد لله أولا وآخرًا، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه.

5 -

نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 -

عدد الصفحات: (4) صفحات.

7 -

عدد الأسطر في الصفحة: (22 - 28) سطرا.

8 -

عدد الكلمات في السطر: (12 - 13) كلمة.

9 -

الرسالة من المجلد الخامس من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني).

ص: 1826

[سؤال: عن معنى بني الإسلام على خمسة أركان وما يترتب عليه، وما المراد في بني الإسلام على خمسة أركان؟ هل يصير له حكم البناء القائم على أركان إذا اختل البعض منها اختل الأصل؟ فإذا كان هذا المراد فأصل الإسلام كلمة التوحيد المحتوية على النفي والإثبات، فهل لا بد لكل مكلف من معرفة قول لا إله إلا الله واستحضار هذا المعنى والموجب لهذا الاستشكال إنما ينبعث أشياء: منها ما صار خلقا وعادة عند تشييع الجنازة، فتنطلق طائفة بالنفي وتقتصر عليه، وطائفة بالاستثناء فقط، ثم قوله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، فهل يكون ذلك في سائر الأركان كالصلاة والزكاة والحج؟ فما حكم من تركها؟ وهل يثبت حكم الإسلام لمن أتى بالبعض منها؟ هذا حاصل السؤال](1).

(1) هذا نص السؤال من (ب).

ص: 1829

[بسم الله الرحمن الرحيم]

الحمد لله رب العالمين، هذا سؤال من الحقير عبد الله بن محمد الكبسي إلى مولانا المالك البدر العلامة شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني حفظه الله وبارك لنا في إمامته، والسؤال هو عن معنى حديث بني (1) الإسلام على خمسة أركان (2) وما يترتب عليه، وما المراد من بناء الإسلام على خمسة؟ هل يصير له حكم البناء القائم على أركان إذا اختل (3) البعض منها اختل أصل البناء، فإذا كان هذا هو المراد فأصل الإسلام وأساسه كلمة التوحيد المحتوية على النفي والإثبات، فالمنفي كل فرد من أفراد حقيقة الإله غير مولانا جل وعلا، ولا ثبت في تلك الحقيقة فرد واحد وهو مولانا جل وعلا، فلا توجد تلك الحقيقة

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (8)، ومسلم رقم (16)، والنسائي (8/ 107 رقم 5001)، والترمذي (5/ 5 رقم 2736).

(2)

الأركان في اللغة: جمع ركن، وهو: أحد الجوانب التي يستند إليها الشيء ويقوم بها، وهو جزء من أجزاء حقيقة الشيء، يقال: ركن الصلاة وركن الوضوء، " المعجم الوسيط "(1/ 372).

والركن في الاصطلاح: " ما يقوم به ذلك الشيء، من التقوم؛ إذ قوام الشيء بركنه، لا من القيام "، " التعريفات للجرجاني "(ص 117).

وقيل: الركن - بضم أوله وسكون ثانيه -: ج أركان وأركن، الجانب القوي من الشيء، والركن: ما لا يقوم الشيء إلا به، ومنه أركان الصلاة، " معجم لغة الفقهاء "(ص 226).

(3)

قال القاضي عياض في " الإيمان من إكمال العلم ": فهي دعائم الإسلام، فمن جحد واحدة منها كفر، ومن ترك واحدة منها لغير عذر وامتنع من فعلها مع إقراره بوجوبها قتل عندنا وعند الكافة، وأخذت الزكاة من الممتنع كرها، وقوتل إن امتنع، إلا الحج لكونه على التراخي.

وقيل: قتل من ترك الفرائض مع الإقرار بوجوبها إنما يكون بعد الاستتابة، قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي:" لا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلي "، انظر:" مجموع الفتاوى "(7/ 259، 610)، " المنهاج "(1/ 212، 2/ 70).

ص: 1830

لغيره، فهذا التركيب الشريف في قولنا: لا إله إلا الله هو نفي الإلهية عن كل شيء، وأنها نهايته، فهل لا بد لكل مكلف من معرفة قولنا لا إله إلا الله، واستحضار هذا المعنى عند التلفظ بها أصلاً والموجب لهذا الاستشكال أني تتبعت أشياء، منها ما صار خلقا وعادة عند تشييع الجنائز من التهليل، فتنطق طائفة بالنفي وتقتصر عليه، والطائفة الأخرى تنطق بالاستثناء فقط، وأنكرت ذلك أنا وغيري مرارا، ولا أحد فهم وجه الإنكار، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها "(1).

ومن حقها فيهم اشتملت عليه [1 ب]، وإذا كان الأمر في هذا الركن المشتمل على التوحيد على هذه الصفة فهل يكون ذلك في سائر الأركان (2)، فالصلاة الواجبة أو ما لا تصح إلا به قطعا لا يتم الإسلام إلا بها، فما حكم من تركها مستمرا، أو في بعض الأحيان، أو ترك ما لا يتم إلا به قطعا، وكذلك الزكاة والصوم والحج؟ فهل يثبت حكم الإسلام لمن

(1) أخرجه البخاري رقم (1399، 6924 و7284 و7285)، ومسلم في صحيحه رقم (32/ 20)، وأبو داود رقم (1556)، والنسائي (5/ 14 - 15)، والترمذي رقم (2607)، وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد (2/ 423، 528) من حديث أبي هريرة.

(2)

فرق بعض أهل العلم بين الفرائض في مسألة القتل حدا أو كفرًا لمن أقر بوجوبها ولم يأت بها:

1 -

إنه يقتل كفرًا لا حدًا بترك واحدة من الأربع حتى الحج إذا عزم على تركه بالكلية، وهو قول طائفة من السلف، وإحدى الروايات عن أحمد، ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية.

2 -

إنه يقتل حدا لا كفرًا، وهو المشهور عند كثير من السلف، وكثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي، وإحدى الروايات عن أحمد، وصححه النووي وغيره.

3 -

إنه يقتل كفرًا لا حدا بترك الصلاة دون غيرها، هو رواية عن أحمد، وقال به كثير من السلف وبعض المالكية والشافعية.

4 -

إنه يقتل كفرًا لا حدا بترك الصلاة والزكاة دون غيرهما.

5 -

إنه يقتل كفرًا لا حدا بترك الصلاة، وبترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها، دون ترك الصوم والحج، وانظر:" مجموع الفتاوى "(7/ 258، 259، 302)، المجموع (3/ 13 - 17).

ص: 1831

أتى بالبعض وترك البعض الآخر؟ فمن تفضلاتكم وعميم إحسانكم الإفادة على كل واحد من الخمسة الأركان، وفيمن أتى بالأكثر منها وترك الأقل، مثل أن يأتي بالصلاة والصوم والحج ويقول الشهادة ويترك الزكاة مثل ثعلبة (1) بن حاطب، أو تساهل بالصلاة وأتى بالأركان الأخرى، وهل يستوي التارك لركن واحد هو والتارك للجميع أصلا؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2).

[ويتلو ذلك جواب مولانا العلامة البدر شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني كثر الله فوائده، وبارك للكافة في أوقاته آمين، بما لفظه:](3)

(1) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره " جامع البيان "(6 ج 10/ 189)، والبغوي في تفسيره (3/ 124)، والسيوطي في " الدر المنثور "(3/ 261)، وابن كثير في تفسيره (4/ 184 - 185).

وفي القصة: " أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه "، وذكر الحديث بطوله في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له وكثرة ماله ومنعه الصدقة، ونزول قوله تعالى:(ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله. . . .)[التوبة: 75].

تنبيه:

قال ابن حزم في " المحلى "(11/ 207 - 208): " على أنه قد روينا أثرًا لا يصح، وأنها نزلت في ثعلبة بن حاطب، وهذا باطل لأن ثعلبة بدري معروف، ثم ساق الحديث بإسناده من طريق معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة، وقال: " وهذا باطل لا شك لأن الله أمر بقبض زكوات أموال المسلمين، وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان، فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلمًا ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته، ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرًا ففرض ألا يبقى في جزيرة العرب، فسقط هذا الأثر بلا شك.

وفي رواته معان بن رفاعة، والقاسم بن عبد الرحمن، وعلي بن يزيد - هو ابن عبد الملك -، وكلهم ضعفاء، وللشيخ " عذاب الحمش " رسالة في نقد هذه القصة جمع فيها أقوال أهل العلم سماها " ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه "، وانظر:" الإصابة "(1/ 516 - 517 رقم 931)، " الثقات "(3/ 46).

(2)

هذا نص السؤال في (أ).

(3)

زيادة من (أ).

ص: 1832

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: بني الإسلام على خمسة أركان أن هذه الخمسة هو التي عليها عمدة الإسلام، لا يتم إلا باجتماعها، فهو من باب الاستعارة تشبيها للأمر المعنوي وهو الإسلام بالأمر الحقيقي الموجود في الخارج وهو الشيء المبني، فكما أن الأبنية الموجودة في الخارج لا تتم إلا بما لا بد منه [2 أ] كذلك الإسلام لا يتم إلا بهذه الأمور الخمسة، وقد أشار إلى هذا المعنى الحقيقي الشاعر بقوله:

والبيت لا ينبني إلا بأعمدة

ولا عمود إذا لم ترس أوتاد

وقد أشار إلى معنى هذا الحديث ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين (1) وغيرهما من طرق أنه لما سئل عن الإسلام فقال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم [1] رمضان، وتحج البيت "، فأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن ماهية الإسلام هي هذه الخمسة، ومما يؤيد أنه لا يتم الإسلام إلا بالقيام بهذه الأركان ما ثبت عنه [صلى الله عليه وآله وسلم] (2) من الحكم بكفر من ترك أحدهما كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة "(3)، ومثل قوله تعالى:{ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (4)، ومثل ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين (5)

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (50)، ومسلم في صحيحه رقم (5/ 9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (1/ 8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(2)

زيادة من (ب).

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (82)، وأحمد (3/ 389)، وأبو داود رقم (4678)، والترمذي رقم (2620)، وابن ماجه رقم (1078) من حديث جابر، وهو حديث صحيح.

(4)

[آل عمران: 97].

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (25)، ومسلم في صحيحه رقم (36/ 22) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 1833

وغيرهما من طرق أنه قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويحجوا البيت "، ثم عقب (1)، ذلك بأن من جاء بهذه فقد عصم ماله ودمه، فأفاد ذلك أن دم من لم يقم بهذه غير معصوم، وكذلك ماله، ولا يكون ذلك إلا لعدم خروجه من دائرة الكفر إلى دائرة الإسلام [إلا بها](2)[2 ب]، وكذلك أجمع الصحابة [رضي الله عنهم] (3) على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه:(والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة)(4)، فقاتل هو والصحابة رضي الله عنهم المانعين من الزكاة وحدها، وحكموا عليهم بالردة، وسموا قتالهم قتال أهل الردة وأما ما [ذكر] (5) السائل عافاه الله من أنه [هل] (6) يجب تصور معنى لا إله إلا الله؟ فهذا التركيب يفهمه كل عربي لا يخفى على أحد كما يفهم معنى قول القائل: ما في الدار إلا زيد، وما جاءني إلا عمرو، وهذا يكفي في القيام بكلمة الشهادة التي هي مفتاح باب دار الإسلام وأعظم ركن من أركانه، وإذا قالها الكافر وجب الكف عنه حتى يشرح الله صدره للإسلام، فيقوم ببقية الأركان، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل كافرا بعد أن قال: لا إله إلا الله، واعتذر بأنه قالها تعوذا من القتل، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم:" أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ "، ثم كرر عليه ذلك حتى تمنى أسامة [رضي الله عنه](7) ما تمناه، وفي قصة أخرى أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم:" ما أمرت أن أفتش عن قلوب الناس "(8) أو

(1) أي: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:. . . فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ".

(2)

زيادة من (أ).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1399) و (1400)، ومسلم في صحيحه رقم (32/ 20) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

في (ب): ذكره.

(6)

زيادة من (أ).

(7)

زيادة من (أ).

(8)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (158/ 96) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.

ص: 1834

كما قال.

وأما ما ذكره السائل [عافاه الله](1) من أنه قد يقول بعض من يحمل الجنازة بالنفي فقط ثم يجيبه الآخر بالإثبات، فلا يخفى [2] أن هؤلاء لهم عذر واضح، وهو أنهم قد جعلوا أنفسهم بمنزلة الشخص الواحد، فكأن مجموع النفي والإثبات [قائم](2) بكل واحد منهم، وهم لا يريدون غير هذا، ولو قيل للنافي: كيف قلت: لا إله فقط، فإن ذلك يستلزم نفي إلهية الرب سبحانه؟ لقال: لم أرد هذا [3 أ]، بل أردت أنه الإله وحده اكتفاء بالاستثناء الواقع من الآخرين، فهذا اللفظ وإن كان مستنكرا (3) وبدعة، ولكنه لا يستلزم ما فهمه السائل، والعمدة على ضمائر القلوب ومقاصد النفوس، ومثل هذا في الابتداع ما يلهج به كثير من المتصوفين (4) في أنه يهمل اللفظ الدال على النفي، ويقتصر على اللفظ الدال على الاستثناء تحرجا منه عن مدلول [بلفظ](5) النفي الشامل، وهو جهل منه، فإن الكلام بتمامه

(1) زيادة من (أ).

(2)

في (أ): قام.

(3)

قال النووي في " الأذكار "(ص 203): واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق، ولا تغتر بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه:" الزم طرق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين ".

وقد صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال الرابع من " الفتوى " رقم (7582):

سؤال: هل يصح تشييع الجنازة مع التهليل والأذان بعد وضعه في اللحد؟ جواب: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شيع جنازة مع التهليل ولا الأذان بعد وضع الميت في لحده، ولا ثبت ذلك عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم، فكان بدعة محدثة، وهي مردودة لقوله صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه البخاري رقم (2697)، ومسلم رقم (1718).

(4)

انظر: البدع والمحدثات وما لا أصل له (ص 359 - 360)، " أحكام الجنائز وبدعها " للألباني (ص 92).

(5)

زيادة من (ب).

ص: 1835

[و](1) لا يتم إلا بمجموع النفي والإثبات، وهو شأن كل استثناء (2) متصل، ومع هذا فتعليم الشارع لأمته أن يقولوا: لا إله إلا الله، يدحض كل شبهة، ويرفع كل جهل، وقد جاء بذلك القرآن الكريم في غير موضع، فهذا المتصوف الجاهل تحرج عن تعليم الله [عز وجل](3) ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وظن بجهله أنه قد جاء بما هو أولى من ذلك، مع أنه جاء بكلام غير مفيد وتركيب ناقص، وليس بمعذور كما عذر الجماعة الذي يقول أحدهم بالنفي والآخر بالإثبات؛ لأن أولئك قد نزلوا أنفسهم منزلة الشخص الواحد وأما قول السائل: فهل يكون ذلك في سائر الأركان

إلخ؟ فنقول: نعم لا بد أن يأتي بكل واحد منها على الصفة المجزية التي لا اختلال فيها، باعتبار ما هو الواجب الذي لا تتم الصورة الشرعية إلا به، فإن انتقض من ذلك ما يخرج [ما](4) جاء به عن الصورة الشرعية [3 ب] فهو بمنزلة من ترك ذلك من الأصل، لكنه إذا كان ذلك لجهله بالوجوب عليه وترك التعلم لما يلزمه فهو من هذه الحيثية [أثم بترك](5) واجب التعلم [3] معذور بالجهل، فلا يكون كمن ترك عالما عامدا؛ لأن جهله بوجوب التعلم مع ظنه بأن الذي افترضه الله عليه هو ما فعله على تلك الصورة الناقصة يدفع عنه معرة الكفر، ولا يدفع عنه معرة الإثم، وقد ثبت أن بعض أهل الكفر تكلم بكلمة (6) الشهادة،

(1) زيادة من (أ).

(2)

وانظر: " الكوكب المنير "(3/ 331)، " نهاية السول "(2/ 124).

(3)

زيادة من (أ).

(4)

في (ب): عما.

(5)

في (أ): أنه ترك.

(6)

أخرج البخاري في صحيحه رقم (2808) من حديث البراء رضي الله عنه يقول: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل، فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرًا ".

وقال الحافظ في " الفتح "(6/ 25): " أخرج ابن إسحاق في المغازي قصة عمرو بن ثابت بإسناد صحيح عن أبي هريرة أنه كان يقول: أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصل صلاة؟ ثم يقول: هو عمرو بن ثابت، قال ابن إسحاق: قال الحصين بن محمد: قلت لمحمود بن لبيد: كيف كانت قصته؟ قال: كان يأبى الإسلام، فلما كان يوم أحد بدا له فأخذ سيفه حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس، فقاتل حتى وقع جريحًا، فوجده قومه في المعركة فقالوا: ما جاء بك؟ أشفقة على قومك أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابني ما أصابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من أهل الجنة ".

ص: 1836

ثم عرض الجهاد فجاهد وقتل، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله [تعالى](1) أدخله الجنة ولم يصل ركعة، فجعل اشتغال هذا بواجب الجهاد عذرا، والجاهل لو علم أن صلاته الواجبة لا تتم بالصلاة التي جاء بها على الصورة الناقصة لجاء بالصورة التامة، وبادر إلى تعلمها، لكن اجتمع تفريط أهل الجهل [عن](2) التعلم، وتفريط أهل العلم عن التعليم، فاشتركت الطائفتان في الإثم؛ لأن الله سبحانه أوجب على العلماء أن يعلموا، وأخذ [الله](3) عليهم الميثاق، فذلك كما في قوله:{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (4)، وفي الآية الأخرى:{إن الذين يكتمون} (5) إلى آخر الآية (6) المصرحة باستحقاقهم للعنة الله عز وجل ولعنة اللاعنين.

فهؤلاء فرطوا فيما أوجب الله عليهم من التعليم، كما فرط الجاهلون فيما أوجب الله عليهم من التعلم، وفي هذا المقدار كفاية [لمن له هداية](7)، والحمد لله أولا وآخرا [4 أ]، [وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه](8).

(1) زيادة من (ب).

(2)

في (ب): من.

(3)

زيادة من (أ).

(4)

[آل عمران: 187].

(5)

[البقرة: 159].

(6)

(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

زيادة من (ب).

ص: 1837